مريض نفسى بالفطرة

By Hader3112

726K 30.6K 9.8K

مريض حُكِمَ عليه بعيش الازدواجية فى كل شىء ، إلى أن قابلها، منحته قلبها رغم معاناتها السابقة ولكنه رفض البوح... More

اقتباس1( لست ليث،أنا غيث)
_١_ (صفعةُ تعارف)
_٢_ (جدى يريد عودتى)
_٣_(صدمةٌ مُبرمجةٌ )
_٤_ (أنا القاتل)
_٥_ (الإنفصالُ فرصة ثانية )
_٦_ (لا أريدك يا أمى )
_٧_ ( حب ناضج لمراهقة صغيرة )
_٨_(بيت جدى مجددًا)
_٩_( ما ذنبى إن كنت تحب فتاة تحبنى؟)
_١٠_( قامت بخيانتى)
التعريف بمرض غيث
_١١_ (نوبة غضب)
_١٢_(بقاءٌ قسرى)
_١٣_( أب برتبة عدو)
_١٥_ عشر(عائد لكِ يا حبيبتى)
التعريف بمرض الطبيبة منال
_١٤_( دماءُ زوجتى الراحلةُ )
_١٦_ (ذلك الوغد مجددًا)
_١٧_(لست ليث، أنا غيث)
التعريف بمرض ديما
_١٨_(حب من طرف واحد)
_١٩_(غارق فى دمائه)
_٢٠_( وحشتنى عنيكى )
_٢١_ (الكل عاشق )
_٢٢_(حقائق بالجملة)
_٢٣_(الانتقام الحلو)
_٢٤_(رصاصة خائنة)
_٢٥_( المواجهةالحاسمة)
التعريف بمرض مالك
_٢٦_(كان ضحية بالأمس)
_٢٧_ (وداعًا بيت جدى)
_٢٨_ ( تطاول بما فيه الكفاية)
_٢٩_ (الحقيقة المؤلمة)
_٣٠_(قابلها مجددًا)
_١_( الانطباع خاطىء)
_٢_(مشاغبة من الطرفين )
_٣_( غيث واحد لا يكفى)
_٤_ ( من المصاب ؟)
_٥_(الغيرة اللذيذة)
_٦_(باغتها بعقد القران)
_٧_(أشباح الماضى تطاردها)
_٨_(فارق الحياة )
_٩_( رفضها يصيبنى بالجنون)
_١٠_(فرصة ثانية للفؤاد)
_١١_( اكتئاب حاد )
_١٢_ (أحبك رغم أنف قبيلتى)
_١٣_(هل تقبلين الزواج بى؟)
_١٤_ (خطوبة و جثة )
التعريف بمرض مالك ٢
_١٥_( فليحترق العمل أمام حُسنكِ)
_١٦_ (حُلو مرى)
_١٧_ (أخوض لأجلكِ ألف حرب )
_١٨_(أقبلينى كما أنا )
_١٩_ (تطاول على صغيرتى أمام عينى )
التعريف بمرض محمد العدلى
_٢٠_ (أريدك رغم استحالة ذلك)
_٢١_ (زوجى السابق )
_٢٢_ (قُبلة و مجموعة جُثَثٌ)
_٢٣_ (الإختطاف السعيد)
_٢٤_ (باتت حلالى و كل حالى)
_٢٥_(معركة دموية)
_٢٦_(ليلة زفاف كارثية)
_٢٧_(ليلة عيد)
_٢٨_ (كان القبول طوق نجاة)
_٢٩_ (كلانا لدية تجربة سابقة)
_٣١_ (كُتِبَ علينا الفراق)
_٣٢_(أحدهم يبكى و الآخر يرفرف عاليًا )
اقتباس٥ ( فتاتى الصغيرة)
(التعريف بمرض مايا)
_٣٣_ (نتعايش أم نتداعش ؟!)
_٣٤_ (راقصة بمبادئ)
_٣٥_ ( قصيدةٌ جميلةٌ )
_٣٦_(الغضب الساطع آت)
_٣٧_(رفض من جميع الجهات)
_٣٨_(نَقَشَ فوق جسدها)
_٣٩_( لاجئ أم خائن ؟!)
_٤٠_(مَلاَك مُحْتَجَز)
_٤١_(نُقُوشٌ مُتبادلةٌ)
_٤٢_(ثلاثة قُبْل فوق ضريح الصقيع)
اقتباس_٦_ (لحن النهاية)
_٤٣_(الفَرِيسَةُ و الصَّيَّادُ)
_٤٤_(ليلةٌ مُلطخةٌ بالماضى)
_٤٥_(اختطاف أرعن)
_٤٦_(جسدٌ مُدنسٌ وروحٌ مُفارقةٌ )

_٣٠_ (العديدُ من المعاركِ)

5.9K 331 91
By Hader3112

{ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ }
* فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *
صَدَقَ اللهُ العَظيمُ

____________________________________

٢٣/٠٧/٢٠٢٣
(العديدُ من المعاركِ)

" نبذت كل شىء، و مع ذلك لم يرحمنى أحد، حتى أنا !"

ملىء بما لا استطيع البوح به
عاجز عن وصف هواجس الصغر و عثرات الكبر
فقط أعود كل يوم و اختبىء بغرفتى منتظرًا اليوم التالى لأعيد نفس الحلقة المفرغة
لا نفع للبكاء و الحديث و حتى النوم لم يعد الملجأ الأمن كما كان فى طفولتى ،فقد بات مكانًا آخر لصراعاتى و هم قلبى .

أين يذهب الإنسان حينما يشعر أن جميع الأماكن لا تناسبه؟ !

____________________________________

قص "غيث" عليها كل ما حدث بداية من مكالمتها الصغيرة لمعرفة مكانه إلى أن أوصلها لمنزل والده و اعتناء زوجة أبيه و شقيقته بها ،كانت تستمع له دون أن تصدر أى رد فعل ،رغم أنها ترفرف عاليًا من الفرحة ،فقد اطمأنت على ابنتها أخيرًا ،فبعد أن خرجت من المشفى ظلت تبحث عنها لكن دون أى فائدة ،كأنها اختفت تحت الأرض أو حلقت عاليًا فى السماء .

هتف "غيث" فى النهاية قائلًا بعد أن وضع فنجان القهوة التى أعدته له "الست منى " على الطاولة :
أنا كدا بلغت حضرتك بكل اللى حصل ،و بطلب أيدها رسمى منك
لاحت بسمة صغيرة على ثغرها ،و لكنها قاومت أن تظهر ذلك ،و قالت بحيادية شديدة :
فى حاجة مهمة لازم تعرفها ،و أنت وقتها حر لو حبيت تكمل أو لو غيرت رأيك ؟
محدش هيلومك
رد "غيث" عليها بثقة غريبة دون أى يمنح نفسه فرصة للتفكير حتى :
مفيش حاجه تخلينى أغير رأيي

ثانية واحدة و كانت"الست منى " تلقى بالقنبلة الكبرى :
حتى لو عرفت أن رنا بنتى كانت متجوزة قبل كدا ؟

رمش "غيث" بعينه عدة مرات يحاول استيعاب ما هتفت به ،لكنها حركت رأسها كدلالة على تأكيدها لكل ما قالت ،فصاح هو قائلًا باستنكار شديد ،كأنه يخبرها بأنها كاذبة لا محالة :
إزاى ؟ دى لسه صغيرة ،دى مكملتش الخمسة و عشرين سنة حتى ،حضرتك أكيد غلطانه، دا مستحيل

ابتلعت الغصة المريرة المتكونة بحلقها و قالت بألم :
رنا اتكتب كتابها بعد ما كملت تمنتاشر سنة بأسبوع ،و دا حصل بعد وفاة والدها بشهر تقريبًا
ابتلع ريقه بصعوبة شديدة و هتف متسائلًا بتوجس:
كتب كتاب بس و لا ؟
ردت عليه بينما كانت تفرك كلتا يديها بتوتر شديد ،تريد أن تخبره بما حدث دون أن تتعدى خصوصية ابنتها ،فهو حتى هذه اللحظة غريب عنهم ،لا تعرف إن كان سيكمل معها الطريق للنهاية أم يخشى فتاة بماضى مثلها :
كتب كتاب ،لكن كانت تجربة سيئة ،و قضت فترة فى مصحة نفسية بتتعالج

صدمة خلف الآخرى ،شعر بتسارع ضربات قلبه بالتزامن مع هتافه متسائلًا بخوف :
ليه ؟ هو أذاها ؟
حركت الآخرى رأسها بتأكيد ثم قالت و الدموع تفر من مقلتيها:
أكتر انسان أذاها فى الكون ،و بسببه بتخاف ،بتخاف من كل حاجة ،و كانت فاقدة القدرة على الكلام لفترة طويلة عشان كدا أتاخرت سنتين فى دخول الجامعة

لم يعد بإستطاعته ملاحقتها ،وقع فى بئر عميق و مؤلم ،كيف لصغيرته أن تتحمل كل هذا الألم وحدها ،أراد أن يهرول لها و يحتضنها بقوة شديدة ،أن يخبأها بين أضلعه ،مانعًا أى شخص من رؤيتها أو حتى الحديث معها

أكملت حديثها مسترسلةً حين لاحظت صمته التام:
حقك أنك تتراجع ،مش أى حد هيقدر يكمل فى علاقة من النوع دا ،خاصة أنها البنت مش الراجل
بس لو هتكمل ،أرجوك تطمنها ،أنا حاولت طول الخمس سنين اللى فاتو أعمل كدا ،لكن مقدرتش ،مقدرتش حتى أحضنها !

مسح على وجهه بغضب شديد ،يكاد يجزم أنه شعر بنيران مشتعله بداخله ،متأججة كحمم بركانية على وشك الاندلاع فى أى لحظة لتصيب كل شىء بمحيطها

فى النهاية هتف بجملة مقتضبة إحترامًا لها :
عن اذنك
ثم رحل ،رحل لأنه لا يعرف ماذا سيقول ؟ ربما كان هروبًا أو تشتتًا ،هو فقط يعرف بأنه فى تلك اللحظة لا يفكر سوى بها و بمقدار معاناتها
فتاته الصغيرة عانت مثله ،و ربما أضعافًا مضاعفه .

بينما تابعت والدتها اثر رحيله و هى تقول بسخرية:
شكل الكلام اللى كان بيغنيه من دقيقتين اتغير ،كل الرجالة كدا نفس التفكير العقيم .

