مريض نفسى بالفطرة

By Hader3112

723K 30.5K 9.8K

مريض حُكِمَ عليه بعيش الازدواجية فى كل شىء ، إلى أن قابلها، منحته قلبها رغم معاناتها السابقة ولكنه رفض البوح... More

اقتباس1( لست ليث،أنا غيث)
_١_ (صفعةُ تعارف)
_٢_ (جدى يريد عودتى)
_٣_(صدمةٌ مُبرمجةٌ )
_٤_ (أنا القاتل)
_٥_ (الإنفصالُ فرصة ثانية )
_٦_ (لا أريدك يا أمى )
_٧_ ( حب ناضج لمراهقة صغيرة )
_٨_(بيت جدى مجددًا)
_٩_( ما ذنبى إن كنت تحب فتاة تحبنى؟)
_١٠_( قامت بخيانتى)
التعريف بمرض غيث
_١١_ (نوبة غضب)
_١٢_(بقاءٌ قسرى)
_١٣_( أب برتبة عدو)
_١٥_ عشر(عائد لكِ يا حبيبتى)
التعريف بمرض الطبيبة منال
_١٤_( دماءُ زوجتى الراحلةُ )
_١٦_ (ذلك الوغد مجددًا)
_١٧_(لست ليث، أنا غيث)
التعريف بمرض ديما
_١٨_(حب من طرف واحد)
_١٩_(غارق فى دمائه)
_٢٠_( وحشتنى عنيكى )
_٢١_ (الكل عاشق )
_٢٢_(حقائق بالجملة)
_٢٣_(الانتقام الحلو)
_٢٤_(رصاصة خائنة)
_٢٥_( المواجهةالحاسمة)
التعريف بمرض مالك
_٢٦_(كان ضحية بالأمس)
_٢٧_ (وداعًا بيت جدى)
_٢٨_ ( تطاول بما فيه الكفاية)
_٢٩_ (الحقيقة المؤلمة)
_٣٠_(قابلها مجددًا)
_١_( الانطباع خاطىء)
_٢_(مشاغبة من الطرفين )
_٣_( غيث واحد لا يكفى)
_٤_ ( من المصاب ؟)
_٥_(الغيرة اللذيذة)
_٦_(باغتها بعقد القران)
_٧_(أشباح الماضى تطاردها)
_٨_(فارق الحياة )
_٩_( رفضها يصيبنى بالجنون)
_١٠_(فرصة ثانية للفؤاد)
_١١_( اكتئاب حاد )
_١٢_ (أحبك رغم أنف قبيلتى)
_١٣_(هل تقبلين الزواج بى؟)
_١٤_ (خطوبة و جثة )
التعريف بمرض مالك ٢
_١٥_( فليحترق العمل أمام حُسنكِ)
_١٦_ (حُلو مرى)
_١٧_ (أخوض لأجلكِ ألف حرب )
_١٨_(أقبلينى كما أنا )
_١٩_ (تطاول على صغيرتى أمام عينى )
التعريف بمرض محمد العدلى
_٢٠_ (أريدك رغم استحالة ذلك)
_٢١_ (زوجى السابق )
_٢٢_ (قُبلة و مجموعة جُثَثٌ)
_٢٣_ (الإختطاف السعيد)
_٢٤_ (باتت حلالى و كل حالى)
_٢٥_(معركة دموية)
_٢٦_(ليلة زفاف كارثية)
_٢٧_(ليلة عيد)
_٢٨_ (كان القبول طوق نجاة)
_٢٩_ (كلانا لدية تجربة سابقة)
_٣٠_ (العديدُ من المعاركِ)
_٣١_ (كُتِبَ علينا الفراق)
_٣٢_(أحدهم يبكى و الآخر يرفرف عاليًا )
اقتباس٥ ( فتاتى الصغيرة)
(التعريف بمرض مايا)
_٣٣_ (نتعايش أم نتداعش ؟!)
_٣٥_ ( قصيدةٌ جميلةٌ )
_٣٦_(الغضب الساطع آت)
_٣٧_(رفض من جميع الجهات)
_٣٨_(نَقَشَ فوق جسدها)
_٣٩_( لاجئ أم خائن ؟!)
_٤٠_(مَلاَك مُحْتَجَز)
_٤١_(نُقُوشٌ مُتبادلةٌ)
_٤٢_(ثلاثة قُبْل فوق ضريح الصقيع)
اقتباس_٦_ (لحن النهاية)
_٤٣_(الفَرِيسَةُ و الصَّيَّادُ)
_٤٤_(ليلةٌ مُلطخةٌ بالماضى)
_٤٥_(اختطاف أرعن)
_٤٦_(جسدٌ مُدنسٌ وروحٌ مُفارقةٌ )

_٣٤_ (راقصة بمبادئ)

8.6K 339 101
By Hader3112

{ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ }

*وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ*فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السّاجِدينَ*وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ*

صَدَقَ اللهُ العَظيمُ

____________________________________

٢٥/٠٩/٢٠٢٣
(راقصة بمبادئ)

"طفل صغير ،حياته ليست وردية و لا حتى رمادية ،كانت مزيج من كل شىء إلا السعادة و مع ذلك لم يشك ،اكتفى فقط بالهدوء القاتل ،إلى أن تلاعبت النار به و بجسده ،تاركةً وصمة كبيرة لا يمكن محوها و معها اكتسب شخصية آخرى ،لتبدأ حياته فى أخذ منحى خاطىء ،بدايتها ليس له أى ذنب بها لكن النهاية تلتف حول يديه كأصفاد حديدية من أفعاله الشيطانية. "

____________________________________

"مالك إبراهيم راشد"
و قع ذلك الاسم على أذنه وقع الصاعقة ،احتدت ملامح وجهه ،و جحظت عيناه بشدة ،حتى كف يده بدأ فى الارتعاش بشكل ملحوظ ،لكنه حاول تمالك نفسه بقدر الإمكان .

رحب بهم على مضض ،فرغم كل شىء هذا الرجل عم زوجته ،حتى و إن كان الآخر غريمه ،عدوه اللدود الذى بات فى دائرة الخطر المحيطة به .
حاول "إبراهيم" التخفيف من حدة الأجواء و شرع فى ما جاء لأجله ،حيث أخرج الأوراق التى أحضرها معه و ناولها "لغيث" مباشرة و الذى بدوره هتف متسائلًا بحيرة :
دا ايه ؟
سحب "ابراهيم" نفسًا عميقًا ثم قال بينما كان يطرق على المكتب بأصابع يده بخفة كى يقلل توتره :
دى وصية "الحاج راشد" الله يرحمه ،قبل ما يتوفى وصى أن نص ممتلكاته تكون باسم" رنا" لانها البنت الوحيدة" لحسام" أخويا الله يرحمه
يعنى ليها نص البيت الكبير و نص المحلات و نص الفلوس اللى فى البنك و
و قبل أن يكمل باقى حديثه قاطعه ابنه حيث هتف بغيظ شديد و هو يطالع "غيث" بنظرات كره صريحة:
طبعًا مبسوط ،عمرك ما كنت تحلم بجوازة زى دى ،كأنك كسبت ورقة يانصيب بملايين
عض"غيث" على جدار فمه الداخلى بغيظ شديد ،و بدأ يحرك قدمه بشكل عشوائى من أسفل المكتب ،تعلو و تهبط بشكل لا إرادى ،و رغم حالته التى أوشكت على الوصول لذروتها ،هتف بحدة قاصدًا بها لجم غريمه:
كمل يا استاذ ابراهيم
أكمل "إبراهيم " حديثه بعد أن رمق ابنه بحدة كى يصمت و لا يتدخل فى النقاش مجددًا:
بس للاسف" منى و رنا "رافضين الورث دا ،و حاولت كذا مره بس مفيش أى فايده ،فجايلك أنت كآخر محاولة تخليهم يقبلوا ، دا حقها يا ابنى ،و عمرى ما هقبله على نفسى و لا على عيالى ،دا حق يتيمه و لازم يرجعلها
مسح"غيث" على وجهه بكف يده ثم قال مستفسرًا:
طب هى رنا رافضه ليه ؟ أكيد فى سبب

لم يعرف "إبراهيم" بما سيجيبه ؟! فوالده قد أفسد الأمر من البداية حين رفض أن يمنح شقيقه حقه و جعله يعانى للعديد من السنوات و يعمل بأعمال كثيره لا تليق بهم و بمكانتهم ،لم يجد سوى الهروب من سؤاله و قال :
أنا جيالك عشان تقعنها يا ابنى ،عايز أرتاح ،خلينى أشيل الهم التقيل دا من على قلبى ،عشان "الحاج راشد" و" حسام" أخويا يرتاحوا فى تربتهم
صمت للحظات ،يستشف ملامح الجالس أمامه ،ليعرف هل تمكن من إصابة الهدف و مرواغته نجحت أم لا ؟و ما أن لاحظ هدوئه أكمل حديثه مسترسلًا:
اديها الورق دا ،خليها تمضى بس عشان المحامى يبدأ فى إعلام الوراثة و كل واحد ياخد نصيبه بحق الله

لم يرد"غيث" أن يمنحه إجابة مؤكدة ،فهو لا يملك ذلك الحق ،فاكتفى بقول بعض الكلمات المُنمقة إلى أن يناقش زوجته بذلك الأمر :
أنا هعرفها لكن مقدرشى أجبرها على حاجة هى رفضاها ،القرار النهائى ليها ،و أيًا كان فأنا هدعمها
ابتسم له و نهض كى يصافحه بينما كان يقول :
و أنا عندى أمل أنها توافق لما تكلمها يا ابنى

رحل كما دلف و لحق به ابنه ،لكنه تحجج بعد لحظات بأنه ترك هاتفه بلأعلى و عاد أدراجه ،لم يكن يعرف حقًا لمَ تلك الحركة ؟لمَ سيعود لملاقاته ؟أراد مواجهته ،شىء بداخله دفعه لذلك .
دخل للمكتب دون أن يطرق مُستغلًا انشغال موظفة الاستقبال بأمر طارىء دفعها لترك المكان
رفع "غيث" رأسه و ما أن أبصر بوجوده نهض تاركًا مقعده ،وضع يده فى جيب بنطاله ،كأنه يخبره بفظاظة
"لمَ أحضرت وجهك الكريه لهنا مجددًا ؟"

و لكن قبل أن ينطق لسانه بتلك الكلمات ،هتف" مالك" بإستفزاز :
فى سؤال شاغل بالى أوى
دقيقة صمت واحدة ،و لكنها طويلة يريد بها بعثرة الواقف أمامه ،ثم استرسل ما كان ينوى قوله :
أنت تعرف انى و رنا
قطع "غيث"حديثه قبل أن يكمل جملته ،و لفظ هو تلك الكلمة بنبرة متهكمة:
طليقها يعنى ؟!
لجُم لسانه و عجز عن الحديث ،لم يكن على عِلم بمعرفته ،ظن أنها ورقة سيتلاعب بها معه ،لكنه غفل عن شىء هام ،وثيقة الزواج يدون بها تلك الأمور
و ما زاد صدمته هو جرأة الآخر فى الحديث ،حيث أكمل "غيث" قائلًا بكل ثقة و قوة :
أه أعرف ،موضوع تافه و اتقفل من زمان من قبل حتى ما يبدأ ،و ملوش أى تبعيه بعدين ،مجرد أن اسمها اتحط فى ورق جمبك لكن اتشال أسرع مما اتحط و بس

"متحلمشى بأكتر من كدا "
لفظ جملته الأخيرة قاصدًا كل حرف منها ،الظاهر منها و الباطن
بينما الآخر لم يصدر منه سوى ابتسامة ثقة مريبة و هو يقول :
يا ترى بقى هى اللى قالتلك الكلام دا ؟
أراد إثارة حفيظته و زعزعة ثباته الظاهرى ،لكنه لم يكن يعرف بأن أى شىء يتعلق بها يلهب جميع حواسه و يضعه فى وضع الهجوم مباشرة .
شعر "غيث"بكف يده يزداد ارتعاشًا ،كأنه يحسه على الانقضاض على غريمه فى تلك اللحظة دون أى تراجع ،لكنه و مع ذلك حاول التحكم باخر ذرة هدوء يملكها و قال بينما كان يشير للباب :
ايه رايك تخرج منها على رجلك بدل ما تخرج على نقاله ؟!

رفع" مالك" حاجه الأيسر مُستنكرًا حديث الآخر ،فضغط "غيث" على حروف كل كلمة تلفظ بها و زاد فى الحديث أكثر و أكثر حيث قال :
"أعتقد الخيار التانى أفضل ليك ،دا لمصلحتك يعنى ،مع أنها آخر حاجه تهمنى حاليًا"

ربما الرجال يفضلون العراك عوضًًا عن الكلام ،كأن لديهم حاسة سادسة بذلك الأمر ،يشعر كل منهما باستعداد الآخر لشن هجومًا مفاجيء .
ابتسامته تزاد اتساعًا و هو يقول بينما كان يشمر عن ساعديه :
قد الكلام دا ؟!
و كأن "غيث" كان ينتظر تلك الجملة ،لخلع معطف بذلته بلمح البصر و هو يقول :
اللى تحبه

ثانية واحدة و التحم كليهما فى عراك قوى ،أمسك "مالك"بتلابيب قميص الآخر ،كانت له الحركة الأولى مما جعله المتحكم ،لكن لم يدم ذلك إلا للحظات بسيطة ،حيث تمكن" غيث" من إزاحة يده و ضربه برأسه ضربة قوية ،و على إثر ذلك تراجع الآخر للخلف عدة خطوات و فى نفس اللحظة كان "إبراهيم " يدلف للغرفة مجددًا و هو يهتف باسم ابنه :
مالك
أكمل حديثه بينما كان يتفحص كليهما فقد شعر بوجود خطب ما :
اتاخرت ليه ،خدت تليفونك ؟!
كان كليهما فى وضع لا يحمدان عليه ،و مع ذلك تمكن "مالك" من كظم غيظه و التظاهر بأن كل شىء يسير على ما يرام و قال :
أه ،جاى وراك يا حاج
حرك والده رأسه و خرج بعد أن أشار له باللحاق به ، بينما التفت "مالك" للخلف و قال :
متعوضه ،يا جوز بنت عمى
و رحل و كأن شيئًا لم يكن ،تاركًا الآخر خلفه يلتهمه الغضب بشكل سريع ،لم يتحكم بنفسه ،فقد كل ذرة هدوء و تريث حاول أن يتحلى بها
و ما هى إلا لحظات و كان يصرخ بأعلى صوت له ،و كالعادة تحمل مكتبه كل غضبه ،حيث انهال عليه بالضرب متخيلًا أنه غريمه و لم ينفك لسانه عن قول كلمة واحدة يصفه بها :
قذر
قذر
قذر

و بعد ما يقرب من الثلاثين دقيقة ،ألقى بجسده على الأريكة بعد أن شعر بإعياء شديد ،ككل مرة ،نفس مدة النوبة
و لكن مازال بداخله نيران مشتعلة لذلك الشخص بالتحديد ،يدرك أنه تأخر كثيرًا فى الرد ،فمنذ أن علم من والدة زوجته بما فعله حتى و إن كانت بعض الكلمات المقتضبة ،و لكنه لا ينفك عن التفكير فى سحقه ،و مع ذلك يتأنى و لم يكن التأنى يومًا من كلمات قاموسه .
و ذلك يعنى أن رده لن يكون سوى كارثة بكل المقاييس .

...............................................................

بعد ساعة كانت "رنا" مُتجهة لغرفة المدير لمناقشة التصميم الجديد الذى تعمل عليه ،بعد أن تعارضت فى بعض النقاط مع "أحمد" و لكنه قرر فى النهاية حسم الجدال و توجيهها لزوجها ،يقنعها أم تقنعه ؟
لا يهم ،ففى النهاية هو المسؤل عن التنفيذ على أرض الواقع .

