مريض نفسى بالفطرة

Por Hader3112

724K 30.5K 9.8K

مريض حُكِمَ عليه بعيش الازدواجية فى كل شىء ، إلى أن قابلها، منحته قلبها رغم معاناتها السابقة ولكنه رفض البوح... Más

اقتباس1( لست ليث،أنا غيث)
_١_ (صفعةُ تعارف)
_٢_ (جدى يريد عودتى)
_٣_(صدمةٌ مُبرمجةٌ )
_٤_ (أنا القاتل)
_٥_ (الإنفصالُ فرصة ثانية )
_٦_ (لا أريدك يا أمى )
_٧_ ( حب ناضج لمراهقة صغيرة )
_٨_(بيت جدى مجددًا)
_٩_( ما ذنبى إن كنت تحب فتاة تحبنى؟)
_١٠_( قامت بخيانتى)
التعريف بمرض غيث
_١١_ (نوبة غضب)
_١٢_(بقاءٌ قسرى)
_١٣_( أب برتبة عدو)
_١٥_ عشر(عائد لكِ يا حبيبتى)
التعريف بمرض الطبيبة منال
_١٤_( دماءُ زوجتى الراحلةُ )
_١٦_ (ذلك الوغد مجددًا)
_١٧_(لست ليث، أنا غيث)
التعريف بمرض ديما
_١٨_(حب من طرف واحد)
_١٩_(غارق فى دمائه)
_٢٠_( وحشتنى عنيكى )
_٢١_ (الكل عاشق )
_٢٢_(حقائق بالجملة)
_٢٣_(الانتقام الحلو)
_٢٤_(رصاصة خائنة)
_٢٥_( المواجهةالحاسمة)
التعريف بمرض مالك
_٢٦_(كان ضحية بالأمس)
_٢٧_ (وداعًا بيت جدى)
_٢٨_ ( تطاول بما فيه الكفاية)
_٢٩_ (الحقيقة المؤلمة)
_٣٠_(قابلها مجددًا)
_١_( الانطباع خاطىء)
_٢_(مشاغبة من الطرفين )
_٣_( غيث واحد لا يكفى)
_٤_ ( من المصاب ؟)
_٥_(الغيرة اللذيذة)
_٦_(باغتها بعقد القران)
_٧_(أشباح الماضى تطاردها)
_٨_(فارق الحياة )
_٩_( رفضها يصيبنى بالجنون)
_١٠_(فرصة ثانية للفؤاد)
_١١_( اكتئاب حاد )
_١٢_ (أحبك رغم أنف قبيلتى)
_١٣_(هل تقبلين الزواج بى؟)
_١٤_ (خطوبة و جثة )
التعريف بمرض مالك ٢
_١٥_( فليحترق العمل أمام حُسنكِ)
_١٦_ (حُلو مرى)
_١٧_ (أخوض لأجلكِ ألف حرب )
_١٨_(أقبلينى كما أنا )
_١٩_ (تطاول على صغيرتى أمام عينى )
التعريف بمرض محمد العدلى
_٢٠_ (أريدك رغم استحالة ذلك)
_٢١_ (زوجى السابق )
_٢٢_ (قُبلة و مجموعة جُثَثٌ)
_٢٣_ (الإختطاف السعيد)
_٢٤_ (باتت حلالى و كل حالى)
_٢٥_(معركة دموية)
_٢٦_(ليلة زفاف كارثية)
_٢٧_(ليلة عيد)
_٢٨_ (كان القبول طوق نجاة)
_٢٩_ (كلانا لدية تجربة سابقة)
_٣٠_ (العديدُ من المعاركِ)
_٣١_ (كُتِبَ علينا الفراق)
_٣٢_(أحدهم يبكى و الآخر يرفرف عاليًا )
اقتباس٥ ( فتاتى الصغيرة)
(التعريف بمرض مايا)
_٣٣_ (نتعايش أم نتداعش ؟!)
_٣٤_ (راقصة بمبادئ)
_٣٥_ ( قصيدةٌ جميلةٌ )
_٣٦_(الغضب الساطع آت)
_٣٧_(رفض من جميع الجهات)
_٣٨_(نَقَشَ فوق جسدها)
_٣٩_( لاجئ أم خائن ؟!)
_٤٠_(مَلاَك مُحْتَجَز)
_٤١_(نُقُوشٌ مُتبادلةٌ)
_٤٢_(ثلاثة قُبْل فوق ضريح الصقيع)
اقتباس_٦_ (لحن النهاية)
_٤٣_(الفَرِيسَةُ و الصَّيَّادُ)
_٤٥_(اختطاف أرعن)
_٤٦_(جسدٌ مُدنسٌ وروحٌ مُفارقةٌ )

_٤٤_(ليلةٌ مُلطخةٌ بالماضى)

9.8K 398 313
Por Hader3112


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
{أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
صَدَقَ اللهُ العَظيمُ

__________________________________________
٢٣/٠٢/٢٠٢٤
(ليلةٌ مُلطخةٌ بالماضى )

"الحب أعمى والمودة مُبصرة.
في الحب تتجاهل العيب و في المودة تراه وتستصغره
في الحب بدايات ساخنة ونهايات باردة، وفي المودة حياة واحدة بروحين امتزجَا
في الحب أنانية الحاجة و في المودة إيثار
في الحب خوف الافتراق والبعاد، وفي المودة القرب في الحياة والممات.
الحب مجنون، جميل، لابد منه لتعرف أنه شعور لا ضامن له، والمودة حال دائم لمن وصل إليه".
- هبة عبد الجواد

__________________________________________

وقفت"رنا" على بُعد بعض الخطوات من العروسِ، بجانب مظلم أكثر، كى لا يقترب منها أحد و يشعر برجفة جسدها، ليست من البرد و لكنه النفور الملازم لها.
حتى و إن خف وقعها و لكن مازال ما حدث منذ بضع دقائق يؤثر عليها، لقد تعمد فعلته، تعمدها بوقاحة تخطت كل الأعوام السابقة، حتى أنها ظنته شخصًا آخر، لم يكن "مالك" بكل تلك الحقارة رغم كل شىء.
لكنها لا تعلم بأن تلك الأفعى تتحرك فى الظلام من خلفها تستغل الليل و انشغال النساء بمراقبة الأجواء الصاخبة بالاسفل، كى توقع بها.
اقتربت "سهير"حتى باتت خلفها مباشرة و رفعت ذراعيها كى تتدفعها لتسقط للهاوية و تتخلص أخيرًا من ابنة غريمتها و ربما تلحق بها والدتها من الصدمة فيما بعد، ليكون انتقامًا مثاليًا من وجهة نظرها.
عيار ناري واحد و عصفورين

اقتربت أصابعها من جسد الضحية، تلتفت يمينًا و يسارًا تتأكد من عدم انتباه أى إمراة لها، كى لا تصل للأصفاد بعدما تحقق غايتها.
حانت اللحظة المنتظرة و تيقنت بأنها و أخيرًا ستتخلص منها، و لكن تبدلت الأدوار فجأة، سقطت هى على أرضية السطح بعد أن عركلتها تلك الشقية و التى لاحظت اقترابها من صديقتها، فاسرعت هى توقعها فى حفرتها، فمن حَفَر لأخيه حُفرةً وقع فيها.

صرخت"سهير" بقوة و هى تمسك بساقها تتألم بشدة و لكن صدح صوت"وعد" كى تتقمص الدور ببراعة متناهية :
معلشى يا طنط مشوفتكيش فى الضلمه
أكملت حديثها بهمس و هى تمد يدها كى تساعدها ظاهريًا أمام باقى النساء :
أصلك زى الحرباية بتتلون
نهضت"سهير" تلملم المتبقي من كرامتها بعد أن ضربت على كف "وعد" الممدودة لها، ألقت سُبة لا تليق بإمرأة ثم ذهبت و هى تتوعد بشدة للاثنين، لقد أفسدت تلك الشقية مخططها و الذى لاح أمامها فجأة كى تتخلص ممن تشاركها بالطعام و المال، و تحظى هى بكل شىء، تتناوله حتى تصاب بالتُخمة التى لا علاج منها و قد تفارق الحياة نتيجة لها.

بينما رمقت" رنا "صديقتها بضيق و هى تقول مُعنفةً إياها بعض الشىء:
بلاش يا "وعد"، أحنا جايين نقضى واجب و نمشى
مش عايزه مشاكل فى البيت دا
ردت عليها صديقتها بكذب مفتعل و هى تبتسم بسعادة :
مكنشى قصدى أكعبلها، بس لو مُصره على رأيك، اثبتى و أنا قدامك أهو
ضربت "رنا" كفًا بكف متناسية حالتها منذ لحظات و قالت :
بتكدبى عينى عينك كدا؟! مفيش أى حيا ؟!
لكن متى اهتمت "وعد"بما يقال عنها؟!
حركت كتفها بلا مبالاة و هى تقول بقوة امتزجت بالثبات:
أنا و الكدب منعرفشى بعض، أغراب، من أب و أم مختلفين

بالأسفل
كان "مالك" أمهر الرجال فى الرقص بالعصى، يحركها يمينًا و يسارًا و يضرب على الأرض بثقة مبالغ بها و كأنه ولد على حلبة الرقص، يتحرك فى اتجاهات عديدة و يمسك بعصاه و كأنها فى خف الريشة رغم ثقلها الملحوظ للجميع لكن بنيته الجسدية ساعدته للغاية.
لكن كل ذلك لم يكن سوى ادعاء أمام أعين غريمه و الذى يطالعه بكره صريح، تتلاقى الأعين و تعبر عن مدى نفور كل منهما للآخر.
نفور لا بداية أو نهاية له، هو فقط شعور متبادل و سيظل للأبد و هنا فقط تحقق الأبد.
تحرك ناحيته و قال و هو ينظر للأعلى و يضع العصا فوق كتف"غيث" متعمدًا اثارة غضبه و دعوته للإنضمام للرقص بشكل ساخر أمام الكل فلا أحد يسمع حديثهم:
صغيره على أنها تترمل بدرى
لكن "غيث" لم ينسق خلف لعُبته تلك بل تلاعب معه بنفس طريقته، نفس السلاح تقريبًا و قال و هو ينظر للأعلى و لكن فى الاتجاه الآخر، باتجاه زوجة الواقف أمامه، "عفاف" لا أحد غيرها :
أنت ادرى بعمر مراتك
كل منهما يطالع من لا تربطه به صلة كى يثير غضب الآخر، و كان "مالك " هو أول من تحدث بعنف و هو يمسك بوجه "غيث" كى يشيح نظره عن زوجته:
عينك لتوحشك
لكنه "غيث" قبض على كفه و قال بقوة و بنفس الطريقة اللاذعة:
ايدك لتوحشك

تعالت أصوات الرجال من حولهم معتقدين بأنهم سيشهدوا معركة رقص بالعصى قوية بين رجلين، أحدهم منمق يرتدى بذة سوادء أنيقة فقد حضر بعد العمل مباشرة دون أن يبدل ثيابه و الآخر شقيق العروس، يرتدى قميصًا داكنًا و سروالًا من نفس اللون و يكسر قاعدة اللون الواحد تلك حزامًا بلون فاتح، من اختيار زوجته.

انتهز "غيث" انشغال غريمه بالأصوات من حولهم و سحب العَصَا منه، خلع معطفه و وضعه على المقعد، شمر عن ساعديه ثم ثنى قدمه اليسرى بقدر ضئيل و بيده اليمنى بدأ يحرك العصا فى شكل دورانى، بيد واحدة و مهارة غريبة لمثل وضعه الإجتماعى .
ينتقل إلى رقعة مختلفة تبعد عن الأولى خطوات ضئيلة و مازال يدور بعصاه و يتلاعب بها براعة شديدة.
رفعها للأعلى و تناولها مجددًا و كأنها لم تفارق أنامله ثانية واحدة .
لفت انتباه الكل و ذلك اثار غضب الثانى، فتناول عصا أخرى منحه إياها "عُمر" بعدما لاحظ ارتفاع حرارة الأجواء و بدأ لُعاب الرجل يسيل من شدة الإستمتاع، حتى أن العريس
"مروان الدهان" ترك المقعد المخصص له و انتقل للرجال يشجع الأمهر دون أى انحياز.
بدأ بالرقص أمامه، كل منهما يقوم بنفس الوضعيات بالعصا، كلاهما بارع فى هذا الأمر، يتحركان بشكل متناغم أمام بعضها البعض، و كأنهما تدربا على هذا الأمر سويًا للعديد من المرات حتى يتقناه بهذا الشكل الملحوظ لفاقد البصر قبل المُبصر .

الكل يراقب من الأعلى و الأسفل، بَدَا لهم أن ذلك مجرد احتفال صاخب بالخطبة و لكن فى الواقع كانت حرب شرسة إلى أن يخطأ أحدهم و يندفع بعصاه للمهاجمة و سيتلقى غريمه ذلك بكل صدر رحب.
و لم يمر سوى دقائق بسيطة، و اندفع كلامها فى حركة واحدة بالعصا، ليتشكل أمام الكل مثلثًا منزوع القاعدة و أضلاعه تلاقت فى نقطة بالأعلى، تلاقت بشكل زائد .
ارتفع جانب ثغر "مالك" بتهكم مقترنًا ببسمة غريبة و لكن ليست كل بسمة حقيقية فهناك الكثير خلفها.
انتظر من "غيث" الحركة القادمة كى يرد عليه، و حصل على ما يريد فى ظرف ثوانى معدودة، سحب"غيث" عصاه سريعًا و انقض على الآخر بشكل قوى مما جعله يتقهقر للخلف و يسقط عصاه أرضًا، و ذلك دفع الحضور للإنتباه و إدراك أن ما يحدث ليس رقصًا بل مباراة ذكورية و الهدف خلفها غير معلوم لكل الحضور باستثناء المتنازعين.
و إلى هنا انتهى التظاهر و بدأت المعركة الحقيقة، أطرافها خصمان
هب "العم إبراهيم " لطرف ابنه و لكن "عُمر " منعه و تقدم هو لجانب صديقه، يحاول ردعه، فاليوم خطبة شقيقته و لا يريد إثارة بلبلة تظل معلقة فى رقبتهم فى تلك الزيجة المشؤومة من بدايتها و حتى نهايتها بالمناسبة.
و بالأعلى ما أن لمحت "رنا" تلك المبارة تركت الكل و هرعت للأسفل لأجل زوجها، و ظلت "عفاف" بالأعلى، تطالعهم بهدوء و كأنها تنتظر نهاية تلك المبارة لتعرف من الفائز ؟!
أو بمعنى أصح لتعرف هل من بالأسفل زوجها أو شخصية آخرى ؟!

لكن كانت صاحبة القرار الأقوى و سبب إيقاف تلك المهزلة هى الضحية الأولى، حيث هتفت باسم زوجها فقط بنبرة تميل للاستنكار أكثر من الخوف رغم اقترانه بها بشكل وثيق:
"غيث"
لسانها لم يتمكن من تحرير أكثر من ثلاثة أحرف، تنحصر فى اسمه، لكن عينها تصرخ بمئات الحروف دفعة واحدة
أنزل عصاه و مال على أذن من أمامه و قال :
للاسف مضطرين ننهيها عشان خاطر بنت عمى
كان "غيث"سيهم بالرد عليه بطريقة ستلجمه للأبد لكنه لاحظ حركة جسدها الغربية، فاندفع لها بعد أنا وقف "أحمد" حاجزًا بينهما هو الآخر بالإضافه "لعمر"
كانت حلقة رباعية من النظرات و الضيق، حتى أن العريس اتجه لجهة شقيق خطيبته و قال :
فى ايه يا كباتن؟
الجو غبر فجأة بعد ما كان حلو ليه؟!
أجابه شقيق العروس و بسمة صغيرة تزين ثغره بينما كان يطالع غريمه:
مفيش حاجه يا "مروان"، دول ضيوفنا و خدوا واجبهم و ماشيين
و لكن "غيث"فاجأهُ برد قوى ينم عن ثبات موقفه و أن الأرض أسفل قدمه تخصها و بالتبعية تخصه هو الآخر:
مش ضيوف أبدًا، نصيبها أكبر منك متنساش

تركه بعد أن حقق نصرًا إضافيًا و لمح نظرة الضيق الصريحة تعتليه، و كأنه غفل عن أن له نصف ما لها، رغم أن الأموال لا تهمه بشكل كبير، لكن فكرة تفوقه عليه ضايقته، فكرة تفوق "ابن الحديدى" عليه جعلت ما بداخله يندفع للسطح، يندفع بفكرة شيطانية جديده سينفذها قريبًا
ذهب"غيث" لها و عانق كفها بإعتيادية و قالت هى ما أن تلاقت أصابع كفوفهم :
ينفع نمشى ؟!
كان منذ دقائق فى أوج لحظاته اندفاعًا و رغبةً فى إراقة الدماء و لكن مع نظراتها و رجائها الضعيف، قال بهدوء يناقضه:
مينفعشى "رنا" تطلب حاجه و أقولها لا
جذبها و خرج من تلك المعركة الحامية تاركًا النصر للفراغ، فلا أحد منهم ناله، اهتم فقط بزوجته
و رغم البرود المتخفى خلفه لكن حاله كحال "غسان كنفنى" حين قال
"كُلُّ مَا بِدَاخِلِيٍّ يَنْدَفِعُ لَكَ بِشَرَاهّهِ ، لَكِنْ مَظْهَرِي ثَابِتٌ"

و تسير هى برفقته و بداخلها مشاعر متضاربة لكن كان النصر له، دونًا عن غيره، حتى بكل تلك الجلبة
تطالعه بإمتنان و مشاعر صريحة يمكن اختصارها فى جملة واحدة
"إنّما أنت غَيْثٌ، هَطَلَ عَلىٰ قَلبِي فَارتَوَىٰ"

و لحق به صديقه و زوجته و التى قالت بضيق و هى تخرج تاركة خلفها طاولة الطعام التى لم تمسها:
عجبكم كدا ؟؟ ملحقتش أكل من البوفيه
فتح "أحمد" باب السيارة لها بينما كان يتمتم بحسرة :
و لا أنا، كان فى حتت ديك رومى عينى طالعه عليه، هيستفردوا بيه لوحدهم ولاد الإيه.