لقد أعتقدت اعتقادًا خاطئًا ،و حكمت على عاشق بأنه ليس سوى معجب ضعيف ،تلاشت مشاعره ببساطة أمام أول معضلة ،لا تعرف بأنه سيكون خلاصها بعد أن يحرق كل من شارك فى ألمها ،حريق كبير و جثث كثيرة فقط لأجل محو ذلك الماضى ،فقط لأجلها ،لأجل تلك الصغيرة التى تخشى الكل حتى هو .

.......................................................................

بعد أن صاح"الحسينى" بتلك الجملة أمام موظفة الإستقبال ،لم يكن أمام "أحمد" سوى دفعه لغرفة مكتبه تجنبًا للمشاكل و اثارة البلبلة

و بمجرد أن باتا بمفردها ،صاح "أحمد" متسائلًا بغضب شديد :
جيت ليه ؟ لو حابب نتخانق تانى فأحب أعرفك أنك هنا بقي على أرضى ،يعنى ممكن فى أى لحظة تخرج منها محمول زى ما حصل على أرضك برده

حدجه"الحسينى " بمقت شديد و قال بعد أن جلس على أقرب مقعد واضعًا قدمًا فوق الآخرى كدلالة على قوة موقفه:
مكناش هنتخانق لو كنت إدتنى اللى عايزه ،هو خسارة فى بنتى كام ألف ؟

أجابه الآخر بعدما تقدم للأمام و ضربه بقدمه مما جعله يجلس باعتدال :
مش خساره فيها كل فلوس الدنيا ،بس خسارة فيك أنت بالتحديد ،هى لو طلبت كل اللى معايا هدهولها ،لكن قرش واحد ليك لا ،أرمى فلوسى على الأرض أرحم من انى أدفعها لأب زيك
عض "الحسينى" على جدار فمه الداخلى بغضب شديد و لكنه حاول التظاهر بالبرود التام و قال:
لو دفعت هحل عنكم ،متنساش أنا فى النهاية أبوها ،و عمرها ما هتخرج عن طوعى
فلتت منه ضحكة سخرية صريحة ،و قال بتهكم:
أه ،أبوها
أنت مش مكثوف من نفسك و هى اللى مسيبه الكلب بتاعها عليك ،دا أنا لسه مش قادر انسى منظرك و رجالتك شيلينك و بيجروا بيك على أقرب مستشفى
حاجة هزق جدًا يعنى
انتفض"الحسينى" تاركًا مقعده و قال بعنف متوعدًا لابنته بعذاب شديد :
دى بنت قليلة الرباية ،و تستاهل قطم رقبتها ،و إذا كانت فاطمة نست تربيها أنا موجود
لم يتحمل أكثر من ذلك و اندفع يمسكه من تلابيب ملابسه و هو يصرخ فى وجهه بحدة:
كلمة كمان فى حق مراتى و هطردك طردة الكلاب

باغته"الحسينى" بضربة قوية فى وجهه مستعملًا رأسه ،فترنح على أثرها الآخر للحظات ،لكنه تمكن فى النهاية من صلب جسده و قال :
صدقنى أنا مش عايز أردهالك ،و محترم للأسف أن اسمك ورا اسمها و أنك فى يوم من الأيام هتكون جد عيالى ،لكن لو زودتها عليا و على أعدائى يا حسينى

قاطعهم دخول تلك الفتاة مندفعة ،ما أن عرفت بوجوده
و بمجرد أن وقع نظرها عليه ،صاحت بغضب و نفور:
أطلع برا
رمقها والدها بنصف عين و خرجت منه سُبة بذيئة ،و هذا ما أثار جنونها ،و دون أى تخطيط اندفعت تحاول الإمساك به ،و هى تصرخ بغير ترتيب :
بقولك أطلع برا

لكن زوجها أسرع يمسكها محتضنًا إياها و فى نفس التوقيت يرمق والدها بنظرة كره صريحة ،اشار له برأسه كى يخرج
فى البداية لم يكن"الحسينى"ليرضخ لمطلبه ،لكن رؤيته لابنته بتلك الحالة جعلته يترك المكان ،ليس إشفاقًا عليها فمثله لا يعرف تلك المشاعر هو فقط تركهم لضعف موقفه ليس أكثر

بينما ظل "أحمد" ممسكًا بزوجته يحاول تهدئتها و هو يقول :
وعد خلاص ،هو مشى

لكنه شعر برجفة جسدها ،فأخذها و جلس على الأريكة و قال و هو يربت على ظهرها بحنان بينما كانت ما تزال متشبثة  بملابسه و تبكى ،لقد شعرت بالإهانة حتى و إن لم يكن والدها كما تعتقد لكنه يظل مرتبط بها ،كنيته ستظل تلاحقها للأبد :
خلاص يا حبيبتى، أنا جمبك يا " وعد" و هفضل جمبك على طول

كرهت هذا الموقف بأكمله ،و شعرت بمدى اختلافها عنه ،هو بالتأكيد يشعر بالندم بزواجه منها ،تلك الكلمات التى كانت تتبادر لذهنها و تجعلها تشعر بالدونية الشديدة .

.......................................................................

ترك "عمر" عمله بعد أن هاتفه صديقه و أخبره بأنه يريده حالًا
كانت نبرته لا تبشر بالخير على الإطلاق ،لذلك هرع "عمر" له على الفور

دخل "عمر" إلى "إحدى محلات راشد للأقمشة" جال بعينه باحثًا عن صديقه و ما أن وجده هرع له قائلا بتذمر:
طلبت تشوفنى فى المحل ليه ؟ أنت عارف مبحبش أجى هنا

رفع"مالك" رأسه و رمقه بنظرة حادة ،لكنه لم يتحدث ،فتقدم "عمر" منه و سأله بدهشة:
فى ايه يا مالك ؟!
ثانية واحدة و كان "مالك" ينقض عليه دافعًا إياه على الحائط خلفه بقوة شديدة و بدأ فى لكمه و هو يقول :
مراتى لا
لم يستغرق الأمر كثيرًا و أعاد له "عمر" تلك اللكمة و لكن بقوة أكبر و هو يصرخ :
أنت اتجننت ،بترفع ايدك عليا
لكنه كرر نفس الجملة بغضب أكبر و هو يعركله و ينقض عليه :
مراتى لا يا عمر

نظرا لأن تلك المناوشة كانت بداخل غرفة المكتب و الباب شبه مغلق لم يتمكن العمال من معرفة ما يحدث ،و انشغلوا بعملية البيع الدائرة بالخارج و هذا ما ساعدهم على إكمال فعلتهم بالداخل،لم يهدأ "عمر "و بات يرد له كل ركلة و لكمة بنفس القوة

بعد فترة هدأ كل منهما و قال "عمر" و هو يلتقط أنفاسه بصعوبة شديدة :
و أنا مالى و مال مراتك ؟ أهدى بقى ،أنا مش فاهم حاجه
رد "مالك"عليه متسائلًا بينما كان يجلس بقربه على الأرض :
كنت عندها فى المستشفي ليه ؟ روحتلها ليه ؟ عايز منها ايه ؟
ثم صاح مرة واحدة بحدة و هو يمسكه من تلابيب قميصه:
عفاف لا يا عمر ،سامحتك زمان على أختى ،لكن مراتى فيها موتك
أزاح "عمر" يده عنه و قال :
أنا مش خاين ،و أختك كان موضوع قديم و اتقفل من زمان ،و اعتذرت ،اعتذرت سنه كاملة ،كان ناقص أبوس رجلك وقتها عشان تسامحنى

و كأنه لم يستمع لأى حرف مما هتف به ،هو فقط يفكر بزوجته و نيران الغيرة تلعب به من كل اتجاه ،لذلك صاح بعنف :
روحتلها ليه ؟ عايز منها ايه؟ أنا شوفتكم بتسلموا على بعض و بتودعك

مسح "عمر" على وجهه للحظات يحاول استيعاب الموقف بأكمله ،ارتدى قناع الهدوء رغم غضبه منه و قال بمراوغة ،فهو لا يمكنه الإفصاح عن سبب هذا اللقاء :
أنا كنت رايح للمستشفى أزور واحد قريبى محجوز هناك ،و هى اللى دخلتنى بعد ما مواعيد الزيارة خلصت ،و كنت بشكرها مش أكتر ،و مشوفتكش من يومها عشان أقولك ،دا غير أن موضوع تافه ،ميستاهلشى كل اللى عملته دا

لكن حدث ما لم يكن فى الحسبان ،حيث بدأ " مالك" فى الصراخ مرة واحدة و هو يحيط رأسه بكلتا يديه و وصل الأمر به لضرب رأسه فى الحائط خلفه كمحاولة منه لتخفيف ذاك الصداع العنيف الذى يفتك به

انتفض صديقه و قال و هو يحاول ابعاد رأسه عن الحائط:
مالك فيه ايه ؟
لكنه دفعه و استمر فى صراخه إلى أن هدأ مرة واحدة و سقط على الأرض مغشيًا عليه
و ما هى إلا لحظات و كان يتم نقله لمنزله بمساعدة صديقه و عُمال محله

دخلوا المنزل و "عمر" يقوم بسند جسده من الجانب الأيمن و أحد العمال من الجانب الآخر ،أراحوا جسده على الأريكة و هرعت الخادمة بجلب أى مشروب له معتقدةً بأن حالته تلك ما هى إلا هبوط حاد نتيجة للجفاف
و فى نفس التوقيت هبطت "سهير"من الأعلى و ما أن رأت حالة ابنها ،هرعت له و هى تصرخ متسائلةً على حالته ،فأجابها "عمر" قائلًا:
معرفشى فجأة مسك رأسه و بدأ يصرخ ،و يضرب نفسه فى الحيطة
لمعت عيناها و قالت سريعًا:
أنا هجبله برشام الصداع بتاعه ،هو متعود ياخده و بعدها بيهدى خالص

أسرعت تحضر ذلك السُمَّ الذى يدمر حياته

كانت تلك بوادر الإدمان الأولى ،ربما ما زال فى مرحلة مبكرة نظرًا على عدم الإستمرار عليه بشكل منتظم ،لكنها لو كانت تعلم ذلك لضاعفت الجرعة ،فقط لتفرض سيطرتها الكاملة عليه ،غافلة عن كونها أحد الأسباب الرئيسة لتدميره ،بداية من تلك النيران التى اشعلتها إلى تلك العقاقير التى تمده بها دون أن يعرف و مازال هناك حجر أساسى و هو إضطرابه نتيجة كل تلك التراكمات ،يا لها من أم .

.................................................................

