تَعَافَيْتُ بِكَ

By ShamsMohamed969

14.9M 633K 218K

ظننتُ أن قلبي هذا لم يخلق له الحب، و ظننتُ أنني لم أملكُ يومًا قلب؛ إلا أن وقعت عيناي على عيناكِ ففرح قلبي بر... More

الاقتباس الاول
البارت الأول (عريس صالونات)
الفصل الثاني (كونه حنونًا)
الفصل الثالث (الليل و سماه)
الفصل الرابع(إعتذار)
الفصل الخامس (رؤية شرعية)
الفصل السادس (عقد قران)
الفصل السابع(اللقاء الأول)
الفصل الثامن(طبيبة نفسية)
الفصل التاسع(رُهاب إجتماعي)
الفصل العاشر (هل مستعد؟)
الفصل الحادي عشر (لا يريد الخِطبة)
الفصل الثاني عشر (هل وافقت؟)
الفصل الثالث عشر (فلنقرأ الفاتحة)
الفصل الرابع عشر (عيد ميلاد)
الفصل الخامس عشر (موعد اللقا)
تنويه🕊️
الفصل السادس عشر (هدير السبب)
الفصل السابع عشر (كُتبَ الكِتاب)
الفصل الثامن عشر ( مُقابلة)
الفصل التاسع عشر (من أين تعلم؟)
الفصل العشرون (لا تأتي)
الفصل الحادي والعشرين (لأنها فراشة)
الفصل الثاني والعشرون (شكرًا)
الفصل الثالث والعشرين (غرقتُ بعيناكِ)
الفصل الرابع والعشرين (طريقة علاج)
الفصل الخامس والعشرون (لأجلكِ)
الفصل السادس والعشرون (أول مرة)
الفصل السابع والعشرون (لن أتركك)
الفصل الثامن والعشرون (براءة قلبها)
الفصل التاسع والعشرون (ماضٍ لا يُنسى)
الفصل الثلاثون(عروس لعبة)
الفصل الواحد والثلاثون (قاعة زفاف)
الفصل الثاني والثلاثون (الحب القديم)
الفصل الثالث والثلاثون (من عاشر القوم)
الفصل الرابع والثلاثون (لن أستطع)
الفصل الخامس والثلاثون (قمرٌ ضائع)
الفصل السادس والثلاثون (في حمايتك)
الفصل السابع والثلاثون (بداية جديدة)
الفصل الثامن والثلاثون (ما إسمه)
الفصل التاسع والثلاثون (لا يقارن بأحدٍ)
الفصل الأربعون (يزيد حنقه)
الفصل الواحد وأربعون (أنا سأعرفك)
الفصل الثاني و الأربعون(أبو جميلة)
الفصل الثالث و الأربعون( مشيرة الرشيد)
الفصل الرابع و الأربعون (لن أريحكِ)
الفصل الخامس والأربعون (عروس مثل القمر)
الفصل السادس و الأربعون (زغروطة؟)
الفصل السابع و الأربعون (فرح)
الفصل الثامن و الأربعون (صرخةمن الماضي)
الفصل التاسع و الأربعون (العقارب على سمومها تقترب)
الفصل الخمسون (بك تعافيت)
الفصل الأول الجزء التاني (لن أستطع)
الفصل الثاني_الجزء الثاني (مريض)
الفصل الثالث_الجزء الثاني ( البقاء لله)
الفصل الرابع_الجزء الثاني(
الفصل الخامس_الجزء الثاني(لم يراعي شعوره)
الفصل السادس_الجزء الثاني (كتاب دين)
الفصل السابع_الجزء لثاني (وعد بالطلاق)
الفصل الثامن_الجزء الثاني (هل تعرفها؟)
الفصل التاسع_الجزء الثاني (كوب قهوة)
الفصل العاشر_الجزء الثاني(منذ ١٣عام)
الفصل الحادي عشر_ الجزء التاني (وضعهما غريب)
الفصل الثاني عشر_الجزء الثاني (مريض نفسي)
إعتذار رسمي
الفصل الثالث عشر _الجزء الثاني(اختبار صغير)
الفصل الرابع عشر_الجزء الثاني (خطيب الآنسة)
الفصل الخامس عشر_الجزء الثاني (مفاجأة)
الفصل السادس عشر_الجزء الثاني (إلحق)
الفصل السابع عشر_الجزء الثاني (يلقى مصيره)
الفصل الثامن عشر_الجزء الثاني ( ضربة سكين بمقتل)
الفصل التاسع عشر_الجزء الثاني( أنا مستعد)
الفصل العشرون_الجزء الثاني (من طُعن بالسكين ؟)
الفصل الحادي و العشرون_الجزء الثاني(عودة وليد الرشيد)
الفصل الثاني والعشرون_الجزء الثاني( لحظة ترقب)
الفصل الثالث و عشرون_الجزء الثاني( حول الهزيمة لنصرًا)
الفصل الرابع و العشرون_الجزء الثاني( هل جدير بالثقة؟)
الفصل الخامس و العشرون_الجزء الثاني(منك لله!)
الفصل السادس و العشرون_الجزء الثاني ( تخضعين للعلاج)
الفصل السابع و العشرون_الجزء الثاني ( أثر الفراشةِ)
الفصل الثامن و العشرون_الجزء الثاني (وضعت نفسها بمأذق)
الفصل التاسع و العشرون_الجزء الثاني (صفعةً مدويةً)
الفصل الثلاثون_الجزء الثاني (بالأدب)
الفصل الواحد و الثلاثون_الجزء الثاني( بأي ذنبٍ قُتل؟)
الفصل الثاني و الثلاثون_الجزء الثاني (الصبر على الابتلاء)
الفصل الثالث و الثلاثون_الجزء الثاني (صرخة ألم)
