أسيرة الظل 12 Salwa M

2.9K 188 37
                                    

أسيرة الظل
الفصل الثاني عشر

بعدما وصله خبر موت ابنته غرقاً في البحر على يد القراصنة، تلاطمت به المشاعر، فصار كورقة شجر حملتها الرياح لتلقي بها في أحضان موج بحر هائج.. الغضب لإنه أرسلها بعيداً عنه.. الحزن لإنه لن يرآها ثانية، و لأنها لم تشعر في حياتها القصيرة سوى بالحزن و النبذ من كل من عرفوها، حتى هو نفسه.. اليأس لإنه صار وحيداً في هذه الدنيا، كمأفون سقط تحت رحمة لعنة شريرة.. الخوف.. نعم الخوف.. الخوف من أن تتكرر مآساته إن تزوج مرة أخرى، أن يجلب للدنيا طفلاً تعيساً أخر، لا يجد الحب الذي يحتاجه.

مرت بضعة سنوات، أهمل فيها نفسه، و زهد الدنيا، لتسقط مملكته في أيدي الطامعين من حاشيته، إلى أن جآء يوم تغير فيه كل شيء عندما دخلت تلك الفتاة الشابة إلى القصر، و سمعها تصيح في حراسه بأنها تريد مقابلة الملك، و أنها لن تغادر إلا بعد مقابلته. فتح نافذته، فرأى حراسه يدفعونها بقسوة على الأرض في محاولة لإرهابها، كي تغادر، إلا أن ذلك زاد من إصرارها على موقفها، و علو صوتها، فصاحت:
"أتدفعون امرأة جاءت في مظلمة للملك بهذه القسوة يا حماة الحمى؟!!! لإن لم يقابلني الملك، لأشتكيه لمن هو أقوى منه و منكم!"
"و من هو ذاك، يا امرأة؟!"
"ملك الملوك القوي الجبار، الذي خلقني و إياكم!"
"حسناً.. إذهبي من هنا، و إلا زججنا بكِ إلى السجن حتى يوم الحساب!"
هنا لم يتمالك الملك نفسه من الغضب، فصاح:
"أيها الحراس! تعالوا جميعاً إلى قاعة الملك، و أحضروا هذه المرأة معكم! فوراً!!! أسمعتم؟!!!"
"السمع و الطاعة، يا مولاي!"

وصل إلى قاعة الحكم، لينظر في شأن المرأة الشابة، و في شأن حراسه، خاطب حراسه أولاً فقال لهم:
"تخبركم تلك المرأة بأنها ستتظلم للذي خلقها و إيّانا، فتسخرون منها؟!!! تباً لكم!! من أمر بمنع الناس عني؟ تكلموا، و إلا أصدرت أمراً ببتر* أعناقكم* في التو و الحال!!!"
" إنها أوامر الوزير يا مولاي... لاذنب لنا!"
"فليرسل أحد لطلب الوزير، و لتجمع أفراد الحاشية جميعاً الآن! هيا!!!!"

وسط الهرج و المرج الذي حدث، بسبب غضب الملك، الذي كان يزأر بأوامره كأسد إستيقظ من سباته*، كان كل من الملك، و الشابة الواقفة، يتمعن في الأخر.. كلما أدارا أعينهما عن بعضهما، عادت النظرات من تلقاء نفسها، فصار الانجذاب بينهما  كزهرة تلفت بعطرها الفواح إنتباه الفراشات. لتدور هذه الأفكار في عقل كل منهما..
'إنها تشبه زوجتى الراحلة كثيراً، ليست بمثل حسنها، و لكن روحها، و هيئتها.. إن لها نفس شجاعتها أيضاً.. بل أشجع، فشجاعة زوجتي كانت مشبعة بسلطتها كونها من بيت ملكي و زوجة ملك، أما هذه الفتاة الرثة* الثياب، فتبدو من بيت فقير، و مع ذلك تقف كملكة لا تهاب* إلا الله.'
'كم يبدو وسيماً! لا أظنه ظالم كما يقول العامة، فا هو ذا يهبُ لنجدتي من بطش*الحراس، و لم يكن يدري شيئاً عن أن الوزير يمنع العامة من التظلم له. لولا الحزن الذي يملأ عينيه الآسرتين، لبدا أكثر وسامة و أصغر سناً.'

أسيرة الظلWhere stories live. Discover now