مازال يربت على ظهرها و مازالت هى تعانقه بشدة، لا تريد أن تبتعد عنه، وجدت الأمان و السكينة معه بعد العديد من الأعوام الجافة
و شعر "أحمد"بسكونها، اختفت تلك الرجفة التى أطاحت بفؤاده، فقال بهدوء و هو يمسد على رأسها :
هديتى دلوقتى ؟ تحبى أجبلك عصير و لا نطلب اتنين شاورما extra  توميا ؟
حركت رأسها رافضةً، ثم قالت و هى تخفض رأسها للأسفل بخجل :
آسفه
آسفه أنه حاول يستغلك، زمانك مضايق من النسب دا، بس حقك طبعًا، أنا لو مكانك هسبنى و ارتاح من كل الدوشة و الطمع دا اللى محاوطك بسببى

رفع رأسها كى تنظر له و قال بينما كان يزيل تلك الدموع التى تنهمر من مقلتيها بأنامله :
أنا لو مضايق من حاجة بجد، فهيبقي من كلامك يا "وعد "
أنا مستحيل أفكر أسيبك أو أبعد عنك، دا أنا ما صدقت لقيتك يا خميرة النكد، فى حد يسسب روحه بعد ما يلقاها ؟!
لم تعلق على حديثه، فقط كانت تطالعه بأعين حزينة، فأراد مشاكستها لذلك قال :
غريبه ،معلقتيش على الاسم يعنى، خلاص سلمتى أنك "خميرة النكد " حجى ؟!
لم تعد تقوى على المجادلة، هى فقط تريد الارتماء بأحضانه و الابتعاد عن كل هذا العالم
همست فى النهاية بخفوت:
مش قادره أتكلم يا "أحمد "،ينفع تحضنى تانى ؟

لم يستغرق الأمر سوى ثانية واحدة، و كانا ملتحمين بعناق قوى، أراد أن يشعرها بوجوده هنا فقط لأجلها و أن يمحو كل الحزن العالق بصفحة وجهها و دموعها
كم تؤلمه تلك العبرات حتى و إن كانت بسيطة، لكن كونها منها تعنى سيول بالنسبة له.
قبل رأسها بحنان ثم قال :
هو يمكن مش الوقت المناسب، بس وجودك فى حياتى عوضنى عن كل حاجه كانت نقضانى، أنا عارف أنى مشتت و لسه ضايع بس أنتِ وخدانى لبر الأمان، كملى اللى بتعمليه يا "وعد" ،أيًا كان هو ايه بس كملى، أنا مرتاح معاكى
مرتاح مع جنونك و شقاوتك و عفرتك
مرتاح مع النكد و الغيرة و الحاجات اللى راحه جايه فوق راسى
مرتاح معاكى لوحدك دونًا عن أى حد
أنت الوحيدة المناسبة لقليل الأدب  اللى مترباش .

ابتعدت عنه و قالت سريعًا بقوة حاولت التحلى بها فهى تشعر بإنهاك عاطفى و جسدى و لم يعد بإستطاعتها التحمل أو المقاومة و الظهور بهيئة الناجى رغم أن الخنجر بمنتصف فؤادها:
ينفع نروح ؟ مش قاردة أكمل شغل النهاردة
حرك رأسه موافقًا و قال بعد أن نهض و هو يمسك بيدها :
ينفع أكيد، و أنا اللى هطبخ النهاردة و السفره كلها على شرف "وعد" هانم
ابتسمت رغما عنه، فهتف هو بسخرية سريعًا  بعدما تذكر مهاراته الجبارة فى إعداد الطعام :
و لا أقولك نشترى جاهز، عشان مش ناقصين تلبك معوى
أجابته بعد أن خرجا من غرفة مكتبه :
هبقي أعلمك شوية طبخات تمشى حالك بيهم، عيب فى حقى جوزى يبقي شيف فاشل

ظل يسير برفقتها إلى أن وصلا لموقف السيارت الخاص بالشركة، فتح الباب لها بلباقة و صعدت هى ثم استدرا ليصعد هو الآخر
ضبط حزام الأمان و قال بعد أن أمسك كف يدها مقبلًا إياه :
الحاجة الوحيدة اللى محتاجه تعلمهالى، هى إزاى أسعدك ؟ إزاى أكون الرجل اللى أنتِ بتتمنيه ؟ إزاى أعوضك عن كل حاجه حصلت قبل كدا ؟
غير كدا لا

انطلق بعد ذلك لطريق العودة و البسمة لا تفارق ثغر كليهما، ربما تمكن بكلماته و أفعاله الإحاطة بأى حزن داهمها
ربما كان هو بر الأمان الخاص بها و ليس العكس.

و فى النهاية تتمحور كل العلاقات حول الأمان، إن وجد كُللت بالنجاح و إن فُقِد بائت بالفشل .

.................................................................

كانت "رنا" تقف فى المطبخ تقوم بغسل بعض الأطباق رغم رفض "السيدة همسة" لذلك ،لكنها أصرت ،تريد أن تفعل أى شىء كى لا تشعر بأنها عالة عليهم ،هى حتى لا تعرف إلى ماذا سيؤل بها الأمر إن لم تتزوج
لقد تركها هنا و رحل ،تركها كى تهدأ و لكن ذلك الهدوء لن يكون سوى رفض فى النهاية

قاطع أفكارها تلك دخول" غيث "للمطبخ بعد أن سعل عدة مرات كى تنتبه لوجوده
التفتت له و قالت بسخرية:
هو حضرتك مقيم هنا ؟أنا تقريبًا بشوفك طول اليوم
حرك رأسه نافيًا و قال بعد أن ارتشف بعض قطرات من زجاجة المياة التى أخرجها للتو من البراد:
لا ،بس عشان بابا مسافر ،بجى هنا كتير أطمن عليهم
هى ليلى فين ؟ مش سامع دوشة
جففت "رنا"يدها و قالت :
نايمة ،من ساعة ما رجعت الصبح
أنهت حديثها و خرجت تاركةً المطبخ له ،اتجهت لشرفة المنزل ،لا تنكر مدى إعجابها بهذا المكان خاصة مع وجود حديقة صغيرة ملحقة به ،وقفت تستنشق نسمات الهواء
بالتزامن مع دخوله للشرفة و قوله المفاجئ :
ايه رأيك نخلى كتب كتابنا الجمعة الجاية ؟

التفت سريعًا ترمقه بدهشة و تعجب و لكنها دون أن تدرى صاحت باستهجان:
هو مش حضرتك قولت هتسبنى لغاية ما أهدى و مش هتجبرنى على حاجة ،بترجع فى كلامك ليه دلوقتى ؟

كانت هى من وافق على العرض من البداية فلما تراجعت الأن ؟أ هناك جديد ؟أم كانت تلك جرعة جرأة لحظية و رحلت سريعًا لتعود لنفس حالة الرفض
تقدم بهدوء شديد و وقف مستندًا بظهره على سُور الشرفة بقربها ،ثم قال :
مرجعتش ،أنا بس باخد رأيك ،موافقة تمام ،مش موافقة خلاص يبقى الوضع على ما هو عليه

" لا "
رد مقتضب و هرولت بعدها للغرفة التى تسكن بها ،و ظل هو بمكانه لا يعرف كيف يتصرف معها؟ لا يريد سوى قربها و إزاله كل آثار الماضى التى تنغص عليها حياتها ،يعرف قشور ما عانته فماذا إن وصل للُبه؟

لكنها عادت بنفس السرعة التي ذهبت بها و قالت :
غيث
رفع رأسه ما أن هتفت باسمه ،فأكملت هى :
أنا خايفه ،فى حاجات كتير فى حياتى أنت متعرفهاش ،و لو عرفتها هتبعد ،هتهرب منى

فرت دمعة منها ما أن قالت ذلك ،فناولها "غيث" المنديل المعلق بمعطف بذلته و قال :
لو قصدك على أنك كنتى كاتبه الكتاب قبل كدا و انفصلتوا ،فأنا عارف أصلًا
تعالى نقعد و نتكلم يا رنا ،أحنا محتاجين نفهم بعض ،محتاج أعرف ايه سبب رفضك ،و أنا أحله ؟

كانت الشرفة متوسطة الحجم ،و بها ثلاثة مقاعد ملتفين حول طاولة صغيرة حيث أعتاد سكان المنزل تناول الإفطار هنا .
جلست "رنا"على أقرب مقعد لها ،فابتسم "غيث" لأنها نفذت طلبه ،أملًا بأن تكون تلك الخطوة الأولى لموافقتها النهائية

همست متسائلةً بتوتر بينما كانت تكفكف دموعها :
عرفت منين انى كنت متجوزة قبل كدا ؟و من امتى ؟
جلس أمامها و قال بثبات :
مش مهم عرفت امتى و منين ؟ المهم أنا عارف و مش هيأثر معايا فى أى حاجة

كان لحديثه وقع خاص على أذنها ،لمس فؤادها ببساطة شديدة ،منحها أملًا فقدته منذ زمن

حدقت بعينين ضائعيتن لا مرسى لهما و هى تقول :
هتندم بعدين
حرك رأسه نفيًا و أعلن لسانه استسلامًا صريحًا بقوله:
لو كنت هندم على حاجة ،فهو كل الوقت الضايع دا و أنتِ لسه مش فى بيتى يا رنا

وكأنه يخبرها بأن كل شىء يمكن تعويضه إلا أنتِ ،لكنها لم تعى كل هذا ،هى فقط خائفة من مصير قاست مثله من قبل ،خائفة أن يكون ككل من عرفتهم ،لذلك ألقت بجزء من حملها قائلةً:
أنا مش هقدر أكون الزوجة الطبيعة المتعارف عليها ،مش هعرف أعملك أى حاجه أنت متوقعها منى ،مش بعرف أطبخ مثلًا ،مش بعرف أتعامل ،بخاف كتير و متسرعة جدًا ،صوتى عالى ،مبحبش حد يحضنى أو يقرب منى ،مش بحب أنام جمب حد ،هيبقي دايمًا فى حاجز بينا ، أنت محتاج انسانه تانية تشاركها حياتك بشكل طبيعى ،أنا بعيدة أوى

نهض تاركًا مقعده و وقف أمامها و هو يقول بكل قوة :
هقرب أنا ،مش طالب منك أى حاجة
رفعت رأسها ترمقه بحيرة شديدة ثم همست فى النهاية بضعف واضح :
هتزهق
نفى حديثه بحركة من رأسه ،ثم استدار مواليًا ظهره لها ،أخرج إحدى سجائره و اشعلها ثم قال :
اختيارى و أنا حر فيه ،فى حاجة تاينه عايزه تقوليهالى؟

فعل ذلك كى لا يسقط أمامها باكيًا ،بعد كل ما عرفه ،و نبرتها تلك زعزعت حصونه بضراوة ،لمَ عليها أن تكون بكل تلك الرقة و الضعف ؟ و فى نفس الوقت قوية و عنيدة ،لمَ كل هذا التناقض؟ تناقض يفقده صوابه ،لا يفهم أى شىء ،عالم غريب يجهل كل خطوة به لكنه سيجتاز الطريق بأكمله فقط ليصل لها ،ليسكن فؤادها .

