المفقود

By tabola03

1.6M 124K 177K

المفقود حكاية عن ذلك الفتى الصغير الذي لطالما آمن بوجود دفء عائلتهِ إذا ما بحث عنه جيداً، إلّا أنّ الحياة تعل... More

01 أول ذكرى
02 مُشعْ
03 القدر
04 النّقاء
05 أمنيتي
06 هذا كافٍ
07 ألدورا
08 الهرب
09 منتصف الليل
10 قبو العاصمة
11 اللعبة
12 الغراب
13 العبيد
14 أب
15 في هيربا
16 في آلبينوس
17 في روبار
18 في بيردو
19 في لوسيدَمْ
20 الحلم
21 إخوتي
22 المهمة الأولى
23 إنعاش
24 أم
25 اليوم المشرق
26 ظلام الشرق
27 موطن أمي
28 نانا
29 آنسة لايتون
30 بداية الفوضى
31 اعتقال
32 القرار
33 الاتفاق
هام جداً
34 مجرد لوحة
35 آسف
36 كابوس
37 غناء
38 الشبيهة
39 الوصول
40 الإعلان
41 الحقيقة
42 الأمير
43 الحل
44 أحاديث
45 بحث
46 شمس وأزهار
47 قطرات
48 مطر
49 عودة
51 بند
52 صخب
53 شبح
54 رواية
55 أسرار
56 المجلس
57 قمر
58 بيدق
59 مرافق
هام جداً
59.5 فارس النمل وعدوه
60 السُّلطة
61 اللورد
62 أمر
63 مهرجان
64 حالة
65 مهانة
66 تحقيق
67 زيارة
68 سيف
69 إصابة
70 صداع
71 إرث
72 التحرك
هام جداً
73 الإبحار
74 محيط
75 لقمة
76 صديقة
77 الجبهة
78 الجنوب
79 غُرز
80 منطق
81 الهجوم
82 لابسوس
83 دموع
84 أغنية
85 نجاة
86 أخ
87 ولاء
88 نور
89 وعاء
90 فراغ
91 سفاح
92 حرية
93 كون
94 فاكهة
95 اعتراف
96 احتفال
97 جواسيس
98 كونكا
99 أحضان
100 وعد
100.5 أشرار
101 القرية
102 رومي كومو
103 سلام
104 زعيم
105 قوقعة
106 أميرة
107 تحالف
108 ألم
109 دفء
110 مواجهة
111 أنانيّاً
112 الوداع
113 الشرق
114 إيغا
115 عهد
116 أليكسا
117 ولادة
118 إمبراطورة

50 حكاية

15.9K 1K 1.2K
By tabola03

مايرون

من كان يتصور بأنني أنا مايرون لومان، سأجلس بأدب وبلا اعتراض تحت توجيهات طفل يصغرني بما لا يقل عن عشر سنوات؟ ... إنه هادئ عندما يفكر، ولكن ما إن تضربه أفكار يراها استثنائية جداً، وأراها أنا لا تستحق كل هذا الانفعال في غالب الوقت، ما إن تجد هذهِ الإضاءات سبيلاً إلى دماغهِ حتى يقفز من مكانهِ وينقشع ما كان يعتريهِ من هدوء في لحظة. ثم يناقشني بسرعة البرق لدرجة اعتقدت بأن شبابي لا يقارن بنضرة شبابهِ، وأنا أعلم يقيناً بأن حماستي عندما يعتريني جنون الأفكار لا تقل عن حماستهِ وفوضويتهِ المفاجئة. ربما نكون متشابهين، إلّا أن كولِن هذا يحب التفكير في هدوء مع نفسهِ، أما أنا فغالب ما يدهش من حولي بالعادة يُفاجئني في خضم الفوضى، الصراخ، الضغط. الهدوء لم يكن يوماً ما أحبّذه بالرغم من نبالة دمائي الأرستقراطية، وهذا بالطبع لا يدل على أنني لا أستطيع التفكير في الهدوء، إنما الأفضل دائماً عند الشدة. كولِن يضعني في موقف الفلاح ليأخذ هو دور النبيل بتفرّدهِ مع ذاتهِ الفكرية. ولأعترف لنفسي ولا أكذب عليها من داعي الكبرياء، أنا أيضاً أرى بأنه من الخسارة ألا يكون فارساً.

في الوقت الحالي أجلس معه وحيديْن في غرفة الأختيْن واللتين بالطبع ليستا هنا. إيريك ما يزال يبحث عما طلبه هو منا بالأمس، وجاد أيضاً ما يزال يقف عند باب غرفة الأمير، ولهذا الوقوف سبب مقنع اقترحه كولِن نفسه. فبعدما أنقذ هذا الطفل مع أخيهِ الشرقي رقابنا من غضب الملك، مُعلناً بأنه لن يوجد من هو مثلي في الجيش الملكي بمبالغة كبيرة، تناقش معنا حول ما يراه مناسباً للوقت الراهن. لم يكن يأمرنا بل خيّرنا غير واعٍ بأن كلمته علت بمقدار كلمات الملك كريس ما إن أعرب هذا الأخير بأننا ما نزال حيث نحن لأنه، هو كولِن، من أراد ذلك. اقترح أن يظل واحد منا كحارس مرافق أينما ذهب الأمير كي لا ينتشر ما هو أسوأ عنا إن لاحظ من في القصر اختفاءنا المفاجئ من جانب سموّهِ، متجاهلين هكذا الفرصة التي تكرّم بها الملك بعتقنا من العقاب. تمثيلية بمعنى أصح وزيادة حراسة أيضاً، فالشرقي المدعو ساي هو خط الحماية الحقيقي لأنه، كما تفاجأنا، نينجا محترف. لم يتوقفوا عن شتم الأمير والسخرية منه بالأمس وهم في الوقت ذاتهِ يعملون له ومن أجلهِ، إخوة كما يصفون أنفسهم ولا يرون بأنهم يتحولون هكذا وبشكل تدريجي إلى تابعين.

مفهوم الأخوة العاطفي لم يكن له مساحة كافية في قلبي قط. هذهِ الرابطة لا ترتقي دائماً للتوقعات المُلقاة عليها، ولا تستحق أن يُضرب بها المثل على أنها أرقى الفضائل وأنبل الصفات وأكثرها صدقاً. الصداقة ببساطة أكثر شفافية وأقل ابتذالاً. ولربما ما حدث لي في ليلة يوم العثور على الأمير هو ما ذكرني بمدى ضيق أصالة هذا المفهوم في عالمي.

كنت كالشبح أجر أذيال الخيبة التي كانت بوزن الجبال من روع ما حدث، أنا وإيريك وجاد، كنا ثلاثتنا في حالة مزرية عندما ارتمينا بين صناديق مؤن الحصن. لم نكن نتحدث، فقط ننظر إلى السقف وكأن مشهد الأمير الدامي على العرش القرمزي مرسوم أعلاه. اعتقدتُ بأننا سنظل في تلك الوضعية حتى الصباح، ولم يخطر لي بأن أخي جيرالد سينتشلني فجأة من الأرض ويثبتني على الجدار كمسمار، أخي دانيال كان يضع وجه عفريت ساخط بجانبهِ.

"اسمعني جيداً مايرون، نحن نعلم بأنك فارس استثنائي خدم المملكة بكل تفاني، ونفتخر بك كأخ صغير لنا، وبل نحبك حباً شديداً! ولكن الأمور تختلف قليلاً هنا في القصر، لن نمانع أن ترمي بنفسك في جحيم الشرقيين، بل على العكس سيكون رائعاً لو تموت في سبيل المملكة ليذيع صيت اسم عائلة لومان، ولكن أن يُكلفك الملك بحماية الأمير نفسه وتفشل في اليوم التالي على الفور فذلك ما لا نستطيع غفرانه مايرون، كنت دائماً أول من يندفع وأول من يُثنى عليهِ ويوبخ بسبب تهورهِ في صغرنا، أفهمت؟ صغرنا مايرون لا ونحن كبار وفرسان نعمل تحت إمرة الملك مباشرة!"

"لا تعتقد بأن غفران الملك لك هو بمثابة تكريم، بل ضع في حسبانك بأنني أنا وجيرالد، قائديْ السريتين الأولى والثانية للجيش الملكي، إن لاحظنا أي تراخي أو وحدث أن قرصت سمو الأمير بقة فسنطالب برسمية عند للملك وأبينا أن تتحمل أنت المسؤولية ونتبرأ منك للأبد. نعم نحن إخوة ولكننا لن نساوم على شرف عائلتنا التي حافظت على مدى قرون مكانتها واستحقاقها في خدمة البلاط، لتدمره أنت بضعفك في غضون يوم وليلة"

أعلم بأنهما يكنّان المحبة لي ولا شك في ذلك أبداً، إنما هذهِ المحبة لم تكن كافية لِألّا أكون بيدق علو وانحطاط اسم العائلة بالنسبة لهما. بعدما سقطتُ على الأرض وجمهور الجنود تبعثر من جبروت القائدين النبيليْن، وضع إريك يده على كتفي الأيمن وجاد على كتفي الأيسر، وظلا وبتلك الوضعية، يهزانني هزا خفيفاً، وكأنهما يُنقيانني من الكلمات المهددة. هما لا يعرفان كيف يؤنباني كما يفعل جيرالد ودانيال.