لحظات و انتقل الكل مبتعدين عن هذا المنزل بجميع الأفاعى التى تسكنه بينما ظل "مالك" يتابع إبتعادهم و يتمتم بصوت عميق و كأنه ينبع من داخل شىء غليظ، ليس هو بالتأكيد ليست نبرته:
دموعها طالما مش بسببى، متلزمنيش، محبش أشوفها حتى لو كانت عشانك يا " ابن الحديدى "

تتبدل الأدوار سريعًا معه، تتبدل بشكل لا يمكن تصوره أو حتى ملاحقته، لا خيط صريح نتتبعه، لا يعرف المرء ما هى شخصيته ؟! حقًا هل هناك حد فاصل بين ثلاثتهم ؟! و إن وجد؛ فمن هو مكتشفه؟!

"عَيَّنَاهَا الْحَمْرَاءُ مَنْ آثَرَ الْبُكَاءَ تَجْعَلُنِى أَرْغَبُ بِحَرْقِ الْمَدِينَةِ بِأَكْمَلِهَا وَ أَعُودُ لَهَا حَامِلًا الرَّفَاتِ بِكُلِّ هُدُوءٍ "
_غيث الحديدى
_________________________________________

عاد برفقتها للمنزل دون أن يهتف بحرف واحد أثناء قيادة السيارة، فقط يطالعها كل دقائق يتأكد من أنها مازالت مستيقظة لم يغلبها النوم، تحيط جسدها بذراعيها و كأنهما معطفًا سميكًا، سيحمى جسدها الهزيل من كل شىء، الماضى و ذكرياته التعيسة و الحاضرة و لمساته المؤلمة و ربما المستقبل و غموضه المرعب.

ترجل من سيارته ما أن وصلا و صعدت هى سريعا للأعلى، لحق بها و هو لا يدري هل هناك خطب ما بينهما؟!
أم انه مجرد موقف عابر حدث أثناء الخطبة و لم يكن على دراية به؟!
لكنه ما أن دلف للشقة وجدها فى المنتصف تطالع كل شىء بفراغ و ترتجف، فهتف بسؤال مقتضب و هو يغلق الباب بقدمه بعشوائية :
بردانه؟!

لم تدلف لغرفتها من الأساس لهذا السبب، لأنها تريده هو أن يطمأنها، لا الأشياء المادية كغطاء سميك لا يفيد و فراش بارد يزيد من مُعاناتها

تقدم صوبها حتى أمسك بكفها و قالت هى بعد أن رفعت رأسها تطالع عينيه برجاء ممتزج بالألم:
قلبى بردان يا "غيث"
ألجمته الإجابة حتى أن رعشة طفيفة سارت بكفه هو الآخر، مؤلمة حقًا مؤلمة.
كيف لفتاته الصغيرة أن تقول مثل تلك الجملة و هو عاجز أمامها؟! عاجز عن فعل أى شىء كى يدفىء روحها الغالية
لم يملك سوى السؤال، علها ترشده للصواب، فهى صوابه الوحيد بين كل طيات الخطأ:
أعمل ايه عشان أدفيه ؟!

سقطت على الأرض فجأة و هى تقول :
مش عارفه، صدقنى مش عارفه
تداعت قوتها و هزمت شر هزيمة أمام رجفة جسدها
بدأت العبرات تلمع فى مقلتيها بالتزامن مع حروفها التى باحت بها فى إحدى المرات السابقة، و كأنها لن تمل أبدًا من رفضها لجسدها و ضعفها :
أنا بجد مفيش منى أى فايده، انسانه ضعيفة و غبية، حقك تسبنى، بجد حقكم كلكم تسبونى و تبعدوا عنى، مش بعرف أعمل أى حاجة، نسخة بشعة، أنا ليه كدا ؟!
ليه بقت وحشه أوى كدا؟! ليه الكل بيمشى فى حياته و أنا اللى واقفه؟! مهما حاولت بفضل واقفه زى الجماد
هبط بجذعه جثى على عاقبيه بقربها و قال و هو يلامس ذقنها بأنامله بخفة يخشى أن يقسو عليها بأى لمسة مهما كانت رقيقة حتى على الطفل الصغير:
اسف

تنهدت بعمق و هى تحاول كفكفة أى قطرة تهبط من مقلتيها بأكمام ثوبها القطنى ثم قالت بأنفاس متقطعة من كثرة الشهقات التى لا يمكنها التحكم بها:
على .....اي ؟!
امتدت أنامله لعينها يزيل أى عبرة خائنة قد تهبط بينما كان يتمتم بنبرة ضعيفة، أشبه للهمس متظاهرًا بشىء لا يندرج تحت طبيعته فقط لأجلها:
على أن فى حاجه مضيقاكى و أنا مش عارف أتعامل معاها، على أنك قدامى بترتعشى و مش قادر أحضنك و أخدك جوايا بعيد عن الكل، على أنك بتغلطى فى أكتر انسانه مهمة فى حياتى و مش قادر أمنعك لأن الكلام منك أنتِ، على أنك كدا و انى مش قادر أقدملك نص اللى بتقدميه ليا، اسف انى فشلت معاكى

ظلا على وضعهما للحظات طويلة لا يمكن حصرها، فقط يمسد على وجهها بكفه الأيمن و بالأيسر يعانق كفوها، يريد فقط أن يمنحها الدفىء، أى شىء بإستطاعته أن يقلل رجفتها التى تهشمه من الداخل دون أى رحمة لوضعهما سويًا.

صدح صوتها فى النهاية بسؤال بسيط بعد أن تمكنت من استعادة جزء من صلابتها بعد هذا الانهيار الكبير:
بقدملك ايه ؟!
أجابها قائلًا بصدق تام :
كل حاجه اتمنتها فى يوم أنتِ قدمتيها ليا يا "رنا "
أنتِ الأمنية الوحيدة اللى اتحققت بعد سنين طويلة من الانتظار، أنتِ نعمة و هدية و مش قادر أحميها أو أصونها
أنا الفاشل الأكبر هنا
كأنه بإختصار شديد يريد أن يقول فقط فى جملة يمكن حصر حروفها بكل بساطة رغم ثِقل و بلاغة المعنى.
أَنَّكِ عِنْدِى إِخْتِصَارُ التَّمَنِّى"

عرفت البسمة الطريق لثغرها بعد ذلك الإنهيار حتى أنه تعجب من تبدل حالها و قال سريعًا بلهفة:
ايه سبب الضحكة دى ؟!
لا يدرى لمَ؟! و لكنه تذكر إحدى أقوال "العراب" المعروفة لكن بصيغتها المؤنثة كى تنطق عليها
"‏أحياناً تدهشني هشاشتها، كيف يمكن لكلمة أن تجعلها حزينة، وأخرى تخلق لها أجنحة"
بينما كانت هى تطالعه بإمتنان و يتردد فى أذنها جملة تصفه من وحى خيالها، تصف كل ما يمنحها إياه بكل شفافية
"يُذِيبُ حَنَانَهُ حُزْنَى وَ هْمَى، يُرَمِّمُ كُلُّ كَسْرٍ أَصَابَ جَسَدَى"

هتفت أخيرًا و هى تتحس جانب وجهه برقة :
أنت جميل أوى يا "غيث"
و لم يتزحزح هو، ظل بموضعه، مُستعد لتلقى أى شىء منها، فنادرًا ما تكون عاطفية معه حتى و إن كان وصفها لا يليق، و لكنها حطمت كل شىء حين قالت بلمحة حزن صريحة :
"أنت الجميل و أنا الوَحش"
رفع كفه لموضع خاصتها على وجهه يعانق أصابعها و هو يقول بجدية طفيفة :
مينفعشى تقولى لراجل أنه جميل، دى إهانة كبيرة فى حقه
عقدت ما بين حاجبيها و قالت مستفسرة بفضول لم يخل من بعض لمحات السخرية:
أومال أقول ايه ؟
أنت أول راجل أشوفه جميل بجد

أجابها بتسلية صريحة و هو يتعمد الإطاحة بها:
ممكن تقولى مثير للإهتمام و لا يقاوم أدنى مقاومة، مُلفت بشكل يخطف، وسيم بدرجة صعبة، جذاب بطريقة غريبة، ساحر أكتر من الفراعنة.

غمز لها فى النهاية بينما كان يهمس باسمه بثقة كبيرة:
يعنى باختصار شديد "غيث سامح الحديدى "
ابتسمت رغمًا عنها و قالت بينما كانت تدفعه بخفة كى تنهض:
مغرور أوى
لكنه أمسك برسغها الأيسر و قال سريعًا بفخر:
حقى طالما أنتِ معايا
يعرف الطريق جيدًا لصبغ وجنتيها بالأحمر، بالكلمات المعسولة و أفعاله الحنونة، أو حتى المشاكسة الطفيفة، مزيج رائع من كل ما تحتاج
ضغط على أصابع يدها و هو يقول بصدق قاصدًا تبديد كل اعتقاد خاطىء بداخلها :
"رنا" عمرها ما هتكون الوَحش
"رنا" أحلى من كل الأميرات، و مش مسموحلك تقللى من جمالها أبدًا
الجمال دا يتحط فى متاحف مش يتهان.

مد يده الثانية كى تمسك هى بها و كأن عينيه تصرخ بقوة طالبًا منها التشبث به وحده:
_تمسكى بى، يدى ممدوة لكِ وحدك و لن تمل أبدًا، فهل يمل المرء من أنيسة عمره المنتظرة؟!
لكنها لم تقدم على هذا الفعل، يحيط بها التوتر و الخوف، و عيناها هى الآخرى تصرخ بألم:
_ستسحبها ما أن ترى السواد بداخلى، و سترحل كالكل دون أى استثناء، فلمَ نجازف ؟!
أتريد أن تمزق شراع سفينة متهالك من البداية ؟!
فتقدم هو و تناول كفها الثانى و مازالت لغة العيون هى السائدة بينهم دون أى حروف مسموعة:
_اتركى لى الإعمار، سواء كان شراع السفينة أم الخراب داخلك، اتركِ لى كل شىء و سأهتم به لأجلك .

دلفت لغرفتها و لحق هو بها بعد أن بدل ثيابه، دون أى حديث أخذت الجانب الأيسر من الفراش و تبقي له الجانب الأيمن
غفت بعد فترة قصيرة و يدها تغوص بداخل خاصته فوق الوسادة الصغيرة بينهما.
ابتسم و هو يعيد بعضًا من خصلات شعرها خلف أذنها و يتمتم بإحدى قصائد "نزار القبانى" و عينيه مصوبة فوق كفها الصغير :
"يَدَكِ الصَّغِيرَةُ طِفْلَةً هَرَبَتْ
مَاذَا أَقُولُ لِطِفْلَةٍ تَلْعَبُ؟!
أَنَا سَاهِرٌ
وَ مَعِي يَدُ إِمْرَأَةٍ بَيْضَاءَ
هَلْ أَشْهَى؟ وَ هَلْ أَطْيَبُ؟"

زاره الأرق كالعادة و لكنه سعيد لقربها و مراقبته لملامحها رغم الغصة المتحشرجة بداخله للقائه بغريمه و شىء آخر يخشاه.
خشى فراقها حين كان يتعارك معه، لم يكن عنيفًا بالشكل المعتاد نظرًا لوجود العديد من حولهم، لكن كان بينه و بين ذروة نوبته شعرة صغيرة، صغيرة للغاية.

"إِذا هَجَرتَ فَمَن لي ؟وَمَن يُجَمِّلُ كُلّي؟
وَمَن لِروحي وَراحي يا أَكثَري وَأَقَلّي
أَحَبَّكَ البَعضُ مِنّي وَقَد ذَهَبتَ بِكُلّي"
_الحلاج

تنبيه:
تم نشر اقتباس من هذا المشهد بتاريخ ١٦/٠٢/٢٠٢٤ فى ال group الخاص بالرواية
_________________________________________
دلفت "مايا" لغرفتها بعد أن انتهت حفلة الخطبة التى لم تهتم بها من الأساس، بدأت تزيل مساحيق التجميل بملل شديد و ذاكرتها تعود بها ليوم اللقاء الأول بينها و بين ذلك العريس.

Flash Back

دلفت لغرفة المعيشة حيث وجدته ينتظرها، جالسًا فوق أحد المقاعد و يطالعها بفضول رغم الثقة الواضحة عليه خاصة و أنه يضع قدمًا فوق الآخرى و يشمر عن ساعديه
لفت انتباهها هيئته المنمقة و الواضح بأنه تعمد أن يبدو فى أفضل حُلة، بخصلات شعره المهذبة و ذقنه الغير حليقة و التى تليق به و بشرته الحنطية الملائمة للغاية لملامحه الرجولية الطاغية، لا تنكر أنه يشبه "غيث" بشكل كبير و ذلك دفعها للابتسام بسخرية
جلست على المقعد المجاور لها و بدأ هو فى الحديث :
المفروض فى المواقف اللى زى دى الراجل اللى يبدأ كلام الأول، بس أنا ماشى بمبدأ ladies first طبعًا
(ladies first/ السيدات أولًا)
طالعته بملل شديد فلم تهتم بأى حرف من حديثه فقال هو فى محاولة منه لاستمالتها للإنضام لأطراف الحديث معه:
أول مقابلة بتبقي عاملة زى ال interview و أنا مبحبهاش
تنهدت بعمق و ظلت محافظة على الصمت و نظرات عدم الإكتراث، فمال هو لكى يكون قريبًا بينما كان يتمتم :
طب بصى، خلينا ن break the ice و ابدأ أنا
(break the ice/كسر الجليد)
(و المقصود: يَكْسِر الجُمود/ يُمَهِّد السَّبيل/ يَقوم بالخُطوة الأُولى)

لفت انتباهها هذه المرة و ابتسم هو ما أنا لاحظ ذلك و راح يتحدث بكل أريحية دون خجل أو حدود فاصلة رغم أنه التعارف الأول بينهما :
أنا" مروان الدهان"، الابن الوحيد لأبويا، مهندس ميكانيكا بس مش شغال بشهادتى رغم عشقى للعربيات، بس كنت واخد الشهادة عشان اترسم على حد معين مش أكتر، و عمرى ٣٢ سنه و داخل على ٣٣ أن شاء الله
بحب البشاميل و الجلاش باللحمة المفرومة، مش بشرب سجاير غير تفاريح كل فين و فين، مليش فى المُنكر عشان حرام أولًا و مش بيستهوينى ثانيًا، و عندى عقدة من الورد الأحمر و بموت فى الضفاير البنى و حلو أوى إن شعرك مايل للبنى، هضفرهولك يوم

انضمت "مايا"للحديث بعد أن هدم جدارها المتغطرس و قالت بفضول واضح:
ليه عندك عقدة من الورد الأحمر؟!
ابتسم"مروان" حتى بانت نواجذه و هو يقول مناقضًا ابتسامته:
اتقدمت لبنت قبل كدا و رفضتنى و رمت الورد فى وشى
دفعها لسيل من الاستفسارات ما أن صرح بتلك الإجابة بكل تلك الأريحية :
كان فى سابق معرفه بينكم و لا اتقدمت صالونات زى دلوقتى ؟!
لبى فضولها بكل شفافية و قال دون أى مراوغة أو رتوش تجميلية كى يحسن موقفه أمامها و ينال رضاها:
بنت عمى و قصة حب أربع سنين، بس طلعت غدارة، خانت العيش و الملح و باعتنى مع أول مشكلة من غير حتى ما تناقشنى و كأنها مستنياها و جتلها على طيب خاطر، بنت كوم شكاير الغدارين.

"ليه ايه اللى حصل ؟!"
هتفت مُستفهمة و حواسها الخمسة على أتم الإستعداد لإجابته، إما للفرار بعد تلقينه درسًا قاسيًا أو المكوث و إكمال هذا التعارف.
ووعاد بظهره للخلف مُستندًا على المقعد و هو يقول :
كانت عايزه شقة بعيدة و أنا لا يمكن أسيب بيت أهلى، فاختلفنا و رمت الورد فى وشى مع انى كنت جايب أغلى بوكيه فى المحل، و بالورد اللى بتحبه مخصوص

تابعت"مايا" بسؤال لم يخل من الاستنكار :
و سكت ؟! معملتش أى حاجة ؟!
أصدر ضحكة رنانة عالية قبل أن يجيبها بتشفى و هو يصف ما فعله:
لا طبعًا شوطت فى العيله كلها أبًا عن جد، و خدت العاطل بالباطل و العيله اتبرت منى ماعدا الحاج الكبير، أصل معندوش غيرى فاضطر يستحملنى بقي، ما أن اللى هزور و أروى عضم التربة فى الآخر.
حديثه ذلك اثار حفيظتها و بدأ عقلها فى تكوين خلفية معينة عنه، خلفية لا يمكنها القبول بها
نعم لم يصل الأمر للنفور بالتأكيد و لكنها أيضًا لن تقترن بالقبول، هى و هو محطات مختلفة لا يمكن أن تتلاقى، لذلك قالت بإقتضاب و هى تنهض كى تترك الغرفة له:
كل اللى بتقوله دا يخلينى ارفضك، آسفه أنا ........
قاطعها سريعًا و هو يقول بثقة:
بس هتقبلى
اتسعت حدقتيها من تصريحه و لكنه قال بتبرير:
متبصليش كدا، أنا صريح و دوغرى، الميكانيكا علمتنى كدا حتى لو مش شغال بيها بس بحبها
دا غير انى عايز ابنى بيت معاكى، و حاسس بقبول بس الستات عامة بتحب التقل

يفسد الأمر بكلماته تلك و علم هو ذلك من تأففها و الضيق الصريح فوق صفحة وجهها، فحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه و قال لإستمالتها:
و حقك طبعًا، مش بيقولوا من حق الجميل يدلع ؟
و أنا بصراحة بقدر كل ما هو جميل و جمالك دا لازم يتقدر و يتصان و يتغندر
ابتسمت رغمًا عنها و أكمل هو تلاعبه حين قال :
تعرفى أن الست زيها زى ماتور جديد نازل من غير كتالوج بس الحدق اللى يعرف يتعامل و يساير أموره و أنا طول الخمس سنين جامعة كنت معروف بأسرع حد ي handle مشاكله
(handle/ عالج موضوعًا _عامل بطريقة خاصة )

أشاحت بوجهها للطرف الآخر كى لا يرى تأثيره عليها و لكنه اقتنص الفرصة سريعًا و قال و هو يخرج هاتفه من جيب بنطاله :
هتاخدى رقمى و أخذ رقمك و ناخد و ندى بشكل ودى ؟!
ابتسمت و أخرجت هاتفها من جيب ثوبها الأزرق
بدأت تسجل الارقام التى يهمس بها و ما أن جاءت للحظة تدوين اسمه طالعته تنتظر شىء لا تعمله و لكنه قال سريعًا بسعادة :
سجلينى "مراون الحِلو" أو mon amour
(mon amour/حبى _حبيبى )
خجلت من حديثه و لم يترك لها فرصة للفرار قبل أن يقول بمشاكسة:
و أفضل التانى عشان نقصر الطرق و المسافات و نعيش فى تبات و نبات و نخلف صبيان و بنات

ابتسمت و لم تعلق لكنها بقرارة نفسها أيقنت اللقب الملائم له
"لزج بس كاريزما "
بينما هو منذ الوهلة الأولى عرف لقبها و حفظ فؤاده وقعه
"الغندورة"

End of flash Back

عادت للوقت الحالى أمام المرآة، ابتسمت بعد أن عاد وجهها لهيئته دون الرتوش التجميلية، أحبت نفسها للمرة الأولى بصدق، تخلت عن اضطرابها لبعض اللحظات و هللت للغاية بذلك، يبدو أن الطبية "وداد" تقوم بعملها بالطريقة التى تلائم طبيعة كل مريض .