"فى بس مش هقدر ،هتكرهنى لو عرفت"
أخرجه من حالة الضياع تلك صوتها و هى تقول بنبرة ضعيفة يغلفها الحزن و الألم

التفت لها و قال بعد أن استنشق بعض الأبخرة من سجارته المشتعلة:
محدش يعرفك و يكرهك يا رنا
تعلقت عينها به و هى تهتف متسائلةً بترقب :
و اللى ميعرفنيش ؟
ابتسم و هو يجيبها بكل هدوء :
يقع فى حبك زى المجنون

راقت لها تلك الجملة ،و فللتت منها بسمة صغيرة رغم سوداوية اليوم من بدايته ،لكنه بكلماته المقتضبة و نظراته الحنونة جعلها تهدم جدار الحزن الذى توارت خلفه منذ أن خطت خطوتها الأولى فى هذا المنزل
و وجدت نفسها فى النهاية تقول بصراحة:
تعرف أوقات بخاف منك ،من أول مرة شوفتك فيه و أنا عندى mixed Impression ناحيتك ،أوقات بحسك هادى بشكل غريب و أوقات عصبى جدًا ،مش عارفه بس بخاف

سحب نفسًا عميقًا يملأ رئتيه ببعض الهواء ثم قال:
حقك ،أنا نفسى بخاف منى أوقات
أنتِ متعرفنيش يا رنا ،أنا مليان عيوب ،و عيوبى دى صعبة ،محدش قدر يستحملها ،الكل كان بيمشى و يسبنى ،مفضلشى معايا غير تلاته صحابى و بس

ضيقت عيناها و انكمشت ملامح وجهها أثر حديثه ،لا تنكر أنها شعرت بلمحة خوف ،لكنها هتفت متسائلةً بهدوء :
حابب تحكى ؟
أشاح بنظره بعيدًا عنها و هو يقول :
خايف أحكى
تفهمت صمته و عدم رغبته فى الحديث و قالت بحيادية شديد:
بقينا متعادلين كدا ،كل واحد فينا عنده سر و مداريه
ابتسم و هو يكمل جملتها :
دى حقيقة و مداريها عن أقرب الناس ليه

أكملا تلك الأنشودة بأعينهما ،دون أى حديث ،كان يطالعها بمشاعر متناقضة ،خائف من فتح باب الماضى أمامها و سعيد بكونها باتت حاضره لكن هناك حلقة مفقودة و هى المستقبل الذى لا يعلم عنه أى شىء ،و لن يكون سارًا على الإطلاق
بينما هى لم تكن تعرف إلى أى مدى يمكنها مجاراته فى تلك الزيجة المزعومة ،هى موافقة بكل تأكيد لكن ماذا ستقدم له فى المقابل ؟ لقد انتشلها من صراعها الخارجى ،فكيف سترد دينه بوجود صراعاتها الداخلية التى لا يعرف عنها شىء؟ هى حتى هذه اللحظة لا تعرف أ تحبه أم هو امتنان ؟
أنه الوحيد الذى لا تخشاه بشكل كبير ،تشعر بالأمان برفقته حتى و إن كان مزعزًا

لكن ليس كل ما يشتهيه المرء يدركه، فإن الأقدار لا تجري على وفق الإرادات، كما أن الرياح إنما تهب على طبعها لا على ما يختاره أصحاب السفن .
ليكون الطرق على الباب ما هو إلا الرياح الشديدة التى ستعصف بهم .

.................................................................

صوت طرق عنيف ،جعل كل سكان المنزل يهرعون للباب ،كانت "السيدة همسة " هى أول من وصلت للباب ،فتحته و لكنها تلقت دفعة قوية من الطارق تراجعت على أثرها للخلف
بينما حدجتها"منال" بكره و غضب و هى تصرخ قائلةً :
ابنى فين ؟ انطقى عايز ايه ؟ مش كفايه خدتى جوزى ،عايزه كمان تاخدى ابنى
كانت تتحدث و يدها تطالها دافعةً إياها مرارًا و تكرارًا
،لم يكن باستطاعة "السيدة همسة" فعل أى شىء ،هى فقط تتلقى ذلك الهجوم دون أى رد فعل ،حتى كادت تسقط بقوة لكنها وجدت يد تحيط بها مانعةً إياها من الإرتطام بالأرض ،
لم تكن سوى يد "غيث" ،و الذى جعل زوجة أبيه تقف خلفه تحتمى به ،ثم صاح بحدة مخاطبًا والدته :
عايزه ايه ؟
هدأت فجأة بعد أن تخلت عن رداء العنف الذى دخلت به ،ثم قالت و هى تمسك بيده:
مبتردش على تليفونك ليه ؟ طلبتك كتير أوى
سحب يده سريعًا و قال بحدة :
مش عايز أرد ،أنا حر
لكنها عادت تمسك بكلتا يديه تترجاه قائلةً بضعف و قلة حيلة :
غيث أنا بخاف لوحدى ،أنا أمك مفروض تكون جمبى أنا مش هى ، ليه هى تاخد كل حاجه تخصنى ؟ليه كل حاجه حلوة تكون ليها و أنا أفضل لوحدى ؟ هو أنا مستهلشى ابقي مبسوطة؟مستهلشى تختارنى أنا؟
كانت تتحدث و دموعها تنهمر بغزارة شديدة ،و رغمًا عنه رق لحالها ،ليهتف متسائلًا بخشونة:
عربيتك تحت و لا هروحك أنا ؟
ومضة أمل شعرت بها من سؤاله ،لتهتف سريعًا و هى تكفكف دموعها:
جيب بتاكسى
زفر "غيث" أنفاسه بضيق شديد ،و هم بإمساك يدها كى يتركا المنزل سويًا ،لكن منع ذلك صوت"رنا" من الخلف و هى تهتف باسمه :
دكتور غيث
لقد غفل عن عقله حقيقة وجودها فى المنزل ،فقد انشغل بوالدته و تصرافتها التى تصيبه بالجنون
فتراجع للخلف ليقف بقربها و قال بسعادة كطفل صغير :
دى رنا خطيبتى
ثم أشار لوالدته و قال بهدوء :
دى الدكتورة منال والدتى

أعتقد أنه الوقت المناسب ليقدمهما لبعضها لبعض ،لكنه غفل عن شىء واحد ،أن والدته شخصية غير متزنة ،فعلها دائمًا غير متوقع و رد فعلها أسوأ

لا يعرف ماذا حدث ؟ و كيف وصل الأمر لذلك المنعطف ؟ لكنه فجأة وجدها تمسك بفتاته الصغيرة من وشاح رأسها و تصرخ بفظاظة:
أنتِ لا ،مش هسمحلك تاخدى ابنى ،مش هخليه يضيع حياته مع واحدة زيك
حاول الفصل بينهما ،لكن والدته كانت تمسك بها بإحكام شديد ،فلم يكن أمامه سوى أن يدفعها و هو يصرخ بحدة :
أبعدى عنها
ارتطمت"الطبية منال" بالحائط خلفها ،لكن ذلك لم يمنعها من مواصلة هجومها حيث اندفعت مرة آخرى و هى تصرخ :
دى لا ،كله إلا دى ،مش هينفع تتجوزها ،هدمرلك حياتك
لكن قبل أن تصل لها كان"غيث" يعتقلها بين يديه و يهتف بنبرة جامدة :
بس خلاص
كانت تحاول التَمَلَّص من قبضته و هى تصرخ بكل قوة لديها :
دى لا يا ليث ،دى لا

لم يكن أمامه سوى سحبها من ذلك المكان و المغادرة سريعًا دون حتى أن يلتفت للخلف و يعتذر لمن أطاحت بها ،أراد فقط الفرار بمن سببت كل تلك الفوضى .
لكن لمَ ؟ لمَ فعلت والدتها كل هذا ؟ هل كان مشهدًا عابرًا ،أم له مَدْلولات كثيرة ؟

.................................................................

أنهت"عفاف" عملها و عادت لمنزل زوجها ،لكن فى أثناء طريق العودة ابتاعت بعض الأشياء ،فقد كانت سعيدة بحصولها على راتبها الشهرى و أرادت أن تمنح كل شخص بحياتها تذكارًا حتى و إن قل قيمته المادية و لكن تظل القمية المعنوية أهم بكثير.
احضرت لوالدتها حجابًا باللون الابيض و لوالدها عباءة رجالية و بعض الألعاب لأشقائها الصغار و بالطبع لم تنس زوجها حيث أحضرت له رَبْطَة عُنُق.

مرت على منزل والدها أولاً و جلست برفقتهم لبعض الدقائق القليلة ،ثم اتجهت مباشرة لزوجها
دخلت للغرفة مصدرةً بعض الأصوات كى ينتبه لها ،لكنه استمر على وضعه جالسًا على الفراش منكسًا رأسه بين يديه

فتقدمت هى بعد أن خلعت حذائها و جلست بقربه على الفراش ،حررت رأسه من بين يديه و قالت :
حبيبى عامل ايه ؟
أخذ نفسًا عميقًا ثم قال :
كويس ،أخبار شغلك ايه ؟
أجابته بابتسامة مشرقة بينما كانت تخرج ما أحضرته له:
ممتاز ،بص جبتلك ايه ؟

ابتسم و هو يأخذها منها ،لكنها لم تقبل بهذا الرد فقط ،حيث سحبته خلفها و وقفت أمام المرآة ،قامت بعقد تلك الربطة حول عنقه ،و أمام لهفتها تلك رضخ ،و انصاع لها مُقبلًا رأسها بحنان ثم قال :
جميلة ،زيك يا عفاف

حاوط خصرها بيديه و ارتمت هى بأحضانه ،دافنةً رأسها بعنقه ،رغم ألمه و إحساسه بعدم الإتزان لكنه لم يستطع أن يفسد فرحتها تلك ،لذلك أخفى عنها ما حدث له .
و يا ليته باح به ،كى تتمكن من إحداث أى فرق ،لكن كان الكتمان هو أسوء شىء بعلاقتهم ،و استغلته تلك الأفعى بشراسة.

