مريض نفسى بالفطرة

By Hader3112

725K 30.6K 9.8K

مريض حُكِمَ عليه بعيش الازدواجية فى كل شىء ، إلى أن قابلها، منحته قلبها رغم معاناتها السابقة ولكنه رفض البوح... More

اقتباس1( لست ليث،أنا غيث)
_١_ (صفعةُ تعارف)
_٢_ (جدى يريد عودتى)
_٣_(صدمةٌ مُبرمجةٌ )
_٤_ (أنا القاتل)
_٥_ (الإنفصالُ فرصة ثانية )
_٦_ (لا أريدك يا أمى )
_٧_ ( حب ناضج لمراهقة صغيرة )
_٨_(بيت جدى مجددًا)
_٩_( ما ذنبى إن كنت تحب فتاة تحبنى؟)
_١٠_( قامت بخيانتى)
التعريف بمرض غيث
_١١_ (نوبة غضب)
_١٢_(بقاءٌ قسرى)
_١٣_( أب برتبة عدو)
_١٥_ عشر(عائد لكِ يا حبيبتى)
التعريف بمرض الطبيبة منال
_١٤_( دماءُ زوجتى الراحلةُ )
_١٦_ (ذلك الوغد مجددًا)
_١٧_(لست ليث، أنا غيث)
التعريف بمرض ديما
_١٨_(حب من طرف واحد)
_١٩_(غارق فى دمائه)
_٢٠_( وحشتنى عنيكى )
_٢١_ (الكل عاشق )
_٢٢_(حقائق بالجملة)
_٢٣_(الانتقام الحلو)
_٢٤_(رصاصة خائنة)
_٢٥_( المواجهةالحاسمة)
التعريف بمرض مالك
_٢٦_(كان ضحية بالأمس)
_٢٧_ (وداعًا بيت جدى)
_٢٨_ ( تطاول بما فيه الكفاية)
_٢٩_ (الحقيقة المؤلمة)
_٣٠_(قابلها مجددًا)
_١_( الانطباع خاطىء)
_٢_(مشاغبة من الطرفين )
_٣_( غيث واحد لا يكفى)
_٤_ ( من المصاب ؟)
_٥_(الغيرة اللذيذة)
_٦_(باغتها بعقد القران)
_٧_(أشباح الماضى تطاردها)
_٨_(فارق الحياة )
_٩_( رفضها يصيبنى بالجنون)
_١٠_(فرصة ثانية للفؤاد)
_١١_( اكتئاب حاد )
_١٢_ (أحبك رغم أنف قبيلتى)
_١٣_(هل تقبلين الزواج بى؟)
_١٤_ (خطوبة و جثة )
التعريف بمرض مالك ٢
_١٥_( فليحترق العمل أمام حُسنكِ)
_١٧_ (أخوض لأجلكِ ألف حرب )
_١٨_(أقبلينى كما أنا )
_١٩_ (تطاول على صغيرتى أمام عينى )
التعريف بمرض محمد العدلى
_٢٠_ (أريدك رغم استحالة ذلك)
_٢١_ (زوجى السابق )
_٢٢_ (قُبلة و مجموعة جُثَثٌ)
_٢٣_ (الإختطاف السعيد)
_٢٤_ (باتت حلالى و كل حالى)
_٢٥_(معركة دموية)
_٢٦_(ليلة زفاف كارثية)
_٢٧_(ليلة عيد)
_٢٨_ (كان القبول طوق نجاة)
_٢٩_ (كلانا لدية تجربة سابقة)
_٣٠_ (العديدُ من المعاركِ)
_٣١_ (كُتِبَ علينا الفراق)
_٣٢_(أحدهم يبكى و الآخر يرفرف عاليًا )
اقتباس٥ ( فتاتى الصغيرة)
(التعريف بمرض مايا)
_٣٣_ (نتعايش أم نتداعش ؟!)
_٣٤_ (راقصة بمبادئ)
_٣٥_ ( قصيدةٌ جميلةٌ )
_٣٦_(الغضب الساطع آت)
_٣٧_(رفض من جميع الجهات)
_٣٨_(نَقَشَ فوق جسدها)
_٣٩_( لاجئ أم خائن ؟!)
_٤٠_(مَلاَك مُحْتَجَز)
_٤١_(نُقُوشٌ مُتبادلةٌ)
_٤٢_(ثلاثة قُبْل فوق ضريح الصقيع)
اقتباس_٦_ (لحن النهاية)
_٤٣_(الفَرِيسَةُ و الصَّيَّادُ)
_٤٤_(ليلةٌ مُلطخةٌ بالماضى)
_٤٥_(اختطاف أرعن)
_٤٦_(جسدٌ مُدنسٌ وروحٌ مُفارقةٌ )

_١٦_ (حُلو مرى)

6.8K 260 196
By Hader3112

٢٣/٠٥/٢٠٢٣
(حُلو مرى)

"بحثت عنك فى أعين كل من قابلت، لكنى لم أجدك، فزاد تعلقى بك"

************************************

(قبل بضع ساعات )

كانت "منال" تتحدث مع نفسها و تبكى بغزارة شديدة بينما كانت تحتضن دفتر الرسم و قميص الصغير الآخر  ،و فجأة نهضت و خرجت من الغرفة ،اتجهت لغرفة مكتبها و قامت بإرسال رسالة قصيرة لأحدهم مدون بها :
"أنا تعبت و همشى للأبد"
و بدون أى مقدمات أخذت العديد من أقراص النوم دفعة واحدة راغبة منها فى الراحة الأبدية

على الطرف الآخر ،تلقى هذا الشخص الرسالة و أسرع دون تفكير إليها ،فقد كان يختبىء منذ أيام طويلة فى عقار سكنى بجانب منزلها ،و ينتظر أى فرصة ليظفر بها ،معتقدًا بأن تواجده أمامها فى كل مكان و زمان قد يؤثر على قلبها و تخضع أخيرًا لهوسه الغير مبرر و المؤذى أيضًا
ظل يطرق على الباب للعديد من المرات دون أى إجابة ،فلم يجد أمامه سوى اقتحامه لكنه مهما حاول فهو كهل ضعيف أمام هذا الباب الخشبى القوى ،هبط سريعًا و أخذ البواب و ابنه و صعدوا ثلاثتهم ،مرة خلف مرة إلى أن تمكنوا من  تحطيم هذا العائق الخشبى و اقتحم "عماد" المنزل سريعًا يبحث عنها فى كل ركن ،كان صدره يعلو و يهبط من فرط المجهود البدنى العنيف الذى بذله لكنه لم يهتم سوى بشىء واحد ،ايجاد من ينبض قلبه باسمها منذ ما يقرب من ثلاثة عقود إن لم يكن أكثر ،هوس لا فائدة منه سوى تحطيم كل من كان فى دائرته

وجدها أخيرًا فى غرفة المكتب ،تجلس على المقعد و جذعها العلوى يهبط على المكتب بضعف غريب كأنها تحتضر ،لم ينتظر للحظة واحدة و هرع لها يحملها سريعًا و هبط دون أن ينتظر مساعدة من أى شخص ،ليس ضعيفًا حين تكون محبوبته قريبة منه هذا كل ما يعتقده ،حب أبله لا صحة له ،مجرد تراهات و عبث حقيقي

"هويت شخصًا لم يكن لى من البداية ،و على آثر ذلك فقدت كل شىء ،حتى ذاتى المنتهكة "
.................................................................

(قبل أربعة و عشرون ساعة )

كان "بسام" يعمل فى الشركة على بعض الملفات الخاصة بحسابات الأشهر الماضية ،يدقق بشدة ليجد أى ثغره تأكد له حدسه عن صاحب العمل و شركائه ،فلا بد أنه يراوغ و يتلاعب ،فكيف لحفيد العدلى أسوء من جلس على مقعد وزير أن يكون بمثل هذه النزاهة ؟
رسخ اعتقاد فى نفسه و صدقه بل و أنطلق ليثبته للجميع تاركًا حياته تنقلب رأسًا على عقب 

زفر أنفاسه بضيق شديد حين أمضى كل تلك الساعات دون فائدة و لكن طلبه المدير لأمر ما ،فنهض بتكاسل و ضيق متجهًا لغرفته لكن تسمر بمكانه ما أن شاهد ما يعرض على التلفاز
"سطو مسلح على البنك المركزى "
كان هذا الشريط الأساسى الذى يعرض على إحدى القنوات
و بدون تفكير ترك كل شىء و هرع لها ،فقد استمع لها فى الصباح الباكر حين كانت تتحدث مع المدير و تخبره برحيلها المبكر لأنها تريد الذهاب للبنك لأمر خاص  

تلك الفتاة الصغيرة التى جلعت فؤاده ينبض مجددًا بعد زوجته الراحلة ،أحجية كبيرة رغم صغر كتلتها لكنها و للعجب تتلاعب برجل بالغ راشد
كالأبله ترك كل شىء لأجلها

وصل للبنك بعد فتره بسيطة حيث كان يقود بسرعة جنونية ،كشخص ما نعرفه حق معرفة

وقف أمام هذه الجموع الكثيرة من الشرطة و أهالى الرهائن ،لم يعرف كيف يتصرف؟ خاصة أنه لمح "غيث" يقف فى زاوية ما ،يريد الدخول لكنه بذلك الفعل سيفضح حقيقته ،زفر أنفاسه بضيق و قرر محاولة الدخول من الباب الخلفي ،و ما أن ذهب حتى وجد عناصر من رجال الأمن أيضًا لكن و لحسن الحظ لا يوجد سواهم ،لذلك أخرج بطاقة هويته و تعامل برسمية غريبة قائلًا:
أنا الرائد بسام النويرى
وقف رجال الأمن أمامه بإنضباط و حيوه بطريقة عسكرية مهيبة
اقترب من الباب بعد أن تراجع الباقى و أمرهم بالذهاب للجهة الرئيسية فهناك مناوشات حادة بين الأهل و زملائهم  ،فنفذوا ما قال و حاول هو كسر الباب عن طريق اصطدامه به معتمدًا على قوته البدنية لكن بلا فائدة ،فلم يجد أمامه سوى استعمال سلاحه و تركيب إحدى المعدات التى تجعله يطلق النار دون صوت ،و مرة واحدة صوب السلاح و أطلق عدة طلقات كُسر على أثرها قُفْل الباب
دخل بخفة الريشة ، كان يتحرك بهدوء غريب ،و ينظر فى جميع الاتجاهات كى يعرف وجهته الحقيقة و ينطلق لها سريعًا و لم يكد يمر لحظات بسيطة  على اقتحامه الهادىء ذلك حتى سمع صوت صراخ الفتيات فهرول لهم دون أن يحسب أى عواقب ،وصل لهم و عيناه تطلق شرارات بسبب ما رأى ،و بلمح البصر أطلق ثلاثة طلقات فى الهواء أصابت الثلاثة رجال ،أحدهم فى قدمه و الآخر بكتفه الأيسر و الثالث بكف يده ، و تحررت الفتيات بأعجوبة غريبة ،و فُتح باب البنك على مصراعيه فجأة حين علم القائد  من رجاله بأن هناك شرطى بالداخل و دخل رجال الأمن مقتحمين المكان بعنوة و أمسكوا بالملثمين و تحرر الجميع أخيرًا

لاحظت "ديما" طيف شخص ما يتدحرج بشكل مدروس للغاية و اتجهت لمكانه و لكنه اختفى بملح البصر ،لكنها وجدت ورقة قد سقطت من هذا الشخص ،هبطت بجذعها و أخذتها و لكنها بمجرد أن قرأت ما بها ،حتى اتسعت حدقيتها بذهول تام ،ما هذه الصاعقة؟
بطاقة هوية الرائد "بسام النويرى" ،يالها من مفجأة غير متوقعة على الإطلاق .