"اللوردات يعلمون كيف يبقون أيديهم نظيفة باحترافية تامة، بدأت الشكوك تساورني بخصوص المزيد منهم، ما قولك أيها السافل، أترى بأن اللورد مارتينسون يستحق أن نوسّع نطاق تحقيقنا فيه؟"

"توقف عن نعتي بالسافل أيها الطفل"

"إذاً توقف أنت أولاً عن نعتي بالطفل، وحاول أن تثبت بأنك لست سافلاً يحاول اللحاق برين والسخرية من ندبتها"

"من سيسخر من ندبتها هو سافل يستحق الموت، لا تضمني معهم"، إنه يبتسم بتوعد وأعلم بأنه في قرارة نفسه يكرهني، وأنا أكرهه، ولكننا ولسبب غريب ننسجم أكثر من انسجام حب أخويّ لي.

"اللورد مارتينسون مغفل جداً على أن تشك بهِ شخصياً، ولكن من السهل جداً التلاعب بهِ"

"من قِبل اللورد بلاكمان مثلاً؟"

"لماذا أنت مصر على هذا اللورد بالذات؟ ما جمعته لك هي مستندات طبيعية يستطيع أي تاجر العثور عليها، مجرد إيداعات وإيرادات لأموال مقاطعات المملكة، ولا أستطيع فهم كيف تشك بهِ منها فقط"

"لدي علم مسبق بأن اللورد بلاكمان كان يتعامل مع قبو العاصمة ويسمح بتعذيب الشرقيين في الحصون، احتراق القبو كان في صالحهِ ولكنني أستطيع جمع الأدلة من المقاطعات التابعة له، الأموال التي تختفي بقدرة قادر لا تذهب للجحيم، وما إن أكتشف أين تُصرف وفي ماذا، أستطيع بذلك اعتقال هذا اللورد وطردهِ من محيط الملك وماتيو"

"أنت تعلم بأن الأمير يمتلك مطلق السلطة في طرد من يشاء، أليس كذلك؟"

"لن أدع ماتيو يظهر كالمغفل الذي يطرد الناس بعشوائية فور رجوعهِ، يجب أن تكون الأدلة ماثلة والحجة في جانبهِ، هو لم يدخل المجلس من الأساس ليتخذ مثل هذهِ القرارات الحاسمة بعد"

"أنت لا تعلم أين تُقحم نفسك يا كولِن، سلطة اللوردات ليست بالأمر السهل الذي تستطيع إسقاطه بمجرد تحقيقات ودلائل"

"سيسقطون إن سقط رأس الحية أيها القائد، إنهم عصبة يقودهم رجل واحد، أنت نفسك قلت لي بأن اختطاف ماتيو ما هو إلا مكيدة، اختلفوا بينهم واتفقوا على إقصاء اللورد كولمان، خدعوه لإدخال رجل متعصب للقصر لغرض ما، ثم دبّروا خطة لهذا المنحرف وزودوه بختم الملك وختم اللورد كولمان بدون علمهِ، هم يعلمون أن الملك كريس لن يتفاهم إن عنى الأمر فقدان حياة ماتيو، رئيسهم داهية وعلى ما يبدو لا يهتم إن مات الوريث"

"وأنت تعتقد بأن هذا الداهية سيسمح للمزيد من المتعصبين والمنحرفين بالدخول؟ ولربما يكون اللورد بلاكمان؟"

"لستُ واثقاً إن كان سيُدخل المزيد من المنحرفين ولكنه ربما يمتلك مصالح إن انتهى الحكم الملكي، ولماذا هذا الاحتمال؟ لأنه كان يستطيع التخلص من اللورد كولمان بطرق لا تهدد حياة ماتيو، وهذا وحده ما زاد من شكوكي بأن حادثة كتلك من الممكن أن تتكرر، وبالطبع لا أعلم إن كان اللورد بلاكمان هو المُدبر ولكنه ولا شك من ضمن العصبة"

عقدتُ ذراعي مُتأملاً ابتسامته الواثقة من كل ما يستنتجه عقله، هذا الكولِن لا يُستهان بهِ بسهولة.

"أخبرني كولِن، هل يعلم الأمير عن كل هذا؟"

"لا على الإطلاق، بالأمس فقط قرر الاشتراك معنا في عملية البحث عن الخاطف ولم نتطرق في هذا الحديث"

أسندتُ يدي على ذقني: "أتعلم... كان من الأفضل لو كنت أنت الأمير المفقود"

توقف عن تقليب الأوراق، ارتفع جذعه ومال برأسهِ لليمين قليلاً، ضاقت عينيهِ ليرمقني جيداً، ثم قال: "لعلمك أيها القائد مايرون، ماتيو يستطيع وضع خطط أفضل مني، التعامل مع أي معضلة وحلها أسرع مني، وبكل سهولة السيطرة على مجلس اللوردات، ولكنه لا يفعل ذلك، أتعلم لماذا؟ لأنه ليس مهتماً، إن فكره وعقله الآن مشغوليْن بالملك والملكة لا بثعابين المجلس، وما إن يولي اهتمامه لهم فصدقني سينقلب هذا القصر رأساً على عقب، أنا فقط هنا لُأسرع الأمور لا أكثر، وأنصحك أن تفتح هاتيْن العينين قبل أن يُفاجئك أخي على حين غفلة منك"

"سأضع هذهِ الملحوظة بعين الاعتبار، حرفياً بالعين، وأرجو ألا تكون قد شعرت بالاستياء مما قلته، فكما أذكر أكّدت لي بأننا شركاء ولسنا تابعين لأقلق على ما يُقال"

ابتسم بعرض ابتسامتي: "لا على الإطلاق، الصراحة بيننا مهمة أيها السافل"

"لا أستطيع أن أوافق أكثر أيها الطفل"

لا أعلم لماذا تصافحنا من جديد، إنه لأمر غريب أن أكره وأُعجب بشخص لهذهِ الدرجة، فهو وبلا شك أبداً، مؤمن بما قاله للتو عن الأمير إيماناً عميقاً كافيا لأرفع سقف التوقعات حتى السماء.

دخل علينا ذو الضفيرة الطويلة، داي، قائلاً عند الباب: "نحتاجك لإيقاظ القرد، أزعجني ساي لأنه غير قادر على الفكاك من حضنهِ" نهض زافراً الهواء بتقاعس، ولأكون صريحاً مع نفسي للمرة الثانية، يبدو لي كأم حامية للأمير أيضاً.

ذو الضفيرة هذا هو من يفترض أن تتزوجه الملاك كما تقول هانا، أعلم بأنها مجرد خيالات لطفلة صغيرة ولكنني ومن أسلوبهِ الساخر ونحن نتناقش بالأمس، لا أريد أن أتخيله حتى كمنافس للحب. أُطرق رأسي كما أفعل الآن عندما تعتريني هذهِ الأفكار، فأنا وبكل تأكيد سقطت من عينيها الزمردتين بفشل حماية أخيها من الخطر.

"أُتريد بعض الشاي المُهدئ؟"

هم هكذا الملائكة، يفاجؤون الناس في أوج انكسارهم وتعاظم الحزن في قلوبهم، فيُسارعون في مد يد ناعمة تحمل بلسماً يشفي العلل ويزيلها مع ابتسامات مودة، مثلها هي، مثل ما تفعله الآن، تُفاجئني بمجيئها وأنا أُفكر فيها مُتناسياً بأنها كانت منذ الأمس تجلس في الغرفة المقابلة، تعتني بالأمير كما توجب عليها هويتها الملائكية.

"أُتريد الشاي أيها القائد أم لا؟"

كيف تقول الأنفس البائسة لتلك المحسنة لا؟ ... تناولته وكادت اللحظة تقهرني فتدمع عيني من وجودها في هذا العالم فقط. لم أدمع، شربت ما أهدتني بصمت.

"أتشعر بتحسن الآن؟"

"شكراً لكِ، أنا لا أستحق كل هذهِ العناية منكِ"

ضحكت بخفة هزّت كل ما بداخلي.

"أنت درامي جداً، من الواضح بأنك تشعر بتأنيب ضمير ثقيل بسبب ما حدث، ولابد من أنك عانيت وأنت تحتملهم بالأمس، أعلم كيف يُصبح إخوتي مصدر إزعاج على الرغم من نواياهم الطيبة، وعملي هو بالعادة تنظيف فوضاهم، فلا تحمل كل هذا الهم أيها القائد، أُقدّر وجودك بجانبهم وأتمنى أن تظل كذلك في المستقبل، إن ظللت على هذهِ الحال بمجرد حادثة واحدة فلن تستطيع مواكبة مخاطر نحسنا"

"حياة أخيكِ كانت على المحك، لا داعي لمواساتي هكذا..."

أعلم بأنني في هذهِ اللحظة وغد حقير يرفض الكلمات الحانية، تقديم الشاي لا بأس بهِ ولكن إجبار نفسها على التعاطف مع من لا يستحق العطف مثلي هو أمر لا يجب أن يحدث، الحقيقة حقيقة ولا يجب الكذب بشأنها، لا عليّ ولا على نفسها. هذا ما كنت آمل أن يصلها فترجع أدراجها خائبة الأمل مني، ولم، ولا في تصوراتي كلها، أتوقع منها وضع ابتسامة ذات طابع مختلف، غير آمن، غير متعاطف، ولكن وفي الوقت ذاتهِ رائع من شدة الرعب.

"وأنا التي اعتقدت بأنك لست طفلاً عنيداً مثلهم، قلت لك بأنني ممتنة لوجودك بجانب إخوتي ولا داعي لتأنيب الضمير هذا، فأين المشكلة بتقبل ما أقوله أيها القائد؟ أعليّ أن أحتمل تقلبات مزاجك أنت وفرسانك أيضاً؟ يكفيني أربعة أطفال يعيشون المراهقة ونفسياتها بشكل ممتاز، فلذلك أيها القائد إن لم تتوقف عن أخذ دور المنكسر المحبط سأضيف لك في الشاي أموراً لن تسعد بها معدتك وأمعاؤك، ثق بي وبخبرتي كصانعة أعشاب طبية، أهذا مفهوم؟"

"م-مفهوم!"