.................................................................

بعد أن اصطحبها فى سيارته ،لم يتحدث بأى شىء فقد يقود السياره بسرعة جنونية ،يريد أن يصل قبل أن يفقد آخر ذرة تحمل لديه ،أفعالها تصيبه بالجنون و لكنها تخطت كل الحدود اليوم
وصل بعد مدة ،أوقف السيارة و ارتمى برأسه على المقود ،لم تخرج الكلمات من حلقه ،أراد الصراخ بوجهها و تعنيفها على ما حدث ،لكنها تظل فى النهاية والدته، تظل المرأة التى أنجبته للحياة ،حتى و إن جاءت به ليعانى ،لكنه سيظل دائمًا مرتبط بها .

وضعت هى كف يدها على رأسه ،فابتعد سريعًا و قال بخشونة :
انزلى
رفعت رأسها تطالعه بألم و هى تهتف متسائلةً :
مش هتطلع معايا ؟
أجابها بإختناق :
لا مش طالع ،و انزلى

كانت ستخضع لطلبه ،لكن لاحت أمامها صورة تلك الفتاة فلم تتحمل ذلك ،لم تتحمل أن يشاركه بابنها أحد غيرها خاصة و إن كانت هى ،لذلك صاحت بغضب و هى تمسك بساعده :
متتجوزهاش ،مش هتنفعك ،دى لا ،هجوزك واحده غيرها ،هجوزك اربعة ،بس دى لا
سحب يدها منها و قال بثبات:
و أنا مش هتجوز غيرها
لكنها فقدت نفسها و بدأت فى الصراخ بهسيترية :
لا ،أنا بقولك لا ،دى لا

هبط من سيارته سريعًا و أخرجها ،لكنها كانت ترتجف ،فخلع سترته واضعًا إياها على كتفها و هو يقول بضيق :
تعرفى ايه عنها عشان تقولى كدا ؟ أنتِ ليه عايزه تدخلى فى كل حاجه تخصنى ؟ أنا خلاص اتحررت منك ،ليه مش قادره تفهمى دا ؟ مش هقبل بسلمى تانية فى حياتى ،مش هقبل بنسخة مصغرة منك تانى و نفضل نعذب فى بعض .

وضعت يدها على أذنها كى تمنع وصول حديثه لها ،بينما كانت تردد جملة واحدة ،ترددها بشكل مرضى :
معرفشى حاجة ،معرفش حاجة

صاح بعنف و هو يضرب بقدمه باب سيارته :
أنا عايز اعرف الزفت الجلسات اللى بتاخديها مبتجبش نتيجة ليه؟ أنا شايف حالتك بتسوء أكتر

لكنها شهقت بخوف و تراجعت للخلف على آثر حركته تلك ،فلم يكن أمامه سوى الهدوء أو التظاهر به على الأقل ،اقترب منه و قال هو يسحبها معه للأعلى ،باتجاه شقتها:
أهدى

وصل بها إلى الفراش ،دثرها جيدًا و وقف يطالعها للحظات ،لكنها قالت جملة واحدة و غفت بعدها:
عشان خاطرى يا ليث ،متتجوزهاش

عادت لنفس الحالة و أسوء بكثير ،تريد تكرار نفس المأساة مجددًا ،ترغمه على الزواج من فتاة لا يحبها و لا تحبه ،يعانيان سويًا تحت سقف واحد
لكن هل كان الرفض لمجرد الرغبة فى الاستحواذ عليه ؟ ام هناك ما هو أكبر بكثير ؟ و لمَ عادت لذلك الاسم مجددًا ؟
هناك خطأ ما فى علاجها أم هناك من يدفعها للهاوية ؟
حين وصل بتفكيره لتلك النقطة رحل سريعًا متجهًا لمكان آخر و معركة جديدة.

.................................................................

أجرى"غيث" اتصالًا هاتفيًا بأحدهم ليعرف وجهته القادمة ،و انطلق بعدما وصلت له رساله نصية قصيرة بما أراد ،بعنوان ذلك الكهل الحقير
كانت منطقة فاخرة ،ذات تصميم معمارى فريد ،و يوجد بها العديد من العقارات المشيدة حديثًا و بإحدى تلك العقارات يسكن أحدهم
طرق "غيث" على الباب بهدوء شديد ثم تحرك مواليًا ظهره منتظرًا الرد ،و ما أن شعر بالباب يُفتح من خلفه التفت سريعًا و قال :
اذيك يا oncle عماد

و ما أن أبصر "عماد "بهوية الطارق حاول إغلاق الباب سريعًا و لكن "غيث" اعترض ذلك واضعًا قدمه قبل أن يغلق ،فصاح الآخر بغضب :
أطلع برا
دفع"غيث" الباب بقوة هو يقول :
هطلع ،بس بعد ما اديك درس مهم أوى ،كان مفروض تاخده من زمان ،بس ملحوقه
تراجع "عماد" و الخوف بدأ يتملكه و لكنه حاول التظاهر بعدم التأثر و هتف متسائلًا :
درس ايه ؟
ابتسم باتساع و هو يقول :
لا دا ملوش اسم ،دا فعل و بس

لحظة واحدة و كان ينقض عليه كما ينقص الأسد على فريسته و كانت له الصدارة نظرًا لضعف خصمه ،انهال عليه باللكمات من كل اتجاه ،صراخه جعله يفقد نفسه للحظات ،تلذذ بألمه و لكنه أحكم عقله قبل أن يفعل ما لا يحمد عليه
تركه بعد مدة حين شعر بقرب أجله ،جثى على عاقبيه و قال بهمس بالقرب من أذنه :
أبعد عنها و سبها تتعالج ،لو شوفتك فى محيط ميت متر بس قريب منها ،هكمل عليك
أنهى"غيث" حديثه و قرر الرحيل ،نهض مُتجهًا للباب لكن كان للملقى على الأرض رأى آخر
رغم الألم الذى يشعر به ، و لكنه زحف إلى أن وصل للحائط استند بظهره عليه و قال :
عمرها ما هتختارك ،حتى بعد كل اللى بتعمله ،مكنتش بتحب غير ليث ،أنت مش أكتر من مسخ

توقف بمكانه ،ألجمته تلك الحقيقة ككل مرة و لكنه حاول التماسك مرتديًا قناع اللامبالاة ثم قال بعد أن اقترب منه :
و أنت كمان ،طول عمرك قدامها و مع ذلك مختارتش غير الدكتور سامح و الدى
تعرف أنا يمكن مسخ عندها ،لكن أنت مسخ عند كام حد بقي ؟
الدكتورة منال ،والدك ،طلقيتك ،بنتك ،حتى ولاد أخوك ،يعنى بإختصار كل الناس اللى فى حياتك ،و اللى لو ركزت للحظة هتلاقيهم كلهم حواليا أنا .

"أنا حقيقي مشفق عليك "
ترك"غيث" المكان بعد أن ألقى بجملته الأخيرة و التى كانت كنخجر حاد فى صدر ذلك الكهل الحقير

.................................................................

ربما كان أمامه قويًا ،صامدًا ، لكنه مازال ذلك الطفل الذى لم تحبه والدته بالقدر الكافى ،مازال ذلك الهاجس ينغص عليه حياته ،لم يحبه أحد ،كان دائمًا الاختيار الثانى للكل
اتجه للمقابر ،لحيث دفن نصفه الآخر ،كان الوقت متأخرا و اقترب موعد اذان الفجر
جثى على ركبتيه أمام قبره شقيقه و قال بألم:
وحشتنى أوى ،ياريتك كنت موجود ،أنا محتاجك
أنت الوحيد اللى كنت بتعرف تفرحنى

لمعت العبرات فى عينه و سقطت بالتزامن مع تذكره لحادثه قديمه حينما كان طفلًا
Flash Back
كان"غيث" يلعب فى حجرته بأقلام التلوين الخاصة به و دفتره الذى أحضره له شقيقه كهدية بعد أن وفر ثمنه
غفل عن وجود والدته بالخارج ،لكنها لاحظت غيبابه فبدأت فى البحث عنه فى كل أرجاء المنزل و ما أن اقترتب من غرفته شعر بها فأسرع يختبىء أسفل فراشه تاركًا متعلقاته على الأرض بمكانها

دخلت " الطبيبة منال "للغرفة و ما أن رأت تلك الأشياء على الأرض ،اسرعت تمزق ذلك الدفتر بعد أن دعست على الأقلام بضيق شديد ،لكن فى نفس اللحظة دلف "ليث" سريعًا و أمسك بالدفتر من الناحية الآخرى و قال بغضب :
سيبى كشكوله ،ملكيش دعوى بيه
لكنها ظلت متمسكة به و صاحت :
أطلع برا يا ليث
حرك الصغير رأسه نافيًا و قال بثبات و قوة :
لا مش طالع ،مش هسيبه ،أخرجى أنتِ

كان يعلم أنه أن ترك لها الدفتر سيحزن شقيقه بشدة و لذلك لجأ للتظاهر بالمرض ،حيث وضع يده الصغيرة على صدره و بدأ فى السعال و هو يقول بنبرة ضعيفة :
سيبنى هنا لوحدى ،سبينى و أخرجى
أدركت أنه يتظاهر بالمرض و لكنها امثلت لما يريد ،فهو للآسف مريض ،مريض بصدق و ليس مجرد ادعاء و كان خلاصه شقيقه

بعدا أن تركت والدتهم الغرفة ،اتجه "ليث"لشقيقه فهو يعلم بمكانه فالطالما اختبئ هنا ،ناوله الدفتر و قال :
متعيطش ،مخلتهاش تقطعه
خرج "غيث" من أسفل الفراش و قال و هو يعانقه :
أنا بحبك أوى
أجابه "ليث" و هو يبادلها العناق بشدة :
و أنا كمان

End Of Flash Back
عادى للوقت الحالى حين سمع صوت أحدهم من خلفه :
مين ؟
و الذى لم يكن سوى" الحاج طاهر" الذى يهتم بالمقابر ،و الذى ما أن رأى هوية الغريب أسرع يرحب به قائلًا:
غيث ،اذيك يا ابنى ،بقالك كتير مجتش
رفع" غيث" رأسه و قال بنبرة جاهد بشدة ألا يُظهر بها ضعفه:
أنا تعبان يا حاج طاهر

جلس "الحاج طاهر " بقربه على لأرض و قال بهدوء و حكمة رجل كبير قاسى الكثير :
عمر الدنيا ما تضيق طول ما بنعبد رب كريم قال فى كتابه :
*وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ *

صدح صوت المكبرات من المسجد القريب ،معلنًا عن موعد اذان الفجر ،فمسد على كتفه و قال :
قوم بينا نصلى الفجر

نهض "غيث"معه و اتجها سويًا للمسجد ،اتجه بهموم كثيرة و ألم مضاعف ،لكنه سيخرج بنفس مطمئنة .

