مريض نفسى بالفطرة

By Hader3112

725K 30.6K 9.8K

مريض حُكِمَ عليه بعيش الازدواجية فى كل شىء ، إلى أن قابلها، منحته قلبها رغم معاناتها السابقة ولكنه رفض البوح... More

اقتباس1( لست ليث،أنا غيث)
_١_ (صفعةُ تعارف)
_٢_ (جدى يريد عودتى)
_٣_(صدمةٌ مُبرمجةٌ )
_٤_ (أنا القاتل)
_٥_ (الإنفصالُ فرصة ثانية )
_٦_ (لا أريدك يا أمى )
_٧_ ( حب ناضج لمراهقة صغيرة )
_٨_(بيت جدى مجددًا)
_٩_( ما ذنبى إن كنت تحب فتاة تحبنى؟)
_١٠_( قامت بخيانتى)
التعريف بمرض غيث
_١١_ (نوبة غضب)
_١٢_(بقاءٌ قسرى)
_١٣_( أب برتبة عدو)
_١٥_ عشر(عائد لكِ يا حبيبتى)
التعريف بمرض الطبيبة منال
_١٤_( دماءُ زوجتى الراحلةُ )
_١٦_ (ذلك الوغد مجددًا)
_١٧_(لست ليث، أنا غيث)
التعريف بمرض ديما
_١٨_(حب من طرف واحد)
_١٩_(غارق فى دمائه)
_٢٠_( وحشتنى عنيكى )
_٢١_ (الكل عاشق )
_٢٢_(حقائق بالجملة)
_٢٣_(الانتقام الحلو)
_٢٤_(رصاصة خائنة)
_٢٥_( المواجهةالحاسمة)
التعريف بمرض مالك
_٢٦_(كان ضحية بالأمس)
_٢٧_ (وداعًا بيت جدى)
_٢٨_ ( تطاول بما فيه الكفاية)
_٢٩_ (الحقيقة المؤلمة)
_٣٠_(قابلها مجددًا)
_١_( الانطباع خاطىء)
_٢_(مشاغبة من الطرفين )
_٣_( غيث واحد لا يكفى)
_٤_ ( من المصاب ؟)
_٥_(الغيرة اللذيذة)
_٦_(باغتها بعقد القران)
_٧_(أشباح الماضى تطاردها)
_٨_(فارق الحياة )
_٩_( رفضها يصيبنى بالجنون)
_١٠_(فرصة ثانية للفؤاد)
_١١_( اكتئاب حاد )
_١٢_ (أحبك رغم أنف قبيلتى)
_١٣_(هل تقبلين الزواج بى؟)
_١٤_ (خطوبة و جثة )
التعريف بمرض مالك ٢
_١٥_( فليحترق العمل أمام حُسنكِ)
_١٦_ (حُلو مرى)
_١٧_ (أخوض لأجلكِ ألف حرب )
_١٨_(أقبلينى كما أنا )
_١٩_ (تطاول على صغيرتى أمام عينى )
التعريف بمرض محمد العدلى
_٢٠_ (أريدك رغم استحالة ذلك)
_٢١_ (زوجى السابق )
_٢٢_ (قُبلة و مجموعة جُثَثٌ)
_٢٣_ (الإختطاف السعيد)
_٢٤_ (باتت حلالى و كل حالى)
_٢٥_(معركة دموية)
_٢٦_(ليلة زفاف كارثية)
_٢٧_(ليلة عيد)
_٢٨_ (كان القبول طوق نجاة)
_٢٩_ (كلانا لدية تجربة سابقة)
_٣٠_ (العديدُ من المعاركِ)
_٣١_ (كُتِبَ علينا الفراق)
_٣٢_(أحدهم يبكى و الآخر يرفرف عاليًا )
اقتباس٥ ( فتاتى الصغيرة)
(التعريف بمرض مايا)
_٣٣_ (نتعايش أم نتداعش ؟!)
_٣٤_ (راقصة بمبادئ)
_٣٥_ ( قصيدةٌ جميلةٌ )
_٣٦_(الغضب الساطع آت)
_٣٧_(رفض من جميع الجهات)
_٣٨_(نَقَشَ فوق جسدها)
_٣٩_( لاجئ أم خائن ؟!)
_٤٠_(مَلاَك مُحْتَجَز)
_٤١_(نُقُوشٌ مُتبادلةٌ)
_٤٢_(ثلاثة قُبْل فوق ضريح الصقيع)
اقتباس_٦_ (لحن النهاية)
_٤٣_(الفَرِيسَةُ و الصَّيَّادُ)
_٤٤_(ليلةٌ مُلطخةٌ بالماضى)
_٤٥_(اختطاف أرعن)

_٤٦_(جسدٌ مُدنسٌ وروحٌ مُفارقةٌ )

7.3K 324 162
By Hader3112

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ (4) كَلَّا لَوۡ تَعۡلَمُونَ عِلۡمَ ٱلۡيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ ٱلۡجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيۡنَ ٱلۡيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ (8) }
صَدَقَ اللهُ العَظيمُ

_____________________________________

(جسدٌ مُدنسٌ وروحٌ مُفارقةٌ )

"عَانَقَينِى وَ اتْرُكِى كُلَّ الْخِلَافِ
عَانَقَينَى فَالْمَرْءُ دُونَ الْعِنَاقِ يَخَاف"
_غيث الحديدى

________________________________________

وصل "آدم" للمشفى بعد أن تلقى مكالمة صادمة، ترك كل شىء و هرع لنجدة صديقه و بداخله هواجس عدة و يخشى بشدة .
نزل عليه هذا الخبر كصاعقة مدوية، لا يدرى كيف و متى و بأى هيئة وصل ؟! و لكنه لم يفكر و لو لثانية واحده، فقط هرول بكل قوة يملكها تاركًا خلفه كل شىء .

و قف أمام مكتب الاستعلامات و قال و هو يشهر برقم الهاتف الخاص بصديقه و صدره يعلو و يهبط من شدة الإنهاك :
أنا دكتور "آدم الريحانى" فى حد كلمنى من شوية من الرقم دا و قال أن صاحبه"غيث سامح الحديدى " عمل حادثه و اتنقل هنا
أجابته الموظفة بعد أن بحثت عن اسم المريض و الذى تم تسجيله بناء على بطاقة الهوية التى عثر عليها بحوزته:
أيوه يا دكتور، المريض فى غرفة ٢٠٧ الطابق التالت

تركها دون أن يهتف بكلمة شكر مقتضبة و هرع للمصعد الكهربائى و هو يتمنى أن يجد صديقه بحالة جيدة، فجميع الهواجس تجتاجه دون رحمة و يدرك كامل الإدراك بأن صديقه دائم العراك و الإصابات المتفرقة فى كل أنحاء جسده.
________________________________________

بمكان مظلم و معتم، تفوح منه رائحة مقززة، و كأنها غرفة لإيواء جثث الحيوانات الضالة، فهم ليسوا بأليف أحد، بإختصار كناية عما سيحدث لها إن لم تتبع النهج المرسوم من قبل الخاطفين .
استيقظت بعد فترة من فقدان الوعى فقد كممها أحد الملثمين بقطعة قماش مُبللة بسائل مخدر كى لا تعيق عملية الفرار بها و لا تلفت الأنظار لهم.

صرخت بقوة و هى تحاول فك قيد وثاقها :
أنتم مين ؟!
و لكن كانت كمن يحاور الريح، لا رد فقط أصوات تصدر من الخارج فكررت الكلمات بغضب أكبر كدرع للخوف الكامن بروحها و البادى بوضوح على كفوفها المرتجفة:
جايبنى هنا ليه ؟!
صمت تام، و الخوف يتزايد فى أواصلها حتى سمعت خطوات تقترب منها، فهتفت بقلة حيلة بنبرة طغى الذعر عليها :
حد يرد عليا، أنا........
و لكنها ابتلعت باقى الكلمات بحنجرتها حين رأت جسد ضخم يقف أمامها، يطالعها بتسلية و كأنه حيوان يقيم فريسته و يقول بنبرة خشنة :
ششششش
صوتك ميعلاش عشان منزعلش، و إحنا زعلنا يطير فى رقاب وش
تقدم شخص آخر، ملثم بجسد ضخم يماثل جسد الأول، و قال و هو ينحنى بجذعه، واضعًا كفه القذرة على وجنتها، يربت عليها و كأنه يصفعها ببعض الحدة الطفيفة :
فاهدى يا حلوة لو لسه عايزه تعيشيلك يومين كمان

خرج الاثنان و كل منهما ينظر للآخر بنشوة النصر و الأموال التى تحلق فى الأفق ما أن يكملوا الإتفاق المُبرم
صدح صوت هاتف أحدهم و ما أن رأى اسم المتصل أجاب سريعًا بزهو:
جبناها خلاص، تحبى ننفذ امتى يا ست "سهير"؟!
أجابته بنبرة ضعيفة بعض الشىء، شاعرةً بوخز فى ساقها المصابة بعد حادثة الصباح و الحروق الطفيفة التى مازالت تؤلمها :
مش دلوقتى، عشان محدش يشك فينا
ثم عادت تصبغ نبرتها بالقوة كى لا يتلاعب بها الخاطفين و يُخيل لهم بأنها هى الأخرى فريسة سهلة المنال قالت :
خوفوها شوية لغاية ما أعرف أجى
ارتفع صوت الثانى و هَم بقول اقتراح مثير للاشمئزاز :
تحبى ن........؟!
لكن "سهير" عنفته سريعًا و قالت:
قولت خوفوها بس مش أكتر من كدا، مش عايزين الدنيا تتفتح علينا، خوفوها عشان تنفذ اللى هنطلبه بعدين
تنهد كلا الرجلين بضيق و قالا بإقتضاب فى نفس اللحظة :
أوامرك

تركوها بالداخل فى الغرفة المُظلمة و أصوات بعض الفئران تتحرك فى الزواية، تركوها للذعر ينهش بها و بجسدها و رحلوا بكل هدوء .
و على الجانب الآخر حاولت" سهير "النهوض وحدها لكن دون أى فائدة، نظرًا للجبس المحيط بساقها بعدما انزلقت فوق أرضية المطبخ بفعل فاعل، و أُصِيبت ببعض الحروق الطفيفة .
من داخلها تغلى و تثور لكن لا رد بجعبتها الآن، حتى اختطاف" رنا " كان قبل تلك الواقعة .
________________________________________
قبل ثلاثة ساعات
بالتحديد فى منزل ذلك الوقح، معدوم التربية و الأخلاق
استيقظت "وعد" مُبكرًا و تركت الفراش له، كى يكمل نومه، يشبه الأطفال لحد كبير ولم تتمكن من التفريط به، تركته ينعم ببعض الدقائق الإضافية وهرعت هى للمرحاض.
انعطفت للمطبخ بعد مدة قصيرة كى تعد الإفطار، كانت تتابع بعض المقاطع التصويرية على هاتفها بينما تُعد مخفوق البيض الممزوج بحبات الطماطم لكنها توقفت ما أن لمحت شيئًا ضايقها للغاية.

فى نفس التوقيت اقتحم زوجها المطبخ وقال وهو يتعمد مشاكستها كالعادة:
يا صباح الجمال والدلال على صاحبة أحلى عسل فى مملكة النمل
حاولت ضبط معدل تنفسها وقالت وهى تتحاشى النظر له متظاهرة بإعداد الطعام :
اسمها مملكة النحل يا جاهل
لكنه سحب قطعة خبز وقال وهو يغمسها فى محتويات المخفوق الذى قاربت على إنهاء إعداده:
ما أنا قاصد عشان استفزك على وش الصبح يا "وعدى"
بنجرى الدورة الدموية و نزود الإشراق و الحيوية
أنهى حديثه وتناول قطعة الخبر وهو يغمز لها، لكنها لم تتأثر، رمقته بضيق مكتوم، فقال و الدهشة تعتلى صفحة وجهه :
يا ساتر يارب
إي الوش دا؟! مأريفه ليه على الصبح ؟!

"مش طيقاك"
تمتمت بإقتضاب بعد أن أنهت وضع الأطباق على الطاولة، وهمت بالمغادرة ولكنه منعها وقال بعد أن اعترض الطريق أمامها:
يا هرموناتك اللى مش عارف أجاريها دى وتعبت منك ومنها و مع ذلك رادى بحالى عشان مليش حال غيرك
تركت التلاعب والإختباء وأظهرت الحقيقة، أشهرت هاتفها فى وجهه و قالت :
إى دا ؟!
فى البداية لم يفهم ما تلمح له، وزفرت هى أنفاسها بحنق شديد، أشارت لفتاة ما تتعمد الإعجاب بكل منشور له على تطبيق الفيسبوك وليس مجرد إعجاب بل سيل من التعليقات اللزجة، وحينها فهم غايتها، ولكنه قال بمراوغة ليرى لأى مدى تعرف؟! :
دى عميلة قديمة عندنا، كان ليها مشروع بناء تحت تنفيد الشركة وخلص من فترة بعيدة، مالها ؟!
بتسألى عنها ليه ؟!
صرخت فى وجهه بعدما سئمت من مرواغته :
عندك على account ليه؟!
كل post بتنزله بتعمل love وبتكتب تعليقات وكأن كان فى بينكم حاجة قبل كدا أكتر من كونك مجرد مهندس كان ماسك شغل لعميلة سابقة عنده
وأدرك حينها أن لا مجال للهروب، فتنهد تنهيدة عميقة ثم قال بشفافية مخجلة بعض الشىء :
كنت بحاول اظبطها بعدما خلصنا شغل، بس فقدت الشغف فى نص الطريق وخلعت بدرى بدرى، شكلها متعلقة بحبال مُهترئة مش دايبة بس

لا تدرى هل غضبت من صراحته الأقرب للبجاحة أم من الموقف نفسه و تلك العلاقة السابقة أم اعترافه بهدوء دون خجل أو ذرة ندم واحدة أم كلهم؟!
هى حقًا لا تدرى و لذلك دفعته بحدة و هى تقول :
يا بجاحتك
لكنه ابتسم و ظل يتراجع للخلف وهى تدفعه وما أن وصل للحائط تبدل الحال و باتت هى المحتجزة بين ذراعيه و الحائط من خلفها وقال هو :
تؤتؤ
قصدك يا صارحتك يا جوزى يا حبيبى يا اللى مش بتخبى عليا أى قذورة من قذوراتك السابقة
لم يظفر باللين من جانبها وظلت على وضعها، يجتاحها الضيق ويظهر بوضوح فوق صفحة وجهها.
سحب نفسًا عميقًا وقال باستسلام وهو يحضر هاتفه وينفذ ما تريد دون أن تطلبه:
خلاص متزعريش، أدى block و كدا كدا ال password معاكى أعملى كل اللى تحبيه مع كل اكساتى
راق لها الفعل وابتسمت رغم التمرد الكامن فى روحها و حديثها :
بسهولة كدا ؟!
أنت بتضحك عليا عشان تريح نفسك لكن اللى فيه داء مش هيبطلة

جذب كفها يقبله بهدوء ثم قال بصراحة و وضوح :
طالما حاجه مزعلاكى يبقي لازم ننهيها بسهولة، أنا ما صدقت أنول رضاكى يا "وعد"
دا غير أن الحوار دا عدى عليه سنتين تقريبًا، حاجة قديمة أوى، مش مستاهله نفكر فيها أصلًا بس طالما ضايقت "وعدى" يبقي نمحيها من حياتى علطول
حركت كتفها بدلال رغم أنها تحلق فرحًا من الداخل و أكمل هو حديثه بسلاسة يفسد ما حققه منذ لحظات بغباء :
بطلى تقفشى فى الماضى بتاعى، أنا راجل تعددت اكساته وتنقلاته من الشرق للغرب، مش بنت بنوت أنا، بس فى النهاية محطتى الأخيرة كانت أنتِ و ارتحت معاكى أنتِ، و مش عايز غيرك أنتِ
فكِنى يا "بنت المبهوشة" و ارحمى و أمى

حركت رأسها بيأس منه، يفسد ما يصلحه فى نفس اللحظة، حالة ميئوس منها و ابتعدت عنه و هى تقول بضجر:
أنت فخور أوى بالماضى بتاعك ليه ؟!
عقب على حديثه وقال بعد ما جلس يتناول ما يقابله فقد اقترب موعد العمل :
مش فخر على قد ما هو اعتزاز باللى وصلته
دا أنا كنت legend فى منطقتى و مفيش حد عارف ينافسنى.
تخيلى يا "وعد" مفيش واحدة كانت بتقف قدامى أكتر من اسبوع

"يلا الحمدالله ختامها مسك و عسل مكرمل بين ايديا و قدام عنيا "
صدح صوته فى النهاية بكلمات غزليه تليق بطباخ أو ذواق و ليس زوجًا لزوجته، و كل ذلك دفعها للغضب و الرغبة المُلحة فى الثأر، فقالت بعد أن ضربت على الطاولة بكفيها :
طب ما أنا ممكن أحكيلك ماضيا أنا كمان و نشوف مين ال..........
لكنه قاطعها سريعًا وجذبها كى تسقط على الطاولة أمامه و قال بسخرية من زوجته المتمردة بعدما حاصرها بذراعيه :
متحاوليش، أنت أبيض من الورقة البيضة يا "وعد"
واصلت فى تمردها وهى تتحدث وتحاول الفرار من حصاره:
ما يمكن بكدب عليك، جايب الثقة دى كلها منين؟! أنت مكنتش موجود فى حياتى من زمان، حتى لما دخلتها كنت مجرد معيد رخم مش طيقاه، فبلاش العشم ياخدك بزيادة يا باش مهندس
لكنه حرك رأسه نافيًا حديثها كله وقال بإصرار وقوة:
من واقع خبرتى بقولك أنتِ كدابة و الكدب فى الحتة دى غلط و معايا أنا بالذات
اللى زي يعرف اللى لفت ودارت وااللى حفظت وصانت، اللى كانت ماشيه بمزاجها واللى كان غصب عنها واللى نفسها ترجع واللى حابه تكمل و إلخ إلخ