" و ها هى حقيقة من الثلاثة حقائق المتعلقة به كُشفت ،فماذا عن الباقى ؟ و هل هم ثلاثة كما ذكر أم أكثر بكثير ؟"

عزيزى ما زال سر "بسام النويرى' الأكبر طي الكتمان حتى هذه اللحظة ،فهناك العديد من المغامرات الشيقة التى تنتظرنا ،فابتسم لعل ابتسامتك تضىء الطريق أمامنا.
.....................................................................

(بالعودة للوقت الحاضر)

أخرج سلاحه و أشهره بوجها و هو يقول بتصميم غريب:
السلاح دا اللى دافعت بيه عنك امبارح و شكلى هستخدمه النهاردة كمان بس ضدك يا ديما

لحظة صمت غريبة ،ذهول و خوف من ناحيتها و تصميم و مجازفة من ناحيته ،ما هذه العلاقة المريبة؟
لكن  و قبل أى شىء ، أطلق النار بإتجاهها مباشرة

اتسعت عيناها بصدمة و انفغر فاهها ،بينما كان يقف هو دون تأثر ثابت كقطعة جليد و قال:
مسدسى فاضى لأنى ضربت كل الرصاص امبارح عشانك يا ديما ،و معنديش مانع أضرب أكتر و أكتر بس تكونى بخير
تنفست الصعداء ما أن أزاح سلاحه ،و هتفت متسائلةً بخوف:
أنت مين؟
ابتسم"بسام" بسخرية و هو يقول بضياع:
أنا إنسان ضايع و مشتت و فى مليون حاجة مطلوبة منه و غصب عنى هعملها ،فأرجوكى بلاش تكونى أنتِ كمان ضدى ،مش هستحمل دا
لاحظت نبرته تلك و علمت أن حقًا مغصوب على هذا الأمر فقالت :
أنا مش فهماك ، بس
لكنها صمتت للحظات من فرط توترها و ظهر هذا بوضوح على كف يدها ،و فى النهاية تحلت بالقوة و قالت:
بس مش هتكلم و لا هعرف حد حاجة و خلص اللى مطلوب منك
كان"بسام" يرمقها بنظرات غير مفهومة خاصة حركت يدها التى تصاحبها دائمًا كى تخفى قطرات المياه الغزيزة تلك ،فقال هو دون وعى منه :
آسف
عقدت "ديما" ما بين حاجبيها متسائلةً بتعجب:
عشان ؟!
رد عليها بينما كان ينظر لها مباشرة ،كأنه يريد تحطيم كل حصونها التى تتعمد إقامتها دائمًا مع الغرباء:
عشان أنا عايز أتأسف لأجمل بنت شافتها عنيا
قال هذا و أفسح لها المجال كى تخرج ،فهو يعرف أنها لن تجيبه و لا ينتظر منها جوابًا من الأساس ،هو فقط قال ما شعر به
بينما هى أسرعت بمجرد أن بات الطريق سانِحًا أمامها

"لما الهروب ،و المراوغة؟ أليس ذلك ما كنا نبحث عنه منذ البداية ؟ "

..............................................................

ذهب"غيث"  إلى إحدى المواقع الميدانية برفقة العديد من طلاب السنة النهائية ،حيث كان يشرح لهم كيفية سير الأمور خارج حدود الكتب و النظريات ،ربما لم يختر هذا العمل بمحض إرادته لكنه إعتاد أن يبدع فى كل ما يقع به
تلك هى حياته منذ نعومة أظافره

كان يجيب على أسئلة الطلاب واحد تلو الآخر دون أن يصيبه الملل ،فهو يحب التدريس رغم كل شىء ،و بينما هو غارق فى الشرح سمع صوت صراخ قادم من مكان قريب
كانت فتاة تهرول سريعًا و يلحق بها سيارة مواصلات صغيرة جدًا (توكتوك) كان بها شابان يبدوا عليهما عدم الاتزان بعض الشىء
لم ينتظر ليفهم الأمر أو يخرج هاتفه و يبدأ فى تصوير الواقعة  كما هو الحال من الشباب المتخاذل هذه الأيام  ،بل سحب الفتاة لتقف خلفه و يقف هو بمفرده يتصدى لهؤلاء النِذَالٌ

حيث خرج من تلك السيارة شاب فى منتصف العقد الثانى تقريبًا و يحمل فى جيبه سلاحًا حادًا (مطوة) أخرجها و بدأ فى اشهارها بوجه "غيث"كى يتراجع عن التصرف البطولى هذا فلا حاجة له ،لكنه تفاجىء به يمسك هذا السلاح من بين يده غير عابىء بجرحه لنفسه و قطرات الدماء التى تهبط منه بل دفع هذا الشاب بعد أن قام بضربه برأسه بحدة ،فسقط هذا الشاب على الأرض و خرج صديقه ليدافع عنه لكن و قبل أن يقترب من "غيث" كان الطلاب يندفعون بعد أن غلى الدماء فى عروقهم و بدأوا فى التعارك مع هذان الشابان
كانت معركة ضعيفة للغاية و انتصر طلاب هندسة بجدراة ،ابتسم لهم "غيث" و عاد و أكمل الشرح بعد أن أعطى الفتاة بعض النقود و أوقف لها سيارة أجرة و أطمأن عليها
رغم جرحه لكنه اكتفى بتغليفه بمنديل ورقى و سيهتم به بعد العمل
و لكن كان هناك عدسة تصوير تلتقط كل ما حدث ببراعة .

بعد فترة كان قد أنهى كل ما قد يقال و انطلق هو و طلابه فى طريق العودة للجامعة ،لكن صدح صوت هاتفه معلنًا عن خبر سىء
و بدون تفكير انطلق لها ،لمن يعانى معها و بسببها منذ الصغر

و صل بعد فترة و ذهب مباشرة لغرفة والدته التى علم رقمها من الاستعلامات الخاصة بالمشفى و لكنه لم يدخل ظل واقفًا بمكانه يراقب هذا المشهد
كانت والدته تجلس على الفراش و يجلس على المقعد بالقرب منها  "عماد" كان يبتسم لها و يتحدث معها فى أمور مختلفة و تبادله  هى أطراف هذا الحديث بصخب و مرح ،لم يراها بهذه السعادة من قبل حين كانت برفقته ،حياتهم سويًا لم تكن سوى عراك و ضوضاء و صراخ لا أكثر و بعض الضرب المبرح الذى كان يتلقاه من حين لآخر
حاول بشدة دفع جسده للأمام كى يدلف و يحطم رأس هذا الحقير و لكنه وجد نفسه يتراجع للخلف بتخاذل غريب
اكتفى فقط بدفع رسوم المشفى و رحل بهدوء بعد أن عقمت  له إحدى الممرضات جرحه بعد إصرار شديد منها ،فهو حقًا لا يهتم بهذا الجرح الصغير أمام جرح قلبه الذى ينزف و بشدة .

........................................................................

عادت"رنا" إلى المنزل بعد يوم طويل من العمل ،شعرت بالإنهاك بشدة خاصة أنها بدأت فى التحضير لمشروع التخرج هى و "وعد" ،دلفت مباشرة لغرفتها و خلدت للنوم دون حتى أن تبدل ثيابها ،ابتسمت والدتها حين رأت هذا المشهد واقتربت منها بهدوء ساعدتها على خلع جواربها و دثرتها جيدًا ثم أغلقت الضوء و خرجت تاركةً إياها  تنال قسطًا من الراحة

اتجهت"الست منى " للمطبخ و قررت إعداد طعام ابنتها المفضل فى جو دافىء و هادىء أخيرًا بعد العديد من الأيام السيئة

و بالمنزل المقابل كانت والدة "وعد"تصرخ بأعلى صوت من ابنتها المشاغبة تلك التى لا تسمع لأحد على الإطلاق و مصرة على فعل ما تريد
حيث كانت"وعد"تهتف قائلةً بقوة و ثبات :
أنا مش هكمل فى الخطوبة دى ،خلاص كان فى و خلص
لتجيبها والدتها سريعًا و هى لا تعرف ماذا حدث فجأة :
أنتِ لحقتى يا بنتى؟طب هو أحمد عملك حاجة ،دا حتى باين عليه غلبان و طيب
حدجتها ابنتها بنظرات غاضبة ثم قالت بنبرة جامدة لا تقبل النقاش :
ما غلبان إلا أنتِ يا ماما ،و أنا خلاص مش هكمل و دا اخر كلام عندى
أنهت حديثها و دلفت لغرفتها مغلقة الباب خلفها بصرامة