_________________________________________

انقضت ساعات الليل و حل الصباح أخيرًا، صباح محمل بالعديد من المفاجئات و الذكريات فى آن واحد، لتكون تلك الليلة عبارة عن ماضى أكثر من حاضر، باختصار ليلة ملطخة بالماضى.

جلس على إحدى المقاعد القديمة على بُعد بعض الخطوات من فراشها، يراقبها حتى تستيقظ و يساوره سؤال واحد يعبث بعقله و روحه
"هل حقًا تلك المعتوهة تحبه ؟! أم تحب ثروته و ماله ؟ أم هوس كخطيبته "أمل" ؟!
تكاثرت الفتيات من حوله و لكنه لا يهتم بهم أو هذا ما يحاول إقناع نفسه به، حتى من عشقها لم يرد أن تبادله الحب من الأساس، فقط هكذا حب دون أمل، لعله يجد سببًا إضافيًا ليعذب روحه المُعذبة برياح الماضى الأليم و التى تسكنها شقيقته الراحلة "

بدأت"أميرة" تتملل فى نومها و تصدر بعد الهمهمات كدليل على استفاقتها، فقال هو سريعًا بتهكم :
أخيرًا فوقتى
فى البداية ظنت أن صوته صادر من حلمها، و أنها مازالت تحلم به و هو يرقص برفقتها و تتمايل هى بين ذراعيه بدلال، لكنها شعرت بخلل، فيبدو صوته كما لو كان حقيقيًا للغاية .
نهضت سريعًا و هى تشعر بالخزى و تسحب الغطاء عليها بينما كانت تتمتم باستنكار و ذعر:
أنا فين ؟! و جيت هنا إزاى ؟! و أنت؟! أنت بتعمل ايه جمبى؟!

نهض تاركًا مقعدة القريب من الفراش، و ابتعد بعض الخطوات كى تتمكن من ضبط ملابسها ثم قال و هو يتعمد ألا يطالعها:
أنتِ فى بيتى يا "أميرة"، و بالنسبة لجيتى هنا إزاى فمش هقدر أفيدك، أنا فجأة لقيتك قدام باب الفيلا و بترمى نفسك عليا و بتقولى بحبك يا "سليم "، متتجوزهاش يا"سليم "، مش هقدر أعيش من غيرك يا "سليم".
نهضت سريعًا تاركة الفراش مبعثر، و قالت بصوت عالى ترفض ما يقصه:
لا طبعًا، أنت كداب، أنا مستحيل أعمل حاجه زى دى
فتح الباب فتحة صغيرة، و جال بعينه كى يتأكد من أن بخواء المكان بالخارج ثم قال و هو يطالع ساعة يده :
أنتِ حره تصدقى اللى عايزه تصدقيه
بس ياريت تمشى قبل ما حد ياخد باله أنك هنا، أنا مش عايز صداع على الصبح
"أمل " زمانها جايه و دى يستحسن متخطلتيش بيها لسلامتك الجسدية قبل النفسية .

و كأن دلو مياه بارد سقط فوق رأسها و بعثر ثيابها و كرامتها فى آن واحد، طالعته لثوانى ضئيلة، لا تصدق أنها أوصلت نفسها لتلك الرُقعة المُتسخة، أهانت كرامتها و عشقها و لم يأبه هو، و كأنها لا تعنيه، هى بالفعل لا تعنيه رغم كل شىء حاولت القيام به.

جالت بعينيها تبحث عن حقيبتها فى أرجاء الغرفة، كى ترحل سريعًا و لكنها لم تجدها، فهتفت بضيق و هى تحاول بشتى الطرق أن تظهر كبرياء دعسه "سليم" بكلماته السابقة :
شنطتى فين ؟ مش لقياها
ناولها إياها فقد كانت بحوزته قبل أن تستيقظ، يبحث فيها عن أى شىء يمكنه من الوصول لأقاربها
و صعقت هى، تخشى أن يجد شيئًا ما بالحقيقة و تنكشف الحقيقة، لذلك صرخت بغضب :
بتعمل ايه جمبك ؟! بتفتش فى حاجاتى ليه ؟!
ارتفع جانب ثغره بتهكم و هو يجيبها :
كنت مضطر، بحاول أعرف أى حاجه عنك، بس للاسف ملقتش حاجه مفيدة

صمتت، لم تتمكن من الرد عليه، و راقب هو الأوضاع بالخارج سريعًا ثم قال :
لو قادره تمشى و مش دايخه هستناكى برا عشان أوصلك مكان ما أنتِ عايزه
عضت على جدار فمها الداخلى بغيظ شديد منه، و لكنها حاولت التظاهر بالقوة و قالت:
انا همشى بنفسى، مش محتاجه منك أى حاجه
و بمجرد أن هتفت باخر حرف، حملت حقيبتها و خرجت من الغرفة بعد أن اصطدمت به و حاول هو سندها لكنها دفعت يده بحدة.

اتجهت للبوابة الخارجية و بداخلها صراع كبير لا تعرف أين هى و كيف ستعود لمنزلها ؟!و لكنه لحق به و هو يهتف باسمها:
"أميرة"
أكمل حديثه ما أن وصل لها :
انا ملقتش أى فلوس فى شنطتك و لا حتى credit card، و مفيش أى عربية ليكى برا، فهتمشى إزاى ؟!

"هتطيرى مثلًا؟!"
لفظ جملته الأخيرة بتهكم شديد بعدما لاحظ تأففها من حديثه و تركها له و كأنه مجرد سراب.
و لكن حديثه ذلك ضايقها أكثر و دفعته بحدة و غادرت تاركةً قصره الصغير ينعم به، و لكنه لحق بها و أمسكها من رسغها بوقاحة حتى التفتت بجسدها له كرد فعل طبيعى و قال هو بغضب :
قولت هوصلك، ايه مبتفهميش ؟! أنتِ مصره تتغابى ليه ؟! أنا مش ميت على توصيلك أنا بس مراعى أننا زمايل فى مكان شغل واحد
دفعته و هى تصرخ رافضة مساعدتها لها :
أنا قولت مش عايزه منك حاجه
و تمتم هو بضيق :
أنتِ حره

سارت"أميرة" فى طريق لا تعرفه و لا نقود بحوزتها و حتى هاتفها معطل، لا يمكنها طلب العون من أى غريب، و لتزداد الأمور كارثية قطع الجزء الأمامى من حذائها و بدأت تبكى بعد أن سقطت على الأرض.
تشعر بالخجل و الشفقة على حالها، و تبكى على عشق لا أمل له، و هيئة أفسدتها الأتربة المحيطة بها ، كل شىء جعلها تبكى، كشلال لن ينضب أبدًا.

توقفت أمامها سيارة سوداء و صدح صوت من داخلها يقول بإقتضاب :
أركبى
لكنها ظلت على وضعها ترفض الحديث معه و تبكى فى صمت فكرر كلماته بغضب :
مش هتحايل عليكى، قولت أركبى

و فى النهايةدعست على كرامتها هذه المرة بنفسها، و نهضت تنفض الغبار عن ملابسها، ركبت برفقته و قالت ما أن تلاقت أعينهم:
أنا بكرهك
سامع بكرهك و عمرى ما كرهت حد قدك
طالعها شزرًا ثم قال و هو يحكم قبضته على عجلة القيادة و ينطلق :
قولتيها امبارح بعد ما قولتى بحبك و بموت فيك يا "سليم"
فمش عارف اصدق أنهى واحده فيهم ؟!
اختارى أنتِ و أنا همثل إنى مقتنع عشان نرتاح كلنا

عم الصمت، عم بشكل غريب و لكن كان ذلك أفضل حل لكليهما، فلا أمل لتلك العلاقة من الأساس .

_________________________________________

"والشمسُ تشرقُ كي تُقبِّلَ خَدَّها وتذوبُ في الكفَّينِ كالحِنَّاءِ "

لم يتمكن من النوم و ظل مستيقظًا يراقبها، يتأكد من أنها بخير، حالتها بالأمس كانت غريبة، لم يفهم الأمر و يعرف جيدًا أنه لا يبلى حسنًا بالقدر المطلوب منه معها، لكنه يحاول رغم كل العراقيل و التى هى نفسها أول حجر بها.
فتحت عينيها دون أن تتحرك على عكس عادتها، و قالت هى أولًا تأخذ المبادرة:
صباح الخير
ابتسم بخفة و حرك كفه صوب خصلات شعرها يمسد برفق بينما كان يتمتم :
الإنسان ميملش أبدًا من ملامحك، أنتِ ليه حلوة أوى كدا يا "رنا"؟!
لم تبدى أى رد فعله على غزله و قالت برجاء ضعيف و هى تتعمد ألا تتلاقى أعينهم:
ينفع أطلب إجازه النهارده ؟
مش عايزه أشوف حد يا "غيث"، عايزه أفضل هنا فى بيتنا و بس، العالم برة وحش مش قادره أواجهه النهارده
اعتدل فى جلسته و استند بظهره على مقدمة الفراش من خلفه، شاعرًا بجدية الموقف فقال بهدوء :
خلصتى المشاريع اللى تحت ايدك الأول يا باش مهندسة و لا عمل اليوم هيتأجل للغد ؟!

لم تجبه، سحبت الغطاء على وجهها و اكتفت بالهروب، فابتسم هو رغمًا عنه على طريقته الطفولية تلك، و قال بعد أن سحب الغطاء فى الاتجاه المعاكس كى تراه :
هخلصها أنا
طالعته بإمتنان و بسمة صغيرة بدأت تظهر على مُحياها الخلاب، كأنها تعلم أن تلك إحدى نقاط قوتها و ضعفه
نهض تاركًا الفراش و قال :
هنزل بس كام ساعة، عندى محاضرة أنا و "أحمد" لسنه تالتة و هعدى على الشركة أمضى كام ورقة و ابعت حد مكانى للموقع و أرجعلك

هم بالخروج كى ينعطف لغرفته و يستعد لليوم و لكنه توقف كى يسألها بفضول :
هتعملى ايه فى غيابى ؟!
أجابته بعد أن التفتت بجسدها للجهة الأخرى كى تراه و هو يتحدث :
هنام، عايزه أنام و بس
كان قريبًا من الباب و لكنه عاد لها ما أن لفظت بإجابتها، جلس على مقربة منها و هبط بجذعه و هو يقول بينما كان يداعب إحدى وجنتيها بتسلية :
كسولة أوى، بس حقك، بيقولوا الكسل طبع الحلوين و أنتِ مفيش أحلى منك
تنهدت بعمق قبل أن تبوح بشىء سبق و باحت به عدة مرات :
و أنت كمان
مال أكثر و طبع قُبلة فوق جبهتها، طويلة للغاية كأنه لا يود تركها و انكمشت هى تخشى أن يعانقها رغم حفاظه عل مسافة معينة بين جسديهما، لكنها تخشى ما تخشاه دائمًا

و ابتعد هو بعد لحظات حين سمع تنهيداتها المتعبة و المثقلة بالخوف الصريح؛ فقال بهدوء رغم بعض الضيق و اليأس:
متنسيش تصلى الضحى يا "رنا"
نهض و تركها و لكنها أسرعت تهتف باسمه :
"غيث "
ثم قالت بإمتنان ما أن تلاقت أعينهم :
شكرًا، عارفه أنى تعبتك معايا أوى

"إذا للحلو ما نتعب، لمين نتعب ؟!"
هتف بتلك الجملة و هو يغمز لها بكل تلاعب، و خجلت هى بشدةؤ حتى أنها توارت بجسدها أسفل الغطاء فى حركة سريعة قبل أن يرى تورد وجنتيها و ظل هو لثوانى يضحك على فعلتها.

"هِىَ غَاوِيَتِى وَ مُهْلَكَتِى وَ كُلُّ يَاءٍ بِالْعَالَمِ تَجْعَلُهَا تَنْتَمِى لِى"
_غيث الحديدى

_________________________________________
استيقظت فى وقت متأخر فقد كان الأمس حافلًا بالعديد من الأشياء، تعاركت مع "سهير" عراكًا لم يشهده سواهما، لحسن الحظ و سوءه فى ذات الوقت، أرات أن تلقتها درسًا قاسيًا و تذيقها من نفس الكأس التى أذاقت ابنتها منه، ليست عنيفة و لا عدوانية بعكس غريمتها و لكنها الأم، تتحول بشكل لا يصدق حين يتعلق الأمر بأبنائها، غريزة لا يمكن إنكارها أو طمسها بمرور الأعوام.

ظلت فى الفراش لفترة لا يستهان بها، تطالع المكان من حولها و تبتسم، ذكريات تذهب و تأتى و يظل فؤادها معلق به وحده، حبيبها الأول و الأخير.

Flash Back

كانت صغيرة و يافعة، تتحرك بنشاط فى أرجاء المنزل، تعاون والدتها و تراقب حبيبها، وُلد الحب بينهما فى حضرة اللقاء الأول، حين جاءت والدتها لتعمل فى هذا المنزل الواسع و تعلق ابن صاحب المنزل بتلك الصغيرة، ذات الضفيرة الطويلة، تعلق بها و تمنى أن يقوم بحَلِها يومًا ما ثم يعاود عقدها ببطىء شديد و تمهل لذيذ، بينما هى طالعته بأعين متسعه، وسيم و مرح، يلقى الدعابات و يتعامل بأريحية و كأنهم من ذات الطبقة، سحرها بتواضعه، و غلبته بخصلات شعرها و بسمتها الخلابة حين يقوم بشىء ينال استحسانها.

دلفت لغرفته فى الصباح الباكر، كى توقظه بناءًا على طلب والدتها، رغم ضيقها من هذا و لكنها مضطرة، مضطرة لإحكام صورة صائدة الابن الأكبر.
و لكنها لم تجده فى الفراش، جالت بعينها فى أرجاء الغرفة لكن دون أى فائدة، فارغة و باردة مادام ليس بها .
التفتت كى تغادر و لكنه أحكم القبض عليها بعدما كان يتوارى خلف الباب، أغلق الباب و منعها من الخروج، واقفًا بجسده ضدها
طالعته برجاء صامت كى يحررها و لكنه رفض بشكل صريح و البسمة تتلاعب فوق ثغره، فقالتها بيأس لعله يرأف بحالها :
أبعد يا "حسام"، مينفعشى الباب يتقفل علينا
رفض مجددًا و قال و يداه تتلاعب بمفتاح الغرفة من الخلف كى يتأكد من إحكام الغلق و أن لا مفر لها أو لدخيل بينهما :
أنا بعيد يا "منى"
بعيد و مستنى تدينى الإشارة و أقرب، بس لازم تعرفى لو قربت مفيش بُعد تانى، خلاص هيبقي سبق السيف العذم

أشاحت بوجهها للجهة الأخرى كى تتلافى نظراته، تخشى أن تقع فى المحظور حتى و إن كانت تحت مسمى شرعى، لكنها بعيدة كل البعد عنه و يدرك هو الصراعات التى تخوضها فى تلك اللحظة لكنه لم يتنازل عن تلك الفرصة و أكمل حديثه بغاية صريحة :
هى سابتك تطلعى أوضة عازب عادى كدا ؟
أمك بقت بتدى تلميحات صريحة للأعمى و أنا مقتنص فرص جامد، خدى بالك
كانت تتوارى بنظرها بعيدًا عنه و لكن تلميحه الصريح أرغمها على مواجهته و قالت بعتاب :
أنت قاصد تحرجنى و تحسسنى بالفرق اللى بينا ؟!
حرك رأسه نافيًا ما وصل لها و قال بقوة :
أنا قاصد أحط النقط على الحروف
أمك نفسها و مُنى عينها نتجوز، صريحة، ست دوغرى، فليه نلف و ندور على بعض؟!
أنا و أنتِ بنحب بعض و من زمان أوى

تحدج الباب من خلفه و تخشى أن يقبض عليهم بالجرم المشهود، غرفة مغلقة و ابنة الخدامة محتجزة برفقة ابن صاحب المنزل، أى صورة أكثر سوداوية من هذه
تحلت بالقوة و أبعدته عن الباب و هى تقول :
أنا مش طمعانه فيك يا "حسام"
لكنه و قبل أن يتزحزح سحب المفتاح خلسة و أخفاه فى جيب بنطاله، فبائت محاولتها بالفشل الذريع.
زفرت بحنق و يأس و لكنه رفع ذقنها بأنامله و قال :
بس أنا طمعان فيكى يا "منى"
طمعان للحظة اللى هتجمعنا فى الحلال، فمتصعبيش الحلال عليا
ابتسمت بسخرية شديدة، يظن أنها العائق رغم معرفته بالحقيقة و مع ذلك ألقتها أمامه كل لا يظل هناك أقنعة بينهما :
الحلال مش أنا اللى صعبته يا "حسام"
"الحاج راشد" مش هيوافق، مش هيوافق تتجوز بنت الخدامة

مدت يدها كى يمنحها المفتاح و ترحل، تترك ذلك العناء خلف ظهرها، فليست كل القصص تنال نهاية سعيدة و لكنه عوضًا عن ذلك أمسك كفها بقوة و قال :
كلنا ولاد تسعه، و أنا مش ست قدامك عشان استنى موافقة أبويا، أنا راجل و ليا كلمتى و أنتِ الوحيدة اللى هتبقى على ذمتى يا "منى"
حاولت سحب يدها و هى تقول بيأس:
عمرك ما عارضته
و لكنه أطبق على كفها بشدة و إصرار بالقول و الفعل فى آن واحد :
أعارضه و أعارض الدنيا كلها عشانك
و أمام حديثه ذلك لم تتمكن ن التظاهر بالعزوف و
انفلت منها سؤال ترغب بشدة أن تسمع إجابته :
للدرجة دى ؟!
حرر كفها من قبضته و قال بقوة و هو يطالعها بنظرة حب صريحة، يريدها أن تصل لأعماق أواصلها :
تبقي غبيه لو مش عارفه أنه" أه" للدرجة دى و أزيد كمان
من يوم ما عينى وقعت على ضفايرك السودا و أنا سلمت و رفعت الراية البيضا يا "منى"

فتح الباب و سمح لها بالفرار بعدما تأكدت بأنه لن يتركها مهما حدث، ربطا سويًا بسلاسل العشق .