"أنت زى مثل لبنانى قديم بيقول "ماباس تِمها غير أما"
عقب فى النهاية بتسلية شديدة وهو يعرف أن ما يقوله سيقلب الموازين، وبالفعل حدث ما يريد و نهضت سريعًا وهى تعنفه بالقول:
و أنت وقح و قليل الأدب ..............
منعها من استرسال الحديث و قال هو :
ومتربتش، كمليها عشان بحبها منك
صرخت فى النهاية بعدما تملكها اليأس منه:
يا صبر أيوب
خرجت تاركةً له المكان وانعطفت لغرفتها و لكنه لحق بها و هو يتمتم بمشاكسة :
أوعى مراتى المتدينه جدًا وصلت
كل الحديث بينهما قائم على الشد والجذب، تدور علاقتهما حول لغة الحب المشتركة بينهما وهى المشاكسة ورفع ضغط الدم

فجأة تركت ما بيدها و هبت مندفعة تسأله بفضول قاتل و مغزى مستتر:
لحظة واحدة
أنت عرفت المثل دا منين؟!
و أجابها هو بسلاسة كالمغفل :
من واحده لبنانية كنت.........
لكنه ما أن لمح الشرارة الصادرة من عينيها و إطباقها لكفيها فوق بعضها البعض وكأنها تستعد لمعركة، هتف سريعًا بإستسلام :
و لا كأنى قولت حاجه، خلى اليوم يعدى أبوس ايدك و ضوافرك

انتهت معركتهم قبل أن تبدأ و ذلك من حسن حظه فى المقام الأول ورغم ضيقها منه ولكن هناك بصيص أمل فى التقبل رغم طريقته الغريبة فى التعامل لكن داخلها تغير شيئًا فشيئًا، حقًا العلاج النفسى بداية الإصلاح.
وقفت فقط تردد ذلك الدعاء و بداخلها كل الأمل فى تحقيقه :
اللهُم هبني بيتًا آمِنا لا يتسرَّب سِرُّه، ولا ينفَد خيرُه، ولا يختفي بريقُه، ولا يُقطَعُ طريقُه، ولا يتسلَّلهُ جَفاء، ولا يُثقِلهُ بلاء، واجعلهُ يُطعِمُ الزُّوارَ، ويُحسِنُ الجِوارَ، ويأمَنُ الجِيرانُ بوجوده.
اللهُم لا تُغلِق بابهُ في وجهِ سائلٍ، وصُبَّ عليهِ الخيرَ صبَّا، ولا تجعلِ العَيشَ فيهِ كَدَّا، وأسعِد من يسكُنونهُ، واخذُل من يكرهُونهُ، وأخرِج منهُ أصواتًا تُرتِّلُ القُرآنَ، وتُقيمُ الليلَ بآياتهِ، وتخلُو بمُناجاتِكَ، ومُناداتكَ اللهُمَّ يا سميعَ الدُّعاء

ثنائى استثنائى لا جديد .
_______________________________________

بالعودة للوقت الحالى
تلقت اتصالًا منه قلب كيانها، تركت عملها وهى تلملم شتات نفسها، ولا يُسعفها عقلها على التفكير بشىء واحد، هى فقط تندفع لتصل للعنوان المذكور فى رسالة نصية مقتضبة و مؤلمة .

وصلت له بهيئة مزرية و دموع كثيرة تغطى صفحة وجهها، لم ينتبه إلا حين هتفت باسمه فى نهاية الرواق:
"آدم"
رفع رأسه سريعًا ما أن سمع صوتها وهتف لسانه بنداء محبب مصحوب باللوعة والألم:
"ليله"
أسرع لها يتلقفها دون وعي قبل أن تسقط على الأرض، جسدها يرتجف ولسانها يتمتم بحزن و ضياع:
أبيه فين يا "آدم" ؟!
و إي اللى أنت قولته فى ال phone دا؟!
يعنى إي لقوه مرمى قدام المستشفى غرقان فى دمه ؟!
جذبها لتجلس على أقرب مقعد يقابلهم وقال بعد أن جلس هبط بجذعه مستندًا بعاقبيه أمامها :
أهدى بس وأنا هشرلحك حالته بالتفصيل
جسدها يعلو و يهبط من الذعر وبوادر نوبة هلع قادمة فى الطريق لا محالة، وذلك دفعه دون أن يدرك حتى للإمساك بيدها، أحاط كفوفها بخاصته وقال :
أهدى يا "ليله"، صدقينى هو كويس
تطالعه بحدقتين مُتسعتين بشدة ولسانها يتمتم دون تخطيط بكلمات تأتى من ذاكرة الأمس وتحاصر فاجعة اليوم :
أنا عايزه اشوفه
هو كويس ؟! إي اللى جابه هنا يا "آدم"؟!
امبارح كان معانا وقال هيسهر مع أبيه "أحمد" شوية و يرجع، هو قالى كدا و وعدنى يرجع بدرى

"صدقنى وعدنى "
صدح صوتها بتلك الجملة و الدموع تنهمر بغزارة حتى هبطت فوق كفه
تنهد بألم على حالتها، حبيبة قلبه ترتجف وتبكى ولا شىء يمكنه فعله سوى أن يقول بيأس:
للاسف ممنوع الزيارة، حاولت كتير لكن رافضين بسبب حالته
صرخت و كفوفها ترتفع بشكل لا إرادي لتهبط فوق كتفه تهز جسده بألم ورفض لما هتف به :
هو حالته إي بالظبط ؟! رد عليا أبيه ماله؟!

و قبل أن يجيبها بحرف، كان صوتًا ثالثًا يعبث بالأجواء من حولهم ويقول بصراخ :
"غيث" فين ؟!
وصل لهم و قال وهو يمسك بذراع "آدم" يدفعه للنهوض بغضب ويوبخه :
أنت معرفتنيش من الأول ليه ؟ سايبنى أروح الشركة و صاحبى هنا بين الحياة و الموت
و أمام حماقته تلك شهقت "ليلى " ولسانها يردد بأمل يشوبه العديد من طيات اليأس:
لا أبيه هيبقي كويس، مش أنت لسه قايل كدا يا "آدم"؟!
أبيه كويس
أيوه أبيه كويس

طالعه"آدم" بغضب فقد أفسد كل ما كان يحاول فعله منذ دقائق عديدة، و حك الآخر جبهته بضيق فقد زاد من الطين بلة.
________________________________________

فى مكان آخر
تركت "منى" منزل "الحاج راشد " وعادت أدراجها لتلك الشُقة الصغيرة فى الحى الشعبى ولكنها فسيحة فى عينيها أكثر من أى قصر مُشيد بالطمع والخُبث والحقارة الممزوجة بأموال لا قيمة لها، مادام السكان يكرهون بعضهم البعض فلا يُعد هذا منزلًا من الأساس بل مجرد مُنشأة لا اسم لها، بُنيان شاهق لكن بارد وفارغ.
عادت لأنه الخميس موعد زيارة ابنتها الاسبوعى و التى حتى هذه اللحظة لاتعرف بما تحيكه والدتها من خلف ظهرها سعيًا للانتقام المُبهم.

وقفت أمام بيت صديقتها بعد أن أفرغت محتويات حقيبتها وبدلت ثيابها
طالعتها الأخرى بيأس وقلة حيلة ولكنها أفحست لها الطريق لتدخل فى النهاية وهى تقول :
برده لسه معرفتيهاش ؟!
هتيجى كل اسبوع تتسحبى زى الحرامية يا "منى"؟!
جلست على الأريكة البعيدة من مدخل المنزل و أكملت "فاطمة" حديثها :
أنتِ عارفه "رنا" مش هتقبل باللى بعملتيه و هتزعل منك
أجابتها"منى" قائلةً بنبرة تحمل بعد طيات الحقد ويشوبها نزعة ألم صريحة:
عارفه ودا اللى مخلينى مخبيه لغاية اللحظة دى، مش هينفع أسيب "سهير" تعيش كدا وهى سبب كل اللى حصلى أنا وبنتى

"لازم أوقعها فى شر أعملها "
قالت جملتها الأخيرة بقوة حاولت أن تتحلى بها و كى تصل لأواصلها، وقاطعتها "فاطمة" بيأس:
بس "رنا".......
منعتها "منى" من استرسال الحديث و قالت هى:
مش هتعرف
طول ما أنا بجى الخميس وأفضل هنا لغاية ما تمشى السبت الصبح، يبقي مش هتعرف، و متفكريش كتير يا "فاطمة" أنا مش هرجع، واللى ناويته هيحصل و"سهير" هتدوق المُر اللى عايشتنى فيه أنا وبنتى سنين وحتى ابنها مش هرحمه، كلهم هيحسوا باللى حسينا بيه و يدوقوا من نفس الكاس.

لم تعلق، أومأت برأسها وتركتها مُتجهة للمطبخ، و لحقت بها الأخرى وهى تقول كى تغير مجرى الحديث :
سيبك منى، قوليلى عملتى ايه ما "ديما "؟!
تنهدت "فاطمة" تنهيدة عميقة، وكأنها تصدر من جوف كهف مظلم لا سكان به، وبارد، قارص، لا مظاهر للحياة داخله.
قالت واليأس يزعزع كل أمل حاولت التحلى به:
لسه منشفه دماغها يا "منى"
ويعز عليا تكون شايله كل دا فى قلبها لسنين، أنا ضحيت عشانها وتضحيتى دى مكنشى ليها أى لازمة طالما بنتى بعيدة عنى وشايله منى
أنا مليش غيرها هى و "وعد"
بُعدها واجعنى، كأنى عايشه من غير نصى.
جذبتها فى عناق قوى، تحتاجه هى قبلها، و قالت و هى تمسد على ظهرها :
هتلين، صدقينى هتلين، مهما حصل هتفضلى أمها اللى ربتها وتعبت عشانها، عيالنا عنديين شوية بس ميقدروش يبعدوا كتير مهما حصل.

انصاعت الآخرى لها و بدأت تعد الطعام فى جو لم يخل من الأحاديث الجانبية فى شتى الأمور إلى أن صدحت ضحكة رنانة من جانب" منى"، أثارت فضول الأخرى و راحت تسألها :
بتضحكى علي ايه ؟! ضحكينى معاكى
أجابتها و البسمة لا تفارق ثغرها:
أصلى افتكرت اللى عملته فى الحرباية الصبح قبل ما أجى وفرحت، منظرها و هى غرقانه فى الزيت و مرميه على الأرض كان فظيع.
يستاهل أعمل وليمه تُعد بالسبع أيام لكل أهل الحارة الغلابة.

Flash Back
فى بداية اليوم
وقفت "منى" تُعِد بعض الشطائر للإفطار قبل أن تترك هذا المنزل وتعود أدراجها لشقتها الصغيرة فاليوم الخميس
وضعت الزيت على المقلاة فوق الموقد وهَمت بوضع الشطيرة فوقه كى تكتسب بعض الإحمرار وتزيد من حلاوة المذاق
لكنها وجدت من تقتحم المطبخ وتصرخ بأعلى نبرته تملكها:
واقفه فى مطبخى تعملى إي يا بنت الخدامين ؟!
تعاملت "منى" معها وكأنها سراب، لا تعطيها أى اهتمام وذلك اثار حفيظة الآخرى وراحت تتحدث و هى تتقدم لها وبعينيها شرارة انتقام تود لو صعقتها بها وكره عميق تتمنى لو يتحول لسلاح نارى من الطراز الأول، تصوبه ناحية الفؤاد مباشرة وتتخلص منها فى التو واللحظة :
إي هى الحية كلت لسانك ولا مش لاقيه كلام تقوليه لستك يا حتت خدامة حقيرة؟!

ظلت صامتة، لا حرف يخرج من حلقها، فقط تستمر فى تقليب الشطائر فق الموقد بهدوء شديد ودفع ذلك "سهير" للجنون أكثر، صرخت وهى تحكم قبضتها فوق ساعد غريمتها اللدودة:
ردى عليا بقولك
و ما أن وصل الأمر لتطاول جسدى، دفعتها " منى" و هى تقول بحنق :
عايزة إي يا بتاعة أنتِ؟! أنا مش فائقة لغبائك
اعتلت الصدمة ملامحها، وانفغر فاهُها للحظات لا تصدق ما تم نعتُها به، وتقدم لسانها فى صفوف المعركة، فى خط الهجوم الأول قبل جسدها حتى و راحت تتحدث بدهشة مصحوبة بالاستهجان :
ب....ب....ب أى؟!
بتاعة؟! أنا يتقالى بتاعة ؟!
"سهير الدوسرى"يتقالها بتاعه ؟!

اندفعت فجأة وهى تتمتم بشر وكره صريح و ذراعيها ممدودتان للنهاية، تريد إلحاق الضرر بالآخرى :
دا أنت حفرتى تربتك بايدك يا "منى"
و لكن "منى" تفادت دفعتها وتحركت فى الجهة المقابلة و وقع الساحر فى شر خدعته المُلتوية

ارتطمت يدها فى الإناء الملىء بالزيت الساخن و سقط على الأرضية بالإضافة لقدمها، لتسقط "سهير" بعدها وينزلق جسدها لنهاية الحائط وهى تصرخ بألم بفعل الحروق التى أصابت ساقها، حروق بالغة الخطورة من الزيت المغلى ومن ثَم التوى كاحلها حين ارتطمت بالحائط وارتد جسدها مجددًا لتفترش على الأرض بعنف ويصاب ظهرها أيضًا
و كل ذلك وهى لا تنفك عن الصراخ والعويل، كحيوان يتم بتر عضو تالف به، وجب البتر حتى لا يفقد حياته، تهول من كل شىء حتى تنال استعطاف الكل، خاصة ابنها
و وقفت "منى" دون حراك، تيبس جسدها من هول المشهد ولكن لسانها أراد قذف أى شىء لاذع كانتقام، فلا تأتى مثل تلك الفرص إلا فى الأحلام الوردية :
أنتِ مش واخده بالك أنك عضمة كبيرة و محتاجه معامله خاصة؟!
مش بنت عشيرين أنتِ يا "سهير"

لم يهرع أحد لنجدتها، و ذلك ما زاد من وتيرة الانتقام داخل غريمتها، تحركت "منى" صوبها ومن ثَم انحت بجذعها لتمسك بالاناء بعدما ارتدت قفازًا خاصًا كى لا تحترق أصابعها و تقول بأسف :
يااه تصدقى كنت لسه بسأل نفسى وأقول الزيت دا كتير أوى يا ترى هعمل بيه اى؟! أرجعه و لا اسيبه؟!
حاولت "سهير" النهوض لكن دون أى فائدة تذكر، فهى كلما استندت بذراعيها كى تصلب جسدها بعض الشىء، تعود وتنزلق مجددًا ويزداد الألم
بينما أكملت"منى" عباراتها المُتشفية وهى تتحرك صوب الحوض كى تضع الإناء به :
أديكى شربتيه لا sorry غرقتى فيه
دا طلعت مصاب قوم عند قوم فوائد بجد
ثم التفت ترمف الأرضية بحسرة لذيذة و هى تقول بهدف رفع ضغطها :
يا خسارة بقى زيت ***** غير صالح للاستخدام بعد كدا
أصله بقى زيت مغموص بسم حَية فأى حد يقربله يتأذى، حتى هى

تعالت صرخاتها، تعالت طالبة النجدة من أى أحد، تكره الضعف وخاصة أمام غريمتها، من سلبت سعادتها منذ عشرات السنين .
و أمام الصراخ و النبرة التى ترج جدران المنزل اندفع" مالك " بعدما كان يغط فى نوم عميق
وما أن رأى المشهد، صرخ و هو يحاول أن يسند والدته التى تنزلق منه مع كل لمسة يقوم بها بفعل الزيت :
عملتى فيها إي ؟!
طالعته "منى" للحظات وبداخلها رغبة مُلحة فى ضرب رأسه بأثقل وعاء يوجد فى المطبخ، ولكنها حاولت أن تخرج قبل ان تسبب أضرارًا جسمية وقالت فقط :
أهى عندك مرمية على الأرض أسالها أو جبلها دكتور عشان يخيط أو يجبس بقي

"ابقى حطلها عسل على الحرق يا ابن أمك"
صدح صوتها بتلك العبارة الساخرة و هى تغادر المطبخ بكل فخر وسعادة
و ظلت تلك الحرباء المتلونة تصرخ من الألم، و تتلوى كما لو لدغتها حية من بنى جنسها :
رجلى
وقف أمامها لا يعرف ما العمل و واصلت هى فى الصراخ الزائف و هى تمسك بها المصابة:
رجلى بتوجعنى أوى يا "مالك"
حملها دون تفكير و صرخ فى وجه شقيقته التى ظهرت أمامه فجأة من العدمِ :
كلمى "عفاف" حالًا
هرع لغرفة والدته وهو يحملها وابنتها تهرول خلفهم وهى تهاتف زوجة شقيقها، والتى كانت بالخارج منذ الأمس نظرًا لعملها و مناوبتها المسائية المُعتادة.

End Of Flash Back

عادت لأرض الواقع و الدقيقة الحالية وبسمة انتصار تزين ثغرها و ضحكة رنانة من صديقتها تشق أجواء الصمت و الحزن و تبعث السعادة فى صدور من هم بالأسفل.
العاشق الذى لم ينل من الحظ شيئًا و ظل فؤاده متعلق بعنقود العنب خاصته، العم "جمال " العاشق الولهان.
_______________________________________

فى إحدى محلات "الحاج راشد" للأقمشة
كان "مالك" يراجع الحسابات مع "عُمر" ويتأكد من وصول نصيب كل من والده و ابنة عمه للبنك فى أرصدتهم الخاصة، فهما المُلاك لكل تلك الثروة، و يظل هو وشقيقته تحت كنف والده .
لكن كان له نصيب لا يستهان به نظير عمله، اشترى منه سابقًا سيارة زوجته بالإضافة إلى بوليسة تأمين على حياة أحدهم بمبلغ كبير للغاية، مبلغ كلفه أكثر عشرة أعوام من عمره فى العمل تحت رحمة جده .
لكن لمن؟! زوجته أم ضحيته ؟! أم ربما تلك الراقصة المجهولة الهوية حتى هذه اللحظة ؟!
لا أحد يدرى و ذلك ما يزيد من حماس الأجواء، لكن ألم تكن الأجواء حماسية بما فيه الكفاية و وجب الكشف أخيرًا عن عُمق الحكاية ؟!