بعد فترة و صل "أحمد"لمنزل خطيبته و طرق  على الباب بهدوء و ما أن فتحت له"الست فاطمة" حتى هتف متسائلًا بضيق :
هى فين يا حماتى ؟فين اللى مسيبانى شغلى و جيبانى على ملى وشى عشان شوية هرمونات 
رحبت به "الست فاطمة" و قالت بعدما أشارت له بالجلوس على الأريكة:
هندهالك يا ابنى
لم تكن"وعد" تريد الخروج و لكن مع إصرار والدتها لم تجد أماها سوى الموافقة ،فخرجت و هى تردى رداء الصلاة ،فهى حتى لا تريد التأنق له ،فقد ضاقت ذرعًا و يكفيها ما رأت ،و بمجرد أن وجدها تقف أمامه حتى صاح متسائلًا بسخرية:
حصل ايه يا خطيبة الندامة ؟
رمقته"وعد" بغضب شديد و قالت بحدة :
ندامة فى عينك ،و نفضها سيرة أحسن من دلوقتى ،خلاص الخطوبة دى معدتش تلزمنى
أثرها"أحمد" فى نفسه و لم يعلق على حديثها اللاذع ،أكتفى فقط بمحاولة تهدئة الأمور و قال :
يا بنتى أهدى بس كدا و فهمينى ايه اللى حصل ؟
كان يشير لها أن تجلس بجانبه بينما كان يتحدث ،و لكنها ظلت واقفة بمكانها  و عقدت ذراعيها أمام جسدها و هى تقول بغضب :
أنا مبتفهمش ،أنا بفسخ علطول
لم يتحمل "أحمد" أكثر من ذلك و نهض ليقف أمامها مباشرة و هو يقول ببعض الحدة التى حاول بشدة التحكم  بها :
وعد دا مش أسلوب للنقاش ،أقعدى و أهدى كدا و خلينا نفهم ايه اللى حصل ؟ أنا لغاية دلوقتى مستحمل كلامك اللى زى السم عشان أعدى الليلة  ،لكن قسمًا عظمًا لو ما اتكلمتى عدل ليكون ليا تصرف تانى مش هيعجبك ،أنا لغاية اللحظة دى ساكت و مش راضى أزعلك
كان جسدها يعلو و يهبط من فرط الغضب و تلك المناقشة الحادة و لكنها  لم تهدأ بل صاحت بعنف غير عابئة بحالتها :
يا بجاحتك يا أخى ،بتعلى صوتك عليا فى بيتى ،لا و كمان عايش دور الضحية جدًا ،دا أنا لو مكنتش شوفت بعينى كنت قولت مظلوم و أنا اللى ظلماك و مفترية ،عارف أنا اللى واكله عشاك
و بهدوء غريب هتف متسائلًا بأهم نقطة قالتها :
شوفتى ايه ؟
لوت"وعد" ثغرها بسخرية و تركته متجهة لغرفتها لحظات و عادت و هى تحمل هاتفها المفتوح على إحدى وسائل التواصل الاجتماعى ،و قالت بينما كانت تناولها إياه :
اتفضل
اتسعت حدقيته بصدمة فقد شاهد مجموعة من الصور التى يظهر فيها بوضوح برفقة إحدى الفتيات التى كان على علاقة مؤقته بها فى الماضى ،كانا يجلسان بمطعم و تلك الفتاة تمسك بيده و هو يبتسم لها نصف ابتسامة
و لكنه تدارك الموقف سريعًا و هتف متسائلًا :
الصور دى بتاريخ ايه ؟
ردت عليه قائلةً بتهكم :
و أنا مالى بالتاريخ ،أنا ليا فى اللى موجود فى الصورة و الوضع اللى حضرتك فيه ،و مبسوط  أوى و بتضحكلها كمان ،طب مكملتش معاها ليه ؟
عاد"أحمد" و جلس مجددًا و ضع قدمًا فوق الأخرى و قال بقوة و ثبات :
لا ليكى بالتاريخ يا وعد  ،أنتِ ليكى تحاسبينى من أول ما دخلتى حياتى ،قبل كدا sorry مش من اختصاصك ،و أنا  لا دخلت عليكى بدور الشيخ  الصالح  و لا  أدعيت أنى مثالى  و مليش  أخطاء و لا هفوات قديمة ،أنتِ عرفانى من أربع سنين و أكيد سمعتى كتير عنى ،فمتجيش تتفاجئى قوى و تعيشى فى دور المخدوعة يا وعد ،أه أنا غلطت و دى حاجة مش هفتخر بيها أكيد ،و منكرشى أن ندمان خاصة دلوقتى ،بس مين فينا مغلطش يا وعد ؟
كان يتحدث بقوة غريبة حتى هو تفاجىء بها ،و مع ذلك كان  ينتظر منها نظرة معينة ،عفو مثلًا أو تغافل ،أى شىء يريح قلبه لكنها ظلت ثابتة جامدة على موقفها ،فقال بهدوء  بعض أن نهض و أغلق زر بذلته :
بس لو الموضوع هيبوظ عشان صور ،فيبوظ من دلوقتى لأن فى حاجات كتير أوى أنتِ متعرفيهاش ،و أنا مش مستعد أنقاشها  معاكى ،أنا مش مستعد لفترة عتاب طويلة و خناقات ملهاش أى لازمة و أحنا أصلًا لسه  فى حلاوة البدايات زى ما بيقولوا ،أنتِ عرفانى من قبل ما أدخل البيت دا و أطلب ايديك فمتحاسبنيش على حاجة أنتِ بنفسك قبلتينى بيها من الأول ،و من البداية خالص يا وعد لو حابه تنهى الخطوبة دى براحتك ،أنا هعملك اللى أنتِ عيزاه
شعرت بوخزة فى قلبها ،و كأنها ستفقد شيئًا عزيزًا للغاية ،فهتفت بحزن :
بسهولة كدا ،عايز تنهى كل حاجه ،كأنك ما صدقت
حرك رأسه نافيًا حديثها و قال بصدق :
أنا عايز أريحك ،اذا كان صور قديمة و أصلًا مفيهاش أى حاجه خلتك تتصرفى كدا ،أنا مش ملاك يا وعد و غلطت كتير  بس بحاول دلوقتى أكون كويس ،فاذا مش هتستحملى شخص بماضى زى فنفضها سيرة أحسن من دلوقتى عشان لا تتعبى نفسك و لا تتعبينى معاكى
رغمًا عنها زرفت الدموع ،و شعرت بنبضات قلبها تتسارع بشكل غريب ،فقال هو كى يتركها لترتاح بعد أن ناولها منديلًا  :
أنا هسيبك يومين تفكرى فيهم ،و أيًا كان قرارك عمره ما هيأثر على جامعتك أو شغلك ،أنا  مبخلطش الأمور الشخصية بالشغل ،بس لآخر لحظة أنا متمسك بعلاقتنا دى يا وعد ،عن اذنك
ودعها ورحل بهدوء ،تاركًا الكرة بملعبها تفعل بها ما تشاء

"أ يمكن أن نسمح لأنفسنا بالانجراف خلف مشاعرنا و ننبذ كل ما يمليه العقل ؟"  
...............................................................

فى المساء
كان "غيث"بمنزله و حيدًا بائسًا لا يريد الاختلاط بأحد ، يجلس بالشرفة و يتابع المارة بملل غريب ،يبتسم بسخرية على حاله فاليوم أصيب مرتين ، بكف بيد و قلبه و لم يجد حتى كلمة مواساة سوى من تلك الممرضة الصغيرة التى أشفقت على جرحه و ضمدته له
عجيب أمر الحياة ،تعطى الجميع ما يريدون حتى و إن كان قلبك و لكن فى المقابل لا تجد من يحنو عليك و يمسد على ظهرك برفق

وقبل أن يكمل تلك الجملة بعقله سمع صوت جرس الباب ،زفر أنفاسه بضيق و نهض بتكاسل ،لكنه صدم حين رآها تقف أمامه و قبل حتى أن يرحب بها ،دلفت بغضب شديد و هى تقول :
مجتش تاخدنى من المستشفي ليه؟ للدرجة دى مستبيع ؟
أغلق الباب ثم وقف يستند عليه و هو يقول يتهكم :
و أجى ليه و فى عاشق ولهان نايم تحت رجلك ؟
رمقته بغضب شديد و كادت أن تتحدث لولا أنه منعها و أكمل ما كان يقول بعنف :
بس مش هيوصلك يا دكتورة ،مش هسيبك تروحيله ،أنت مش هيبقالك غيرى و بس ،حد تانى لا و خاصة حبيب القلب 
صاحت بغضب شديد بينما كانت تتجه له مشهرة يدها بوجهها كى تصفعه :
أحترم نفسك
لكنه كان أسرع منها و أمسك بيدها قبل أن تصل له و قال :
ايدك متترفعشى عليا ،أنا مش هقدر اتحكم فى نفسى و أنتِ عارفه دا كويس ،فبلاش النهاردة ،أجلى أى خناق ليوم تانى ،و صدقينى  هسيبك تعملى كل اللى تحبيه
ترك يدها و اتجه لغرفته كى يبتعد عن هذا الجو السام ،لكنها أوقفته و أمسكت بساعده الأيسر  بينما كانت  تقول بحدة :
أنت ازاى تكلمنى كدا ؟ يعنى ايه أجلى الخناق ؟ أنت هتأمرنى و تتحكم فيا مثلًا ،فوق أنا مش صاحبك أنا والدتك و أنا الآمر الناهى ،أى حاجة فى حياتك هتمشى على مزاجى أنا
أزاح يدها عنه و صرخ بعنف شديد :
اسكتى
لكنها لم تهدأ بل تملكتها تلك الحالة و انطلقت فى قولها السىء غير عابئة بمن أمامها :
لا مش هسكت و لازم تسمع ،أنا مش هقبل بأى شكل من  الأشكال أنك تتعامل معايا بالأسلوب المتدنى دا  ،كلامى يتسمع و يتنفذ ،و أى تلميح عن علاقتى بعماد أنا مش هقبله ،عماد دا صديق ليا و بعزه مش أكتر  ،و أحب أفكرك أن محدش بقيلك غيرى ،و الدك اللى سابك زمان عشان يتجوز و يعيش حياته  و أنا اللى بقيت  جمبك
لم يتحمل تلميحاتها العديدة تلك ،فكل كلمه تخرج من فمها تصيبه بسهم ملوث ،كان كالأسد الجريح و لهذا زئر بقوة و انطلق يحطم كل شىء يقابله :
اسكتى ،بقولك اسكتى ،خلاص مش عايز اسمع أى حاجه ،حرام عليكى خلاص أنا تعبت منك ،خلاص
يتحدث و يحطم ،أمسك بالصورة التذكارية المعلقة على الحائط و التى تضم عائلته و ألقاها على الأرض بقوة و اتجه لاحد المقاعد حمله بيد واحدة و ألقاه بالقرب من والدتها و التى قفزت سريعًا خائفة من أن يصيبها لكنها تعمد أن يلقيها بعيدا عنها بعض الشىء
لم تجد أمامها سوى الرضوخ و الهدوء قليلًا من حالتها المزاجية تلك و اقتربت تمسد على كتفها و هى تقول :
ليث أهدى
زادت الطين بلة ،هذا ما حدث ،و تملكه الأمر بشدة حيث أمسك بساعدها بقوة و صاح بغضب :
أنا مش ليث ،أنا غيث ،ابنك الصغير مات من سنين طويلة ،مات و سابنى أنا عشان أعانى معاكى ،فوقى بقي فوقى أنا ابنك التانى ،فوقى و شوفينى و لو لمرة واحدة فى حياتك ،شوفينى زى ما أنا من غير رتوش ليث اللى بتحاولى تلزقيها ليا ،أنا غيث سامح الحديدى ،اسمى غيث و بحب الرسم مش بحب الهندسة و مش عايز أكون مدير شركة أبوكى ،مش عايز أكون أى حاجة من حياتى دى ،حتى أنتِ ،مش عايزك
كان يصرخ بغضب و صدره يعلو و يهبط بطريقة عنيفة ،و لكن مع مرور الوقت سقط جاثيًا على ركبتيه فقد خارت قواه ،و وجد نفسه يقول بنبرة منكسرة :
هو أنا مستهلشى ؟مستهلشى تحبينى زيه ،دا حتى الغريب بتحبيه ،جت عليا
سقطت هى الأخرى و بدأت فى البكاء بينما كانت تحتضنه و هى تقول بصدق:
أنا اسفه ،حقك عليا ،و الله اسفه
فى البداية رضخ لهذا الاعتذار البسيط ،فهو يحتاج لهذا العناق بشدة منذ كان طفلاً لكن لاحت أمامه ذكريات الماضى دفعة واحدة ،فانتفض مبتعدًا عنها و هو يصرخ بألم :
أبعدى عنى متلمسنيش ،ملكيش دعوى بيا ،أنا خلاص مش عايز أشوفك تانى ،اخرجى من حياتى أخرجى و سبينى
قال ذلك و نهض مُتجهًا لغرفته ،أغلق الباب بحدة و ظل يجوب الغرفة لفترة لا يستهان بها ،بينما كانت هى بالخارج تطرق على الباب  للعديد من المرات كى يسمح لها بالدخول لكنه لم يجيب
بعد فترة خرج و هو يحمل حقيبة صغيرة به بعض مُقتنياته و اتجه لباب المنزل ،فاسرعت هى تهتف باسمه :
غيث استنى
التفت لها و قال بحدة بينما كان يرمقها بنظرات عتاب صريحة :
اسمى متقولهوش تانى ،أنا خلاص اتعودت على أنى فى حياتك مجرد نكرة ،لو عايز تباتى هنا براحتك ،أنا مش راجع غير لما تمشى
أنهى حديثه و رحل ،رحل بجسد منهك و روح متعبة ،لقد عانى لفترة طويلة دون أن يرتاح  ،ألا يحق للمرء بفترة نقاهه بعد كل إصابة ؟
...................................................................

كانت"رنا" تهرول سريعًا ،خائفةً من وحش بشرى يلحق بها يريد أن يفترسها ،تسقط و تنهض ،تتعثر بكل حجر تقابله لكنها مازالت قوية تريد النجاة و لكن فجأة سقط المطر بشدة و باتت الرؤية مشوشة لذلك ارتطمت بعنف بإحدى الأحجار الكبيرة و فقدت الوعى و قبل أن تغلق عينها لاحظت وجود فارس يقترب بها سريعًا لكنها سلمت بالأمر و راحت فى سبات عميق لتستيقظ بعد فترة و  تجد نفسها تمتطى جواد أسود و تعانق شخصًا ما من الخلف
اتسعت عيناها بصدمة و أرادت التحرر من هذا الالتصاق الغريب و الذى لم يصيبها بأى خوف أو ذعر كما يحدث عادة ،لكنه لا يصح
لذلك تركت هذا الفارس و همت بالهبوط لكنه أمسك يدها سريعًا و التفت لها و هذا ما سبب الصدمة الكبرى
كان هو ،كان ذلك "الغيث"
لتستيقظ من النوم سريعًا و تكتشف أنها كانت تحلم به ،كان هو فارسها المغوار الذى لطالما زارها فى الأحلام دون أن تنكشف هويته .

