المفقود حكاية عن ذلك الفتى الصغير الذي لطالما آمن بوجود دفء عائلتهِ إذا ما بحث عنه جيداً، إلّا أنّ الحياة تعلّمه أنّ الفرق بين الآمال والواقع قد يؤدي إلى هلاكهِ. فتبدأ حكايته وحكايات العديد من الشخصيات التي سترى النور بوجودهِ، لكن هل هو بالفعل لا يم...
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
ساي
تتخلل أصابع الملك ما بين أصابع الملكة الشبيهة بالأعواد الخشبية، يجلس على كرسي بجانبها وماتيو بجوارهِ يضع وجهاً يُشاطره الألم والحزن بمقدار لا يقل عنه. أما بالنسبة لي فأنا لستُ مختبئاً كما تظنون، بل أقف على بعد ليس بالبعيد عن هذا الثلاثي كزائر رسمي. نعم أنا الذي وُلدت تحت أقدام الناس أقف الآن شامخاً بغرفة الملك كريس الخاصة. كانت لوحة ماتيو هي أول ما لفتت انتباهي فلم يكن بمقدوري رؤيتها عندما كنت أختبئ خارجاً في الشرفة. وكما قالت رين يكاد العقل لا يُصدق بأنها رُسمت استناداً للوحاتهِ وهو رضيع فقط، استخرجتْ هذهِ المعلومات من وصيفات الملكة بعد زيارتها الأولى لهذهِ الغرفة، واللواتي أصبحن صديقات لها. ولأُعبر عن رأيي الصريح اتجاه هذهِ التحفة الفنية، فلن أقول سوى أنني بدأت أتوجس من المستقبل الذي سيجعل ماتيو يضع تعابير الجبروت الملكي التي تخيلها الفنان لازمة عليهِ.
قال ماتيو وعيناه لا تبتعدان عن نطاق رؤية الملكة: "ألا يجب أن يفحصها طبيب؟ أو على الأقل من يستطيع أن..."
أجابه الملك بنبرة بالكاد تخرج: "لا أعتقد بأن الأطباء قادرون على شفائها فمرضها ليس في جسدها بل في روحها، سأستدعيهم إن ازدادت حالتها الجسدية سوءاً، إنها الآن تذكرني بتلك الأيام السوداء. بكاء أمك قبل اختطافك كان مُقتصراً عليها وحدها، أي أنها لا تنوح ولا تصرخ ولا تنشج، علّمها والدها أن سقوط الدموع هو عار على الفروسية، كان يريدها رجلاً بقلب فولاذي فاقتصرت على الأنين بمفردها ومسح دموعها فور سقوطها، وتغيرت تغيراً لا يجب أن نُصدم منه بعد اختطافك، أصبحت تنوح وتبكي بغزارة وتنتابها حالات الانهيار العصبي كثيراً، مثلما حدث لها بالأمس، ومثلما سيحدث لها أثناء غيابك"
"حتى وإن وعدتها بأنني سأعود؟"
"لن يكون هذا كافياً كضمان بني، ليليا ترتعب من مشاركتك في الحرب لأنها تعلمها جيداً، عاشتها وخاضتها وكادت تفقد حياتها وكل من يعزها فيها، بل إنها فقدت أحباء كثر لها فيها ممن كانوا يهتمون بها كفارسة يافعة، والدها كان قاسياً وبالكاد يُسمى والداً كما كانت تقول، إلاّ أن حزناً شديداً ألمّ بها بعد موتهِ، أمها وإخوتها ماتوا بسبب أمراض تلك الحقبة، وابنها الوحيد الآن أعلن أمامها بأنه سيخوضها تحدياً مع مسخ، لن يكون غريباً أن تفقد عقلها والحرب لا تتوقف عن تفكيك عائلتها منذ ولدت"