انتهى من الحسابات وتطرق لشحنة الأتواب الجديدة حين دلف خطيب شقيقته، نهض يصافحه وتحدث بمهنية شديدة، ثم قال ما أن اتفقوا على كل شىء :
اتفاقنا
شحنة الأتواب الجديدة هتوصللك فى خلال اسبوع بالكتير، أنا بنفسى هشرف عليها فى المصنع عشان أتاكد من كل حاجة
هز "مروان" رأسه بخفة، كعلامة رضا ثم قال و هو يخرج ظرفًا ملىء بالنقود من جيب بنطاله:
و دا العربون اللى سبق واتفقنا عليه
تحدث"مالك" ببعض المرح وهو عازف عن قبول النقود ظاهريًا :
مفيش بينا الحاجات دى يا أبو نسب
لكن"مروان " فتح قبضته و وضع الظرف وقال بعملية شديدة :
لا الشغل شغل، بلاش نخلط
أنا بحب الناس الدوغرى
ابتسم الثانى وأخد الظرف دون أن يحسب النقود، اتجه للخزانة الخاصة و لسانه يقول :
وهو كذلك
وضع المال وتأكد من غلق الخزانة جيدًا و إحكام القفل، و بينه و بين نفسه يضع تنبيهًا صغيرًا كى يعود مجددًا ويحسب النقود، تاجر مُخضرم، واللتجارة حِرفة تحتاج البراعة و اللسان المعسول مهما كان .

حين عاد للمجلس وجد الضيق يعتلى وجه "مروان " و هو يحاور أحدهم عبر الهاتف
فما أن أنهى المحادثة، هتف هو ببعض الفضول :
فى إي ؟! المكالمة ضايقتك ؟!
رد "مروان"عليه واليأس تملك منه سريعًا دون حتى أن يدرى :
فى كذا مشكلة والمحامى اللى ماسكلنا الشغل تعب وبقاله اسبوعين غايب، فكل المصالح الحكومى مش عارفين نسلك فيها وشغلنا واقف مع الجمارك
لكن عوضًا عن مشاركته اليأس أو إظهار بعض لمحات التعاطف و الضيق معه، ابتسم مناقضًا أى رد فعل طبيعى للمساواة و ذلك اثار حفيظة "مروان " لكنه لم يعلق، أسرها فى نفسه
و عقب" مالك " سريعًا قبل أن يتفاقم الأمر من مجرد بسمة مُقتضبة :
هدى نفسك يا أبو نسب
وقولى اللى يدلك على محامى عُقر بيفوت فى الحديد ويعدى من غير رتوش تهاديه إي؟!
أجابه سريعًا وكأنه غريق وجد طوق نجاة فى عرض البحر:
أهاديه باللى يشاور عليه، بس يدلنى عليه

اتسعت الأعين فى انتظار الإجابة، و تمهل "مالك" فى القول باستمتاع خلفه غاية:
"عمر الهوارى" أشطر محامى مسكلنا الحسابات و المسائل القانونية، مفيش أى إخطار ضرايب واحد كان بيهوب ناحيتنا، أى مشاكل مع التجار، أى تقاعس عن الدفع وتهرب هو اللى كان بيتصرف، بيعرف إزاى ياخد اللقمة من بوق الأسد.
"عُمر الهوارى" التوب و الباقى محصلشى حتى باكو ليان

"من الاخر تسلمه رقبتك و أنت مطمن يا أبو نسب "
صدح صوته فى النهاية كى يطمئن الجالس أمامه بعدما اثارة كلماته فى البداية حفيظته، و ظهر التوجس بوضوح فوق ملامحه
كل ذلك يحدث و "عمر " حاضر بينهما، جالس بصمت ويتابع الحديث وما أن لُفِظَ اسمه، اتستعت حدقيته بصدمة، و رغم ذلك واصل فى صمته القاتل، لكن مع زياده وتيرة الحديث و المبالغة فى الوصف نهض هو و تحرك صوب صديقه، مال عليه قليل كى يحدثه :
أنت بتهبب إي ؟! أنت كدا بتسلمنى تسليم أهالى يا صاحبى
أجابه" مالك" مُستغلًا غفلة الثالث مع أفكاره :
طمعان فى عزومة حلوة و مراتك تعملنا حمام محشى من اللى كانت بتجبهولك أيام الخطوبة هنا
من ساعة ما اتجوزتها و الحياة ناشفة علينا خالص.
و أنت عارفنى نقطة ضعفى الحمام المحشى .

"ما تخلى مراتك تعمله "
أجابه الآخر بذلك و هو ينكزه فى جانبه بحدة كى يتوقف عن إقحامه فى أمور عدة، و لكن "مالك" ابتسم دون أن يظهر أى تأثر و قال فى محاولة منه لاستعطافه رغم كونها مغلفة بالسخرية :
بؤحرج منها و أنت عارفنى راجل خجول بطبعى
أوقف تلك الحرب الدائرة بين الأصدقاء صوت "مروان"حين قال مُتحدثًا بجدية :
موافق؟!
و هتاخد المرتب اللى تشاور عليه، أنا راجل دوغرى مبحبش الف و الدوران
أجابه "عمر"بعد تفكير دام لدقيقة واحدة، عصف بعقله صورة جمعت والدته و زوجته، أراد جلب السعادة لعائلته الصغيرة ببعض الهدايا من هذا المرتب الإضافى :
موافق
نهض و قال وهو يمد يد له كاتفاق شفهى قبل الورقى:
أشوفك بكرا فى محل "الدهان" الكبير أن شاء الله ، عارفه ؟!
حرك "عُمر" رأسه بتأكيد وانتقل" مروان "ببصره إلى الآخر وقال و هو يلوح له بوداع :
هجيلكم بقى بعد بكره عشان أطل على" الغندورة " بتاعتى
لكن "مالك" أوقفه حين قال باستهجان ساخر :
لو سمعتك بتقول كدا هتسيبك من غير تفكير

"يبقي أنت متعرفش أختك، سلام "
حطم ظنه حين قال بكل سلاسة وثقة غريبة دون حتى أن يلتفت له ويطالعه، و ظل الآخر يحدق ببلاهة فى أثره و بداخله هاجس قوى بأن ذلك الرجل إما يدعى الحماقة أو يريد إخفاء ذكائه خلف رداء الغباء.
وصدح صوت "عُمر" بحدة ما أن توارى الثالث عن الأنظارِ :
متخليهوش يتكلم معاها كدا ؟!
و لكنه وجد من يندفع له ويحكم قبضته فوق فكه المتحرك ويقول بنبرة غاضبة تتناقض مع مرحِه منذ لحظات :
أتعدل و بلاش لسانك يخسرك الباقى من عمرك
حاول"عمر" أن يهدأ من حدة الأجواء وقال بتبرير حقيقي وهو يزيح كف صديقه:
مش قصدى حاجة يا "مالك"
بس أختك مش دى الطريقة اللى هتقبل تتعامل بيها، لو عايزهم يكملوا فى العلاقة دى، فَطمه أختك بتحب إي و تكره إي؟!
خلي حد يعرف يهرب من البيت دا بقي
حرره من قبضته بعد أن رمقه بنظرة مطولة، كتهديد مبطن برداء التغافل ثم قال :
على أساس أنا عارف هى بتحب إي ؟!
"مايا" محدش يعرف دماغها غير اللى خلقها
ابتسم بتهكمٍ، فحديث صديقه دفعه للتفكير بخاطرةٍ ساخرةٍ و لم يحفظها بنفسه و قالها بشفافية:
فى دى بقي عندك حق
البيت كله محدش فيه فاهم التانى و أشك أصلًا أن حد فيكم فاهم نفسه

"بيت منخوليا "
تمتم فى النهاية بكل وقاحة و صراحة فى آن واحد.
وأجابه صديقه و هو يدفعه للأمام كى يتجهوا لمكان جلوسهم المعتاد :
بقيادة دكتورة المجانين، حرمى المصون و أم "عُدى" إن شاء الله

نفس المقهى الصغير و نفس الطلب المُتكرر ولكن فى كل مرة حديث مُختلف بهاجس مرعب، لكن هناك سؤال مُلح إلحاحًا شديدًا
هل ظهر" كامل " من قبل أمام "عُمر"؟!
صديق عمره ألا يمكنه أن يستشعر الفرق ؟!
ما هذا العبث؟!
_______________________________________

وقفت فى الشرفة تتابع المارة بفراغ، سئمت من الحياة هنا والملل المحيط بها، علاقتها بزوجها غريبة لكنها لم تعتمد عليها من الأساس، هى فقط أرادت الفرار ومشاعر مختلطة ومضطربة فى آن واحد هى ما دفعتها لهذا التصرف الغير مبرر.
لا تعرف ما تكنه له؟؟ عشق أم إعجاب أم مجرد طوق نجاة لغريب يجيد السباحة ولكن أصابه شد عضلى فى لحظة حاسمة ؟!
حادثة عرضية لولاها لتمكنت من النجاة دون الحاجة لغريب يمد كفه بأصفاد زوجية وكلمات قاسية كرياح عاتية.

أخرجها من حالة الضياع تلك صوت صادر من الخلف :
أنتِ هتقدمى استقالتك امتى ؟!
استدارت وعلامة التعجب تعتلى وجهها ولكنها أجابت بسخرية شديدة دون أن تهتم بغايته ظنًا منها بأنه يمزح لا أكثر :
من إي بالظبط ؟!
الجامعة ولا الشركة و لا الحياة بشكل عام ؟!
عقب بضيق :
الشركة يا "ديما "
الشىكة مفيش غيرها
نبرته ضايقتها ودفعتها للسؤال بدهشة مُمتزجة بالتهكم :
ليه ؟!
مش فاهمه إي السبب اللى يخليك تقول كدا ؟!
دلف للشرفة بعدما ظل لفترة بالخارج، يخشى المواجهة القريبة ولكنه لجأ للمراوغة عوضًا عن المواجهة الصريحة و قال :
يعنى أنتِ مروحتيش بقالك فترة و........

ابتسمت بعدما كانت مستعدة لمعركة شفهية شديدة الخطورة، قد تدفع بحياتها المهنية للمحك
لا تحب أن يناقشها أحد ويفرض سيطرته عليها، تخشى بشدة أن تصبح كخالتها قبل أن تنفصل عن "الحُسينى"
أجابته فى النهاية وهى توالى ظهرها، تعود مصوبة أنظراها للطريق، مُكتفية بلسانها كى يجيب دون الحاجة لحرب النظرات الطويلة :
دكتور" أحمد" قالى انه قدم طلب إجازة فى الجامعة و اتقبل وانى أقدر أخد إجازة كمان من الشركة و ارجع و قت ما يناسبنى طبعًا
جذبها من ذراعها فجأة و هو يقول بحدة :
بس أنا مش عايزك تكملى شغل في الشركة دى
لم تحاول تحرير نفسها، بل تحدته بالنظرات و الحديث:
بصفتك ايه ؟!

علاقة ندية
لا تقبل كلمة منه و لايقبل إعتراض منها، لا وفاق بينهم، مجرد مشاعر تذهب مع رياح فى أى لحظة و الرابط مفقود، لا شىء يجمعهم وكل السُبل تفرقهم.
و لذلك قالت بنفاذ صبر:
"بسام" احنا علاقتنا مش علاقة اتنين متجوزين، لا دا اتفاق لغاية مدة معينة وهينتهى وهنرحع أغراب زى ما كنا ولا فى حاجه فى يوم جمعتنا ولا هتجمعنا

"وأحب أفكرك أن أنت بنفسك اللى حطيت شروط الاتفاق دا، أنا كنت زى الدبيحة بنفذ وبس"
قالت حديثها الأخير وهى تحدجه بقوة دون أن تسبل أهدابها.
و أعترض هو بشدة وقال بعدما أحكم قبضته فوق ذراعيها وجذبها له أكثر :
بس طول ما أنتِ على أسمى وعايشه معايا تحت سقف واحد يبقي تنفذى اللى اقولك عليه من غير نقاش حتى
يضغط ببعض القوة دون أن يدرى و تتألم هى دون أن تظهر ذلك، لا تريد أن يطفو ضعفها للسطح، قاست الكثير و تريد التغيير.
صرخت و هى تحاول التملص منه:
هسبلك السقف اللى فرحان بيه، مفيش مشكلة

أجابها و هو يجذبها أكثر رافضًا فك الحصار ومصرًا بشدة على موقفه :
أنا الراجل و كلمتى اللى هتمشى يا "ديما "
وتمردت هى بالقول والفعل وهى تدفعه راغبةً فى الفرار :
و أنا الست و مش هتمشى كلامك عليا يا "بسام"
إحنا نتفاهم آه، لكن تتعامل معايا بغشومية وفرض كلمه و سيطرة لا و ألف لا

فى نفس اللحظة تدخل الصغير وقال بعد أن تعلق بساقها كما اعتاد مع كل من يحبهم :
ماما "ديما " الحلوة عامله إي ؟!
ابنك حبيبك جه

تلك الجملة لم تكن سوى عود الثقاب المشتعل، أضرم النيران فى المكان القابل للاشتعال بحرف مقتضب من الأساس، و كأن خلافهم لم يكن يكفى ليأتى الصغير بكلمة "ماما" ويزيد من ثورته وغضبه
هبط بجذعه واقتلع ابنه من ياقة قميصه، مانعًا إياه من التعلق بها وصرخ بوجهه وهو يعنفه :
دى مش أمك فاهم
أُصيب الصغير بالذعر و لم يتمكن من الحراك أو التفوه بحرف و أكمل "بسام" كلماته بسفاقة و غباء :
مش أمك
أنت ملكش غير أم واحدة ودى ماتت وشبعت موت خلاص، ارتاحت و سبتنى أنا اتعذب من بعدها و أشيل هم كل من هب ودب
و أمام كل تلك الهمجية، تدخلت "ديما" و هى تدفعه و تحرر الصغير من هذا العنف.
تلقفته بين ذراعيها و أخفض"غيث" رأسه، يبكى بحرقة وألم، تشبث بثيابها وأطلق العنان لدموعه و طفولته البائسة
بينما انطلق لسانه يتمتم باستهجان :
"بسام " إي اللى أنت بتقوله دا ؟!
أنت اتجننت ازاى تكلمه كدا ؟!
لو مش عايزنى تمام لكن ابنك إي ذنبه بتكره فيك ليه ؟!

مُحقة بكل حرف هتفت به، ولم يجرأ هو على التصريح بحرف واحد، يدرك فداحة ما اقترفه ولا حُجة لديه، و حتى إن وجدت الحُجة فهى واهية أمام دموع ابنه.
فر بعد ذلة لسانه وتركهم خلفه، تعانق هى الصغير ويبكى بين ذراعيه بينما كان والده فى أمس الحاجة لهذا العناق و البكاء لكنه يخفى حقيقته الهشة.
لم يتمكن من المواجهة و يخشى بشدة أن تفتح أبواب الماضى على مصرعيها، حينها سيخسر كل شىء، من يربطه به القدر و من يربطه به صلة الدم و الأسوء من وقعت فى طريقه وانتشلها لأسباب عدة.
و ظلت هى بالداخل تحاول احتواء الصغير لكن بداخلها هاجس كبير من هذه الزيجة المعقدة .
يكمن جوهر الزواج فى الانكشاف التام و سبب العزوف عن الزواج هو الخوف من الانكشاف التام؛ فلكل شخص منا ندبة يخفيها عن الجميع، يخشى أن يظهرها فيلقى الرفض و النفور .
و كلاهما يعانى من الندوب النفسية فى حضرة بعض الرتوش الجسدية .

_______________________________________

خرج وهو غاضب، ثائر على كل شىء، لا يريد أن تجتمع بخصمه اللدود فى مكان واحد خاصة بعدما لمح بشىء ما بينهما ، نيران الغيرة و الثأر فى آن واحد.

صوت رنين هاتفه كان كفيلًا ببعثرة أفكاره، وأجاب دون أن يعرف هوية المتصل لكن صوته كبطاقة هوية من الأساس:
مبروك الفرصة التانية، خليك شاطر بقي و استغلها يا حضرة الظابط المفصول
رد عليه قائلًا بغضب شديد :
حقى هاخده
ضحكة رنانة من جانبه كانت كفيلة برفع ضغط دم المجنى عليه و اثارة حفيظته بشدة، بينما أكمل"طارق" حديثه بكل سخرية وتهكم :
طب مش تعرف الأول هتاخده من مين بالظبط ؟!
صمت تام من كليهما
رغم أن السُباب بكل الألفاظ البشعة يدور بعقله، ينعته بأقذر الأشياء التى عرفها والآخر يبتسم باتساع قبل أن يفجر قنبلته فى الثانية:
هو" صالح النويرى "مات ازاى ؟!
مش غريبة ظابط شرطة يتقتل ومفيش أى قضايا أو ملفات، كأن اللى عملها اللهو الخفى مثلًا أو مسنود بحد تقيل أوى، سياسى كبير أو رجل أعمال من الطراز الرفيع أو مثلًا مثلًا يعنى تكون ست حلوة و العين عليها و الكل عايز يخدمها، تفتكر إي يا "بسام"؟!
يعنى فكر معايا بصوت عالى يمكن نوصل لحل
تلاعب بإحدى نقاط ضعفه القليلة، بعقدة طفولته و سبب تعاسته، ولكنه تصرف بما يناقض ما داخله فى تلك اللحظة و قال بهدوء :
عايز توصل لإي من الآخر ؟!
رد عليه بكل سلاسة وكأنه يتحدث عن طقس الغد بعد مشاهدة نشرة الأخبار :
لو قولتك أنا عارف اللى قتله، واتعاملت معاه كمان، تعمل ايه ؟!