دلفت لغرفته بعد أن طرقت الباب ،و لكن حالة الغرفة و الفوضى العارمة بالمكان جعلتها تقف لا تقوى على التقدم أو الحراك
أوراق متناثرة بكل الغرفة و بعض المقاعد الملقاة بعشوائية على الأرض بالإضافة إلى النافذة المفتوحة على وسعها مما جعل الهواء يقوم ببعثرة المكان أكثر فأكثر .
أخرجها من حالة الصمت و الرغبة فى الرحيل ،صوته حين هتف متسائلًا بينما كان يعيد بعض خصلات شعره للخلف نتيجه تعرفه الشديد :
خلصتى المشروع؟
منذ لحظات بسيطة كان الهروب هو كل ما تفكر به ،و لكنها باتت الأن فى منتصف الغرفة بعد أن أغلقت الباب .
نظرت لموقعها و للباب الذى أغلقته بيدها ،ابتسمت بسخرية ،و رفع هو رأسه يطالعها مُنتظرًا الإجابة على سؤاله ،لذلك قالت هى بكل هدوء :
أه ،خلصته ،بس فى كذا نقطة دكتور أحمد مش موافق عليها و قرر فى النهاية أن حضرتك صاحب القرار الأخير
أشار "غيث"لها أن تأتى لتجلس بقربه على الأريكة و هو يقول :
طب تعالى وريهولى
تقدمت كما طلب ،لكنها فضلت الوقوف و ناولته الورق الذى بحوزتها ،لكنه لم يسمح لها سوى بثانية واحدة ،حيث أمسك بكف يدها و سحبها لتجلس بقربه
توترت بشدة و ابتعدت عنه إلى أن وصلت لنهاية الأريكة ،لكن المسافة التى تركتها تبخرت بملح البصر حيث اقترب هو منها و قال :
لا ،زمان كنتى موظفة عادية ،فكان لازم يبقى فيه مسافة لازم احترمها و إلا

قاطعته قبل أن يكمل حديثه و هتفت هى متسائلةً بنبرة تهكم صريحة متناسبة قربه منها :
و إلا ؟!
مال برأسه قليلًا ليصبح بمواجهتها أكثر و قال بينما كان يغمز لها مُتعمدًا :
هتصوتى و تلمى عليا الشركة زى أول مرة طبعًا

شردت قليلًا فى تلك العسليتان فنادرًا ما يصبح وجهه قريبًا منها لهذا الحد ،نظرًا لفرق الطول بينهما ،و أدرك هو ذلك فرفع حاجبه معلنًا القبض عليها بالجرم المشهود
فلم يكن أمامه سوى الهروب ،و أخذت حديثه كذريعة كى تخفه خجلها ،لذلك هتفت متسائلةً:
أنت لسه فاكر ؟!
أراح ظهره للخلف و قال بعد أن تنهد تنهيدة عميقة كأنه يزيل بها أكوام كثيرة من المسؤوليات الملقاة فوق عاتقه:
سبق و قولتك مبسناش اللى عايز أفتكره
و أى حاجه اسمك ارتبط بيها لازم افتكرها يا رنا

شعرت"رنا" بوجود خطب ما ،فتركت الأوراق جانبًا و التفتت بجذعها و هى تتسائل بقلق :
مضايق من حاجه ؟
راقت له تلك النبرة ،فابتسم بهدوء و قال بينما كان يضع ذراعه فوق عينه يحجب الضوء عنه:
لا ،منمتش كويس بس
تبدلت حالة القلق التى كانت تسيطر عليها إلى الهجوم المضطرب حيث صاحت قائلة:
على فكرة أنت تقريبًا مش بتنام ،أنا مراقباك
عملت search و اكتشفت أن الأرق دا ممكن يكون بسبب

أخرجت هاتفها و بدأت فى قراءة بعض المعلومات الطبية التى ظلت تبحث عنها لساعات طويلة لأجله :
الضغط النفسي
فرط نشاط الغدة الدرقية
الارتداد المعدي المريئي
مرض الانسداد الرئوي المزمن
الأمراض التي تسبب الألم المزمن
التغيرات في الدماغ الناجمة عن مرض الزهايمر تسبب تعطيل أو تغيير أنماط النوم
الأرق العائلي القاتل وهو اضطراب وراثي نادر
التقدم في السن
الإفراط في تناول الطعام قبل النوم

قطع حديثها بعد أن أمسك بيدها و هتف مستفسرًا بمشاغبة:
و ايه الحل يا doctor رنا ؟
انكشمت ملامح وجهها و هتفت هى متسائلةً بضيق و تبرم:
أنت بتريق عليا ؟!
حرك رأسه نفيًا و قال بهدوء :
عمرى ما افكر أعمل كدا يا رنا
أنهى حديثه و أرح ظهره مجددًا ، سحب نفسًا عميقًا يملىء رئيته بالهواء ،مُغلقًا عينيه
بينما تابعته هى بألم شديد ،تريد التخفيف عنه بأى شكل ،و دون أى تخطيط منها سحبت الوسادة التى بقربها ،وضعتها فوق ساقها و قالت له:
حط راسك هنا كدا
كانت تشير للوسادة الموضوعة فوق ساقها
تسمر بمكانه للحظات ،لا يصدق أنها أقدمت على ذلك ،و لكنه اغتنم تلك الفرصة سريعًا و ألقى بنفسه ،واضعًا رأسه فوق تلك الوسادة و مستلقيًا على الأريكة ،و بدأت هى بهدوء شديد بالتمسيد على رأسه و هى تقول بنبرة حنونة :
ممكن تهدى و متفكرشى فى أى حاجه ،أو لو عايز تفكر ،فكر فى حاجه بتحبها و بتهديك

"يبقى هفكر فيكى "
همس بتلك الجملة البسيطة و وجد نفسه تلقائيًا يغط فى النوم بسرعة غريبة ،ما أن لا مست يدها رأسه
و لم يكن الأمر بجديد عليها ،لطالما فعلت ذلك مع والدها رحمة الله عليه ،حين كان يعود من العمل منهكًا فتسرع والدتها لإعداد الطعام و تقوم هى بتدليك رقبته و التربيت على رأسه بحنان ،كأنه ابنها و ليس والدها ،و ها هى تفعل ذلك مع زوجها ،و كأنه أمر مسلم به
رغم مشاكلها الكثيرة و خوفها من أى تلامس ،و لكن ككل مرة تقبل ببعض الأشياء البسيطة ما دامت معه و له ،كأنه يختلف عن الكل ،كأنه أمانها فى أشد لحظاتها ذعرًا
مازالت لم تدرك بعد أن فؤادها نبض باسمه منذ ذلك الحُلم ،حين اتضحت صورة "غيث" و ظهر بهيئة فارسها

أكملت ما تفعل و كأنه أمر اعتادت عليه لسنوات طويلة ،و فى نفس التوقيت كان ذلك الشقى يدخل للغرفة دون أن يطرق الباب حتى و هو يهتف باسم صديقه :
غيث

رفعت "رنا" رأسها سريعًا و أشارت له بألا يتحدث ،فانصاع هو لطلبها و خرج و البسمة تزين وجهه ،راق له ما رأى ،أخيرًا صديقه ينعم ببعض اللحظات الدافئة
و لكن هل يترك المشهد هكذا دون أى تصرف مشاغب ؟ !
بالتأكيد له ،سحب ورقة من مكتب" هناء "و دون بها
"ممنوع الإقتراب أو التصوير "
ألصقها على الباب و خرج تاركًا المكان بسعادة ،مقررًا الذهاب لزوجته كى يضايقها كالمعتاد .
...............................................................

و فى نفس التوقيت كان "سليم فايد " يقف فى إحدى الغرف التابعة للقسم المدنى بالشركة ،استغل أن الجميع بالخارج يباشرون فى المواقع الميدانية و ظل هو هنا يتابع بعض أعماله العالقة ،مُنكب على حاسوبه الخاص يقوم ببعض التعديلات الضرورية
لكنه فجأة وجد يد توضع على عينه و رائحة عطر أنثوى تملىء أرجاء المكان ،زفر أنفاسه بضيق شديد و أزاح يدها و نهض سريعًا و هو يهتف متسائلًا بغضب واضح :
ايه اللى جابك هنا يا أمل؟
تعاملت بشكل طبيعى و كأنه لم يرفض قربها منه منذ لحظات و حاوطت عنقه بكلتا يديها و قالت :
و مفروض مجيش مكان شغل خطيبى يعنى ؟!
لا يحبذ هذا التقارب و لا جرأتها معه ،و ككل مرة ابتعد عنها و قال بحدة :
قولتك مش زفت مخطوبين ،أنتِ مبتفهميش ليه ؟
قال ذلك و هم بالرحيل رغم أنه مكان عمله و ليس دخيل مثلها ،لكنها أسرعت تمسك بيده بحدة و قالت مهددة إياه بشكل صريح:
أنت بتعاملنى كدا ليه يا "سليم" ؟! Oncle "فايد" لو عرف ، هيتصرف معاك تصرف مش هيعجبك خالص
أدينا فرصة يا "سليم" ،لمصلحتك على فكرة أنا بس لو شاورت الشركة دى تنهد فى لحظة ،فبلاش تعاند

رغم أن حديثها ضايقه بشدة و اثار حفيظته لكن مع ذلك حاول التحلى بالهدوء المزعوم ،حرر يده و اقترب هو منها أمسك بكفها و قال:
اتفاق بابا مع عمى دا كان زمان يا "أمل" ،بلاش ندمر حياتنا عشان شوية كلام فاضى عدى عليها عشرين سنه
أنا و أنت كبار كفاية نقدر نقف قصادهم و نرفض ،و صدقينى هتفضلى بنت عمى
و فى نفس اللحظة دلفت "أميرة" و هى تحمل بين يدها إحدى الملفات و هى تقول :
بشمهندس سليم ،المشروع دا ......
لكن ما أن اتضحت الصورة أمامه اعتذرت سريعًا رغم الغيرة الواضحة فى مقلتيها :
اسفه ،مكنتش أعرف أن فى حد هنا
هرولت بعد أن ألقت بكلماتها تلك ،لم ترد أن تزرف الدموع أمامه ،لطالما تظاهرت بالقوة و الكبرياء و مظاهر الثراء الفاحش ، و لكنها فى الحقيقة ليست سوى فتاة عاشقه و لا يمكنها نيل هذا العشق
بينما حاول هو اللحاق بها و هو يهتف باسمها :
"أميرة" استنى
لكن كانت يد تلك الخطيبة تمنعه ،و هى تقول باستنكار :
أنت هتسبنى و تروح وراها؟!
لم يعبأ بها و لا باستنكارها و حرر يده و انطلق خلفها ،بينما وقفت "أمل" تضرب الأرض بقدمها و هى تصيح باسمه بتذمر :
يا "سليم "

خرج خلفها و لكنه لم يتمكن من اللحاق بها ،بل اعترض طريقه شخص آخر و قال محدثًا إياه :
نصيحه مضيعش وقتك مع أكتر من واحدة ،هتتعب
توتر" سليم "و حاول تصحيح الموقف قائلًا بتبرير :
أنت فاهم غلط ،أنا
لم يدعه يكمل حديثه ،حيث ربت "أحمد" على كتفه و قال بعقلانية غير معهودة :
اسمع منى ،أنا كنت زمان كدا ،بس ربك لما يريد بقي ،فبلاش يا "سليم" تلعب بديلك ،صدقنى هتندم بعدين ،أنا بقولك كدا و كان نفسى حد يقولهالى زمان رغم أن" غيث "حاول معايا كتير ،بس زى ما تقول كنت معمى ،فبلاش أنت كمان ،فوق بسرعة

"و متنساش أحنا كمان عندنا ولايا"
قال جملته الأخيرة بطريقة مسرحية هدفها التخفيف من حدة الحديث ،ثم رحل بكل هدوء مُتجهًا لزوجته ،فهناك حوار عالق بينهما
بينما ظل "سليم" واقف بمكانه يطالع اثره و على لسانه كلمات بسيطة للغاية لكن لها أكثر من معنى :
غيرتك أوى ،بس لو زعلتها هخطفها منك

"و ياريت تزعلها "
لفظ جملته تلك و الغضب يتطاير من عينه ،لكنه ليس بشخص سيء ،هو فقط مشتت و مبعثر الوجدان و حوله العديد من العقبات و الأحزان ،فمن ستظفر بقلبه ؟

تنبيه:
العلاقة بين المخطوبين لها حدود معينة وضعها ديننا الحنيف وتقرها أعراف المجتمع كذلك، من المؤكد أن تجاوز هذه الحدود بأي شكل من الأشكال يكون فيه مفسدة وضرر على الطرفين
لم يحرم الدين الحنيف الملامسات الجسدية بين المخطوبين إلا لما يترتب عليها من مفاسد كثيرة قد لا يُصان فيها العرض و لا يحفظ فيها الدين، كما أنها تفتح باب الشيطان والفتنة وقد تؤدي إلى نتائج وخيمة، إنها تسيء إلى سمعة المخطوبة أكثر لأن الفتاة إذا تركها الخاطب بحجة أنه لم ينسجم معها ولم تتفق أخلاقه مع أخلاقها أصبحت عرضة للتهمة ومثارًا للشبهة ومضغة في أفواه الناس، في الغالب يؤثر ذلك على فرصها في الارتباط ثانية والزواج.
و الجائز بين المخطوبين هو النظر إلى بعضهما فقط لكن دون شهوة أما التقارب و العناق فهى محرمة شرعًا، بل أنه غير جائز أيضًا أن يصافح الخاطب مخطوبته باليد، لأنها لا تزال أجنبية عنه قبل إجراء العقد، والأجنبية يحرم مصافحتها شرعًا لما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة في المبايعة قط، وإنما مبايعتها كانت كلامًا.
من الأدلة الأخرى على عدم جواز لمس المرأة الأجنبية
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"

...............................................................