أ تكون تلك إشارة يجب أخذها فى الاعتبار ،أم تظل تتصرف ببلاهة ؟

...............................................................

قبل اذان الفجر بلحظات ،دلف "غيث"لمنزل صديقه ،فلم يجد أى مكان يلجأ إليه سواه ،أراد الهروب من نفسه إليه
و لكنه تفاجىء بالصغير يخرج من المرحاض فقد كان يتوضأ لصلاة الفجر ،ابتسم له فهو حقًا يشبه "آدم" للغاية
لكن الصغير رمقه بضيق شديد و قال :
جاي ليه ؟ أنت مش عندك بيت تبات فيه ،روح بيتك نام
رد "غيث"عليه و قال  بمشاكسة :
دا بيت خطيب أختى ملكش دعوة
ركله الصغير فى قدمه و قال بحدة:
مش عايزينك و لا عايزين أختك ،أمشى من هنا و متجيش هنا تانى
على اثر هذه الأصوات خرج "آدم" و هو يهتف متسائلًا دون أن تتضح الرؤية أمامه :
فى ايه بتزعق ليه يا زين ؟ 
و ما أن رأى صديقه حتى رحب به بشدة قائلًا:
ايه دا ،اذيك يا غيث ،البيت نور و الله ،ليك واحشه ياجدع
عانق صديقه بشدة ثم قال و هو يشير لغرفته التى اعتاد النوم بها :
أجهزلك أوضتك لو هتبات ؟
قاطع وصلة المشاعر تلك هتاف "زين" بحدة :
يبات فين؟مش هو ليه بيت يروح ليه
هبط "غيث"بجذعه العلوى ليصبح فى نفس مستوى الصغير و قال بينما كان يمسك بذقنه بهدف إثارة غضبه:
يا ابنى أنا هنا قبلك ،أنا اعرف اللى جمبك دا من و هو لسه فى أولى جامعة و دلوقتى بقى دكتور ملو هدومه هو صحيح دكتور أى كلام بس هنعديها
تدخل "آدم" فى الحوار ما أن استمع لإهانته و قال بتهكم :
تشكر يا أبو الصحاب
رد "غيث"عليه بمشاكسة:
أنت تؤمر يا صاحبى
و انتهى هذا النقاش أخيرًا و ذهب الثلاثة لأداء صلاة الفجر ،بقلب خاشع حتى و إن كان ملىء بالحزن و الألم لكن مازال هناك أمل

جلس "غيث"بالشرفة يراقب الشروق و برفقته صديقه ،و قال بينما كان يشير للغرفة التى دلف إليها "زين" منذ لحظات :
بيغير عليك أوى ؟
أخذ "آدم"نفسًا عميقًا و قال بنبرة حزينة مضطربة :
و دى حاجه وحشة أوى ،خايف يكون تعلق مرضى ،الولد أه حالته اتحسنت و بيتعامل مع زمايله إلى حد ما كويس ،لكن أى حد يقربلى بيتعامل معاه وحش ،تقريبًا مش بيقبل غير أحمد و أوقات أنت ،مش عارف أتعامل معاه يا غيث ،خايف أكون مش قد المسؤلية دى
ربت "غيث" على كتفه و قال بصدق :
أنت قدها و قدود يا آدم ،أنا واثق فيك
ابتسم "آدم" له ثم هتف متسائلًا :
أنت جيت ليه ؟ فى حاجة حصلت ؟ مش بتيجى فى وقت زى دا إلا لما يكون فى مصيبة و ايدك مالها ؟ لافف عليها شاش ليه ؟
تنهد"غيث"تنهيدة حزينة ثم قال بضياع:
مخنوق و تعبان ،زهقت من كل حاجة ،أنا عايز أرتاح و بس ،و متسألنيش عن أى حاجه
أومأ "آدم"برأسه متفهمًا حالة صديقه و قال  بعقلانية:
تمام ،مش هنتكلم النهاردة ،أدخل نام و بكرا لينا قاعده مع كوبايتين شاى
حرك "غيث"رأسه موافقًا على اقتراحه ،ثم قال بسخرية:
خليهم تلاته ،عشان الأهبل لو جه
رمقه "آدم"بنصف عين و قال بمغزى :
أهو الأهبل دا أجدع منى و منك ،خطبها فى ظرف أسبوع
لكنه لاحظ احتداد نظر صديقه فهتف مسرعًا لتصحيح ما تفوه به :
خلاص خلاص مش هتكلم
لكن قاطع حديثهم ذلك هتاف الصغير متسائلًا:
أنت مش هتنام يا عمو آدم ؟
أمسك "غيث" بيده الصغيرة و قال بإقتراح :
سيب عمو آدم فى حاله ،و ايه رأيك لو تنام جمبى النهاردة ؟
وقف "زين "يفكر للحظات ثم قال :
موافق ،بش بشرط تمشى الصبح
التفت "غيث"للجالس خلفه و قال بقلة حيلة :
بيحبنى أوى
ثم حمل الصغير و اتجه للغرفة التى اعتاد النوم بها ،لكنه لم ينم بل ظل مستيقظًا يلاعب "زين" و يسرد إحدى قصص الأطفال التى تمنى لو أن والدته قصتها عليه يومًا ما 

"فاقد الشيء لا يعطيه "
مقولة بوجهين ،قد تتحقق و قد لا ،و الإعتماد الكلى هنا على النفس البشرية
فاقد الشيء يعطيه إذا كان يستشعر الشيء الذي فقده فتكون لديه رغبة مُلحة في العطاء الذي كان يتمنى أن يحصل عليه يومًا ما ،لكن قد يكون الشخص يستشعر ما فقده و به نزعة أنانية فلا يعطي الآخرين ما فقده و يحب أن يقاسى الجميع ما مر به .
انها النفس البشرية يصعب فهمها

....................................................................

فى الصباح
حركة غريبة فى الجامعة ،همهمات لا معنى لها و نظرات مسلطة عليه بشكل غريب ،تعجب "غيث" من هذا و لكنه لم يضع ذلك فى عين الاعتبار و انطلق لعمله فلم يعد هناك وقت و ستبدأ محاضرته
دخل بهيبته المعتادة و بدأ فى الشرح مباشرة فلم يكن له أى طاقة للترحيب بهم و حتى الطلاب كان جزء منهم  يرمقونه بنظرات حانقة كأنه لم يعد مثلهم الأعلى بعد اليوم

بعد فترة أنهى ما كان يود شرحه ثم ترك المجال للاسألة ،فنهض أحد الطلاب و هتف متسائلًا بوضاعة:
صورة حضرتك بتاعت امبارح كان ممتازه يا دكتور غيث
تعجب فهو لم  يرفق أى صورة له  بالأمس على أى من و سائل التواصل  الاجتماعى الخاصة به
لكن لم يتركوا له فرصة التصفح حتى ،حيث نهض طالب اخر و سأل بينما كان يشير ليده المصابة :
ألف سلامة على حضرتك يا دكتور ،ياترى ايدك حصلها ايه ؟
شعر"غيث" بأن هناك خطب ما ،فهتف متسائلًا بصراحة :
طب بدل اللف و الدوران دا  ما حد فيكم يقف و يكلمنى بصراحة في ايه ؟ و أنا هرد عادى يعنى
نهضت احدى الطالبات و قالت بخجل :
بصراحة يا دكتور غيث صفحة "داو" بعد ما كانت اتقفلت ،اتفتحت تانى و نزلت خبر عن حضرتك
عقد "غيث" ما بين حاجبيه متسائلًا بتعجب :
خبر ايه ؟!
أخذت الفتاة نفسًا عميقًا و قالت بينما كانت تناوله هاتفها :
اسفه مش هقدر أقول ،بس حضرتك تقدر تشوف بنفسك
وقف"غيث" للحظات يتفحص هذا الخبر المفبرك و تلك الصور التى تم التقاطها بإحترافية لتظهر أدق التفاصيل ،لقد تلاعب بالأمر بشكل كبير و تحول المنقذ لرجل خسيس يستغل فتاة و يتعارك من خطيبها و من ثم يعطيها بعض النقود كى تصمت ،ما هذا الإنحطاط ؟
كانت تلك الكلمات تتبادر على ذهنه ،و لكنه بهدوء شديد أعاد الهاتف لصاحبته و عاد لمقعده و قال عبر مبكر الصوت كى يسمعه كل من بالقاعة :
تمام ،باختصار امبارح خدت مجموعة من الطلاب جروب A و نزلنا لموقع ميدانى  ،شوية و لقينا بنت بتستغيث و بيجرى وراها اتنين راكبين توكتوك  ،طبعًا أى حد عنده دم و نخوة هيدافع عنها  و دا اللى حصل و بالنسبة للفلوس اللى ظاهر انى بديهالها  فى الصور دى بس عشان تقدر تروح بسلام
صمت "غيث" للحظات يراقب ملامحهم ،ثم قال بقوة و صرامة :
و أى كلام تانى فى الموضوع دا أنا مش هقبله ،و صاحبه هيطرد و هيتحرم من دخول أى محاضرة ليا لاخر السنة ،لكن مش هحرمه من الامتحان عشان مستقبله ميضعشى
أنهى الرسالة التى كان يريد إيصالها ،ثم قال بإقتضاب :
المحاضرة خلصت يا باش مهندسين
فهتف أحد الطلاب باسف:
دكتور احنا اسفين
لكن "غيث" قاطعه و قال بحدة :
مش هقبل أى كلام فى الموضوع دا  تانى ،تقدروا تتفضلوا
كان يتعمد أن يخفض رأسه و يتظاهر بأنه يعيد ترتيب مقتنياته لحقيبته السوداء كى لا يرى أىًا منهم
بينما خرج الطلاب بعضهم يشعر بالإحراج الشديد و البعض لا يصدق ما قيل فهو لا يملك أى دليل و الصور تدينه بشدة و للأسف هى فعلًا كذلك حيث وصلت لرئيس  الجامعة و هنا تكمن المشكلة الحقيقية

.....................................................