و جاء رد المعنى بالأمر بكل ثبات و قوة :
هقتلك أنت وهو بنفس الطلقة
خسارة أضيع طلقيتن عليكم
يحب اللعب ويهوى التنافس، يعشق صيد الضحايا والتلاعب بكل أحجار الشطرنج خاصته.
فى الواقع يرى الكل كأحجار مُكبرة وما الحياة سوى طاولة يتلاعب عليها بيديه، يحرك الكل ويسيطر عليهم وفى النهاية الحركة الرابحة تكمن بعقله و ينفذها بكل سهولة غريبة؛ فقد اعتاد الأمر
قال فى النهاية بعد لحظات طويلة من التلاعب بالأعصاب:
تعجبنى، لما تبقي تعرفنا ابقى اقتلنا، و متتأخرشى عشان" عشماوى "صاحبى وحبيبى وما بيصدق ينفذلى طلب.
أكمل حديثه و بيده ورقة رابحة لا يريد إظهارها للسطح فور التلميح بها :
بس خليك عارف الجندى عمره ما يكش الملك
دا مجرد حجر حقير بنستغله عشان نوصل للهدف، عمره ما يكبر وياخد حجم أكبر من رقعة واحدة محشور فيها من يوم ما اتولد ليوم ما يخرج من اللعبة، وقتها هيكون كان و شبع موت .

هَم "بسام" بإغلاق الخط فقد سئم من حديثه وتلك اللعبة المقيته ولكن أوقفه"طارق" حين قال بكل خبث و حقارة :
قبل ما تقفل ابقي سلملى على "غيث" وقوله الشحنة وصلت زى ما اتفقنا
الحَما فى مقام الأب زي أنت عارف ويحب يخدم ابنه أوى أوى
ومن ثَم أغلق الخط دون كلمة وداع واحدة، يتلذذ بفرض السيطرة على الكل و التلاعب بالكل دون أن تُكشف هوية صاحب القناع، "الباشا"
يجلس وأمامه مُجسم للعبته المفضلة، لعبة الشطرنج و بحركة واحدة انتصر على غريمه والذى لم يكن سوى رجل من رجاله الكُثر.
قالها متلذذًا بكل حرفٍ منها :
كش ملك
سمح للمهزوم بأن يخرج وبقي هو يشعر بنشوة النصر و يفكر فى أخصامه دفعة واحدة.
تلاعب بطفولة"غيث" وأقحم نفسه فى هيئة صديق له ومن ثَم والد زوجته الراحلة ولكنه لم يكن سوى حقير كجده لكن مع نزعة إعجاب صريحة.
يراه كخليفة له كونه والدًا لفتايتن فقط، إحداهن فارقت الحياة على يده والآخرى فرت مع والدتها لدول الغربِ.
تنهد بحرارة و هو يتذكر الأيان الخوالى، خبيثًا معه منذ الصغرِ، خبيثًا لدرجة تذهب العقل .

Flash Back

فى إحدى الأيام قبل العديد من الأعوام، حين كان الشيخ شابًا و الشاب طفلًا و الدموع قليلة والكذب كثير و الإدعاء خطير .
اتجه ذلك الخبيث لمنزل صديقه، يعرف تمام المعرفة بوجود أحدهم بمفرده، فى الواقع يعشق الانفراد به، يهوى السيطرة عليه وزرع خِصاله البشعة والمريضة به .

دخل لحديقة المنزل وهو يقول :
أنا جيت
لفت صوته انتباه المعنى بالأمر وتعلق به وقال وهو يعانقه بشدة :
وحشتنى أوى
يعطف عليه فى لحظات سادية جده، ليضمن تعلقه به، تعلق مبنى على الخداع و النفاق والدوافع الخبيثة، حقًا نسخة أسوء بمراحل من صديقه السادى، لا يظهر حقيقته و يخفيه تحت أكوام من الثياب الباهظة، يخدع الكل بكل مهارة.

أجابه و هو يمسد على ظهره :
و أنت كمان وحشتنى، أومال" ليث" فين ؟!
ابتعد "غيث" عنه بعض الإنشات وقال بنبرة حزينة على حالة شقيقه المريض:
فى المستشفى، تعب شوية و اتنقل هناك وماما هتبات معاه زي كل مرة و هيسبونى لوحدى .

ابتسم"طارق" ابتسامة لم تصل لعينيه، ابتسامة شر و مُكر ارتبط بالدهاء والخبث.
أخرج ما كان يخفيه خلف ظهره وهو يقول :
شوف أنا جبتلك ايه ؟
أخذ"غيث" ما أحضرها له، و بحث بعينه عن هدية آخرى، لكنه لم يجد معه شىء آخر فهتف متسائلًا:
فين بتاعت "ليث" ؟!
عقب على حديثه بخبث كبير يواريه خلف حنانه الزائف وكلماته المُختارة بعناية شديدة :
كل الناس بتجيب "لليث"، بس أنا مش بجيب غير "لغيث"
و لكن نواياه لم تصل للطفل أمامه، وقال بسلام و سعادة :
هقسمها بالنص بينا زي ما هو بيعمل دايمًا
أنا و "ليث" بنقسم كل حاجه مع بعض وبنحب بعض

حديثه لم يلق إعجاب"طارق"، لا يريده أن يتعلق بأحد سواه، أن يكون له بمفرده يفعل به ما يشاء ويعده للإمبراطورية "الباشا"، فلا وريث له سواه

أراد أن يغلق حوار شقيقه بأى شكل ولذلك قال :
إي رأيك نلعب شطرنج ؟!
و لكن "غيث"تأفف بشدة وقال :
مش بعرف وكل مرة بتغلبنى
لا يحب تلك اللعبة ودائمًا ما يهزم بها ومع ذلك يُصر "طارق" بشدة على معاودة الكَرَة فى كل مرة يتقابلا بها
جذبه خلفه وهو يقول بلمحة من الغرابة تحتوى فى طياتها على مرض دفين يظهر للسطح من حين إلى حين :
هفضل أغلبك لغاية ما تكسب أنت مرة و ساعتها هبطل ألعب وأسيبك مكانى وأرتاح
و نتيجة غموضه تمتم" غيث" قائلًا :
مش فاهم
ابتسم"طارق" حتى بانت نواجذه وقال وهو يكمل تحركه للداخل ويستمر فى جذب الصغير خلفه حتى يصلا لغرفة المكتب حيث توجد تلك اللعبة العتيقة و التى يتلذذ بالانتصار بها فى كل مرة يلعبها :
مش مهم دلوقتى، المهم بعدين

End of flash Back

"ولسه لغاية النهاردة مغلبتنيش"
تمتم بذلك ما أن عاد للوقت الحالى وبداخله رغبة جامحة فى الحصول على مُبتغاه بعد كل تلك الأعوام المُقيته من الإنتظار، يريد أن يحوله لنسخة منه و يعطيه مقاليد الحكم من بعده والإرث الأكبر ألا وهو المرض .
"عرش الباشا" فى انتظاره منذ نعومة أظافره لكن مع بعض التلاعب، فنشوة "طارق" الأولى تكمن فى السيطرة على كل من حوله، يرسم مُخططًا لهم يسيرون وفقه دون أى إعوجاج أو انحراف صغير .

لكن لمَ بالتحديد "غيث" ؟! ماذا رأى به ؟!
شيئًا مجهولًا جعله ينتظر كل تلك المدة ويتلاعب فى الخفاء بحدة.

_______________________________________

ممد فوق فراش أبيض بغرفة بالمشفى، غائبًا عن الوعى لا يدرى أى شىء من حوله، وتراقبه "ليلى" عن بعد دون أن يُسمح لها بالدخول، ينفطر فؤادها على هيئته تلك وتود لو تهرول و طتلقى بنفسها بين ذراعيه تعانقه و طتتأكد من وجوده حولها، لطالما كان موجودًا فى الحيز الخاص بها حتى لو فصل بينهم ألاف الكيلومترات والأن هى قريبة للغاية لكن بعيدة بشدة .
شقيقها فاقدًا للوعى، لا تعرف متى سينهض من تلك الحالة المرضية و يعود لها؟!
يعود بحنانه و دفاعها المستمر عنها، يعود "غيث" لابنته الأولى

وقف "آدم" بقربها وقال بعملية قبل أن تهتف هى تستفهم :
للاسف sever head injury ودخل فى coma مباشرة ونتيجة النزيف الكتير حصل hemorrhagic shock
هتفت مستفسرة بألم :
مين اللى عمل كدا ؟!
و أجابها"آدم" بيأس تام فلا شىء بجعبته :
مجهول حتى هذه اللحظة، كاميرات المستشفى مجبتش شكله للاسف، رماه و هرب كأنه عارف إنه بيتصور

بينما "غيث" فى عالم اخر، بعالم الذكريات لا أصوات من حوله، صمت تام يخيم على الأجواء باستثناء الأجهزة المتصلة بجسده وتعطى بعض المؤشرات ، قابع فى عالم اللاوعي وذكرى قريبة تحلق معه ويتررد صداها من حوله و كأنها أمل كى يعود لهم، لكنه أمل ضعيف بغيابها عنه.

Flash Back

فى مشهد متكرر، تم الإعتياد عليه من قِبله ومحاولة العزوف عنه من قِبلها، لكن أمام الإصرار الشديد ورغبتها فى التخطى تُقدم عليه، لعلى وعسى تنال الحرية رغم يقينها التام باستحالتها، لكنها تحاول له و لها سويًا.
تجلس على الأرضية، تعانق ساقيها، وتلف ذراعيها حولها، تحاول أن ترفض ككل المرات السابقة لكنها فى النهاية تُهزم أمام حنانه وتجازف معه للهاوية، رغم ثِقل ذلك عليها و لكنها من الداخل تتمنى لو تحقق ما يرنو له هو الآخر .

خرج بعد فترة من غرفته، أراد أن يترك لها مساحة ككل مرة قبل أن يُقدم على التدريب الشاق لكليهما
وقف أمامها وقال قبل أن ينحى بجذعه كى يجلس مقابلًا لها :
نبدأ ؟!
رفعت هى رأسها ما أن رأت ساقه أمامها، وتعلقت الأعين للحظات ونظير سؤاله ذلك قالت باندافاع واهى :
لازم ؟! مش ممكن يوم .......
لكنه لم يترك لها فرصة للفرار وهبط بجذعه مباشرة، جلس أمامها وقال و هو يلامس فكها بأنامله بحنان شديد :
نبطل هروب أحسن
و أنا معاكى، و هفضل طول عمرى معاكى يا "رنا"
هدأت بعد تصريحه ذلك ولكن كفها لم يصل له الهدوء بالشكل الكافى؛ فمازالت تخشى القُرب و ارتجف الكف بوضوح.
حاولت أن تخفى ذلك لكنه أسرع يمسك به، و ما أن تلاقت الكفوف قالت هى بنبرة مضطربة :
بس لو اضايقت.........
شد على كفها و قال بنبرة أقرب للهمس :
أنا وعدتك، و وعد الغيث سيف على رقبته.
تمكن من إزاله أى إعتراض و بدأ فى تلك الجلسة الطويلة، جلسة من التدريب الشاق لها والاختبار الصعب عليه، لكن الصبر ركن هام فى علاقتهما، ومن أين له بالصبر ؟! يتحلى بما يناقض حقيقته و ستكون العواقب وخيمة عما قريب.

جلست على الأرض بشكل مريح أكثر واقترب هو منها، أنزلت ذراعيها كى لا تعيق الطريق أمامه وبدأ يقترب بهدوء شديد و هو يقول بكلمة الحماية التى تم الاتفاق عليها :
أمان ؟!
تُحرك رأسها بهدوء كإجابة على سؤاله المقتضب، و يقترب هو أكثر دون أن يتفوه بحرف، وضع ذراعيه حول جسدها دون أن يمسها، و تلاقت أعينهم حين تقلصت المسافة بشكل مخفيف، فراح يكرر السؤال بهدوء :
أمان يا "رنا "؟!
هلل حين اومأت برأسها، هلل كطفل صغير من الداخل وعلى النقيض رجل صامد، صلب من الخارج
امتدت ذراعيه أكثر وتحركت لتصل لظهرها من الخلف، حتى أنه أحاط بها فى حلقة مُغلقة من ذراعيه وجسده، حلقة قوية لا يتمنى أن يفصلها لكنه لمح الإمتعاض، أطبقت جفونها بألم، تُجبر نفسها على التقبلِ، فزفر بيأس و تراجع و هو يقول بنبرة تخلو من الرضا:
خلاص ...........

هَم بالنهوض وتركها، لا يريد أن يرى الذعر يجتاحها خاصةً إن كان ذلك نتيجة فعلِه، لكن وللمفارقة العجيبة هى من رفضت الانسحاب، و قالت برجاء و هى تمسك بكفه:
استنى، أمان يا "غيث"

"كمل"
لفظت بتلك الكلمة وهى تشد على كفها بقوة غريبة و لم يصمد هو أمام قبولها للاستمرار وطلبها الرقيق، رفع كفها لثغره، يقبله بعذوبة شديدة و كأنها رسالة غير شفهية، رسالة تحمل طيات من العشق والقبول و الرغبة المُلحة فى الوصول لبر الأمان سويًا:
"هذا الفؤاد لا يتسع إلا لمرأة واحدة
إما هى أو هى؛ فلا دخل لى بغيرها "

أكمل الجلسة الموصوفة له من قبل أحدهم، يتصرف بناءًا على تعليمات مُختص وليس من تلقاء نفسه
وامتد كفه الأيمن أكثر فأكثر لظهرها وانتهت الفواصل ولمس بدايته برقة شديدة، و كأنه يخشى عليها من الكسرِ حق.
ما أن هبطت أنامله فوق بشرتها رغم أن الثياب فارق صريح بينهما لكنها شعرت كما لو كانت مُجردة منهم، ارتجفت أواصلها وحاولت الصمود؛ فتلك المرة الأولى التى لا تشعر بنفور تام، هناك بعض الأشياء المختلطة والتى لا تفهم هويتها، و واصل هو التقدم بلمسات رقيقة للغاية، إصبع أو اثتنين فقط، يخشى لو تحرك بكفه كاملًا أن تدفعه أو تصرخ من الفزع، لديه ذكرى سيئة للغاية معها ولا يريد تكرارها.

كل ذلك ومازال لم يقترب من الجرح بشكل كبير، فى بدايته فقط ولم يستشعره هو، إلى أن وصل لنقطة عميقة، بالنسبة لها ولجرحها، فقالت بنبرة خافتة :
"غيث "
طالعها دون أن يترك ما يفعله، و قالت هى بينما كانت تتحاشى إلتقاء الأعين :
مش أمان
ترك ما يفعل دون أى نقاش، تراجع للخلف و رفع كفيه أمامه باستسلام و قال :
تمام
أخفضت رأسها و دون أن تعى بدأت العبرات تسقط على وجنتها، لم تحاول كفكفة أيًا منهم، لا تدرى و لكنها اعتادت ألا تتوارى من ضعفها و تتقبل بعضًا منه و بفضله
قالت ما أن تقدم هو ورفع ذقنها :
أنا اسفه، أنا متعبه بجد و........
بدأ يزيل تلك الدموع بأنامله وهو يقول ببعض الحدة :
لما اشتكيلك تبقي تتكلمى
متحكيش على نفسك من تلقاء نفسك
رغم الحدة بحديثه ولكنها قالت بهدوء وكَفُها الأيسر يربت على كفه الأيمن فوق وجنتها :
خايفه تشتكى منى
أزاح كفها بهدوء بعدما تأكد من إزاحة كل العبرات التى تخفى جمال مُقلتيها، أحاط وجهها بكفيه وهو يقول :
عمرى ما هشتكى

يعرف جيدًا كيف يبدد خوفها والهواجس التى تجتاحها، يعرف نقطة ضعفها ويهوى بشدة ملامسة وجهها، تلك الحركة الطفولية والتى تميل معها دائمًا ، تذكرها بالراحلين
و قال هو ما أن مالت أكثر، تغوص بين كفيه، تشعر بالراحة هنا:
"لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ نَظْرَةٍ عَابِرَةٍ بَلْ احْتِلَالٌ دُونَ أَىِّ نِيَّةٍ لِلْجَلَاءِ"
أعجبت بالجُملة ككل كلماته، التى لا تتمكن من مجاراتها مهما حدث، يعرف جيدًا كيف ينتقى ألفاظه، وفى النهاية هتفت بسؤال يحمل بعض طيات التمرد :
عيونى احتلتك ؟!
حرك رأسه بتأكيد و هو يقول :
عيونك احتلونى احتلال متمنهوش لألد الأعداء
فعقبت عليه سريعًا بتهكم ساخر :
دا يبقي بلاء
حرك أنامله فوق صفحة وجهها برفق شديد بينما كان يتمتم :
حرام العيون دى يتقال عليها بلاء، دى نجاة
طوق نجاة لغريق بيعارف بقاله سنين ومصدق لقاه

"ممكن فى يوم يسيبه ؟!"
صدح منها ذلك السؤال بتوجس كبير، تخشى الفراق بشدة، واندفع هو يطمأنها بقول صادق :
ممكن بس فى حالة طلوع روحه

وكعادتها حين يفعل شىء تحبه أو يهتف بشىء يعجبها، استندت بكفيها على الأرض و رفعت من نفسها قليلًا حتى تطاله.
طبعت قُبلة رقيقة بجانب فكه و قالت بخفوت:
شكرًا
رغم أن ذقنه ضايقتها بعض الشىء بملمسها الخشن ولكنها ابتسمت لا تدرى لمَ بالتحديد ؟! ربنا لانه يذكرها بوالدها الراحل فى أدق التفاصيل
و قال هو بعدما ابتعدت عنه، تاركةً الهواء يفصل بينهما :
بقيت بعشق حروفها ومش عايزها غير منك يا "رنا"
تقريبًا دى تعويذة من ساحرة شاطرة أوى، عيونها سلاحها وأنا ضعيف قدامهم مليش فى المقاومة
تمردت عليه، و عشق هو تمردها حين قالت بتملك غريب لم يعهده من قبل :
مش مسموح لحد يشكرك غيرى أصلًا
ابتسم حتى بانت نواجذه، و هتف بمشاغبة :
ال lady "رنا" بقت مُتملكة ؟!
مش هقدر عليكى أنا كدا

أنهى حديثه و نهض، تاركًا إياها بمفردها تفترش الأرضية، وتطالعه دون أن تنبس ببنت شفة، فمد يده له كى يعاونها ولكنها هتفت بسؤال مضطرب:
"اضايقت ؟!"
جذبها كى تنهض هى الآخرى وتقف مقابلة له، ثم قال :
فرحت
حياتى معاكى كلها فرح
عاد يتمتم بشاعرية و هو يزيح بعضًا من خصلات شعرها التى تطاولت على صفحة وجهها :
"مَعَكِ عَرَفْنَا مَذَاقَ الْفَرَحِ بَعْدَ أَعْوَامٍ عَدِيدَةٍ مِنْ الْجُرْحِ"

هادئة معه بعد أعوام من الرفض والصراخ، مطمئن معها بعد أعوام من النبذ و الضياع
آمن و آمنة فى حضرة بعضهما البعض، و هذا أسمى من الحب، ملخص علاقتها يدور حول كلمه واحدة "الأمان".