بعد أن ترك "سليم "توجه مباشره لزوجته ،لم يستغرق بحثه عنها سوى دقائق معدودة ،ابحث عن الجلبة و الصوت العالى و ستجدها دون أى شك ،هذه هى زوجته ،مصدر ازعاج للجميع عداه

تحرك صوبها مباشرة و سحب يدها مُتجهًا لغرفته ،كانت حركته سريعة و نظرًا لارتدائها حذاء ذو كعب عالى أوشكت على التعثر ،لذلك صاحت بحدة و هى تحاول تحرير يدها :
أنت ساحبنى وراك زى البقرة كدا ليه ؟!
سيب ايدى ،أنا بعرف أمشى لوحدى يا "أحمد "

وصل لوجهته و أغلق الباب بينما كانت موظفة الاستقبال الخاصة به ترمقهم بسعادة
التفت لزوجته ما أن تأكد من انفراده بها ،و قال و هو يعانق خصرها :
أحلى بقرة فى حياتى كلها و الله
تضايقت من حديثه ،يتمكن فى كل مره من إثارة حفيظتها و دفعها للتصرف بهوجاء رغم مشاعره لها ،لذلك صرخت فى وجهه قائلةً:
كدا ؟!
طب و الله لأحرمك من البانية لمدة شهر عقابًا ليك على طولة لسانك دى
و أبعد عنى أحسنلك ،أنا مش طايقه نفسى
تركته و اتجهت لتجلس على الأريكة ،مكانهما المعتاد ،بينما قال و هو يقترب منها :
لا مقدرشى أنا على العقاب دا ،دا عقاب قاسى أوى و أنا مش قده

ألقى بجسده على الأريكة و قال بعد أن وضع رأسه فوق ساقها :
ألعبيلى فى شعرى يا وعد
للوهلة الأولى صدمت من تلك الحركة المفاجئة ،كما أنه أنهى حديثه و أمسك بكفها يضعه فوق رأسه يحثها على تنفيذ ما طلب ،لكنها لحظات و كانت تصيح بحده بعد أن سحبت يدها و حاولت رفع رأسه من فوق ساقها :
حد قالك أنك عيل قبل كدا ؟
أنا مش فاضية للعب العيال دا يا أحمد ،احترم أنك مدير الشركة دى ،و بطل فرك شوية
منعها من الإبتعاد و قال ببعض الحدة كى تنصاع لطلبه و تترك ذلك العند :
أنا عيل معاكى بس ،فبطلى نكد و ألعبى و أنتِ ساكته
لم يلاحظ أى يلين منها ،لذلك رفع عينه و قال و هو يطالعها قاصدًا دفع مشاعر الغيرة لديها :
و إلا هروح لحد غيرك
عضت على جدار فمها الداخلى بغيظ شديد منه ،و لكن فى النهاية وجدت نفسها تقوم بما طلب ،تداعب خصلات شعره بحنان شديد و البسمة تظره بوضوع على صفحة وجهها ،تفعل ذلك بكل رضا و حب ،بينما قال هو بسلاسة :
تعرفى أنك أول واحده تعمل كدا ،و الأخيرة كمان ،مفيش ايد أحن من ايدك

دقائق مرت و مازلا على نفس الوضع ،يستلقى هو بأريحية شديدة و تمسد هى بحنان و رقة على رأسه إلى أن لاحظت "وعد" بوجود خطب ما ،حيث تنهد "أحمد" تنهيدة عميقة شعرت من خلالها بأنه يمر بمشكلة ما ،لذلك سالت سريعًا :
أنت زعلان من حاجه يا" أحمد "؟!
احكيلى يمكن أساعدك ،أو على الأقل أخفف عنك
راقت له نبرتها ،حيث ظهر بوضوح قلقها عليه ،فانقلب بجسده مستندًا على مرفقيه و محيطًا بها و هو يقول مشاكسة :
لا مش زعلان ،أنا بس غيران شوية ،و عايز مراتى تهتم بيا ،"غيث "مش أحسن منى ،فاهتمى بيا دلوقتى حالًا

طالعته بحاجب مرفوع ،فابتسم هو لها و قال و هو يسحب كفها يطبع قُبلة رقيقة فوقه :
الاهتمام بيطلب على فكرة ،متبصليش كدا
ابتسمت له فحديثه رغم كل شىء يلامس فؤادها ،و مازال هو يمسك بكفها لا يريد تركه أو الإبتعاد و لو خطوة واحدة بعيدًا عنها ،و قالت هى :
أوعدك أهتم بيك طول ما أنت محترم و متربى

اتسعت حدقيته بذهول من جملته تلك ،فلا علاقة له بالإحترام من أى جانب ،لذلك نهض سريعًا و قال مستنكرًا بشدة :
ايه محترم دى ؟! الكلمة دى مش فى قاموسى
دى إهانه مقبلشى بيها أبدًا
وقفت هى الآخرى أمامه و قالت بسخرية :
هى فعلًا إهانة للى ذيك ،أسحب كلمة محترم دى ،أنت قليل الأدب و متربتش
حاوط خصرها بكلتا يديه و قال بعد أن غمز لها :
مع أنك بتغلطى حاليًا ،بس مش مهم ،أنا بحبك
بسمة صغيرة زينت ملامحها و اندفعت تعانقه بينما كانت تتمتم ببساطة و كأنه أمر مسلم به:
و أنا كمان بحبك يا قليل الأدب

ثنائى استثنائى ،لقبهم و هو بالفعل يليق بهم بشدة
كالشرق و الغرب ،و الشرق شرق و الغرب غرب‏. ،و لن يلتقيا ،أ تكون تلك دلالة على صراع قريب بينهما ؟!

...............................................................

فى ذلك المكان الأسود ،المُقيت ،الذى اعتاد أن يقيم به كل صفقاته المشبوهة و الإتفاقيات الدنيئة ،يقف أمام تلك النافذة يتابع المكان عن كثب ،كما أعتاد دائمًا ،و من خلفه يقف "ياسين " ينتظر أن يبدأ الباشا بالحديث
و بالفعل هتف الباشا متسائلًا بصرامة دون أن يلتفت له :
طلبت تشوفنى ليه ؟! عندك ايه جديد ؟
رد "ياسين"عليه سريعًا :
أحنا مش كان بينا اتفاق ،أنفذلك كل حاجة و تعرف كل اللى بيحصل فى الشركة و فى المقابل تدينى اللى محتاجه
قاطعه الباشا مانعًا إياه من استرسال حديثه و هتف هو بقوة و نبرة لا تقبل النقاش :
و أنت فعلًا بتاخد كل اللى محتاجه ،أهلك اللى بتصرف عليهم من فلوسى ،الشقه اللى عايش فيها و اللى مكنتش تحلم بس تعدى من جنبها بمستوالك دا ،style لبسك اللى اتغير و بدل داخله و بدل خارجه ،كل اللى أنت فيه دا أنا اللى عملته و مع ذلك مبخدش المقابل ،فتافيت اللى بحصلها منك فى الآخر و مع ذلك سايبك عشان حاجه فى دماغى .
رغم انك لحد اللحظة دى مجبتليش "غيث" راكع زى ما اتفقنا و سايبك تلعب على خفيف عشان بس مش فاضى ليكم دلوقتى

ألجمته تلك النبرة و طريقة حديثه و تضايق بشدة لذكره لوضعه المادى و ما يحصل عليه من خلاله ،يكره فقره و يكره فاحشى الثراء
و أخرح الباشا إحدى سجائرة ثم أشعلها و بدأ فى استنشاق هوائها ،غير عابىء بالواقف خلفه ،كأن لا وجود له
طال الصمت بينهما إلى أن هتف "ياسين" فى النهاية باسمها :
و رنا ؟
مش كان اتفقنا انها تكون ليا فى الآخر و عشان كدا متكلمتش و سبت الدنيا تمشى
ضرب "الباشا" بكف يده على النافذة مما أحدث صوتًا عاليًا و كذلك نبرته التى ألقى بها كلماته التالية :
لا أحنا متفقناش ،أنت اللى حطتها بمزاجك فى اتفقنا بعد ما حلت فى عنيك ،بس أنا لا وافقت و لا رفضت
مش حاجه تستاهل أشغل بالى بيها حتى ،أنا ورايا حاجات تانيه أهم بكتير

"و نصيحه يا ياسين ،ركز فى شغلك عشان تقدر تصرف على أهلك "
لفظ جملته الأخيرة بنبرة تهديد صريحة ،قاصدًا بها إبعاده عن تلك الفتاة ،فلم يحن دورها بعد ،تاركًا إياها لنهاية مخططه إن لزم الأمر
لم يتحمل كلماته تلك ،لقد سئم من الأمر ،سئم من فقره الذى يتخذه علكة يمضغها فى كل شىء يفعله ،و صاح فى النهاية متسائلًا بإستهجان:
أنت بتعايرنى بفقرى تانى ؟
إبتسامة جانبية و استنشق النفس الأخير من سيجارته ثم ألقاها على الأرض داعسًا عليها بقوة و هو يقول :
أنت اللى حاطط فقرك عقبة ليك فى كل حاجه ،و دا مش ذنبى ،فى ناس بتتولد أغنياء و ناس بتعيش و تموت فقرا

طُفح الكيل ،لم يعد بإستطاعته التحمل أكثر من ذلك ،فتقدم ناحيته و قال و هو يضرب بكلتا يديه على المكتب الصغير الشبه متهالك بهذه المكان و الذى يقف الباشا أمامه لكن مواليًا بظهره موجهًا وجهه للنافذه:
بس أنا نفذت كتير ،العمارة اللى وقعت ،صورته اللى اتبهدلت فى الجامعة أكتر من مرة ،كل المشاريع اللى كان بيخسرها ،اتفاقية الكويت اللى كانت هتروح منه ،و مشاكل كتير أوى حصلت فى الشركة ،مبيعديش أسبوع اللى ما بيكون واقع فى أزمه جديدة
أنا بعمل اللى محدش من رجالتك قدر يعمله ،دايمًا مخليه قلقان ،مش عارف يطمن ،مش قادر أصلًا

"مش دا اللى أنت عايزه ؟ مش دا طلبك؟! "
صرخ"ياسين "بجملته الأخيرة بكل قوة يمتلكها
و كجبل من الثلج كان "الباشا" ،و كأن الصراخ و الحدة التى تصرف بها "ياسين" لا تعنيه :
و كل دا بتاخد تمنه ،و أكتر من تمنه كمان ،و أمشى دلوقتى عشان مش فاضيلك

رغم كل غضبه و نفوره من ذلك الرجل و لكن"ياسين" امتثل فى النهاية لكلماته و رحل ،بينما أخرج "طارق" هاتفه و طلب إحدى الأرقام التى يحظفها و ما هى إلا لحظات و كان صوته يصدح بسؤال غامض:
الشحنه الجديدة وصلت ؟
رد عليه الطرف الثانى مؤكدًا بوصول ما يريد ،فابتسم "طارق" باتساع ثم قال :
تمام ،تتشحن على فيلا "غيث "بهدوء ،مش عايز شوشرة فى المكان
أنهى مكالمته و التفت يتابع الطريق مجددًا و هو يحدث نفسه بخبث:
الغبى شاغل باله بحتت عيلة صغيرة ،و سايب الهدف الرئيسى ،كل اللى شاغلين معايا شوية أغبيه و حمير

مجددًا "طارق "و مجددًا ألاعيبه و محاولته الغريبة للتحكم "بغيث" ،أ هى رغبة فى التحكم فقط لا أكثر أم مرض نابع من السلطة التى يتحلى بها ؟
و ما علاقة "فيلا غيث" بكل هذا العبث ؟

...............................................................

عاد من عمله سريعًا مُتلهفًا لملاقاة زوجته بعد أن حضر لها هدية ظل لأيام عديدة يدخر لأجلها و كأنه لم يكن فى خضم معركة منذ بعض الساعات
ترك تلك الهدية خارج المنزل ، أمام البوابة الرئيسية و دخل متجه لغرفته دون أن ينعطف لأى مكان آخر ،كانت"عفاف" تستلقى على الفراش فهذا يوم فراغها و لم تتوقع مجىء زوجها مبكرًا و لكنه دخل بشكل مسرحى محدثًا صوتًا عاليًا و دون أن يتحدث سحب زوجته بعد أن ألقى عليها وشاح كى تغطى رأسها ،كانت تسير خلفه و لا تعرف إلى يتجه بها ؟!

"واخدنى على فين يا مالك ؟!"
صدح صوتها فى النهاية متسائلةً عن وجهتهما ،و لكنه لم يتوقف بل التفت لها رمقها بنظرة سريعة ،احتارت هى فى تفسيرها ،ثم سار خلفها و قال و هو يضع يده على عينها يحجب عنها الرؤية و يدفعها للتقدم للأمام:
شششش ،غمضى عينك و أمشى لقدام
أخذها للخارج ،و أزاح يديه و قال بينما كان يشير لهديته التى أعدها لها :
ايه رأيك ؟
ابتسمت باتساع ،كانت سيارة باللون الأزرق الداكن متوسطة الحجم و بها خط أبيض يحيط بأجزائها السفلية ،تبدو شبابية للغاية و نالت إعجابها بشدة ،لذلك هتفت بسعادة :
حلوه أوى ،مبروك يا ياحبيبى
ابتسم"مالك" لها و قال بعد أن طبع قُبلة رقيقة على كفها و من ثم و ضع بذلك الكف مفتاح السيارة :
لا مبروك عليكى أنتِ ، أنا جيبهالك ،مينفعشى الدكتورة عفاف تركب مواصلات بعد كدا ،مبروط عليكى يا أحلى حاجة فى حياتى
تسمرت"عفاف" بمكانها ،لم تتوقع أن يحضر لها شىء كهذا ،لذلك هتفت سريعًا رافضة :
لا يا مالك دى شكلها غالية ،أنا مش موافقه و بعدين....
قاطعها مانعًا إياها من إكمال حديثها و قال هو بقوة :
مفيش حاجه تغلى عليكى يا عفاف
أنا كان مفروض اجبها من زمان ،بس مكنشى معايا سيوله كفايه لدا
أغرورقت عيناها بالدموع ،متأثرة بحديثه و تفكيره الدائم بها ،كلمة حب قلية على مشاعرها ناحيته ،لقد كان عشقًا منذ الوهلة الأولى ،بعد أول صرخة لها معلنةً أنها على قيد الحياة
ابتسمت له و قالت بينما كانت تحاول كفكت دموعها :
أنا مش عارفه أقولك ايه ؟!
اقترب هو منها و قال بمشاكسة معتادة :
مش محتاجه تقولى حاجه ،أنا هعمل يا حرمى المصون
قال ذلك واندفع يحيط خصرها بكلتا يديه و يلقى برأسه على كتفها ،معانقًا إياها بقوة ،استكانت للحظات بين يديه ،شاعرة بدفىء أنفاسه ،و لكنها عادت للواقع سريعًا و هتفت بإعتراض بينما كانت تحاول ابعاده عنها بخجل :
لاحظ أننا يعتبر فى الشارع و مينفعشى كدا ،ممكن أى حد معدى يشوفنا
لم يسمح لها سوى بخطوة بُعد واحدة ،فقد سئم من كل شىء إلا قربها المحبب لفؤاده ،فقال بينما كان يسحبها مجددًا ليعانقها :
و أنا من امتى بيفرق معايا المكان و لا الزمان و لا حتى الناس ؟!