خرج من القاعة و اتجه لمكتب المدير مباشرة بعد أن علم أنه طلب استدعائه
كان يعرف مسبقًا بالسبب و بالفعل كما توقع ،تم تحويله للتحقيق لمعرفة ما حدث بالظبط فى ذلك اليوم و حقيقة الصور التى تم التقاطها ،لم يعترض فقد اتخذها فرصة للراحة و لكنه عقب قبل خروجه :
اسال طلبة مدنى دفعة رابعة جروب A و هما يعرفوا حضرتك بكل اللى  حصل بالظبط ،بس كدا كدا أنا موافق على التحقيق عشان أرتاح شوية ،و ياريت تشوفوا الصفحة دى اخرتها ايه ؟
رد عليه رئيس الجامعة بعملية شديدة:
غيث أنا مش عايزك تاخد الموضوع بشكل شخصى ،زى ما حصل مع كل الدكاترة ،و اللى تم اثبات أنه فعلًا متورط و مثال سىء ، أتفصل ،لكن لو برئ هننزل بإعتذار رسمى
ابتسم "غيث"بسخرية و قال بينما لكن يتجه للخروج :
لا عادى ،أنا بس حبيت ألفت نظركم لمربط الفرس ،عن اذنكم

أنهى حديثه و رحل و كأنه المنتصر فى تلك المعركة لكن أمام نظراتها خسر بكل بساطة

كانت تقف فى نهاية الرواق و تطالعه بتوتر ملحوظ ،مع كل خطوة يقترب منها كان قلبها يحدثها ببراءته ،فكيف لشخص مثله أن يكون بتلك الحقارة كما أظهرته تلك الصور الملفقة؟ لم تصدقها بل كذبتها مباشرة فهو لن يفعل ذلك بالتأكيد ،رغم أن كل شىء ضده ،الصور و إصابة يده و كذلك خبر  التحقيق الذى انتشر سريعًا كالإعصار

وقف أمامها مع محافظته على المسافة الفاصلة بينهم دائمًا ،بات يظن أنه هو بنفسه من يهاب الاقتراب منها و ليس العكس ،ابتسم بخفة و قال :
صدقتى الصور صح ؟
حركت "رنا" رأسها نافيةً بشكل سريع  و قالت بصدق :
أكيد لا
ابتسم "غيث"بخفة بينما كان يرقص من الفرحة بداخله لكنه قال مشيرًا لعينيها :
غريبة مع إن عينك بتقول غير كدا يا رنا
عقدت حاجبيها و هتفت متسائلةً بحيرة :
بتقول ايه يا دكتور ؟
أخذ نفسًا عميقا و قال :
بتقول مش عايز أصدق ،بس خايفه أصدق ،حساك برئ بس كل حاجة ضدك
رغمًا عنها ابتسمت ،فكيف له أن يفهم كل ما يدور بداخلها دون أن تبوح به ؟و قالت :
ياه ،عينى بتقول كل  كدا
حرك رأسه بتأكيد على حديثه ،ثم قال :
بتقول أكتر من كدا بكتير ،بس مفيش وقت أشرحلك هى بتقول ايه ؟ المهم عايزك تعرفى أن برئ
أومأت برأسها ثم نظرت للاتجاه الآخر و قالت بتوتر ملحوظ :
أجيب لحضرتك ايه عشان جرحك  يخف بسرعة؟
لكنها أدركت ما تفوهت به ،فقالت سريعًا لتصحح موقفها :
زى ما علمت معايا يعنى ،مش أكتر
تنهد"غيث" تنيهدة عميقة ثم قال:
جرحى مش عايز غير أنك تصدقينى يا رنا
و رحل بعد جملته تلك ،فهو لم يعد يستطيع  البقاء أكثر من ذلك و نظرات الإتهام تأتيه من كل اتجاه

...................................................................

فى المساء

كان"مالك "يجلس برفقة صديقة ،يحتسيان القهوة فى إحدى الكافيهات القريبة من منزل "عمر" ،بداخل كل منهما العديد من الكلمات التى يريد أن يبوح بها لكن هناك ما يمنعه بشدة  ،و بجانبهم رجال يشجعون فريقهم المفضل و الذى ينافس فى دورى الأبطال اليوم ،لذلك كان المكان مزدحم بشكل ملحوظ
سئم"مالك" من تلك الضوضاء و نهض هو صديقه متجهين إلى إحدى محلات راشد للأقمشة ،ليتمكنوا من الجلوس بهدوء لعل  أحدهم يتمكن من التحدث أخيرًا
و بالفعل هذا ما حدث ،فبمجرد أن سكنت الأجواء و أحضر أحد الصبيان فنجانين قهوة لهما ،هتفت "عمر" متسائلًا :
عامل ايه فى الجواز ؟ عايزين نشوف ملوكه صغير كدا نلعب بيه
ابتسم "مالك" و قال بسخرية :
مش لما تتجوز أنت الأول ،ايه البت هتخلل جمبك ؟
رد "عمر"عليه قائلًا بضجر شديد  :
لسه مش جاهز
حدجه"مالك" بنظرات حانقة و قال بحدة :
قولتك هساعدك رفضت ،قولتك اعتبرها هدية جوازك برده رفضت ،محسسنى أنى واحد غريب
حرك الآخر كتفه بلا مبالاة و قال :
ملكش دعوى أنت ،أنا خلاص قربت أخلص الشقة و كمان فى طقم دهب عاجبنى عايزه أجيبه ليها و أنت عارف مش هعمل فرح هاخدها  و نعمل عمره و بعدين نسافرلنا أسبوعين كدا ،  فالدنيا مزنقه شوية معايا ،بس هانت خلاص
أومأ"مالك" برأسه متفهمًا وجهة نظر صديقه ،ثم هتف متسائلًا:
مبسوط فى شغلك يا عمر  ؟
حرك الآخر رأسه بتأكيد و قال بسخرية :
أه ،الحمدالله ،مديرى رجل محترم ،حياته الشخصية برا الشغل ،مش زى ناس
ضربه "مالك"بخفة على رأسه و قال :
بطل تلقح ،احترم انك قاعد فى ملكه
رمقه "عمر" بضيق و قال بعدم اكتراث بينما كان يرتشف بعض القطرات من فنجان القهوة خاصته :
بس مش شغال عنده ، فبراحتى بقى  ،جدك ربنا يكون فى عونه ،أخرته وحشه
لوى "مالك" ثغره بتبرم و لم يتحدث ،بينما أكمل "عمر" حديثه متسائلًا بجدية :
بس برده مطمنتنيش ،عامل ايه فى الجواز؟
تنهد "مالك"تنهيدة حزينة و قال بينما كان يحرك خاتم زواجه بشكل عشوائى :
مش مرتاح يا عمر ،حاسس انى ظلمتها معايا ،هى تستاهل حد أحسن منى مليون مره ،أنا مش عارف هى بتحبنى على ايه ؟ خايف أجرحها  بأى كلمة ممكن أقولها ،انا أوقات بحسنى مش مالك نفسى فبخاف عليها من نفسى

كان "عمر" يستمع له و يحاول بقدر الإمكان ألا تظهر ملامح  الحزن على وجهه ،فهو يريد مواساة صديقه أو ردم كل ذلك  بالضحك و السخرية ،فقال :
للاسف عندك حق ،أنا كمان مش عارف هى  شافت فيك ايه يتحب ؟
بس عارف النبات دول هُبل  أوى ،كلمه توديهم و كلمة تجبهم ، طبس أن جيت للحق الدنيا من غيرهم صعبة ،بيهونوا علينا و الله ،فأنا عشان خاطر ريم ،أشيل زلط بس تبقي مبسوطة و مرتاحة
ابتسم "مالك" على تعبير صديقه و هتف متسائلًا:
حبتها و لا ايه يا سى عمر ؟
تنهد الآخر تنهيدة عميقة و قال بصدق :
مش عارف ،أنا عايزها فرحانه و مش ندمانه على اختيارها ليا ،دى وقفت قصاد أمها عشانى يا مالك ،أنا خايف أكون مستهلشى التضحية دى ،مشيلانى حمل تقيل أوى ،بس بحاول عشان هي تستاهل المحاولة
صمت للحظات كأنه يحاول التفكير فى شىء ما ،ثم قال :
و على فكرة ،أنت مش وحش يا مالك ،يمكن غبى فى  ضربك و عصبى أوقات كتير ،فجأة بتقلب كدا و الواحد يخاف منك ،و ساعات عينك دى بتتحول ،بس طيب و صاحب جدع فى بعض الأوقات القليلة أوى أوى
رد "مالك" عليه مستنكرًا قوله :
دا أنت شايل و معبى أوى يا عمر ،محسسنى أنى واكل حقك ياض ،اتقى الله
نهض و ترك مقعده و قال بينما كان يهندم ملابسه بعض الشىء:
أنا طهقان من أى حد من عائلة راشد ،المهم أنا همشى عشان أمسى على ريم قبل ما أنام
رمقه الآخر بنصف عين و قال بسخرية :
يا حنين
رد "عمر" عليه قائلًا بمشاغبة بينما كان يشير على خاتم خطبته:
عيب عليك ،دا أم العيال مستقبلًا  و سعادة الرجل من سعادة الست بتاعته  
أنهى حديثه و ترك المكان ليغادر ،لكنه توقف فجأة و قال :
مالك
لم يكن يريد التحدث ،فهذا الأمر خاص لكنه مع ذلك اقترب من صديقه و همس بالقرب من أذنه :
هديه جوازى أنك تتم جوازك ،و متسألشى عرفت ازاي  ؟ عشان دا منظر واحد حبيبته جمبه و مش طايلها ،أدى نفسك فرصة يا حفيد راشد ،مراتك  تستاهل ،حن يا قاسى و بطل تقاسى

أنهى"عمر" كل ما قد يقال و رحل بهدوء ،تاركًا الآخر بفاه مُنفغِر من الصدمة و عدم التصديق ،أ وضعه بات  شفافًا لهذا الحد ؟

"أريد القرب و أهابه بنفس الوقت ،فما العمل إن كان الحب يبعدنى بقدر ما يقربنى  ؟ "

.................................................................

عاد "عمر" لمنزله سريعًا و بدل ثيابه ثم استلقى على فراشه و أرسل رسالة قصيرة لتلك الفتاة التى تضىء حياته
"شكرًا أنك موجودة فى حياتى يا ريم "
وقبل أن يتلقى الإجابة ،دلفت والدته و قالت :
دخلت بسرعة و ملحقتش أقولك أن ريم كانت هنا و جيبالك أكل مخصوص 
نهض من فوق فراشه و قال بيأس :
قولتها متتعبش نفسها ،بس هى مصرة
ردت والدته عليه بينما كانت تمسد على كتفه بحنان :
بتحبك يا عمر ،و اللى بيحب بيلاقى راحته لما يتعب لحبيبه
ابتسم ابنها لها و هتف متسائلًا بمشاكسة:
و يا ترى يا ست الكل أنتِ راحتك فين ؟
تنهدت والدته  بحرارة و قالت :
عيب عليك ، راحتى معاك  طبعًا يا حبيبى
و فى نفس التوقيف دلف زوجها و استمع لحديثهم ،فقال بعتاب زائف :
كدا يا أم عمر ،هونت عليكى بعد عشرة السنين دى كلها
اقتربت زوجته منه و قالت بينما كانت تضربه بخفه على كتفه :
أنا بقوله كدا عشان ميزعلشى ،لكن أنت عارف اللى فى القلب ،مفيش غيرك يا أبو عمر
رمقهم"عمر" بسعادة شديدة و لكنه تظاهر بالتأفف و قال :
أنا هروح أدوق أكل خطيبتى ،و أسيبكم لمراهقتكم المتأخرة دى
رد عليه والده سريعًا و قال :
ولد عيب ،أمك طول عمرها شباب ،دى أصغر منك
ابتسمت زوجته بخجل شديد و أخفضت رأسها للأسفل و هى تقول :
بس بقي يا أبو عمر ،بتكثف
فرد عليها قائلًا بلوعة:
أحلى من يتكسف يا ناس

بينما ضرب "عمر"كفًا بكف من عائلته تلك ،فقد نشأ على هذا الحب و أحبه بشدة ،لكنه من الحين للآخر يتذمر كعادته كطفل يريد بعض الاهتمام

عائلة مسالمة ،ما هذا العبث ؟

................................................................