End Of Flash Back

عاد للوقت الحالى و مازال غائبًا عن الوعي، غير مُدرك لكل ما يدور من حوله ناهيك عن اختطاف مُهلكته.

_______________________________________
فى مكان آخر
بالتحديد فى أحد أفخم المطاعم المطلة على النيل جلس "سليم" بوجه عابس، يحمل العديد من تعابير الضيق والنفور من نفسه قبل غيره، تحمل العديد من الأشياء لكن كانت تلك القشة التى قسمت ظهر البعير كما يقولون.
الاختلاف بينهم كبير بالإضافة لكونه مُجبر على تلك العلاقة من البداية، كل ذلك دفعه لارتكاب أفعال تنافى أخلاقه، لم يتخطى الضوء الأحمر بشكل صريح ولكنه تخطى كل أفعاله الصبيانية السابقة بشكل لا يحتمل، ولذلك قرر أن يقف عند هذا الحد، سيرفض ويحدث ما يحدث فلم يعد باستطاعته التحمل أكثر .

وأمام صراعاته الداخلية جاءت هى بكل دلال، تتحرك بثوبها القصير نسبيًا و لا تعطى أى قيمة لأحد، سحبت المقعد المقابل له وقالت بعد أن جلست وأمسكت بيده الممدودة على الطاولة :
مصدقتش نفسى لما بعتلى ال location عشان نتقابل
سحب يده وقال بإقتضاب :
تحبى تطلبى إي؟!
و لكنه عاودت كَرتها وأمسكت بكفه الآخر و هى تقول بنعومة مُصطنعة :
أطلبلى يا "سليم"
زفر بحنق وبدأ يُملى ما يريد للنادل الذى حضر سريعًا ما أن أشار له بطريقة مُهذبة :
اتنين orange juice لو سمحت
أخذ النادل الطلب و رحل بهدوء وقالت "أمل" سريعًا بزهو:
ياه لسه عارف إنى بحبه يا "سليم" ؟!
فكرتك نسيت بس طلعت غلطانه، أنت......
قاطعها وقال بحدة كى تستفيق من أحلامها الوردية :
إحنا محتاجين نتكلم ضرورى، أنا........
قاطعته سريعًا وقالت بسعادة عارمة وهى تريه هاتفها وما تم الإتفاق عليه من أجل الزفاف الأسطورى :
متقلقيش كل تفاصيل الفرح جاهزة، oncle "فايد" معين أشهر wedding planner فى الشرق الأوسط كله عشانا
دا غير أنى متابعه معاهم كل حاجة أول بأول و متفقين على أغلب ال details تقريبًا

لم يتحمل أكثر من ذلك وضرب الطاولة بقدمه بقوة و هو يقول رافضًا تلك الخطة العقيمة لأجل استمرار امبراطورية "العشماوى"العتيقة :
أنا مش عايز الفرح دا يا " أمل"
أفهمى لا أنتِ ولا "فايد" هتجبرونى، أنا الراجل هنا و جوازى منك دا مستحيل يتم
أنا مش بنت قدامكم عشان تجبرونى على جوازة لمجرد أن فيها مصحلة للكل، الموضوع دا انسيه خالص
العلاقة دى هتنتهى فى القاعده دى و حالًا
ابتسمت بسخرية وقالت بتهديد مغلف بالتهكم:
و أنا عايزاك، و متعودتش مخدش اللى أعوزه يا "سليم "، لازم تفهم انك ليا وتسلم بالأمر الواقع لمصلحتك، oncle "فايد" عمره ما هيقبل بغير كدا ، فبلاش تزعله أنت أكتر واحد عارف زعله وحش إزاي وبيعمل إي؟!

لم يجبها، حمل متعلقاته وترك الطاولة وخرج بعد أن وضع نقودًا للنادلِ نظير خدمته الحَسنة، ولكنها لحقت به و طهى تهتف باسمه مرارًا و تكرارًا، ورغم تلك الجلبة لم يلتفت لها إلى أن منعته من دخول السيارة واعترضت طريقه بجسدها بكل وقاحة وأمام إصرارها ذلك قال بكل ضيق :
إحنا علاقة محكوم عليها بالفشل من قبل ما تبدأ، لا أنا بحبك ولا أنتِ بتحبينى، ولو على الشغل اللى بين المجموعتين أضمنلك أنه مش هيتأثر
عمى الله يرحمه وصانى عليكى وأنا صدقينى هصونك وهصون شغلك لكن من غير ما يبقي فى بينا رباط بالغصب.

غضبت وثارت وامتدت ذراعيها تمسك بياقة قمصيه بقوة وهى تقول :
مكنشى دا كلامك وأنت بتعلقنى بيك فى صغرنا
تنهد تنهيدة عميقة وقال دون مراوغة أو رتوش تجميل زائفة وهو يزيح كفوفها عن ملابسه:
كنت مراهق وأنتِ كنت راميه نفسك عليا و قدام عينى طول الوقت
مش هقولك مغلطتش، بس أنت برده مكنتيش ملاك بجناحات يا "أمل"
صمت للحظات قبل أن يكمل حديثه بعد أن رأى الحزن يظهر بشكل جلي فوق صفحة وجهها :
خلينا ننقذ ما يمكن إنقاذه
لو اتجونا هنبقي نسخة تانية مصغرة من "فايد" و أمى، أنتِ عايزه تتعذبى ليه؟! جلد الذات واخد حقه معاكى كدا ليه ؟!

خُيل له أن صراحته تلك كفيلة بنهاية العلاقة دون التطرق لأى نقطة إضافية، ولكنها ألجمته حين قالت :
معنديش مانع، علاقتهم بالنسبالى مثالية أكثر من علاقة بابى و مامى
و أمام عبث حديثها ذلك نعتها قائلًا بنفور و هو يدفعها بعيدًا عن سيارته كى يرحل :
أنتِ مريضة
تزحزحت من أمام ناظريه وتقدم هو لسيارته، صعد وهَم بتشغيل المحرك ولكنها قالت سريعًا بنبرة عالية وصلت لمسامع الكل من حولهم :
أنت بتاعى يا"سليم"
و جاء رده رداعًا لأى حديث إضافى منها :
بس أنتِ مش بتاعتى و لا عايزك تكونى من الأساس

نزع محبس الخِطبة من إصبعه وألقاه على الأرض بكل نفور، تركها ورحل وهو يهتف بكل السُـبابِ من جرأتها ومن وضعه المخُزى، و ظلت هى تتابع ابتعاده و بداخلها غضب لا يحتمل بعد أن انتشلت المحبس من فوق الأرضية.
هاتف أحدهم و قالت :
"محتاجه أتكلم معاك يا oncle"
تلعب النار ولا تدرى بأنها أول المُحترقين من ألسنتها، جلد ذات وهوس مريض .

______________________________________

كانت"نهاد" منزوية بإحدى الأركان بغرفتها تبكى بشدة، مُتكورة كطفل صغير وحيد فقد ذويه، هى بالفعل فقدتهم كلهم و كان الأخير والدها
وأمام الباب وقف زوجها، سنعتبره زوج رغم فداحة ما اقترفاه فى الخفاء دون علم أحد.

تقدم ناحيتها و قال :
هتفضلى كدا لغاية امتى ؟! والدك مش هيرتاح طول ما أنتِ كدا يا "نهاد"
أجابته والعبرات تهبط بغزارة شديدة، لا يمكنها التحكم بها:
مش قادره يا"ياسين"
مش قادرة أعيش من غير بابا
بدأ جسدها يرتجف وظل هو بمكانه لم يهبط بجذعه و يحاوطها، بارد كالجليد، ثابت كالجماد، لا حياة بكلماته، ولا أمل من نظراته وكانت كالمغبية لا ترى كل هذا، فقط تتحدث بألم :
بابا كان كل حاجة فى حياتى من يوم ما اتولدت
أنا مقولتش كلمة ماما، مشوفتهاش، ماتت وهى بتولدنى، بس بابا اللى كان باقيلى من كل الدنيا
غنانى عن كل حاجة ودلوقتى سابنى، سابنى لوحدى فى دنيا كل اللى فيها وحوش

زفر بحنق ثم هبط كى يعانقها بروتينية دون أى مشاعر، وكانت كالمغفلة من جميع الجوانب، لا الحديث المُنعدم ولا اللمسات الباردة تصل لخلايا عقلها، فقط ضائعة ولسانها يهتف بيأس :
أنت هتفضل جمبى، صح ؟!
مش هتسبنى أبدًا
مسد على ظهرها و ظلت تبكى للعديد من الدقائق، شهقات متتالية ونحيب مستمر بالإضافة لوجه حانق لا يأبه بها، تلك كانت اللوحة الكاملة لنعيم الجهل و لكنها ما أن تستفق ستصطدم بجحيم الوعى وهنا يكمن العبث.
______________________________________

بالعودة للمشفى
مازالت تقف أمام الغرفة، ترفض الجلوس أو الحراك، عيناها مُعلقة بشقيقها و لا شىء آخر
حاول "آدم" أكثر من مرة أن يدفعها للجلوس على أى مقعد، لكنها ترفض بشدة أن تزحزح ولو قيد أنملة
و ظل "أحمد" يراقبهم من بعيد وبداخله هواجس عدة لا يمكنه التحكم بها، أهمها حالة صديقه و يليها مباشرة لمَ كتب عليهم الفراق و الأعين تفضح العشق بغباء؟!

لمح شقيقته و زوجته فى نهاية الممر، فأسرع لهم و هو يهتف متسائلًا بدهشة :
إي اللى جابكم هنا؟!
أجابته"ياسمين" بينما كانت تلتقط أنفاسها بصعوبة شديدة من هول الصدمة :
أنت بتهزر يا "أحمد"؟! عايزنى أسيب "غيث" فى وضع زي دا ؟!

وصلوا لمكان وقوف الباقى، وجذب انتباه "آدم" تأنيب شقيقها لها؛ فقال كى ينهى الجدال فالموقف لا يحتمل على الإطلاق :
هو فى غيبوبه يا "ياسمين"، مش عارفين هيفوق امتى؟! و وجودكم هنا مش هيفيده وزحمة على الفاضى
لكن جاء ردها قويًا، رافضةً أن تتحرك بعيدة عن المريض :
أنا مش همشى و مش هسيبه، عايز تمشى امشى أنت و "أحمد"
لكن أنا هفضل هنا جمب "ليلى" لغاية ما يفوق

كل الحديث فى صوب و أفكار"وعد"، فى صوب آخر، تبحث عن صديقتها، فقد طال غيابها و أعتقدت بأنها هنا، ولذلك بدر منها سؤال متوقع :
هى "رنا "فين ؟! أنا فكرتها هنا
و جاء رد "أحمد" بسؤال مُستنكر مغلف بالدهشة:
هى مش فى الشركة ؟!
حركت "وعد"رأسها نافية وقالت بنبرة مضطربة، مزيج بين الخوف و القلق :
لا مجتش ومش بترد عليا من الصبح وفجأة فونها اتقفل، بيدى خارج نطاق الخدمة
وانضمت لهم "ياسمين " بصوت أفكارها العالى والذى يخالط الكل بلا استثناء:
أنا فاكره كل دا أنها هنا معاكم
طب لو هى مش هنا تبقي فين ؟!
"غيث" لو فاق وملقهاش جمبه هيحصل إي؟!

طرحت سؤال لا يعرف أحد إجابته، وللاسف كان الهروب هو الحل الوحيد أمامهم .

_________________________________________

على الجانب الآخر
فى منزل والدتها، اتصلت عدة مرات لكن دون أى فائدة، لا رد، لا هى ولا زوجها .
"وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم" هذا ما كان عقلها يردد به دون أن يتجرأ لسانها على الهتاف به.

جاءت "فاطمه" من خلفها وقالت وهى تضع يدها على كتفها :
مش بترد برده؟!
حركت "مُنى" رأسها نافيةً وراح لسانها يهتف بقلق :
من الصبح برن عليها بس مش مجمع خالص معايا، معقول كل دا فى الشركة ؟!
رغم قلقها هى الآخرى ولكنها حاولت التظاهر بالثبات وقالت :
طب كلمى جوزها كدا
و جاء الرد مُبددًا الأمل وكأنه يقتلعه من جذوره بقسوة :
مش بيرد هو كمان
و لكن "فاطمة" حاولت التحلى بأى نزعة تفاؤل وقالت ببصيص أمل واهى :
يبقوا مع بعض، متقلقيش

تنهدت بعمق وقالت ومازال الهاتف بيدها، تكرر الاتصال مرارًا وتكرارًا دون يأس أو كلل:
يارب يا "فاطمة"
قلبى واكلنى عليها أوى، حاسه انى فى حاجة حصلت
حاولت صديقتها أن تهدأ من روعها وجذبتها كى تجلس على أقرب أريكة وهى تقول بهدوء يناقض ما يعتريها من الداخل :
هو قلب الأم كدا من أقل حاجة بيخاف ومهما كبروا هنفضل على وضعنا دا، بنخاف عليهم من نسمة الهوا الطاير

تركتها "فاطمة" ما أن صدح صوت هاتفها، ولكن ما هى إلا لحظات وصرخت بصدمة وألم :
بتقولى إي؟!
هبت "منى" فور سماعها الصراخ ولسانها يتمتم بقلق فمن الداخل تعرف بأن ابنتها المعنية بهذا الاتصال :
فى إي يا "فاطمة" ؟!حصل إي؟!
و للاسف جاء الرد بارد، صادم ومُفجع، جميع المشاعر دفعة واحدة:
جوز بنتك لاقوه مرمى قدام مستشفى ودخل فى غيوبه و "رنا ".........

حين وصلت للشقق الثانى لم تتمكن من الإكمال، صمتت، لا قدرة لها على الإفصاح ودفع ذلك الآخرى لهزها عدة مرات وهى تقول بذعر صريح :
"رنا" مالها يا "فاطمة" ؟! ردى عليا بنتى مالها ؟!
سقط الهاتف من بين يديها بالتزامن مع آخر كلماتها :
مختفيه من الصبح و محدش يعرف عنها أى حاجة

لحظات و كانت تهرول خارج الشقة باتجاه المشفى، على أمل أن تعرف مكان ابنتها، أمل ضعيف ولكنه الوحيد فى الوقت الحالى .
وحاولت "فاطمة" أن تلحق بها لكنها تتعثر مع كل خطوة تخطوها، قدماها أبت بشدة أن تساعدها فى مثل هذا الموقف، تاركة العنان لعاشق ولهان كى يساندها.
هب "جمال" ما أن رآها تسقط على الأرض، هب لنجدتها ومعاونتها، ولم تمانع، نظرات متبادلة دون حروف ناطقة، لكن العيون نواطق بكل ما عجز اللسان عن التصريح به.
أخذها خلفه وانطلقا سويًا لثالثتهم، من كانت دائمًا تقف معهم ولكن هناك أعين تشتعل من الغضب وتراقب المشهد رغم كل الحنق .
كان "الحسينى" يتابع فى الخفاء وبداخله رغبةٌ مُلحةٌ فى الفتك بهما، هل سيعود مجددًا لتلك العائلة بعدما فقد منجم الذهب خاصته؟! ابنته الكبرى و ضحيته المثالية .

_________________________________________

حل المساء سريعًا و مازالت تلك الصغيرة عالقة فوق مقعد خشبى قديم، مِقيدة بإحكام ودموعها تنهمر دون توقف ومازاد الوضع مأساوية هو تلاعب الرجال معها دون أى رحمة.
أقحموا بعض الجرذان الإضافية وكأن ما بالغرفة لا يكفى، ومن ثَم أغلقوا الأضواء تاركين إياها مع بعض الأصوات والأنفاس .
لم تفهم فى البداية ماذا يحدث؟!
لكن ما أن لامست قدمها شىء يتحرك بالقرب منها، صرخت بقوة، صرخت وازداد النحيب مع كل حركة لتلك الحيوانات الصغيرة، لم تعرف هويتهم لكن حتى لو عرفت لن يغير شىء، ستظل تصرخ وتبكى بذعر .

و بالخارج يبتسمون، وحوش مُنتسبون لبنى البشر رغم عدم استحقاقهم لذلك، حتى الحيوانات أشرف منهم و أكثر رحمة عنهم.
حتى أن أحدهم بدأ يسجل مقطع صوتى "لسهير" كى تهلل من الفرح بصراخ ابنة غريمتها، عبث ومرض لا تفسير آخر لما يحدث .
و بالداخل الوضع كارثى
بداية من تحرك الجرذان بالقرب منها وملامستهم لقدمها و بالإضافة لعدم اتزان جسدها كل ذلك أدى إلى اندفاعها فجأة للخلف وسقط المقعد محدثًا صوتًا عاليًا، اقتحم الرجلان على آثره الغرفة وظلا للحظات يراقبان الوضع بعد اضاءة المصباح الصغير القريب من موضع سقوطها.
يبتسمون بتشفى وكأنها عدو لدود لهم، و تقدم أحدهما ناحيتها، تقدم وقام بضبط وضع المقعد مجددًا وهى فوقه ترتجف من الخوف وما أن حاول ملامسه كتفها صرخت بقوة، صرخت حتى جرحت حنجرتها و دفعه صديقه للخارج وهو يلقى عليه ببعض الكلمات الغبية :
الست قالت نخوفها بس، مفيش لمس.