دارت بجذعها وأنا الغبي ما أزال جالساً بفكّ يكاد يقع مما تلقيت من صدمة، فنهضت مسرعاً وبِنيّة الاعتذار لها على ما بدر مني من حماقة، بل ووصل فيني الجنون لدرجة اتخاذ قراري بالاعتراف لها الآن وحالاً! ولكن جسماً صغيراً اندفع في حضني فوقعتُ على الأرض بدرعي وبأُمنيات الاعتراف كلها.

"العب معي أيها الفارس!"

"آه يا هانا... لا بأس سألعب معكِ، ما الذي تريدين لعبه؟"

"تخمين الكلمات!"

خرجت ملاكي رين وقد بدى عليها الرضى من صداقتي مع أختها الصغيرة والتي، وللأسف الشديد، لا تمتلك ذرة رحمة اتجاهي. دخل إيريك الغرفة وبعيون متشككة من حضني الأرضي مع هانا سأل: "ما الذي تفعله؟"

"أنا أحبها..."

لنقل بأن من حسن حظي الرائع دخول كولِن وداي في تلك اللحظة التي اعترفت بها للهواء، ونتيجة لذلك حلّ الدمار في مناطق متنوعة من جسدي من سوء الفهم المريع بشأن اختهم الصغيرة، وللأسف كان إيريك يشاركهم هذا الاعتقاد الباطل. ولم يمنعني هذا الألم من إعادة رسم ابتسامة الملاك الرائعة في ذهني فرحاً بتقدمي خطوة إلى داخل قلبها.

ملاكي رين... سأتعاون مع إخوتك بجدية أكبر فقط من أجلكِ أنتِ... وسأتمنى في قلبي أن أحظى بالشاي الرائع الذي تعدينه باهتمام وإن لم يُعجب معدتي وأمعائي.

...

ساي

لم أنزعج يوماً من أحضان ماتيو أثناء النوم مثل كولِن وداي، أنا بالعادة أتقبل هذا الطقس المحرج لأنه يحدث في الظلام وبسرية، فهو ينهض من سريرهِ شبه نائم ويرتمي في سرير أحدنا بلا إثارة جلبة، قد يكون التنفس صعبا بسبب عادتهِ بالإطباق على الرقاب إلا أن النوم ليس مستحيلاً. نعم هذا الأمر كان ينفع في المنزل فلن يدخل علينا أحد ماعدا رين التي لا أشعر بالحرج منها، أما الآن، في القصر الملكي، فهذا الأمر لا ينفع إطلاقاً بسبب جيش الخدم الجاهز لتعذيبنا كل صباح.

"داي أرجوك... ألا يمكنك مناداة كولِن لإيقاظ ماتيو؟"

كان عديم الضمير هذا يختبر شيئاً على قطعة قماش أخذها من أريكة غرفة الاختطاف، ما تزال الوساوس تزعجه بشأن المخدر. وعلى الجهة الأخرى من الغرفة تُلبس أربع خادمات هانا فستانها الزهري، بينما تُحضّر رين شيئاً بالمدفئة التي غدت فرناً لها.

"داي... رين... أرجوكما..."

لا أستطيع احتمال سماع ضحكاتهن وأنا في حضن ماتيو هكذا، قررت بعد عملية البحث عنه بأنني سأتوارى عن الأنظار استعداداً لأي طارئ، وها أنا الآن عرضة للمزيد من الشائعات التي ستجعلني أبرز أكثر.

"داي..."

"سحقاً ساي لقد سمعتك!"

ترك ما بيدهِ متوجهاً للغرفة المقابلة، أعلم بأنه مثل كولِن لا يحب أن يقاطع شيء حبل أفكاره، ولولا عجزي عن إيقاظ ماتيو من نومهِ الثقيل لما قاطعته. عاد وكولِن يضع وجهاً أكثر انزعاجاً منه، وكلما هزني المنقذ بشدة مع ماتيو كلما تساءلت أكثر: ما ذنبي أنا لأتلقى كل هذا الامتعاض؟

وقعنا على الأرض بعدما ركلنا كولِن بلا إنسانية، وأنا للآن غير قادر على تفهم كيف يفعل كل هذا بشخص نائم؟ لا عجب أن يكون الوحيد القادر على إيقاظهِ. استفاق ماتيو وتمتم بكلمات غير مفهومة حتى عاد إحساسه بالعالم وأخيراً، قال له كولِن: "اجهز بسرعة قبل أن تستدعي وصيفات الملكة المزيد من الخدم، هناك أمور يجب أن نتحدث بشأنها"

"بعد الاطمئنان على الملكة كولِن، يجب أن أحدث الملك عن موضوع الخاطف أيضاً"

"لن تجده عند الملكة، قال السافل بأنه في المجلس منذ الصباح مع قواد أتوا من الجبهة الجنوبية"

"هذا الرجل يعيش في المجلس أكثر من غرفتهِ الخاصة، سأُرسل له مبعوثاً إذاً"

كانت الدهشة جلية على وجوهنا، فأكمل هو قائلاً: "ماذا؟ وصيفة الملكة قالت لي بالأمس بأنني أستطيع إرسال مبعوث عندما لا يكون متواجداً، قالت لي أيضاً بأن الملكة كانت تزعجه بهم في السابق عندما تطول اجتماعاته"

قال داي مع رفع حاجب: "أتنوي إزعاجه أنت أيضاً؟"

"لا أيها المغفل، فقط سأخبره بأن يمر علينا ما إن ينتهي من اجتماعه لنحدثه فيما اتفقنا، من أنا لأزعجه وهو يتعامل مع حرب؟"

أعلم تمام العلم أسباب اتساع ابتسامة كولِن الملتوية الآن، فأخي طيب النوايا هذا من الخطر جداً أن يمتلك السلطة، هو وبلا تردد سيستغلها استغلالاً انتهازياً لتحقيق أهدافه. ماتيو لا يمتلك هذا الطبع وإن كان يحب اتخاذ القرارات عندما نُحاصر. ولأنه اليوم ولأول مرة قرر الاستفادة من سلطتهِ كأمير، ولو حتى بإرسال مبعوث، فلن يتوقف كولِن عن التبسم في وجههِ فرحاً بهذا التقدم، والشيطان وحده يعلم ماذا سيحدث ما إن يجلس على العرش في غرفة الاجتماعات. أعلم بأنه لن يجبر ماتيو على أي شيء، سينتظره وننتظره معه، فكلما أثار شيء انتباه ماتيو بنفسهِ، كلما كانت النتائج أفضل، والعكس صحيح.

ومكاني واضح بين كل هذا، فإن كان على كولِن أن يسطع كواجهة تتحدى، يجب عليّ أنا إذاً أن أندمج مع الظلال لإكمال ما لم يكتمل، مثل النينجا تماماً، سأعود لنشاطات لا تتطلب مني فقط سلب الأرواح.

وهذا ما فعلته بالضبط ما إن لحقت بكولِن وداي الذي قرر إنهاء عمله لاحقاً، فجميع الجهود يجب أن تشحذ نحو هدفنا الأول، مجلس الملك، وأنا دوري هنا يقتصر على ماتيو وحده، أي حمايته لأربع وعشرين ساعة بدون أن يعلم هو ذلك. حيّيتُ كولِن وداي وأنا أبتعد عنهما نحو أقرب نافذة وأخرج منها مختبئاً بين الستائر، أرتدي أسفل ملابسي الغربية ملابس النينجا، وكل ما عليّ فعله هو خلعها لأظل بالسواد، أُخبئها لأعود لها ما إن يعود ماتيو إلى الغرفة فأرتديها وكأنني لم أغادر موقعي قط. وعلى هذهِ الوتيرة سأستمر كلما انفصلت عنه.

بالأمس كنت أقف متوارياً عند شرفة غرفة الملك والملكة، صامت، حالي كحال الأحجار المصفوفة في الجدران. وعلى الرغم من أنني لم أسمع أي كلمة ولم أقرأ أي شفاه، إلا أنني استطعتُ استشفاف مدى حماسة ماتيو مع الملك في الحديث، انخفضا لمستوى قول الأسرار فاعتقدت بأن أمري قد كُشف، إلا أنه كان مجرد تقارب ودي بينهما لا أكثر. وأعترف بأن وجهي احمرّ عندما قبّل ماتيو جبهة الملكة. أنا لستُ جاسوساً عليهِ فلم أخبر الباقيين عن كل هذا، وعن كيف أحسستُ بأنه حقاً عاد لمكانهِ الصحيح وما كان عليهِ أن يُؤخذ منه. ولن أمانع الآن أبداً أن يعود الزمن للوراء ليُمنع هذا الاختطاف، لستُ أهتم إن تحولت إلى عبد شرقي منسي إن كان هو سيحظى بكل هذهِ السعادة.

الغابة هي المكان الوحيد الذي قررنا بأنه لا بأس أن يدخلها بلا حماية، أنا الذي سأحتاج إلى حماية هناك. والسؤال الآن... هل اتخاذ القرارات بدونه هكذا هو أمر سيء؟ لا نعلم، ولأكون صريحاً لا أود أن أعلم، فلقد أقسمتُ على نفسي بأنني لن أدعه ينزف قطرة أخرى في حياتهِ كلها بعد الآن، ولا أمانع إخفاء الأمور عنه في سبيل ذلك.