قال بعض السلف :
"إنّي أدخل في الصلاة فأحمل همّ خروجي منها و يضيق صدري إذا فرغت لأنّي خارجٌ منها"
و قال آخر:
"إنّي لأفرح بالليل حين يقبل لما تتلذّذ به عيشتي و تقرّ به عيني من مناجاة من أحب و خلوتي بخدمته و التذللّ بين يديه و اغتمّ للفجر إذا طلع لما اشتغل به النهار عن ذلك"

من ذاق طعم الصلاة علم أنّه لا يقوم غير التكبير و الفاتحة مقامهما ،كما لا يقوم غير القيام و الركوع و السجود مقامها ،فلكلّ عبودية من عبودية الصلاة سرٌّ و تأثير و عبودية لا تحصل من غيرها ،صمّ لكلّ آيةٍ من آيات الفاتحة عبودية و ذوق و وجد يخصّها"

.................................................................

أخيرًا يوم جديد ،فقد كان الأمس سيء بكل المقاييس
شعر"آدم" بأنه جسد بلا روح ،فقط يقوم بكل ما أعتاد عليه دون أن يشعر به ،ينهض و يعد الإفطار له و للصغير ،ثم يبدل ثيابه و يتجه لعمله ،يتابع مع المرضى و يصف لهم العلاج المناسب ،يستمع للشكوى المستمرة بخصوص ألم الحمل و التقيؤ و كل تلك الأمور ،روتينية بغيضة خاصةً مع ألم فؤاده المستمر

مضت الساعات التالية بملل شديد إلى أن خرجت أخر مريضة لليوم ،فهتف هو بسؤال اعتاد عليه :
لسه فى patients برا يا صفاء؟
و قبل أن تجيبه"صفاء" دلفت هى ،و قالت بقوة :
أه لسه
نهض سريعًا و هتف باسمها بلوعة واضحة :
ليله
كان موقفًا غريبًا ،و وقف ثلاثتهم دون التلفظ بأى حرف ،فقط نظرات
نظرات عتاب صريحة و ألم و آخرى غضب و كره

كان أول من تحدث هى تلك الغريية ،التى لا دخل لها و تحاول بشدة إقحام نفسها :
حضرتك محجزتيش ،ممكن تيجى يوم تانى لأن الدكتور خلاص خلص شغله

"أطلعى برا يا صفاء"
ليأتى صوته مبددًا كل طموح تلك المرأة

خرجت"صفاء" رغمًا عنها و اتجه هو ليغلق الباب خلفها ،فهو يعرف بأن هناك إعصار شديد على وشك الإندلاع بأى لحظة
سحب نفسًا عميقًا ،ثم التفت لها ،رغمًا عنه اشتاق لكل انش بها ،لكن كان عليه الصمود ،فهتف متسائلًا بخشونة :
جيتى ليه يا آنسه ليلى ؟
رمقته بضعف و كأنها طفلة صغيرة بمكان تجهله ،أرادت البحث عن حبيبها ،أرادت أن ترى نظرته لها ،لطالما كان يرمقها بحب و حنان و لكنه كان يبتعد ،كلما اقتربت أكثر ابتعد هو ،لذلك وقفت بمكانها و صاحت بغضب :
جايه أفهم ،من حقى أفهم ليه عملت كدا ؟ يعنى ايه تسبنى من غير أى مبرر أو تفسير منطقى؟ أنت فاكرنى لعبة فى ايدك تحركها يمين و شمال و لما تزهق تسبها و تمشى ؟ دى علاقة بين اتنين ملكشى أى حق تدى فيها أمر النهاية من غير ما ترجع للطرف التانى
اشتعلت النيران بجوفه من حديثها ،شعر بألم يجتاحه من كل اتجاه ،فها هى من سلبت قلبه تتألم أمامه دون أن يكون له القوة على فعل شىء اكتفى فقط بكلمة بسيطة لتزيد جرح كليهما دون تراجع :
زهقت
أغرورقت عيناها بالدموع بمجرد أن تفوه بتلك الكلمة،و بدأت فى الإرتجاف أمامه ،فالتفت سريعًا مواليًا لها ظهره كى لا يضعف هو الآخر و يسقط أمامها يطلب الوصل منها بعد المنع ،لكنها كانت الأقوى من بينهما و تخلت عن كرامتها ،اقترتب منه و أمسكت بكف يده ،طالعها بألم و طالعته هى بترقب و هى تتسائل بضياع :
ببساطة كدا يا آدم؟
سحب يده و قال بقوة زائفة:
أه يا ليلى ،ببساطة ،أحنا من البداية مختلفين مش شبه بعض ،أنتِ اتربيتى فى بيت كل اللى فيه بيحبوكى و أنا اتربيت فى ملجأ بعد ما عمى رمانى و سرق ورثى
انا اكتشفت انى محبتكيش يا ليلى ،أنا بس كنت مبهور بيكى ،مبهور بالعالم المختلف عنى ،لكن مش حب ،الحب أبعد ما يكون عن علاقتنا ،أنتِ نفسك محبتنيش

كلماته كانت كنصل سكين حاد يطعن جسدها دون أى رحمة ،حتى أنها ظنت لوهلة أن الواقف أمامها ليس حبيب عمرها ،كيف له أن يتعامل بكل هذا الجحود دون أن يرمش له جفن؟
و دون أى تخطيط اندفعت ناحيته ،اندفعت تضربه فى صدره و هى تصرخ بألم :
مشاعرك أنت حر تحكم عليها براحتك، لكن مشاعرى لا ،أنا بجد حبيتك يا آدم ،أنت أول راجل فى حياتى ،أنت اللى أبيه غيث وافق عليه ،عارف يعنى ايه أنا و هو نثق فيك و تخون ثقتنا دى بكل سهولة ؟

تركها تفعل ما تشاء ،فقط يتراجع للخلف مع كل ضربه منها دون أن ينبس ببنت شفه ،تحمل كل هذا الألم فقد استحقه بجدارة ،أليس هو سبب دموعها من البداية ؟
خارت قواها و سقطت على الأرض باكية و هى تقول بألم:
أنا حبيتك ،عارف يعنى ايه حبيتك ؟أنا محبتش غيرك يا آدم

لم يتحمل أكثر من ذلك و هرول ناحيتها ،لكنها رفضت يدها الممدودة بل وصفعتها بعنف و هى تقول بأول شىء لاح أمامها:
فى واحدة تانيه ؟ صفاء صح ؟
لم يجبها أثر الصمت ،و كان الصمت أبلغ من الحديث ،ابتسمت بسخرية و لملمت شتات نفسها قائلةً و هى تغادر بعد كل تلك الفوضى التى أحدثتها بكليهما :
كنت حاسه ،أنت فعلًا تستاهلها
و ما أن تركت"ليلى" تلك الغرفة و قفت أمامها تلك الغريمة و التى رمقتها بسعادة غريبة و هى تقول :
ياريت بعد كدا تاخدى ميعاد ،مش هسمح بالتسيب دا تانى

رحلت"ليلى" دون أن تتفوه بحرف واحد ،فلم يعد للحديث أى فائدة
و ابتسمت الآخرى بسعادة ،فها هى تقترب خطوة بعد الأخرى لهدفها ،لكن خبيث النوايا لا ينال سوى الرُفات ،حيث صدح صوته من خلفها قائلاً بقوة :
أنتِ مطرودة
التفتت "صفاء" سريعًا لا تصدق ما سمعته و لكنه أكد ذلك مرة آخرى و أعاد جملته بقوة أكبر .

و حينها لم تتحمل ،شعرت بجرح كرامتها كإمرأة ،لذلك تفوهت بما ستندم عليه لاحقًا:
أنت بتتفرعن على ايه ؟ ما تروح تشوفها هى ،بس تعرف أحسن حاجه عملتها أنك سبتها ،هى تساهل حد أحسن منك ؟ مش عارفة أصلًا بتبحبك على ايه؟
صمتت للحظات ،تلتقط أنفاسها لكنه فاجئها بصموده و عدم تأثره بل كأنه لا يبالي من الأساس ،لذلك أكملت بحقارة :
كبير عليها و رجلك لا و كمان اخر حاجه عرفتها

قاطعها قبل أن تكمل جملتها الأخيرة و قال :
لو خلصتى ال list بتاعت عيوبى اتفضلى اطلعى برا ،و كدا كدا مرتبك بتاخديه مقدم

ربما كان موقفه خاطىء ،ربما سلك أسهل الطرق و أقصرها لكنه سيعانى بقدر كل خطوة تراجع فيها مبتعدًا عنها .
مازال هناك المزيد من الألم حتى و إن كان هو من يداوى الآخريين.
..............................................................

فى إحدى الأماكن الشعبية و التى تفوح منها رائحة الأبخرة من كل اتجاه ،كانت البنايات شبه متهالكة و الأطفال يهرولون فى الشارع بملابسهم المنزلية المتسخة و البعض يزاحم أمام عربة الفول كى ينال الجزء الخاص به
واقف"غيث" أمام إحدى المنازل ينتظر الرد بعد أن قرع الجرس

انتظر كثيرًا حتى أنه فقد الأمل و قرر الرحيل لكنه بعد أن وصل للأسفل سمع صوت فتح الباب ،فابتسم بسخرية و عاد لمكانه السابق ،يبدو أن هذا الرجل ذو حظ سيء ،وقف أمامه و هتف قائلًا بينما كان يطالع بطاقة الهوية التى بيده ليتمكن من لفظ الاسم كاملًا :
استاذ ضياء السيد محمد حسين اسماعيل ؟
تعجب الرجل من معرفته لاسمه كاملًا و قال :
أه ،مين أنت؟

"أنا عملك الأسود "
جملة مقتضبة تلفظ "غيث" بها ،و كانت آخر ما تلفظ به فلم يعد للحديث أى أهمية بعد الأن

باغته "غيث" بضربة قوية مستعملًا رأسه و موجهًا إياه لأنف ذلك الرجل ،و الذى على أثرها سقط على الأرض و انقض الآخر عليه يتعارك معه بكل قوة
لكن لم يكن الخصم ضعيفًا "كعماد" و لذلك نال "غيث" بعض اللكمات و الركلات هو الآخر ،معركة متزنة بين طرفين قوتهما متقاربة إلى حد كبير .
حتى أنه النصر كان حليفًا "لضياء" فى البداية خاصة بعد ما هشم إحدى العصيان الخشبية فوق رأس "غيث " و نتج عن ذلك فقدانه الاتزان للحظات و سقوطه على الأرض .