تركوها مجددًا للظلام والعبرات التى تغطى كل رقعة صغيرة من وجهها، وحلقت ذكرى قريبه بعقلها، حلقت فى أكثر الأوقات احتياجًا لها، لتكون كمسكن أو مخدر بطىء المفعول للاسف.

Flash Back

عادت لوقت تسليم إحدى المشاريع التى تعمل عليها، و التى تم رفضها أكثر من مرة من قِبل العملاء، لم تعرف ما العمل ؟! ولجأت له بعد تمرد دام لأسبوع كامل وبالفعل كان الحل لديه، أخبرها بمعضلة تصميمها بعد أن اجتمع بالعملاء على انفراد وعملت هى عليه فورًا
وها هى الان تأتى مبتسمة، و كأنها تحلق بأجنحة
و قال هو ما أن لمحها تدلف لغرفته :
طالما الضحكة الحلوة دى يبقي وافقوا على التصميم، صح ؟
حركت رأسها مؤكدةً حدسه وقالت وهى تتحرك صوبه بدلال :
كان عندك حق
عايزين بيت مفيهوش فواصل كتير عشان الأحفاد، عايزين مساحة واسعة عشان يجروا ويلعبوا مش تصميم كلاسيكى و لا modern، ولا حاجه يتفاخروا بيها، هما بس عايزين بيت دافى مش أكتر

رد بفخر بينما كان يتحرك هو الآخر صوبها، يترك مقعده و يتجه للمكتب أمامه :
أنا دايمًا عندى حق يا "رنا "، خليكى واثقة من دا
جلس على حافة مكتبه و وصلت هى له بعد أن تمتمت بمشاكسة :
مغرور أوى
لم يعقب على ما نعتته به، هو فقط سعيد لسعادتها، و فخور بنجاحها حتى لو مد يد العون لها، لكنها تستحق النجاح و يليق بها أن تلمع كالنجمة اللامعة الوحيدة فى سماء عتمته
تنهدت بعمق قبل أن تقول بامتنان صريح وعينيها تطالعه بمشاعر عديدة لا يمكن وضع مسمى واحد لها، هى مزيج من كل شىء وتلك المتعة بحق :
شكرًا
لولاك مكنتش هفهم المشكلة وأحلها
أنت أعظم مدير فى العالم، يا بختنا بيك يا حضرة الباش مهندس "غيث الحديدى "

مد كفه فى حركة مباغتة منه وجذب ذراعها لتقترب منه أكثر وتتقلص المسافة الفاصلة بينهما لدرجة مُهلكة، و لم يقف عند هذا الحد بل قال وهو يغمز لها بخبث :
أنا مبحبش الشكر الشفهى دا، أنا عايز المادى، الملموس، اللى استشعره و أحس بيه
حاولت أن تحرر نفسها بعذر واهى :
أنا ورايا شغل، عن اذنك
ولكنه لم يوافق، ظل على موقفه وقال بقوة :
مش هسيبك، متحاوليش
أخفضت رأسها من شدة الخجل وقالت وهى تفرك كلتا يديها بيأس منه ومن إلحاحه المُخجل:
مش هينفع هنا
رفع حاجبه الأيسر كتهكم بعيد كل البعد عن السخرية بالتزامن مع حروفه التى تطيح بها :
يعنى عادى لو مش هنا ؟!

لم تتمكن من الإجابة وتوردت وجنتيها بسعادة وأكمل هو حديثه وهو يرفع ذقنها، مانعًا إخفاء تلك اللوحة الفاتنة عن ناظريه:
المشكلة انك حلوة أوى لما بتتكسفى، مش قادر أمنع نفسى
تعلقت حدقتيها به، تعلقت بشدة و اندفعت فى القول :
هتفضل دايمًا موجود عشانى؟! وقت محتاجك هلاقيك، مجرد ما أنده باسمك هتمسك ايدى
أنا خايفه تختفى فجأة، أنا اتعودت عليك أوى، مش هعرف من غيرك، أوعى تسبنى فى يوم
هضيع لو عملتها، متخلنيش أضيع زي زمان يا "غيث"
كلماتها اجتاحته بضرواة وعنف، ماضيها وما عانته بمفردها سيظل دائمًا حاجز بينهما، حتى وإن شاركته ببعض الرتوش، حتى و إن أطلعته على بعض الندوب، سيظل هناك سد منيع يمنع اللقاء.

رفع كفه ولامس جانب وجهها وأكملت هى حديثها شاعرة ببعض القوة جراء فعلته :
"آسفه بس أنت بقيت حق مكتسب ليا وأنت السبب على فكرة، فمتلومنيش "
أجابها وأنامله تعرف الطريق جيدًا لقسمات وجهها، يحفظهم بعناية شديدة :
مش هلومك على أى فعل
أنا موجود عشان" رنا " تعمل كل اللى تحبه

هتفت بسؤال مقتضب لكنه يحمل مئات الهواجس :
"للأبد؟!"
و أجابها بصدق قبل أن يهبط و يلثم جبهتها بقبلة حنونه دافئة :
"ما دام في مهجتي شيء من الرمق "
طالت تلك القبلة، أراد أن يثبت بالقول والفعل أنه هنا، لن يتركها، سيظل معها للنهاية، و ما أن ابتعد عنها، تمتمت ببلاهة:
يعنى إي؟!
لا يأس مع الحياة و لا حياة مع اليأس، هذا الشعار مناسب لها و طلحياته معه، و عملًا به راح يوضح مقصده :
هفضل جمبك لآخر نفس فى عمرى يا "رنا"

End Of Flash Back

عادت للوقت الحالى ومازلت آثار العبارات فوق وجهها، رافضة أن تتركها فى تلك الليلة المظلمة بمفردها، وراح لسانها يتحدث بألم :
"أنت فين يا "غيث"، أنا بنادى عليك "
تناجيه بضياع و لا يجيب هو، ألم من كل الجوانب و حزن يخيم عليهما .

_________________________________________

عاد فى منتصف الليل، عاد بعد ساعات طويلة من الوحدة والتفكير ناهيك عن الصراع الدائم ما بين السماح لفؤادة بالتعلق بجديدة وبين الذنب المعلق برقبته من القديمة .
هواجس عدة تحيط به وتعصف بعقله بشدة، لكنه لا يريد إلحاق الضرر بها ولا يريد التعلق بها، دوامة من التمنع والرفض ويقابلها الرغبة والتمنى وبين كل ذلك يظل عالقًا فى المنتصف لا يقوى على الحراك.

كانت تقف بالشرفة، تحيط جسدها بوشاح خفيف، ينزلق كل ثانية بفعل تيارات الهواء الشديدة
اقترب منها مُبتسمًا بسخرية ولامس كتفها وهو يعيدالوشاح لمكانه بينما كان يهمس بسؤال مقتضب :
نام ؟!
شعرت به قبل أن يقترب، ربما عطره أو وقع قدمه فوق الارضية، لكنها تظاهرة بالدهشة لثوانى ضئيلة ثم قالت بعتاب جاف :
نام زعلان منك على فكرة
وجاء الرد الجاف منه كصفعة لها قبل أن يتركها وينعطف لغرفته كى يبدل ثيابه:
مش مهم

ظلت للحظات بمكانها، لا تدرى أتقتحم خصوصياته و تعاتبه بشكل صريح على طريقته تلك أم لا دخل لها، هى فقط مجرد شخصية مؤقته بحياتهم؟!
و فى النهاية انتصر الفؤاد وتراجع العقل، حيث اقتحمت غرفته وهى تتساءل بغضب :
أنت ليه قاسى عليه يا "بسام" ؟!
لم يكد يكمل ارتداء ملابسه ووجدها أمامه تعاتبه، ابتسم بسخرية وسحب قميصه القطنى الملقى بعشوائية فوق الفراش، ارتداه على تمهل وهو يقترب منها، ثم قال بعد أن جذب جسدها قليلًا من أمام الباب كى يفسح لنفسه الطريق للخروج :
عشان يتعود على قسوة الدنيا بدرى
الراجل لازم يبقي خشن مش نايتى زيكم
أنا بربى راجل بشنبات مش بنت بجونلة بمبى
نبست بضيق تعقيبًا على المنهج الخاطىء المُتبع :
دا مش صح، تربيتك ليه بالشكل دا غلط

كان يسير مبتعدًا عنها لكن حين وصل لأذنه ما تمتمت به، التفت و قال بسخرية :
و إي فى الدنيا صح ؟!
تقدرى تقوليلى إي فى الدنيا ماشى بقوانين معاليكى ؟!
رمقته بنظرة مطولة قبل أن تتركه وتنعطف لغرفتها، صفقت الباب بعنف وارتمت على الفراش، لم تبك فقط تخفى وجهها بين وسادتها الصغيرة وتفكر بحياتها المُعقدة.
وظل هو لدقائق يحاول ردع نفسه عن اللحاق بها ولكن جسده أبى الإنصياع لعقله واتجه لها كالمغيب التام .
فتح الباب وقال وهو يستند بجذعه عليه :
لسه زعلانه منى عشان حوار الشغل ؟!
لم تنهض، ظلت تخفض وجهها وتتمتم بضيق :
أنا مبحبش إن حد يتحكم فيا
تقدم ناحيتها بهدوء قاتل، ارتمى على الفراش بقربها وشعرت به سريعًا من إنخفاض مستوى الفراش مرة واحدة.
كادت تبتعد لكنه أمسك بذراعها وقال :
على حد علمى أبوكى كان متحكم أكتر منى

ارتجف جسدها حين صرح بذلك، وكأنه يصفعها بقوة بمجرد حروف لاذعة وظهر ذلك بوضوح فى نبرتها حين هتفت بإستفسار مؤلم :
"أنت قاصد ؟!"
أدرك حينها فداحة ما اقترفه، لكن كان الأوان قد فات لتصحيح الخطأ
نهض و قال دون أن يطالعها :
آسف
أنا حاليًا مش مركز فمتخديش على كلامى فى مليون حاجه جوا دماغى ومش قادر أتعامل طبيعى
أنا طول عمرى خشن  ومشوفتش أى حنية، فمش هعرف أكون gentle  معاكى أو معاه، دا أبعد ما يكون عن طبعى، ، فابعدى عنى دلوقتى عشانك مش عشانى

قال ذلك و اتجه للباب كى يتركها دون أن يواجه نظرات العتاب المحتلة لحدقتيها ولكنها فاجئته حين هتفت باسمه:
"بسام "
التفت و صُدِمَ حين وجدها تفتح ذراعيها وتقول بهدوء :
تعالى
وقف للحظات يطالعها بهدوء شديد ثم قال بتهكم صريح وزاوية فمه ترتفع :
أنتِ فكرانى عيل صغير هجرى عليكى وأعيط فى حضنك من قسوة و مرارة الأيام  ؟!
لم تتراجع، مازلت تنتظر أن يتوسد ذراعيه ولسانها يدفعه لذلك بشكل مرواوغ:
أثبتلى العكس لو تقدر
أرادت رد المعروف حين احتواها بعد واقعة أبيها المُخجلة، ورغم الحياء تمردت على طبيعتها، تفعل ذلك فقط لأجله.

ثانية واحدة، قصيرة للغاية ولا يمكن الشعور بها وهى تمضى، وكانت تلك فترة تمنعه قبل أن يندفع فجأة ويهبط بين ذراعيها، حتى أنها تراجعت للخلف من هول هذا الإندفاع وكأنه هجوم غريب.
تسطحت على الفراش نتيجة هذا الهجوم واستكان هو بين ذراعيها، لدقائق طويلة لا يمكن حصرها.
لا حديث بينهما، فقط التنهيدات المُتبادلة هى الدليل الوحيد على وجود أحياء فى تلك الغرفة .

صدح صوتها بعد مدة طويلة :
ليه قولت الكلام دا ؟!
أنت شايف إنى منفعشى أبقي أم "لغيث" ؟!
وأجابها هو دون أن يبتعد عنها، أو يتزحزح قيد أنملة حتى، فقط يتشبث بها بقوة :
مش عايزه يتعلق بحاجة مؤقته
مش عايزه يعانى زي، عايز عضمه يبقي ناشف من الأول، الدنيا دى بتدوس الطرى من أول خطوة
رغم حديثه الجاف بعض الشىء ولكنها لجأت للسخرية و قالت :
و اللى عضمه ناشف يرتاح فى حضن ست ؟!
تمتم بخفوت :
أنا مش مرتاح
وحاولت هى دفعه قليلًا بمشاكسة حين قالت :
خلاص ابعد
تهاوشت معه، تبعده بدلال فطرى ويتمسك هو بها، رافضًا الانصياع لدلالها.
وكل منهما يحتاج لتلك المناوشة اللطيفة كى يخفف من العاصفة القوية التى تجتاح عقولهم منذ عدة أيام ، مُخلفة خلفها أتربة تعيق الرؤية و التنفس و الحياة .

نهض بعد مدة و ترك الفراش لها، تنعم به بمفردها
لكن وقبل أن يتحرك خطوتين سقط شاعرًا بألم فى ساقه واندفعت هى سريعا تمسد على موضع كفه فوق قدمه وتقول :
رجليك لسه وجعاك؟!
اتسعت حدقيته من السؤال وخشى أن يلفظ بأى حرف، خشى أن تعرف أكثر مما يبدو عليها ولكنها قالتها صريحة مُبددةً أى مراوغة :
"شوفتك امبارح "
لم يفهم تلميحها و أدركت هى أن المواجهة هى الحل

Flash Back

عادت لذكرى الأمس
حين كان "بسام" واقفًا فى المطبخ يعد مشروبًا مُنعشًا قبل أن يخرج للعمل كما يدعى كل يوم، لكن فجأة ارتجفت ساقه وسقط على الأرض محدثًا صوتًا قويًا نتيجة تحطم الكوب و تناصر الزجاج من حوله .
حاول النهوض مرارًا لكن دون فائدة تذكر واستمرت تلك الرجفة بل إزداد الأمر سوءًا حين وصلت لكفوفه أيضًا.
رجفة طويلة طبيعية بعد العديد من الأيام قضاها غائبًا عن الوعى، أُصيبت عضلات جسده ببعض الخمول بعد فترة لا يستهان بها من عدم الاستعمال.

للاسف تفاقم الوضع و صدح صوت ابنه، كان يبحث عنه فى أرجاء الشقة.
وحاول "بسام " أن يردعه، لا يريده أن يعهده بتلك الوضعية الهزيلة و قال بحدة :
متجيش
لكن الصغير لم يهتم وعرف موقع والده من صوته ومن ثَم تحرك صوبه، وما أن رأى هيئته تلك، هتف بقلق وذعر :
"بابا"
رفع "بسام "رأسه بالتزامن مع كلمة الصغير، شعر بالضعف والمهانة، شعر باشياء لم تكن من طبيعته البتة.
الموقف بأسره مؤلم و "غيث" يتقدم نحوه بخوف، انتبه "بسام" فجأة حين لامس الصغير كفه، فدفعه وهو يصرخ بوجهه :
قولتلك متجيش و أطلع برا حالًا

End Of Flash Back
عادت للوقت الحالى
تمسد على ساقه ويطالعها بغموض، وكأن بداخله بركان ثائر لكنه يحاول إخماده، وذلك من رابع المستحيلات.
وفى النهاية تهكم فى القول كقناع خفي لضعفه :
قعدت فترة كبيرة فى غيبوبة و ططبيعى لما أفوق مقدرش أتحكم كويس فى عضلاتى، بس هى فترة مؤقته متقلقيش، أنا مهما كان ظابظ وبنية جسمى مش ضعيفة زي الناس العاديين.
أكمل كلماته اللاذعة دون رحمة لوضعه قبلها، وكأنه صفع نفسه ويحميها من بطش نفسه :
" طبعًا لو خايفه جوزك يبقي مشول قريب حقك، بس كدا كدا جوزانا لمدة بسيطة "
جراء قسوته فى القول اندفعت هى بسؤال غاية فى المنطقية بالنسبة لوضعهما :
أنت عايز تبان وحش ليه؟! عايز تكرهنى فيك ليه ؟!

"مش عايز أتعود على وجودك"
صدح صوته بذلك الإعتراف وأنفاسه الحارة تلفح وجهها واستسلمت هى قائلة بسخرية :
ولا أنا
لا تدرى متى و كيف ؟!
لكنها وجدت نفسها معتقلة بين ذراعيه بقوة غريبة، و كأنه لا يريدها أن ترى وضعه الهزيل فأقحمها داخل أحضانه عنوة، دون أى تمهيد.
هل لتلك العلاقة أمل بالنجاح ؟! هل للغامض أن يقع فى عشق الضائعة ؟!
مزيج خلاب من العذاب، حقًا وصف يلائم وضعهما الغريب.

_________________________________________

فى ظهيرة اليوم التالى
حاولت "سهير" أن تتحرك بخفة دون أن يسمعها أحد، تريد أن تذهب لفريستها كى تنتقم وتفعل الأفاعيل دون أى رحمة.
بحوزتها بعض الأوراق القانونية والتى تتلهف بشدة لترغم "رنا" كى توقع عليها ومن ثَم يصبح كل شىء لها، المالكة الوحيدة لثروة "راشد "العملاقة.
استندت بعكازها الطبى على الدرج وبدأت تهبط رويدًا رويدًا ، وبين اللحظة والآخرى تلتفت نصف التفاتة، تتأكد ألا أحد يتابعها.

و ما أن خطت بقدمها على أرضية الدور الأرضى وجدت من يهتف خلفها :
أنتِ راحه فين ؟!
التفت سريعًا والإمتعاض يظهر بوضوح فوق وجهها ولسانها يتمتم بأى حجة واهية تأتى أمامها:
أصل......أصل........
لكن "مالك" قاطعها بصرامة وقال :
أصل إي وفصل إي؟!
الدكتور مش مانعك من إنك تدوسى عليها دلوقتى خالص ؟! مين اللى نزلك من فوق ؟!
ثم صرخ باسم شقيقته بأعلى نبرة يمتلكها:
"مايا"
والتى جاءت مُسرعةً ما أن سمعت اسمها ولسانها يتمتم بتعجب :
فى إي ؟!