خرج من الغرفة مع إحدى الوصيفات، رين وهانا بصحبتهِ الآن، وكذلك هو الفارس العملاق. اتجهوا نحو الجناح الخاص فتبعتهم بصمت، أدخل وأخرج من النوافذ مُراعياً ألا يراني بشر. وأثناء ذلك أتذكر بأن هناك أمر آخر أصبح هو الوحيد الذي لا يعلم عنه شيئاً أيضاً. فبعد مغادرة الملك غرفة ماتيو صباح الأمس حاملاً الملكة النائمة، تركْنا داي وهانا معه باستدراجنا، أنا ورين، كولِن للغرفة الأخرى كي نخبره بما الذي كان يجري خفية منذ خمسة سنوات مع داي. نحن لا نعلم بالطبع سوى ما رأيناه فقط، وعلى أساسهِ قمنا بالتمثيل عليهم، وكولِن من فرط اندهاشهِ ظل يُبحلق في السقف محاولاً ربط ما رآه هو وما نقوله له نحن، متعجباً من سر غموض ما لم يستطع هو حله في السابق. الأمر مثير للريبة والشكوك ورين ما تزال للآن تحاول سبر أغوار داي كلما باغتته الحالة.

دخلوا غرفة الملكة فتمركزت في مكاني السابق، إنها صاحية، أو شيئاً من هذا القبيل.

رين

أخرجتُ هانا من الفوضى التي دبّت للتو في غرفتنا، هذا القائد حقاً لا يعلم كيف يكسب ودّ الإخوة. لا أعلم ما الذي فعله لتثور ثائرتهم ما إن خرجتُ أنا ودخلوا هم، ومن الجيد أنني رجعتُ لأصحبها معنا، قد تسعد الملكة برؤيتها وسأُجنبها بذلك صداع رأس قتالهم.

ماتيو كعادتهِ ترك الأزرار الأولى لقميصهِ الفاخر مفتوحة، لا يعلم بأنه بذلك يلفت الانتباه أكثر، ولم يعلق على الحقيبة الثقيلة التي أحملها. عند باب غرفة الملك والملكة أعطتنا الوصيفة مينا تحذيراً بأن حالة الملكة ساءت كثيراً عما كانت عليهِ بالأمس، ولم يكن تحذيرها من عدم، فمن نراها الآن متهالكة على فراشها، تُراقب سرير أطفال كما يراقب المفجوعون قبور موتاهم، هي ليست الملكة ليليا لا من الأمس، أو ما قبل الأمس، إنها هيكل بالكاد يتنفس، وفي حال يتردى من سيء لأسوأ.

اقترب ماتيو منها أولاً فلم تلاحظ وجوده إلا بعد برهة، جلس وابتسامته تحاول التواصل قبل كلماتهِ، وهي التي لم تلبث تضيع بين تفاصيلهِ، دمعت عينيها دموع زهرة تذبل. مسح ملح الدموع مقترباً منها وقائلاً بحنو: "أنا بخير أمي... أنا بخير فلا تحزني..."

ما كان عليهِ قول أمي وهي في حالة استعداد لذرف المزيد، تهزّ رأسها نفياً وحسرة على ما قيل، فتقول بصوت يتذبذب بوهن: "لستُ كفؤاً بأن أكون أماً.. اهمالي.. ضعفي.. أنت تستحق من هي أفضل مني.."

حوّطها بحذر ألا يتعبها عناقه، أذنه تلتصق بأُذنها ويحتك شعرهُ بشعرها، وكأنه هو الأم وهي الابن.

"أنتم جميعاً تحبون إلقاء اللائمة على أنفسكم، أنا بخير، صدقيني لقد تعافيت جسدياً ونفسياً... انظري إليّ... هل أبدو لكِ كمن سيموت بهذهِ السهولة؟ ... كما أنني أنا من يجب أن يقرر إن كنتي كفؤاً أم لا، وأنا أعلم يقين العلم بأنني لن أجد من ستبكي وتحزن وتقلق وتحبني مثلما تفعلين أنتِ... لستي مهملة أو ضعيفة، أنتِ فقط تمتلكين ابناً عنيداً يجلب الكوارث ويدمن أكل التوت البري، والذي على فكرة لم يقدم لي ليلة الأمس على العشاء"

ابتسمت فقط لتبين مدى سرعة زوال السعادة منها، وبتروي ووهن، غمرت نفسها في حضن ماتيو أكثر فقط لتبكي، لتنئن بصمت، وهانا التي انسابت عليها دموع الملكة بغزارة ذاك اليوم، تسقط دموعها برونق جدول الآن. لم يبكي ماتيو وهو يضمها إليهِ ويُربت على رأسها، ضعيف وحنون في مواجهة الدموع، ويتضاعف حنانه إن كانت من امرأة، فلا يجب أن أستغرب رقّته أمام من هي أمه. لربما كان سيفعل بالمثل لي إن لم تجف عيني من مائها، اخترت القسوة على نفسي وهو احترم ذلك، الملكة ليليا هي وحدها من تستحق حنانه الآن... أم تُغني العالم عن كل أمهاتهِ.

"قال لي الملك بأنكِ كنتِ تقرئين لي قصصاً وأنا رضيع، ما رأيك أن نعيد طقس القراءة من جديد؟"

ألصق جبهته بجبهتها، وهي التي تفاجأت من طلبهِ، ذرفت المزيد من الدموع قائلة: "سأقرأ... سأقرأ لك إلى أن ترى العالم أجمل، إلى أن ترى الحقيقة أجمل وإن كانت وحتى في قصص الأطفال واقع لا يرحم..."

دفعتُ هانا نحوهما ليُجفف ماتيو دموعها ويُجلسها بجانب الملكة التي ضمتها في حضنها على الفور، تطبع قبلة على وجنتها وتهدأ أنفاسها مع كل دقيقة تمضي. كانت سيلفيا من ورائي تدفع بعربة طعام نحو السرير، فاستلمتها منها قائلة لهم: "لن تستطيعي قراءة حرف واحد وأنتِ على هذهِ الحال، أفسح المجال ماتيو، يجب أن تأكل الملكة شيئاً"

لم يعترض على تبادل الأماكن معي، هو يقف وأنا أناول الملكة ملعقة حساء الخضراوات، أود لو أُلقمها لقمة بلقمة، ولكنني أعلم بأنها فارسة ولا يجب أن أُعاملها كمريضة لا تقوى على حمل ملعقة. يجب أن أُعيد الثقة فيها لا أدمرها بمراعاتها كجدة، لن أدع الخصلات البيضاء تُنهي ما تبقى منها من قوة.

لم يتوقع ماتيو كما لم أتوقع أنا أن يرجع المبعوث الذي أرسله قبل تحركنا برسالة تُفيد بأن الملك كريس سينتهي من اجتماعهِ اليوم مبكراً، وسيقابله بغضون دقائق عند الإخوة. قبّل الملكة على جبهتها وأكّد عليها بأنه سيعود ليلاً لسماع القصة، فما كان منها إلا أن لحقته بعينها حتى خرج، وهي وبكل ما تمتلك من جهد، تحاول عدم ذرف دموع فراق لربما تعتقد بأنه سيدوم للأبد.

"سيعود، القلق والتوجس لن يفعلا بكِ شيئاً سوى زيادة وضعكِ سوءاً، أنا أمتلك صديقة كادت تتحول إلى صلعاء من كثرة قلقها عليه مع البقية"

طأطأت من رأسها كمن لا حول لها ولا قوة في السيطرة على ما يعتريها، معتادة على رعب الانتظار وأشباحهِ.

"أتيتُ لكِ بمفاجأة قد تسعدين بها أو قد تزيد تعاستك أكثر"

وضعتُ حقيبتي المهترئة على الفراش وفتحتها لترى ما بجوفها من عجائب، يميل رأسها قليلاً بحيرة، فأقول لها بسعادة: "إنها مذكراتي التي بدأتُ بكتابتها منذ عرفتهم، أول مذكرة بقيت معي لثلاث سنوات، وبعد الندبة تكاثر العدد إلى كل هذا، اختصار كولِن لحياتنا لم يكن كافياً لتعرفي حقاً ما الذي حدث لشمسكِ الصغيرة، هنا ستكتشفين الكثير من التفاصيل، ستجدين معلومات عن الأعشاب لعدة صفحات، والكثير من مشاعري وأمنياتي هنا وهناك وانطباعاتي عن كل ما حدث لنا من منظوري، فلن تمتلكي نظرة شاملة عن كل شيء وعن ماتيو وحده كثيراً، ولكنها أفضل من مختصر كولِن، هو فقط قال ما رآه جيداً للقول، مذكراتي هذهِ ستفضحهم جيداً"

ناولتها أول مذكرة لي، هديتي الثمينة الأولى من داي، وبداية ولادة جميع هذهِ المذكرات وولادتي كصانعة أعشاب.

"يجب أن أُعطيك تحذيراً من خطي الصغير التعيس، ومن تفاهة ما كتبته في أول مذكرة فما قبل الندبة هو ماضٍ أسود، قد تجدين الكثير من الصفحات التي أشتم فيها شمسكِ فلا تتضايقي، هو ليس مثالياً كما يعتقدون وستعلمين كم هو عنيد وكثير الشك فيمن حوله ومهووس عندما يتعلق الأمر بنظافة مطبخهِ ويقتلنا ملل بتوتهِ البري على المائدة كل يوم، وأكثر ما يجب أن تحذري منه هي ملاحظاتي عن العناية بشعر داي، الأمر محرج ولكنني أُفضل الاعتراف قبل أن تتفاجئي بأنني أمتلك هذا الهوس، وماذا أيضاً؟ نعم يجب ألا تُطلقي الأحكام عليّ عندما تقرئين خطط عقاب الأعشاب المُسهلة للأمعاء، أن تعيش فتاة مع أربعة فتيان هو أمر يدعو للجنون، فاعذري الأم بداخلي بما أنكِ أم أيضاً"

تصفّحتْ أولى الصفحات التي كنت أتدرب فيها على الأحرف، ثم قالت: "ولكن المذكرات شيء خاص، أن أقرأها..."