لكن فجأة ظهر صبى صغير و شتت انتباه "ضياء" للحظات حيث كان يسأله عن الطابق الذى يسكن به صديقه و استغل "غيث"ذلك و عركله سريعًا ،ثم انقض عليه مرة أخرى مانعًا إياه من التحرر
و فى النهاية كان النصر حليفه ،خاصة بعدما احتفظ بصورة تذكارية لغريمه و هو ملقى على الأرض و الدماء تقطر من كل انش بوجهه.
احتفظ بها ليريها لصديقه الذى أصيب بسبب هذا المجرم ،فعل كل ذلك انتقامًا له ،كالعادة لا يترك حق من يخصه.

..............................................................

أنهى كل معاركه أخيرًا و قرر اللجوء لمنزله كى يرتاح قليلًا ،لكنه اكتفى بتبديل ثيابه فبعد كل ما حدث باتت لا تصلح للارتداء مجددًا ،ثم اتجه بعد ذلك لنفس الوجهة المقررة عليه ،وجهتها هى ،أحب الوجهات لقلبه.
دخل لمنزل والده و اتجه سريعًا للداخل غافلًا عن كونها بالخارج تعتنى بالزهور ،لكنه عاد و خرج ليبحث عنها بعدما عرف من زوجة أبيه بمكانها ،و كانت هى أول من رأته ،لتنفلت منها ضحكة عالية ،اكتشف مكانها من خلالها و اتجه لها و هو يسأل بضيق:
بتضحكى ليه ؟
ردت عليه بعد ما أنزلت ابريق الماء على الأرض فقد انتهت من روي الأزهار:
أصل بشوف حضرتك مرتين فى اليوم ،كأنك قرص مضاد حيوى بالظبط
عض على جدار فمه الداخلى بغيظ شديد ثم هتف مصححًا ما قالته :
المضاد الحيوي كل ٢٤ ساعة
حركت كتفها بلا مبالاة و هى تتجه للجلوس على الأرجوحة الصغيرة

صغيرة ،ككف اليد فى حجمها ،مندفعة كإعصار شديد الخطورة ،حزينة كنهر جف و نَضَبَ ،بات تناقضها يطيح به فى كل مرة ،لكنه تعمد أن يقف أمامها و ألا يرحل ،غافلًا عن بعض العلامات العالقة بصفحة وجهه بعد معاركه السابقة ،لكنها ما أن رفعت رأسها ،شهقف بفزع و هى تشير لوجهه:
ايه دا ؟ مين عمل فيك كدا ؟
لم تدقق بملامحه، حيث كانت فى خضم معركة شفهية ككل لقاء بينهم ،لكنها ما أن أبصرت تلك العلامات الزرقاء منها و الأرجوانية صرخت ،و رد هو عليها بكل هدوء :
اتخانقت مع حد ،متشغليش بالك
اندفعت فى ردها دون أن تخطيط:
قطع ايده و ايد أى حد يمدها عليك
و قابل هو ذلك بابتسامة لعوبة و هو يقول بمغزى صريح مشيرًا للقائهم الأول :
متدعيش أوى كدا ،أنتِ ناسيه أنك منهم

حين قال ذلك تذكرت الحادثة الأولى بينهما ،و هتفت بسخرية دون أن تقصد أى تلميح آخر :
From slap to marriage
فأمعن "غيث" النظر فى وجهها ثم قال بجرأة تعمدها فهى من ألقت بنفسها و تلقفها هو بكل ترحاب :
هى مش المفروض From slap to kiss و لا أنا نظام قديم؟
ربما كانت سرعة زائدة منه أن يصل لذلك الحد بالحديث ،و لهذا نهضت سريعًا مبتعدة عنه ،لكنه وقف أمامها و قال معتذرًا :
أرجعى يا رنا ،مش قصدى حاجة بجد
ثم تطرق لموضوع آخر كى يشتت انتباهها :
والدتك كلمتنى ،عيزاكى ترجعى البيت ،و تخرجى منه عروسه
و متقلقيش هى مش هتبقي موجوده

حتى و أن تظاهرت بعدم التأثر و لكنها تظل والدتها ،التى تبكى لفراقها ليلًا منذ أن ابتعدت عنها ،و أعلن عقلها هو الآخر الحنين لها ،لتجد نفسها تسأل سريعًا متلهفةً:
هتروح فين ؟
أجابها قائلًا بينما كان يطالع زوجه أبيه و التى كانت تقف على مقربة منهم :
معرفشى

زوجة أبيه لا تثق به ،يعرف ذلك يشعر أنها فى بعض الأحيان تحبه و فى أحيان أخرى تتعامل معه و كأنه غريب عنهم ،لا يعرف أ كان ذلك بسبب مرضها خاصة أن والده لم يحاول علاجها ،أم هى فقط خائفة ؟ لكنه لا يهتم ،يكفيه المرضى بحياته ،لا يمكنه تحمل فرد جديد ،فهو حقًا منهك .

عاد لأرض الواقع حين هتفت هى :
أصلًا مش مهم
أخفض رأسه و قال بتهكم :
معرفشى أنك قاسية
ابتعدت عنها ما أن شعرت بالسخرية من حديثه و اكتفت بقول :
حضرتك متعرفنيش أصلًا

لكنه لحق بها قبل أن تصل لباب المنزل ،منع تقدمها و قال:
بس هعرفك يا رنا ،هعرف كل حاجه سواء كانت صغيرة أو كبيرة
راق لها حديثه ،حتى أنها شعرت ببعض الدغدغة الخفيفة ،و هتفت متسائلةً بحيرة :
تفتكر فيه أمل ؟
مازالت خائفة من القادم و أراد هو أن يتعامل بحيادية دون أن يرسم لها طريق ورديًا و تجد فى النهاية بأنه معتم :
لو فى الحياة عامة ،فلا يأس مع الحياة و لا حياة مع اليأس
و لو فى علاقتنا فهو أمل ضعيف بالإحصائيات و اللوغاريتمات ،أمل يكاد يكون معدوم

ضيقت عيناها ،تتأكد بأنه نفس الشخص الذى كان يتغنى بالزواج منذ البارحة ،لذلك قالت بيأس:
طب نكمل ليه ؟ ليه نبذل جهد و نضيع وقت فى حاجه محكوم عليها بالفشل من البداية ؟

جلس أمام الباب و هتف متسائلًا بشكل مفاجئ:
بتحبى Mickey Mouse يا رنا ؟
فعلت مثله و جلست هى الآخرى بالقرب منه ثم قالت :
أه ،ليه ؟
ابتسم لها ثم شرع فى سرد إحدى القصص المفضلة له :
كان فى صحفى اسمه Walter Elias و اللى اشتهر بعدين ب "Walt" Disney
الصحفى دا كان شغال فى جريدة و لكنه اطرد منها بسبب أنه معندوش أى أفكار مبدعة أو مبتكرة لكنه ميأسشي أو استسلم و تمكن من إنشاء أول شركة للرسوم المتحركة و سماها "Laugh-o-gram-films"
بس تعرض مشروعه للإفلاس بعد عامين ،لكنه حاول تانى و عرض أفلامه و مشاريعه على الاستديوهات بس كان دايمًا بيترفض ،و مع ذلك مفقدشى عزيمته و واصل كفاحه و طموحه، لغاية ما أسس هو و أخوه" شركة والت ديزني" اللى اتحولت بعد كدا إلى شركة الإنتاج الأكثر شهرة في مجال الرسوم المتحركة.
و اتسمى على اسمه أكبر مجمعات الألعاب في بعض المناطق المختلفة حول العالم زى:
ديزني لاند.
فلوريدا.
هونغ كونغ.
باريس.
و من الجدير بالذكر أنه حصل على 26 جايزة أوسكار
أنهى سرد قصته منتظرًا منها إعجابًا على أقل تقدير و لكنها صدمته حين طالعته بإِسْتِخْفاف و قالت :
أنا اه بحب Mickey Mouse ،بس مش لدرجة أعرف حكايه المؤسس
تنهد تنهيدة عميقة ثم قال :
الغاوى يحب يعرف كل حاجه يا رنا ،و أنا عايز أعرفك

ألجمتها جملته تلك و لم يكن لديها أى رد ،فأشفق هو عليها و رحل بهدوء كما جاء .

..............................................................

كان" آدم "بغرفته جالسًا على فراشه منكسًا رأسه للأسفل بين يديه ،يشعر بالإختناق و بأن روحه سلبت منه عُنوةً و كان الجانى هو نفسه المجنى عليه
يلقى اللوم على نفسه منذ أن تركها و لكن ما باليد حيلة فقد فعل ذلك لأجلها ،فى بعض الأحيان يكون الفراق أهون ألف مرة من اللقاء
بدأ فى سب نفسه بكل الألفاظ التى تبادرت لذهنه ،يستحق النعت بكل الصفات الشنيعة ،و خانته الدموع ،كما خانها هو ،ليجد نفسه بين لحظة و آخرى بوحه مبلل بالكامل بسبب دموعه عليها و لأجلها
ابتسم بسخرية و نهض متجهًا للمرحاض ،كفكف دموعه سريعًا ،و حاول أن يجد نفسه ،يجد الشخصية التى تعايش معها قبل أن تظهر تلك الفتاة بحياته ،عليه التأقلم حتى و إن كان رغمًا عنه
و ما أن خرج وجد شقيقها يقف أمامه ،ظن للوهلة الأولى بأنه جاء لينتقم ،و لم يتراجع ظل واقفًا بمكانه منتظرًا اللكمة الأولى ،و لكن عوضًا عن العنف وجده يشهر هاتفه بوجهه و يقول بسعادة:
جبتلك حقك ،مش دا الواد اللى ضربك ؟

اتسعت حدقتيه بذهول شديد من تلك الصورة التى تظهر بوضوح اثار الضرب العنيف الذى تلقاه هذا المجرم الذى سبب جرح معدته ،و وجد نفسه يهتف متسائلًا بدهشة:
وصلتله ازاى ؟
رد عليه بهدوء بينما كان يتجه للمطبخ ليحضر زجاجة مياة :
بطاقته وقعت وقت الخناقة و ليلى ادتهالى