بعد أن ودع صديقه بقى فى مكان عمله لبعض الوقت ،كأنه لا يريد العودة ،رغم اشتياقه بشدة لزوجته لكن هناك ما ينغص عليه حياته و هو عدم تقبله لذاته مهما حدث ،لا يمكنه  أن يسامح نفسه على ما اقترفه و ما سيقترفه فهو يعرف أن تلك لن تكون كون النهاية بالتأكيد ،فمازال  هناك الكثير  و الكثير

بعد فترة من الوحدة قرر مرغمًا العودة لمنزله فهو يريد الراحة وراحته لن تكون سوى بالقرب منها ،وصل بعد دقائق معدودة و صعد لغرفته ،تعجب من كونها فارغة فهو يعلم بأن زوجته لا مناوبات عمل مسائية لها اليوم ،لكنه قرر أن يبدل ثيابه أولًا ثم يذهب للبحث عنها فى أرجاء المنزل ،فلابد أنها بمكان قريب
خلع ثيابه وبدأ فى ارتداء ملابسه القطنية المريحة ثم ارتدى بنطال منامته و بينما هو يرتدى قميصه دخلت هى ،فالتفت سريعًا كى يخفى اثر الحرق ،لكنها اقترتب بهدوء و ساعدته فى ارتدا قميصه دون أن تتحدث ،خجل بشدة فهو لا يحب أن تراه هكذا و لكنها أمسكت بكف يده و سحبته كى يجلس على الفراش و قالت بينما كانت  تتسطح بالقرب منه واضعةً رأسها على صدره :
يومك كان عامل ايه من غيرى ؟ أكيد كان ملل صح ؟
لم يجيبها ،لم تسعفه الكلمات لقول أى شىء ،لكنها لم تهتم و قالت هى :
أنا يومى كان عادى غسلت هدومك و كويت كذا بدله ليك حسيتهم مكرمشين كدا ،و قرأت شوية فى موضوع مهم بخصوص كذا مريض بتابع معاهم ،و لما زهقت روحت قعدت مع أختك شوية ،صدعتنى بخصوص كذا حاجه عايزه تشتريهم
انتبه "مالك"لآخر حديثها فقال سريعًا :
لو عايزه أنتِ كمان  اشترى ،أنا بسبلك فلوس فى الدرج بس ملاحظ أنك مبتخديش منهم حاجة
ردت عليها قائلةً بخجل :
مش محتاجه يا مالك
و لكنه عانق وجهها بين كفيه و قال برجاء :
و لو قولتلك عشان خاطرى
ابتسمت باتساع  على فعلته تلك و قالت :
اشترى السوق كله طالما لخاطرك
أنهت "عفاف" حديثها و عانقته بشدة ،و بادله هو العناق بكل ذرة من كيانه ،لكن ذلك لم يمنع عنه تفكيره المستمر بالتقصير بحقها ،فهتف متسائلًا بألم:
مبسوطة يا عفاف ،و لا حاسه أنك اتسرعتى و ندمانه ؟
ابتعدت عنه و قالت بحدة بينما كانت تقرفص ذراعيها أمام جسدها :
عارف أنت ايه مشكلتك ؟
أنك بترد على سؤالك من قبل حتى ما تسأله ،أنا بحبك يا مالك ،بحب الطفل الصغير اللى لما بقع كان يجرى عليا و ينضفلى هدومى من التراب و يمسحلى دموعى و اللى لما حد يزعقلى كان يتخانق معاه و يضربه ،و لما كبر شوية بقى يحوش مصورفه و يجبلى الحلاوة اللى بحبها و اللى لما عرف أن فى رواية عايزه أجبها و مش لقياها مضحكشى عليا و قالى الروايات دى كلام فراغ ،لا دا  راح اشترالى النسخة الأصلية كمان

لاحظت تأثره الشديد بحديثها فقالت بابتسامة شغوفة:
و عارف ايه كمان ؟
طالعها بفضول لتكمل ،فقالت هى بينما كانت تعانق كف يده بخاصتها :
اللى وصلنى فى أول يوم جامعة و قالى أنا واثق فيكى و عمرك ما هتخونى ثقتى دى ،أحنا عدينا بحاجات كتير أوى سوا يا مالك ،حاجات صعبة و حاجات حلوة و سايبه ذكرى نفضل نفتكرها و نحكيها لولادنا  فى المستقبل إن شاء الله
وجد نفسه دون وعى يهتف بمشاعره قائلًا:
أنا بحبك أوى يا عفاف ، بس
لكنها منعته من الاسترسال و نهضت من الفراش و هى تسحبه خلفها و تقول :
مبسش ،قوم يلا ناكل ،أنا عملتلك حمام محشى و سخنته لغاية دلوقتى تلت مرات عشان حضرتك لا جيب على الغدا ،و كمان اتأخرت على العشاء
ثم توقفت و قالت و هى تحذره بشدة حيث ضيقت عيناها و وقفت على أصابع قدمها كى تكون بمحذاته :
كدا تضيع يوم الإجازة بتاعى ،المرة الجاية هنخرج سوا و مش هقبل بأى اعتراض أو رفض  ،أنا بحذرك
ابتسم لها و قال بينما كان يمسك هو بكف يدها و يخرج من الغرفة برفقتها :
علم و ينفذ يا حرمى المصون
سارت معه مبتسمة بينما كان قلبها يصرخ من الداخل بقوة .

"ما زال أمامنا العديد  من الحروب سويًا يا من نبض قلبى باسمها منذ اللحظة الأولى ،فلعل الوصول يقترب ،فرحلتنا طويلة للغاية  "

................................................................

فى الصباح

كانت "وعد" برفقة صديقتها فى الجامعة يعملون على مشروع التخرج مع فريقهم الخاص ،و الذى تم اختياره رغمًا عنهما ،رغم أن به بعض النماذج الجيدة و التى تعمل بجد و اتقان إلا أن هناك اثنين بينهم  سبب كل المشاكل و الصراعات

كان الفريق يعمل على تصميم مخطط ما فى حديقة الجامعة ،كل منهم يقوم بدوره دون التخاذل أو التحامل على الآخرين إلا اثنين ،يجلسون بأريحية و يتحدثان بأشياء  متفرقة ،لم تهتم "وعد" لهم و فضلت العمل فهى لا تريد العراك فى هذا الوقت

بينما كانت "نهاد" تقول بصوت عالى بعض الشىء لكى يصل لكل أعضاء لفريق :
سمعتم اللى حصل مع دكتور غيث ؟
لترد عليها "أميرة" سريعًا و هى تقول بخبث و حقارة :
أه ،بصراحة هو شكله أصلًا مش مظبوط ،مغرور كدا و شايف نفسه على ايه معرفشى ؟ مع إن اللى ذيه يشتغل عند بابا سواق مش أكتر
حاولت "وعد"بقدر الإمكان ألا تنفعل و اكتفت بقولها  :
بس يا بنات ،ياريت نركز فى المشروع أحسن ،مش عايزين نضيع وقت بعد اذنكم
رمقتها "أميرة " بنصف عين و قالت بفظاظة:
يعنى الكلمتين  اللى بنقولهم هما اللى بيضيعوا وقت ،و لا بتحميله عشان صاحب خطيبك
لترد عليها "نهاد"سريعًا بتأييد غير شريف:
اه ما أنتِ بقيتى  منهم
و لكن "نهاد" توقفت  عن الحديث فجأة بعد أن أشارت لها "أميرة " بذلك حيث اقتربت هى  من "وعد" و قالت بقذارة :
و لا تكونشى بترسم عليه هو كمان
و إلى هذا الحد لم تتحمل "رنا " و صاحت بغضب شديد يناقض هدوئها فى مثل تلك المواقف :
احترمى نفسك ،و متجبيش سيرة وعد أو دكتور غيث بأى كلمة
تدخلت  "نهاد"  فى الحوار و تقول مخاطبة صديقتها  و هى تشير "لرنا":
الله الله ،شكلنا غلطنا فى العنوان يا أميرة ،شكل الصنارة غمزت عندها هى
ابتسمت "أميرة " و قالت بخبث :
عايزه تتخطبى لدكتور المادة أنتِ كمان و لا ايه يا رنا ؟
اتسعت حدقتى "رنا" بذهول و قالت معنفةً إياها بصرامة :
أنت قليلة الأدب ،و مش متربية
لكن "وعد" أزاحتها عن الساحة و قالت :
أعدى على جمب كدا يا رنا
ثم التفت "لأميرة" ترمقها  بنظرات غريبة و هى تقول :
استعنا  على الشقا بالله
و بدون أى مقدمات اندفعت تمسكها  من خصلات شعرها بقوة و الأخرى تقاوم و تصرخ لكن دون أى فائدة ،حيث كانت "وعد" تحكم قبضتها على شعر  تلك الفتاة بطريقة غريبة و رغم محاولة "أميرة" للرد بنفس الطريقة لكن نظرًا لكون عدوتها  فتاة محجبة ،فلم تتمكن من فعل شىء سوى الامساك بوشاح رأس "وعد" بقوة 

فى تلك الأثناء كان "أحمد" يمر بالقرب من مكان تلك المعركة و ما أن شاهد ما يحدث حتى بصق ما كان بفمه و أسرع ينهى هذه المهزلة قبل أن يصل الأمر إلى رئيس الجامعة

وصل إليهم و حاول فك هذا الحصار و لكنه بدلًا من أن ينهيه زاد اشتعالًا  ،حيث أمسك بيد "أميرة " و منعها من أن تطال خطيبته ،ليقف الجميع من الخلف ينظرون بصدمة و سخرية فى نفس الوقت
فصاحت أميرة بحدة :
أنت بتعمل ايه يا دكتور أحمد ؟ المفروض تفصل بينا مش تسبها و تمنعنى أنا
زفر "أحمد" أنفاسه بضيق و قال بينما كان مازال يمسك بيد "أميرة"  كى لا تتطاول على خطيبته:
سبيها يا وعد
لم تستمع له و ظلت كما هى تحكم قبضتها على شعر تلك الفتاة، و لكنه صاح بحدة أكبر و قال و هو يقف خلفها :
وعد بقولك سبيها ،متخلنيش اتصرف تصرف يضايقك
رضخت فى النهاية و تركتها ،لكن "أميرة" هتفت بغضب كمحاولة بائسةً منها للحفاظ على مظهرها :
أنا مش هسكتلك و هعرف العميد و الوكيل ،أنا هوديكى فى داهيه
لكن "أحمد" صاح قائلًا بعنف :
بس خلاص ، لو حد هيتعاقب يبقى أنتم الاتنين سوا
هدأت"أميرة " فجأة و قالت بصوت ضعيف لا يلائم حقيقتها : 
يا دكتور أصل
لكنه لم يسمح لها بالحديث  و قال :
مش عايز اسمع صوت حد فيكم ، الموضوع دا لو اتكرر تانى أنا هحرمكم من مشروع التخرج ،و بناءًا عليه هتعيدوا السنة
ثم وجه حديثه للجميع قائلًا بصرامة :
أنا هكتفى بلفت نظركم بس و أخر quiz درجاته مش هتاخدوها عقابًا ليكم كلكم
هتف أحد الطلاب قائلًا بإعتراض:
بس احنا معلناش حاجه
لكن"أحمد" رد عليه بنبرة جامدة لا تقبل النقاش :
الحسنه بتخص و السيئة بتعم يا باش مهندس ،عشان تبقوا  تقفوا تتفرجوا و تضحكوا  بعد كدا

و ما أن أنهى حديثه ،حتى بدأ الطلاب فى الرحيل بهدوء تفاديًا لأى عراك اخر ،كانت "وعد"ترمقه بنظرات مغتاظة للغاية رغم كونه فى صفها من البداية ،لكنها  كعادتها تضرب كل شىء بعرض الحائط و لا تهتم سوى باخر جملة قالها

بينما ظل هو بمكانه يراقب رحيلهم دون أن يتفوه بحرف واحد  إلى أن لاحظ ابتعادها عنه ،فهتف باسمها :
استنى يا وعد
التفت له و هى تقول بحدة :
عايز ايه ؟
اقترتب بهدوء و قال مخاطبًا صديقتها :
معلشى يا رنا لو تسبينا خمس دقايق بس محتاج أتكلم معاها
أومأت برأسها و رحلت هى الآخرى تاركةً المجال لهما