الفصل الرابع و الثلاثون_الجزء الثاني (ما هو إسمه)
الفصل الخامس و الثلاثون_الجزء الثاني (من حفر حفرةً لأخيه)
الفصل السادس و الثلاثون_ الجزء الثاني ( هل سيترك حقه؟)
الفصل السابع و الثلاثون_الجزء الثاني (وُضِعَ بمأذقٍ)
الفصل الثامن و الثلاثون_الجزء الثاني (فهم ظنونه)
الفصل التاسع و الثلاثون_الجزء الثاني (تسببت بمصيبةً)
الفصل الأربعون_الجزء الثاني (موعد الحق)
الفصل الواحد و الأربعون_الجزء الثاني (كيف يتصرف؟)
الفصل الثاني و الأربعون_الجزء الثاني (نجم شارد)
الفصل الثالث و الأربعون_ الجزء الثاني ( كيف هنا؟)
الفصل الرابع و الأربعون_الجزء الثاني (فرحة البيت)
الفصل الخامس و الأربعون_الجزء الثاني(ما لم يُحمد عقباه)
الفصل السادس و الأربعون_الجزء الثاني (تتعرفون عليها؟!)
اقتباس من الفصل القادم (تحت التهديد)
الفصل السابع و الأربعون_الجزء الثاني (ماذا يفعل هنا ؟!)
الفصل الثامن و الأربعون_الجزء الثاني (الحبايب هنا)
الفصل التاسع و الأربعون_الجزء الثاني (شر الدنيا)
الفصل الخمسون_الجزء الثاني (سبب الفرحة)
الفصل الواحد و الخمسون_الجزء الثاني(باح بالسر)
الفصل الثاني و الخمسون_الجزء الثاني (ما هي المفاجأة ؟)
الفصل الثالث و الخمسون_الجزء الثاني (عودة الحق)
الفصل الرابع و الخمسون_الجزء الثاني (الموعد المضبوط)
الفصل الخامس و الخمسون_الجزء الثاني (بالغصب)
الفصل السادس و الخمسون_الجزء الثاني (قنبلة موقوتة)
الفصل السابع و الخمسون_الجزء الثاني (طريقة خاصة)
الفصل الثامن و الخمسون_الجزء الثاني (فض شراكة)
الفصل الستون_الجزء الثاني (تمزق الروح)
الفصل الواحد و الستون_الجزء الثاني (عصفورٌ في اليد)
اقتباس من الفصل الجديد
الفصل الثاني و الستون_الجزء الثاني (حرية الاختيار)
الفصل الثالث و الستون_الجزء الثاني (وجهةٌ مصوبة)
الفصل الرابع و الستون_الجزء الثاني (عقل مريض)
الفصل الخامس و الستون_الجزء الثاني (لا حول ولا قوة)
الفصل السادس و الستون_الجزء الثاني (الكرة في ملعبه)
الفصل السابع و الستون_الجزء الثاني (ليلٍ لا يدوم)
الفصل الثامن و الستون_الجزء الثاني (بالطبع مستحيل)
الفصل التاسع و الستون_الجزء الثاني (السقوط في بئر الضياع)
الفصل السبعون_الجزء الثاني (مغيب عن الواقع)
الفصل الواحد و السبعون_الجزء الثاني (حرق أعصاب)
الفصل الثاني و السبعون_الجزء الثاني (لم يكن خيرًا)
الفصل الثالث و السبعون_الجزء الثاني (حالة صدمة)
الفصل الرابع و السبعون_الجزء الثاني (لمن النصر؟)
الفصل الخامس و السبعون_الجزء الثاني (الموت قادم)
الفصل السادس و السبعون_الجزء الثاني (فخورًا بنفسه)
الفصل السابع و السبعون_الجزء الثاني (حق الاستغلال)
الفصل الثامن و السبعون_الجزء الثاني (عوض الله)
الفصل الثامن و السبعون_الجزء الثاني (ماذا تريد)
الفصل الثمانون_الجزء الثاني (أول سحور)
الفصل الواحد و الثمانون_الجزء الثاني (هل سيفي بوعده؟)
الفصل الثاني و الثمانون_الجزء الثاني (عودة الروح)
الفصل الثالث و الثمانون_الجزء الثاني (انسحبت الروح)
الفصل الرابع و الثمانون_الجزء الثاني (هل سيفيد بشيءٍ)
الفصل الخامس و الثمانون_الجزء الثاني (بكل راحة و يسر)
الفصل السادس و الثمانون_الجزء الثاني (رحمة الله عليه)
الفصل السابع و الثمانون_الجزء الثاني (ألم فقدانها!)
الفصل الثامن و الثمانون_الجزء الثاني (هل سيشعر به؟)
الفصل التاسع و الثمانون_الجزء الثاني (واقع أم حُلم؟)
الفصل التسعون_الجزء الثاني (إخطار من الوزارة)
الفصل الواحد و تسعون_الجزء الثاني (نظرةٌ قارنها العتاب)
الفصل الثاني و التسعون_الجزء الثاني (طوق نجاة)
الفصل الثالث و التسعون_الجزء الثاني (وحي الخيال)
الفصل الرابع و التسعون_الجزء الثاني (محاولة فاشلة)
الفصل الخامس و التسعون_الجزء الثاني (الزمن يُعاد)
الفصل السادس و تسعون_الجزء الثاني (غياهب الظلام)
الفصل السابع و التسعون_الجزء الثاني (ليلة الحنة)
الفصل الثامن و التسعون_الجزء الثاني (نهاية القصة)
تنويه هام🦋❤️
تجميعة الحلقات الخاصة

الفصل التاسع و الخمسون_الجزء الثاني (فراق الحبيب)

66.4K 3.3K 1.1K
By ShamsMohamed969

الفصل التاسع و الخمسون"
"رواية تَعَافَيْتُ بِكَ_الجزء الثاني"
_________________________

ألا لَيْتَ حدود ذراعيْك لي بيتَ
_________________________

"غادرني الحبيب و عاد قلبي غريب،  فياليتني ما أحببتُ يومًا و يا ليتني ما كنت منك القريب، نزل الدمعِ و زاد الوجعِ و أنا ابكي من لوعة فراق الحبيب و صدى قلبي تردد على السمعِ و هو يردد:
"ألا ليتَ قلبي بهوىٰ الحُب ما أصيب"
و لكني سأظل آملًا و أدعو بكامل رجائي و أنا ظني في اللّٰه لا يَخيب".

_"دا عقد فض شراكة للشغل اللي ما بينا، محتاج توقيعكم عليه"
تفوه «حسن» بتلك الكلمات بثباتٍ أمام الشباب و كلًا منهم لا يصدق حدثه، فتلك الجملة وقعت على السمعِ كما وقع الصاعقة التي هزت ثبات الأجواء.

سادت لحظة صمت في المكان و هدوء، أشبه بهدوء ما قبل العاصفة خاصةً مع لزوم الصمت من قبلهم جميعًا و فقط أعينهم تجول بالمكان نحو ذلك الجالس حتى تحدث «طارق» بنبرةٍ مشوشة و استنكارٍ في كلماته:
"ازاي مش فاهم ؟؟ عقد فض شراكة !! يعني إيه ؟؟"

رد عليه بنفس الجمود و الثبات:
"خلاص الشغل اللي ما بينا يا طارق، الشركة ما شاء الله بقت في حتة تانية خالص، أظن وجود اسمي معاكم ملوش لازمة"

تدخل «وئام» بنبرةٍ أقرب للانفعال من شدة غيظه:
"أنتَ أكيد اتجننت رسمي، الشركة دي بتاعتنا احنا التلاتة و الاتفاق كان انها تقف و تكمل بينا و محدش فينا يسيب مكانه دا، جاي دلوقتي عاوز تنسحب منها؟!"