"لا أمانع على الإطلاق يا سمو الملكة، يُمكنك إخبار الملك عن كل تفاصيلها أيضاً، أنا حالياً أكتب ما يجري هنا فكوني على استعداد لتلقي المزيد"

عادت عينيها تفترس أحرفي المعوقة الأولى، ترتجف شفتيْها استعداداً للبكاء من جديد، فبلا إرادة مني ولا سيطرة أو وعي، قمت باحتضانها مثلما احتضنتني عندما أصبح ديجين، وبشكل رسمي، مفقوداً.

"شكراً لكِ رين..."

...

ماتيو

كان ما يزال فكري مع الملكة أثناء شرح كولِن لي خطته الجديدة لطرد لا أعلم كم لورد من مجلس الملك، وأنا الذي لا أعلم ما هو النظام الإقطاعي من الأساس، أومئ له كمن يفهم ما يقوله. أعلم بأن رين رافقتني لتساعد الملكة على التعافي، ولكن قلقي تضاعف بعد رؤيتها كجثة تتحدث، والتشاؤم يغزوني بأنها لن تعود كما كانت. أحمق أنت يا من وُلدت لتتعذب هي بسببك.

"ماتيو هل أنت معي؟"

ضرب كولِن الطاولة فعدتُ إلى الواقع من جديد، الفرسان الثلاثة يُراقبونني بعيون فاحصة وكأنني في محاكمة، اكتفيتُ بتجاهلهم وترك مهمة رمقهم لداي وساي، ولابد من أن السافل فعل شيئاً ليستحق كل تلك الكدمات الموزعة على وجههِ.

وبعد دقائق قليلة أعلمنا المبعوث بأن الملك قد وصل، فانتصب الجميع وتوقفوا عن توزيع نظرات الحقد ما إن دخل الغرفة بخطواتهِ التي لا يُخطئها المرء، وبحلّة الملك الذي اعتاد التبجيل والاحترام، أي بمعنى آخر، عكسي أنا تماماً.

"يجب أن أخصص غرف تجتمعون بها غير غرف النوم"

جلس على الأريكة المقابلة لي، فقلتُ له بسرعة: "لا ضرورة لذلك، هاتيْن الغرفتيْن أكثر من كافيتيْن لنا"

"ماتيو بُني يجب أن تستوعب بأن هذا القصر هو قصرك الآن، لا تستأذني أو تقلق بشأن كم غرفة ستشغل"

اكتفيت بوضع ابتسامة بلهاء لأنني ببساطة لا أعلم كيف أقول له بأنني لا أشعر بالانتماء لهذا القصر، لا أُريد جرح مشاعره. جلس كولِن بجانبي متحمساً تمام الحماس ومستعداً لرسم خريطة ذهنية لكل مخططاتهِ. أما البقية فقد كانوا يقفون كالحراس حولنا، ولفت انتباهي مدى جدية وجه السافل وانقلابهِ.

"إذاً ما الذي دفعك لإرسال مبعوث للحديث بشأنهِ؟"

"ليس الحديث بشأن شيء بل أخذ الإذن منك بما أننا سنحتاج إليك في عملية البحث"

"البحث؟"

"عن الخاطف"

ارتد وجهه من الأريحية إلى التقطيب، فلكزت كولِن ليكمل عني بشكل أفضل.

"مولاي الملك، نحن نعلم بأن موضوع الخاطف قد لا يكون ما ستود منا أو بالأخص ماتيو أن يتوغل فيهِ، نعلم بأنه خطر وليس مجرماً عادياً لنقبض عليهِ بسهولة، إلا أننا حقاً نتمنى أن تتعاون معنا وتسمح لنا ببدء التحقيق في القصر، إنه الشخص الوحيد في العالم الذي لا يجب أن يظل طليقاً، إنه يخطط لأمر ما بإعادة ماتيو هكذا وكأن شيئاً لم يكن، وأنا متأكد من ذلك، وبما أن بنود اللعنة باطلة الآن فسيكون من الأفضل لو نستغل هذهِ الفرصة قبل أن يضربنا هو! كما أن احتمال وجود صلة بهِ بأبراهامز ليست ضئيلة، وأعتقد بأن الفريق الذي عينته للبحث عن أبراهامز لم يحرز أي تقدم، أليس كذلك؟"

"نعم للأسف الفريق لم يحرز أي تقدم"

"اترك الأمر لنا إذاً، ونعدك بأننا لن نخيب ظنك"

تأمل الملك السقف ورجله تضرب الأرض بوتيرة بطيئة، فقلت: "أنا لا أود من الملكة أن تذرف المزيد من الدموع، لا أُريدها أن تتعذب بينما هذا الخاطف طليق بلا عقاب، أعدك بأنني سأتوخى الحذر ولن أدع أياً كان يفعل بي ما يشاء بلا مقاومة، ثق بي أيها الملك، ثق بنا"

انتقل بصره بين الأوراق المبعثرة على الطاولة، يتفحصها بالنظر كالمفتش: "ما كل هذا؟"

أجابه كولِن: "تحقيق آخر، فمن الواضح جداً بأن هناك أمر ما يدور بين اللوردات، أمر لا أستبعد بأنه قد يسبب المتاعب مرة أخرى، لذلك قررنا التقصي في أمرهم بمساعدة القائد مايرون وفارسيْهِ"

"ماتيو وكولِن، داي وساي أيضاً، آسف على قول هذا ولكنني سأرفض هذا الطلب، وأيضاً يجب أن تتوقف تحقيقاتكم هذهِ بشأن المجلس"

لنقل بأن الملك بوضعيتهِ الجامدة وهو يرفض، وهو يأمر وينهى، أخرس كولِن ودمر أحلامه كلها في ثانية، "لماذا ترفض؟"، ولم يكن كافياً لإخراسي أنا.

"لأنه أمر يفوق قدراتكم، لا يجب البحث عن الخاطف وبخاصة منك أنت بُني، لن يبرح الرعب قلب ليليا إن علمت بأنك تنوي فعل ذلك"

"لن يبارحها القلق إلى الأبد إن ظل ذلك المجرم طليقاً، قلتُ لك بأنني سأتوخى الحذر، كما أنني أنا نفسي أود البحث عنه"

"ماتيو هذا الخاطف ليس بشراً، أنت لا تعلم كم ارتحنا أنا وليليا عندما علمنا بأنك لا تمتّك بهِ أي علاقة، فكيف لي أن أوافق على أن يربطك بهِ شيء الآن؟"

"لأنني أنا من يريد ذلك، لستُ طفلاً يحتاج إلى الحماية والرعاية فقط، سأبحث عنه سواء وافقت على مساعدتنا أم لا"

بدأ بفرك صدغه بأصابعهِ بقوة، ينظر إلى الفراغ غير راضٍ بتصريحي المباشر. قال بعد دقيقة شُحن فيها الهواء جيداً: "أتعلم ماذا حدث عندما قال لي أعز من كان على قلبي بأنه سيبحث عن الخاطف سواء وافقت أنا أم لم أوافق؟"

توقفت أصابعه.

"مات، وبدأ ذلك المسخ بعد ذلك بقتل عائلات من بحثوا عنك وعنه في غضون أيام كانت أشد دموية من أي معركة خضتها في حياتي، وكانت عائلته هي البداية لهذهِ السلسلة، زوجته وابنه اللذيْن لم يعلما بأن الموت سيتبعهما بسببي عندما لم أضع حداً لتحقيقاتهِ، هما وآلاف من الأبرياء لقوا حتفهم ظلماً لأنني لم أضع قانوناً بزج كل من يبحث عن الخاطف، لا بل القاتل، في السجن"

"ولكن اللعنة توقفت الآن لذل-"

"من نتعامل معه ليس إنساناً يا ماتيو، لن أستغرب بأن تعود لعنته لقتل من يبحث عنه الآن، ولن أزور قبراً آخر ندماً وأنا أستطيع تجنب ذلك بالرفض فقط، موت لويس كان وسيظل مع اختطافك أسوأ ما حدث لي فقط لأنني لم أكن صارماً كفاية، ولن أوافق على أن تنتهي مع عائلتك نحو المصير ذاته"

نهض متجهاً نحو الباب: "آسف بُني، ولكن يوماً ما ستفهم متى يجب أن تتراجع ومتى يجب أن تستمر"، خرج كما دخل بخطوات ثقيلة، مع اختلاف تعابيره لأخرى متضايقة.

"كولِن، سنبحث عن الخاطف بدون الملك ولا-"، لم أستطع إكمال جملتي وقد اختلج كل ما فيهِ اضطراباً، نهض من مقعدهِ متوجهاً نحو طاولة عليها إبريق ماء، سكب له القليل مُتطلعاً بعد ذلك نحو الجدار وهو يشرب.