أشار لها بالجلوس على إحدى المقاعد ،كانت سترفض و لكن شىء ما بداخله دفعها للموافقة ،فنفذت ما أراد و يعلو وجهها نظرة غضب عارمة

لم يعلق على هيئتها تلك و قال بهدوء :
أحنا قولنا ايه بخصوص الخناق يا وعد ؟ مش كنا بطلنا العادة دى و ربنا هداكى ،رجعتى تانى ليه ؟
ردت عليه قائلةً بتذمر :
أنت متعرفشى حاجة ، هى تستاهل اللى حصلها ،أصلًا المفروض هى اللى تتعاقب لوحدها
رغمًا عنه ابتسم على ملامح وجهها الطفولية تلك ،و لكنه حاول أن يتصرف بجدية و هتف متسائلًا:
طب عرفينى ،ايه سبب الخناقة المرادى ؟عملوا ايه لدرجة يضايقوا وعد هانم ؟
لوث ثغرها و قالت بصوت منخفض بينما كانت تفرك كلتا يديها  :
غلطوا فى رنا جامد
أخذ"أحمد" نفسًا عميقا ثم هتف متسائلًا بتهكم:
و هى رنا ملهاش لسان ترد و تجيب حقها و لا هى عينتك المحامى بتاعها  ؟
لم تعجبها طريقته  و صاحت بغضب :
لا رنا متربية ملهاش فى الكلام دا ،أنا اللى بعرف أرد على الاشكال دى كويس
عقد ذراعيه أمام جسده و هتف متسائلًا بسخرية :
يعنى رنا متربية و أنتِ بقي اللى قليلة الرباية صح ؟
لم تتحمل "وعد" حديثه و نهضت مسرعةً لكن حقيبتها سقطت منها ،فهبطت بجذعها لتاخذها و لكنه كان أسرع منها  و أخذها هو و قال  :
قومتى ليه؟عشان أنتِ مش كدا صح
يا وعد بلاش تعيشى دور مش دورك ،أنتِ أبعد ما يكون عن البنت بتاعك المشاكل و اللى لسانها طويل ،أنتِ كلك على بعض متر و نص
لم تهتم سوى باخر حديثه كالعادة و قالت بتذمر :
لا أنا متر و ستين
ابتسم بخفة و ناولها حقيبتها و هو يقول :
معلشى حقك عليا فى العشرة سم دول
ثم صمت للحظات كأنه يجاهد بألا يتحدث ،لكن فؤاده انتصر و هتف متسائلًا:
سامحتينى بخصوص الصور و لا خلاص مفيش أمل ؟
ردت عليه بسؤال آخر :
أنت عايز ايه ؟
تنهد "أحمد"تنهيدة عميقة ثم قال :
أنتِ عارفه أنا عايز ايه يا وعد ؟
حدجته "وعد"بنظرات حائرة لم تكن تعرف بما ستجيبه و لكنها وجدت نفسها تلقائيًا تقول :
أمى عامله محشى يوم الجمعة ابقي تعالى كل عندنا
قالت ذلك و أسرعت  لتبتعد لكنه هتف قائلًا :
وعد أنت متربية على فكرة ،متفرقيش عن رنا حاجه
توقفت ،لم تتحرك ،حتى لم تلتفت له ،فاقترب هو منها و ما أن وجدته أمامها ،قالت :
لا رنا كان عندها أهل يربوها ،أنا لا
عقد ما بين حاجبيه و قال بتعجب :
عشان و الدك يعنى ؟ عادى يا وعد والدتك موجودة ربنا يبارك فيها
حركت رأسها نافيةً و قالت:
لا عشان حاجات كتير أوى ،أنا ماشية ،سلام

و لم تترك له المجال ليفهم مغزى حديثها ،رحلت تاركة خلفها علامة تعجب اضافية .

اعتقاد خاطىء دمر حياتها ،لكن هناك دائمًا فرصة ثانية.
...............................................................

مضت الأيام سريعًا و تم الاعتذار رسميًا " للمهندس غيث سامح الحديدى " على الموقع الخاص بالجامعة بالإضافة إلى قيام العديد من الطلاب بإرسال رسائل اعتذار له على صفحته الشخصية

كالمرة السابقة ،حين كانت "رنا" تقف يوم تم اتهامه ،ها هى تقف يوم برائته ،ابتسمت له و بادلها الابتسام ،ثم ذهب كل منهما فى طريقه الخاص

لم تلتفت له ،لكنه التفت لها  أملًا بأن تلتف هى الأخرى ،فخيبت ظنه و رمقه "أحمد" بسخرية و هو يقول  :
شغل الأفلام الهندى دا مش هنا
رد "غيث" عليه قائلًا بحدة :
تعرف تسكت
رمقه الآخر بعدم اهتمام و قال بينما كان يتجه لعمله :
عذرك يا حبيبى ،الحب مش سهل ،مش أى حد ياخد خطوة الخطوبة برده

لغة الحب بين الأصدقاء قد تكون بالتفاهم فى بعض الأحيان و العراك فى أحيان آخرى  ،و لغتهم هى العراك لا مجال للنقاش .

................................................................

كالعادة لا  تستمر الأيام السعيدة سوى دقائق معدودة

كان جالسًا فى غرفة مكتبه يناقش إحدى الملفات الهامة مع صديقه ،و قطع هذه المناقشة دخول"ياسمين" الغرفة بوجه شاحب و أنفاس لاهثة ،نهض شقيقها سريعًا و هتف متسائلًا بتوتر :
فى ايه يا ياسمين ؟بتنهجى كدا ليه ؟
ردت عليه بينما كان جسدها يعلو و يهيط من هول الكارثة :
مصيبة ،مصيبة يا أحمد العمارة اللى كنا شغالين عليها وقعت دلوقتى و العمال اتصابوا  و صاحبها بيهدد برفع قضية علينا و أننا السبب
لكن"غيث " هتف متسائلًا باقتضاب :
عماره ايه ؟ أنا مش فاكر أننا ماسكين  مشروع سكنى الفتره دى
ليجيبه "أحمد" بتوتر  ملحوظ :
المشروع اللى وعد و رنا كانوا ماسكينوا سوا

لم ينتظره ليكمل حديثه ،حيث هب مندفعًا من مكانه ،لتلك الوجهة ،غافلًا عن عدو حقيقي هو من سبب كل ذلك بالخفاء

كارثه جديدة تحلق  فى الأفق القريبة

....................................................................

كان الموقع فى حالة كارثية حيث سقطت تلك البناية قبل حتى أن يتم تشيدها بالكامل و هذا يدل على مشكلة كبرى بالأساسات
و كان صاحبها  يقف فى المنتصف و يصرخ و يعنف الجميع فقد دفع كل ما يملك فى هذا المشروع و ها هو يسقط أمامه معلنًا عن ضياع أحلامه ،حاول "غيث" احتواء الموقف و التحدث مع هذا الرجل لكنه رفض بشدة و هدد باللجوء للقضاء و لن يرحم أحد
زفر "غيث"أنفاسه بضيق و اتجه للمشفى ليرى حالة العمال ،يعرف مسبقًا بأن حالتهم ليست حرجة حمدلله ،لكن مازال يجب عليه الإطمئنان شخصيًا 
أنهى ما كان يجب عليه فعله بالخارج و عاد مجددًا لشركته ليناقش الأمر مع المدراء ،كان الحوار حادًا للغاية ،فهو لم يكن يعرف بهذا المشروع من الأساس وكله صديقه لهم دون الرجوع إليه
حيث صاح بحدة :
يعنى ايه مشروع سكنى يتم باسم الشركة و أنا معرفشى ؟ أفهم من كدا ايه ؟ أنى مليش لازمه هنا ؟و  ياترى دا أول مشروع و لا الدنيا شغاله من تحت لتحت بقالها كتير أوى ؟
ضرب "أحمد" بيده على المكتب بعنف و صرخ بغضب شديد :
غيث راقب كلامك كويس ،لاحظ أنت بتلمح بإيه و لمين ؟
أنا زي زيك هنا ،مش هقبل أنك تعاملنى كأنى موظف عندك ،زى ما ليك صلاحيات فأنا كمان ليا نفسها ،مشروع و قررت أعين المصميمن ليه من غير ما أرجعلك ايه المشكلة؟ أنا حر ،اختصاص العمارة دا بتاعى و المدنى أشطى  مهندسين فى فريقك هما اللى اشتغلوا
صاح هو الآخر بعنف شديد بينما كان يزيح كل ما على المكتب دفعة واحدة :
لا بجد ،بتتصرف من دماغك  و تقول ايه المشكلة ؟ لا مفيش مشكلة و لا حاجة ،العمارة وقعت و الراجل رافع علينا قضية و سمعة الشركة اللى هتبقي على المحك دلوقتى ،بقالى خمس سنين ببنى فيها و تيجى حضرتك ببساطة كدا تهدها
لم يهدأ "أحمد" بل زاد اشتغاله و هتف بغضب :
مش أنت لوحدك اللى بتبنى ؟ كلنا هنا زيك
تدخلت "ياسمين" فى الحوار و قالت :
بس خلاص اهدوا ،المفروض نشوف حل دلوقتى
كان صدره يعلو و يهبط من فرط الغضب و مع ذلك هتف بحدة :
ياسمين فهمى أخوكى أن اللى حصل دا مقصود ،و هو زى الغبى بلع الطعم و لبسنا كلنا فى الحيطة
لم تفهم "ياسمين" تلميحه على الإطلاق ،فهتفت متسائلًة :
يعنى ايه يا غيث ؟
رد "غيث" عليها قائلًا بإقتضاب :
يعنى العمارة دى من قبل ما تتبنى و هى هتقع 
ثم التفت لصديقه و قال بتهكم  :
أديتهم فرصة يضربونا بكل سهولة ،الرجل دا متأجر و معهوش فلوس يبنى العمارة دى كلها ،و طبعًا اللى بعد كدا مفهوم يا باش مهندس أحمد ،برافو شغلك لا يعلى عليه

مر اليوم بشكل سىء على الجميع ،و كل منهم يفكر فى منزله كيف يمكنه أن ينهى تلك المشكلة دون الرجوع للآخر ؟ و هذا أكبر خطأ ،قوتهم تكمن فى اتحادهم لكنهم غفلوا عن ذلك و هذا ما زاد الطين بلة

................................................................