End Of Flash Back

عادت لأرض الواقع و الوقت الحالى و عينيها ممتلئة بالدموع من ذكرى الحبيب الراحل .
كان حبهما بديعًا، عرفا العشق معًا و ذاقا حلاوة الدنيا سويًا و حتى الألم خالطهما سويًا و كان الموت هو الفيصل بينهما، سبقها و تود لو تلحق به .

خرجت من الغرفة بعد أن أعدت نفسها للعراك مع تلك الأفعى، فى كل صباح تصدح أصواتهم العالية و الأوانى التى تذهب و تأتى بين كل منهما.
و لكن فى الغرفة المجاورة لها، كان "ابراهيم" يتذكر الأيام الخوالى هو الاخر، يتذكر المشهد الذى غير كل شىء، حين قبض عليهما بالجرم المشهود.

Flash Back

لمح طيفها و هى تخرج من الغرفة، و بالداخل كان "حسام" عارى الجذع بعد أن خلع القطعة العلوية و تحرك باتجاه الخزانة كى يأخذ قميصا جديدًا
اشتعل"ابراهيم " من الغضب و الغيرة و اندفع للداخل و هو يقول :
كانت بتعمل عندك ايه ؟! و إزاى تدخلك كدا ؟! أمها دى اتجننت و لا ايه؟؟
أجابه بهدوء شديد :
كانت بتصحينى
تركه و تحرك باتجاه الباب غير مهتم بما يريد، رغم معرفته بنواياه من البداية، ليس من الصعب على الرجل أن يعرف بمشاعر من أمامه
عاشق أم لا ؟! بالتأكيد تفضحه عيناه

لكن "ابراهيم" أوقفه ممسكًا برسغه و هو يقول بصرامة :
بلاش يا "حسام"
طالعه "حسام" للحظات قليلة بهدف ارباكه و إيصال رسالة خفية ثم قال بعد أن حرر نفسه و ربت على كتف شقيقه بسخرية :
هو ايه اللى بلاش ؟!
البنت كتر خيرها جات تصحينى عشان متأخرشى على شغل أبوك و يعملنا مشكلة من على وش الصبح
تركه و خرج و لكنه توقف قبل أن يهبط على درجات السلم حين سمع شقيقه من الخلف يقول :
بلاش "منى" يا "حسام"
التفت نصف إلتفاته، بحاجب أيسر مرفوع و لسان حذق و إصرار لا يشوبه أى تَلَكُّؤٌ:
أنت لسه صغير يا "ابراهيم"، لسه صغير أوى على أنك تعدل على أخوك الكبير و تقوله بلاش دى
و يكون فى علمك "منى" ليا، من أول يوم دخلت فيه البيت و عينى وقعت عليها و هى ليا
أنا ممكن أشاركك فى أى حاجة، فلوس ماشى، عمولة ممكن، محل جايز مفيش مانع
تعرف حتى ممكن أسبلك الجمل بما حمل لكن هى لا، فبلاش أنت لمصلحتك

تزعزع ثبات"إبراهيم"و علم أنها معركة خاسرة بينما قال شقيقه قبل أن يهبط للأسفل :
نسيت اقولك صباح الخير شقيقي العزيز

النفوس البشرية صعبة للغاية، لا يمكن التنبؤ بأفعالها مهما كانت معرفتنا بها، يظل بداخل المرء رقعة سوداء، يسير عليها فى فترات محددة، فترات تكفى لقلب موازين كل الأحداث دفعة واحدة
أسرع لغرفة والده و هو لا يدرى بما سيخبره؟!
فقط يرفض أن يُهزم فى تلك المعركة، يرفض ألا يحارب و لو لمرة واحدة .
طرق "إبراهيم" على الباب و قال ما أن دلف:
صباح الخير يا حاج
أجابه والده بجفاء دون أن يطالعه حتى :
عايز ايه ؟!
توتر فى البداية من نبرته، خشى من عواقب فعله و لكنه دفع لسانه ليقول دون تفكير :
لو عرفت أن حد فينا عايز يتجوز واحده مش مناسبة و ........
و قبل أن يهتف بباقى الحديث قاطعه والده بصرامة شديدة :
مفيش حد هنا يعوز حاجه

دبَّ الذّعر في أوصاله و أصفر لونه و تراجعت قدماه للخلف بذعر شديد، يخشى والده و يخشى كل حروفه
و مع ذلك حاول أن يقول أى كلمة اضافية كى يصل لهدفه المرجو:
بس "حسام"..............
و لكن قبل أن يصل لمربط الفرس جاء حديث والده قاطعًا أى لفظ آخر:
قولت مفيش حد هنا يعوز حاجه، و أخوك كتب كتابه على "بنت الدوسرى" الأسبوع الجاي

خُطت النهاية و تبقت فقط البداية، بداية فعل أقرب للخيال، يضحى الرجل بكل شىء لأجل محبوبته و فعلها "حسام"، فعلها و اختار أن يحظى" بمُناه" دون ذرة ندم واحدة.
بينما ظل شقيقه يقاسى الويلات و استحقها، استحقها لأنه عبث بقصة غيره
و إحقاقًا للحق هناك ذئاب أكثر إنسانية من رجال هذا المنزل.

End Of Flash Back

عاد بعقله للوقت الراهن بالتزامن مع هتاف زوجته باسمه
زفر بضيق و تحرك للأسفل، كى يرى من يحبها بعيدة كل البعد .

__________________________________________

(شركة العدلى Group )

كانت "وعد" فى غرفة المصميمين، تشعر بالملل الشديد لغياب صديقتها و شقيقتها، هاتفت الاثنتين لكن الأولى لا تجيب و الثانية هاتفها مغلق و هذا ما زاد ضيقها بالإضافة إلى أنها أنهت جميع المشاريع الخاصة بها، فلا شىء تفعله الأن سوى أن تشاكس زوجها، و إلى هنا ههبت مندفعة لغرفته كى تتعارك معه عراك الصباح و تنهيه بعناق ككل المرات السابقة دون ملل.

طرقت على الباب ثم دلفت و هى ترنو بتنورتها الأرجوانية الفضفاضة، و قال هو ما أن لمحها :
كويس أنك جيتى، كنت لسه هبعتلك حالًا
ظنت أنه اشتاق لها كما هو الحال معها و لذلك تحركت صوبه بدلال إلى أن وصلت له، كانت ستلقى بنفسها بين ذراعيه دون أن يبادر هو و لكنه صدمها حين قال بجدية :
التصميم دا مليان أخطاء
المساحة مضاعفة و الأساسات غلط و كمان المداخل و المخارح ملعوب فيها، دا تصميم لطالب ابتدائى يا "وعد"، و مكانه فى أقرب زبالة

تراجعت للخلف و هى لا تصدق ما قاله، حديثه جاف للغاية، لم تعتد منه هذا و ما زاد و غطى هو إكماله لحديثه و كأن ما يتفوه به شىء طبيعى :
عيديه و لو مش قده عرفينى أحوله لحد تانى يعرف يخلصه

رن هاتفه مع أن أنهى حديثه معه، فتناوله و قال بإقتضاب :
نص ساعة و هبقي هناك يا "ساندى"، سلام
أغلق حاسوبه و حمل متعلقاته و هو ينهض مُتجهًا للباب و لكن قبل أن يخرج عاد لها و قال سريعاً بعد أن قبل وجنتها، قُبلة باردة، جافة، لا حياة بها :
ألاقيه على مكتبى بكرا بالكتير يا "وعد"، مش عايز أتاخر على العميل و يبقي عندنا Bad review

خرج و تركها قبل أن يرى الدموع التى تكونت داخل مُقلتيها بشكل مؤلم، خرج و ذهب لفتاة آخرى حتى و لو كان عملًا، أهان عملها رغم أنها تفننت به و ظنت أنه ما أن يطلع عليه سيمدحها ككل المرات السابقة، غفلت عن مؤامرة حاكها خبيث يريد الإطاحة بالكل.

كل ما شغل تفكيرها هو المواساه، تريد أن ترمى بجسدها بين ذراعى من يتلقفها.
اسرعت باتجاه غرفة شقيقتها تتمنى أن تكون هناك، تتمنى أن تجدها كى تلقى بنفسها عليها، شاعرة بالتخبط، لقد أهانها و أهان عملها و هاتف فتاة أمامها بكل هدوء كل ذلك جعلها تستشيط من الغضب و الألم و البكاء فى آن واحد .
زوبعة من المشاعر المتناقضة و لكنها كثيرة عليها لتتحملها دفعة واحدة.

اصطدمت بجسد شخص غريب و ما أن أبصرت هويته تراجعت و هى تهتف بضيق و تحاول كفكفت دموعها قبل أن يراها:
هى "ديما " مجتش ؟!
حرك "سليم"رأسه نافيًا و قال :
برن عليها من مدة بس بيدينى مُغلق و العميل مستنينا فى الموفع
تركته مهرولة للبعيد و ظل هو خلفها يهتف بقلق على حالها ما أن أبصر الدموع الحبيسة:
"وعد" استنى، أنتِ كويسه ؟!

عاطفية للغاية و جاف على غير المتوقع و ثالث فى المنتصف بينهما يتمنى أن يقتنص الفرصة دون أى تخطيط مسبق و هناك رابع يحيك مؤامرة فى الخفاء، فما هذا العبث؟!
_________________________________________
فى تلك المنطقة الشعبية القذرة و تلك ليست بسُبة بل وصف حقيقي للمنقطة و التى تضم العديد من قاطعى الطرق و أصحاب النوايا السيئة و الروائح الكريهة التى تنبعث من شاربى الخمر و لعب الميسر و ما يقع على شاكلته من أفعال منافية للدين و الأخلاق و قيم المجتمع السامية.
كان والدها يحتجزها بإحدى الغرف المظلمة و التى لا نافذة بها و لا مصباح صغير حتى كى ينير و لو ركن واحد تتمكن من اللجوء له، ظلام دامس و خوف كبير و مصير محفوف بالمخاطر و كل ذلك بسبب والدها.
كيف لعنصر الأمان و الحماية فى الأسرة أن يكون بكل تلك الحقارة و الخسة؟! كيف لها أن تصبح شخصية سوية و والدها هكذا؟!

بالنظر لها، أليس من الطبيعى أن تبحث عن الحب خارج أسوار تلك العائلة ؟!
باحثة عن الحب مع أول من يعترض طريقها و لكن حالها أفضل بكثير من غيرها فعلى الأقل لم تنخرط بما هو أبشع و تدمر حياتها، هى فقط طفلة تقتات الحب بشكل ميئوس منه، تشبه الآخر، من كان يقتات الأمومة بشكل مؤلم، حقًا جمعهم حبات المطر
"ديما" تعنى المطر دون رعد أو برق، و "غيث" يعنى مطر غزير يجلب الخير، فهل سيجمعهم ما هو أكبر من الاسم فقط ؟! زفاف ربما، لا أحد يدرى ما يخبأه لنا المستقبل القريب.

تطرق على الباب بضعف و هى تصرخ بأعلى نبرة تملكها :
يا بابا خرجنى
لكن لا إجابة من ذلك القاسى، متحجر القلب
منذ ساعات و هى تواصل هذا الطلب حتى جُرِحت حنجرتها و سقطت على الأرض من ألم ساقها لكنها لم تهتم، فقط تكرر الحروف و الدموع فى آن واحد:
بالله عليك خرجنى، أنا خايفه هنا
مستمرة فى الأمر، تريد الحرية قبل أن تفقد ذاتها خلف اصفاد هذا الزواج التعيس .

بينما والدها بالخارج سئم من صراخها و حمل هاتفه كى يهاتف المعدول، زوج ابنته المستقبلى:
هتيجى امتى؟! اتفاقنا كان على امبارح
أجابه الآخر بحقارة شديدة بعد أن ألقى لفافة التبغ من فمه :
ما كل حاجه كانت على ايدك و أمى تعبت
ايه عايزنى اتجوز و هى فى المستشفى بين الحياة و الموت ؟!
تلك النبرة لم تنل استحسان "الحسينى" و تمتم بقلة مرؤة غير قابلة للتصديق:
مليش في، تيجى تاخدها حالًا و إلا هجوزها لغيرك

أثارت كلماته تلك غضب المعدول وراح يصرخ فى الهاتف رغم تواجده فى المشفى و الجميع يطالعه باستنكار :
مش خدت فلوسك و صرفتها، يبقى تحترم الاتفاق اللى بينا و إلا........
و لكن قبل أن يتطاول أكثر قاطعه"الحسينى" بنبرة جامدة لا تقبل النقاش:
لسانك لو طول هقطعه، متخلنيش أعملها و أجوز بنتى الدكتورة لأخرس

"سيبها بس عندك لغاية بليل و هدفعلك تمن قعدتها"
صدح صوته بتلك الإجابة بعدما خشى النتائج نظرًا لمعرفته بخلفية من يهاتفه، و ابتسم "الحسينى "فقد زاد الثمن دون أن يتعمد حتى، حقًا زيجة رابحة و سيفكر فى تكرارها و هنا يمكن الجحود و العبث .
قال فى النهاية ببسمة قذرة :
إذا كان كدا ماشى، كل ساعة بتفرق خليك عارف

أغلق الهاتف و بدأ يحسب كم سيطلب منه؟
و يفكر متى يمكنه أن يطلقها و يعيد زواجها من آخر؟ فالعرسان كُثر.
و هنا لا يمكننا سوى أن نقول بعض الآباء يليق بهم الوأد و حتى الوأد يخجل منهم .
_________________________________________

عاد من العمل سريعًا؛ فقد كان يأكل الطريق حرفيًا كى يصل لها، ليس اشتياقًا بقدر القلق بحد ذاته، حتى أنه هاتفها أكثر من مرة و لكنها لم تجب
" كسولة للغاية و لطيفة بشكل يذهب العقل"
هذا ما ينعتها به و لكنه لا يدرى أن النوم ليس سوى هروبًا من الحياة و الواقع .
تتسلح بشىء هو بالأساس إحدى أسباب عذابها، حين غفت و تمكن أحدهم منها و نالها .

دلف للمنزل و قبل أن يعبر لغرفته مر عليها، غارقة فى النوم بشكل ميؤس منه، ابتسم و تركها ينهى بعض الأشياء قبل أن يعود لها.
لكنه و بين اللحظة و الآخرى يمر عليها و يعود لما يفعله فى المطبخ، فهناك وصفة جديدة يعدها خصيصًا لأجلها .
و لا ينكر أن هناك شعورًا صريحًا بداخله يصرخ كلما قفز لعقله سؤال متوقع بعد كل تلك الأحداث
لمَ هى بالتحديد ؟! فيجيب
"لماذا هى ؟!
لأنها الوحيدة التى أضاءت عتمتى رغم الإنطفاء المحيط بها "

عاد بعد مدة و هو يدندن بالقرب من أذنها بينما كان يعبث ببعض خصلات شعرها التى خرجت عن العُقدة المحكمة فى شكل كعكة صغيرة :
"يا رموش قتاله و جارحه يا بوي
و عيون نيمانه و سارحة يا عين"
استفاقت اثر صوته و قال هو بعد أن قبض على وجنتها اليُمنى بين أصابعه كعقاب طفيف على هذا الكسل:
كل دا نوم؟!
حركت وجهها للجهة الآخرى كى تفر منذ هذا العقاب و قالت :
رجعت امتى؟! و يومك كان عامل اى؟!

نهضت و جلست على الفراش بشكل أكثر استقامة بعد أن كانت تتوراى أسفل الغطاء لساعات طويلة، و قال هو بهدوء يناقض أفعاله و هو يزيح الغطاء فى حركة سريعة و يجذبها كى تقف :
مش مهم يومى كان عامل إزاى، المهم إنه ابتدى بيكى

لم ترغب فى الخروج من غرفتها و لكنه أصر و قال بعد أن عاد يعقد شعرها فى تلك العقدة الحمراء التى انزاحت نتيجة سحبِه لها :
الفطار جاهز برا، و لا نسميها غدا يا كسولة ؟!
أنا خلصت شغلى و عملت الأكل و أنتِ لسه نايمه
والدتك مقالتش أنك كسوله أوى كدا، شكل اضحك عليا فى الجوازه دى

خرج و تركها كى تلحق به و لكنها ظلت للحظات مُندهشة من رد فعلها، لم ترفض أن يلامس شعرها فى العديد من المرات لكنها كانت لمسات خافتة، اليوم عقده لها و وافقت، لم تنفر، لم تخشى أن تتساقط خصلاتها بين يديه و تشعر هى بالخجل أو ينتابه الإشمئزاز، هى حقًا تقبل العديد من الأشياء فقط لأنه هو.
بات ترياقًا، دواءًا لكل داء أصيبت به، أنه بالفعل الغيث الذى سيروى تلك الصحراء القاحلة .