دام قربهم للحظات ليست بالقصيرة ،إلى أن عكر صفوها سؤال ما ،فهتفت هى به دون تخطيط :
هى والدتك عرفت ؟!
ابتسم "مالك" بسخرية ،فحتى اللحظات البسيطة لا يمكنه أن ينعم بها ،و مع ذلك تحدث فى النهاية بتهكم :
طالما لسه الدنيا بخير و مولعتش يبقي لا الحمدالله
و لكن لم يكد يكمل حديثه حتى سمع شهقة عالية صادرة من المنزل ،فعرف وقتها أن ما يخشاه حدث ،لذلك صاح بأستهزاء:
أهى ولعت
لاحظ الضيق البادى على وجه زوجته ،فقال و هو يدفعها للتقدم للداخل :
أطلعى أنتِ ،و ملكيش دعوى بيها و لا تكلميها ،سبينى منى ليها
امتثلت لما طلبه منها ،و همت بالدخول و هى تتحاشى الاقتراب من والدة زوجها ،و لكنها لم تسمح بذلك ،أمسكتها من رسغها وقالت بينما كانت تضغط عليه بشدة :
استنى رايحه فين يا بنت سندس ؟
لكن زوجها تدخل فى الأمر و حررها من ذلك الحصار و قال مخاطبًا والدته بصرامة :
جايه من الشغل تعبانه و طالعه ترتاح يا أمى
حدجته "سهير"بنظرات نارية و هى تهتف بكره و غضب :
و هى ملهاش لسان ترد عليا يا ابن بطنى
أشار"مالك" لزوجته بالصعود للأعلى تاركة له المجال للتعامل ،و وقف هو أمام والدته يطالعها بضيق شديد بينما كان يلفظ بعض الكلمات بحدة :
لا ليها ،بس أنا حابب أرد نيابه عنها ،مراتى و بحبها و عايز أريحها ،و محدش ليه عندنا أى حاجه
شعرت و كأن ألسنه من النيران تحيط بها من كل إتجاه ،فقدت ابنها ،فقدت المسخ الذى ظلت لأعوام تفسده كى يطيح بعائلة "راشد" بأكلمها و تحصل هى على الجائزة الذهبية فى النهاية دون أى عناء ،دون نقطة دماء واحدة
صاحت فى النهاية بإستنكار مغلفًا بالسخرية:
حالك مبقاش عاجبنى يا ابن بطنى
توقعت أن ينصاع لها ،توقعت على الأقل أن يرق لها كما السابق و لو للحظات ،و لكنه ألقى بكلماته كدلو ماء بارد فوق رأسها :
حالى عمره ما عجبك
أنهى حديثه و هم بالرحيل ليلحق بزوجته و لكنها أوقفته حين تفوهت بحقد :
عرفت أن ابوك عايز يدى لبنت الخدامه ورثها ،نص كل حاجه و حاشرها فى كل شبر لينا ،كأنه مش كفايه سيرتها اللى بتنغص عليا حياتى ،لا دا عايزاها تشاركنا ،عشان "منى" و بنتها يوصلوا للى كان نفسهم فيه من زمان و مش بعيد بعد الفلوس توصل لصاحبها كمان ،ما خلاص" الحاج راشد "مات و أبوك يقدر يعمل اللى نفسه فيه
سحب "مالك"نفسًا عميقًا يملىء رئتيه بالهواء و يحاول تهدئة نفسه بعد كلمات والدته المسمومة ،يعرف جيدًا أنها تتعمد إثارة حفيظته و مع ذلك ما زال يتسمك بآخر ذرة لديه و هو يقول :
عرفت و مش فارق معايا ،دا حق عمى و هى بنته الوحيدة ،و أنتِ عارفه أنه عمره ما هيعمل كدا ،مرات عمى هتفضل مرات عمى الله يرحمه ،و مش أكتر من كدا ،فبطلى تفكرى كتير،طلعيهم من دماغك عشان ترتاحى

ظن أنه ألجمها بحديثه و ستتركه يرحل ،و لكنها فاجئته حين صاحت قائلةً بحقارة:
و يا ترى أنت طلعتها ؟!
نسيت اللى هى عملته فيك زمان ؟! نسيت الضرب اللى خدته بسببها كذا مره ،نسيت حبستك بالساعات فى الأوضة ممنوع عنك الأكل و الشرب بسببها ،كأنك حيوان مش انشان زى بنت منى
ثم أشارت لجذعه العلوى ،مكان إصابته بذلك الحرق القديم و الذى مازال يعانى من آثاره حتى هذه اللحظة و لم تكتفى بالتلميح فقط بل قالتها صريحة دون أى مراعاة لحالته:
نسيت الحرق دا يا مالك ؟
قولى نسيته
و لم تتوقف عند هذا الحد ،بل أكملت فى بخ سمها بكل براعة و إتقان :
طب بلاش دا ،نسيت اللى أنت عملته ؟
بلاش تحسسنى انى وحشه أوى ،و أنت عارف اللى فيها
بنت منى تستاهل كل اللى حصلها و اللى هيحصلها و مش هتاخد قرش واحد من فلوسنا
أنا و أنت زى بعض ،هدفنا واحد ،منى و بنتها ملهومشى أى حاجه عندنا ،ولو حكمت هتكمل اللى كان لازم يكمل زمان

طُفح الكيل ،أيقظت الوحش بداخله ،أيقظته بكل خسة و حقارة ،لم يعد بإمكانه الصمود ،حيث وجد نفسه يندفع ناحية والدته ،دافعًا إياها للحائط خلفها بشكل عنيف و بينما كان يتحرك هو الآخر أسقط المزهرية المتواجدة فوق الطاولة و التى بدورها تهشمت للعديد من القطع لكنه لم يهتم بل واصل تحركه و هو يدفع والدته بينما كان يصرخ فى وجهها بكل غضب :
عايزه ايه ؟
عايزه تقولى انى زباله ،و حيوان ماشى و را غرايزه
و لا خسيس حاولت أتعدى على شرف بنت عمى ؟ و لا حابه تفكرينى بكل غلطة سودا عملتها عشانك و بسببك
كان يتحدث و صدره يعلو و يهبط من فرط غضبه و ضيقة ،بينما كان الذعر يتملك "سهير" بمعنى الكلمه ،خائفة منه ،من أى رد فعله قد ينتج عن غضبه ،و ابتسم "مالك" حين لمح ذلك الخوف و أكمل حديثه قائلًا:
لا استنى ،أنا اسوء ،أنا مكتفتش بكل اللى عملته ، أنا عقدتها ،خلتها تخاف منى ،تخاف حتى من اسمى ،و مش ندمان ولو لذرة واحدة

"مش دا اللى عايزه توصلى ليه ؟ مش دا اللى عايزه تفكرينى بيه كل فتره و حابه تسمعيه؟"
صدح صوته بتلك الكلمات و هو فى أوج عنفه و غضبه ،كانت نبرته صاخبة للغاية ،استمع لها كل من بالمنزل و لم يكتفى بذلك ،بل أكمل صراخه و هو يهز والدته بكل قوة :
انطقى ،مش هو دا ؟!
انطقى ،ساكته ليه؟ ليه مصرة تطلعى الوحش اللى جوايا؟ ليه ؟!
كان جسدها يرتطم بالحائط من خلفها و لم يكن "مالك" بكامل وعيه ،يصرخ و يدفعها للخلف و ملامحه خالية من أى تعبير ،كأن هناك شىء ما يتحكم به ،يدفعه لتلك التصرفات و هو مغيب بالكامل ،حتى مع هتاف زوجته باسمه :
مالك
و التى هرعت ما أن استمعت لذلك الصراخ ،و كادت تتعثر على السلم لولا أن لحقت بها "مايا" وقامت بسندها بينما كانت تتسائل بجهل شديد:
فى ايه ؟!
لم تعرف "عفاف"بما ستجيبها ،لم يكن أمامها أى فرصة للتفكير بالأمر ،هى فقط هرولت لزوجها تحاول منعه من إرتكاب أى فعل قد يندم عليه فيما بعد ،لكنه لم يقبل بإقترابها منه ،و صرخ بوجهه :
ابعدى عنى
كان "مالك" مايزال على وضعه ،يمنع والدته من التحرر من حصاره و فى نفس الوقت يعنف أى أحد يحاول الإقتراب منه ،و يلقى بكلماته دون أن يدرك معناها :
ابعدوا عنى كلكم ،مش عايز أشوف أى حد فيكم
لكن زوجته لم تستسلم و أمسكت بذراعه تحاول إبعاده عن والدته ،و تلقت على إثر محاولتها تلك دفعة قوية منه ،مما جعلها ترتطم بالأرض بعنف شديد و للاسف سقطت بالقرب من الطاولة و عل قطع الزجاج المتناثرة ،جرحت يدها جرحًا غائرًا و ما أن رأت "مايا" الدماء صرخت باسمها بقوة :
عفاف
التفت "مالك"سريعًا و حين رأى زوجته على الأرض و تقطر دمًا من كف يدها صدم ،أو عاد لوعيه ،و حين عاد تألم بشدة ،تالم من أفعاله و من تلك النظرة التى اعتلت وجه زوجته ،و كأنها تخبره
"لقد جرحت قلبى قبل كفى يا زوجى العزيز "

و هذا ما لا يقدر عليه ،لجأ للهروب ،ككل مره يستيقظ فيها بعد أن أفعال الآخر ،من يتملكه حين يعبث أحد بماضيه
للاسف ،لقد بات تحت سيطرة من لا يرحم ،و سيعانى الكل ،و على رأسهم "مالك" نفسه .

...............................................................

استيقظ"غيث" من نومه أخيرًا ،شاعرا براحة كبيرة لم يعهدها منذ فترة طويلة ،طالعها بحيرة يحاول تذكر كيف ألت الأمور لتلك النقطة بالتحديد ،فها هو يستلقى على الأريكة ،و رأسه فوق الوسادة الموضوعة على ساقها و هى تربت على رأسه برقة شديدة ،و لكنه سرعان ما ابتسم لها ثم تنهد تنهيدة عميقة و قال بشاعرية تلائم الموقف للغاية :
"لَا أَدْرِى هَلْ أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ أَمْ كَانَ ذَلِكَ إِشْرَاقَ وَجْهِكِ؟!"
عقدت"رنا" ما بين حاجبيها بحيرة ،ثم تمتمت بسلاسة :
شروق ايه و غروب ايه ؟
أنت عارف الساعه كام دلوقتى ؟!
ابتسم لها فقد اعتاد دائمًا على الرد الغير مناسب حين يكون شاعريًا معها ،ثم هتف متسائلًا بينما مايزال مستلقى على الأريكة :
هى الساعة كام دلوقتى ؟
ردت عليه سريعًا دون أن تستعين بساعة يدها فقد كانت تراقب الدقائق لتعرف مدة استغراقه فى النوم :
تقريبًا سبعة
اتسعت حدقتيه بذهول شديد و نهض سريعًا و هو يهمس بغير تصديق :
أنا نمت كل دا بجد ؟!
أجابته "رنا "بعد أن نهضت هى الآخرى:
تقريبا كنت بتعوض سهر الأيام اللى فاتت كلها
ظلت لعدة ساعات جالسة على نفس الوضعية لذلك شعرت ببعض التخدير بساقها ،و لاحظ هو ذلك ،فهتف سريعًا :
أنا فى العادى مش بنام أكتر من أربع خمس ساعات بالكتير و بيكون بسبب المنوم كمان أو الشغل الكتير ،فبرجع مهدوم و بنام
ابتسمت له و قالت بهدوء و كأن ما تقدمه شىء عادى :
أنا هساعدك تنام لأطول فترة ممكنه بعد كده

لقد شعر ببعض الدغدغة ،نعم كلماتها لامست قلبه مباشرة ،ربما لا تجاريه فى التلميحات و العبارات الشاعرية المعسولة و لكنها تتحدث بصدق دون أى تخطيط أو رياء ،هى فقط تهتف بما يخطر على ذهنها ،بريئة و كلماتها لها وقع خاص عليه
وجد نفسه فى النهاية يهتف متسائلًا بجدية ،غير مصدق أنها بكل تلك الوداعة ،و معه هو ،بالأخص معه:
و المقابل ؟!
سحبت حقيبتها و قالت بينما كانت تتجه للباب :
من غير مقابل أنا عايز اساعدك زى ما بتساعدنى دايمًا
لكنه أسرع يمسك بساعدها الأيمن ،قاطعًا بعض الخطوات ليكون أمامها ثم قال و هو يطالعها :
شكرًا يا رنا
أراد الإقتراب أكثر ،و طبع قبلة رقيقة فوق كفها ،هذا كل ما كان يشغل تفكيره فى تلك اللحظة ،لكنها ردت على حديثه بطريقة جافة بعض الشيء :
عفوًا يا دكتور
و هذا ما أفسد مخططه ،و لكنه لم يحزن ،ابتسم بإستهزاء على حالته ،فقد عاد لمراهقته التى لم ينعم بها من الأساس .

و ما أن خرج"غيث" من غرفته حتى لمح تلك الورقة التى ألصقها صديقه ،فانتشلها سريعًا و أخفاها فى جيبه قبل أن تراها زوجته ،متوعدًا لذلك الشقى بعراك جديد.

...............................................................

فى نفس التوقيت كانت "ليلى" فى المشفى ،تسعف أحد الأطفال الذى توقف قلبه عن العمل فجأة دون أى سبب لذلك ،و يقوم طاقم التمريض بنقله على العربة المتنقلة و "ليلى" تجثو فوقه تحاول إسعافه بينما كانت العربة تتجه مباشرة لقسم الطوارئ
و صوت" ليلى "يصدح فى أروقة المشفى بكلمة واحدة:
بسرعة
واصلت حديثها بصوت عالى كى يتنحى كل من يعترض طريقهم و مازلت هى تحاول اسعاف ذلك الطفل :
اتحركوا بسرعة

و فى نفس التوقيت أنهى"هشام السويدى " إحدى دورياته على قسم العظام و خرج و لكن لفت انتباهه ذلك المشهد ،وقف يتابعه بشعف ،أعجب بقوة بتلك الفتاة و راقت له للغاية ،و بين الإعجاب و الفضول تمتم بهدوء :
كان غبى لما ضيعك من بين أيديه

بعد فترة كانت "ليلى" تقف خارج المشفى فقد أنهت عملها و أطمأنت على ذلك الصغير و استلم طبيب الطوارئ المناوب تلك الحالة .
وقفت هى تطالع السماء و التى باتت بالون الأسود القاتم نظرًا لتأخر الوقت بالإضافة لفصل الشتاء ،سحبت نفسًا عميقًا ثم قالت بحسرة :
واحشتنى يا آدم ،واحشنى أحكيلك عملت ايه ،كان زمانى بجرى عليك لو كنت لسه معايا
صمتت للحظات تطالع المارة بضياع ،و لفت انتباهها زوج يسير برفقة زوجته و أيديهم متعانقة ،ابتسمت على هذا المشهد و همست هى بألم:
أحكى لمين دلوقتى ؟ و يفيد بايه الحكى و أنت بعيد عنى ؟!

مر بجانبه إحدى الدرجات البخارية و كان صاحبه يستمع لاحدى الأغانى رافعًا الصوت للغاية:
يا عالم هشوفه لو صدفة يوم
لا بيجيلي نوم و لا بنساه
و فرصة رجوعنا بتنقص أكيد
و هو بعيد و فين القاه؟
وفكرة أكمّل و أنا مش معاه
مبتجيش في بالي كإن الحياة
خلاص واقفة عنده و رافضة أنا أعيش
و بفضل مكاني و بستنّاه
أنا كل مدى بلاقي اللي فات
مصمم ميقلبش ليه ذكريات
نصيب تاني أرجع أحسّ بحياة
مسابش لسؤالي عليه ليه مجال
و بالحرف قال مفكّرش فيه
كإن اللي بينّا حكاية يومين
مهيّاش سنين و ضاعت عليه
و فكرة أكمّل وانا مش معاه
مبتجيش في بالي كإن الحياة
خلاص واقفة عنده و رافضة أنا أعيش
و بفضل مكاني و بستنّاه
أنا كل مدى بلاقي اللي فات
مصمم ميقلبش ليه ذكريات
و بتأكد اني ف غيابه ماليش
نصيب تاني أرجع احسّ بحياة

و كأنها كانت تنتظر ذلك كى تبكى ،فقد لامست تلك الكلمات أعمق نقطة بفؤادها و دون أى وعى منها امتلىء وجهها بالدموع ،حسرةً و ألمًا و حزنًا على ذلك العشق الضائع .
حاولت لملمت شتات نفسها و الرحيل سريعًا قبل أن يراها أحد ،لكن كان هناك من يتابعها منذ لحظة خروجها .

تنبيه:
كونك تستمع للأناشيد التى تحتوى على موسيقي فهذا ذنب و كونك تشاركها مع الآخرين فتلك معصية و مجاهرة بها
إن الأغاني من المنكرات و لا يجوز الإعانة على نشرها والاستماع إليها؛ إذ في هذا تعاون على المعصية، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك بقوله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.{المائدة: من الآية2}.
ومن ساعد على نشر إثم أو معصية فعليه وزرها ووزر كل من عملها بعده، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ. رواه مسلم

...............................................................