فى اليوم التالى

كانت "رنا" متوتره للغاية و تشعر بتأنيب الضمير بشدة و كل من بالشركة يلقى باللوم عليها هى و صديقتها
جاهدت بشدة ألا تزرف الدموع أمامهم و نهضت سريعًا تختبىء فى المرحاض ،فهى لم تعد تتحمل على الإطلاق ،حتى بالداخل كانت تسمع صوت الفتيات و هم يحملونها المسؤلية كاملة ، فهى مازالت متدربة من وجهة نظرهم ،ظلت بالداخل لفترة طويلة تبكى تارة و تكفكف دموعها تارة آخرى و بقت على هذا المنوال إلى أن حل آذن الظهر ،و باتت الشركة فارغة بعض الشىء ،خرجت بهدوء و اتجهت لغرفة مديرها مباشرة
لم تجد "هناء"و هذا ما دفعها لتطرق بابه و تدخل

أومأ"غيث" برأسه لها و أكمل حديثه عبر الهاتف ،حيث كان يتحدث  مع المحامى الخاص به و يقول بغضب :
يعنى ايه بيساومنا ؟ عايز كام يعنى ؟
أجابه الطرف الآخر ،فصاح غيث بصدمة و حدة فى نفس الوقت :
نعم ،خمسة مليون !
اتسعت حدقتيها بمجرد سماعها لهذا الرقم و أغلق هو الهاتف بغضب شديد ،يكاد يجزم أنه كان سيحطمه  لكنه حاول التحمل خاصة بوجودها 
ذهب و وقف أمام النافذة ،صدره يعلو و يهبط بشكل سريع ،كان يحكم قبضته بشدة كى لا يتصرف بأى شكل خاطىء أمامها ،لكنه ظل يتهرب لفترة لا يستهان بها ،فعاد و جلس على مقعده وأخرج تلك الكرة الصغيرة التى أعطاها له صديقه بالسابق ،بدأ يستعملها و هو يتحدث قائلًا:
فى حاجه يا رنا ؟
أخفضت رأسها و قالت بآسف و خجل شديد :
أنا آسفه
تضايق لأجلها فهو على علم مسبق بما تعرضت له ،لكن هناك العديد من الأشياء التى تقع فوق كتفه الأن و لا يمكنه التصرف ،لكنه قال :
أرفعى رأسك يا رنا ،أنتِ مغلطيش
حركت رأسها نافيةً حديثه و قالت بنبرة ضعيفة تجاهد بشدة ألا تبكى أمامه :
لا غلطت ،كلهم شايفين كدا
رد "غيث"عليها سريعًا بثقة :
فى داهيه ،المهم أنك مغلطيش خليكى واثقه من دا

لتجيبه بضعف واضح و توتر شديد :
أنا مش واثقة من حاجة ،أنا حاسه انى غلط ،كلهم بيقولوا  كدا فمش هبقي أنا الوحيدة اللى صح
أخذ نفسًا عميقًا و قال  :
و أنا المدير ،كلامى هو اللى بيمشى فى الآخر ،و بقولك المهندسة رنا حسام مبتغلطش
رفعت رأسها و كأنه كان ينتظر تلك الاشارة ليقول بدعم ملحوظ :
و حتى لو غلطتى ،أنا موجود عشان أصلح وراكى  ،فاغلطى براحتك يا رنا ،أنا هنا عشانك
لم تنتبه لمغزى حديثه و قالت بإعتراض كالبلهاء :
بس أنا عايزه أتعلم
حرك"غيث" رأسه بيأس منها و لكن خطر على باله شىء ما ،فقاله سريعًا دون تفكير :
أنت مش والدتك  لما كانت بتعلمك الطبخ و أنتِ صغيرة ،كنتى بتغلطى عادى و هى بتعرفك غلطك فين ،و أنا هعمل كدا ،اغلطى و أنا هعرفك الغلط فين و نصلحه سوا
حركت كتفها بلا مبالاة و هى تقول :
أنا مش بعرف اطبخ أصلًا
ابتسم باتساع رغمًا عنه و وجد نفسه يقول دون وعى :
مش مشكله هعلمك كدا كدا
و قبل أن تنتبه هى لحديثه ،قاطعهم هتاف "أحمد":
غيث
لكن ما أن لاحظ وجودها ،قال  سريعًا:
أجى وقت تانى
لكنها ردت مسرعة و كأنه طوق النجاة الخاص بها ،كى تنهى تلك المناقشة فقد بدأت تشعر بالخجل بشدة :
لا أنا ماشيه ،عن اذنكم
و غادرت بهدوء ،يينما كان "غيث"يرمق صديقه بنظرات حانقة و هتف متسائلًا بضيق :
جيت ليه ؟
لاحظ "أحمد" أنه مازال على حالته من الأمس ،فهتف قائلًا بإعتذار على طريقته :
هو أنت لسه زعلان منى ؟اسف حقك عليا مع أنك اللى غلطان يا حلوف و كلمتنى بطريقة صعبة ،بس فداك مسامحك
حرك "غيث"رأسه نافيًا و قال بضيق  :
لا مش كدا ، أنا مش زعلان
صمت"غيث" للحظات ثم قال بسخرية :
تعرف ياض أنا هسميك هادم الملذات

لكنه نفض عن رأسه هذا الأمر سريعًا و قال بعملية:
المهم كلم ياسمين ،خليها تيجى و رانا مناقشة طويلة بسبب عملتك الهباب  
هرول "أحمد" ليعانقه بشدة و هو يقول بمشاكسة فقد شعر بأنه و أخيرًا سامحه:
يا أخواتى بحبه الواد دا
فى تلك الأثناء ،دلفت "هناء" إلى الغرفة لتخبر مديرها بشىء ما ،لكنها تسمرت بمكانها ما أن رأت هذا المشهد و قالت سريعًا و هى تخفض رأسه :
اسفه شكلى جيت فى وقت غلط
و غادرت تاركةً إياهم ينظرون لبعضهم البعض و يجاهدون الضحك بشكل كبير ،لقد كان موقفًا غايةً فى الإحراج

.................................................................

رغم حديثه الحنون معها لكنها لم تتمكن من نسيان نظرات الجميع لها  و ظلت تعنف نفسها بشكل مستمر خاصة بعد أن عرفت بمقدار المبلغ الذى سيدفعه لينهى هذه المشكلة
و على هذا الأساس فى طريق عودتها لم تتجه لمنزلها بل لذلك المكان المؤلم ،بيت جدها
رحبت بها "الحاجه سندس " بشدة و أفسحت لها المجال  بينها هرولت هى لتعد لها مشروبًا منعشًا كترحيب بعودتها

لكنها ظلت واقفة أمام الباب لم تتحرك ،كانت تنتظر شخص معين و ها هو أمامها يهبط على السلم ،رمقها بحدة ثم قال :
تعالى ورايا المكتب
دلفت خلفه و هى تشعر بالتوتر الشديد و لا تدرى كيف ستخبره عما تريد ؟ لكنه كعادته ربط كل شىء بالمال و بالفعل كان هذا مربط الفرس ،حيث صاح متسائلًا بزهو:
عايزه كام يا بنت سامح ؟
وجدت نفسها تجيبه دون تخطيط :
خمسة مليون
رفع"الحج راشد " حاجبه الأيسر و هو يهتف متسائلًا بتهكم:
مش شايفه أنه كتير شوية
ردت عليه سريعًا ،قائلةّ بصدق :
اعتبر كله ورثى و عمرى ما هطلب حاجه تانية ،أنا أصلًا لولا
لم يدعها تكمل حديثها ،حيث  قال بقوة :
لا هتطلبى و هديكى يا بنت ابنى

بالخارج كان "مالك" يمسك بمقبض الباب و يهم بالدخول ليحدث جده فى أمر ما

مجددًا هذا اللقاء المؤلم ،ما هذا العبث؟

_يتبع_
_الجزء الثانى ،الفصل السادس عشر _
_مريض نفسي بالفطرة _

________________________________

التعلق المرضى

codependency

يعاني الكثير من الأشخاص من اضطراب التعلق المرضي و يُقصد بهذا الاضطراب التعبير عن حالة عاطفية تصيب بعض الأشخاص في نمط سلوكياتهم اليومية، كالتعلُّق ببعض الأصدقاء بطريقة مرضية أو أحد أفراد العائلة أو الشريك كالزوج أو الزوجة، و يكون هذا التعلق تعلقاً عاطفياً ،و تكون نتيجة هكذا علاقات عدم تقدير الذات ،و التصرفات التي قد تسبب الضغوط النفسية للطرف الآخر.

كما أنَّ هناك أنماط للتعلق المرضي منها العناية القهرية ،و الانسحاب الغامض، والبحث عن الرعاية القهرية، لذا يُمكن القول:
إنَّ الذي يُعاني من الاضطراب تراوده تخيلات تسبب له أزمة نفسية نتيجة ارتباطه و تعلقه بالأشخاص أو الأشياء، مما يؤدي لتصرفات وسلوكات خاطئة ومضرة، كشرب الكحول و الإدمان على المخدرات.

اسباب التعلق المرضي:
1. المشاكل والخلافات الأسرية
2. عدم التعبير عن المشاعر ودفنها:
3. عدم شعور الطفل بالعطف والحنان:
4. الأمراض النفسية الأخرى:
قد يرافق الأمراض النفسية الأخرى اضطراب التعلق المرضي، مثل اضطراب الشخصية النرجسية الذي يبحث فيه عن شخص يهتم بهِ كي يفرغ فيه سيطرته وتعاليه. وكذلك من الأمراض التي قد تسبب اضطراب التعلق المرضي مرض الاعتمادية؛ أي الذين يبحثون عن أشخاص يعتمدون عليهم في تسيير أمورهم.
5. المواقف المحرجة والصعبة
6. التجاهل والإهمال:
من الأمور التي قد تكون سبباً في حصول اضطراب التعلق المرضي هو الإهمال والتجاهل من قِبل الأهل أو الأصدقاء أو الأقارب؛ لذلك يبحث المرضى عن أشخاص يهتمون بهم ويسمعون لهم. وذلك مع ملاحظة أنَّ النساء هنَّ أكثر عرضة للتعلق المرضي؛ وذلك بسبب زيادة عاطفة النساء أكثر من الرجال.

كيفية علاج التعلق المرضي:

هناك الكثير من النصائح التي ينصح بها الأطباء واستشاري الصحة النفسية التي تساعد في العلاج من اضطراب التعلق المرضي، سنذكر أهمها:

محاولة الانشغال في العمل والابتعاد عن كُل  الأفكار والأمور السلبية.
تكوين الصداقات والانخراط مع المجتمع انخراطاً إيجابياً والابتعاد عن كُل ما هو مؤذٍ سواء أشخاص أم بيئة.
محاولة الانشغال في وقت الفراغ بممارسة ما هو مفيد ومُمتع والابتعاد عن كُل ما يؤذي مضطرب التعلق المرضي.
القراءة وتثقيف النفس؛ خصوصاً بهذه الأمور.
التغذية الجيدة.
عدم السهر والحصول على نوم طبيعي، حيث يساعدان على التخفيف من التفكير بالأمور السلبية.
المحاولة في الاستقلالية عند اتخاذ القرار خصوصاً بما يتعلق بالأمور الشخصية

نصائح من أجل الوقاية من التعلق المرضي:
هناك الكثير من النصائح التي قدمها مختصين  الاستشارة النفسية بما يخص اضطراب التعلق المرضي والتي تساعد على الوقاية من هذا الاضطراب، أهمها:

التحدث مع الذات بما يخص المشاعر المكنونة بداخلك، وذلك يساعد من أجل تفريغ المشاعر وعدم كبتها، وكذلك معرفة الشعور بداخلك وتمييز ما هو خاطئ عن ما هو صائب.
اعتماد الصراحة بينك و بين من تُحب يخفف من هذا الاضطراب.
قول ما تحتاجه لمن هم مقرَّبون منك و التصريح بذلك يساعد في حل المشكلة و الوقاية منها.
البحث عن أسباب المشاكل التي تعرضتَ لها، ومحاولة علاجها 

*******************************

Continue Reading

You'll Also Like

190K 10K 65
سَنلتقي .. رُبما يكون لقاءً بارداً تكتمُ فيه غيرتك وأمسكُ فيه لِساني عن اُحبّك ستنظر اليّ ، وسأنظر للجميع عداك .
152K 12K 48
ما بينَ محاولة نسيان خذلانٍ قديم، ومحاولة الالتفات لحُبٍ جديد.. كان التناقض طرفٌ ثالث، فأضحت هذه العلاقةُ أكثر الأمور تعقيدًا. Cover by Anobeass.
15.3K 988 16
"شيروفوبيا" "رهاب السعاده.." _ وانا صغيره كنت بسمع اغنيه بتقول "ده القلب يحب مره ميحبش مرتين" كنت بحبها وبحب ادندنها كتير، لكن بما كبرت اتغيرت نظرتي...
1.5K 136 11
للعشق قيود، فــختلف عشقي كان ك بحراً عميقٍ ملئ بالامواج التي تُسقِط من لا يعرف العوم في بحر الحب ... من لا يحب اخاه ؟ كُلنا نحب اخواتنا حتا وان فع...