حين رأت المشهد بالكامل علمت لمَ كل تلك الجلبة؟! تقدمت ناحية والدتها وقالت بعتاب :
برده نزلتى يا ماما ؟!
أنا مش قولتلك لا والدكتور مانعك من الحركة، بتعاندى حتى فى المرض
أنهى شقيقها كل ذلك العتاب حين قال مرة واحدة:
أنا ماشى يا "مايا"، خلى بالك منها

عانق كف زوجته وخرج من المنزل تاركًا والدته خلفه تطالعه بغضب، فقد أفسد مخططاتها فى التسلل، بينما قالت زوجته قبل أن تصعد للسيارة :
كان ممكن تعتذر من صاحبك، مش لازم النهاردة
لكنه دفعها بخفة وقال بعد أن ركب بجانبها :
لا لازم، نفسى راحه للحمام المحشى بقالى فترة
هَم بتشغيل المحرك والإنطلاق لكن نبرتها المشتعلة بالغيرة الصريحة أوقفته :
عرفنا إنى بعمله وحش وإن ست "ريم" بتعمله حلو جدًا لدرجة أنك تعزم نفسك بالعافية عندهم، مش كل شوية هتكرر كلامك، خلاص عرفنا إن ست بيت فاشلة و هى ست بيت ناجحة جدًا جدًا

"غيرانه ؟! "
صدح صوته بذلك السؤال المقتضب قبل أن يحمل كفها ويقبله بمشاكسة.
و لكن فعلته تلك لم تهدأ من حالتها و سحبت يدها وهى تقول بتذمر :
أنت شايف إي؟!
أجابها بعد أن التفت بجذعه العلوى قليلًا وأحاط وجهها بين كفيه :
شايفه واحدة حلوة غيرانه على جوزها موت
بس اللى متعرفوش إن العين دى عمرها ما تشوف غيرها، وإن القلب دا عمره ما يدق لغيرها، وحتى المعدة دى لو حكمت هحرمها من الأكل طالما زعلتك

تمتم فى النهاية بشاعرية طفيفة تتلائم مع الموقف :
"دا أنا أموت من الجوع مليون مرة أهون عليا من إنك تزعلى ولو لثانية واحدة"
و أمام حديثه ذلك استسلمت استسلامًا لا إنتصار بعده وقالت :
لا مزعلتش، هخليها تعلكمنى الطريقة عشان أعملهولك بعد كدا
أنامبحبش أنك تطلب حاجه من غيرى مهما كانت
انتهت زوبعة الغيرة تلك وحل محلها المشاغبة والتسلية حيث قال بعد أن أشعل المحرك وانطلق :
بتحبينى يا حرمى المصون ؟!
ابتسمت بهدوء و أجابته و هى تنظر للجانب المعاكس من الطريق من خلال نافذة السيارة :
إحنا عدينا الكلمة دى من زمان أوى يا "مالك"
و تمتم هو بسعادة :
عند حق، أنا مهوس مش بس بحب.

لكن بينه و بين نفسه هناك جملة آخرى يرددها، نابعة من الداخل، من أعمق الأعماق بالمعنى الحرفي :
"والهوس دا لعنة، لعنة على الكل"
ربما حان الوقت ليتعارض الثلاثة مع بعضهم البعض، حانت لحظة الانفجار المنتظرة.
_________________________________________

وصل بعد مدة ليست بالقصيرة لمنزل صديقه؛ فقد مر على بعض المحلات كى يبتاع بعض الحاجيات بعد أن أصرت "عفاف" عليه، فلا يصح الذهاب لمنزلهم للمرة الأولى وهم خاليين الوفاض.
لم يكد يطرق على الباب حتى وجد صديقه فى وجهه يعنفه بالقول الساخر :
جاى متأخر ربع ساعة بحالها، أنت مش عارف أن من أداب الزيارة احترام المواعيد المتفق عليها ؟!
أفسح "عمر" الطريق لزوجة صديقه كى تمر دون أى حديث بينهم، ثم أعترض الطريق أمام زوجها مجددًا وقال بتشفى :
"روح مفيش أكل لأمثالك "
حدجه "مالك" بنظرة سريعة، شملته من أعلى رأسه لأخمص قدمه ومن ثَم دفعه مرة واحدة وهو يقول بتعالى:
وسع ياض
دا بيت أخويا، أجى براحتى و على أقل أقل من مهلى كمان

دخل وتعامل كأن البيت بيته، مُتجهًا لطاولة الطعام مباشرة، يحفظ تفاصيل المكان؛ فقد ساعد صديقه فى فرشه قبل أشهر قليلة .
ونتيجة لتلك الجلبة، خرجت "ريم "من المطبخ وما أن لمح طيفها قال بسماجة :
اذيك يا "ريم"، الحمام المحشى جاهز ؟!
أشار لها زوجها بالعودة للمطبخ واتجه لصديقه، أمسكه من تلابيب قميصه وقال :
متكلمشى مراتى أحسنلك
ابتسم "مالك" حتى بانت نواجذه، ثم قال وهو يزيح ذراعي صديقه عنه :
أنت ليك مراتك و أنا ليا الحمام المحشى، مرضى يابا؟
أومأ الآخر برأسه وسحب مقعد له ثم جلس وفعل الآخر مثله والبسمة لا تفارق وجهه، يحب مشاكسة صديقه من الوقت للآخر و يعرف"عُمر" ذلك و يقبل بالأمر بكل رحابة صدر.

بالمطبخ
وقفت "عفاف" بالقرب من الباب الداخلى، كانت تتابعها دون أن تتفوه بحرف واحد، بقرارة نفسها تدرك أن تلك الفتاة ربة منزل من الطراز الأول، تهتم بأدق التفاصيل، هى حقًا بارعة، زوجة بمعنى الكلمة.
ابتسمت"ريم" حين تلاقت أعينهم، وخشت" عفاف" أن تدرك بأنها كانت تراقبها، لذلك هتفت سريعًا بلباقة:
تحبى أساعدك فى حاجه ؟!
حركت "ريم" رأسها نافية و قالت :
لا مفيش داعى، كل حاجه جاهزة
أنا بس هنقلهم على السفرة برا
تقدمت ناحيتها وحملت بعض الأطباق بهدوء وهى تقول :
خلاص هساعدك فى دى، لو مش هضايقك يعنى ؟!
لم ترفض، فقط بسمة مقتضبة صدرت منها.

مضى الوقت سريعًا، مضى فى مناوشاتهم وتناول الطعام الشهي والقيل و القال وبعض الأعمال
وفى النهاية وجب الرحيل، فقال "مالك" و هو يصافح صديقه :
كانت سهرة لطيفة
عانقه الآخر وهو يقول بحفاوة:
ياريت تتكرر تانى
فصل عناقهم و قال بسماجة :
كل شوية هنطلكم عشان الحمام المحشى
ثم مال على أذن زوجته وهو يقول مُبتسمًا:
"لغاية ما حرمنا تتعلمه وساعتها مش عايز أشوف وشك ولا أعرفك حتى"
لكن الحديث وصل لصديقه، فجذبه من ياقة قميصه كى يعتدل بجذعه ومن ثَم قال بحدة :
كُل جوز حمام كلته عندنا هاكل زيه عندكم لما الدكتورة تتعلم، أنا راجل حقانى و مش بيسيب فتفوته فى حقه

دفعه"مالك", بخفة والتفت يخاطب زوجته :
أنت فاضية تتعلمى حاجه يا "عفاف "؟!
و أجاب هو دون أن يمنحها الوقت الكافى لتتحدث :
سامع
الدكتورة بتقولك " مش فاضية "
ابتسم جميع الحاضرين عليه.
مشاعره واضحة وصريحة والغيرة مُشتعلة حتى من أبسط المواقف والتى لا داعى للحذر بها، هو فقط يحبها و يعترف بالقول والفعل فى كل ثانية.
وفى النهاية جذب زوجته وخرج وهو يتمتم بتهكم ساخر لم يخل من المشاعر المُلتهبة:
يلا دا عايز يشاركنى فى حاجة من صنع ايديكى
أهبل دا و لا إي؟!
أنا مبشاركش حد فى أى حاجه تخصك، حلوة بقى أو وحشه مش مهم ، كلك على بعضك ليا و بس

أغلق "عُمر"الباب خلفهم وتناول كف زوجته، طبع قُبلة رقيقة فوقه وقال بإمتنان :
شكرًا يا "ريم"
لم تعرف لمَ الشُكر ؟! على أى شىء؟! لم تفعل شىء خارق للطبيعة، هى فقط قامت بدورها كزوجة وربة منزل، المعتاد منها حتى مل الإعتياد منها .
و لذلك راح لسانها يتساءل بحيرة :
على إي؟!
تنهد تنهيدة عميقة قبل أن يقول :
على إنك دائمًا رافعة رأسى، على إنك دائمًا مخليانى فخور بيكى
أنتِ أحسن زوجة صالحة وأحلى هدية من ربنا ليا

كلماته جائت فى لحظة حاسمة، مزعزعة هى، فاقدة الثقة بنفسها وشاعرة بعدم الإستحقاقية والدونية.
اتسعت الفواق بينهما، فى كل يوم ترى أنه يستحق فتاة آخرى، أفضل منها، أجمل وأكثر تمدنًا، مُتعلمة وبحوزتها شهادة جامعية عالية.
بالإضافة لكلمات "مالك" حتى وإن كانت بدافع السخرية و التعزيز من شأن زوجته كما اعتاد أن يفعل دائمًا ولكنها صفعتها وهى غير معنية بالأمر حتى، فكيف لو كانت المعنية ؟!
تخشى بشدة أن يجد فتاة أفضل منها ومازالت واقعة حبة القديم تطاردها خاصةً وأنها من وجهة نظرها أفضل وتليق به مقارنة بها هى.
جمال محدود، تعليم متوسط، ربة منزل لا أكثر، لا شىء يجعلها تتفوق على أخاصمها .
تنتقد كل ما بها حتى نقاط قوتها تراها ضعف وخِصال غير محمودة .

و أمام كل تلك الهواجس نطق لسانها :
بجد يا "عُمر"؟!
أنت شايف إنى رافعه رأسك بجد ؟! مش مكسوف منى ؟! مش شايف أنى قليلة عشان معييش شهادة عالية زى الباقى ؟!
اقترب منها بهدوء شديد وقال وكفه يرتفع بتروى لوجهها :
أنت فى عينى أعلى من أى شهادة يا "ريم"
لامس جانب وجهها بحنان واندفعت هى فى القول:
بس أنا عايزه أكمل تعليمى
لم يبتعد، ظل بموضعه وجذبها أكثر له فى حركة مباغتة منه حتى أنها شهقت من هول المفاجأة، وتحدث هو بهدوء يناقض الأفكار التى تعصف بعقله :
مش ممانع طبعًا، بس ليه؟! إي السبب فجأة؟! حصلت حاجه ضايقتك ؟! حد وجهلك كلمة جارحة؟!
أخفضت رأسها، تريد الفرار من ملاحقة مُقلتيه، تود لو تنكس رأسها بين حبات الرمال ولا تظهر ما يعتريها من مشاعر نقص وهوان، ولكنه أصر، رفع ذقنها بأنامله و تحدث بصدق :
سامعك يا "ريم"
ولو هستنى اليوم كله برده سامعك
تحلت بالشجاعة اللحظية و قالت :
حاسه نفسى قليلة قدامهم كلهم، حاسه إنك تستاهل ........
قاطعها سريعًا وهو يقول بقوة رافضًا ما تلمح له:
فى عينى أعلى منهم كلهم
لكنها لا ترى ذلك، تضع نفسها مع مقارنات غير عادلة على الإطلاق وتقول بضعف :
مش دكتورة ولا مهندسة
أنا يدوبك معايا معهد ومش مكمله تعليمى، و كل اللى حوالينا معاهم شهادات عالية، زمانك بتستعر منى يا "عُمر"

أدرك أنها حالة حرجة، زوجته تعانى وبشدة، تنهد بعمق قبل أن يجذبها سريعًا لتقع بين ذراعيه دون أى مقاومة منها وعانقها هو بقوة بينما كان يهتف بكل صدق :
أنا مش شايف غيرك يا "ريم"
و مش هقارن الجوهرة اللى معايا بكسر إزاز قديم
مسد على ظهرها بحنان جارف، وتولى لسانه زمام الأمور كى يبد تلك الأفكار من رأسها وللأبد :
و شوفى عايزه تقدمى فى جامعة مفتوحة ولا معهد عالي و لا إي ؟!وأنا هقدملك من بكره
دفنت رأسها بين ثنايا عنقه وقالت بخجل :
"هزود حملك؟!"
و لكنه أصر بقوة على وضع الأمور فى نصابها الصحيح وللأبد، ولذلك قال :
الراجل اللى بجد يفرح بنجاح مراته مش يشوفها حِمل، ونجاحك يشرفني يا "ريم"، نجاحك فى أى شىء تحلمى بيه يسعدنى ويحسسنى برجولتى

"قوامة الرجل مش هينة برده، فخلينى أقوم بيها صح لو بتحبى سى "عُمر"
أنهى حديثه بتلك الجملة وذراعيه تحيط بخصرها، رافضًا أن تبتعد عنه ولو قيد أنملة، وبادلته هى العناق بكل ذرة من كيانها.
_________________________________________

قبل ساعتين
كانت "مايا" فى أوج لحظاتها غضبًا وضيقًا منه ومن وضعها الحالى، لا تحب انتظار أحد أو إعطاء قيمة لأحد مهما كان وضعه أو علاقته بها .
هى من كان ينتظرها الكُل وحين تدلف لمكان تخطف أنظار الكُل بهيئتها المُلفتة والمثيرة، بداية من عطرها العتيق وثيابها النسائية المنتقاة بعناية شديدة إلى خصلات شعرها المسترسلة فوق ظهرها إلى ابتسامتها الساحرة  ودلالها المدروس بدقة فاقت التوقعات.

تعد الدقائق وجذعها العلوى يعلو ويهبط من فرط الضيق ومرارة الانتظار.
سئمت من الجلوس وبدأت تتحرك فى الغرفة ذهابًا وايابًا، كل ذلك ولم يكد يمض أكثر من نصف ساعة و لكن الدقائق بالنسبة لها كالساعات الطويلة والمُملة.
دقائق إضافية وظهر من العدم، لم تسمع صوت الطرق أو حتى الجرس أو ربما سمعت لكن غضبها وقف حائلًا بينها و بين الإدراكِ.

و وصل هو بعد مدة من الانتظار الباهظ بالنسبة لها، لم تكلف نفسها عناء النهوض من المقعد وقالت وهى تحدجه بنظرات حانقه:
جاى متأخر نص ساعة كاملة ليه؟!
محدش علمك احترام المواعيد يا باش مهندس ؟!
تقدم ناحيتها بتروى شديد ولسانه يتحدث بمرواغة:
معرفشى إنك بتعدى الدقائق عليا
للدرجة دى مشتاقة ليا ؟!
جذبها من ساعدها الأيمن لتقف مقابلةً لها وتقلصت المسافة بينهما بشكل مُهلك ثم قال وهو يغمز لها بمشاكسة :
"الشوق عامل عمايله ومدوب أهله"
لم يتمكن من استمالتها بحديثه المُشاغب وقالت بصرامة وهى تحرر يدها من قبضته الخشنة :
الوقت اللى ضيعته فى انتظارك كان ممكن أخلص فيه كام حاجه فى رسالتى

طالعها للحظات قبل أن يتجه ويجلس على أحد المقاعد ويقول بهدوء شديد :
طب أقعدى نتكلم شوية، ولا عايزه نضيع كمان نص ساعة فى الوقوف والخناق ؟!
لو أنتِ عايزه أنا مش عايز، مليش فى النكد يا "مايا" وكُبار على الحوارت دى أصلًا
أمام حديثه ذلك لم ترواغ، وقالتها صريحة كى تبدد أى أحكام مُسبقة :
عايز تقول إي ؟!
ابتسم حتى بانت نواجذه ثم قال وهو يغمز لها بجرأة:
وحشتينى يا "غندورة"
لم تجب، لم تطالعه حتى، أشاحت بوجهها للناحية الآخرى وهى تزفر أنفاسها بضيق ونهض هو من مكانه، اتجه لها ولامس ذقنها بأنامله، لمسة طفيفة و لسانه يتحدث بشفافية:
بقولك وحشتينى، اي مفيش رد ؟!
دى حتى كلمة سهل الرد عليها، دى أبسط اطراء فى الغزل العفيف

"تمام "
تمتمت بخفوت وهى تتحرك لتجلس بالمقعد المقابل له ولكنه سحب مقعدها فجأة لتقترب أكثر منه وقال هو بتصميم:
أنتِ مش شايفه إنك باردة شوية معايا ؟!
لم تنل طريقته استحسانها ورفضتها بشدة، حيث أزاحة يده من فوق مقعدها وقالت بقوة :
و أنت مش شايف أن طريقتك فَجة شوية معايا ؟!
وأمام تلك الكلمة وقف مذهولًا، لم ينعته أحد من قبل بمثل هذا اللقب الغريب، وراح لسانه يتحدث بتهكم ساخر امتزج بالاستهجان و الضيق :
فجة ؟! أنا يتقالى طريقتك فجة ؟!
ليه شيفانى بكلمك فى حاجة مش محترمة لا سمح الله و لا بقول حاجة منافية للأداب العامة و تهدد من قيم و مباديء الأسرة الكريمة الموقرة ؟!