فى اليوم التالى
بعد أن أنهى "غيث "عمله بالجامعة و عاد أدراجه هو و صديقه للشركة كى يصطحب كل منهما زوجته

كانت "رنا" تنتظر فى المرأب و ما أن أتى صعدت سريعًا لكى يرحلا مباشرة لمنزلهم ،لكن بمجرد وصولهم وقفت أمام الباب لا تريد الدخول ،و هذا ما اثار حيرة زوجها ،لذلك هتف متسائلًا بدهشة :
فى ايه ؟ مش عايزه تدخلى ليه ؟!
اثار سؤاله بداخلها خوف أكبر و مع ذلك حاولت أن تخفى ذلك و قالت بهدوء بعد أن دخلت و هى تمسك بحقيبتها بقوة كبيرة :
مفيش
لاحظ هو ذلك الخوف و التردد فى إجابتها ،كانت تتحرك مُبتعدة عنه فدخل هو و أمسك برسغها مما جعلها تلتف لتكون مقابلة له ،اعتلت ملامح وجهها نظرة الدهشة من هذا التصرف ،و لكنه تحدث مستفسرًا بجدية :
رنا ،فى حاجه حصلت ؟! فى حد ضايقك
حاولت الفرار من مرأى عينيه ،كى لا تسقط أمامه معترفة بعدم ارتياحها لوجود والدته ،و لكنه فطن ذلك بسهولة و قال :
هى ضايقت ،صح ؟
ردت سريعًا دون أن تعى ما تقول :
أه
و لكنها أدركت ما تفوهت به و راحت تعدل إجابتها فورًا بالنفى :
لا ،لا محدش ضايقنى
رغمًا عنه شعر بالاسى تجاهها ،تتحمل شىء لا دخل لها به ، هى والدته و اعتاد ذلك لكن هى بأى حق ستتورط هى بتلك العلاقه السامة ،أخفض رأسه و قال بصدق بينما كانت عيناه متعلقة بخصاتها :
آسف
ألجمها اعتذاره ،لم تتخيل أن يتأسف لها على شىء لا علاقة له به ،تجرأت و أمسكت بكفه و قالت بهدوء :
حضرتك مغلطش عشان تعتذر و بعدين فى أى بيت طبيعى أن يحصل خلاف بين الحماة و مرات ابنها ،أحنا لسه مش متفاهمين عشان فى الأول يعنى و كمان

لكن لفت انتباهه ورقة مطوية على الطاولة الرئيسة ،فابتسم بسخرية شديدة ،فقد أدرك محتواها دون حتى أن يتفحصها ،لكن ابتسامته تلك ضايقت الواقفة أمامه ،فتركت يده و تحدثت بحدة طفيفة :
بتضحك على ايه ؟!
أنا قولت لحضرتك مليون مره مش بحب حد يتريق على كلامى
تركها و اتجه مباشرة لما اثار سخريته ،قرأها على عجالة و تأكد من حدسه ،ثم ناوله لها و قال :
بضحك على دى
أخذت تلك الرساله منه و قرأتها ،و التى كان محتواها ينص على أن "الطبيبة منال" غادرت إلى إحدى المؤتمرات كالعادة و ستعود بعد قرابه الأسبوعين ،اثارت تلك الطريقة دهشتها لذلك هتفت قائلةً :
طب ما كانت تبعت message على ال phone أسهل
ليه التعب دا؟!
أجابها" غيث "بينما كان يتجه لغرفته ليخلع معطف بذلته :
هى بتعمل كدا عشان دى طريقتى اللى بحبها
شمر عن ساعديه و خرج مُتجهًا للمطبخ يعد له كوب قهوة ،بينما كانت" رنا "تسير خلفه تفكر فى حديثه و تهتف مستفسرة :
بتحب ايه ؟!

أراد أن يصرخ فى وجهها بذلك الإعتراف و ينهى كل تلك المراوغة بينهم
"بحبك أنتِ"
ثم يندفع ليعانقها بقوة شديدة ،مهمشًا كل تلك الأسوار العالية بينهم ،و لكنه آثر الصمت و استمر فى تقليب محتويات الكوب خاصته بهدوء يناقض ما بداخله

بينما استمرت هى فى متابعته منتظرة الإجابة على سؤالها و حين لم يتحدث ،عاودت كرتها مجددًا و قالت :
حضرتك مردتش عليا لسه !
أنهى صنع قهوته ،و بدأ فى ارتشاف بعض القطرات رغم ارتفاع حرارته ثم قال :
بحب الرسايل أكتر ،كانت طريقة تعبيرى على اللى بيضايقنى و أنا طفل
حين ذكر طفولته ،ابتمست هى و تذكرت الأيام الخوالى ،ثم قالت مسترجعة طفولتها هى الآخرى :
أنا بقى كنت بصرخ لما كنت بضايق ،أو على أقل تقدير كنت بتخانق مع اللى بيقابلنى فى وشى

راق له أنها تشاركه بعض لمحات طفولتها ،شعر بتقاربهم يزداد رويدًا رويدًا ،رغم بطىء المعدل و لهفته الشديدة فى الإسراع و لكنه سيتأنى إلى أن تمنحه الضوء الأخضر و تشاركه كل شىء ،بدأ من مخاوفها التى تخشى الإفصاح عنها ،سحب نفسًا عميقًا ثم قال بتهكم :
كنتى طفلة مزعجة يعنى ؟!
بس مش باين عليكى خالص
ابتسمت باتساع و بدأت فى سرد بعض الذكريات التى تعشقها :
كلمة مزعجة دى قليلة ،أنا كنت كارثة و شقية جدًا دايمًا بعمل مشاكل ،و بتخانق كتير ،بس بابا حبيبى كان دائمًا بيدعمنى فى أى حاجة مجنونة بعملها ،إحنا الاتنين كنا مجننين ماما حرفيًا

"بس دا كان زمان يعنى متقلقش "
لفظت تلك الجملة ببعض لمحات الحزن المرسومة فوق صفحة وجهها
لكنه بدد ذلك سريعًا حين قال :
مش قلقان ،اتشاقى براحتك يا رنا ،طالما فى نطاق البيت دا ،و معايا و بس
و قبل أن تجيبه أو تصدر أى رد فعل صدح صوت جرس الباب ،فترك الكوب الخاص به على الطاولة و قال :
هشوف مين

"بابا !"
صدح صوته بتلك الكلمة ما أن فتح الباب ليتبين هوية الطارق .

...............................................................

كانت" عفاف" تفترش الأرض ،مردتية ردءا صلاتها و متكورة على نفسها ،تبكى بحرقة و ألم من ليلة أمس و هى على تلك الحاله ،لا تفعل شىء سوى الصلاة و و مناجاة ربها ،لا يمكنها أن تساعد أقرب الأشخاص لها و لا تتلقى منه سوى الأذى بجميع الصور
راقت تلك الصورة "لسهير" ،و وقفت تراقب انكسارها بسعادة شديدة ،فها هى تقترب من تحقيق ما تريد
دخلت للغرفة و هى تبتسم بخيلاء و تقول :
دى مكانتك دايمًا
رفعت"عفاف"رأسها تطالعها بضياع شديد و الدموع تملىء مُقلتيها و اثار بكائها السابق ما زال يعلو قسمات وجهها ،و أكملت تلك الأفعى حديثها بحقارة:
على الأرض ،مذلولة ،زى أى خدامة بنت خدامة
قولتك بكرا يزهق منك ،دا ابنى و حفظاه ،أنتِ بس كنتى بعيدة لكن أول ما طالك خلاص معدشى ليكى أى لازمه ،زيك زى اللى قبلك و اللى هتكون بعدك

لم تقوى"عفاف" على الحراك ،فاكتفت ببعض الكلمات المقتضبة برجاء :
أطلعى برا ،أرجوكى أطلعى برا
لكن لم تعهد تلك الأفعى على ترك فريستها هكذا بكل سهولة ،انحنت بجذعها لتصبح فى نفس المستوى و قالت بعد أن أمسكت بذقنها بحدة :
دا ابنى ،تربية ايدى ،شرب الكره منى و هيشربه ليكم كلكم
وصدقينى بكره تندمى على جوازك منه ،مع انى شايفه بكره قدام عينى حالًا يا بنت سندس

"خلاص النار اللى اتحرق بيها زمان هتحرقكم كلكم "
لفظت فى النهاية ببعض الكلمات الغامضة ثم رمقتها بسخرية و نهضت لتغادر الغرفة ،لكن أعترض طريقها ابنتها و التى طالعتها بيأس شديد ،فلا فائدة على الاطلاق من تلك المرأة ،يجرى الكره فى دمها ككرات الدم و ربما أكثر

و لكن ما أن أبصرت "مايا "حالة زوجه شقيقها ،أسرعت لها تعانقها و لم تمانع الآخرى،فهى فى أمس الحاجة لذلك ،فلقد أمضت ليلة كارثية فى التفكير ،و اتخذت قرارًا سيؤلمه للعديد من الأيام و ربما الأعوام.

...............................................................

كان يجلس بقرب والده على الأريكة الرئيسية و زوجته بالمطبخ تحاول إعداد بعض المشروبات السريعة

لا ينكر "غيث" سعادته بقدوم والده و لكن انتابه الفضول و بعض القلق ،ولاحظ والده ذلك ،فهتف مباشرة موضحًا سبب قدومه:
أنا اتاخرت شوية ،بس انشغلت بكذا مؤتمر و كنت مشرف على كذا مناقشة دكتوراه
عقد "غيث" ما بين حاجبيه بتعجب ،و بناءًا عليه هتف متسائلًا بحيرة و دهشة :
اتاخرت على ايه ؟! مش فاهم
أجابه بينما كان يخرج الأوراق التى توجد بحقيبته و يناوله إياها بإبتسامة عريضة :
مبروك يا غيث ،دى هدية جوزاك ،أتمنالك حياة سعيدة مع اللى اختارها قلبك المرادى
لم يفهم"غيث" فى البداية على ماذا يتحدث والده؟
لكن ما أن أبصر محتوى تلك الأوراق ،صاح بصدمة و دهشة :
ازاى ؟!
أنا كنت لسه بوعد"رنا" بشقه لينا هناك قريب
رد عليه بحنان شديد ممارسًا بذلك دور الأبوة النادر قيامه به :
أنا عارف أن زى ما المدينة دى جرحتك برده داوتك من حاجات كتير أوى ،بتهرب لهناك دايمًا ،فكنت عايز يبقي ليك مكان خاص بيك هناك ،أنا مليش غيرك أنت و" ليلى" ،و دورى هو تحقيق أحلامكم يا "غيث "

"مهما كبرت هتفضل ابنى اللى مستنى منه أى طلب عشان أحققهوله"
تفوه فى النهاية ببعض الكلمات البسيطة ما أن لاحظ خروج زوجة ابنه من المطبخ
و التى حضرت بدورها وقالت بينما كانت تقدم المشروبات :
أنا عملت لحضرتك نسكافيه عشان مش بعرف اعمل قهوة كويس ،بس النسكافيه بتاعى هايل و ليه وش كمان
طالعها"غيث" بإبتسامة بسيطة ،تتمكن من زحزحة كل الضيق بكلمة واحدة بينما ابتسم"سامح" لها و قال بعد أن ارتشف بعض القطرات من المشروب الذى أعدته :
أنا مش بحب غير القهوة ،بس شكلى بعد كدا هحب النسكافية ،طالما منك يا مرات ابنى
و من ثم التفت لابنه و لفظ بسؤال روتينى :
ناوين تروحوا شهر عسل فين ؟
كان يجلس بقربه واضعًا قدمًا فوق الآخرى يفكر فى سؤاله ذلك ،لم يخطر على باله نظرًا لسرعة الأحداث المتلاحقة ،فهتف فى النهاية بحيادية :
مش عارف لسه بس أعتقد ...
لكن صدح صوت زوجته قائلةً بعدم ترتيب مفسدة الأجواء و مقاطعة له :
مش هنروح أصلًا

فى نفس التوقيت أصدر هاتف "سامح "صوتًا عاليًا معلنًا عن اتصال طارىء من المشفى ،فنهض سريعًا متجهًا للشرفة ليجيب عن ذلك الإتصال
و ما هى إلى لحظات و عاد و هو يقول :
معلشى يا "غيث "بس مضطر أمشى حالًا
هتف الآخر مسرعًا بقلق واضح بعد أن نهض :
فى حاجه حصلت ؟
اقترب "سامح" منه و وضع يده على كتف ابنه ثم قال بهدوء اعتاد عليه فى مثل تلك الحالات :
حالة ولادة كالعادة ،متقلقش
أنهى والده حديثه مودعًا إياه ثم رحل ،بينما ظل "غيث "واقفًا بمكانه يرمق زوجته بعتاب صامت ،و ذلك اثاره دهشتها و دفعها للتساؤل مباشرة :
حضرتك بتبصلى كدا ليه ؟أنت زعلان منى ؟!
أنا معملتش حاجه
لم يعقب على حديثها و دلف لغرفته مباشرة ليأخذ متعلقاته الشخصية و يغادر ،بينما ظلت "رنا " تسير خلفه و تقول :
مردتش عليا لسه!
وقف ملتفتًا لها و قال ببعض الحدة :
مش عايز أرد ،و ياريت تبعدى عنى دلوقتى
حركت كتفها بلا مبالاة بينما كانت تتجه لغرفتها فقد ضايثته طريقته :
براحتك
و لم يكن رده سوى صوت الباب الذى صُفق عاليًا بعد أن غادر ،و وقفت هى تطالع آثره و تتمتم بضيق :
هى هتبقي كدا ؟!

تملكها الغيظ من أسلوبه البارد و لكنه غادر قبل أن تقابله بفنس البرود .

...............................................................

ترك زوجته كى لا تراه فى حالة غضبة تلك ،اثر أن يكون بمفرده ،و لكنه لم يتحمل ذلك و اتجه مباشرة لصالة الرياضة التى اعتاد الذهاب لها و انقطع منذ فترة طويلة لانشغاله باشياء عدة رغمًا عنه
كان يمارس الرياضة ،يرفع أثقالًا من الحديد و يصرخ فى نفس الوقت ،ساعده خلو المكان و أن صاحب هذه الصالة صديق له منذ مدة طويلة ،فتركه يفعل ما يريد
عارى الجذع و يتصبب عرقًا و صراخه يملىء أرجاء المكان و لمحات من الماضى تأتى أمامه بوحشية

لا يعرف لما تذكر تلك الحادثة بالتحديد و لكنها كانت إحدى صور نوباته البشعة أو ربما كانت بداية تمرده الأول

Flash Back

كان ما يزال فى الجامعة ،مجرد طالب مجتهد لا يهتم بالقيل و القال ولا ثرثرة الفتيات ،و مع ذلك كان دائمًا ما يساء فهمه ،و لم يحاول حتى تحسين صورته المغلوطة بالكذب ،فهو لا يهتم من الأساس
و لكن فى أحد الأيام اعترض طريقه ثلاثة من زملائه بعد أن غادر الجامعة ، متجهًا لإحدى الاستراحات الصغيرة ليتناول بعض الفطائر و يرحل بهدوء لكنهم أفسدوا الجو ،حاول أن لا يحتد معهم و يترك لهم المكان لكنهم من البداية أرادوا العراك و إصابته
و دون أى مقدمات و جد من يوجه له لكمة قوية دون أى بوادر للمناوشة حتى ،و لم يكد يتفاجىء حتى انقض الثلاثة عليه
لم يعرف حتى سبب هذا النزاع ،فهو بعيد كل البعد عن زملائه ،لا يختلط بهم من الأساس
و لكن ظهر صوت أحدهم بينما كان يوجه له لكمة قوية :
عشان تبقي ترفض تغششنا بعد كدا
و قال الآخر بحقارة و وضاعة:
أنت فاكر أننا هنخاف من جدك الوزير ؟!
لا أنت و لا عشرة زى جدك يفرقوا معانا

بمجرد ذكر جده انقلب حاله ،لا يعرف متى و كيف ؟ و لكنه وجد نفسه يصارع بقوة وحشية و ضراوة غريبة ،نعم لا يمكنه الانتصار على ثلاثة و لكنه لم يكن خصم سهلًا على الإطلاق
و للاسف لكثرة عددهم تمكنوا من شل حركته ،أحدهم يمسك بيده اليمنى و الآخر باليسرى بينما كان الثالث يوكل له لكمات قوية فى كل منطقة بجسده ،و لم يصدر من" غيث" سوى صرخات ألم عالية و كل من بالاستراحه يخشون الإقتراب ،لم يتقدم سوى ذلك الكهل العجوز صاحب هذا المكان و الذى يعرف " غيث" حق المعرفة ، فهو دائم التردد عليه

أسرع له ،حاول فك هذا العراك بعصاه الخشبية التى يستند عليها لتساعده على السير ،لكن قوته الضعيفة لم تمكنه من إزاحة هؤلاء الوحوش عنه ،فلم يجد أمامه سوى الخروج من المكان و طلب النجدة من المارة ،لم يفعل ذلك خوفًا على محله من التدمير الذى قد يلحق به أن استمروا فى عراكهم ،بل لأجل ذلك الشاب الطيب الذى عهده منذه فترة طويلة

و تجمع الناس على أثر صوته لكى ينهوا كل هذا الجدال ،و لكن كان أحد الثلاثة يمسك بقميص "غيث " بشدة لا يريد تركه و يحاول الآخر تحرير نفسه و فى نفس الوقت يوكل له بعض الركلات القوة .