انضمت له بعد دقائق و ما أن رأت ما أعده هتفت بحماس :
سندوتشات شاورما سورى
ابتسم على رد فعلها الظريف و قال :
دى أول تجربه ليا فى النوع دا من الأكل، بس لاحظت أنك بتحبيه، فشوفى لو طعمه حلو أو لو محتاج حاجه...........
لكنها قاطعته بعد أن قضمت جزء من إحدى الشطائر و قالت سريعًا بثناء:
أحلى من أى شاورما كلتها
أكتفى هو بمراقبتها و هى تتناول الشطائر بنهم شديد، أخيرًا أعد شيئًا نال استحسانها لتلك الدرجة، لو عرف من البداية لتفنن فى تلك الأصناف سريعة التحضير و لكن لا بأس فقد وصل.

أنهت الطعام و بدأت فى حمل الاطباق لداخل المطبخ كى تقوم بغسلها و لكنه أمسك كفها يجففه بإحدى المناشف الصغيرة و هو يقول :
بقيتى أحسن ؟!
حركت رأسها بتأكيد بالتزامن مع همسها بكلمة مقتضبة :
بيك
راقت له الإجابة و تجاوبها معه حتى و لو بكلمات ضئيلة و كعادته يغدقها بأضعاف ما تقدمه :
و أنا كلى ليكِ بس تبقي مرتاحه يا "رنا"

يبدو مثاليًا لدرجة مؤلمة، يقبل كل شىء تقدمه حتى و إن كان ضئيلًا و يحقر من قدر الشخص ذاته و ما يستحقه !
تخشى أن يرحل بعدما اعتادت على عطائه و حنانه، حتى العراك معه وصلت لدرجة معينة فى تقبله، هناك شئ به يدفعها له و تخشى ذلك، تخشى بشده أن تندفع بكل انش بها .
و مع تلك الدوامة الفكرية اندفعت بسؤال خالط روحها و اعتصر أحلامها منذ فترة طويلة، و لم تنتظر، ألقت كل شىء بجعبتها أمامه :
ليه؟
أنت ليه مثالى زيادة عن اللزوم؟! ليه مفيش فيك أى عيوب ؟! دا مش صح، الحياة معاك هتبقي صعبه كدا

انفلتت منه "آه "ساخرة على وصفها له، هى حقًا لا تعرفه و لو بقدر ضئيل، و اكتفى فقط بقول بعض الكلمات المراوغة :
أنا أكتر انسان مليان عيوب بس مخبيها عنك
قالت بسخرية و هى تشهر بسبابتها فى وجهه غافلة عن مربط الفرس بحديثه:
يعنى غشاش؟!
أنت متعرفشى أن الغش حرام يا دكتور "غيث"؟!
و لكنه أمسك بذلك الإصبع اللعوب بالتزامن مع غمزة مشاكسة و هو يقول :
كل شىء مباح فى الحب و الحرب يا مُهلكة

أطاحت بها الجملة و أرادت أن تفعل شيئًا ينافى طبيعتها الحالية، و قبل أن يلتفت ليقوم بإتمام أعماله العالقة، أسرعت تمسك برسغه و تقف على أطراف أصابعها كى تطاله و بلمح البصر لامست شفتاها جانب وجهه فى قُبلة رقيقة بشكل مفاجئ لم يتوقعه، حتى أنه أبعدها بهدوء و هو يهتف متسائلًا :
عملت ايه بتشكرينى عليه المرادى؟!
أجابته و هى تتحاشى النظر له بعد أن تمالكت نفسها و أدركت ما فعلته:
كنت محتاجاها، فى مشكلة ؟!

تكمن مشاعرها نحوه باللا تعريف، لا يمكن وضعها تحت مسمى صريح، ينقذها من كل شىء و أى شىء ، يحيط بها، يرعاها و يقف ضد الكل لأجلها باختصار كمقولة قديمة
"أَنَرْت حياتي بنورِ الوصال
وجئت لَعَمرِي كغيثِ المَطرْ"
بالفعل كالغيث فى كل شىء لها.

و حرك هو رأسه نافيًا، ارتفع كفه يداعب وجنتها اليمنى و لكنها تمردت عليه و تراجعت للخلف و هى تبتسم بدلال، فقال هو بعد أن رفع كفه المخذول لرأسه يداعب خصلات شعره بضيق زائف:
هاخد shower و أرجعلك
خلع كنزته بعشوائية و هو يتجه للغرفة كى يحضر ثيابه، و خرج بعض لحظات و هو عارى الجذع و يحمل بين يديه منشفة ثقيلة و بعض قطع الملابس.
يتحرك بأريحية كبيرة بندوبه التى كان يخفيها عنها فى السابق، بينما تابعته هى دون أن يرمش لها جفن، تفكر فقط فى أمر واحد و يحتل كل تفكيرها منذ عدة أيام
"هل ستتمكن من الظهور بندوبها أمامه كما يفعل هو الآن؟! "

_لعلها تنتظر اللحظة التى ستصرخ فيها قائلة
"بددت رفضى بالقبول فما عدت أعهدنى"
_________________________________________
يقف فى محل البقالة الخاصة به، ما تبقى له من والده المتوفى، ارثه الوحيد مع منزل متهالك أعاد ترميمه و بات بناية رائعة لكنه ظل يقطن فى تلك الحارة لأجل أحدهم .
الأمطار بدأت تهطل و الذكريات تأتى و تذهب لكن تظل ذكرى واحدة هى المحفورة بصدره، ذكرى اللقاء الأخير قبل الفراق الأكيد، مضت الأعوام و خالط الشيب شعر رأسه و مازالت هى الوحيدة التى لامست الفؤاد و سكنت حجراته، لم تترك لغيرها مُتسع، و لم يسمح هو للآخرين باللجوء به، فهى فقط صاحبة المكان حتى و إن جارت و قست، فقسوة الحبيب ألذ من كل طعام الدنيا.

Flash Back

جاءت بعد غياب دام شهرين، جاءت" عنقود العنب"
من يهواها الفؤاد و يهلل حين يراها
تعانقت أعينهم عناقًا بريئًا و هتف لسانه بعتاب حزين:
كدا تغيبى كل المدة دى ؟ كدا يا "عنقود العنب" ؟
أجابته و هى تلتفت يمينًا و يسارًا تخشى أن يراها أحد و يتم القبض عليهما بالجرم المشهود :
عمتى مكنتش مواقفه أجى يا "جمالى"، و معرفتش أهرب زى كل مرة، بقت بتركز فى مواعيد الدروس بتاعتى و عارفه بخلص امتى و مفروض أكون فى البيت على الساعة كام بالظبط
يراقب كل إيماءه منها، اشتاق و أعيته لوعة الإشتياق ببُعدِها، و هى لا تهتم، تريد أن تحصل على كل شىء مرة واحدة، متمردة، تتعامل مع الحياة بمبدأ القوة و رغم كل شىء تظل محبوبته المتمردة و عنقودة العنب اليانعة.

أنهت حديثها و هتف هو بتذمر و عتاب :
قولتلك هطلب ايدك منها، بس أنتِ اللى رافضة القُرب، عايزه تحققى كل حاجه مرة واحدة، بس الحياة مبتتخدش بالعافية يا "فاطمة"، السلم بنطلعه درجة درجة مش بنط.
نفس الحديث المتكرر بينهما، يريدها أن تصبح زوجته فى الحال و تريد هى أن تنطلق بأحلامها، نعم له حيز بحياتها و لكنها حالمة، حالمة للغاية و مصرة على تحقيق أحلامها .
حدجته بضيق و هى تقول :
لما أخلص الثانوى و أدخل الجامعة ان شاء الله ابقى تعالى اتقدم قبل كدا لا، مش عايزه حاجه تعطلنى يا "جمالى"

لا فائدة من الحديث فى هذا الأمر؛ فقد قُتِلَ بحثًا و لا تزال على موقفها، سحب نفسًا عميقًا يملىء رئتيه ثم قال :
هى واقفت تجيبك النهارده ليه ؟ايه المعجزة اللى حصلت و خلت الست عمتك تتكرم و تجيبك؟!
انفرجت أسارير وجهها بسعادة كبيرة و هى تقول :
"فاطيما" بتولد، و هبقى خالة أخيرًا
راقت له بسمتها، تعبيرها عن الفرحة و قفزها كطفل صغير حصل على قطعة حلوى و خشى أن تمنح لغيره؛ فأسرع يقفز و ينتزعها، هى دائمًا ما تنتزع ما تريد، تخشى أن يسلب منها قبل أن تحصل عليه، سواء كانت أشياء مادية أو معنوية
تنهد بعمق ثم قال :
هتبقى أحلى و أطعم و أصغر خالة فى الدنيا كلها يا "فاطمة"
و خجلت هى بشدة، لم تتمكن من تحمل نظراته و أخفضت رأسها للأسفل سريعًا كى تقول بعشق :
عقبالنا

تحرك ساقها اليُمنى بعشوائية و كأنها تتلاعب بالأثربة كى تخفى خجلها و دندن هو بأنشودتهما المفضلة و التى يرددها فى كل لقاء دون ملل، فهى حقًا تمثلهم:
أنا المشتاق حبيبة عمرى الباقى
أنا المشتاق وكم اعيتنى أشواقى
وحيدًا أحيا ليلاتى ببعدكِ
أحن لكل أوقاتى بقربكِ
تعالى قد أطلت البعد عنى
فعودى يا ملاكى لدفء حضنى
فطيفكِ يلقانى فى كل ركن
يصبرنى و يكثر من عذابى
أنا المشتاق و أنتِ الروح أنتِ
أنا المشتاق لرؤيه حُسنك الراقى
أنا المشتاق و بعدك فيه إحراقى
حزينا تئن دمعاتى بذكركِ
فهل أدركت كم قلبى أحبكِ ؟
أطلى قد مللت اليوم كونى
وصار الشوق أهاتى و سجنى
فعطرك مايزال على ثيابى
و أنتِ من رهنت لها شبابى
أنا المشتاق و أنتِ العمر أنتِ
مع كل حرف تحلق هى، يطربها و يلامس فؤادها، تحبه و تحب الحياة، مفعمة بالطاقة و الحيوية.

سمعت صوت بوق السيارة و أدركت أن شقيقتها عادت أخيرًا من المشفى، فقالت سريعًا تودعه:
شكلهم جم، أنا همشى قبل ما يشوفنا
لكنه أوقفه سريعًا و قال و هو يناولها ما يحضره دائمًا لأجلها:
استنى، خدى اللى يخصك
ابتسمت و تناولت زجاجة "مربى العنب"، طعامها المفضل و يلقبها "بعنقود العنب " نسبة له.
طالعته بحب و هى تقول :
مبتنساش أبدًا، دايمًا كل مرة تجبها معاك
بادلها الإبتسام و هو يجيب بصدق و لوعة صريحة :
أنا لو نسيت يبقي مبحبش يا "فاطمة"
و المُحب لا يمكن ينسى حبيبه يهوى ايه
فرت من أمامه فى النهاية و البسمة لا تفارق وجهها و لوح لها هو بكلمة بسيطة :
هتوحشينى
لا يدرى بأنها الكلمة الشاعرية الأخيرة بينهما، فلا مجال بعد اليوم للعشق، انتهى كل شىء
سطرت حروفه الأخيرة قبل أن تنتهى الصفحة الأولى.

تركته و هرولت لمنزل شقيقتها، قطعت درجات السلم سريعًا إلى أن وصلت للشقة، تعجبت من الوجوم المنتشر فى أوجه الجميع لكنها رأت عمتها تحمل بين يديها صغيرة جميلة، نقية كحبات المطرِ قبل أن تلامس الأرض و تختلط بالأتربة أسرعت تحملها و هى تهتف متسائلةً بسعادة :
هى "فاطيما" فين؟! قالت هنسميها ايه و لا لسه ؟!
الخالة هى اللى بتسمى على فكرة، مش بيقولوا الخالة والدة ؟
و قبل أن تجيبها عمتها صدح صوت "الحسينى" و هو يأخذ ابنته منها و يناولها لمن كانت تحملها فى البداية :
أختك ماتت و النهارده كتب كتابنا يا "فاطمة"

صدمة
تراجعت للخلف فى مشهد صامت، مُتسعة الحدقتين تحدج عمتها باستنكار و كأنها تنتظر منها حرف واحد ينفى التراهات التى يقذفها زوج شقيقتها و لكن جاءت كلمتها المقتضبة كخنجر حاد فى فؤادها :
"مبروك"
صرخت برفض و ألم :
أنتِ بتقولى ايه ؟!
لا.......لا يمكن دا يحصل
اسرعت لغرفه شقيقتها و هى تصرخ باسمها تبحث عنها، تستنجد بها :
"فاطيما "
"فاطيما" أنتِ فين ؟! ردى عليا، أنتِ فين ؟!
لكنها وجدت من يعتقل جسدها بعنف و يقول :
أخرسى
حاولت التملص منه و ضربه بساقها لكن نظرًا للفارق الجسدى المهول بينهما تمكن من شل حركتها، و أكمل عباراته الوقحة و الحقيرة :
لو سمعت كلمة واحدة غير مواقفه، هتحصلى أختك، و بنتها تترمى بقى فى ملجأ، فى خرابه مش مشكلتى، أنا كنت عايز ولد مليش فى البنات و قرفهم و العار اللى بيشيلوه لأبوهم فى الآخر.

تجمدت، و كأنها لوح خشبى بين ذراعيه، لا صوت، لا حركة، فقط صدمة و دموع منهمرة، لا تصدق ما يحدث
ألقاها على الفراش القريب بقوة و عنف و كأنه يلقى بشىء لا حياة به، متعمدًا بذلك إهانتها كى تعرف كيف ستؤل حياتها معه، و ما أن تحررت من حصاره تراجعت للخلف لترتطم بالحائط و لكنه انقض عليها يمسك بذقنها و يقول بحقارة:
هى عمتك مقلتلكيش أختك ولدت بدرى ليه ؟! فكرتيها ولدت طبيعى، صح ؟!
لا يا حلوة، دى كانت علقة سُخنة زى كل مرة بس تقلت العيار حبتين، يدوبك جابت البت و راحت للى خالقها، تحبى تجربى و تبقى بداية حلوة لجوازنا؟

خرج و تركها مُحتجزة بغرفة شقيقتها الراحلة، تركها تقاسى الانتظار و التفكير الطويل، لم يسعفها عقلها بشىء مفيد
فقط تبكى بشدة و لا حل آخر أمامها، تبكى مصير محتوم لم تظن أنها ستقابله يومًا .
جسدها فى حالة رفضِِ
رفض الانصياع لعقلها و النهوض و محاولة العثور على مخرج، و عقلها لم يعمل من الأساس، أصيب بشلل، شلل فكرى و لسانها جاء ليكمل اللوحة كاملة
لوحة من الصمت و عدم الاستجابة لأى مؤثر خارجى، شرنقة ألقت بنفسها داخلها.

ساعات قليلة و حضر المأذون مع زوج عمتها، وكيلها الوحيد فلا رجل لهم بالعائلة، أجبرهم"الحسينى" على الامتثال لما يريد تحت تهديد همجيته و جبروته.

و ما أن وصل الخبر لحبيبها تحرك بسرعة البرق و اعترض الفعل دون تفكير.
هاجمهم أثناء عقد القران القهرى فى نفس يوم وفاة شقيقته، حقارة لا يمكن تصورها، و خِسة من القريب قبل الغريب لا يمكن تحملها.
و لكنه نال طعنة غائرة فى منتصف ساقه، و كاد يفارق الحياة لولا وقوفها حائلًا بينهما و مواقفتها بجملة قاتلة :
أنا مواقفه اتجوزك بس سيب "جمال"، سيبوه و أنا هعمل اللى أنتم عايزينه
اعترض و بشدة، و راح يدفع "الحسينى " للخلف و يتعارك معه كى يسقط تلك السكين و يقول بقوة رغم أن جرحه مازال ينزف :
لا، مش هتتجوزيه، مش هقبل بالجريمة دى
تحلى بالقوة اللحظية رغم إعيائه الشديد و دمائه التى لطخت الأرضية.

اندفع لها يهز جسدها كى تستفيق من التراهات التى تلقيها و لكنها طعنته هذه المرة، بل كانت أقسى من ألف طعنة
حين قالت كى تنقذه بعد أن أشهر "الحسينى" السكين من خلف ظهر حبيبها، مهددًا إياها فى الخفاء، مستغلاً عشقها :
و أنا مش هتجوزك، بنت أختى محتجانى، أمشى و سبنى فى حالى، كان لينا قصة و انتهت خلاص
وضعت النهاية الحتيمة لقصتهم و قال "الحسينى" بسعادة:
"تسع شهور و تجيبلى الواد"

تكالب الكل عليه و حملوه للخارج قسرًا بطلب من الهمجى الأول، و ظلت هى تتابع المشهد بألم .
لم يعد هناك داعى للحلم و الخيالات، فقدت كل شىء، طفولتها و أمانيها و عشقها الوحيد، فقدتهم فى ليلة واحدة، ليلة لطخت بدماء الكل .

End Of Flash Back

عاد لهمومه و لمح طيفها و هى تمر من أمامه، كانت تتابعه للحظات طويلة، تتأمل ما فعل العمر به، و ما أن انتبه لها أسرعت فى خطاها لمنزلها رغم الضيق الواضح على ملامحها، ود لو يهرول نحوها و يعالج كل الحزن البادى على قسمات وجهها، كم يود و يود و لكنها الحياة و لا يشوبها لمحة ود.

