27 موطن أمي

9.4K 950 302
                                    

وضعتُ في الحسبان اختباري تحديات ستصدمني قليلاً في الحياة، مواقف قد تُدمر تفاؤلي الساذج، وربما في أسوأ الحالات قد أمر بتجارب قد تُهدد حياتي بالخطر، ما لم أضع له حساباً هو مروري بإحدى هذهِ التجارب المُميتة بهذهِ السرعة، قبل رؤيتي العالم الغربي، وحيد...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

وضعتُ في الحسبان اختباري تحديات ستصدمني قليلاً في الحياة، مواقف قد تُدمر تفاؤلي الساذج، وربما في أسوأ الحالات قد أمر بتجارب قد تُهدد حياتي بالخطر، ما لم أضع له حساباً هو مروري بإحدى هذهِ التجارب المُميتة بهذهِ السرعة، قبل رؤيتي العالم الغربي، وحيدة على ميناء بعيد.

لستُ وحدي فتاكي يُشاركني الاحتضار أيضاً، كان يجب عليّ أن أجبرهُ على البقاء في الوطن ولكنني لم أتوقع أن نُحاصر بهذهِ الطريقة، فقد احتملنا أنا وهو أشد العذابات على متن السفينة، ثلاثة أسابيع من احتمال تقلُّبها الجنوني، الطعام القليل المُجفف ورشفات الماء المتقطعة، الانحباس في صندوق مربع يختنق برطوبة مالحة، ظلام دامس على مدار الساعة، احتملنا كل ذلك مؤمنيْن بأن الخلاص قريب، بأننا سنتحرر، ولم نتوقع بأن العمّال عندما يُنزلون الصندوق من السفينة سيضعون آخر أمامه وخلفه وعلى جانبيهِ وفوقه أيضاً، مُحكمين إغلاق فتحات التهوية الجانبية غير مُدركين بأنهم يقتلوننا خنقاً.

ركلتُ الصندوق في جميع الاتجاهات، صرختُ بأعلى صوتي طلباً للنجدة حتى اختفى تزامناً مع كفاح صدري وشرود ذهني، والآن كل ما أستطيع فعله هو احتضان تاكي برفق مُستهلكةً آخر ذرات الأوكسجين بتمتمات لا تُسمع ولا تُفهم، لم أكن أعلم بأن للتنفس المؤلم وجود، رنين شهقاتي العالي مزعج ولا يتوقف عن مناداة شينيجامي الموت.

انقلبتُ على ظهري مُمعنةً النظر في السقف الخشبي الموصد وكأنه سماء المملكة الغربية، ولا أعلم لماذا ولكنني الآن أتذكر أتفه تفاصيل حياتي، كُرهي شرب الشاي الأخضر ونفوري من رائحته، حلمي بأنني أمتلك شعراً أحمراً مثل أمي، حُب تاكي الفراولة وكأنها مُخدر، تساؤلاتي العشوائية عن سبب زيادة وزن هيتومي كل سنة بالرغم من أنها تأكل نصف ما تأكلهُ التوأمتين...

"أنا لن أموت هنا..."

خُيّل إليّ سماع أصوات صرير خشب، وشيئاً فشيئاً تعالت الأصوات مُقتربة مني، اهتزّ جانبي الأيمن فجأة وبدأ الصندوق المجاور بالتحرك ببطء، رفعتُ رقبتي بصعوبة وصدري يتخبط أملاً، حملتُ تاكي بذراعي واقتربت من إحدى الفتحات الموصدة التي انسلّ منها الهواء بعد لحظات قليلة من تحرك ما يسدُّها، شهقت شهقة أرجعت الحياة فيني وقرّبتُ تاكي منها فانتفخ صدرهُ بالحياة أيضاً، ولم أستطع كبح نفسي مخافةً عودة جحيم الاختناق مرة أخرى فصرخت بأعلى ما تقدر عليهِ أحبالي الصوتية: "اخرجونا من هنا!!"

المفقودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن