تَعَافَيْتُ بِكَ

By ShamsMohamed969

15M 639K 219K

ظننتُ أن قلبي هذا لم يخلق له الحب، و ظننتُ أنني لم أملكُ يومًا قلب؛ إلا أن وقعت عيناي على عيناكِ ففرح قلبي بر... More

الاقتباس الاول
البارت الأول (عريس صالونات)
الفصل الثاني (كونه حنونًا)
الفصل الثالث (الليل و سماه)
الفصل الرابع(إعتذار)
الفصل الخامس (رؤية شرعية)
الفصل السادس (عقد قران)
الفصل السابع(اللقاء الأول)
الفصل الثامن(طبيبة نفسية)
الفصل التاسع(رُهاب إجتماعي)
الفصل العاشر (هل مستعد؟)
الفصل الحادي عشر (لا يريد الخِطبة)
الفصل الثاني عشر (هل وافقت؟)
الفصل الثالث عشر (فلنقرأ الفاتحة)
الفصل الرابع عشر (عيد ميلاد)
الفصل الخامس عشر (موعد اللقا)
تنويه🕊️
الفصل السادس عشر (هدير السبب)
الفصل السابع عشر (كُتبَ الكِتاب)
الفصل الثامن عشر ( مُقابلة)
الفصل التاسع عشر (من أين تعلم؟)
الفصل العشرون (لا تأتي)
الفصل الحادي والعشرين (لأنها فراشة)
الفصل الثاني والعشرون (شكرًا)
الفصل الثالث والعشرين (غرقتُ بعيناكِ)
الفصل الرابع والعشرين (طريقة علاج)
الفصل الخامس والعشرون (لأجلكِ)
الفصل السادس والعشرون (أول مرة)
الفصل السابع والعشرون (لن أتركك)
الفصل الثامن والعشرون (براءة قلبها)
الفصل التاسع والعشرون (ماضٍ لا يُنسى)
الفصل الثلاثون(عروس لعبة)
الفصل الواحد والثلاثون (قاعة زفاف)
الفصل الثاني والثلاثون (الحب القديم)
الفصل الثالث والثلاثون (من عاشر القوم)
الفصل الرابع والثلاثون (لن أستطع)
الفصل الخامس والثلاثون (قمرٌ ضائع)
الفصل السادس والثلاثون (في حمايتك)
الفصل السابع والثلاثون (بداية جديدة)
الفصل الثامن والثلاثون (ما إسمه)
الفصل التاسع والثلاثون (لا يقارن بأحدٍ)
الفصل الأربعون (يزيد حنقه)
الفصل الواحد وأربعون (أنا سأعرفك)
الفصل الثاني و الأربعون(أبو جميلة)
الفصل الثالث و الأربعون( مشيرة الرشيد)
الفصل الرابع و الأربعون (لن أريحكِ)
الفصل الخامس والأربعون (عروس مثل القمر)
الفصل السادس و الأربعون (زغروطة؟)
الفصل السابع و الأربعون (فرح)
الفصل الثامن و الأربعون (صرخةمن الماضي)
الفصل التاسع و الأربعون (العقارب على سمومها تقترب)
الفصل الخمسون (بك تعافيت)
الفصل الأول الجزء التاني (لن أستطع)
الفصل الثاني_الجزء الثاني (مريض)
الفصل الثالث_الجزء الثاني ( البقاء لله)
الفصل الرابع_الجزء الثاني(
الفصل الخامس_الجزء الثاني(لم يراعي شعوره)
الفصل السادس_الجزء الثاني (كتاب دين)
الفصل السابع_الجزء لثاني (وعد بالطلاق)
الفصل الثامن_الجزء الثاني (هل تعرفها؟)
الفصل التاسع_الجزء الثاني (كوب قهوة)
الفصل العاشر_الجزء الثاني(منذ ١٣عام)
الفصل الحادي عشر_ الجزء التاني (وضعهما غريب)
الفصل الثاني عشر_الجزء الثاني (مريض نفسي)
إعتذار رسمي
الفصل الثالث عشر _الجزء الثاني(اختبار صغير)
الفصل الرابع عشر_الجزء الثاني (خطيب الآنسة)
الفصل الخامس عشر_الجزء الثاني (مفاجأة)
الفصل السادس عشر_الجزء الثاني (إلحق)
الفصل السابع عشر_الجزء الثاني (يلقى مصيره)
الفصل الثامن عشر_الجزء الثاني ( ضربة سكين بمقتل)
الفصل التاسع عشر_الجزء الثاني( أنا مستعد)
الفصل العشرون_الجزء الثاني (من طُعن بالسكين ؟)
الفصل الحادي و العشرون_الجزء الثاني(عودة وليد الرشيد)
الفصل الثاني والعشرون_الجزء الثاني( لحظة ترقب)
الفصل الثالث و عشرون_الجزء الثاني( حول الهزيمة لنصرًا)
الفصل الرابع و العشرون_الجزء الثاني( هل جدير بالثقة؟)
الفصل الخامس و العشرون_الجزء الثاني(منك لله!)
الفصل السادس و العشرون_الجزء الثاني ( تخضعين للعلاج)
الفصل السابع و العشرون_الجزء الثاني ( أثر الفراشةِ)
الفصل الثامن و العشرون_الجزء الثاني (وضعت نفسها بمأذق)
الفصل التاسع و العشرون_الجزء الثاني (صفعةً مدويةً)
الفصل الثلاثون_الجزء الثاني (بالأدب)
الفصل الواحد و الثلاثون_الجزء الثاني( بأي ذنبٍ قُتل؟)
الفصل الثاني و الثلاثون_الجزء الثاني (الصبر على الابتلاء)
الفصل الثالث و الثلاثون_الجزء الثاني (صرخة ألم)
الفصل الرابع و الثلاثون_الجزء الثاني (ما هو إسمه)
الفصل الخامس و الثلاثون_الجزء الثاني (من حفر حفرةً لأخيه)
الفصل السادس و الثلاثون_ الجزء الثاني ( هل سيترك حقه؟)
الفصل السابع و الثلاثون_الجزء الثاني (وُضِعَ بمأذقٍ)
الفصل الثامن و الثلاثون_الجزء الثاني (فهم ظنونه)
الفصل التاسع و الثلاثون_الجزء الثاني (تسببت بمصيبةً)
الفصل الأربعون_الجزء الثاني (موعد الحق)
الفصل الواحد و الأربعون_الجزء الثاني (كيف يتصرف؟)
الفصل الثاني و الأربعون_الجزء الثاني (نجم شارد)
الفصل الثالث و الأربعون_ الجزء الثاني ( كيف هنا؟)
الفصل الرابع و الأربعون_الجزء الثاني (فرحة البيت)
الفصل الخامس و الأربعون_الجزء الثاني(ما لم يُحمد عقباه)
الفصل السادس و الأربعون_الجزء الثاني (تتعرفون عليها؟!)
اقتباس من الفصل القادم (تحت التهديد)
الفصل السابع و الأربعون_الجزء الثاني (ماذا يفعل هنا ؟!)
الفصل الثامن و الأربعون_الجزء الثاني (الحبايب هنا)
الفصل التاسع و الأربعون_الجزء الثاني (شر الدنيا)
الفصل الخمسون_الجزء الثاني (سبب الفرحة)
الفصل الواحد و الخمسون_الجزء الثاني(باح بالسر)
الفصل الثاني و الخمسون_الجزء الثاني (ما هي المفاجأة ؟)
الفصل الثالث و الخمسون_الجزء الثاني (عودة الحق)
الفصل الرابع و الخمسون_الجزء الثاني (الموعد المضبوط)
الفصل الخامس و الخمسون_الجزء الثاني (بالغصب)
الفصل السادس و الخمسون_الجزء الثاني (قنبلة موقوتة)
الفصل السابع و الخمسون_الجزء الثاني (طريقة خاصة)
الفصل الثامن و الخمسون_الجزء الثاني (فض شراكة)
الفصل التاسع و الخمسون_الجزء الثاني (فراق الحبيب)
الفصل الستون_الجزء الثاني (تمزق الروح)
الفصل الواحد و الستون_الجزء الثاني (عصفورٌ في اليد)
اقتباس من الفصل الجديد
الفصل الثاني و الستون_الجزء الثاني (حرية الاختيار)
الفصل الثالث و الستون_الجزء الثاني (وجهةٌ مصوبة)
الفصل الرابع و الستون_الجزء الثاني (عقل مريض)
الفصل السادس و الستون_الجزء الثاني (الكرة في ملعبه)
الفصل السابع و الستون_الجزء الثاني (ليلٍ لا يدوم)
الفصل الثامن و الستون_الجزء الثاني (بالطبع مستحيل)
الفصل التاسع و الستون_الجزء الثاني (السقوط في بئر الضياع)
الفصل السبعون_الجزء الثاني (مغيب عن الواقع)
الفصل الواحد و السبعون_الجزء الثاني (حرق أعصاب)
الفصل الثاني و السبعون_الجزء الثاني (لم يكن خيرًا)
الفصل الثالث و السبعون_الجزء الثاني (حالة صدمة)
الفصل الرابع و السبعون_الجزء الثاني (لمن النصر؟)
الفصل الخامس و السبعون_الجزء الثاني (الموت قادم)
الفصل السادس و السبعون_الجزء الثاني (فخورًا بنفسه)
الفصل السابع و السبعون_الجزء الثاني (حق الاستغلال)
الفصل الثامن و السبعون_الجزء الثاني (عوض الله)
الفصل الثامن و السبعون_الجزء الثاني (ماذا تريد)
الفصل الثمانون_الجزء الثاني (أول سحور)
الفصل الواحد و الثمانون_الجزء الثاني (هل سيفي بوعده؟)
الفصل الثاني و الثمانون_الجزء الثاني (عودة الروح)
الفصل الثالث و الثمانون_الجزء الثاني (انسحبت الروح)
الفصل الرابع و الثمانون_الجزء الثاني (هل سيفيد بشيءٍ)
الفصل الخامس و الثمانون_الجزء الثاني (بكل راحة و يسر)
الفصل السادس و الثمانون_الجزء الثاني (رحمة الله عليه)
الفصل السابع و الثمانون_الجزء الثاني (ألم فقدانها!)
الفصل الثامن و الثمانون_الجزء الثاني (هل سيشعر به؟)
الفصل التاسع و الثمانون_الجزء الثاني (واقع أم حُلم؟)
الفصل التسعون_الجزء الثاني (إخطار من الوزارة)
الفصل الواحد و تسعون_الجزء الثاني (نظرةٌ قارنها العتاب)
الفصل الثاني و التسعون_الجزء الثاني (طوق نجاة)
الفصل الثالث و التسعون_الجزء الثاني (وحي الخيال)
الفصل الرابع و التسعون_الجزء الثاني (محاولة فاشلة)
الفصل الخامس و التسعون_الجزء الثاني (الزمن يُعاد)
الفصل السادس و تسعون_الجزء الثاني (غياهب الظلام)
الفصل السابع و التسعون_الجزء الثاني (ليلة الحنة)
الفصل الثامن و التسعون_الجزء الثاني (نهاية القصة)
تنويه هام🦋❤️
تجميعة الحلقات الخاصة

الفصل الخامس و الستون_الجزء الثاني (لا حول ولا قوة)

69.5K 3.6K 812
By ShamsMohamed969

"الفصل الخامس و الستون"
"رواية تَعَافَيْتُ بِكَ_الجزء الثاني"
_________________________

"بكى القلب خشيةً من حُب لا يدوم، فيبات القلم مقهورًا و من الحزن ملكوم"
_________________________

"هل من الممكن أن يطير الطير بجناحٍ مكسور؟ هل يمكن لكفٍ وحيد أن يصفق بمفرده ؟! هل يمكن للمرء أن ينتصر على العالم دون أن يجد من يدعمه ؟! لطالما كان دائمًا و أبدًا جيش المرء عائلته، فهل يمكن لفردٍ دون جيشه أن يهزم جيشًا؟! إذن فلتبدأ الحرب حتى و إن خرج منها هو المهزوم، سيظل دومًا متذكرًا أنه كان بمفرده ذلك اليوم.

صدمةٌ تتجسد أمام عينيها بخيبة أملٍ حينما وجدت الفتاة أثناء ضحكاتها تسمك يده و قبل أن تحرك رأسها للجهةِ الأخرى وجدته يبعد يد الفتاةِ عنه ثم هب منتفضًا و هو يقول بلهجة صوتٍ حادة:
"لو سمحتي يا آنسة؟! حضرتك طلبتي مننا نشرحلك الحاجة اللي مش فهماها، و أنا ذوقيًا مني وافقت، لكن معلش فيه حدود مينفعش نتخطاها، ياريت نحافظ على الحدود اللي بينا"

أبتسم «عبدالرحمن» بفخرٍ و هو يطالع صديقه، فتحدثت الفتاةِ بتعجبٍ:
"فيه إيه يا عمار ؟! احنا زمايل و بنضحك و بعدين محصلش حاجة لكل دا"

رد عليها بجمودٍ:
"لأ فيه، فيه إنك بتضحكي بشكل ملفت للانتباه و كدا غلط، و فيه إن الحدود اللي بيننا كزمايل مينفعش نتخطاها، و افتكري دايمًا إذا رُفعت الكُلفة، حلت الألفة، و كدا مينفعش، عن اذنكم أنا مش هكمل"

وقف «عبدالرحمن» مُسرعًا حينما وجد الضيق يعتلي ملامح صديقه، فقال بنبرةٍ هادئة:
"طب علشان احنا مش فاضيين، أنا هسجل الشرح بصوتي و و هصور الحل و ابعته ليكم في الجروب للدفعة كلها"

نظرن الفتيات لبعضهن البعض ثم تحركن خلف بعضهن بين الملامح الساخرة و المتهكمة، و قبل أن يختفي أثرهن، رفع «عمار» صوته يوقفهن و هو يقول:
"استني يا آنسة من فضلك أنتِ و هي"

تلاشت بسمة «خلود» تلقائيًا بعدما اوقف الفتيات و قالت هامسةً بحنقٍ:
"ما أنتَ كنت ماشي حلو، هتعك ليه بقى ؟!"

اقترب هو من الفتيات و هو يقول بطريقةٍ اهدأ من السابق:
"أنا متأسف على طريقتي بس أنا محبش أعمل حاجة غلط تتحسبلي بذنب في رقبتي، حضراتكم زمايلي بس مينفعش الحدود اللي بيننا نتخطاها، و مش علشان الناس و لا علشان المنظر العام، بس علشان رب الناس، مينفعش الحدود اللي ربنا وضعها لينا نتخطاها، ربنا يوفقكم و أنا هجمع كل السكاشن و انزلها في الجروب و عبدالرحمن يسجل بصوته الشرح"

تحركت الفتيات بخزيٍ من الموقف و الذي أخذ يزداد بعد حديثه و طريقته و توضيحه للأمور، فعاد هو للطاولة يجلس عليها و هو يزفر بقوةٍ و يرمق «عبدالرحمن» بغيظٍ، فتحدث الأخر بتوترٍ:
"متبصليش كدا و أنتَ عارف إن نيتي كانت خير، هما اللي طريقتهم مش كويسة، لزمتها إيه البصة دي؟!"

رد عليه بضجرٍ:
"علشان هما متخلفين، أنا فاهم انهم جايين علشان يقعدوا معانا علشان يغيظوا الشلة بتاعتهم القديمة، جو الجامعة و الهبل دا أنا فاهمه، بس قولت مسوءش الظن علشان ماخدش ذنب، بس صوت ضحكهم علي مرة واحدة لما شافوا الشباب معديين، عالم متخلفة، ربنا ينجدنا منهم"

حرك «عبدالرحمن» رأسه متفهمًا ثم سأله بحيرةٍ من الأمر:
"طب و الشرح هتنزله فعلًا الجروب ؟! و لا مش مشكلة و هما أحرار؟!"

رد عليه مقررًا بثباتٍ:
"طبعًا، دي مفيهاش جدال، أنتَ عارف مبدأي، المشوار اللي تمشيه في ١٠٠ خطوة خلي غيرك ياخده في ١٠ خطوات، محدش بياخد رزق حد و لا مكانة حد"

سأله «عبدالرحمن» بسخريةٍ:
"أيوا يعني برضه أنا مش فاهم هتعمل إيه ؟!"

أبتسم بيأسٍ ثم قال مُردفًا:
"يعني احنا فهمنا من الدكتور و حلينا كويس، و لقينا كريقة ابسط توفر علينا الجهد، يبقى نسهل الطريق على غيرنا علشان ربنا يكرمنا، و افتكر إن تكسيرك لمجاديف غيرك مش هيخلي مركبك تمشي أسرع"

ابتسم له «عبدالرحمن» و هو يقول:
"دي برضه اتعملتها منك أنتَ، بقيت لما بعمل حاجة و تاخد مني وقت و بعدها اعرف طريقة اسهل، اعرف كل الناس الطريقة الأسهل، بس حلوة جملة تكسير المجاديف دي"

أبتسم له و هو يقول:
"ياسين هو اللي قالي عليها، هو اللي علمني السلام النفسي دا"

حرك رأسه موافقًا تزامنًا مع قوله:
"ربنا يرجعه بالسلامة يا رب"

قبل أن ينطق «عمار» خلف حديثه، لفت نظره جلوس فتاةٍ تشبها إلى حدٍ كبيرٍ، لكنه ظن أن هذا فقط من وحي خياله، فماذا لها حتى تأتِ إلى هنا؟! ظل مرُكزًا ببصره عليها و خاصةً أنها تجلس بمفردها.

كانت هي تجلس بثباتٍ واهٍ بعد ذلك الموقف السابق و بعد حديثه مع الفتيات في الطاولة التي تقع خلفها مباشرةً، تجاهلت هي وجودهما من الأساس حتى سقطت حقيبتها و اخفضت جسدها تأخذها، حينها استطاع هو رؤية مُحياها حينما مالت بحسدها في الجهة المعاكسة له، اتسعتا حدقتيه على أخرهما حتى اعتدلت هي فورًا ثم وجهت رأسها و ثبتت جسدها للامام حتى لا يراها.

فتحدث هو مُسرعًا بذهولٍ سيطر عليه كليًا:
"مستحيل ؟! هي هنا بتعمل إيه؟"

عقد «عبدالرحمن» ما بين حاجبيه مُستنكرًا حديثه و هو يقول:
"فيه إيه يا عمار؟! هي مين دي و بتعمل إيه هنا؟!"

انتبه لصوت رفيقه فصمت و سكت تمامًا و الأخر يحرك رأسه له مُستفسرًا، و في غضون ذلك اقترب «أحمد» منها يجلس بجوارها و هو يقول بضيقٍ:
"معلش اتأخرت عليكي، بس الست جوة طلعت عيني و قرفتني لحد ما صاحب طارق جه، زهقتي؟!"

حركت رأسها نفيًا و التوتر يرتسم على وجهها على غير عادتها، فتفرس هو ملامحها ثم سؤالها:
"مالك ساكتة كدا ليه؟! حد ضايقك أو زعلك هنا؟!"

حركت رأسها نفيًا و هي تقول بنبرةٍ مهتزة خافتة:
"لأ أنا كويسة متقلقش، بس صدعت علشان كنت سهرانة بذاكر امبارح، المهم هنمشي؟!"

عقد ما بين حاجبيه بتعجبٍ منها حتى وجد «عمار» يقترب منهما و هو يقول بدهشةٍ من تواجده:
"أحمد ؟! بتعمل إيه هنا؟!"

وقف «أحمد» فورًا يرحب به و هو يقول بنبرةٍ ودودة:
"عمار، ازيك يا حبيبي عامل إيه؟! كنت جاي باخد شهادة التخرج الأساسية بتاعتي و ماشي خلاص، عقبالك يا سيدي"

رد عليه بهدوء:
"يا رب، بس لسه المشوار طويل شوية، مش مهم أنا مستحمل"

ربت على كتفه و هو يقول:
"و أنتَ قدها و قدود، أنا واثق فيك و إنك هتبقى دكتور عظيم"

حرك رأسه موافقًا ثم حدثها بهدوء:
"نورتي الجامعة يا آنسة خلود، عقبال ما تيجي و أنتِ طالبة فيها إن شاء الله"

حركت رأسها تنظر له وهي تقول بثباتٍ أجادت اظهاره:
"إن شاء يا استاذ عمار، ربنا يوفقك و تتخرج إن شاء الله"

اقترب منهم «عبدالرحمن» في تلك اللحظة يرحب بهم و هو يقول:
"و أنا أقول الجامعة نورت ليه؟! اتاري أحمد هنا، عامل إيه يا معلم؟"

سلم عليه «أحمد» و هو يرد على تحيته و ترحيبه، ثم قال بهدوء:
"طب بما أني الكبير هنا وسطكم، اقعدوا بقى علشان اعزمكم على حاجة"

تحدث «عبدالرحمن» مسرعًا:
"تسلم يا أحمد، لسه واكلين شاورما و الله الحمد لله، و بعدين أنتَ ضيفنا هنا، يعني احنا اللي نوجب معاكم"

حاولت هي كتم ضحكتها التي اوشكت على فضح أمرها، فتحدث «أحمد» بسخريةٍ:
"أنا بصراحة كنت جاي و ناوي اخلع بسرعة بس خلود بقى عاوزة تختار الكلية اللي هتدخلها بعد سنتين إن شاء"

رمقته هي بحدة فتحدث هو مُسرعًا يوجه حديثه لهما:
"ما تقولولنا كدا يا شباب نعمل إيه في ثانوية عامة علشان خلود قلقانة"

تحدث «عمار» مُسرعًا:
"على فكرة هي سنة زيها زي أي سنة، المهم فيها بس هو إن الجهد المبذول يتفرق صح فيها، لو الجهد المبذول اتوزع غلط يبقى ساعتها الدنيا كلها هتتكركب"

عقدت ما بين حاجبيها فسأله «أحمد» بتيهٍ و تشوشٍ:
"ازاي يعني؟! أنا أصلًا مش فاكر زاكرت ازاي في ثانوية عامة"

رد عليه مُردفًا بهدوء يفسر مقصد حديثه و يرسل لها رسالةً مُبطنة:
"يعني المهم إن الطالب ميبدأش بحماس شديد في أول السنة، لأن طاقته هتقل في النص و هيكون صعب عليه يكمل، و بلاش يهمل طول السنة و يشد في الأخر لأن الكم هيكبر عليه، المفروض تمشي طبيعي و معقول"

سألته هي بعدما استحوذ بحديثه على تفكيرها و اهتمامها:
"ازاي ؟! يعني برضه اذاكر ازاي و إمتى ؟؟"

رد عليها هو بنبرةٍ هادئة:
"زي ما قولت قبل كدا كل يوم مادة واحدة، اوعي تحطي اكتر من مادة في يوم، و من البداية تروحي درسك و ترجعي ترتاحي و بعدها تبدأي مذاكرة، يعني تحلي الواجب و تزودي شوية تدريبات من عندك و لو فيه حاجة وقفت قصادك اعملي كشكول كبير و حطيه فيه لأن علميًا الأسئلة اللي زي دي هي دي اللي بتعلم في العقل.

و تيجي عند اهم وقت في السنة كلها و هو الشهور بتاعة الشتا، أو بمعنى أصح شهور الاكتئاب، بتبدأ من شهر ١١ لحد شهر اتنين و لو اتعاملتي مع الشهور دي غلط، يبقى كل اللي جاي هيكون صعب، لانك بتكوني مشتتة فيهم، عاوزي تركزي في اللي بتاخديه و عاوزة تلمي اللي فاتك و مش عارفة تعملي إيه، الفترة دي بقى تمسكي العصاية من النص، يعني تروحي دروسك عادي و تذاكري و تلتزمي بيهم و تزودي ساعتين كمان تراجعي فيهم باب أو وحدة من اللي فات و لو مجهود عليكي ممكن تقسميهم دروس، احسن و يفضل كل مادة في اليوم بتاعها"

حركت رأسها باستحسانٍ و البسمة الهادئة التي تتخللها خيوط الراحة تعتلي وجهها، حتى قال هو بنفس الطريقة:
"أهم حاجة إنك تكوني ماشية صح، و إن الثانوية العامة دي متهزش ثباتك، بالعكس هي سنة هتتعلمي منها حاجات كتير، بس القاعدة الأهم إنك متتعامليش على انهم ٧ مواد، عامليهم كأنهم مادة واحدة"

حركت رأسها باستنكارٍ و هي تسأله:
"مادة واحدة ؟! يعني إيه مادة واحدة؟! الكل عارف انهم ٧ مواد"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف مفسرًا ما سبق و تفوه به:
"يعني الجهد المبذول يكون متساوي في المواد كلها، مينفعش اوقع مادة على حساب التانية، يعني مثلًا عندك العربي تقيل و معظمنا بيكرهه، و قصاده اللغة التانية سهلة و معظمنا بيحبها، مينفعش بقى اوقع العربي و أهمل مذاكرته علشان مش بحبه و اهتم باللغة التانية علشان بحبها، كدا غلط و في الأخر هيزود خوفي و توتري أكتر، اهم حاجة إن قبل شهر رمضان يكون عندك ثبات انفعالي عالي لأن الوقت فيه قليل و كلنا بنكون مركزين في العبادات أكتر، يعني مذاكرتك قلت في رمضان دا طبيعي، بس هترتاحي لو قبل كدا أنتِ مأسسة الوقت صح، و ربنا معاكي و إن شاء الله تحققي حلمك و تنورينا هنا"

ردت عليه هي بامتنانٍ:
"أنا متشكرة أوي ليك، حقيقي كلامك و طريقتك بتطمني، و إن شاء الله اقدر التزم بالكلام دا زيك و زي سلمى كدا، شكرًا"

رد عليها بتفهمٍ:
"لا شكر على واجب أبدًا، اي حاجة تحتاجوها أنا موجود و عيوني ليكم، و للأنسة سلمى لو احتاجت حاجة سواء من المدرسين أو السنتر"

أبتسم له «أحمد» و هو يقدر طريقته و عرض خدماته:
"متشكر ليك يا عمار، لو احتاجت حاجة أكيد هقولك، ربنا يكرمك"

حرك رأسه موافقًا ثم استأذن منهما حتى يرحل، و لكن قبل أن يتحرك قيد أنملة تحدث بثباتٍ:
"آه نسيت حاجة مهمة، قول للآنسة سلمى بما إنها حاليًا داخلة على إجازة نص السنة، إنها تعمل بنك أسئلة في الفترة دي، يعني كشكول كبير و تقسمه على عدد المواد و كل مادة تجمع فيها الأسئلة المهمة اللي المدرسين بيركزوا عليها، هتفرق معاها أوي و هتيجي في الأخر تلم الحاجات دي في وقت قليل اوي، ممكن اجيب الكشكول بتاعي ليكم و تعمل زيه"

رد عليه «أحمد» مسرعًا بنبرةٍ ظهرت بها لهفته:
"ياريت بجد، لو تقدر تجيبه أنا هكون شاكر ليك جدًا و ممكن ارجعه تاني ليك"

رد عليه بهدوء:
"مش محتاجه خلاص، أنا عامل اتنين واحد للمواد العلمية و التاني للغات، هجيبهم ليك في يوم علشان تعمل زيهم"

أبتسم له «أحمد» فتحدث «عبدالرحمن» في تلك اللحظة يقول:
"طب تستأذن احنا بقى علشان كدا عطلناكم؟! يدوبك نروح نرتاح علشان عندنا امتحان بكرة"

رحل كليهما بعد توديعٍ حارٍ و اتفاق على مقابلةٍ تجمعهم سويًا عن قريب، فجلس «أحمد» و هو يقول لها:
"ربنا يكرمهم و يوفقهم إن شاء الله، ها نروح ؟!"

ردت عليه بمرحٍ:
"قوم هات الشاورما أنتَ هتشتغلني؟! و بعدين أنا نفسي مفتوحة هات كام واحد حلوين زيك كدا"

رفع حاجبه يسألها بثباتٍ:
"و أنتِ نفسك مفتوحة ليه بقى ؟! مش كنتي عاوزة تروحي من شوية و مخنوقة؟!"

حمحمت هي بصوتها فزفر هو بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"ماشي، علشان احنا صحاب أنا هعديها، علشان عارف إن خوخة مش بتغلط و مش بتخبي عليا حاجة، ها تشربي إيه؟!"

_"٨ شاورما كتر تومية"
قالتها مسرعةً بمرحٍ جعله يضحك عليها بيأسٍ ثم امسك كفها يضغط عليه بغيظٍ منها و هي تضحك بملء شدقيها.
_________________________

خرج من غرفته بعدما قام بتأدية صلاة الصبح و قراءة ورده اليومي حتى يستطلع الأجواء حوله، و سرعان ما زفر بقوةٍ و هو يرى الرجال كما هم بسلاحهم بل و الأدهىٰ أن الطرف الأخر مدهم ببعض الامدادات كما لو أنها حالة حربٍ تقام بين بلدين، حيث وجد بجانبهم صندوقًا كبير الحجم يحافظ على درجة حرارة المشروبات و الفواكه، حرك رأسه للجهة الأخرى فوجد العمال يجلسون بقرب بعضهم يتناولون فطورهم، اقترب منهم يلقي عليهم التحية بقوله:
"صباح الخير يا رجالة؟! عاملين إيه؟!"

ردوا عليه التحية جميعهم في آنٍ واحدٍ و تحدث أحدهم بقوله:
"اتفضل يا بشمهندس ياسين تعالى الفطار معانا، اتفضل"

حرك رأسه موافقًا ثم ادارها للخلف فوجد الرجال يتابعونهم و السلاح في ايدهم، زفر بضجرٍ و هو يفكر هل يمتلكون ارادةٍ من حديد؟؟ دون كللٍ أو مللٍ يقفون دون حتى أن يرمش جفن لـ أيًا منهم؟! جلس هو بجوار الرجال فقدم له الشيف الطبق الخاص بطعامه و هو يقول:
"فطارك يا بشمهندس، أنا كنت مستني إنك تصحى علشان تفطر، بس كويس إن حضرتك لحقتنا"

ابتسم له و هو يأخذ من يده الطعام تزامنًا مع قوله:
"تسلم إيدك يا شيف، من يد ما نعدمها يا رب"

اخذ الطبق يضعه أمامه ثم شرع في تناول الطعام حتى سأله «عبدالعزيز» بنبرةٍ مهتزة و كأنه يخشى  السؤال:
"متأخذنيش يعني يا بشمهندس ياسين، حضرتك ممشيتش ليه زي غيرك ؟! قاعد تعمل إيه في وضعنا دا ؟!"

رفع «ياسين» رأسه له و هو يقول بثباتٍ:
"امشي اروح فين يا عم عبدالعزيز ؟؟ امشي و اسيب الرجالة لوحدها ؟! كدا هبقى بهرب مش بمشي، عيل صغير أنا و لا إيه؟!"

رد عليه مسرعًا بحرجٍ منه:
"مش قصدي والله يابني متأخذنيش في الكلام، بس يعني غيرك لما لقوا الدنيا كدا مشيوا و محدش فيهم فكر حتى في واحد فينا، و إحنا لينا فترة هنا مينفعش ننزل غير لما نخلصها، أنا خايف عليك أنتَ"

تحدث «ياسين» بجمودٍ:
"مش أنا يا عم عبدالعزيز، أنا ممشيش و أسيب رجالتي، دي مش رجولة، و بعدين يعني همشي اروح فين ؟! هو جبل واحد و حدود واحدة، حتى شمال سينا و العريش بعيد عننا، يعني مفيش حتى وسيلة وحدة تنقذنا، بس انتم إيه اللي مقعدكم هنا في الجبل؟!"

رد عليه أحد الرجال بقلة حيلة:
"هنعمل إيه يابني ؟؟ لقمة العيش، أنا واحد عندي ٣ بنات و ولد، اصغرهم في اعدادية و الكبار في جامعة، و الوسط في ثانوية عامة، يعني مفروض علينا نفضل هنا"

حرك رأسه بتفهمٍ فتحدث عاملٌ أخر:
"و الله يابني لولا إن الواحد وراه ديون و جهاز بنات و تعب و هم، مكناش نستحمل المرمطة دي، بس مفيش قدامنا غيرها"

رد عليه هو بهدوء:
"ربنا يفكها عليكم يا عم سعد، و يسدد ما عليكم، بس وعد مني الوضع مش هيفضل كدا كتير"

اتى صوته من الخلف و هو يقول:
"اللي ياكل لوحده يزور يا رجالة ؟!"

قبل أن يقترب منهم نحو موضعهم اوقفه أحد الرجال المسلحون و هو يقول:
"اقف عندك يا جدع أنتَ رايح فين ؟! ممنوع حد يدخل هنا"

رفع «يوسف» حاجبه له فاقترب «ياسين» منهما و هو يقول منفعلًا:
"وسع يا عم أنتَ، هو احنا محبوسين و لا إيه؟! دخله"

رد عليه الرجل بثباتٍ:
"ممنوع، محدش هيهوب ناحيتكم لحد ما نشوف اخرتها، و قدامك اختيارين تمشي أنتَ و رجالتك و تسيبلنا المكان، يا نفضل كدا و نشوف مين نفسه أطول"

زفر «ياسين» بقوةٍ فتجاهل «يوسف» حديثه ثم رفع قدمه حتى يخطو للقرب من «ياسين» فرفع الرجل السلاح في وجهه و هو يقول:
"ارجع مكانك بدل ما ارجعك أنا من الدنيا كلها، أرجع يا جدع أنتَ، يلا بروح أمك"

على حين غرة رفع «يوسف» سلاحه بعدما أخرجه من جيب بنطاله ثم وضع نصله على رقبة الرجل و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
"كتر كدا بروح أمك معايا علشان ارجعك بطن اللي خلفتك تاني، ولا أوريك دبايح البهايم في العيد الكبير شكلها إيه، و سيرة أمي لو جت على لسانك دا هقطعه، تحب تشوف؟!"

اقترب «ياسين» منه يمسك ذراعيه و هو يحاول ابعاده عن الرجل، و العمال حولهم و المسلحون الذين اشار لهم الرجل المكبل بالتوقف.

استطاع «ياسين» ابعاد «يوسف» أخيرًا عن الرجل ثم اخذ منه السلاح يضعه في جيبه و «يوسف» نظره مثبتًا على الرجل بشررٍ يقدح من عينيه،

ساروا بعيدًا عن الرجال المسلحين حتى جلسوا بموضعهم السابق، فتحدث «ياسين» بنبرةٍ جامدة:
"مينفعش يا يوسف، أمسك اعصابك شوية مش كدا، و لما تتهور و تعور واحد فيهم ؟! ساعتها هياخدوا رقبتك أنتَ، و دول عرب مبيهزروش، مش دا كلامك؟!"

زفر «يوسف» بقوةٍ ثم قال منفعلًا بضيقٍ:
" عاوزني اسكتله و هو رافع سلاحه في وشي و بيشتمني بأمي؟! يحمد ربنا إن المطوة مجابتش عرق من رقبته"

تحدث «عبدالعزيز» بغلبٍ:
"يابني إيه اللي جابك هنا بس ؟! ما أنتَ عارف الدنيا هنا شكلها إيه و عاملة إزاي ؟!"

رد عليه بضجرٍ و غضبٍ جمٍ:
"يا عم عبدالعزيز أنا محدش يكسر عيني، اللي يدوسلي على طرف أنا ادوس على رقبته، قولنا نحل مش عاوزين، طب نعمل قعدة مش عاوزين، و أخرتها؟!"

تحدث «ياسين» منفعلًا في وجهه:
"أنتَ مالك بتدخل نفسك في الحوار ليه؟؟ متخلنيش أخاف إن واحد فيهم يعملك حاجة، كفاية اللي في رقبتي هنا يا يوسف، مش عاوز أخاف عليك أنتَ كمان"

زفر «يوسف» بقلة حيلة ثم تحدث بلهجةٍ حادة:
"جو الطبطبة و الحنية دا مبياكلش معايا، أنا عارف طالما فيه مشكلة يبقى ندور ليها على حل، لكن دول مش عاوزين يتفاهموا، تقدر تقولي الحصار دا هيتفك امتى ؟!"

زفر «ياسين» بقلة حيلة ثم حرك يمنةً و يسارًا كدليلٍ منه على جهله بالأمر، بينما الرجال المسلحون وقفوا بجوار بعضهم و قد أخرج واحدٌ منهم هاتفه يتحدث به، و حينما لاحظه «ياسين» سأل بتعجبٍ:
"إيه دا ؟؟ هو ازاي بيتكلم في التليفون، معموله شبكة مخصوص و لا إيه؟!"

رد عليه «يوسف» مفسرًا:
"معاهم تليفونات مخصوص، حاجة كدا زي اللاسلكي، بس دا بخط عادي، كلهم هنا بيستخدموه"

عقد «ياسين» ما بين حاجبيه و قد اثار الحديث تعجبه، فتحدث «عبدالعزيز» مفسرًا:
"في شركة قدام و فيها عمال كتير قريبة مننا شوية، كل العمال فيها معاهم تليفونات من دي، الشركة جايباها ليهم"

تحدث أحد العمال بتهكمٍ:
"مش زينا، الواحد بيقعد بالاسبوع ميعرفش حاجة عن أهله، يا كدا يا يمشي كام كيلو"

ركز «ياسين» بصره على الرجل الذي يتحدث بالهاتف يحاول فهم ما يتفوه به لكنه لم يستطع ذلك، و حينما لاحظ «يوسف» امعانه و تركيزه مع الرجل قال بسخريةٍ:
"مش هتفهم حاجة، بيتكلموا مع بعض بلغتهم الأصلية، مش هتفهم هو بيقول إيه"

تحدث «ياسين» بسخريةٍ:
"هو عامل فيها أبو فياض كدا ليه ؟؟ أنا حاسس أني بشوف كواليس المصلحة قدامي"

ضحكوا جميعهم عليه فتحدث هو مسرعًا:
"بجد مش بهزر و الله، موترني أوي، الفرق إن أبو فياض كان أكبر شوية"

زفر «يوسف» ثم قال بهدوء:
"طب بما انكم بخير و فطرتوا، هروح أشوف العمال و ارجع ليكم كمان شوية، خلوا بالكم من نفسكم"

حركوا رأسهم بموافقةٍ فتحرك هو من أمامهم و قبل أن يمر بجانب الرجل الذي اشتبك مع منذ قليل حدثه الرجل بغلظةٍ و هو يقول:
"لو خرجت من الحتة دي متجيش تاني، مش عاوز دوشة منك، اتهد في حتة و بلاش دوشة"

حرك «يوسف» رأسه موافقًا ثم تحرك من موضعه نحو عمله، نظر الرجل في أثره بغلٍ ثم زفر بقوةٍ و عينيه مثل الصقر الحاد تدور في المكان و خاصةً عند «ياسين» و العُمال.

بعد مرور دقائق ارتفع صوت الموسيقى العالية في المكان بارتفاعٍ جعل الجميع يحركون رأسهم في عدة جهات غير متناسبة، حتى ظهر «يوسف» في يده "صب" خاص بالموسيقى و هو يقف بثباتٍ أمام الرجل، طالع الجميع الموقف بتعجبٍ بينما هو تحدث بثباتٍ:
"دخلني بدل ما أحط الدوشة دي في ودنك، اخليها تنزف"

أفسح له الرجل حتى يقترب من «ياسين» و العمال، و مصدر الموسيقى في يده و هو يبتسم بثباتٍ بعدما رفع أحد حاجبيه، سأله «ياسين» بنبرةٍ ضاحكة:
"مش هو مش عاوز دوشة ؟! أنا بقى جيبتله الدوشة لحد عنده، المهم خلوه معاكم هنا و لو فصل اشحنوه بالشاحن بتاع التليفون عادي"

سأله «ياسين» بتعجبٍ:
"هو دا معاك ازاي أصلًا ؟؟ جيبته منين يا جاحد أنتَ"

رد عليه مردفًا بثباتٍ:
"جيبته من العريش لما روحنا نجيب لحمة قبل كدا، قولت أهو يسليني في الاوضة"

حرك «ياسين» رأسه موافقًا ثم أخذه منه و قام بتوصيله عبر هاتفه على أحد مواويل المدح القديمة، فتحدث الرجال مهللين بفرحٍ:
"الله عليك يا بمشهندس ياسين"

أبتسم هو لهم ثم قال بقلة حيلة:
"عارف أنا الصعايده بيحبوا الحاجات دي زي أبويا، محسوبكم من الصعيد برضه"

رد عليه «يوسف» بسخريةٍ:
"أنا قولت الدماغ دي أكيد دماغ صعايدة، نشفان الدماغ دا إنك متمشيش عرفني انك صعيدي"

حرك رأسه موافقًا فارتفع الصوت بالكلمات الآتية:
"أكاد من فرط الجمال....فرط الجمال أذوب.... أكاد من فرط الجمال أذوب....هل يا حبيبي.....في رضاكَ... في رضاكَ نصيبُ...هل يا حبيبي في رضاكَ نصيبُ.... جعلت قلبي يهفو دومًا....يهفو دومًا للقا.... جعلت قلبي يهفو دومًا....يهفو دومًا للقا....و إذا ذكرت يا حبيبي...يا حبيبي أطيب....فاذا ذكرت يا حبيبي أطيب.....بمجرد الأذكار....قلبي هائمٌ...."

ارتفعت صفقات الرجال و معهم «يوسف» و «ياسين» و الرجال حولهم يطالعونهم بدهشةٍ من افعالهم و لامبالاتهم و كأنهم في إحدى الليالي الخاصة بالمديح أو حلقات الذكر.
_________________________

جلست «خديجة» بمفردها تمامًا في شقة والديه بعدما ذهب كليهما للعمل، قامت هي بترتيب البيت حتى تتخلص من ذلك الملل الذي أصبح مقترنًا بها منذ غيابه عنها، و بعد انهاء عملها جلست مرةً أخرى في غرفته كعادتها تتصفح خطاباته و تقرأ ما خطه بيده، حتى أنها كل يومٍ تكتشف شيئًا جديدًا في تلك الغرفة، حيث وجدت ألعابه القديمة و ملابس الرياضة الخاصة به حينما كان مشتركًا في أحد النوادي الرياضية في صغره، و وجدت الجوائز و الميداليات العديدة الذي حصل عليها في عدة ألعابٍ مختلفة.

كانت تراقب كل إنشٍ بالغرفة بتمعنٍ و تركيزٍ و كأنها تعيش كل تلك اللحظات معه من خلال صوره القديمة و براءته في صغره، و فجأة انفجرت في الضحكات حينما وجدت له صورةً في صغره و هو عاري الجسد و يرتدي فقط سروالًا داخليًا، أمسكت هاتفها تلتقط تلك الصورة بسرعةٍ و هي تضحك عليه.

تنهدت هي بعمقٍ ثم وجدت دفتر صغير الحجم باللون الاسود كبير الحجم، يعود له في صغره، فتحته هي بهدوء فوجدت في أول صفحاته صوره مع أخوته و على أيديهم «عمار» يحملونه بميلٍ على أيديهم و هو يضحك بملء شدقيه.

قلبت في صفحات الدفتر فوجدتها جميعها عن ذكرياته مع الشباب و إن لم تكن مبالغة في الأمر كانت جميعها منذ أول يومٍ جمعهم سويًا.

انهت تصفح الدفتر و الغوص به ثم أغلقته و هي تتنهد بعمقٍ، بعدها اخرجت هاتفها على صورته التي وضعتها خلفية لهاتفها، و قد أحسنت اختيار الصورة حيث كانت له في شهر عسلهما سويًا و هو يجلس على شاطئ البحر و كفيه خلفه يستند بهما على الأرض و هو يضحك لها.

تعمقت هي في ملامحه الهادئة التي تجمع بين الخشونة و اللين معًا و في بسمته العذبة الهادئة و هي تجزم أن الحب يفيض من عينيه لها، تنهدت بقلة حيلة و هي تفكر أن الأمر يزداد سوءًا بغيابه، أصبحت مثل الغريبة مرةً اخرى في تلك الدنيا، باتت ترى نفسها وحيدة من جديد، حتى أنها أصبحت تفكر في حديثها كما كانت تفعل سابقًا،

تعلم هي تمام العلم أنه هو بمفرده من  يستطع فهمها و فهم حديثها الغير منمق، أما بدونه فهي دومًا تفكر في كل شيءٍ و تقوم بحساب خطواتها، فرت دمعة هاربة من بين أهدابها، ثم تحدثت بصوتٍ مختنقٍ:
"أنا خوفي بقى بيزيد و خايفة أرجع تاني زي الأول، خايفة المسافات دي تفرق ما بين قلوبنا زي ما فرقت بينا"

أغلقت الهاتف ثم عادت لحاجته مرةً أخرى تغوص بها كما كانت تفعل، فحتى و إن كان غائبًا سيبقى دائمًا و أبدًا هنا في قلبها.
_________________________

في بيت شباب آلـ «رشيد» جلست الفتيات فوق سطح البيت مع بعضهن بعد رحيل الشباب إلى عملهم، فتحدثت «هدى» تسأل شقيقتها بحيرةٍ:

"طب هي هتفضل في الشقة كدا كتير يا هدير ؟! هتمشي امتى يا بنتي؟! هدومكم و حاجتكم هناك"

ردت عليها بقلة حيلة:
"أعمل إيه يعني يا هدى ؟! خلاص هي موجودة هناك، أكيد مش هقوله اطردها يعني، كفاية كسرته و كفاية اللي هو فيه، منها لله بقى على اللي إحنا فيه بسببها دا"

تحدثت «جميلة» تسألها مستنكرةً ما يحدث بأكمله:
"هي إيه مشكلتها يا هدير ؟! كارهة إن حسن اتجوز ؟! و اا من كارهة إنك مراته و لا كارهة إنه عمل كدا من وراها ؟!"

تدخلت «عبلة» تقول مسرعةً:
"كله، وليد قالي إنها متضايقة من العيلة هنا أصلًا، يعني مشكلتها من قبل جواز حسن و هدير، و طارق قبل كدا اتخانق معاها في التليفون هو و وئام، ولية مفترية"

سألتها «جميلة» بتعجبٍ:
"برضه ازاي يجيلها قلب تعمل كدا و تتكلم عن شرف بنت ؟! يا شيخة دا حتى لو عملت كدا المفروض تسكت علشان ربنا ستر عبده، محدش يفضحه، دا إسمه قذف محصنات، و اللي زي دي عقابها كبير أوي دنيا و أخرة"

تحدثت «هدى» بغلٍ منها:
"لولا إن وئام حلفني أني مروحش ليها، و إن عمتو مشيرة جابت حق أختي كان زماني موتها بايدي و شربت من دمها، علشان قهرة أختي و تعبها كدا"

تحدثت «عبلة» تنهي الحديث في ذلك الموضوع بقولها:
"خلاص يا جماعة ربنا ياخدها بقى قفلوا لينا على السيرة دي، مش مشكلة خلوها في الشقة و خلوا هدير معانا هنا"

مالت تحتضن «هدير» بعد حديثها و الأخرى تبتسم لها ثم رفعت كفها تربت عليها، فتحدثت «هدى» تقول بمرحٍ:
"فكرتوني بأيام زمان، لما كنتم مبتسيبوش بعض، كانت أيام والله"

سألتها «جميلة» بتعجبٍ:
"هما من بدري مع بعض كدا ؟!"

حركت رأسها موافقةً ثم قالت:
"عبلة طول عمرها روحها في هدير، الكل كان فاكرهم من صغرهم أخوات، لما حد كان بيعرف إن أني اللي أختها كانوا بيستغربوا أوي، كله كان فاكر إن عبلة هي اللي اختها و خصوصًا علشان عينهم عسلي فاتح في و وشهم مدور و شعرهم زي بعض"

ابتسمت لهما «جميلة» فتحدثت «عبلة» تقول مسرعةً:
"و أنتِ كمان بقيتي اختنا يا جميلة، و طلعتي شبهنا أنتِ كمان، بس الفرق إن عينك فيها لون أخضر، لكن في العادي أنتِ شبهنا بالظبط"

حركت رأسها موافقةً و هي تقول:
"أنا ولا في أحلامي إن يكون عندي قرايب بنات من سني كدا و أفرح معاهم، دي غالبًا معجزة و اتحققت، بس حقيقي أنا بكون فرحانة أوي معاكم"

صدح صوت هاتف «هدير» في تلك اللحظة فاستأذنت منهن حتى تُجيب على الهاتف، توقفت و اقتربت من سور السطح تقف عنده تستند عليه و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"نعم يا حسن ؟! متصل ليه في شغلك ؟!"

رد عليها هو بهدوء:
"خلصت و زهقت، قولت أكلمك و أطمن عليكي، أنتِ كويسة؟!"

أجابت على حديثه بقولها:
"كويسة الحمد لله متخافش، أنا و البنت قاعدين فوق السطح مع بعض"

تنهد هو بعمقٍ ثم قال:
"أنا كلمت الناس اللي بيعملوا شقة حنان و قالولي قدامهم لأخر الأسبوع، أنا عارف إن الوضع دا صعب عليكي و عليا، بس إيه رأيك؟! نروح فندق نقعد فيه بدل ما نقعد عند ولاد عمك كدا ؟!"

ردت عليه هي برفضٍ قاطعٍ:
"فندق إيه دا يا حسن اللي نقعد فيه ؟! محدش فيهم هيوافق أصلًا، إحنا ممكن نروح عند بابا أحسن، أنا دلوقتي بقيت أحسن و لو سألني هقوله إنه وحشني و جيت اقعد معاه، بس البنات هنا برضه مش هيرضوا يخلوني أمشي"

زفر هو بقوةٍ ثم قال بقلة حيلة:
"شوفي إيه اللي يريحك و أنا معاكي فيه يا هدير، المهم راحتك أنتِ"

سألته هي بهدوء:
"طب و أنتَ ؟!"

رد عليها بثباتٍ:
"مش مهم أنا، المهم راحتك يا هدير، لو الوضع عندك مش مريحك، شوفي إيه يريحك و أنا أعمله علشانك، مش عاوز أحس أني مقصر معاكي"

ابتسمت هي بحبٍ ثم قالت:
"مش مقصر، أنتَ بتعمل اللي عليك و أكتر بكتير كمان يا حسن، اطمن و ريح نفسك، و إن شاء الله كل حاجة هترجع زي الأول و أحسن"

سألها هو باهتمامٍ بعد حديثها:
"كل حاجة زي إيه يا هدير ؟؟"

أجابته هي مقررةً:
"كل حاجة زي وجودي معاك و زي أني أرجع بيتي و احنا فيه سوا يا حسن، عاوزة نرجع أيامنا الحلوة اللي كنا فيها سوا مع بعض، مفيش مكان في الدنيا دي ممكن يريحني زي بيتنا"

أبتسم هو بعد حديثها ثم سحب نفسًا عميقًا و قال بنفس الهدوء:
"كلامك حلو و طمني، خوفت حاجة من اللي حصلت تأثر على علاقتنا و تخلينا نبعد بعض، خوفت الطريق اللي مشيناه سوا يبقى آخره مفترق ياخد كل واحد فينا في طريق"

ازدردت لُعابها بقوةٍ فأضاف هو بنفس الطريقة:
"خوفت تعملي فيا زي ما هي عملت قلبك، خوفت تسيبيني أنتِ كمان، هي لما مشيت مقالتش ليا و كنت أنا زعلان علشان هي معرفتنيش انها هتمشي، بقيت في يوم و ليلة يتيم الأم و الأب مع بعض، و لما بقيتي معايا بقيت بشوف دنيا تانية معاكي، خوفت تعملي فيا زي سمعت في الأغنية"

سألته هي بنبرةٍ مختنقة شبه باكية بعدما حاولت التحلي بالثبات:
"أغنية إيه دي ؟؟"

رد عليها بهدوء:
"وصلتيني لبر الأمان، طمنتي و سبتيني للأيام، ياه لو كنتي معايا و تشوفي لكفاحك نتيجة و نهاية"

ابتسمت هي نصف ابتسامة لم تصل إلى عيناها، فأضاف هو:
"روحي شوفي بنات عمك لحد ما أشوفك بليل، عاوزة حاجة اجيبهالك معايا ؟!"

ردت عليه تنفي حاجتها فأغلق معها الهاتف ثم زفر بقوةٍ و رمى هاتفه على مكتبه، حتى دلف له «وليد» و هو يقول بضجرٍ:
"أنا عاوز أفهم ؟؟ هو أحمد بيه مجاش ليه ؟! مش خلص مشواره من الصبح ؟!"

رد عليه «حسن» بحنقٍ منه:
"سيب الواد يشم نفسه بعيد عننا يا عم، ربنا معاه و يوفقه، بطل أنتَ رخامة بس"

رد عليه بتهكمٍ:
"يا سلام على الحنية، بعدين اطمن أنا مش رخم، أنا سيبت الرخامة كلها لأختك"

رمقه «حسن» بحدة فتحدث هو بلامبالاةٍ:
"مش دي الحقيقة يا حسن ؟! هو أنا بتبلى عليها ؟! أنا راجل عندي أخلاق و أخلاقي متسمحليش أفتري على حد"

ضحك «حسن» بيأسٍ و هو يقول:
"اقسم بالله أنا مش عارف أنا مستحملك ليه، يا أخي تعبت منك و مع ذلك بحبك"

رفع حاجبه يرد عليه متهكمًا:
"يعني اللي أنا عمله فيك هيكون اصعب من عمايل أختك ؟! فين ماهر جوزها ؟؟ كلمه علشان يشوف حل"

سأله بسخريةٍ تنافى مع حديث الأخر:
"عاوزني أروح أقوله تعالى لم مراتك اللي هي أختي الكبيرة ؟! أعمل كدا إزاي بس يا وليد؟!"

حرك كتفيه ببساطة وهو يقول بلامبالاةٍ تبسط الأمور:
"عادي، علشان أنتَ عارف إنها مؤذية و إنها تخطت كل الحدود الحمرا اللي في الدنيا، بس مش مشكلة ربنا يسهلها بقى لحد ما ترجع مطرح ما كانت"

حرك «حسن» رأسه موافقًا ثم تحدث بتوترٍ و هو يقول بخجلٍ:
"معلش يا وليد عاوز اتأسف ليكم علشان قعدتنا في البيت عندكم كدا، و متقلين عليكم، بس أديك شايف هي في الشقة و مش هعرف اطردها حتى علشان عضم التربة و أبويا و أمي"

رفع حاجبه و هو يقول بضجرٍ:
"أنتَ أهبل و لا إيه ؟! بطل الكلام الخايب دا يا حسن، دا بيتك و مكانك، متزعلنيش منك، و بعدين دا بيت هدير و ليها فيه زي ما إحنا لينا"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف:
"أنا فاهم يا وليد، و بصراحة عاوز اتأسف ليك علشان مديت ايدي عليك و مسكت فيك، كفاية إنك أنتَ اللي لحقت هدير"

رد عليه ببساطةٍ:
"يا عم عيب متقولش كدا، و بعدين أنا هزقتك و مديت ايدي عليك و قليت منك جامد برضه"

تلاشت بسمة «حسن» تدريجيًا بعد حديثه الوقح الذي يخلو من الأدب و الذوق، ثم أمسك علبة الأقلام الموضوعة أمامه يقذفها في وجهه حتى ركض «وليد» من الغرفة و هو يضحك بقوةٍ فتحدث «حسن» بضجرٍ:
"عيل سافل مترباش داهية تاخده، لأ....هنضيع كلنا من غيره، خليه و أمرنا لله بقى"
_________________________

في وسط اليوم و بعد انتهاء دوام الشباب توجهوا نحو شقة «ميمي» جميعهم يجلسون معها، فتحدثت هي بعدما التفوا حولها بخوفٍ و قلبٌ ملتاع على فلذة كبدها:
"برضه مفيش اخبار عن أخوكم من يوم ما كلمكم ؟! محدش عرف يوصله ؟!"

رد عليها «ياسر» بهدوء محاولًا بثها بعض الطمأنينة:
"لسه يا ميمي، بس متخافيش إن شاء الله يرجع كويس و بخير، المشكلة في الشبكة بس"

ردت عليه هي بخوفٍ تصرح لهم عما يجول بخاطرها من قلقٍ يقلق نومها و يؤرق ليلها حتى تهدج صوتها:
"أنا عاوزة أقولكم حاجة و أمري لله، أنا خايفة عليه أوي، قلبي بيقولي إنه مش كويس و إنه محتاجكم، حلمت بيه يا حبيبي بيصرخ بـ اساميكم، خايفة يكون محتاجكم"

اقترب منها «عامر» يقول بلهفةٍ بعدما وصل القلق لقلبه هو الآخر:
"هو أنتِ شوفتي إيه ؟! أنا عارف إنك مينفعش تقولي بس كدا أنا هقلق، قوليلي علشان خاطري"

ردت عليه هي بصوتٍ مختنقٍ:
"شوفته في مكان مقفول عليه مش عارف يخرج منه و عمال يدور على حاجة تخرجه، و في نفس الوقت يونس كان بيعيط في الحلم و عاوز يروحله، كان حلم غريب بس قومت منه قلبي مقبوض أوي و واجعني على ابني أوي"

اقترب «خالد» منها يقبل رأسها ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"صدقيني علشان أنا مش هكدب عليكي، ياسين كويس و بخير، هو علشان لوحده هناك و أكيد دا كله مأثر عليه و أنتِ شاهدة عمرنا ما غيبنا عن بعض لو يوم واحد حتى، مش سهل أنه يكون هناك من غيرنا و يعرف يتعود على كل دا، متخافيش عليه و ادعيله ربنا يكرمه و يرده لينا بالسلامة"

حركت رأسها موافقةً فربت هو على رأسها و في تلك اللحظة صدح صوت هاتفه عاليًا، فأخرجه و حينما لمح الاسم المدون أعلى قائمة الهاتف ظهر التوتر على وجهه و قرر الانسحاب من أمامهم جيمعًا نحو الداخل، تابعه «عامر» بعينيه و أشار لـ «ياسر» حتى يتبعاه نحو الداخل، ولج هو أولًا ثم قام بالضغط على زر الايجاب و هو يقول بنبرةٍ هادئة:

"ها يا أستاذ هاني؟! عرفتلي أي حاجة عن مكان ياسين أو مكان شغله؟!"

وصله الرد من الرجل يقول بتوترٍ:
"عرفت يا أستاذ خالد، هو في مكان قريب من شمال سينا، ابعد منها بشوية كدا، بس المشكلة إن المشروع اللي هو فيه دا فيه مشاكل كتير، و مدير المشروع نفسه سابه و مشي و فيه مهندس راح بعده سابه و مشي برضه، دي أخر حاجة عرفتها، انما محدش عنده علم عن حاجة من ساعة الاستاذ ياسين ما راح هناك"

سأله «خالد» بلهجة صوتٍ حادة و بنبرةٍ منفعلة عالية:
"يعني إيه محدش عنده فكرة ؟! أخويا غايب و مش عارفين نوصله، و جاي تقولي إن المكان فيه مشاكل ؟! ازاي يعني؟!"

رد عليه بتوترٍ:
"يا فندم معرفش والله، بس هو دا اللي وصلتله، حضرتك عارف دي اسرار و أنا مقدرش اعرف اكتر من كدا، أخر حاجة عرفتها من صاحب رأفت إنه جه علشان المشاكل هناك كتير مع العرب"

_"عرب ؟! الشغل دا فيه مشاكل مع العرب ؟! أنتَ متأكد من كلامك دا؟!"
تفوه «خالد» بذلك بنبرةٍ عالية و لهجة صوتٍ حادة، حتى رد عليه الرجل بقلقٍ:
"أستاذ خالد من فضلك بلاش تسرع و مشاكل، يمكن يكون الكلام على مشروع تاني غير دا، و يمكن المشكلة تكون اتحلت من قبل ما الاستاذ ياسين يروح هناك أصلًا، أنا برضه هحاول افهم أي حاجة و أقول لحضرتك، خير إن شاء الله"

أغلق «خالد» الهاتف مع الرجل ثم زفر بقوةٍ و شدد على خصلات شعره خوفًا من الحديث الذي وقع على مسامعه، تفاجأ بوجود «عامر» يسأله بحدةٍ:
"ياسين ماله يا خالد ؟؟ و عرب إيه دول اللي عاملين مشاكل ؟! انطق يا خالد"

زفر «خالد» بقوةٍ ثم قال بضجرٍ من كثرة ما يعايشه من قلقٍ:
"عاوز إيه يا عامر هي مش نقصاك الحكاية، مفيش حاجة"

تدخل «ياسر» يقول بنبرةٍ جامدة:
"يعني إيه مفيش حاجة؟! احنا سمعناك بنفسنا و أنتَ بتقول إن اخوك في مشكلة و أنتَ قلقان عليه، حصل إيه؟!"

قرر مصارحتهما بالحديث الذي وصل إليه، فقص عليهما فحوى المكالمة حتى سأله «عامر» و هو على مشارف الانفعال من شدة غضبه:
"يعني إيه ؟! يعني ياسين ممكن يكون واقع هناك في مشكلة ؟! دا لسه مكملش حاجة هناك"

رد عليه يطمئنه بهدوء:
"لسه مش متأكدين، هاني دا هيحاول يعرف أي حاجة تاني، بس الشركة هناك مبتخرجش أي معلومات كدا و تسربها برة، من هنا لحد ما هاني دا يحاول، محدش فيكم يجيب سيرة لحد و لا حتى البنات علشان خديجة متعرفش، مفهوم ؟!"

نظرا لبعضهما ثم حركا رأسيهما بموافقةٍ فزفر «خالد» بقوةٍ ثم جلس على المقعد و هو يفكر في حال أخيه هناك.
________________________

تناولت «خديجة» الطعام مع والديه ثم كعادتها قامت بإزالة اثر الطعام و ذلك لأن «زهرة» تعود من عملها في اخر النهار و يكون التعب بلغ أشده عليها، فتقوم «خديجة» بدورها في الاهتمام بالبيت و الطعام، و بعد انتهاء ذلك العمل، تلوذ بالفرار من أمامهما نحو غرفته و تظل بها حتى تنام بموضعها.

كان «رياض» يتابعها باهتمام على الرغم من قلقه على ولده إلا انه يعلم انها أكثرهم خوفًا و قلقًا حاجةً إليه.

(بعد مرور ثلاثة أيام)

استمرت الأوضاع على ذلك الحال ثلاثة أيام كاملة بعد حصار «ياسين» في الجبل مع العمال.

في نهاية نهار اليوم الثالث جلس «رياض» مع زوجته في غرفتهما و هو يقول بنبرةٍ هادئة حتى لا يصل الحديث للخارج:
"خديجة هتمشي من هنا يا زهرة، أنا مش هستحمل أنها تضيع بسببنا، مش هستحمل إن ابني يرجع زعلان مني علشان محافظتش ليه على الأمانة"

سألته هي بخوفٍ و لهفةٍ هلعة من حديثه الذي اثار حفيظتها:
"ازاي يا رياض ؟! تمشي تروح فين و تسيبنا يا رياض، أنتَ بتهزر ؟!"

تحدث هو بنبرةٍ جامدة اقرب للانفعال من كثرة توتره:
"هو دا كلامي يا زهرة مش هرجع فيه، خديجة لازم تمشي من هنا، وجودها هنا بيأذيها و أنا مش هسمح بكدا، ياسين قبل ما يمشي وصاني عليها، عاوزاني اقوله إيه لما يرجع ؟! معلش يا حبيبي، معرفتش احافظ على امانتك؟!"

ردت عليه هي بصوتٍ مختنقٍ:
"ماهي معانا هنا ليه تمشي و تسيبنا ؟! حد زعلها فينا؟! أنا مطمنة علشان هي معانا، متزودش خوفي على ابني بخوفي عليها، كفاية زعلي و خوفي عليه"

تحدث «رياض» مردفًا وجهة نظره بثباتٍ:
"يا زهرة خديجة حابسة نفسها من يوم ما هو مشي، بقاله اسبوع اهوه و خديجة ساكتة مش بتتكلم، لا أنا و لا أنتِ هنقدر نعوضها غيابه، مش واخدة بالك إنها كل يوم تهرب لأوضته و مبتخرجش منها، بقت ساكتة و مش بتكلم حد و أنا شايفها بتدبل يا زهرة، مش هستحمل إني اشوفها بتتعب كدا يا زهرة"

بكت هي رغمًا عنها و هي تقول ببكاءٍ:
"بس أنا بحبها أوي و بحس و هي قصادي أني معايا حاجة منه هو بيحبها، مش بسمع صوته و معرفش حاجة عنه، بس عاوزة اتطمن عليه، لما بشوف خديجة بحس اني شايفاه هو، خليها علشان خاطري معايا، و أنا هاخد إجازة علشانها"

رد عليها هو بصوتٍ مختنقٍ:
"مش هينفع، خديجة كدا بتضيع مننا، لو هي بنتي أنا مش هرضى ليها بالوضع دا، أنا هسلمها لأكتر حد يحافظ عليها و يشيلها في عينه، عن اذنك هنزل تحت ضروري، و لما ارجع خديجة هتمشي، و مش هتبات هنا الليلة دي"
تحرك من الغرفة و زوجته في الخلف تبكي بحزنٍ لرحيل «خديجة» كما رحل ابنها.

نزل «رياض» من الشقة ثم توجه للأسفل فوجده في انتظاره، اقترب من «وليد» يرحب به و هو يقول:
"ازيك يا وليد، عامل إيه يا حبيبي؟! معلش جيبتك كدا على ملا وشك"

ردت عليه بودٍ يرفع عنه الحرج:
"متقولش كدا يا عمو رياض أنا تحت امرك، أؤمرني؟!"

رد عليه «رياض» مفسرًا:
"الأمر لله يا وليد، عاوزك تاخد خديجة يابني، أنا موافق خلاص انها تروح معاك"

سأله بثباتٍ و حذرٍ في كلماته:
"طب الحمد لله، بس خير فيه حاجة حصلت ؟! خديجة زعلت حد فيكم في حاجة ؟!"

حرك رأسه نفيًا وهو يقول بغلبٍ و قلة حيلة:
"هي خديجة عمرها زعلت حد برضه ؟! دي أخف من نسمة الصيف يابني، بس خديجة حابسىة نفسها و شبه منعت الكلام، بقت ما بتصدق تهرب للأوضة بتاعته و تقفل على نفسها أنا لولا خوفي عليها ماكنتش خليتها تبعد عني"

حرك رأسه موافقًا بتفهمٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
"حاضر يا عمي، أنا من الأول كنت عارف إن دا هيحصل، بس مرضيتش ازعل حضرتك"

ربت على كتفه و هو يقول:
"تسلم يا حبيبي، ربنا يكرمك، عاوزك بس تحافظ عليها و تخلي بالك منها، أنا واثق إنها معاك هترجع زي ما كانت، المهم بس مش عاوزها تعرف إني همشيها، تعالى معايا كأنها مفاجأة"

حرك رأسه موافقًا بتفهمٍ ثم قال:
"طب أنا هروح مشوار ساعة زمن و هرجع ليك و أخدها معايا، حاول حضرتك تفهمها و تلمح ليها"

وافق «رياض» على حديثه ثم تحرك من أمامه بسيارته و عاد «رياض» للأعلى ثم توجه مباشرةً نحو غرفتها هي، طرق الباب من الخارج فردت عليه من الداخل تأذن له بالدخول، حتى ولج الغرفة و هو يبتسم لها تزامنًا مع قوله:
"حبيبة بابا عاملة إيه ؟؟ ممكن ادخل اقعد معاكي؟!"

حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم له فاقترب منها يجلس مقابلًا لها على الفراش فحرك رأسه ينظر حولها فوجد أشياءه تحاوطها بعدما افرغتها هي من الصندوق، ابتسمت هي بتوترٍ فتحدث هو بعدما تحدث مُبتسمًا محاولًا اخفاء تأثره:
"حاجته دي كلها صح ؟! كان مخبيهم مني السوسة دا علشان مفضحهوش"

ابتسمت له هي بتوترٍ فتنهد هو بعمقٍ ثم قال بهدوء:
"خديجة؟! وليد هييجي كمان شوية علشان ياخدك تقعدي كام يوم مع بنات العيلة هناك، جهزي نفسك علشان هو زمانه جاي"

ردت عليه هي بخوفٍ من الفكرة و أساسها:
"ليه ؟! خليني هنا أحسن و خلاص، خلوني معاكم"

رفع كفه يضعه على رأسها يقول بهدوء مفسرًا وجهة نظره:
"أنتِ معانا هنا بس أخواتك كلهم عاوزين يقعدوا معاكي، و كلهم طالبين وجودك معاهم، روحوا معاهم و غيري جو كام يوم كدا، و تعالي تاني، أنا مش هسيبك"

فرت عبراتها فورًا و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ:
"بس أنا مش عاوزة أمشي من هنا، عاوزة افضل هنا معاكم، ياسين موصيني عليكم قبل ما يمشي، خليني هنا و خلاص"

حرك رأسه نفيًا و هو يقول بنبرةٍ هادئة و أكثر لينًا من طريقته السابقة:
"أنا فاهم و مقدر، بس لازم تخرجي و تغيري جو و تهربي من الأوضة دي، حبستك كدا مش هتنفع يا خديجة، جهزي نفسك يا حبيبتي علشان وليد زمانه جاي"

تحرك من أمامها مُسرعًا بينما هي نظرت في أثره بخيبة أملٍ و الدموع متحجرة في عينيها.
_________________________

جلس «ياسين» بعد الغروب على هضبة صغيرة الحجم يتابع ذلك المنظر الخلاب حتى حل الليل و عم الظلام في الأرجاء، فجلس هو يفكر هل يدوم الليل أم يأتِ صباحٌ يزيله، هل يبقى المرء أسيرًا للماضي أم ان الحاضر يزيل ذلك الماضي؟!

جلس يفكر في الأيام المنصرمة و في محاولته لحل تلك المشكلة التي وقع بها كما لو أنه سقط بفخٍ نُصب له خصيصًا كي يقع به

تذكر أيضًا كيف نزل المطر بالأمس في تلك الصحراء الجارفة، ابتسم تلقائيًا حينما تذكر جلوس «يوسف» تحت المطرِ دون أن يرمش له جفنٌ، عقد ما بين حاجبيه و هو يفكر لماذا لم يراه اليوم و لماذا لم يشاكسه و يشاكس الرجال كعادته في الأيام السابقة حيث يجتمع معهم و يثير حنقهم.

فجأة وصله صوت أحد الرجال يأتِ من خلفه يذكر اسمه بصوتٍ عالٍ و هو يقول:
"يا بشمهندس ياسين، تعالى الحق بشمهندس يوسف الله يرضى عليك"
ركض من موضعه فوجد الرجل يقول بلهفةٍ كبرى:
"تعالى الحق بشمهندس يوسف، محدش في العمال عارف يتصرف، تعالى"

اتسعتا حدقتيه بقوةٍ خوفًا على «يوسف» و رأسه تعج بأفكارًا كثيرة و كلها أكثر سوءًا من بعضها فقرر أن يخطو ناحية الرجل حتى يطمئن على صديقه الغامض.
_________________________

وقفت «خديجة» على عتبة غرفته بعدما جمعت حاجتها و حاجته معها حتى تؤنسها في غيابه، اقتربت منها «زهرة» تودعها و هي تقول بصوتٍ مختنقٍ نتيجة كتمها لدموعها:
"ماكنتش عاوزاكي تمشي يا خديجة، بس مش مشكلة علشان خاطر بنت عمك ميزعلوش، أنا عارفة إن أنتِ كمان زعلانة"

ردت عليها مسرعةً بلهفةٍ:
"زعلانة والله، ماكنتش عاوزة اسيب أوضة ياسين و حاجاته و لا حتى هنا، أنا اللي صبرني هو أني حاسة بوجوده في المكان دا، متزعليش مني اني همشي"

اقتربت منها تقبل رأسها ثم قالت بهدوء:
"مش زعلانة منك يا حبيبتي، روحي و افرحي مع أخواتك و أنا هكلمك كل يوم و اتطمن عليكي، بس خلي بالك على نفسك"

حركت رأسها موافقةً فاحتضنتها «زهرة» بقوةٍ تربت عليها و «خديجة» تبكي بين ذراعيها و الخوف داخل قلبها يزداد، لكنه خوف مجهول المصدر، شبهته هي بالكابوس المزعج الذي يراوض المرء في نومه و يؤرق مضجعه.

في الأسفل أوقف «وليد» السيارة و هو يهاتف شخصًا ما فيه، فسألها بتعجبٍ:
"ازاي يعني يا دكتورة نستغل فترة غيابه صح ؟! مش هي بقت كويسة و خلاص"

ردت عليه «هناء» مفسرةً:
"أيوا يا وليد بس فيه حاجة اسمها انتكاسة، يعني ممكن ترجع تاني زي الاول و أصعب كمان، أنتَ بتقول إن والد ياسين قالك إنها رجعت تقفل على نفسها تاني، و مش سامحة لحد يخترق خصوصيتها، دا كدا شبه وضعها في الأول، لو استسلمت ليه و إحنا صدقنا انها كويسة و بخير، كدا خديجة هترجع لنقطة الصفر تاني، و دا علشان ياسين كان محتل أكبر جزء في حياتها، أحسن قرار انك تخليها وسطكم و تخرجوها من الوضع دا لأن أي حاجة سلبية هتأثر عليها"

رد عليها موافقًا بعدما فهم حديثها و قد أخبرته هي بعدة خطواتٍ يفعلها حتى يعاونها، اغلق الهاتف معها فسألته «خلود» بلمحة حزنٍ:
"هنعمل إيه يا وليد ؟! تفتكر هننجح نخليها تنسي غيابه؟!"

حرك رأسه ينظر لها ثم حرك كتفيه كدليلٍ منه على عدم معرفته بالأمر، ثم نزل من السيارة يقف أمام بوابة البيت و هاتفه معها يطلب رقمها.

نزلت له بعد مرور ثوانٍ و خرجت من المصعد و حينما رأته أمامه ركضت إليه تحتضنه و هي تبكي بقوةٍ، ربت هو على ظهرها و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ نتيجةً لبكاءها:
"بتعيطي ليه بس هو أنا واخدك اعذبك ؟! دا أنتِ هتيجي تقعدي معايا يا خديجة"

ردت عليه هي بصوتٍ متقطع:
"كنت عاوزة افضل هنا في اوضته....أنا خايفة عليه أوي و قلبي مقبوض.....ماكنتش عاوزة أمشي و اسيب اوضته اللي نفسه فيها و محاوطني، بقالي ٥ أيام معرفش حاجة عنه"

اقترب منها يقبل رأسها ثم قال بهدوء:
"هو كويس متخافيش عليه، بس أنتِ اللي مش كويسة، تعالي معايا دا أنا عاملك مفاجأة حلوة أوي"

حركت رأسها موافقةً ثم سارت معه حتى السيارة فوجدت «خلود» تقف بجوارها، ركضت «خديجة» لها تحتضنها فربتت الأخرى على ظهرها بحنوٍ بالغٍ و كأنها تحتوي طفلة صغيرة بين ذراعيها، ابتسم «وليد» و هو يستبشر الخير في تواجدها معهم في بيت الشباب.
_________________________

ركض «ياسين» من موضعه حتى اقترب من موضع وقوف الرجال المسلحين، فاوقفه أحد الرجال بقوله و هو يشهر السلاح في وجهه:
"أنتَ بالذات مينفعش تخرج من هنا و تروح في مكان، أرجع مكانك جوة"

رفع «ياسين» صوته و تملك منه غضبه فقال بنبرةٍ اقرب للصراخ:
"يعني إيه ؟! بيقولى الحق يوسف، سيبني اتحرك من هنا بدل اطلع جناني عليك"

حاول دفع الرجل و التحرك خارج الحدود الواهية الذين قاموا هم بصنعها، لكن الرجل فاجئه الرجل حينما ضربه بمؤخرة السلاح في وجهه حتى نزف الدم فورًا، فتحدث الرجل بلهجة صوتٍ حادة:
"ارجع بدل ما اخلي الدم دا من طلقة في راسك ارجع بقولك"

على حين غرة و في لمح البصر اخرج «ياسين» السلاح الذي سبق و اخذه من «يوسف» ثم فتحه بطريقةٍ احترافية حتى ظهر النصل الحاد فورًا فاقترب هو من الرجل و هو يقول بغضبٍ واضحٍ و غلٍ في نظرته:
"اقسملك بربي أنا مبقيتش باقي على حاجة خلاص، يعني لو قتلتك هنا و دخلت فيك السجن مش هيفرق معايا، وسع من سكتي أحسنلك بدل ما أطير رقبة اللي خلفتك في ايدي، و ميغركش أني مهندس و ابن ناس علشان أنا جوايا عربجي، فــهــمت ؟!"

رفع صوته في كلمته الأخيرة حتى حرك الرجل رأسه موافقًا عدة مراتٍ خلف بعضهم، حينها دفع «ياسين» رأسه للخلف ثم سحب الهاتف الخاص بالرجل من جيب القميص العلوي الذي يرتديه فوق الجلباب، و قبل أن ينطق الرجل رفع «ياسين» حاجبه و هو يقول مهددًا و قد وضع "المطوة" على رقبته:
"عاوزك تتكلم و تكتر علشان اوريك شغل العربجة بجد، شكلك عاوز تجرب و أنا بموت في التجارب ؟! ها تجرب حظك ؟!"

اخذ الهاتف ثم تحرك من موضعه و الرجل ينظر في أثره بخوفٍ و خاصةً أن رئيسه أخبره أن يظل كما هو سليمًا و لا يضرب أيًا منهم الطلقات عليه.

توجه «ياسين» نحو غرفة «يوسف» دون أن يفهم شيئًا و قد ظن أنه تشاجر مع أحد العمال لكنه تفاجأ به يتسطح الفراش و جسده يرتجف بشدةٍ و وجهه أحمر بشدة غريبة، اقترب منه «ياسين» بلهفةٍ يتفحص حرارته فوجدها مرتفعة للغاية، حينها سأل الرجل الذي ذهب إليه:
"هو ماله بس يا عم محسن ؟! و بعدين كان مختفي فين النهاردة؟!"

رد عليه الرجل بنبرةٍ يغلب عليها الحزن و الحيرة معًا:
"والله يا بني مش عارف، العمال كلهم ناموا و هو من الصبح ادالي المفاتيح و دخل ينام هنا قالي صحيني اصلي العصر، جيت اصحيه لقيته في الحمام، من ساعتها معرفش حاجة عنه، دخلت اسلمه المفاتيح بتاعة المطبخ لقيته زي ما أنتَ شايف كدا، صحيت العمال يشوفوه بس محدش عنده فكرة و لا حتى فيه دوا، قولت أشوفك أنتَ"

حرك رأسه موافقًا ثم اقترب منه يتفحصه مرةً أخرى زفر حينها بقوةٍ فسأله الرجل بنفس الحزن:
"حقك عليا يابني اللي حصلك دا بسببي، و وشك بيجيب دم، شكله اتفتح، بس العمال ناموا تاني و أنا مش جايلي قلب امشي و اسيبه"

رد عليه «ياسين» مسرعًا:
"متقولش كدا يا عم محسن، كنت هتعمل إيه يعني ؟!، المهم افتحلي المطبخ أخد منه خل و مياه علشان درجة حرارته تنزل، و أنا هشوف عم عبدالعزيز لو عنده دوا في المطبخ أو حاجة، خير"

حرك الرجل رأسه موافقًا وتحرك من مكانه، بينما «ياسين» اقترب من خزانته يفتحها يخرج منها شيئًا يلائم عمل الكمادات، فتفاجأ بصورة لأسرة مكونة من أربعة أفراد في خزانته و من المؤكد انها أسرته هو، نظر له «ياسين» بشفقةٍ ثم اقترب منه حينما وجده يهزي بعدة كلماتٍ غير مفهومة، مال عليه باذنه فسمعه يقول بنبرةٍ خافتة:
"خليك....متمشيش....خليك....."

جلس «ياسين» بجواره بعدما سحب المقعد المجاور للفراش ورفع كفه يمسد به خصلات ذلك النائم، فوصله صوته و هو يقول من جديد:
"خليك.... يا ياسين.....خليك"

اتسعتا حدقتي «ياسين» حينما وجده يهزي باسمه في نومه و رغمًا عنه فرت عبراته بشفقةٍ على حال ذلك الذي يتسطح الفراش لا حول له ولا قوة.

يُتَبَع
#الفصل_الخامس_و_الستون_الجزء_الثاني
#رواية_تَعَافَيْتُ_بِكَ

Continue Reading

You'll Also Like

127K 4.9K 28
رجال آلقوة.. وآلعنف آلغـآلب آلمـنتصـر.. وكذآلك آلعقآب لآ نهم ينقضون على صـيده بــكسـر جـنآحـيهم آي بــضـمـهمـآ آوبــكسـر مـآيصـيدهم كسـرآ آلمـحـطـم آ...
11M 978K 58
معشر أمسكت حلومهم الأر ض وكادت لولاهم أن تميدا فإذا الجدب جاء كانوا غيوثا وإذا النقع ثار ثاروا أسوداً تتبع الهوى روحي في مسالكه حتى جرى الحب مجرى ال...
798K 64.4K 70
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
985K 3K 58
⚠️ القصة دي شبه واقعية وتحكي أحداث معظمها حدث معي شخصياً بالفعل،⚠️ يعني معظم الشخصيات اللي فيها موجودة بمواصفتها لكن الخيال فيها إن مش كلهم بل معظمه...