و كان صوت تمزق القميص و ظهوره عارى الجذع بتلك العلامات الوحشية المحفورة فوق ظهره هى شرارة نهاية تلك المعركة ،كانت نظرة الكل متعلقة به ،و يدرك هو بقراة نفسه أى صورة تكونت فى عقلهم عنه ،حتى زملائه رحلوا سريعًا بعد أن صرح صاحب المكان بأنه سيهاتف الشرطة .
و لم يتبقى فى النهاية سواه بملابسه الممزقة و وجهه الملىء بالجروح و ذلك الكهل يجلس بقربه يحاول التحدث معه ،لكن دون أى فائدة ،فلم يتفوه "غيث" بحرف واحد

و رحل هو الآخر فى النهاية بعد أن استعار قميصًا يرتديه من ذلك الرجل و دفع له كل ما معه تعويضًا على الفوضى التى حلت بالمكان .
و من يومها و هو منكب على الرياضة كى يتمكن من مواجهة كل شىء يقف بوجهه ،سواء كان عنفًا جسديًا من ذلك السادى الذى يسكن معه أو من الأشخاص الذين يتعرضون له من حين لآخر .

End Of Flash Back

عاد من تلك الذكريات بعد أن شعر بالإنهاك الشديد ،فسحب قميصه و اتجه للغرفة الخاصة بالإستحمام الملحقه بذلك النادى الرياضة ،و ما هى إلا دقائق بسيطة و خرج و هو يرتدى ملابسه بالكامل و يغادر المكان بهدوء قاتل .

...........................................................

بعد فترة وصل لمنزل صديقه دخل بهدوء و اتجه للشرفة دون أن يتحدث أو يحدث جلبة ،فتح أزرار قميصه و ظل واقفًا يترك الهواء يعالج حدته الواضحة
وجد من يضع يده على كتفه و يقول بهدوء:
جيت ليه ؟
لحقت تتخانق ؟! دا أنتم لسه يعتبر فى شهر العسل
رغم دهشته بأنه فهم سبب ضيقه دون أن يتحدث ،فقط من خلال النظر لحالته و لكن ما أن ذكر "شهر العسل " تلك تضاعف ضيقه و قال :
متجبش سيرة شهر الزفت دا ،أنا مش ناقص
حاول أن يلطف من حدة الأجواء و قال بسخرية بينما كان يسحب يده ليسير خلفه للداخل :
طب أدخل ،حماتك بتحبك ،لسه مطفى على صنية الباشميل حالًا
تمتم بخفوت بينما كان يتبع صديقه للداخل كما يريد :
مش مهم حماتى ،المهم بنتها ،مش عايز غيرها

لاحظ "غيث" هدوء الأجواء ،فهتف متسائلًا بينما كان يجوب بعينه فى أرجاء المنزل باحثًا عن أحدهم :
زين فين ؟ مش سامع دوشة
رد عليه "آدم" بصوت عالى من داخل المطبخ :
بيحل الواجب بتاعه

"أنا بحل الواجب و هخرج أهو ،محدش ياكل من غيرى ،متخليش حد يقرب من الأكل يا عمو آدم "
صدح صوت "زين " من داخل غرفته بغضب بتكب الكلمات و ابتسم" غيث " على حديث ذلك الصغير ،ثم قال مُعقبًا و هو يقوم برص الأطباق على الطاولة :
على فكرة أحمد جاى كمان شوية ،و ياريت متتخانقوش ،أنا مش ناقص
رفع "آدم" رأسه سريعًا و هو يتسائل بقلق واضح :
أنت قولتله حاجه ؟ عرف بحوار ....
قاطعه" غيث "مانعًا إياه من إكمال حديثه و قال هو موضحًا :
اللى يخصك لا ،و عدتك مش هقول لحد ،بس حاولت أفهمه بطريقة تانية ،إن صحوبيتنا بعيد عن أى حاجة
سحب "آدم" مقعدًا له و جلس بعد أن شعر ببعض الألم فى ساقة ،و لكنه استمر فى حديثه الساخر قائلًا:
و البيه وافق ؟!
حرك رأسه بتأكيد ثم قال :
شتمك شوية حلوين و بعدين قال جاى بس نجهز أكل عشان جعان
حرك رأسه يمينًا ويسارًا بمعنى لا فائدة و هو يقول بتَهَكُّم:
همه على بطنه دايمًا

ابتسم كليهما دون أى حديث إضافى ،رغم وجود العديد بداخلهم لكن كان التظاهر بالفراغ هو طريقة كل منهما .

...............................................................

عاد"مالك" للمنزل بعد يوم كامل قضاه بالخارج ،لم يرد أن ينفرد بها و هو غير قادر على التحكم بنفسه ،لقد أصابها ككل مرة ،و لا يعرف حتى لما يفقد نفسه مع ذكريات الماضى ؟!
و لكنه لا يستفيق إلا بعد أن يحدث ضجه و أذى لأقرب الأشخاص على قلبه ،زوجته العزيزة ،حرمه المصون كما يلقبها
تعمد أن يعود و الظلام ساتر له ،محيطًا بالأجواء من كل إتجاه .
صعد على السلم بينما كانت إحدى السجائر بفمه ،يستنشق أبخرتها بشراهة شديدة
دخل لغرفته بعد أن دعس على تلك الفافةُ التى كات بفمه كان يأمل بأن تكون زوجته نائمة ،فلا يقوى على المواجهة فى تلك اللحظة و لكن خاب ظنه ،فها هى تجلس على مقعد فى ركن مظلم ،لا تريد الحراك أو حتى النطق ،فقط ساكنة صامتة ،تعانق جسدها بذراعيها ،ظلت تعيد حساباتها واحدًا تلو الآخر منذ الأمس ،لقد اكتفت .
اقتربت منها بهدوء شديد ،أراد فقط أن يطمأن على ذراعها المصاب ،و ما أن أبصر ذلك الشاش الطبى المحيط بمكان إصابتها شعر بوخز عنيف يغزو فى قلبه .
و انفلت ذلك السؤال من بين أسنانه دون أى وعى منه :
زعلانه منى ؟
لم تجبه ،و لم ترفع رأسها حتى ،كأنه غير موجود و حديثه أيضًا غير مسموع ،لكنه لم ييأس من المحاولة الأولى ،و اقترب أكثر ،هبط بجذعه مستندًا بمرفقيه على نفس المقعد محيطًا بها بتعمد ،و قال :
عفاف
عشان خاطرى ردى عليا
أشاحت بوجهها للجهة الأخرى ،و لكنه قابل ذلك الرفض باللين و أمسك بذقنها ،يعيدها لمواجته و هو يقول بآسف حقيقي :
بلاش أنتِ كمان تبعدى عنى ،مش هستحمل ،كله إلا أنتِ

تنهيدة عميقة زفرت بها ،بينما حررت هى وجهها من قبضته تلك و قالت بتهكم ساخر بعد أن نهضت و دفعته ليكون بعيدًا عنها ،فلا تريد قربه فى تلك اللحظة كى لا تضعف ككل مرة :
مش دا اللى طلبته ؟! مش قولت ابعدوا كلكم عنى ؟!
أنا مبعملشى أى حاجه غير انى انفذلك طلباتك و بس يا مالك
حياتى كلها بتدور حواليك للاسف
مالك قال حاجه يبقي لازم أعملها و لو على رقبتي من غير نقاش حتى
مالك زعل يبقي لازم أصالحه ،حتى لو مش أنا الغلطانه
مالك اتعصب يبقي لازم أبعد لغايه ما يرجع هو
مالك خلاص رجع و بقى أهدى و بيعتذر يبقي لازم أقبل اعتذاره و أقوله شوبيك لوبيك مراتك بين ايديك و مش لازم حتى تعتذر
مش دى الصورة اللى عايزنى عليها دايمًا ؟ خاضعه ليك
أسرع لها رافضًا كل ما تتفوه به و قال ببعض اللين و هو يحيط جسدها بذراعيها :
مكنتش مركز بقول ايه و قتها يا عفاف
لكن أنتِ عارفه أن عمرى ما أطلب بُعدك عنى ،دا أنا روحى فيكى يا حرمى المصون
و كل الكلام اللى بتقوليه دا مش صح ،أنت عارفه أنا بحبك قد ايه ،الحب عمره ما كان خضوع ،متقوليهاش تانى ،علاقتنا عمرها ما كانت كدا
لم تحاول التحرر من بين قبضته ،اكتفت برمقه بنظرة ألمته للغايه بينما كانت تقول بعتاب صريح:
بقالك يوم برا البيت
و جاى دلوقتى تقولى مكنتش مركز فى كلامك و لا فى أفعالك يا مالك ؟!
سامحينى عشان بحبك يا عفاف. ،انا آسف يا عفاف ،حقك عليا عفاف
كل مره نفس الحجه و نفس الكلمتين بنفس الإعتذار ،مفيش جديد ،بطل تاخد حبك ليا كعذر عن كل اللى بتعمله و هتعمله
زمان كنت بصدق ،و أقول بكره يتغير ،بس خلاص يا مالك ،مفيش أمل
توقفت "عفاف"عن الحديث للحظات ،تحاول إلتقاط أنفاسها بعد كل ما قالته ،بينما وقف هو لا يعرف بأى تبرير سيجيبها ؟! خانته العبارات أمام السيل المؤلم الذى ألقته بوجهه ،و أكملت هى معركتها الشفهية بألم مضاعف:
مالك أنا تعبت ،لو هيفضل الوضع بنا كدا دايمًا،مش هنعرف نكمل سوا
العلاقه دى سامة ،بدايتها غلط و نهايتها لازم....

وضع يده سريعًا فوق ثغرها مانعًا إياها من استرسال الحديث و النُطق بتلك الكلمة التى يخشاها منذ زواجهم ،رغم يقينه بأنها ستكون النهاية الحتمية لعلاقتهم ،و لكنه يراوغ لأكثر فترة ممكنه ،قال بينما كانت عيناه مُعلقة بخاصتها دون أن تتزحزح :
بلاش تكملى ،عشان خاطرى بلاش ،متهديش كل اللى بينا عشان غلطة واحدة منى

تفاجىء "مالك" بيده مُبللة من أثر دموعها التى بدأت فى التساقط دون أى تميهد لذلك ،و قبل أن يتفوه بأى حرف آخر قالت هى بحسرة :
لا لازم أكمل يا مالك
مينفعشى كل مرة نهرب من الحقيقة ،علاقتنا من بدايتها غلط و نهايتها لازم تتحدد بسرعة ،جوازنا دا غلط و أنت نفسك معترف بدا ،أنا اندفعت ورا مشاعرى و محسبتهاش صح ،و لأول مره أحس انى غلط ،و بسببك
و أنت كنت بتهرب ،أنا حاسه بدا من اليوم الأول ،أنت بتهرب من كل حاجه فى حياتك بيا ،بس أنا تعبت من الهروب دا يا مالك
هتف هو سريعًا بتساؤل يخشى الإجابة عليه أيًا كانت :
قصدك ايه ؟!
أجابته بعد أن تحركت متحررة من عناقها و موالية له ظهرها تخشى النظر له و ملاقاة عيناه :
مفيش قدامنا غير طريقين ،يا نسيب بعض بالمعروف ،يا تتعالج

لم يهتم سوى بكلمتها الأخيرة ،و بناءًا عليه صاح بحدة:
أنا مش مريض عشان أتعالج
للوهلة الأولى ظنت أنه لم يسمع حديثها ،صرحت برغبتها فى الإنفصال و لم يهتم حتى ،كأن ذلك شىء عادى ،اكتفى فقط بتبرئة نفسه من مرضه
سحبت نفسًا عميقًا ثم قالت بإقتصاب :
تمام ،أنت اخترت يا مالك

علامة استفهام كبيرة فوق وجهه ،لم يصل له معنى كلماتها المقتضبة تلك ،فوضحت هى بقوة زائفة :
أنا مسافره عشان أحضر مؤتمر لمدة أسبوعين ،لما أرجع نبقى نتفاهم على الطلاق ،أنا مش عايزه منك أى حاجه ،فمتقلقش طلاقنا هيخلص بسرعة من غير أى مشاكل ،و والداتك ما هتصدق ،دا يوم المُنى بالنسبالها
ومفتاح العربية على المكتب ملمستوش ،و مش عايزه ألمسه

لم تنوى الإنفصال حتى فى أحلامها ،أرادت فقط أن تجبره على قبول حقيقة ضرورة علاجه ،حتى لو استعملت تلك الطريقة الخاطئة
تظاهرت بأنها تسحب حقيبتها لتغادر ،لكنه أسرع يغلق الباب و يدفعها ناحية الحائط و هو يصرخ بوجهها :
استنى هنا ،أنتِ فاكره نفسك ملكيش راجل ،بتقررى من نفسك ،طلاق و مؤتمر ايه اللى هتسافرى ليه ؟!
أنا مش موافق على أى زفت منهم ،مش هتبعدى و لا هتهربى منى ،من يوم ولادتك و أنتِ مكتوبه على اسمى
طالعته بثبات غريب و ذلك ما ضاعف ألمه ،كأنها بالفعل تريد الرحيل و تركه يعانى بمفرده ،يقسم بمعرفته بأن الحياة معه كارثية و مع ذلك كان أنانيًا كفاية ليقتحم حياتها بإرادته ،و رغم كل ذلك فهو يحبها و ها هو يهتف برجاء حقيقي :
متسبنيش يا عفاف ،أنا محتاجك ،عشانا
مال برأسه واضعًا إياه بين ثنايا عنقها و بدأت دموعه هو الآخر تهبط رغم رفضه لهيئته الضعيفة خاصة أمامها و لكنه هُزم أمام رغبتها فى تركه

بينما تنهدت هى تنهيدة عميقة تنم عن ألمها و تخبطها فى كل الاتجاهات ،و جدت نفسه دون أى وعى تمسد على رأسه و تبكى ،لتمتزج دموعهم فى آن واحد و يندفع هو يعانقها بقوة غريبة ،كأنه يريد أن يقحمها داخل قفصه الصدرى ،لتصبح أسيرة داخله و لا يمكنها التحرر منه مهما حاولت

بعد فترة كانا يجلسان فوق الفراش كل منهما يوالى ظهره للآخر ،مفضلين الهروب عن المواجهة ،لكنها سحبت نفسًا عميقًا ثم أخذت زمام المبادرة و قالت :
أنا تعبت يا مالك ،كل مره بتأذى بسببك ،مش قابل تتعالج و لا حتى قابل ترحمنى من الأذى دا ،أنا مبقتش عارفه نفسى ،صورتى فى المراية غريبة عنى ،دى مش أنا