كانت جملة عادية ،قالها "غيث " دون أن ينتبه لأى شىء ،لكن كانت كرصاصة قاتلة فى قلب الآخر و الذى هتف بسخرية على حاله:
و ليلى معرفتنيش ليه ؟ أكيد شيفانى ضعيف

نفض تلك الأفكار سريعًا و لحق به للمطبخ و قال و هو يناوله كيس خضروات مُجمد ليضعه على نصف وجهه المَكدُوم :
خد
أخذ منه الكيس و وضعه بالفعل على مكان إصابته ثم قال :
كتب الكتاب الجمعة ،فاضى ؟
ابتسم له الآخر و قال بهدوء :
مبروك يا غيث ،بس متنساش الكشف الطبى
رمقه "غيث" بنصف عين و قال بسخرية بعد أن خرج من المطبخ :
بطل تبقي دكتور شوية
رد"آدم" عليه قائلًا بنفس الأسلوب:
و أنت بطلت تبقي مهندس ؟!
حرك الآخر رأسه نفيًا و قال بفخر و هو يتجه لغرفة الصغير:
لا ،دى نقرة و دى نقرة آخرى ،مفيش مقارنة أصلًا ،أنا مهندس مدنى ،عارف يعنى ايه مهندس مدنى ؟
لكن قبل أن يلقى بجسده على الفراش ،صدح صوت صديقه قائلًا بتهكم :
هندسة syndrome اشتغلت

ابتسم "غيث" و لم يعلق ،فقد كان اليوم طويلًا و خلد للنوم سريعًا تاركًا الآخر يقاسى ويلات الفراق و مازال فى بداية الطريق ،فكيف بنهايته ؟

..............................................................

فى صباح يوم جديد ، عاد "مالك " من عمله مبكرًا و اتجه لغرفته مباشرة ، قام بحزم الحقائب و جلس منتظرًا زوجته فى أى لحظة ،فقد هاتفها قبل أن يأتى و أخبرته بأنها ستعود مبكرًا هى الآخرى
نصف ساعة بالتحديد و كانت تقف أمامه ،فابتسم لها كطفل صغير وجد والدته أخيرًا بعدما فقد طريق العودة و ضاع بين الطرقات

اثارت بسمته تلك حيرتها و لكنه نهض سريعًا و قال :
قولى موافقه
عقدت ما بين حاجبيها و هتفت متسائلًا بدهشة :
على ايه ؟!
اقترب منها و ألح بإصرار شديد :
قولى بس موافقه يا عفاف،قولى موافقه مش عايز أسمع غير دا
سحبت نفسًا عميقًا و قالت فى النهاية بإستسلام:
موافقة يا مالك
حينها قفز بسعادة و قال :
عمر رجع يشتغل معايا و بما أن اليومين الجايين أجازات رسمية فأنا قررت أخطفك و اسبلهم الدنيا تضرب تقلب
ابتسمت على تصرفه ذلك ،يبدو حقًا كطفل حين ينسى كل ما يدور من حوله ،لكن هناك حلقة مفقودة لذلك هتفت متسائلةً بترقب :
تخطفنى ! على فين ؟
قبل وجنتها اليمنى و هو يقول :
لعروس البحر المتوسط

ثم سحب الحقائب و زوجته و رحل تاركًا كل شىء خلف ظهره .
..............................................................

بعد مرور يومين

(فى مدينة الإسكندرية)
يقف "بسام "برفقة ابنه أمام قبر زوجته الرحلة ،فاليوم ذكر وفاتها و ذكرى ميلاد ابنه أيضًا ،لكنه لا يحتفل به ،هو فقط يودع والدته فى هذا اليوم

نبس "غيث" بحزن :
تعرف كان نفسى أشوفها أوى ،كان نفسى أقول ماما لحد
داعب والده خصلات شعره و قال هو الآخر بألم :
الله يرحمها ،كانت بتحبك أوى يا غيث

عاد للخلف ،لأول ذكرى لهما
FLASH BACK
كانت "بسام" يمر على إحدى القرى كعمل روتينى بعدما وصل لهم فى المركز بأن هناك بعض الصراعات الدائرة بين الأهالى ،كان الوضع طبيعيًا للغاية حتى أنه اثار شكوكه ،فقد تعامل الأهالى بحذر شديد خائفين من أن يصل لنهاية القرية و يعرف بما يخططون له
لكن كانت لبراءة الأطفال النصيب الأكبر فى كشف تلاعبهم ،حيث هتف أحد الأطفال مخاطبًا صديقه :
تعالى بسرعة ،بيحرقوا بيت وفاء
لفت انتباهه تلك الجملة و هرول دون أن ينتظر أى يشرح
ليصل بعد دقائق إلى مكان الواقعة و يجد منزلًا صغيرًا تحيط به النيران من كل إتجاه
و ما أثار حنقه و غضبه هو رجال القرية ،حيث يهتف أحدهم بكره:
أحرقوها
و آخر يهتف بغضب شديد بينما كان يلقى بخرقة مشتعلة باتجاه المنزل ليزيد من النيران :
أحرقوا الفاجرة اللى جبتلنا كلنا العار
لتهف فى النهاية امرأة ترتدى الأسود و لا يظهر منها أى شىء :
دى حامل ،حامل من غير جواز ،فاجرة زى اللى جابتها

صرخ "بسام" بعنف شديد :
كله يبعد

لكن لم يهتم به أحد ،رغم أنه كرر حديثه بقوة و عنف أكبر :
قولت كله يبعد

لكن دون أى نتيجة ،فما كان منه سوى أن يخرج سلاحه الميرى و يطلق رصاصة فى الهواء ليتراجع على آثر حركته تلك كل الأهالى ،و اندفع هو يحطم باب المنزل بقدمه و يهرول لإنقاذ تلك المرأة التى لا يربطه بها أى شىء .
لتصبح تلك المرأة التى اتمهت فى شرفها و دُنست كرامتها تحت أقدام أشباه الرجال و كانت مطمعًا للكل لجمالها و وحدتها ،ظنوا بأنها لقمة سائغة يسهل مضغها و أراد الكل التلذذ بها إلى أن جاء هو ،جاعلًا منها زوجته فيما بعد ،زوجته التى تصغره بعامين و يقال بأنها تحمل جنينًا فى أحشائها

END OF FLASH BACK
عاد للواقع بسبب هتاف ابنه المستمر قائلًا:
أنا جعان يا بابا ،يلا نمشى
ابتسم له و اصطحبه فيما بعد لأحد المطاعم القريية كى يتناولوا أى شىء ،و مِنْ ثَمَّ يعدوا للقاهرة ،للمدينة التى سينكشف بها كل شىء عما قريب .

.............................................................

تسلل لغرفتها ليلًا ،انتظر أن يتم إغلاق جميع الأضواء و يتأكد من خلود أهل هذا المنزل للنوم ،ليقوم هو بفعلته الحقيرة
لم ينس أركان البيت ،فقد كان دائم التردد عليه أثناء طفولته مع والده لزيارة عمه و عائلته ،حين كان طفلًا مسالمًا قبل تلك الحادثة و سيطرة والدته عليه سيطرة كاملة
و ها هو اليوم يأتى ليقتحمه و يفسد أجواء السعادة التى نادرًا ما تحدث
دخل بهدوء مدروس و وقف أمام فراشها كانت مستغرقة فى النوم بشكل غريب كأنها تناولت عقار طبى شديد المفعول
تحرك ببطىء بينما كان يضئ هاتفه مستعملًا إياه كمصباح صغير
و ها هى ضحيته المسكينة ترقد على فراشها و يمسك هو بإحدى خصلات شعرها الصغيرة التى تناثرت بعيدًا عن رداءها الشتوى الذى يخفى أغلب رأسها ،تنهد بعمق ثم أخرج سلاحه الأبيض (مطوة) و قطع تلك الخصلة بلمح البصر و لم يكتفى بذلك بل قربه أكثر فأكثر إلى رقبتها كأنه على وشك ارتكاب جريمة رغم عدم معرفته بما يفعل ،لكنها تحركت بشكل عفوى مما أدى إلى جرحها جُرح صغير بجانب عنقها و نهضت هى سريعًا من الألم و الفزع و لكنه كان أسرع منها و كَمَّمَ فمها بإحكام
اتسعت حدقتيها ما أن وضحت الصورة أمامها كاملة

انه ابن عمها يقتحم غرفتها فى الليلة التى تسبق زفافها ،ما هذا العبث؟

_يتبع_
_الجزء الثانى ،الفصل الثلاثون _
_مريض نفسي بالفطرة_

___________________________________

صباح الخير ،اسفه جدًا على عد ردى على الفصل اللى فات
و فى حاجه حصلت مكنتش حابه اتكلم عنها بس مضطره للاسف
فى بعض الشخصيات بتكلمنى أن الروايه دى نفس احداث روايه أخرى منتهية على ما اعتقد من سنه بعد ما بحثت عنها لمجرد تشابة موقف واحد فى الفصل الأول
و طبعًا دا مش صح الحمدالله لا أسلوب و لا سرد و لا حوار حتى .
بس معلشى لو أى حد من حضراتكم لاحظ شبه بين احداث مريض نفسى و أى روايه آخرى يكلمنى
لأنى فى النهاية مريض نفسى لسه قيد الكتابه و الروايات الاخرى خلصت من سنين ،فلهم الأسبقية أكيد و إن شاء الله ميكنشى فيه أى تشابه عشان أنا فيا اللى مكفينى و مش حمل صدمات 🚶

Continue Reading

You'll Also Like

9.8K 617 39
• بعد إنهاء المكالمه سهيله بتذهب الي مكان تواجد فارس عند الاستدج وبتصفعه صفعه قويه علي وجهه تحت نظرات تعجب من الجميع... • وقال بنبره مخيفه وساخره : ا...
152K 12K 48
ما بينَ محاولة نسيان خذلانٍ قديم، ومحاولة الالتفات لحُبٍ جديد.. كان التناقض طرفٌ ثالث، فأضحت هذه العلاقةُ أكثر الأمور تعقيدًا. Cover by Anobeass.
1M 37.2K 43
روايتي الرابعة " مستمرة " كُتبت بواسطة : الجُّود بِنت آل مطّلق 🤎
524 129 19
غموض وأسرار مخفيـة مع كل سر يُكشف يظهر سـر آخر أكثر غموضًا وأشد صدمة من قبله، قلوب أرهقها العشق وقلوب أخرى تتعرف على ابجادية الحُب وسط انتقام امتد لأ...