"نعم ماتيو، سنبحث عن القاتل سواء وافق الملك أم لا، سنبحث عنه ونجبره على الخضوع للعدالة"

قال السافل متدخلاً: "ألم تسمعا ما أمر بهِ الملك قبل قليل؟ لا يمكننا تجاهل أوامره هكذا"

"أنا لا أمانع على الإطلاق ألا تساعدنا أنت أيضاً أيها السافل، لا أعلم كم قاسى الملك من آلام بسبب ذلك الشخص إلا أنني حقاً لا أستطيع غفران ما فعله الخاطف، وما قاله الملك زاد من إصراري لا أكثر"

"دعني أوضح لك شيئاً يا سمو الأمير، هذا الشخص الذي تحدث عنه الملك ليس أياً كان، إنه اللورد لويس روزمان مستشاره الخاص وقائد الجيش الملكي الخاص بحمايتك وحمايتهِ سابقاً، وكما يعلم الجميع كان أعز صديق امتلكه الملك، وقد أُصيب بصدمة أبقته منعزلاً عن المجلس لأشهر بعد موتهِ. ذهبت جميع مناصب هذا اللورد للورد هيرمان ولكن مقعده في المجلس ما يزال فارغاً، لم يستطع الملك حمل نفسهِ على استبدالهِ بشكل كامل، وللأسف الشديد مات وريثه الوحيد فظل هكذا مقعداً فارغاً لا ينفك يذكر الملك بخسارتهِ"

تدخل الفارس الأشقر: "قل لي يا كولِن، ألم تستغرب أثناء التحقيق بأن إحدى عشرة لورداً فقط في المجلس؟ عليكما احترام مشاعر الملك وتجنب ما قد يؤلم قلبه أكثر، وبخاصة أنت يا سمو الأمير، لم تكن موجوداً هنا لترى كم كان الوضع سيئاً في البلاط وكم كانت الفوضى تعم الجيش الملكي بسبب موت قائدهم"

"نعم لم أكن موجوداً للأسف، ولا أعلم من هو لويس هذا ولا أعلم شيئاً عن اللعنة التي تبدو لي بأن العالم لُعن بها أكثر مني، كان يجب أن تُسمى بلعنة الشعب لا لعنة الأمير المفقود، لذلك أيها الفرسان سأضع حداً لهذهِ المهزلة والخوف الذي يؤرق الملك، وسأنتهي منه كي ينتهي ألمه أيضاً"

قال داي: "لا تتعب نفسك ماتيو، نحن نعلم ماذا يجب أن نفعل ولا نحتاج لمساعدتهم إن كان واجبهم يحتّم عليهم ذلك"

"أنتم حقاً أطفال متهورون، ولكن لا بأس، سنساعدكم إذا كنتم مصريين"

"ما الذي تقوله مايرون؟! هل ستخالف أوامر الملك؟"

"سمعتنا انحطّت بما فيه الكفاية إيريك، كما أنه سيكون من الأفضل إن ظللنا بجانبهم على الابتعاد، هم لن يغيروا رأيهم على أي حال... انظر إلى عينيْ كولِن، يبدو لي بأنه يعلم جيداً من أين يبدأ البحث"

استدار من أشار إليهِ نحونا بعيون حادة كحد السيف، قائلاً بنبرة التهديد: "نعم أعلم من أين نبدأ أيها السادة، من لويس روزمان نفسه، سنضرب من قتله بسلاحهِ الخاص، وسنحتاج إلى قدرة عالية من التمثيل لفعل ذلك"

ابتسمتُ كما ابتسما داي وساي، وما أثار استغرابي هو انضمام القائد السافل لنا مع الفارس الضخم في التبسّم، الأشقر هو وحده من ظل يندب حظّه داخلياً.

"إذاً ما هو سلاح لويس روزمان هذا؟"

أشار كولِن لرأسهِ وكأنه، وفي هذهِ الجلسة فقط، اكتشف كيف يُفكر رفيق الملك على الفور. لم يوجد في الحياة سلاح أعظم من الدماغ.

...

ليليا

لاحظت رين على الفور تعب هانا المُفاجئ، ازدادت حرارتها وكان جلياً بأنها تعاني من صداع، فحملتها عائدة أدراجها لغرفهم، وقبل ذلك تمنّت لي قراءة ممتعة ومفهومة بحد تعبيرها، إنها لا تحب خطّها. وبعد دقائق عاد كريس كما العائد من معركة مضنية. جلس على السرير بجانبي واحتضنني بعمق، وأنا التي لا أمتلك ذرة شجاعة لسؤالهِ عن سبب وجومهِ، أحاول عدم التهالك بين أضلاعهِ.

إنه متعب، محموم، وتنفسه المتقطع يفضح مدى الإنهاك الذي آلم بجسدهِ منذ عاد صغيرنا. لم يتوقف عن ذرع القصر من المجلس إلى الغرفة إلى ماتيو عودة إلى المجلس فالغرفة وهكذا بساعات نوم لا تتعدى الثلاث. سيغضب منه الطبيب إن رآه على هذهِ الحال.

لم يتناول غداءه ولا عشاءه ولم يخرج من الغرفة لبقية اليوم، نام بجانبي نوماً مليئاً بكوابيس الطفولة والحرب وسنوات الانتظار، قد لا يعلم المرء ماذا يحلم بهِ الآخرين، ولكنني أعلم تمام العلم ما يؤلم قلبي الآخر... ما الذي حدث لك لتسقط هكذا اليوم؟

حلّ الظلام ولم أستطع قراءة سوى أربع صفحات من المذكرات، كانت مليئة بالأحرف، باسمها وأسمائهم، وثقل مسؤوليتي كملكة يزداد على كاهلي عندما أتذكر بأنها وليدة مملكتنا، ولم تسنح لها فرصة التعليم في مدرسة.

شمسي الصغيرة لم يرجع كما وعدني، لربما هو لن يأتي، لربما أدرك بأن هذهِ المرأة التي تدّعي أن تكون أمه، مجرد عاجزة لن تعلم كيف تحمي بغريزتها طفلها الوحيد من الموت. طُرق الباب وفُتح، "هل آتي في وقت لاحق؟"، يهمس من وراء الباب وعينيهِ تراقبان والده النائم بتوتر ألا يزعجه. لقد عاد.

"لا بأس ادخل... كريس نائم بعمق"

أغلق الباب بحذر شديد وتابع المشي بوضعية احترازية من أن يحرك حبة غبار مزعجة بالخطأ. جلس على الكرسي الذي كانت أخته تجلس عليه نهار اليوم على جانبي من السرير، أود لو أستطيع رسم ابتسامة على وجهي من شدة إمعانهِ في وجه أبيه النائم، وكأنه للمرة الأولى التي يرى فيها شخصاً نائماً.

"أهو بخير؟"

"أن ينام اليوم بأكملهِ هو أمر جيد، تأتيهِ هذهِ الإغماءات بين فترة وأخرى فلا ينهض إلا عند الصباح"

"إذاً لن نُكمل حديث الأمس..."

"حديث؟"

"قال لي بأنه سيخبرني عن أسرار البرايمرد وعن سبب ارتباطي بالطبيعة، سمح لي أيضاً بأن أذهب إلى غابة القصر أثناء الليل كما أُريد"

سأكتشف لاحقاً سبب سرورهِ مع ذكر الطبيعة وكأنها هبة، ولن أعترض على ما قرره كريس، هو يعلم مصلحة ابننا أكثر مني... أسرار البرايمرد إذاً... استطعت فعلها كريس... وأنا طريحة الفراش بلا فائدة، استطعت أنت ربط نفسك بهِ وأخيراً.

أخرجتُ من الدرج بجانبي قصة ذات غلاف ملون بسماء زرقاء وغيمة ذهبية اللون، تطلّع إليها بعيون فاحصة فعرضتُ عليهِ الغلاف وكأنني أروج إعلاناً.

"قد لا يكون واضحاً على غلاف الجلد بأن هذهِ سماء وهذهِ غيمة، حاول تخطي الطباعة السيئة لزماننا"

"أهذهِ قصة الغيمة الذهبية؟"

"أتعرفها؟"

"لا أعرف القصة نفسها ولكن رين كانت تقرأها لهانا قبل سنوات، مكتبة منزلنا تمتلك قسماً لقصص الأطفال، ولم أفكر يوماً بقراءة شيء منها"

ضحك على تصريحهِ الأخير بحرج، وأنا التي لا أحب أن يضع الناس خطاً بينهم وبين القراءة، أحاول ألّا يظهر الحزن عليّ لفقدانهِ سعادة مطالعة حكاية. أومأتُ له أن يقُرب الكرسي أكثر حتّى يرى الرسومات التي سالت فقاقيع لعابهِ عليها في الماضي. أيام كان حجمه صغير كفاية لينزوي في حضني ويضرب على الصفحات بحماس. أرجو ألا يهتز صوتي مع أول حرف..

"ك- كان يا مكان في قديم الزمان غيمة ذهبية تعيش وحدها وسط سماء الصحراء، تتساءل لماذا تعيش وحيدة؟ ..."

لا أعلم إن كنت أضبط اللحن القصصي جيداً، لا أعلم إن كان ينظر إلى الرسومات أم إلى توتري، ولكنني أعلم شيئاً واحداً فقط، وهو بأن دموعي التي تتساقط الآن ليست بسبب خيبة أملي من نفسي، بل لأنني وبصفاء مطلق سعيدة بعودة حميمية قراءة القصص.

"... ولكن الغيمة الذهبية ظلّت حزينة طوال حياتها لأنها لا تستطيع العيش مع باقي الغيوم الأخرى؛ فقط لأنها مختلفة... النهاية"

يدهُ تُسند ذقنه على شراشف السرير، حاجبه لا يدل على أنه استمتع كثيراً، أكان خطأً أن نبدأ بهذهِ القصة؟

"م-ما رأيك بها؟"

"لم تعجبني أبداً، أتفهّم سبب البحث لها عن رفاق ولكنها ضعيفة جداً أمام الرفض وآراء الغير، كان عليها أن تكتفي بالسماء والرمال والرياح ولتذهب باقي الغيوم إلى الجحيم"

"أنت محق ولكن الرفض من قبل من يشابهونك أو على الأقل من تتوقع بأن تكون بينهم هو أمر مؤلم"

"كان عليها أن تتخذ منحى آخر في الحياة كما فعلتُ أنا. لماذا يكتب الناس هذهِ القصص الحزينة؟ أليس الواقع كافياً لفعل ذلك؟ ماذا؟ ما الخطب؟ لماذا تنظرين إليّ هكذا؟"

"لأنك قلت بالضبط ما كان يقوله لي كريس عن القصص الحزينة في بداية تعارفنا"

تلعثم بكلمات تحاول تبرير احمرار وجههِ من ابتسامتي الواهنة، لا أعلم إلى متى سيظل يُثبت لي بأنه ابن أبيهِ حقاً، فهو لم يقل ذات الكلمات فقط، بل ووضع التعبير نفسه: وجه يتساءل عن تناقض الكتّاب الذين يهربون من الواقع الحزين بكتابة ما هو أتعس منه وأحزن.