قالت ذلك و أسرعت للمرأة ،تسحب ذلك العقار الطبى الذى لجأت له منذ فترة ليست بالقصيرة كى تتمكن من الإستمرار ،أشهرته بوجهه و هى تتحدث بألم :
شايف دول ؟!
دول مضادات اكتئاب
بقيت بأخدهم من بعد جوازنا ،كل شوية مشاكل ،خناقات ،صراعات ،أنا تعبت يا مالك ،مش عارفه اشتغل ،مفيش عيان واحد بحس أنه خف معايا ،أنا مش عارفه أعالج حد ،حتى نفسى مش قادره اتعامل معاها
أنا بقيت فاشلة فى كل حاجه ،مهنتى اللى تعبت عشانها بتضيع منى و أنا واقفه عاجزه ،جوازنا اللى حاولت كتير عشان أنجحه ،لكن للآسف أنا كنت بحاول لوحدى ،أنت مبتعملشى أى حاجه يا مالك
ظل هو بمكانه ،لم يترك الفراش ،مُخفضًا رأسه و يقول بضياع :
أنا حاولت ،صدقينى حاولت
لكنها فقدت نفسها أمام تصريحه ذلك ،لم يعد بإستطاعتها مجاراة تلك الحرب النفسية القائمة بينهما ،لذلك صاحت بنبرة عالية :
فين ؟ فين محاولتك دى اللى بتتكلم عنها ؟! أنا مش شايفه غير شخص سايب نفسه لأهوائه و بيعذب نفسه و اللى حواليه ،لكن أنا مش هقبل بدا أكتر من كدا ،لازم تتعالج أو نطلق
أنا تعبت من الجرى وراك فى كل اتجاه ،خلاص مش هقدر أكمل ،لازم تاخد قررا يا مالك ،و تختار ،و أيًا كان اختيارك فأنا ماشيه

تحركت ناحية الباب و هى حقًا لا تدرى وجهتها ،لكنه لم يدعها سوى ثانية واحدة و كان يمنعها ،محكمًا حصاره عليها ،و هو يقول بغضب :
راحه فين ؟مش هسيبك تمشى
مش همسحلك ، برضاكى ،غصب عنك ،مش هتسبينى
كان يتحدث و يحاصرها بعناقها القوى فى إحدى زوايا الغرفة ،معتقدًا بأنها ستلين ككل مره كما السابق و لكنها لم تتحمل تلك الطريقة و صاحت بحدة و هى تدفعه :
متلمسنيش
صرخ هو الآخر بعد أن تركها كما أرادت فلا يمكنه إجبارها على أى شىء :
مش هتزفت ألمسك ،بس راحة فين ؟
رغم غضبه و ثورته و لكنها لمحت فى عينه نظرة رجاء حقيقة ، فقالت هى هذه المرة :
أرجوك سبنى يا مالك ،أنا لو فضلت دقيقة واحده هنا ،ممكن أذى نفسى بجد أو الأسوء هكرهك
خلينا نبعد لفترة ،عشانا إحنا الاتنين ،خلينا نحسبها بهدوء

وقف بمكانه لا يقوى على المناقشة و الصراع ،رغم أن كل ذرة به تحثه على الاندفاع لها ،بأى طريقة سيمنعها ، باللين بالقوة بالإجبار ،بداخله هذا الصراع الغريب ،لا يعرف حتى كيف يفكر فى هذا من الأساس ؟ لكن هناك صوت بداخله يصرخ ب
"قيدها بحبال قوية و امنع خروجها ،و لو لزم الأمر كمم ثغرها بقطعة قماش بالية ،لكن لا تترك لها فرصة الفرار و الرحيل بعيدًا عنك "

و لكن رغمًا عن ذلك العنف الغريب عليه و الذى يجتاحه بضراوة ،اقترب منها بهدوء و قال و هو يتعمد معانقة خصرها :
و أهون عليكى ؟
متسبنيش يا عفاف ،أكيد فى حل تانى غير البعد ،أنت بتحبينى ،متقدريش تبعدنى عنى ،صدقينى عمرك ما هتستحملى يوم واحد و أنا مش موجود جمبك ،زى بالظبط ،عمرى ما أقدر اعيش من غيرك
انصاعت له للحظات بسيطة ،نعم تفقد القوة الزائفة التى تحاول التحلى بها أمام كلمة بسيطة منه و لكنها ما أن أبصرت موقعها و ما يحاول فعله دفعته بكل قوة تملكها و هى تصرخ بنبرة يتعجب لها المرء :
بطل الطريقة دى ،أنا مش عيلة صغيرة هتضحك عليها ،و لا أنا مراهقة واقعة فى حب ابن الجيران ،أحنا كبرنا على الكلام دا ،مش كل ما أقرر أبعد تجبرنى أكمل معاك بعد ما تلعب على مشاعرى ،أنت عارف أنى بحبك و بتستغل الحب دا يا مالك ،بتستغله بأبشع طريقة و أنا للآسف كنت بقبل بدا ،لكن خلاص معدشى عندى رصيد ليك

لم يستمع لها ،بل حاول منعها عن تقريب تقبيلها بقوة ،كى يستميلها ككل الأيام الخوالى ،و لكنها رفضت ذلك و حاولت بكل جهدها أن تتحرر و هى تصرخ فى وجهه بعد أن تمكنت من فض حصاره العاطفى :
"الابتزاز العاطفى دا مارسه على حد غيرى ،أنا و أنت أكبر من اللعبة السخيفة دى "
أفسدت ما كان يحاول فعله ،و بدفعتها له ترنح للخلف بعض الخطوات البسيطة و مع ذلك ظهر بمظهر اللا مبالى و هو يقول بتهكم:
افهم من كلامك دا أنك خلاص مبقتيش تحبينى؟!
أغمضت عينيها و بدأت تتنفس ببطىء و هى تقول بضعف و رجاء ممتزج باليأس:
تفهم انى تعبت و عايزه أرتاح ،فارجوك سبنى اروح لماما النهارده ،و من بكرا هطلع على المطار

"و لو رفضت يا عفاف ،هتعملى ايه ؟ هتعصى جوزك ؟! "
صدرت منه تلك الاسالة المتلاحقة بينما كان يقف بشموخ يناقض حالته الداخلية .
حركت رأسه نفيًا ،ثم قالت دون مراوغة :
هفضل هنا ،جمبك ،لكن صدقنى هتفضل ندمان على اليوم دا ،خلينى أمشى ،أحنا محتاجين وقت ،كل واحد فينا محتاج يبعد عشان يقرر هنكمل و لا ؟!
طالعها بأعين خالية من أى تعبير ،كأنه فقد الحياة و بات جثه هامدة لا تقوى على الإعتراض ،اكتفى فقط بقول بعض الكلمات ،سهلة تكوين و لكن تكمن صعوبتها فى المشاعر التى تخالطه :
أمشى يا عفاف
ردت عليه سريعًا رغبة منها فى جعله يقاومها بل يرفض حتى فكرة رحيلها :
لما أرجع هنطلق أو هتتعا.....
لكنه قاطعها بصرامة ،لافظًا جملته المقتضبة بعد أن تحرك مواليًا لها ظهره :
أمشى يا عفاف

انصاعت لحديثه و خرجت تاركة له المنزل بأكمله ،فلم يعد بإستطاعتها البقاء ،تشعر بالإختناق و أن جدارن هذا المنزل ستقع فوق رأسها بين اللحظة و الآخرى ،نعم تعشقه لكن تلك العلاقة سلبت منها الكثير و لم يتحسن و لو بقدر ضئيل رغم كل محاولاتها لعلاجها و ردع والدته و أفعالها الشيطانية
لذلك رغبت فى الإبتعاد تلك الفترة كى تعود اقوى ،لأجله و أجلها ،سويًا

أما بالنسبة له لمعت عيناه بشكل غريب ،و لفظ جملة غاية فى الوضوح رغم تعقيدها الشديد و جفاء باطنها الذى لم يعتاده خاصة لها ،هى وحدها من تسكن قلبه منذ الصغرِ:
أنا مفيش واحده ست تساومنى على وجودها معايا ،مش أنا اللى أتذل ليكى و لا لمليون واحدة غيرك .

ماذا حدث؟ كيف لحبه الأفلاطونى أن يتحول بتلك السرعة لهذه المهزلة الغريبة ؟! ربما فقد عقله أو الأسوء تملكه شخص آخر .
تقلصت المسافة بين الاثنين ،و بات قريبًا للغاية من ظهوره ،فبرحيلها لم يعد هناك ما يردعه ،اقترب ذلك الكامل

.................................................................

كان الثلاثة يقفون فى الشرفة ينتظرون حضور الرابع لكى يتمكنوا من تناول الطعام بعد كل هذا الانتظار
و ما أن أبصر "زين " سيارة "أحمد" هرول سريعًا لفتح الباب ليكون أول من يستقبله
و قف الصغير أمام الباب و بين اللحظة و الآخرى يطالع السلم
متلهفّا بشدة لملاقاته ،و ما أن لمح طيفه هتف سريعًا بضيق زائف :
كل دا تأخير ؟ الأكل برد من زمان
ابتسم " أحمد "له و هبط بجذعه يبعثر بعض خصلات شعر الصغير و هو يقول بمشاغبة :
و أنت كمان و احشنى يا زين ،متزعلش خلاص عمو أحمد حبيبك جه
رمقه الصغير بنفور كاذب ثم قال و هو يتجه للداخل :
أنت مش حبيبى أصلًا ،أنا داخل اغسل ايدى عشان ناكل

بينما كان "أحمد" يطالعه بتسلية شديدة و فى نفس الوقت جاء "آدم " و قال له بإقتضاب :
أدخل
طالعه "أحمد" بحاجب أيسر مرفوع دلالةً على استنكاره لتلك الكلمة ثم قال و هو يدلف للداخل :
و هو أنا مستنى عزومه يعنى ؟! دا بيتى قبل ما يكون بيتك أصلًا ،أنا بس سايبك تعيش هنا بمزاجى

و فى نفس التوقيت كان"بسام" قد وصل للشقة بعد أن أحضر بعض الأشياء من مركز التسوق القريب من المكان كى لا يأتى للمنزل لأول مرة بيد خالية
دخل الجميع و قدم "بسام" ما أحضره "لآدم" بعد أن قال بعد الكلمات البسيطة و رحب به الآخر بلباقة
ترك " غيث "وقتها الشرفة و انضم لهم و الذى ما أن أبصر بوجود "غيث الصغير " قال بسعادة و هو يتجه لمعانقته :
اذيك يا غيث
حمحم" بسام "بخجل ما أن تعلقت نظرة "غيث" مديره المباشر عليه فقال سريعًا:
أنا كنت نازل اتمشى شوية أنا و "غيث" ،و "أحمد" عرض عليا أجى معاكم
رمقه" أحمد" بنصف عين ثم قال بإستفزاز بعد أن سحب مقعد له حول الطاولة و بدأ فى تحضير طبقة :
أنا معرضتش ،ابنك اللى شبط لما عرف أنى جاى هنا و هقابل "غيث و آدم"

و بين كل تلك النظرات القائمة بين الاثنين و العداوة الغريبة و الغير مبررة حتى هذه اللحظة ، كان الصغير يبادل " غيث " العناق و يقول بسعادة :
واحشتنى أوعى يا عمو غيث ،بقالنا كتير أوى متقبلناش ،و عندى واجبات كتير مش عارف أحلها لوحدى
تلاعب ببعض خصلات شعره ثم قال و هو يسحب للصغير مقعد ليجلس :
جبتهم معاك ؟!
حرك الصغير رأسه بتأكيد و هو يقول مشيرًا لحقيبة ظهره الصغيرة التى أصر على إحضارها معه:
ايوه فى شنطتى
ابتسم له و أخذ تلك الحقيقة كى يضعها بعيدًا عن الطعام ثم قال :
طب نتعشى الأول و نحلهم سوا

الألفة بين الاثنين تضايق "بسام" للغاية ،و لذلك قال مخاطبًا ابنه بعتاب :
مقولتليش ليه يا غيث ؟ كنت حلتهم معاك فى البيت
بدأ" غيث "الصغير فى تناول طعامه برفقة "زين" و الذى كان يجلس بالقرب منه ،و ما أن صاح والده بتلك الكلمات رد عليه بضجر:
أنت مش بتعرف تحل أصلًا ،بنقعد كتير و فى الآخر بيكون كله غلط و الmiss بتزعقلى و شكلى بيبقي وحش قدام البنات صحابى

انفلت ضحكة صاخبة من "أحمد" و الذى قال بسخرية بعد أن نهض تاركًا مقعده و اتجه "لبسام" يربت على كتفه بتشفى :
ابنك مبيسطرش ،تحسه شبهى كدا ،مترباش
رمقه الآخر بنظرة غامضة ،فكلماته تلك اثار فى نفسه بعض الأحداث التى يحاول محوها من الذاكرة ،فاكتفى فقط بجملة مقتضبة ثم اتجه ليجلس بقرب ابنه:
ربنا يحميه

شرع الجميع فى تناول الطعام فى جميع مشحون بنظرات نارية بين كلًا من "بسام "و" أحمد" بينما كان الباقى فى عالم آخر .

.................................................................

انتهت أمسيتهم و عاد كل منهم لمنزله ،و اثر "غيث" أن يتأخر أكثر ،رغبة منه فى الإنفراد بنفسه لبعض الوقت ،ظل فى سيارته لساعات أسفل البناية التى يسكن بها ،كلما أراد الصعود و جد شىء يمنعه ،دون أى مسمى لذلك الشىء ،فقط يعود و يلقى بجسده على المقعد و لا يفعل أى شىء ،حتى لا يفكر ،مجرد فراغ قاتل و صمت كبير
لاحظ أن الوقت تجاوز الثانية صباحًا ،فزفر أنفاسه بضيق و حمل متعلقاته ثم ترجل من السيارة ،و ما أن دخل لمنزله وجدها تقف عاقدةً ذراعيها أمام جسدها و ترمقه بضيق ،ثم اتجهت مباشرة لغرفتها و صفقت الباب بقوة

وقف عاقدًا حاجبيه ،لا يفهم تصرفها ذلك و لسانه يتمتم بسؤال منطقى :
و دا يتسمى ايه ؟!
خرجت من غرفتها و كأنها كانت تنتظر حديثه على أحر من الجمرِ ،وقفت أمامه و قالت بقوة :
مش حضرتك قفلت الباب جامد و نزلت ،دا الرد بقى
ابتسم ابتسامة لم تصل لشفتيه و كأنه مرغوم عليها ،ثم قال بهدوء :
هى هتبقي كدا يعنى ؟!
تركها بعد سؤاله ذلك و دلف للشرفة يستنشق بعض الهواء ،فتح بعض أزرار قميصه العلوية و أخرج علبة سجائر ،وضعها على السور بقربه ثم تناول واحده و أشعلها
بينما تشجعت هى و دلفت خلفه ،تجيبه على سؤاله الذى ألجمها منذ لحظات :
لا