"ما زال في قلبي رحيقُ لقائنا..من ذاق طعمَ الحب لا ينساهُ!"
_ فاروق جويدة
_______________________________________
فى المشفى المركزى
وصل مريض لقسم الطوارئ و حالته حرجة للغاية، حيث اخترق جسده إحدى الأسياخ الحديدية التى تستخدم فى البناء و تمركزت بالقرب من الفؤاد مباشرة

كانت الغرفة فى حالة هرج و مرج و حاول الأطباء التعامل مع الموقف دون إصابة أى عضو حساس لكن ذوى المريض يتعاركون مع قسم التمريض بالخارج حتى أنهم أحدثوا بعض التخربيات فى الأجهزة الحيوية و إصابة بعضًا من الطاقم الطبى و ذلك دفع "هشام " للخروج لهم
اندفع بمشىرط طبى و صوبه فورًا فوق الشريان الرئيسي بعنق شقيق المريض و مفتعل المشاكل من الأساس، و قال و هو يدفع جسد ذلك الرجل للخلف و مازلت يده فوق نقطة معينة، حساسة للغاية و أى قطع أو جرح طفيف بها لا يستهان به على الإطلاق:
المشرط دا ممكن بحركة واحدة يقطع الشريان الرئيسى و دقايق و دمك كله هيتصفى و محدش هيلحقك مننا

صمت الكل، و اختفت أصوات الجلبة التى كانت تملىء أرجاء المشفى منذ لحظات، و ابتسم "هشام" برضا تام
فقد حقق هدفه و مع ذلك أكمل حديث كى تصل الرساله للكل :
يا تقعد بأدبك تستنى لما نخلص و نطمنك، يا تتلقح جمب أخوك، بين الحياة و الموت، و ليك حرية الاختيار
ثم التفت لباقى أهل المريض و قال :
و الكلام ليكم كلكم
مفيش أكتر من السراير هنا، مش هنغلب لو كلكم اتلقحتوا عليها
انتهى الأمر و مرت الساعات و الجميع صامت حتى خرج الطبيب المسؤل عن إزالة تلك القطعة الحديدية و طمأن الأهل ببعض الكلمات المقتضبة .

فى نفس التوقيت كانت "ليلى" قد أنهت عملها لليوم و انعطفت على قسم خطيبها كى تودعه، و الذى ما أن رآها هتف بسعادة :
"Lily"
ابتسمت بإقتضاب شديد، بسمة لم تصل لعينها و قالت :
خلصت ال shift بتاعى و أنت ؟!
حرك رأسه نافيًا و قال بضيق :
لسه ورايا نباطشية لتانى يوم
و لم تعلق هى اكتفت بإيماءة خافته ثم التفت لتتركه لكنه أسرع يمسك بكفها و يتسائل بلهفة :
ايه رأيك نخرج بكرا ؟

ألجمتها تلك الحركة و سحبت يدها سريعًا و هى ترمقه برفض و لسانها يهتف مؤكدًا الرفض:
لا مش هينفع
بدأت تتحرك مُبتعدة عنه و ظل هو للحظات يحاول التحكم فى انفعالاته رغم ضيقه من رفضها المتكرر.
اجتازت البوابة الرئيسة و اندفعت لسيارتها لكنه لحق بها و قال مانعًا إياها من الصعود مغلقًا باب السيارة بيده :
أنا ممكن أطلب إذن doctor" سامح " لو دى المشكلة
تراجعت للخلف قليلًا كى لا يحتك بها رغم تعمده أكثر مرة و قالت:
أنا مش هقدر أخرج من غير إذن أبيه "غيث"، طول ما هو زعلان منى مش هقدر و وضحتلك أكتر من مرة، بلاش تضغط عليا يا "هشام" لو سمحت

نفس الأعذار و الحجج الواهية، سئم من هذا الجفاء، تبديه له فى كل مرة يقابلها و يحاول التحكم بنفسه أمامها، يحاول أن يكون لطيفًا و ذلك أبعد ما يكون عنه، يحبها لا ينكر و لكنها تدفعه للضيق بدرجة متفاقمة عن حبه بمراحل عديدة
صرخ فى النهاية و قال :
بس احنا كدا و لا كأننا مخطوبين، لا بنخرج، و لا بنتقابل، حتى هنا مبشوفكيش غير صدف و أنتِ مخلصة شغلك و ماشيه، دى مش عيشة دى
أنهى حديثه و صدره يعلو و يهبط من الضيق و الغضب و استشعرت هى ضيقه و لم تحاول حتى أن تخفف من حالته أو تحتويه بل قالت و كأنها غير مبالية له:
لو زهقت إحنا ممكن ننهى.......

و كانت تلك القشة التى قسمت ظهر البعير بالنسبة له، قبض على رسغها بقوة و هو يصرخ دون مراعاة لأى حرف يهتف به:
أنتِ ايه حكايتك بجد؟!
أنا مش بكلمك عشان نسيب بعض، أنا بكلمك عشان نوضح علاقتنا أكتر، عايزه تقنعينى أنك مكنتيش بتخرجى مع اللى قبلى ؟! و لا هيا ناشفه عليا أنا بس ؟!

اكتفى من تمنعها و رفضها الغير مبرر، وافقت على ارتباطهم فلما الدلال ؟و كل تلك الحواجز بينهما ؟!
و لكنها ليست فريسة سهلة لمثله، دعست على قدمه و حررت نفسها بعد أن هتفت بسُبة تعلمتها من "أحمد"، تعلمتها فى صغرها و لم تعتد على الهتاف بها لكنه استحقها
و انطلقت فى غضون لحظات بسيارتها، تاركة اياه خلفها يعض على أصابعه من الندم و يهتف بحسرة :
"ليلى" استنى أنا آسف

لم يلحق بها و عاد أدراجه للمشفى و هو يختنق من تلك العلاقة التى لا يعرف لها أى مرسى، لكن هاتفه اهتز و ما أن رأى اسم المتصل أجاب:
عايزه ايه ؟! مش قولت متكلمنيش تانى ؟!
أخبرته بشىء خطير و اضطر للقبول بما تريد و قال بإقتضاب :
شوية و هاجى

ربما لو كان ألطف قليلًا و احتوى الموقف برجولة و شهامة، ربما لو كانت فتاة آخرى معجبة به و ليست معلقة بحبال ماضى و هجر مهين، لكن و رغم العديد من الربما لن يكون هناك أى فائدة، باختصار أنه القدر.
__________________________________________

فى تمام السابعة و عشرة دقائق دلف لغرفة طبيبته، بعد أن قضى ما يقرب من العشرة دقائق بالخارج.
يتعمد التأخر لهدف فى نفسه، و كأنه يحاول قمع بعض الأفكار التى تراوده بين الحين و الآخر لكن مع تكرار هتاف موظفة الإستقبال باسمه لم يعد أمامه سوى الاستسلام و التسليم للأمر الواقع، فهو هنا و زوجته تراجع حضوره مع الموظفة الشمطاء من وجهة نظره.

جلس على المقعد المقابل لها و فصل بينها مكتب متوسط الحجم يحمل بطاقة تعريف كبيرة تحتوى على اسمها و الدرجات العلمية الحاصلة عليها و قالت هى بعد أن طالعت ساعة الحائط بضيق طفيف :
متأخر عن ميعادك عشر دقايق، مش متعوده منك على كدا
رد عليه بضجر شديد و هو يتحاشى النظر لها و يتلاعب بهاتفه كى يضايقها :
كنت برا بس مش عايز أدخل، المكان دا بيخنقنى
لم تعلق على عدم إحترامه لها و اكتفت بالتطرق لبقائه بالخارج و مماطلته فى الدخول رغم تواجده فى الموعد المحدد:
فى سبب و لا مجرد احساس لحظى؟!
أخرج علبة سجائرة و قال و هو يشعل واحدة منهم بوقاحة :
مش عايز أرد
ألقاها فى فمه بعشوائية و بدأ ينفث الأبخرة فى كل اتجاه بالغرفة، و لكنها كعادة كل جلسة بينهم تخرج ورقة بيضاء تناولها له، مِتحججة بأى شىء كى يدون أمامها و لو حرف واحدًا لهدف فى نفسها :
اتفضل الورقة دى
عايزاك تكتب عليها الحاجات اللى بتضايقك فى الجلسات عمومًا عشان نتجنبها أو نلغيها

أخذها بملل شديد، فقد بات يكره هذا الفعل الروتينى البغيض و اكتفى فقط بتدوين
"مش بيضايقنى غيرك، تعرفى تلغى نفسك من الوجود "
راقبته للوهلة الأولى ثم أشاحت بنظرها سريعًا، و مرر لها الورقة و ما أن قرأت ما بها، قالت :
صريح زيادة عن اللزوم
على العموم احنا وقفنا الجلسة اللى فاتت عند تعامل والدتك و طفولتك عامة و.......
قاطعها قبل أن استرسال باقى الحديث و قال هو برفض لما تلمح به؛ فهو يريد تجاوز زلة اللسان السابقة :
مش حابب اتكلم عن "سهير" المرادى، ايه رأيك نتكلم عن حد يخصك أوى؟ بس يا ترى مين ؟! من بينا مشترك ؟

"غيث الحديدى "
هتف باسمه و هو ينفث أبخرة لفافة التبغ فى وجهها مباشرة، راقب تعابير وجهها و الصدمة التى اعتلتها و ذلك أطرب فؤاده بشدة و لكنها لم تمنحه السعادة لوقت طويل، حيث قالت بثقة :
كمل، ليك مطلق الحرية فى أنك تتكلم عن أى حد هنا، و أيًا كان اللى هتقوله محدش هيعرفه
مد ساقه على المقعد المقابل له و قال بكل أريحية :
بكره ابنك أوى، بتمنى يموت بس على ايدى مش ايد حد تانى، أنا لوحدى كفيل بيه

لم تظهر "منال"أى رد فعل و اكتفت فى مجاراة الحديث رغم ثقله عليها و قالت:
و السبب ؟!
انفلتت منه" آه" ساخرة و هو يقول بكل وقاحة :
من غير سبب، كُره ربانى
زى ما فى عشق من أول نظرة، ربانى يدخل القلب ما يخرج أبدًا، فى برده كره و ابنك يستحق الكره دا بدون منازع

قررت الإفصاح عن كل شىء، لم يعد هناك أى فائدة للتلاعب بينهم، فلقد قالها صريحة و حان دورها لكى تضع النقاط على الحروف و تكون صاحبت المركز الأقوى
نهضت و اتجهت له أزاحت قدمه و جلست هى، سحبت لفافة تبغ من العلبة الخاصة به و ابتسم هو بينما كان يشعلها لها، معتقدًا بأنها ستنضم له فى التدخين و الحديث المتحاذق، ما يمتاز به منذ ظهوره و لكنها صدمته حين قالت بكل قوة:
تعرف انى قعدت فترة لا بأس بها على ما عرفت أفرق بينكم، خاصة أنك بتعرف تتقمص دوره أوى، متأكده انك راقبته كتير عشان تبقي شبهه وقت ما تحب، سواء الكلام أو اللازمات حتى التقارب الحميمى اللى بتعرف تلعب بيه على "عفاف"، بتلعب على الكل فى هيئتة هو، مستغل أنه لما يفوق مش هيعرف يفرق عمل ايه و معملشى ايه ؟!
بس للاسف ليك غلطة صغيرة أوى، غلطة الشاطر زى ما بيقولوا

اشتعلت و تَأَهَّبت جميع حواسه لها بعدما كان يتظاهر باللامباة و يقلل من إحترامها، لفتت انتباهه عباراتها و التى تكشف الكثير من حقيتقه و جاءت فى النهاية لتصفعه بالحقيقة المجردة :
"كامل" شمالى عكس" مالك"
بإختصار شديد تركته عارى دون أى قناع يرتديه، كشفت تظاهره و مراوغته التى يتعامل بها مع الكل و لذلك ترك الإدعاء على جنب و قال بعد أن سحب لفافة التبغ من فمها بوقاحة و دعس عليها :
عشان كدا كل مرة بتخلينى أكتب من أول الجلسة ؟
مش سهله يا دكتورة، ذكائك عجبنى بس للاسف مليش فى العضمه الكبيرة، not my tybe
لم ترمش حتى أو تتأثر بإهانته اللفظية المتكررة، تتعمد الثبات بشكل مريب و أراد هو أن يجعلها الرابحة لتلك الجولة برضا غريب :
تقدرى تسألينى اللى عايزه تسأليه و أنا هجاوبك بكل صراحة النهاردة، مكافأة منى عشان كشفتينى

اقتنصت الفرصة سريعًا و راحت تسأله بأهم نقطة تدور حولها استنتاجاتها عنه:
أول مرة ظهرت فيها كانت امتى و ليه ؟! و ايه الدافع لوجودك من الأساس ؟!
نال السؤال استحسانه، هى حقًا تعرف ما تريد الوصول له، و نهض و ترك المقعد، أراد أن تتسع الدائر بينهما و بدأ يضحك بشكل غريب، و كأنه مصاب بمَس أو شىء من هذا القبيل، حتى أنها خشت أن يصدر عنه أى فعل عدوانى، فأسرعت تتحس جيب معطفها تتأكد من وجود ذلك المصل المُهدأ، سلاحها الوحيد ضده
و لكنه حطم كل توقعاتها و قال بسلاسة :
اليوم اللى أذيت فيه "رنا"
دا كانت أول مرة أظهر فيها، و ليه بقي ؟!
فدا كان كبت مع شوية منشطات خارجية و الدافع الانتقام من الكل
بس للاسف ملقتش الجو عاجبنى، حياته صعبه أوى مش زى ما كنت مُتخيل، رغم أنه الحفيد الوحيد بس انسان غبى

صدمة
اعتلت ملامح وجهها صدمة كبيرة، دائمًا ما كانت تلك الأحجية ناقصة و ها هو يركل الحجر المفقود لها بكل سهولة، و لتزداد حماسة الأجواء سحب إحدى الأوراق و ناولها إياها بالإضافه لقلم حبر كى تدون هى كل ما سيقول و راح يكمل ما بجعبته دون خجل :
تعرفى أن هى مرة واحده اللى ظهرت فيها من سبع سنين و بعدين اختفيت، سبته هو اللى يتحمل نتيجة أفعالى
أصل جده حبسه فى أوضة المكتب بعد ما نزل ضرب فيه بالعصايه أربع ساعات متواصلة و تانى يوم أجبره يتجوزها رغم أن الاتنين كانوا رافضين، هى مكنتش بتعمل حاجه غير العياط حتى صوتها مش طالع و الغبى التانى كان مصدوم و بيقول لا و بس و كأنه ميعرفشى كلمة غيرها
معحبتنش الحياة دى و لا العنف اللى بيتعرضله
و عشان كدا بعدت لغاية ما رجعونى بأيديهم تانى

"مالك" يعرف بوجودك من امتى ؟!
لفظت بذلك السؤال و هى على أتم استعداد لتلقى الصدمة التالية و لكنه سخر من كليمها و قال بعد أن عاد و جلس واضعًا قدمًا فوق الآخر كمركز قوى :
لسه لغاية اللحظة دى ميعرفشى، غبى أوى و مصر أنه سليم و بيجى هنا بس عشان خاطر مراته، مش عايز يخسرها هى كمان، روحه فيها و أنا هاخد الروح دى قريب أوى، مبحبش حد يشاركنى فى حاجتى، سواء كنت بحبها أو بكرهها
تجاهلت الشطر الأخير من حديثه و صبت كل تركيزها على البداية و راحت تسأله بناءًا على ذلك :
يعنى فاكر أن اللى حصل يومها هو اللى عمله ؟!
أومأ برأسه و السخرية تعتلى ملامحه بالتزامن مع كلماته حين ذكر تلك الأمسية الملطخة بالماضى من كل اتجاه :
مش بقولك غبى
كان بيعيط "لراشد" أنه معملهاش حاجه و أنه مش مصدق دا، و أنه مستحيل يبقي بالحقارة دى، و حتى لما اجبروهم يتجوزوا و شاف حالتها كان هيتجنن مستحملشى و ساب جامعته و نزل يشتغل فى أى مكان عشان يجيب فلوس و يوديها مستشفي تتعالج فيها بعد ما "راشد" رفض برده أنها تتعالج، كان فاكرها بتتدلع

توقفت عن التدوين، توقفت عن فعل أى شىء سوى مراقبة ملامحه هو يتحدث، تريد أن تصل لنقطة معينة معه، علامة آخرى فاصلة و أكمل هو عباراته بعد أن سحب لفافة تبغ إضافية :
تعرفى أن مشكلة "راشد " الأزلية كانت أن"حسام"خرج عن طوعه، فبقى عنده هسهس لأى حد يعارضه
مش بيقبل حد من أحفاده يقول حرف واحد، هو الآمر الناهى و بس، حتى لما الغبى اتكفل بعلاجها هو اللى أصر يختار المستشفي رغم أنه مش دافع جنية واحد، بس لمجرد أنه يكون صاحب القرار مش أكتر، شخصية غريبة، كويس أنه مات و إلا كان هياخد من نصيب انتقامى كمان، الموت رحمه من اللى كنت ناوى عليه

لفت انتباهها تلك السُبة التى ينعت بها شخصيته الآخرى، الأصلية على وجة التحديد، رغم أنها لم تعقب عليها لكنها دونت بعقلها لموعد ثانى و تحدثت فى آمر آخر :
بس "مالك" اعترف أنه بيكره"رنا" و مش ندمان على اللى حصل، فكدا أنت كلامك مش مُتطابق، مش اتفقنا تصارحنى ؟
حرك رأسه نافيًا و قال "كامل" بتوضيح مؤكدًا موقفه:
هو فعلًا بيكرهها بس مش لدرجة يأذيها، عشان كدا بيعاملها وحش و عايزاها تبعد عشان ميفتكرشى اللى حصل مع أنه مش بينساه أصلًا
سبع سنين من الكوابيس و برده مجمعشى المشهد كامل فى عقله، لأنه ببساطة مش اللى عملها، بس أنا هيأت ليه كل حاجه عشان يلبسها، ذنب "سوسو" بقى مليش فيه

حين تحدث عن والدته اسرعت تقول تدعم موقفها هى الآخرى :
'سهير" فضلت تحشى عقله بكره " لرنا" و أمها، و أن كل مشاكلهم بسببهم، عقدته بيهم من صغره، فطبيعى بفكره فى أذيتها، و دا دافع قوى
يعنى حتى لو "مالك" معملهاش أنت عملتها عشان تحققله رغبة دفينه جواه
لم يرغب فى التطرق لطفولته و أوضح ذلك من البداية، لكنها لم تحترم رغبته و لذلك لن يحترمها هى شخصيًا و نهض تاركًا إياها و هو يقول بإقتضاب:
أنا ماشى
لكنها أوقفته سريعًا و قالت :
"كامل " استنى
"مالك "قال إنه حاول يغتصبها، هل دا صح ؟!
سئم من تكرار الحديث، مرارًا و تكرارًا نفس الأمسية، لا شىء بحياته سوى الحديث عنها.
فقد إتزانه الزائف و إدعائه بالصحة النفسية، فهو مختل بلا منازع، اندفع يمسك بعنقها يدفعها للخلف و هو يقول بكل هدوء يناقض تصرفه :
غلط، يومها كان ال shift بتاعى زى ما قولتلك
الغبى ميعرفشى غير اللى اتحكى ليه و مجرد صور مشوشه عن جرح ضهرها، حتى ميعرفشى شكله و لا مكانه بالظبط.
لكن أنا مكنتش هغتصبها، أنا بس كنت هقتلها مش أكتر.
بس الحق يتقال أنا مكنتش متزن ساعتها، مكنتش فى وعي لكن اللى حصل حصل، ايه هموت نفسى عشان جريمة عملتها و أنا متخدر ؟!
تحسست المصل بجيب معطفها و أدرك هو ما هى على وشك فعله، و قبل أن تحقنه بها، أخذه هو و ألقاه على الأرض و نظرة الانتصار تلفح وجهه، مع جملة مقتبضة لفظ بها :
"مليش مزاج أضرك، متقلقيش"
لكنها بلمح البصر دعست فوق قدمه بقوة و تركها هو متألمًا، و كاد يتمادى لكنها نجت و حملت المصل و سرى تهديد صريح بين الأعين، ليست بالخصم الضعيف على الإطلاق و قرر "كامل" الاستسلام طواعية
تحرك صوب الباب لكنها لم تستلم و قالت بعد أن تمكنت من التقاط أنفاسها :
يعنى مفيش أى دافع من جواك لأذيتها ؟! مش ممكن تكون فعلا حبيت تستغلها بس الموضوع كبر منك شوية؟!
أعجبه السؤال، و التفت يجيبها و هو يضع يديه فى جيب بنطاله:
فى دافع للأذية بس مش موت و لا اغتصاب
لو كنت واعى كنت هخوفها، أصل بصراحة بفرح لما بتخاف، الموضوع لذيذ أوى، مريض بقي هنعمل ايه ؟!
و هما السبب على فكرة، محدش قالهم يلعبوا فى الكيميا و معايا بالذات، مجنون و متخدر منتظره منه يتصرف إزاى ؟ يروح يصلى الفجر مثلًا و لا يقف أمام بالناس فى نص الجامع ؟!