تمتم فى النهاية بثقة وتحدى كبير وهو يوجه نظراته الثاقبة لها مباشرة كرسالة صريحة قبل الحروف الجريئة :
"أراهنك أصلًا إنك فرحانه من جواكى بس بتتقلى، هى الستات كدا تموت فى التُقل و الملاوعة "
ولكنها لم تكن بالعصفور الضعيف، يسهل إصابته من العيار النارى الأول بل تمردت وقالت بكل قوة وتحدى مماثل له:
مبروك خسرت رهانك من أول جولة يا باش مهندس
حقيقي مش كل المهندسين على حق دائمًا، فى شريحة منهم زيك بالظبط، دائمًا مش صح ومحسوبين علينا غلط
وأمام تلك الحرب المتبادلة من الحروف الاذعة و النظرات النارية، نهض وقال بسعادة غير مبررة:
تعجبينى
أنا مبحبش الخِفة، طول عمرها الست التقيلة هى اللى بتستهوينى، الواقعة دى متملهاش عينى ولا تمر حتى على قلبى، يدوبك آخرها نظرة منى ونظرة رفض كمان

تراجعت للخلف مع تقدمه، لا تخشاه وتدرك أنه يراوغ ليس أكثر، خاصةً أنها فى منزل والديها ولكن مهلا لمَ عليها التراجع من الأساس؟!
توقفت عن الحراك حتى كاد يصطدم بها ولكنه تدارك الموقف سريعًا وتراجع بجذعه للخلف قبل أن يمسها عن غير قصد، و قالت هى بكل ثبات:
و أنا مبكرهش فى حياتى قد الراجل اللى مش راكز
زيك كدا
كان سيوبخها، لا يريد المرأة الجريئة ولا الهوائية ولا تلك النسخة السابقة للجورى خاصته، هو يريدها متمردة ولكن مع نزعة من الرضا، و لذلك قال :
تقيلة و مش راكز
صفات هايلة لاتنين مخطوبين جُداد، مع إنى شايفك" غندورة" أكتر
أجابته سريعًا دون تفكير :
و أنت "لزج" أكتر

طالعها لثوانى عديدة وتوترت هى، حتى كاد تورد وجنتيها يفضحها، ولكنه هتف قبل أن ينال أى لمحة رضا منها بعدما طالع ساعة يده:
للاسف النص ساعة عدت بسرعة ومُضطر امشى عشان ورايا شغل كتير يا "غندورتى"
ردت عليه وهى تخفض رأسها، تخشى أن يرى منها مظهرًا يدفعه للغرور أكثر :
أحسن

ابتسم و لم يعلق، لملم مقتنياته وخرج بهدوء ولحقت هى به حتى الباب الخارجى، ولكنه التفت فجأة حين تذكر أمرًا ضايقه وقال :
"مايا"
صورة ال profile تتغير، مش أنا الراجل اللى يقبل لحمه يبان
تيبس جسدها للحظات، تدخله فى حياتها بهذا الشكل مرفوض، وظهر ذلك بوضوح فى حديتها التهكُمى :
ولو رفضت ؟!
ولكنه أخذ الأمور لمنحنى ساخر وقال :
بسطية ههكر الأكونت بتاعك وأغيرها بصورة حُمار وحشى واكتب فوقها هذا الأكونت الخاص بدكتورة "جلالة القدر مايا راشد" ودى صورتها على الطبيعة
وساعتها منظرك قدام الطُلاب بتوعك هيبقي وحش أوى

"أنت أكيد مش هتعمل كدا ؟!
أنت كدا بتدمرنى يا "مروان" ، دا مستقبلى و شغلى "
صدح منها هذا السؤال والقلق يظهر بوضوح فوق صفحة وجهها، توترت وخشت أن يصدِق فى تهديده و كنه بدد هذا الخوف و قال بهدوء :
مش هعمل، بس نفسى أعمل بس عشانك مش هعمل يا "مايا"
رغم انك رميانى فى دوامة وأنا أسهل ما عليا أضرب كرسى فى الكلوب وأريح نفسى بس مش عايز عشان خاطرك
ثم أكمل حديثه ببعض طيات المراوغة :
الكورة فى ملعبك.
أنا راجل ديمقراطي جدًا وأحب أدى الست اللى معايا فرصتها

تركها و هى حائرة بين معانى كلماته وبين وقع بعض الترددات الطفيفة داخل فؤادها، هى بالتأكيد لا تحبه ولكنه يمنحها شعورًا اشتاقت لها، ولذلك لحقت هى به وقالت بتوتر  وهى لا تحسب أى حرف مما تنطق به :
أنا مش بعرف ألعب يا "مروان "
أجابها قائلًا وعينه لا تفارقها، كأنه يريد إيصال رسالة شفهية وبصرية فى آن واحد :
بسيطة أعلمك، عشان نلعب سوا ماتش عالمى و نشوف مين فينا اللى هيعتزل

"أنا و لا أنا ؟!
أصل الجمال دا مينفعشى قدامه غير التسليم بالقضاء و القدر و يسلم قلبه بالجملة بقي، مجتش عليه"
تركها وهو يدندن مع نفسه بشكل سلسل وابتسمت هى أمام طريقته، يشبه "ابن البلعوطى" لحد كبير ولكن رغم ذلك لا يمكنها أن تحبه، هى أبعد ما يكون عن الحب فى مثل هذا التوقيت الحرج.

_______________________________________

قبل المغرب بدقائق
كانت فى غرفتها، مُتسعة الحدقتين، متوترة وشاحبة اللون، تفرك كلتا يديها وتخشى بشدة القادم وبالخارج والدتها تهتف باسمها كى تجيبها :
"داليدا "
لكن من الداخل كان الهاتف بين كفيها وتظهر رسالة من مجهول بوضوح فوق الشاشة، محتواها العبثى أكبر من إدراك فتاة متحررة :
"يا تقومى تتصورى باللبس اللى قولتك عليه يا هنزلك شوية صور حلوة أوى ليكى ؟!
أول ما نعتته به هو السُباب، ولكن بطريقتها العصرية والخالية من الإهانات البذيئة نظرًا لظروف نشأتها :
Are you crazy ?!
و لكن ذلك المجهول واصل حقارته وأرسل رسالة آخرى محتواها لا يقل جرأة وإهانة عن الأولى :
طب مش تشوفى صورك الأول، دا حتى متعوب عليهم جامد ومبينه تفاصيل أجمد

استمرت والدتها فى الحديث :
"ديدا " wher are you ؟!
ولكن دون أى إجابة، فاقتحمت  غرفتها وقالت ببعض الحدة :
بنده عليكى مش بتردى ليه ؟!
أغلقت "داليدا" حاسوبها المحمول فورًا، وقالت بتلعثم تخشى أن تُفضح:
Nothing ,mom
لكن فعلتها تلك اثارت حفيظة الواقفة أمامها وتقدمت وهى تسألها ببعض الإرتياب من فعلها :
بتعملى إي؟؟

"أنا بس كنت بكلم old friend"
لجأت لتلك الإجابة الكاذبة وصدقتها والدتها دون أى مراوغة، فقط قالت بعض الكلمات قبل أن تخرج :
طب العشا جاهز برا
أنا هروح المستشفى "لغيث" و أرجع الصبح
أدعى يا "ديدا "، حالته صعبة أوى والكل قلقان عليه ولا "سامح" ولا  حتى "منال" حواليه

تركتها ورحلت بعد أن حملت حاجياتها، وعادت الآخرى لفتح حاسوبها بتوجس لكن جاءت فى نفس اللحظة رسالة أصابت أواصلها بالذعر :
بلاش تعاندى معايا يا حلوة
كل اللى عاندوا قبلك آخرتهم كانت وحشه
يبدو أن طريق هذا التطبيق ليس سوى بداية لهلاكها وخسارة شىء باهظ للغاية، لا يمكن تعويضه، حياتها ربما، لا أحد يدرى القادم ولكن للاسف سيصاب الكثيرين من خلفها، أقرباء و غرباء، أعداء وأصدقاء
تلك السيئة ستطال الكل.

_______________________________________

اضطر أن يترك صديقه ويصطحب الصغير معه لمراجعة طبيبة الأسنان بعد أن مرت المدة التى حددتها وأنهى "زين" علاجه الموصوف له .
انتظر لدقائق إلى أن حان موعده ثم دخل و "زين" يسير معه دون أن يتفوه بحرف واحد، كأى طفل يخشى زيارة طبيب الأسنان ويتذمر بشدة ولكنه على غير المتوقع صامت، وساكن بشكل مقلق .
صعد للكرسى وبدأت الطبيبة فى الكشف عليه بعد أن رحبت بهم بشكل مُقتضب، ولكن تأكد حدسها بعدما زال الالتهاب ورأت الأمور بشكل صريح، هذا الطفل بالفعل يعانى
وللاسف ظهر ذلك بوضوح فوق صفحة وجهها، الدهشة والحزن وكل ذلك امتزج ببعض الإرتياب، كأنها تفكر فى أمر خطير، وذلك دفع "آدم" ليتساءل بقلق :
فى حاجه ؟!
خلعت القفاز الطبى وقالت بإقتضاب وهى تتجه لمكتبها، تحاول رسم هيئة طبيعية قبل أن تُلقى بالصاعقة المدوية :
لا مفيش
ضغطت على زر معين فى الهاتف أمامها وعلى أثره دخلت  موظفة الاستقبال 
تنهدت الطبيبة بعمق قبل أن تقول :
تقدرى تاخدى " زين" لغرفة الألعاب يا "بسمة"، على ما أخلص كلام مع دكتور "آدم"

هَم "آدم" بالإعتراض ولكنها أوقفته حين قالت :
أنا محتاجه أتكلم مع حضرتك بعيدًا عن الطفل
الموضوع ضرورى وخطير
انتابه القلق من طريقة حديثها وأشارت له بأن يجلس على المقعد المقابل للمكتب وما هى إلا لحظات بسيطة وقالت بكل بساطة وكأنها تُلقى التحية:
زين بيتعرض للإساءة يا دكتور "آدم"

وكأنه لم يسمعها أو فقد حاسة السمع، مغيب بشكل غريب ولسانه فقط يهتف بسؤال أحمق :
يعنى إي مش فاهم ؟! "زين" ماله بالظبط ؟!
تحدثت بصراحة وقالتها دون أى رتوش تجميلة كى تخفى من الفاجعة:
"دى حالة واضحة من ال child abuse و الإستغلال الجسدى "

صدمة كبيرة، يعانى ذلك الصغير من كل النواحى، وتعرض للإنتهاك فى عكر داره بين أحبته، والاسوء أن الحق مسلوب بكل وقاحة و دناءة ولا طريقة لإعادته إلا بنفس الطريقة، فما هذا العبث ؟!

_______________________________________

بنفس الغرفة المُظلمة و التى لا يُسمع بها صوتًا إلا وكان للقوارض دخلًا بها، والتى تملىء المكان بشكل غريب و كأنها مزرعة لتربيتهم.
تشعر بالغثيان فى الدقيقة الواحدة أكثر من مرة، الرائحة بشعة و المكان مُظلم و الخوف وصل لذروته، وكل ذلك انهكها جسديًا و نفسيًا و لا قدرة لها على الحراك أو المقاومة حتى، أدنى انواع المقاومة مفقودة وباتت فريسة سهلة لكل الوحوش بأختلاف قوتهم و ضعفهم، هى فريسة سهلة المنال .
و عند ذكر الوحوش، أحد الرجال خرج ليحضر بعض الأشياء و ينفذ تعليمات الحرباء المتلونة و التى كلما حاولت الانضمام لهم منعها أحد أفراد المنزل بحُجة إصابتها و تعليمات  الطبيب الصارمة، لذلك دفعت بشخص ثالث كى يكون حلقة وصل بينهم، لكن من هو؟!
و تبقي فقط فرد واحد، الأقذر من بينهما، أراد مُمارسة بعض الألعاب الحقيرة مع الفتاة قبل أن يعود شريكه و يحاسبه، دفعه شيطانه و صور له بأن ما يفعل سيسعد ولية نعمته و التابع لها فى كل الأفعال الخسيسة.
تقدم ذلك الحقير بخطوات مدروسة للغاية، يعرف موقعها دون أن يشعل الضوء حتى، أراد التلاعب فى الظلام حتى لا تعرف من فعلها فى النور، وتلك قذارة تفوق كل ما يمكن تصوره.

طالعها بنظرات بشعة، اشتهاء مريض و أفكار عَفنة لا تصدر سوى من عقل ملوث ناهيك عن الألفاظ القذرة التى بدأ فى الهمس بها.
كل ذلك و "رنا" لاتعرف ما يدور من حولها، مجرد خطوات تقترب و همس خافت لا يصل لها، لكنها بدأت ترتجف، تشعر بشىء خاطيء و كأنها على وشك التعرض لمشهد صعب لا يمكن تحمله، صور لها عقلها بأنها ستفارق الحياة فى تلك اللحظة، فى الواقع هذا أفضل من أن يتم المساس بها و تدنيس جسدها من قِبل  رجل منهم .
هذا ما كان يمر على عقلها و تحاول إقناع نفسها بها، الموت بشرف وعفة خيرٌ من الحياة بجسد مُنتهك، يكفيها ما قاسته حتى هذه اللحظة، يكفيها الماضى و الذكريات البشعة، الذاكرة المغلوطة و التى لا تعرف بها حتى الآن، حقًا يكفى من كل الجوانب.

وقبل أى رد فعلها منها كان الوحش ينفض بشراسة فوقها، امسكها من كتفها بقوة و صرخت هى من هول الصدمة والألم.
جذبها لتسقط من فوق  المقعد و ترتمى على الأرض ، ارتطمت بحدة حتى أنها جرحت ساقها بشدة و ذلك لا يعنيه بأى شىء، لم يتركها لثانية واحدة كى لا تحاول الهروب منه  وهبط بجذعه، يمسك بساقها و يحكم قبضته عليها، يمنع  فرارها.
أفعال متتالية لا فاصل بينهم، عقلها لا يسمعها بشىء و لسانها يصرخ بكل قوة، فهى لا تملك سوى طلب النجدة.
تصرخ باسم زوجها، تكرر النداء على أمل أن ياتى و لكن الحقير كَمَمَها بكفه الأيمن بعد أن صفعها عدة صفعات متتالية كى تكُف عن الصراخ وخلق جلبة قد تفضح أمره، ازعجته حنجرتها وبدأت تفسد مزاجه المشوه.
حاولت المقاومة لكن دون أى فائدة، مُنهكة و ضعيفة، خائرة القوى و ضعيفة الأمل أمام وحش كاسر، مُفترس، لا يهمه سوى الوصول لغايته الدنيئة.
بدأ فى تجرديها من ملابسها رغم ساقها التى تضربه بحدة، لكنها ضربات صغيرة، بالنسبة له ليست أكثر من فرخ عصفور صغير أمام  طائر الحداء الخطير.

يحاول السيطرة عليها و تكمل يداه باقى المُهمة لكنها تحلت بالقوة فجأة و ركلته أسفل الحزام مباشرة، ابتعد عنها شاعرًا بالألم، ومن ثَم نعتها بأبشع لفظ سمعته، صدمت من وقع الكلمة و ترنح جسدها بعدما كانت تنهض و تتجه للباب، وأسرع هو يمسك بساقها، يرغهما على السقوط على الأرض وتناوب على تجريدها من ثيابها العلوية بكل حقارة رغم صرخاتها العالية و التى لم تعيقه عن تنفيذ مهمته، و رغم مقاومتها الضعيفة و التى لا تشكل أكثر من قرصة بعوضه فى الصيف الحار .
بدأت قواها تخور و حاولت بشتى الطرق ألا تفقد الوعي من شدة الإنهاك و الألم ناهيك عن المَهانة التى تشعر بها، تخشى أن تغمض عينيها فيتمكن منها ذلك الوعد و يدنسها للأبد .
لكنه سئم، من التحرك الكثير و أراد أن يصل السكون التام و حينها أمسك رأسها بقوة و دفعها للأرض عدة مرات حتى فقدت الوعى  ولسانها يهتف فقط باسم "غيث " فى لحظات الإفاقة الأخيرة
سالت الدماء من رأسها، وغطت جبهتها وملامحها  وحينها فقط تَمكن منها ذلك الوحش.

_______________________________________

بتلك الغرفة، قابع جسده فوق الفراش ومُتصل بالعديد من الأسلاك، وبجانبه جهاز يصدر ترددات للفؤادِ، دليل لبقاء "غيث" على قيد الحياة .
حالته حرجة ويدرك الكل ذلك خاصة عدو قديم، تسلسل فى الخفاء، مُتنكرًا بزي طبيب مناوب، دخل بعد أن قام برشوة بعضٍ من الطاقم  الطبى ، واستغل فرصة عدم تواجد أى أحد من ذويه فى محيط المكان، فصل عنه الأجهزة وخرج فى لمح البصر.
ثانية واحدة و كان صوت عالى يرج أرجاء الغرفة، صوت توقف قلبه وربما تبِعها رحيل روحه للأبد .

_يتبع_
_الجزء الثانى، الفصل السادس والأربعون_
_مريض نفسي بالفطرة_

_______________________________________

آسفه جدًا على التأخير بس كان عند عذر قوى، اتمنى تتسع رحابة صدركم لتأخيرى من غير زعل فضلًا .

ادعوا لفسلطين رجاء
(اللهم انصر أهل فلسطين على من عاداهم ،اللهم صوب رميهم اللهم ثبت الأرض تحت اقدامهم ،اللهم أجعل نار اعدائهم بردًا و سلامًا )

Continue Reading

You'll Also Like

5.8K 416 42
مُنذ الصِغر ونحنُ نعلم جيداً أن الخطان المتوازيان لا يلتقِيان أبداً ، فـ هل مِن المُمكن أن تتغير تِلك القاعِدة لـ يجتمِع قلبين معاً؟!. لما لا ؟ .. فـ...
190K 10K 65
سَنلتقي .. رُبما يكون لقاءً بارداً تكتمُ فيه غيرتك وأمسكُ فيه لِساني عن اُحبّك ستنظر اليّ ، وسأنظر للجميع عداك .
9.6K 776 31
هُناك مُعتقلين بالسجون يقضون فترة عقوبتهم، يعلمون ما اقترفوا من أخطاء، يعلمون متي تنتهي فترة محبسهم أو حتي متي يُعدمون وتنتهي المعاناه، وهناك سجون مغ...
2.6M 185K 58
كان عالقًا في مستنقع سحبه للأعماق، حتى باتت يداهُ مُلطخة بالدماء، يقتل ضحيته بلا رحمة؛ للثأر مِمن كانوا السبب في قتل شقيقه ومرض والدته، حتى لُقِب بـ«...