لم يعرها أى إنتباه ،اكتفى بنظرة سريعة و عاد يطالع الشارع بالأسفل بينما كان يستنشق أبخرة اللفافة بشراهة
و لكنها بدأت تسعل بشدة ،حاول أن يبتعد عنها و يتجه للناحية الآخرى من الشرفة و لكن دون أى فائدة ،فسعالها مستمر ،فألقى بسجارته داعسًا عليها و هو يقول بضيق :
طفتها خلاص ،بطلى تكحى
بدأت فى استعادة تنفسها بشكل طبيعى ،و قالت بينما كانت تتحرك بإتجاهه:
أنا عملت ايه خلاك تضايق كدا ؟
سحب نفسّا عميقًا ثم زفره على مهل و هو يتمتم بهدوء يناقض ما بداخله :
معملتيش حاجه ،أدخلى نامى الوقت اتأخر يا رنا
أشار لها بالدخول بكلماته و أفعاله و لكنها رفض دا الإنصياع لما يريد و قالت:
دكتور غيث ،أنا
توقفت الكلمات بحلقها لم تتمكن من الإفصاح عما تريد و أشاح هو بوجهه للجهة الآخرى متظاهرًا بمراقبة الطريق بالأسفل ،فأدركت أن توترها ذلك يزيد الأمر سوءًا ،لذلك اندفعت فى قولها بينما كانت تطالع تلك العسليتان:
"غيث" ،أنا زعلتك فى ايه ؟
أخفض رأسه يطالع عيناها هو الآخر و قال مباشرة دون أى مراوغة:
ليه مش عايزانا نروح شهر عسل ؟! وجودك جمبى بيضايقك للدرجادى !
ضيقت عيناها بشدة ،مُتعحبة من سؤاله ،و أن رفضها لفكرة والده وصلت له بتلك الطريقة الخاطئة ،فهتفت سريعًا مستفسرة باستنكار :
ليه أصلًا تفكر كدا ؟!
رد عليها بهدوء بينما ظلت عيناه متعلقة بخاصتها :
كلامك ملوش معنى غير كدا
حركت رأسها نفيًا و قالت بتوضيح و هى تفرك كلتا يديها بتوتر ظهر جليًا :
لا إطلاقًا ،أنا بس شايفه أنه ملوش لازمه ،كنا لسه قبلها فى اسكندرية يعنى ،و بعدين أنا مسئولة عن كذا مشروع أنا و "وعد " و مفروض نسلمهم فى أقرب وقت ،الفكرة كلها أنى ورايا مسؤوليات كتير ،مش معنى أن ليا علاقة بالمدير انى أسيب الشغل على حد غيرى ،مش زى ما وصل لحضرتك أبدًا

كرر سؤاله مرة آخرى ،رغبةً منه فى الحصول على إجابة محددة :
وجودك جمبى بيضايقك يا رنا ؟
للوهلة الأولى لم تعرف بما ستجيبه ،فقد كان حديثها من لحظات كافى فى اعتقادها ،و لكن مع إصراره على السؤال و نظرته المتطلعة للإجابة جعلتها تنطق بسلاسة شديدة :
لا ،مش بيضايقنى ،و مفتكرشى أنه ضايقنى فى يوم
نالت إجابتها استحسانه رغم كل أحداث اليوم ،و شعر ببعض قطع الثلج فوق فوهة البركان التى بداخله ،ليستكين للحظات و هو يتمتم بخفوت :
تمام

توقف الحديث بينهما ،و ولجت هى للداخل تاركةً إياه بالشرفة ،اتجهت للمطبخ كى تأخذ زجاجة مياة و تذهب لغرفتها ،و لكنها لاحظت بقائه فى نفس المكان ،فعادت له مجددًا و هى تهتف متسائلةً بفضول :
مش هتنام ؟!
أثارت عودتها دهشته و مع ذلك لفظ ببعض الكلمات بينما كان مواليا ظهره :
مش هعرف أنام تانى ،أدخلى نامى انتى إلا لو...
قاطعته ،لم تمنحه فرصة أن يكمل حديثه ،حيث قالت سريعًا:
تمام ،تصبح على خير
أنهت حديثها و تركت له المكان متجهة لغرفتها ،بينما ظل هو يتابع أثرها و يتمني بحسرة ساخرة:
كنت عايز أقولك إلا لو هتنيمى بنفس الطريقة
يا" رنا "

زفر"غيث" أنفاسه بضيق شديد و بدأ فى إشعال لفافة آخرى ،لكن قبل أن يقربها من فمه و جد من تسحبها بقوة و تقول بإعتراض و استنكار :
مش كنت طفتها ،بتولع تانى ليه ؟!
لكنها تفاجئت بها يقبض على كف يدها بقوة و هو يهدر بحدة:
أنتِ قد الحركه دى ؟

"أه"
صدح صوتها بتلك الكلمة البسيطة دون وعى منها ،فاحتدت نظرته على آثرها و لاحظت هى ذلك ،لتدرك سريعًا ما تفوهت به فى لحظة تسرع
حاولت أن تحرر يدها و لكنه أطبق بشده عليها ،و فى نفس التوقيت كان يطالعها بتسلية ،راق له توترها ،و ضاعت هى بين نظراته و لمسة يده لخاصتها ،و بين كل ذلك الضياع هتفت فى النهاية بتلعثم :
لا.......لا

انفلتت منه بسمة صغيرة ،و ترك كف يدها بإرادته ،بعد أن طبع قبلة رقيقة فوقه ،فسحبت كفها سريعًا و قالت بخجل:
مش عارفه بقى
و لاول مرة يضع يده فوق رأسها و يمسد عليه بحنان بينما كان يقول بهدوء:
تصبحى على خير يا رنا
راقت له تلك الحركة ،تذكرها بوالدتها ،اشتاقت لها لكن الكبر و العند وقف حاجز بينهما .
و فى النهاية رحلت لغرفتها بعد ابتسامة صغيرة منحته إياها ،و ظل هو بمفرده
تنفس بأريحية و آخيرًا ،قام بفتح باقى أزرار قميصه واحدًا تلو الآخر ثم خلعه مرة واحدة ،منذ زواجه و هو مواظب على البقاء بملابسه كاملة ،رغم اعتياده على البقاء عارى الجذع العلوى منذ مدة طويلة ،لكنه يخشى أن ترى العلامات الموجودة بظهره ،يخشى أن تخاف منه ،كجميع النساء بحياته
أخذ علبة سجائره و بدأ فى إشعال واحدة جديدة ،و لكن التفت للخلف يتأكد من عدم عودتها مجددًا
ابتسم بسخرية على حاله ،كطفل يخشى إشعال سجارته خشية من أن يكتشف والده فعلته تلك و يعاقبه أشد عقاب .
و كيف سيكون عقاب محبوبته ؟ هجر جديد أم خصام إضافى ؟

.................................................................

بعد أسبوع

خلافا لما اعتدنا عليه من عادات وتقاليد وطقوس زواج بالية، و الاستغناء عن حفلات الزفاف المبهرجة و المكلفة و رحلات شهر العسل المتعبة و الاستعاضة عنها بالذهاب للعمرة ،طلبًا لبداية زوجية مباركة في أقدس بقعة على وجه الأرض.
كان يأمل و يحلم بالذهاب لأداء عمرة مباركة.
و قد حقق ما أراده بالفعل ،فها هو "عمر " يقف بقرب زوجته يبتسم كل منهما للآخر
سعيدًا برفقة من اختارها لتكمل معه الحياة على حلوها و مرها .

"فرحانه يا ريم ؟"
صدح صوته بهذا السؤال بينما كان يطالع المكان بسعادة و راحة
أجابته بهدوء و راحة شعرت بها من خلال الأجواء المحيطة :
الفرحة مش سيعانى
تنهد كل منهما و شرعا سويًا فى مناسك العمرة بسعادة لا توصف و راحة و إطمئنان .
..............................................................

فى المساء
تقف "داليدا" أمام شاشة هاتفها تتمايل يمينًا و يسارًا على ألحان أغنية غربيه بينما كانت تردد كلمات الأنشودة بشكل صامت ،تحرك فقط شفتيها ،لم تكن ملابسها متحررة بشكل كبير و لكن ليس بتحفظ المجتمع المحيط بها ،و ربما لم تكن أفعالها سيئة كباقى المشاركين على هذا التطبيق و لكنها تظل أفعال غير صحيحة و تخالف معيير المجتمع الشرقى و الأهم تناقض تعاليم الدين الإسلامى الذى أمر المرأة بالإحتشام.

إن التيك توك أصبح حقاً و باءاً اجتماعياً و تلوثًا سمعياً و بصرياً مليء بمزيج من التمثيل و الاصطناع ليأتي لسلب ذات
مثل تعريضهم لمحتويات تحث على السلوكيات الخطيرة، كظهور التريندات التي تحث الأفراد على فعل سلوكيات غير لائقة أمام الكاميرا ليواكب التحديات ، مثل قيام الأفراد بتصوير أنفسهم من خلال فيديوهات قصيرة عن طريق هواتفهم ،سواء مواقف مضحكة أو تقليد ممثلين التي عادة ما تكون مأخوذة من الافلام المسلسلات.
و كشفت العديد من الإحصائيات بأن هناك عدد كبير من الأطفال الذين لم يبلغوا سن السادسة عشر سنة مقبلين على استخدامه بشكل شبه يومي، الذي يجعلهم عرضة أكبر للإختراق، إلى جانب سهولة التصفح و مشاهدة ما لا يناسبهم دون وجود اية مراقبة.
وبالتالي فإن البرنامج ينتهك خصوصية الأطفال والمراهقين ويعرضهم للخطر من خلال مشاهدة مقاطع الفيديو الغير مناسبة لعمرهم الصغير.
بالإضافة إلى سحب الفتيات إلى منطقة محظورة لأجل الشهور و المال و الأسوء حب الاستطلاع .

..............................................................

فى إحدى الأماكن الليلية ،ذات الجو الصاخب ،والرائحة الكريهة بالمنكر و التبغ و اللفافات غريبة الحشو و المصدر
تقف فتاة فى مقتبل العمر ،تتمايل بشكل مدروس على مسرح كبير ،ترتدى إحدى العباءات الشعبية ،ذات فتحة طويلة و التى تصل للأعلى بشكل سافر ،و يغطيها بعض قطع الخرز

كانت ترقص و تتحرك بكل الجهات كى تشعل الأجواء و تحث السكارى على إلقاء الأموال عليها ليزيد راتبها و معدل ربحها فى كل ليلة ،تلك كانت حياتها .

بعد أن أنهت فقرتها هبطت تجلس مع الحاضرين ،رغم رفضها لهذا الأمر لكن يجبرها صاحب المكان على هذا الفعل مرة فى الاسبوع ،فتنصاع له رغمًا عنها ،و يفعل هو ذلك ليزيد من سعر الجلوس معها ،فالممنوع مرغوب و كلما تمنعت زاد سعرها و رغبة الناس بها .
لكنها لم تكن من تلك النوعية ،هى فقط ترقص ،و لا تسمح بأى تقارب مهما حدث ،هى هنا فقط لأنها الطريقة الوحيدة لكسب العيش فى اعتقادها بعدما أُغلقت جميع الطرق الآخرى بوجهها ،أو طمعًا بها و كان هذا ما دفعها لتلك الحياة الليلة من الأساسِ.
و بينما هى جالسة برفقة أحد الأشخاص ،كهل ،كبير فى السن و الذى كان يرمقها بنظرات حقيرة و جرئة سافرة للغاية ،لدرجة أنه تعمد أن يصطدم بها أكثر من مرة متحججًا بعدم وعيه نتيجة للكحوليات التى كان يحتيسها منذ بداية السهرة

حاولت هى أن تصمد دون أى رد فعل لكن ما أن امتدت يده لتلامسها من أسفل الطاولة صرخت هى بوجهه بعد أن نهضت سريعًا مُبتعدة عنه :
حوش ايدك يا رجل يا ****
اتسعت حدقتى الرجل من لفظها ذلك و ،نهض هو الآخر سريعًا يمسك بيدها بقوة و هو يسُبها و ينعتها بأبشع الصفات الكريهة و القبيحة .
و لكنها لم تكن ذلك الخصم الضعيف الهش ،بل كانت تجيبه بطرق أكثر براعة و هى تدفعه للخلف بكلتا يديها :
جرا ايه يا راجل يا عرة يا اللى متسواش فى سوق الرجالة نكلة ،يا برص على الحيطان ،يا فار الغيطان ،يا قفا من غير ودان ،يا شعر عيرة ،يا لون خميرة ،،يا شاشة من غير ريمود ،يا شجرة من غير توت ،يا رد الرد ،يا مسطبة هاد ،يا أحمد يا.....

و قبل أن تكمل جملتها الأخيرة ،اندفع ذلك الرجل و صفعها بقوة مما أدى إلى تراجعها للخلف و سقوطه على الأرض
و قبل أن يقدم على أى فعل اخر كان أحدهم يلقى بزجاجة فوق رأسه مهشمًا إياها ،ليسقط هو الآخر على الأرض كضحيته و لكن بدماء غزيرة تهبط من رأسه .
و اندفع ذلك الشهم ليعاون تلك الراقصة على النهوض ،و التى بدورها منعت أى رجل من المكان للتطاول عليه ،ردًا لمعاونته لها و لشهامته نادرة الوجود ،و اكتفى صاحب المحل بأمر رجاله بنقل ذلك الكهل للخارج دون إحداث أى جلبة .

جلست "نانى" برفقته على إحدى الطاولات المستديرة و التى تملىء المكان ،قدمت له زجاجة من الخمر على حسابها و لكنه رفض و قال :
مش بشرب
طالعته بتعجب شديد ،فلا أحد يرتاد مثل تلك الأماكن و يرفض الخمر ،و لكنها قالت هى الآخرى :
و أنا كمان مش بشرب ،باصرة
انفجر من الضحك ،غير مصدقًا لما قالته ثم تمتم بإستنكار بعد أن تناول بعض قطرات من المياة المثلجة الموضوعة أمامه تاركًا الخمر لا يمسه :
غريبة رقاصه و مش بتشرب
اعتادت على علامات الاستنكار تلك ،و لكنها قالت بسلاسة بعد أن تناولت بعض قطرات المياه هى الآخرى من نفس الكوب بتعمد جرىء بعض الشىء:
أنا أرقص و بس لا شرب و لا لمس ،تقدر تقول مبادىء
مالت " نانى"بجذعها قليلًا على الطاولة لتكون قريبة منه و قالت :
أنا اسمى "نانى" ،و أنت اسمك ايه ؟
رد عليها بهدوء و ثقة غريبة بينما كان يطالع الأرض التى مازالت دماء الرجل تزينها بتشفى و رضًا غريب :
"كامل إبراهيم راشد "

ظهر ،نعم ظهر أخيرًا بعد رحيل من كان يتمسك بها دونًا عن الكل ،بات الخصم جاهز و مستعد للقاء العملاقة.
فلمن النصر فى النهاية ؟!
_يتبع
_الجزء الثانى ،الفصل الرابع و الثلاثون_
_مريض نفسى بالفطرة_

___________________________________

صباح الخير
فى خبر أنا آسفه انى ابلغكم بيه بس مضطرة للاسف ،بس للاسف مع الجامعة و شغل العملى هيبقي صعب أن اكتب اكتر من فصل فى الاسبوع ، أنا كنت بحاول بس لقيت بوضع هيبقي صعب ،فينفع لغايه ما اخلص نكتفى بفصل كل يوم اتنين أن شاء الله ؟
و الفصل أصلًا بيكون كبير تقريبًا فصلين على بعض لو لاحظتم ،فينفع لو سمحتم لغايه بس ما اخلص ان شاء الله ؟!

Continue Reading

You'll Also Like

12.7K 1.3K 25
زينب سلامة _ روضة مجدي العمل مأخوذ من احداث حقيقة .. لم أتحدث عنها كثيرًا٬ ولكن بإمكاني قول انك ستدخل الي عالم جديد لم تأتي إليه من قبل بقلم /زينب...
11.5K 974 32
" مشاعرهم النقيه والتى وُلِدت فى ظلام الخوف والفقدان ، مشاعراً كُتِب لها أن تَكبُر ، كُتِب لها أن تنتصر على قسوة الأيام " -تَزول آلامُ جِراحنا وتبقى...
178K 9.2K 63
سَنلتقي .. رُبما يكون لقاءً بارداً تكتمُ فيه غيرتك وأمسكُ فيه لِساني عن اُحبّك ستنظر اليّ ، وسأنظر للجميع عداك .
9.6K 776 31
هُناك مُعتقلين بالسجون يقضون فترة عقوبتهم، يعلمون ما اقترفوا من أخطاء، يعلمون متي تنتهي فترة محبسهم أو حتي متي يُعدمون وتنتهي المعاناه، وهناك سجون مغ...