أصدر ضحكة رنانة ما أن أنهى حديثه، يسخر من كل شىء و لا يهتم لأى شىء سوى مخطط معين و يسير وفقه، لكن من وضعه ؟! هو أم هو أم ثالثهم ؟!

حمل هاتفه و الذى غفل عنه فوق المقعد و كاد أن يتركه و يرحل ثم قال ما أن لمحها تتحرك ناحية مكتبها و خاصة الدرج الأيسر و يعرف جيدًا محتواه:
و حوار أقرب منها دا لا، حتى لو شارب كل الأنواع برده لا
مبيعجبنيش غير "عفاف "، فحطى دى حلقة فى ودانك عشان نعرف نتعامل كويس، إحنا يعتبر نسايب، مش ابنك متجوز طليقتى برده ؟
أغلقت الدرج سريعًا و قالت بحدة :
أنت عايز ايه بالظبط ؟!
لم يمنحها الإجابة التى تريد و اكتفى بالإشارة لساعة الحائط و هو يقول :
الساعة خلصت و وقتك خلص معايا يا دكتورة
بس نصيحة لو كلمة من اللى اتقالت وصلت "لعفاف" أنا مش هرحمك، متخلنيش أحطك فى كفة أعدائى مع ابنك عشان ساعتها الأم و ابنها هيبقوا فى خبر كان على ايد مختل واحد

تركها و هو يلوح بانتصار لكن فطرة الأمومة بداخلها اندفعت تصرخ دون أن تدرى حتى:
أبعد عن "غيث"
منذ بداية الجلسة و هى تتسلح بالثبات الزائف لكنه تمادى للغاية حين أقحم ابنها فى الأمر، أرغمت نفسها على التحمل و مجاراته فى الحديث لكنه تمادى بشكل لا يحتمل و بات يهدد علنيًا دون أى خوف .
و ما زاد الطين بلة و هو تصريحه المتحاذق :
خليه هو يبعد عنى، انصحيه لو فعلًا خايفه عليه مع انى أشك، شكله مريض بسببك زى الغبى التانى.
للاسف فى أمهات تستاهل الوأد زى زمان، و أنتِ و "سهير" أكبر مثال حي.
تركها و رحل بعدما أطاح بها بجملة واحدة، رغم تحقيقها لإنتصار كبيرة و معرفتها للعديد من المفاتيح الخاصة بأبوابه الغامضة التى ستعالجه بناءًا عليها، لكنه يعرف إحدى نقاط ضعفها، علاقتها المشوهة بابنها، و هذا لا يصح فى علاقة الطبيب و المريض، تداخل كل شىء، تداخل بشكل لا يمكن السيطرة عليه.

"لابُدَّ من الإشارة إلى أنّ القُدرات العقليّة الرفيعة تجعل صاحبها غريباً عن عالَم النّاس وجلبتهم وتدافعهم، لأنّه يُدرِكُ حقَّ الإدراك بأنّه كلَّما أمتلكَ أكثر في داخله إلّا وازداد استغناءُه عنهم.
فالكثير من الأشياء التي يجد فيها النّاس متعتهم القصوى وغاية مُناهم تظهر في موازينه تافهةً.. بل ومُنفِّرةً"
- آرثر شوبنهاور

_________________________________________

عاد"آدم" من عمله فى وقت متأخر ككل الأيام السابقة و لكنه تفاجىء بوضع "زين"
كان بالأمس فى حالة جيدة نوعًا ما رغم قلة حديثه و لكنه لم يشتكى من أى ألم فى المجمل، لكن منذ الصباح و هناك ورم يزداد تدريجيا بشكل يثير القلق، لكنه لا حظ أن التورم ينحصر فى منطقة الفك و حين تحدث مع "زين" أكد عدم مقدرته على المضغ منذ الصباح لذلك أخذه سريعًا لأقرب طبية أسنان فى منطقتهم السكنية، تدعى"هدير الفقى ".

ظل فى غرفة الإنتظار حتى حان موعده و دلف و هو يحاول أن يهدأ من روعه، شعر و كأنه والده حقًا، ربما كان "زين" هو العوض الكبير لعلته، رغم إهماله له و الهروب منه، الهروب من الكل بشكل عام، فحتى هذه اللحظة و رغم تظاهر بالصلابة و الرضا و لكنه يبكى من الداخل.
عقيم، حبيته باتت لغيره و السبب يرجع له، كل أحلامه تتحطم تدريجيًا أمام عينه و الآن هذا الصغير، الأمانة المعلقة بعنقه و أهملها إهمالًا لن يتمكن من تحمل عواقبه، لا هو و لا حتى الصغير نفسه .
حياته أكثر سوداوية من الكل، و حتى فرصة الإنهيار حرم نفسه منها لأجل الكل.

ظلا بالداخل لما يقرب من النصف ساعة، و قامت الطبيبة بالإجراء المناسب بالإضافة لوصف بعض الأدوية و تحديد موعد ثانى بعد أسبوع، للاطمئنان أكثر رغم هدف آخر أثرت التأكد منه أولًا ثم الإفصاح عنه.
خرج و وجهه يعتليه الإرهاق من كل جانب، و ظلت الطبيبة تطالعهما و بداخلها شك تتمنى ألا يصيب، حتى أنها هرعت لأحد الأدراج و أخذت منه عقار طبى، تتركه هناك لظروف معينة، تناولته سريعًا كى لا تترك عقلها للتفكير الطويل، ليس أكثر من مهدأ و لكن لمَ؟! هل حالة "زين" تستدعى القلق لتلك الدرجة ؟!

__________________________________________

وجدت"ديما" نفسها مُحتجزة بين براثن من لا يرحم، نسخة مطابقة لوالدها، اقحمها داخل سيارة و قيدها بذراعيه
و رغم محاولاتها العديدة للتملص من بين يديه و لكن دون فائدة، لم يصدر منها سوى قول نافر بعدما فقدت الأمل فى الانتصار عليه:
أبعد عنى، متلمسنيش يا حيوان
حتى أنها استنجدت بوالدها و قالت و هى تطالعه من خلف زجاج نافذه السيارة :
يا بابا الحقنى
لكن كانت كالمستجير بالرمضاء من النار
و اندفع معدول الغفلة رافعًا كف يده مشهرًا إياه أمام وجهها و هو يقول بتهديد و وعيد:
شششش، صوتك ميعلاش عشان منبدأش حياتنا الزوجية بضرب يا دكتورة

انزوت على نفسها فى ركن صغير ضيق، و ابتسم هو بينما قال والدها بحقارة :
هحصلكم على المأذون
انطلق السائق سريعًا و مال ذلك الحقير على أذنها يقول بخسة و وضاعة:
أبوكى بايعك و أنا اشتريت، تجى نخليها ورقتين عُرفى أحسن.

تلك الليلة ستحفر فى عقلها للأبد، ليلة الخيانة الكبرى من الكل، والدها من قام ببيعها و كأنها سلعة، والدتها و التى لم تسأل عنها حتى لكنها لا تدرى بما تفعله والدتها فى تلك اللحظة، تبحث و تجوب الشوارع حتى أنها هعدت للشرطة لكن كان الرد بارداً للغاية، فلم يمض ثمانية و أربعون ساعة كى تعد مفقودة.
استمرت فى الاتصال بهاتفها لكن فى كل مرة يأتي الرد المقتضب بأنه" خارج نطاق الخدمة " و ذلك لأنه بحوزة "الحسينى" من الأساس و الذى أغلقه لساعات طويلة ثم فتحه و قام بالرد عليها :
"ديما "معايا بتخلصلى حوار فى بيتى اللى فى الإسماعيلية و هنرحع كمان يومين "
ثم أغلق مباشرة، أراد أن يعطل بحثها عنها و يدفعها للظن بأن ابنتها معه بملىء إرادتها.
و بالفعل ظنت ذلك فى البداية، فلطالما كانت "ديما "الأقرب لوالدها، لكن شعور بالخوف دفعها، لكن دون أى وجهة محددة فقد اختفى" الحسنيى "من المنزل هو الآخر و صار فارغًا و ضاعت هى فى المنتصف لا تعرف أين تذهب.

ملحوظه:
"كالمستجير من الرمضاء بالنار"
كناية عَمَّن يستعين بأحد الناس ليخفف مصيبته فيزيده مصيبة على مصيبته
و هو مثل مشهور قيل في "كليب بن ربيعة "حين طعنه جَسَّاس وكان معه "عمرو بن المزدلف "
فاقترب منه "عمرو فطلب "منه" كُليب" أنْ يُغِيثه بشربة ماء، فأجهز عليه "عمرو" فصار مثلا وقيل فيه:
المستجير بعمرو عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار

الرمضاء كما في المعاجم اللغوية:
شِدَّة الحرّ أو الأرض التي حَمِيَت من الشمس

فهذا المثل خرجت كلماته عن معناها الأصلي وصار تعبيرا اصطلاحيَّا شاع استعماله بهذا المعنى البلاغي.

__________________________________________

عاد مجددًا لمخبأه، يذهب و يأتى دون معرفة السبب الصريح لسيطرته على الجسد، لكنه ما أن يملك زمام الأمور يتعامل و كأنه سيدوم، يفسد كل شىء فهناك أبله سيتحمل الأمر، أبله يعانى من طفولة قاسية و حروق شوهت روحه قبل جسده و ضغينة فى نفس عمره.
ضغينة لابنة عمه نشأ عليها و لا يمكنه شطبها هكذا من صحيفة حياته .

دلف للمنزل بهدوء شديد معتقدًا بأن الجميع نيام لكنه وجدها تجلس فوق الأريكة و تتلاعب بهاتفها فقال بعد أن ارتمى بجسده قربها :
لسه صاحيه ليه؟!
أجابته بعد أن التفتت بجسدها لتكون مقابلة له:
كان عندى online section و لسه مخلصاه
سحب هاتفها منها و قال بضيق :
مش قولت شغل فى البيت لا، يعنى مش كفايه تعبك برا

شعرت بالإحباط، لا أحد بهذا المنزل يتفهم طبيعة عملها، الكل يراه شيئًا مرفهًا حتى زوجها.
حاولت أن تأخذ هاتفها منه و لكنه يقاوم و يتعمد مشاكستها، نهض سريعًا و بدأ يتحرك فى أرجاء الغرفة و هى تلحق به كى تحصل على هاتفها حتى تعثرت بطرف السجادة و كادت تسقط فأسرع يجذبها كى تسقط بين ذراعيه و تتلافى أى صدمة قوية و حينها استغلت الموقف و سحبت هاتفها سريعًا ثم قالت بتذمر :
أنا ببقى مبسوطه و أنا بشتغل يا "مالك" و ياريت تحترم دا مش كل مره هنتخانق بسبب شغلى.

تركته و صعدت للأعلى، و اختفى هو للحظات بالمطبخ ثم لحق بها، دلف لغرفتها بهدوء و قال و هو يناولها كوب حليب دافىء :
اشربى
همت بالإعتراض و لكنه منعها و قال :
مش عايز دلع يا "عفاف"، أنا لسه لغاية الدقيقة دى مضايق من اللى حصل المرة اللى فاتت
وافقت دون نقاش و بدأت تشرب الحليب و هم هو فى ثبديل ثيابه على عجالة، ارتدى بنطاله و ترك الكنزة العلوية يرتديها بينما كان يتحرك لها و يتابعها بعينيه.
اقترب منها و قال هو يعيد بعضًا من خصلات شعرها للخلف :
فاكره لما حرمونى منك لما كملتى حداشر سنه ؟
اعتدلت فى جلستها، لا تدرى لمَ تطرق للماضى و تلك الذكرى بالتحديد؟! و قالت هى بفضول :
ايه اللى فكرك بحاجه زى دى دلوقتى؟!
الموضوع دا عدى عليها سنين طويلة أوى

جذبها لتتوسد صدره، تستكين بين ذراعيه و يحيط هو بها من كل اتجاه بينما كان يقول :
وقتها قولت لنفسى هعمل المستحيل عشان حضنك يبقي ليا و قدامهم كلهم محدش هيقدر يمنعنى مهما حصل
أنا سبت حاجات كتير أوى بمزاجى لكن أنتِ الحاجة الوحيدة اللى مسكت فيها بايدى و سنانى لأن حياتى واقفه عليكى و روحى دايبه فيكى
ابتسمت، حديثه ذكرها بطفولتهم السعيدة رغم كل الفوارق بينهما لكنه يعرف جيدًا كى يجعلها لا تشعر إلا بالمساواة، منذ نعومة أظافرها و هو يحيط بها، لا يترك لها شىء تفعله بمفردها دائمًا ما كان ملاصقًا لها .
تنهدت بثقل شديد من تلك الذكريات التى يقصها و انساقت خلفه هى لأخرى لتقول و نفحات من الماضى تتلاعب بهما :
على فكرة ماما كان ليها حق، أنت كنت سايق فيها أوى، يعنى ايه تتسحب كل يوم بليل و تجى تنام جمبى، دا مش صح حتى لو كنا أطفال، بس برده مش صح
و كنت دايمًا تتخانق معاهم لو حد منعك، حتى معايا أنا
كنت بتزعقلى لو رفضت ألعب معاك، و يوم ما أزعل منك تزعقلى انى زعلت منك
كنت خانقنى، كل ما اتحرك ألاقيك قدامى

انفلتت منه ضحكة ساخرة، من تخدع ؟! أتظنه أبله لا يدرك حقيقة مشاعرها ؟! كانت هى الآخرى هائمة به منذ البداية
و قالها صريحة دون أن يتوراى خلف الكلمات المعسولة :
أنتِ بتستهبلى ؟!
دا أنت مكنتيش تهدى و لا تبطلى عياط و زن إلا فى حضنى، من وقت ما شلتك بين ايديا، حته لحمة حمرا لسه مكملتيش أسبوع حتى و أنتِ مبتسكتيش غير معايا، و الكل خد باله و سلموا بالأمر لغاية ما كبرتى وجه فوق راسى و اتحرمت منك بالعافية
و لم ترواغ، استسلمت بهدوء و قالت بينما كانت تغوص أكثر بينما ذراعيه:
أنا اتربيت فى حضنك يا "مالك "
غصب عنى اتولدت لقيته مكانى الوحيد، مهما عدت السنين هيفضل مكانى

أنهت حديثها و اندفعت فى فعل غريبًا عليه، شعر بملمس شفتيها بالقرب من جبهته، قُبلة طويلة و لكنها صادقة، صادقة بحروفها و فعلها، هى حقًا لا تعرف مكانًا لها غير ما بين ذراعيه
أراد أن يشاكسها قليلًا، فقال بعد أن لامس ذقنها بأنامله :
و بتستغليه فى البُعد يا قلب "مالك"
بتحرمينى منك فى أكتر وقت ببقى محتاجك فيه، اتعلمتى القسوة منين مش عارف؟!
مع انك طول عمرك قدام عينى و متربية على ايدى، مغفلتش عنك لحظة واحدة

كانت ستجيبه بدلال لكن حركة داخل أحشائها جعلتها تطلق "آه" قوية
خشى عليها و قال سريعًا بعدما اعتدل فى جلسته :
فى ايه؟!
قفزت بسمة إلى ثغرها أضاءت محياها بالكامل و هى تقول بينما كانت تمسك بكفه، تضعه فوق بروز بطنها مباشرة :
اتحرك، حسيت بيه بيتحرك دلوقتى

هبط بجذعه سريعًا و وضع رأسه فوق موضع كفه السابق كى يشعر بتحرك الجنين بينما كان يقول:
بطل تشتاقى يا ولد، مش مسموح لحد يتشاقى هنا غيرى
أمك بتاعتى أنا و بس

عاد بظهره للخلف يستند على مقدمة الفراش و عادت هى بين ذراعيه مكانها الوحيد كما أطلقت عليه
و قال فى النهاية بهدوء يناقض ضربات فؤاده المتسارعة:
أنا هشبع منك امتى ؟ مش معقول مشتاقلك حتى و أنتِ فى حضنى

فى الواقع هو محق، فمع تقسيم اليوم بين الثلاثة بداخله تقلصت ساعات قريه من زوجته، لكنه لم يفهم الأمر ما دام الكبر حاجزًا بينه و بين الإعتراف بحقيقة مرضه و من ثم تقبل العلاج.
مضت الدقائق و غفت هى بين ذراعيه و تذكر هو بعض أيام الطفولة الهادئة .