"على أي حال يجب أن تُغيري ذوقك في اقتناء القصص إن كان كل ما سنقرأهُ كئيباً هكذا، ماذا عن تلك القصة التي أسميتني على بطلها؟"

"النبيل الفقير؟ إنها أيضاً قصة حزينة، البطل انتحر في نهاية الأمر وكدت أنا أفعل المثل عندما أنهيت الكتاب أول مرة"

"أسميتني على اسم شخص انتحر؟"

"لا تُطلق الأحكام عليهِ بهذهِ السرعة، ماتيو آندرسون كان بطلاً مكروها في الواقع، وكما وقعت في حبه، وقعت أيضاً في حب من يكرهه كل من حولي"، احتار رأسه فأكملت: "والدك، كريس لم يكن مرحباً بهِ كخطيب، كان عدواً لدوداً لعائلتي، ألا تعلم عن حرب توحيد المملكة؟"

"بلى أعرفها، ولكن لم أكن أعلم بأن الملك كان عدواً لعائلة الملكة، أكان يعرفك قبل الحرب؟"

"لا يا صغيري، أول لقاء بيننا كان في وسط معركة"، فغر فاهُ منصدماً، قد يكون من الأفضل لو يعلم عن هذا الموضوع مباشرة مني، لن يصدق أحداً إن قال له بأنني كنت أحمل سيفاً.

"ماتيو شمسي قد لا تصدق ما أقوله لك ولكنني فارسة، كان أبي لورداً ورئيساً لعائلة هارلان، انشقّ عن الحكم مع بداية الحرب وبما أنه كان يمتلك مقاطعات عديدة تحت سلطتهِ، ترك والدك أمر تصفية الأمور معه إلى أن انتهى من توحيد جميع باقي المقاطعات. كريس بدأ الحرب بعمرك، أي عندما كان في السابعة عشرة وإلى أن وصل لحدودنا كان قد دخل التاسعة عشرة، وفي ذلك الوقت كنت أنا في الحادية والعشرين، أنا أكبره بسنتين"

"سنتين؟! لا يبدو عليك بأنكِ أكبر منه"

"أجل وكنت أستمتع بسلطة كوني في العشرين وهو لا أيام الحرب، لابد من أنك تتساءل كيف لفارسة وملك من صفوف العدو أن يقعا بالحب، أليس كذلك؟"

هزّ رأسه بحماس.

"كما قلت لك لقائي الأول بهِ كان في ساحة ثاني معركة بين الطرفين، والدك على ما كان يُشاع عنه لم يكن في واقع الأمر يستمتع في ساحات المعارك، اشتباكه المباشر مع العدو لم يكن إلا استعراضاً فُرض عليهِ، وأثناء ذلك الاستعراض لاحظ بأن درعي الفضي وتحركاتي لم يكونا لرجل، فقرر التشابك معي من داعي الفضول وضرب خوذتي لتطير بعيداً. حاوِل تصور حالة الفوضى التي دبّت فيني والملك كريس نفسه كان يقف كالأبله متفاجئاً بهويتي وسط الصراخ والموت، كنت أتعرق وأدمي ووجهي لم يكن يختلف عن باطن حذاء، ولكنه كان مأخوذاً بفضولهِ فلم يقاتلني جيداً وانتهى بهِ الأمر بندبة دائمة أسفل أذنهِ اليسرى... انظر هذهِ هي..."

مال رأسه وابتسم ما إن رأى الخط الرفيع أسفل أُذن كريس، بينما أتساءل أنا من أين لي بطاقة سرد المزيد من القصص وبالكاد كنت أنطق بكلمات متقطعة في النهار؟

"في تلك الأيام لم أكن أفتخر بكوني فارسة، توفيت أمي وثلاثة إخوة يكبروني بالسن عندما كنت في الرابعة من عمري بسبب جائحات أمراض تلك الحقبة. ولك أن تتخيل ما وقع بأبي من مصيبة لخسارة ثلاث ورثة فرسان من صلبهِ، فأجبرني على حمل كاهل فقدانهم لألبس الدروع وأحمل السلاح. كنت أمتلك أخاً صغيراً بالتبني شاركني هذا المصير ولكن أبي كان يراه كما يشمئز الناس من حشرة، وعندما كبرنا لنغدو فرساناً حقيقين أصبح هذا الأخ الصغير أقوى فارس عرفته المملكة وأكثر أعداء أبيك ازعاجاً، على حد تعبير هذا النائم بالطبع"

انتصب ظهر صغيري وكل ما فيه يدل على حيرة وشك، لربما هو سمع بشأن إيوس.

"بعد معركة لقائي مع كريس، وتحديداً أثناء الليل، كنت أندب حظي كوني تشابكت مع ملك أعدائنا. في تلك الفترة لم أكن أوافق أبي على الكثير من الأمور، كرهت المعارك وما تخلّفه من موتى، كرهت رؤية ترمّل الزوجات وأنين الأمهات وبكاء الأبناء على آبائهم وإخوتهم، وكنت، لأعترف لك، أتمنى أن نخسر الحرب وننهي هذا الصراع بتوحد المملكة، ولكن رأسي كان سيقذف إن قلت ذلك، كبريائي واحترامي لأبي منعاني أيضاً. لذلك كان كريس عدواً، ولم أتوقع أن يتسلل متنكراً لمعسكرنا، يغطي نفسه برداء رث على أنه بائع شراب ويفاجئني أنا فقط بدس رسالة بيدي، أنت لا تستطيع أن تتخيل حقاً كيف كان وجهي عندما اقترب مني لألاحظه، اعتقدت بأن محاور الأرض انقلبت"

"وماذا كان في الرسالة؟"

"أن أقابله عند حدود الغابة التي تفصل معسكرنا عن معسكرهم عند منتصف الليل"

"ذهبتي بالطبع"

"نعم ذهبت وإلا لما كنت أنت الآن موجوداً صغيري، من الجيد بأنني رضخت لفضولي، لم أكن ولا حتى بمقدار ذرة أُكنّ له مشاعراً في البداية، ولو أنني من نظرة واحدة علمتُ بأنه هو وحده من يستطيع تخليصنا جميعاً من حربنا الاستنزافية. أطلقت عليهِ لقب الملك المجنون، وكنت على وشك الهجوم إن قال لي بأنه وقع في حبي من أول نظرة، ولكنه برّر تهوره بأنه يود التعارف لا أكثر، وأنا التي أعلم عن تفاهات بحث الرجال عن تلك الفتاة المختلفة التي ستجعلهم يعيشون قصة حب خيالية، لم أثق بكلماتهِ تلك. أكره كوني فارسة، وأعشق كوني قارئة، ولم أتوقع أن يتقبل كريس ذلك بالرغم من أنه لا يجد فائدة من الروايات. كان جاداً ولم يكن يلهو بتسلّلهِ لوكر من يريدون رأسه معلقاً. انجذب لي، تعرف عليّ، وقع في حبي، وكدنا ننتهي بسبب خوفي وخوفهِ، ولكننا في النهاية صمدنا وأعلنت أنا استسلامنا للحكم الملكي ما إن وقع والدي ميتاً من سهم. خسرت أخي الصغير يومها، كان هو وكريس يكرهان بعضهما لدرجة لا توصف، وللآن لا أتوقع أن يكون حقد كبريائهما لبعضهما قد زال، بالرغم من أنهما مثلك تماماً يمتلكان زوايا خاصة في قلبي"

"ما الذي كان يُلقب بهِ... أعني ما اسمه إن... لا لا... انسي ما قلته"

"أتقصد أخي؟ إن كنت تسأل عن اسمه-"

"لا بأس، لا أود أن أعلم الآن"

تحول صغيري إلى شمس مضطربة ومرتبكة، قدمه تضرب الأرض ورأسه يحلل أموراً ما بنفسهِ، لماذا كل هذا؟

"ماذا عنك أنت شمسي الصغيرة، ألم تقع في الحب بعد؟"

"من أنا؟ لا على الإطلاق، هذهِ الأمور هي آخر ما أفكر بها، ولم أعلم يوماً كيف أتعامل مع النساء من هذهِ الناحية، تلقيت اعترافات أكثر عن مرة ودائماً ما أتصلب كالأبله ولا أجد الفرصة للاعتذار، رين تقول بأنني مُحطّم القلوب، وكولِن دائماً ما يوشك على قتلي بسببهن، ولكن فكرة أن تحبني فتاة وهي لا تعلم عني أدنى شيء سوى أن وجهي قد أعجبها، هو أكثر الأمور استعصاءً على الفهم. كما أن الفتيات الحساسات اللواتي سيذرفن دموعاً بكل سهولة كابوس، تخيلي كيف ستكون عليه الحياة إن كان يجب أن أجفف الدموع بسبب مشاكل حب؟ عودتني رين على طبع الفتاة التي لا تبكي، وهانا وحتى بينيتا التي تنوح بلا توقف تأثرتا بها، أحياناً عندما أوشك على البكاء من أي شيء أنظر إليها وأُعيد ترتيب أموري من جديد"