Flash Back

عاد بعقله للخلف و أيام لقائهم الأول، حين عادت والدتها من المشفى و هى تحمل بين يديها طفلة صغيرة، صغيرة للغاية و جلدها مصبوغ باللون الأحمر، أراد أن يحملها لكن رفضت "سهير" ذلك و منعته، منعت أى شخص من العائلة من الإقتراب من ابنة الخادمة، تخشى أن تتكرر المأساة السابقة و لكن هيهات فقد سبق السيف العذم منذ البداية، منذ أن ابتسمت تلك الطفلة الصغيرة له و لامس كفها الصغير وجهه .
تكررت اللقاءات و تكرر ارتباطه الوثيق بها، تكبر أمام عينيه و يبالغ هو فى الاهتمام بها.

لم يتجاوز العشر و لكنه تعلم كيف يتلصص للمنازل لأجلها، استغل كسر النافذة المطلة على غرفتها و تسلل من خلالها ، صعد على الشجرة ثم قفز و اجتاز تلك النافذة و بين لحظات كان معها، يلاعبها و يضع على فراشها ما أحضره لها
و لكنه أحدث جلبة عالية أثناء اقتحامه و كالعادة تم القبض عليه من قِبل والدتها
هتفت بضيق و هى تعقد ذراعيها أمام جسدها :
كدا مش هينفع يا "مالك"، ست "سهير" لو عرفت هتبهدلنا

فى كل ليلة تقريبًا يقتحم منزلهم الصغير لأجل ابنتها، لا تنكر أنه يعاونها على الاهتمام بها أثناء عملها فى المنزل الكبير و لكنها أيضًا تتلقى التعنيف من سيدة المنزل و التى ترفض بشدة اهتمام ابنها الواضح بطفلتها.
و لكن كل هذا لا يعبر لعقل "مالك" من الأساس، كل ما يريد هو الاهتمام بالصغيرة و اللعب معها و لذلك قال بينما كان يخرج المقتنيات التى أحضرها خصيصًا لها :
خمس دقايق بس يا "سندس"، أنا ملعبتش معاها خالص النهارده، و من ساعة ما ودتوها الحضانة و أنا مش عارف ألعب معاها و بعدين شوفى جبتلها ايه بمصروفى

تنهدت بثقل فلا فائدة منه، و اكتفت "سندس"بقول حجة واهية كى تمنحه بعد الدقائق القصيرة :
هروح أعمل العشاء و أرجع.........
و لكنه قاطعها قبل أن تكمل حتى و قال:
هتلاقينى مشيت متقلقيش، بس ابقي صلحى الشباك اللى بدخل منه كل مره دا، عشان "عفاف" متبردش
رغمًا عنها ابتسمت و قالت بتهكم :
و هتدخل ازاى من غيره ؟!
و لكنه أجابها بثبات و ثقة بينما كان يحمل الطفلة بين ذراعيه بالفعل، يحركها ببطىء شديد كى تهدأ:
من أى حته تانية، المهم متبردش

تركته فى النهاية، يغلبها دائمًا حين يتعلق الأمر بابنتها، اكتفت بترك الباب مفتوحاً و توجهت للمطبخ كى تعد الطعام، و ظل هو يلاعب الطفلة، و حين بدأت تبكى قال هو سريعًا كى لا تفسد الفرصة التى نالها بصعوبة:
متعيطيش، أنا ما صدقت أخطف دقايق معاكى

حركت الصغيرة رأسها دون أن تفهم ما يقول و لكنها سعيدة لأنه هنا معها، يلاعبها و يهتم بها، نشأت على حب الأم و حنان الأب و طرف ثالث أقحم نفسه فى كل صغيرة و كبيرة بحياتها.

End Of Flash Back

سكنت هى بين ذراعيه، لم يختلف الأمر رغم مرور كل تلك الأعوام، صغيرة كانت أو كبيرة، روحه لا تسكن إلا بجوراها و لا تنعم بالسكينة إلا معه.
لكن ماذا عن الاخر؟!
من يسكن داخله و ينتظر فرصة مناسبة ليحظى بها للأبد و ربما تلك الحالة الأولى التى يتحقق فيها كلمة الأبد.

" لا يقتل أحد نفسه من أجل حب امرأة، إنما يقتل نفسه لأن الحب، أي حب، يفضحنا في عُرينا، وفي شقائنا وعجزنا، و في اللاشيء "
- لويس غروس
__________________________________________

منذ أن سمحت له بالمبيت بغرفتها و هو يرفض بشتى الطرق أن يعود لفراشه، يتحجج يوميًا باشياء مختلفة لكنها تقبل بها، فهى الآخرى تريده أن يكون بقربها، يشعرها بالأمان، ما تفتقده منذ رحيل والدها عن الدنيا.
"كان الأمان و برحيله تحطم كل شىء، إلى أن جاء الغيث و رمم ما أفسده الآخرين بلمساته الحانية و أشعاره الدافئة"

دلف للغرفة بهدوء دون أن يتحدث و وقعت عينها عليه و هو يتحرك صوب المقعد الخشبى الصغير، تفاجئت به حين خلع كنزته العلوية و ألقاها على ذلك المقعد ثم تحرك للفراش و ارتمى بجسده عليه.
انتظرت للحظات و لكنه ساكن و صامت، فقالت هى :
الجو برد، يفضل تلبس حاجة تقيلة
كان نائمًا بشكل معاكس، ظهره للأعلى و بطنه للأسفل و كأنه تعمد أن يوجه ندوبه أمامها مباشرة بينما كان يقول :
متعود أنام shirtless

لكنها اعترضت سريعًا و قالت :
بس دى أول مرة تنام.............
قاطعها سريعًا و هو يقول بمكر صريح دون أن ينهض و يعدل من جلسته :
كنت بمهدلك عشان متتخضيش مش أكتر
رمقته فى نظرة خاطفة ثم قالت بدلال و كفها يندفع لخصلات شعره دون تخطيط و كأنها اعتادت الفعل من كثرة ما قامت به :
غشاش كبير أوى

عم الصمت للحظات طويلة، فقط تنهيدات متبادلة بين كليمها، لم يغلبهما النوم فى تلك الليلة القمراء، و قررت هى التقدم بحركة مفاجئة لها قبل غيرها .
تطرقت لنقطة نبذتها منذ زمن، لم تتخيل يومًا أن تكون هى المبادرة فى الأمر، حيث قالت بعد أن أضاءت المصباح القريب من الفراش كى يتمكنا من رؤية بعضهما البعض بوضوح :
كان فى حاجة سألتنى عليها زمان و أنا رفضت أجاوبك وقتها
لم يفكر بشىء بالتحديد؛ فلقد تعددت الأقاويل بينهما عما يجهله عنها و كانت ترفض فى أغلب الأحيان، و لذلك قال :
سألتك عن حاجات كتير أوى و رفضتى تجاوبيني على حاجات أكتر

"سألتنى عن جوازى الأول "
لفظت بتلك الجملة و عيناها تحاول بشتى الطرق ألا تتقاطع مع خاصته، تخشى سيل من الأسئلة لن تتمكن من إجابته
رمقها فى البداية بعينين على وشك الخروج من محجريهما و لكنه عاد و تعامل مع الأمر بهدوء شديد و قال بعد أن نهض كى يكون مقابلًا لها، يستند بظهره على مقدمة الفراش مثلها و يمسك بكفها بحنان :
كملى
أخفضت رأسها، تحدج فقط كفوفهما المتعانقة علها تتحلى بالقوة و لسانها يتمتم بضياع:
عايز تعرف عنه ايه؟

لم يسمح لها بالهروب و رفع ذقنها بأنامله و هو يقول :
عرفينى اللى متاح أعرفه، اللى تقدرى تقوليه من غير ما تضايقى أو تزعلى أو يخلينى أشوف دمعة واحده منك
دامت النظرات لثوانى طويلة و لم يتزحزح هو، ظل يطالعها يبثها القوة التى تحتاجها، لتتنهد فى النهاية بثقل قبل أن تنفرج شفتاها عن الإجابة و تقول بألم بَدا صريحًا فى كل حرف لفظت به :
كان جواز بالغصب على الطرفين، محدش فينا كان موافق على العلاقة دى بس جدو أجبرنا، كان بيعاقب "مالك" و أنا اللى اتظلمت فى النص بينهم، محدش خد رأي أو فكر حتى يسألنى، صحيت لقيت مأذون و اتنين شهود و بقيت مراته من غير حتى فستان أبيض
لم يفهم كثيرًا، فقد كانت إجابتها مغلفة بالغموض و لذلك قال باستفسار لم يخل من التهكم :
بيعاقبه على ايه ؟ و ايه العقاب الغريب دا ؟!
أول مرة أشوف حد بيستخدم الجواز كعقاب!

صمتت لدقائق عديدة و حاول هو أن يجاري صمتها، لم يفهم الحرب التى تدور بداخلها، و الصراع النفسى العنيف الذى يجتاحها
و ككل مرة يندفع بكفه ليلامس وجنتها، لعلها تطمئن، فتلك نقطة ضعفها و بالفعل نجح؛ فبعد لحظات أكملت حديثها بالتزامن مع إسبالها لأهدابها، تخشى ردة فعله:
"مالك" عمل حاجه غلط و كانت نتيجتها انه يتجوزنى، جدو شاف كدا و محدش قدر يعارضه، بابا كان الوحيد اللى بيقف قصاده و لما مات محدش قدر يقول لا
صدح منه سؤال مقتضب ممتزح بنبرة متحشرجة:
لمسك ؟!
جاهد بشدة فى محاولة صبغ التروى و التمهل على ملامحه لكنه مخادع، يخدع نفسه قبلها.
و تفاجئت هى من السؤال و لم تتمكن من الإجابة، توقفت الحروف بحلقها، و كأنه بتلك الكلمة البسيطة نبش فى الماضى بمخالب غليظة، غليظة لدرجة أن تجرح الضحية مجددًا، أرادت الفرار و بدأ جسدها برد فعل دفاعى بسيط، ألا و هو الرجوع للخلف حتى كادت تسقط من فوق الفراش
و لم يدرك هو الوضع فكرر السؤال لكن مع بعض الحدة و هو يقبض على ذراعيها قبل أن تسقط و تفترش الأرض بألم:
ردى عليا، الحيوان دا لمسك ؟!

شعر بإهتزاز طفيف من حركة ذراعيه، ترتجف تحت وقع كفيه الملامسان لها، و شفتيها انضمتا لتلك اللوحة المؤلمة و توقفت الأنفاس و ارتعد الفؤاد
لم تبتعد أو تقترب، هى فقط نفس الحالة المريضة، نفس الرجفة و النفور و كل شىء كما كان دائمًا
و ازداد الأمر سوءًا حين فرت دمعة خائنة من مقلتيها، فرت بسكون دون أى شهقة منها
و أمام كل هذا تراحع هو و قال سريعًا:
خلاص، خلاص يا "رنا" أنا آسف
ردد كلماته مجددًا و هو يمسد على ذراعيها، علها تهدأ أو تستكين:
مش لازم تحكى، اعتبرى انى مسألتش خلاص، الموضوع اتقفل

لكنها و المفارقة العجيبة قالت بنبرة متلعثمة :
"مالك" مش......كدا......مش كدا
لم يفهم كثيرًا مما تحاول الإفصاح عنه و مع ذلك سَايَرَ تيار الحديث و قال:
طب اهدى، خلاص مش عايز أعرف حاجه
بدأ جسدها يعلو و يهبط و لسانها يتمتم بمفاجأة صادمة للماثل أمامها:
ملمسنيش، كان عايز يقتلنى، طول عمره بيكرهنى

حالتها لم تترك له فرصة للصدمة و متابعة حديثها، أراد فقط أن يحتوى الموقف و قال بعد أن احتوى وجهها بين كفيه فى محاولة بائسة منه للحد من ارتجافها :
تمام خلاص مش مهم، متكمليش، مش عايز أعرف
أَجْهَشَت بالبُكَاء و هى تقول :
"أنا معملتش حاجه عشان يكرهنى يا "غيث"، معملتش أى حاجه "

ارتجاف جسدها المتزايد بشكل مقلق و صبغ شفتيها بالأزرق الصريح و دموعها المنهمرة دون رحمة لوضعها الهزيل
كل ذلك دفعه للنهوض سريعًا و البحث عن هاتفه كى يتحدث مع أحدهن، لكنه توقف قبل أن يضغط بالرقم الأول حين همست هى بألم:
"أنا بس حبيته"
سقط الهاتف من بين يديه، كما سقط فؤاده هو الآخر، سقط فى بئر الألم، مجددًا سيعانى من نفس الكأس، مجددًا.

"كُنْتُ أَظُنُّهَا مُهْلَكَتَى لَكِنَّهَا تَخَطَّتِ الْحُدُودَ وَ صَارَتْ مَقْبَرَتَى"
_غيث الحديدى
__________________________________________

خرج من المشفى ما أن عاد لوعيه رغم رفض جميع الطاقم الطبى، لكنه لم يهتم، أراد العودة سريعًا كى يطمئن على ابنه، و يعيد ترتيب حساباته فكل شىء تم تدميره بالمعنى الحرفى، كل مخططاته و دوافعه، كاد يفارق الحياة و يترك الأمانة المعلقة حول عنقه.

تفاجئ بحالة المنزل، فقد ظن أنه سيجده ممتلىء بالغبار و الأتربة العالقة، بإختصار حالة من الفوضى لكنه نظيف و مرتب، و عرف من قامت بذلك، بالتأكيد "ياسمين "
اهتمت بابنه و منزله، حقًا مراعية لدرجة تثير شكوكه، و لكنه لم يهتم أخذ ابنه و شكرها بإقتضاب ثم هبط لشقته، فهو على وشك الرحيل من تلك المنطقة بالكامل، بعدما كشفت الأقنعة و اتضح هدفه منذ البداية .

بدأ يحضر أمتعته هو وابنه كى يغادرا و لو بشكل مؤقت حتى يعرف ما الخطوة التالية و التى سيكلفه بها اللواء و لكنه توقف حين سمع صوت طرق عنيف فوق الباب، ترك ما بيده و أغلق باب الغرفة التى ينام بها الصغير .
حمل سلاحه خلف ظهره و تحرك صوب الباب بهدوء دون أن يصدر أى صوت
و لكن هوية الطارق صدمته حين نظر من خلال الثقب الصغير الموجود بالباب، و هتف اسمها باستفهام لم يخل من الدهشة و الحيرة:
"ديما" ؟!

فتح الباب سريعًا و صُدِمَ مما رأى
كانت فى هيئة رثة، ثوب زفافها ممزق من الأعلى و يظهر جزء من كتفها و عنقها، و بعض خصلات شعرها ظهرت بوضوح نتيجة تراجع وشاح رأسها، و لكن كل ذلك يمكن تحمله إلا بقعة الدماء الكبيرة و التى تغطى الجزء السفلي من الثوب
ألجمته هيئتها و لم يتمكن من الهتاف بأى حرف حتى و لكنها هى من قالت بشىء منافى لطبيعتها المعتادة:
تتجوزنى ؟
و قبل أن يجبها سقطت فاقدة الوعى بين ذراعيه و تلقفها هو فى نفس اللحظة التى كان يتمتم بها برفض لطلبها:
لا

_يتبع_
_الجزء الثانى، الفصل الرابع و الأربعون_
_مريض نفسى بالفطرة_

"شارفت أحجيتنا الصغيرة على الانتهاء، يفصلنا بين النهاية ست درجات، الدرجة الأولى تمامًا كالأخيرة فما هذا اللغز الجديد ؟ !"
__________________________________________

Don't forget the vote, please
أتمنى الفصل يعجب حضراتكم و مستنيه أرائكم
و يا حبذا لو تدعولى فى مثل هذا اليوم المبارك

ادعوا لفلسطين فضلًا
(اللهم انصر أهل فلسطين على من عاداهم ،اللهم صوب رميهم اللهم ثبت الأرض تحت اقدامهم ،اللهم أجعل نار اعدائهم بردًا و سلامًا )
(و فضلًا لا تغفلوا عن الدعاء للسودان فالوضع مأساوى للغاية و حسبي الله و نعم الوكيل )

تنبيه:
تبقي من الجزء الثانى من الرواية ست فصول ان شاء الله، فأتمنى بس نستحمل بعض شوية على ما نخلصها على خير يارب .

Seguir leyendo

También te gustarán

184K 9.6K 64
سَنلتقي .. رُبما يكون لقاءً بارداً تكتمُ فيه غيرتك وأمسكُ فيه لِساني عن اُحبّك ستنظر اليّ ، وسأنظر للجميع عداك .
11.5K 974 32
" مشاعرهم النقيه والتى وُلِدت فى ظلام الخوف والفقدان ، مشاعراً كُتِب لها أن تَكبُر ، كُتِب لها أن تنتصر على قسوة الأيام " -تَزول آلامُ جِراحنا وتبقى...
12.7K 1.3K 25
زينب سلامة _ روضة مجدي العمل مأخوذ من احداث حقيقة .. لم أتحدث عنها كثيرًا٬ ولكن بإمكاني قول انك ستدخل الي عالم جديد لم تأتي إليه من قبل بقلم /زينب...
1M 37.2K 43
روايتي الرابعة " مستمرة " كُتبت بواسطة : الجُّود بِنت آل مطّلق 🤎