"إذاً يجب عليك أن تبحث لك عن فتاة مثل رين"

"لا أهتم فعائلتي الحالية تكفيني وزيادة"

"خسارة.. فمن ستحبها ستكون محظوظة بمن يُجفف لها دموعها بحنان، مثل والدك تماماً، كان لابد أن يعتذر لي أولاً إذا بكيت وإن كنت أنا المخطئة"

"ألن تتوقفوا عن مقارنتي بالملك؟"

"اعذرني صغيري على ذلك، ولكنك تختلف عنه من هذهِ الناحية أيضاً، فهو كان يتوق للحب، كان يبحث منذ بدأت الحرب عن شريكة حياته، ولم يتوقع بأنها على الجانب الآخر من الضفة"

"من الجيد بأنه عثر عليها وإلا لكنت ربما ذبابة ستموت بغضون أسبوع"

ضحكنا بخفوت ألا نوقظ بطل موضوعنا النائم. ماتيو صغيري حقاً صافي القلب، أنا متأكدة بأنه يمتلك تصورات مختلفة عن الفتيات وإلا لما فكّر بأنه سيفضّل من تشابه أخته رين، ولد يافع في النهاية، غضّ لا يعلم بأن حساسية النساء لا تُعبّر دائماً عن براءة، الحيّات بيننا أكثر من الثعابين. يقول بأنه لا يهتم وهو لا يعلم بأن مصيره كأمير يُحتّم عليهِ الزواج وإنجاب الوريث القادم. ولم أُرد أن أفرض عليهِ الحقائق الآن، سأترك هذهِ المسائل إلى حين يحين وقتها.

"يجب أن تنالي قسطاً من الراحة، سأعود لكِ في الغد لقراءة قصة أخرى، ربما النبيل الفقير"

"الرواية طويلة ودائماً ما أبكي على ماتيو عندما أتذكر مع كل حرف بأنه سينتحر في النهاية، سأُعطيك مختصراً لتعذرني على تسميتك باسمهِ إن أردت"

احتضنني قائلاً: "حسناً إذاً سأكتفي بالمختصر، إلى الغد..."

لا يجب أن أبكي الآن، صغيري لا يحب الدموع وسأكون قاسية إن ضاعت كل جهوده في مواساتي سدًى بذرف المزيد. أغلق الباب وطيفهُ المعافى ما يزال جالساً بجواري، ممتلأً بالحياة، مغتاظاً من الغيمة الذهبية، ومندهشاً من قصة حب والديهِ... نعم معافى... ليس شاحباً وهزيلاً وقريباً من الموت.

أطفأتُ الشموع وتزاحمتُ مع الوسائد للاختباء في حضن كريس، ودغدغة بمقدار ملعقة عسل تتراقص في معدتي لقراءة تفاصيل مُحطّم القلوب من مذكرات رين. شمسي الصغيرة يمتلك قدرة استثنائية على إنقاذ روحي وسحقها بكل سهولة.

...

ماتيو

ارتميتُ على عشب الغابة البارد لا أعلم أين يجب أن يذهب فكري، هل في خطة كولِن الخفية عن أعين الملك، أم في هانا التي داهمتها حمّى مفاجئة، أم في حكاية الملكة التي أعادت شكوك إضافية كانت تنغزني بمجرد أن علمت بأنها تحب القراءة.

فكّر جيداً أيها الأبله، لنضع أولاً ما تعرفه حتى الآن عن الملكة: تقرأ بنهم، فارسة بدرع فضي، أحبّت عدوها من صف توحيد المملكة، تمتلك أخاً صغيراً بالتبني كان يكره من أحبّته وهي لا تراه إلا كأخ، خسرته عندما أعلنت الاستسلام للملك، وفوق كل هذا اسمها ليليا، وهي حنونة ودافئة بشكل لا يصدق.

أنا حقاً أبله وأحمق وكل شتائم كولِن وداي... كان يجب أن أدعها تخبرني عن اسمه أو لقبه، كان يجب أن أسأل عما حدث لسيفها... ولكن ماذا سأفعل إن كانت هي حقاً تلك الليليا؟ سحقاً هل الملك كريس هو الخير الشرير حقاً؟ ماذا سيحدث إن علموا بأنني كنت أكرهه وألعنه مع إيوس لنصف سنة؟

ظللتُ في مكاني لساعات وساعات أنتظر قدوم الغناء بصبر، فلن أعلم ماذا يجب أن أفعل بدون مساعدة، أو على الأقل نصيحة بسيطة. أيجب أن أُخبرها؟ أُخبره؟ أم أُخبرهما معاً في الوقت ذاتهِ؟ أم الصمت أفضل؟ ربما تكون صدفة، وربما تكون الحقائق محقة مثلما كانت بشأن هويتي... ما الذي يحدث في العالم؟ لماذا يحدث لي كل هذا؟ لماذا بحق الجحيم كان إيوس ولا أحد غيره معلماً لي؟

لم تجبني الطبيعة على الفور، بزغ الفجر وأنا أُجاهد النوم في انتظارها، وقبل أن أخسر للنوم وأحلامهِ، رنّ غناؤها فيني على حين غفلة. لم أُضيع الوقت بالتساؤل فقط، كان يجب أن ألحق المصدر لأجد ذروة علوّه، فهرولت وقفزت وتسلّقت وفي والنهاية لم يستقبلني سوى السنجاب الأبيض فوق غصن شجرة عريض. من جديد. سحقاً لقد توقف الغناء.

"التقينا مجدداً ها..."

زحفت على بطني في اتجاههِ ببطء سحلية، وهو كالجبل لم يتحرك من مكانهِ. أعلم بأنه سيقفز في وجهي فجأة كي يخيفني بخربشة وجهي، وأنا اليوم شخص آخر لن يأبه بهِ ولن يعترف بهِ كفرد من مملكة الحيوان بعد الآن. توقفتُ في مكاني استعداداً للانقضاض عليهِ. بدأتُ أُدرك بأنني لا أتوقف عن إثباتي مدى بلاهتي لنفسي اليوم، فإن كنت تود اكتشاف أين هو مركز الغناء، إذاً كل ما عليك فعله هو البحث عن طريق هذا القارض المغرور، هو بالتأكيد يعلم شيئاً.

ولأنه سنجاب ذو جسد رشيق وسريع، جعل مني مهرجاً بهلوانياً وأنا أقفز من شجرة لأخرى وراءه، شعر بالخطر مني ولم يُعطني حتى فرصة الانقضاض. أصرخ له بأن يتوقف فيقفز لجهتي ويتخطاني لأضرب رأسي بغصن مفاجئ، فأسقط من الشجرة ويبقى هو ينظر إليّ من فوق مبتهجاً. لأول مرة أشعر بأنني أود استخدام سلطة الأمير لتحريك جيش كامل، إنه أسوأ من السافل مايرون في رفع ضغطي.

قفز مبتعداً عني فلحقته على الفور، اعتقدت بأنني أضعته إلى أن ظهرت بومة بنية عملاقة من العدم وانقضّت عليهِ ليسقطا على الأرض في صراع وحشي، سيُضحي هو الخاسر فيهِ إن لم أتدخل. فتدخلت. اقتربت خطوة فابتعدت البومة راضخة لرغبتي، مثل النمل تماماً، هي استشعرت ما أُريده بدون قول أي شيء.

حملتُ السنجاب الطاغية الطريح، فتلوّن ذيله ناصع البياض بما تبقى من ألوان عصارة التوت البري اللاصقة بأصابعي، توت هذهِ الغابة مكتنز وممتلئ. تحرّر من قبضتي هرباً وقد تضاءلت سرعته فلم أواجه مشكلة بلحاقهِ هذهِ المرة. استقر فوق شجرة زان مربوط حولها حبل غليظ، ونام بتعب غير آبه بي، لابد من أن البومة سببت له رعباً.

من المنطقي لأي إنسان في موقفي أن يتبع الحبل المشبوه، ففعلتُ ذلك. قادني إلى حدود الغابة بالقرب من شبه المدينة القابعة وراء حديقة القصر. بنايات معظم نوافذها مظلمة وأخرى مضاءة ببهوت. لابد من أنها مقر عيش الخدم والعمّال، وهناك من يقطنها ويتسلل للغابة مستخدماً الحبل. علمت بأنني لن أعلم شيئاً بالتساؤل فقط، فقررت الرجوع للشجرة غداً وأرى ما الذي يعنيهِ كل هذا. وقبل عودتي لمحت جنديا متوارياً في إحدى الزوايا يُقبّل خادمة بحماسة جعلتني أرتعد خجلاً منهما.

ما خطب قصص الحب المحرمة اليوم؟

Continue Reading

You'll Also Like

11.6K 1.2K 7
الجزء الثاني من قصة المجرم آخر من يعلم ! وفي أحضان اللوڤر. A3 , C2
269K 9.3K 49
بنت يتيمة الاب وتعيش مع امها واختها لي بعمر15سنه وعندها عمام ثنين الجبير حنون ورباها هيه واختها والثاني رجل لٱ يعرف الرحمه مو زين سكرجي اغلب اوقاته ب...
108K 11.6K 20
- مكتملة - -لا أعلمُ ماذا كنتَ ستفعل إن لم أظهر في حياتك ماتسودايرا.. -لو أعطاني أحد خمسة ين بعد كل مرة تقولينها لأصبحتُ في غنى بيل غيتس! °°°° هي:...
124K 1.9K 35
القصة تحجي عن بنية من بغداد تروح فصلية لابن البصرة