سأله باستنكارٍ بات واضحًا في صوته و طريقته و معالم وجهه، فحرك «حسن» رأسه موافقًا ثم تحدث بنبرةٍ أقل ثباتًا يشوبها بعض التردد:
"أنا بعمل كدا علشان أضمن حقوق الناس، أنا مش عاوز اسمي يفضل معاكم فيها"

تدخل «وليد» يسأله بثباتٍ و ثقةٍ لم تهتز منذ بداية الجلسة:
"اومال عاوز إيه ؟؟ بتشوف غلاوتك عندنا مثلًا ؟؟ غالي و الطلب رخيص يا أبو علي"

تهكم في حديثه بسخريةٍ من الأخر الذي زفر بقوةٍ ثم تحدث بجمودٍ:
"وليد !! أنا مش عاوز هزار، عاوز إمضة وئام و طارق على الورق دا، و كدا أحسن"

تحدث «وليد» بثقةٍ:
"الحوار دا مش داخل دماغي، حصل إيه علشان تتقلب كدا ؟! ما هو احنا مش سراير علشان تتقلب علينا براحتك، عرفني إيه الحوار بدل ما اعرف أنا بطريقتي"

تنفس الصعداء بعمقٍ ثم تحدث على مضضٍ:
"علشان فيه شريك جديد هيجي مكاني، هيدخل مكاني بنفس قيمة نصيبي"

عقدوا جميعًا ما بين حاجبيهم يستنكرون حديثه و كلماته، فتحدث «أحمد» مدهوشًا مما وقع على سمعه:
"شريك !! هو من إمتى بيدخل شريك ما بينا ؟! مش طارق مانع إن حد غريب يدخل في الشغل !"

رد عليه بنبرةٍ هادئة:
"الشريك مش هيكون غريب، الشريك دا من دمكم و من منكم"

ازداد الاستنكار أكثر من قبل على ملامحهم و قبل أن يهم أيًا منهم بالحديث، تكلم هو برزانةٍ:
"هدير ....الشريك الجديد معاكم هتكون هدير الرشيد مراتي و بنت عمكم"

نظر أربعتهم لبعضهم البعض بأعين متسعة قد تصل لمرحلة الجحوظ، و تشوش و تخبطٍ فأضاف هو بثباتٍ:
"عاوز أضمن حق هدير علشان لو جرالي حاجة يبقى حقها محفوظ، و عاوز كمان أكتب لها الشقة و بيت الساحل باسمها"

رمقه «وليد» بامعانٍ و كأنه يحاول سبر أغواره بعد ذلك الحديث خصيصًا و هو يهرب بنظراته في شتى أنحاء الغرفة، فتحدث «طارق» مُستفسرًا بذهولٍ طغى عليه:
"ليه دا كله يا حسن ؟؟ ما هي مراتك و عايشة معاك و مفيش بينكم فلوس و لا فرق، ليه عاوز تكتب كل حاجة ليها ؟!"

تحدث بعدما زفر بقلة حيلة:
"علشان الدنيا مش مضمونة و علشان محدش عارف عمره فاضل فيه قد إيه، هدير مراتي و حبيبتي كمان بس أنا عاوز أضمن حقها، على الأقل لو حصلي حاجة تتسند من بعدي، علشان كدا عاوز اتنازل عن نصيبي معاكم هنا ليها هي"

اقترب منه «وئام» يجلس بجواره على يد مقعده ثم احتواه بين ذراعيه و هو يقول بهدوء:
"يا حسن أنتَ أخونا و هدير اختنا، بطل الكلام الأهبل دا، نصيبك هيفضل معانا باسمك زي ما هو، عاوز تأمن مراتك يبقى بينكم و بين بعض، إنما الشغل يفضل زي ما هو باسمك"

تنفس الهواء مباشرة على رئتيه ثم تحدث على مضضٍ:
"خلاص.... يبقى البيت و الشقة و العربية كلهم يروحوا ليها"

_"لأ !! العربية دي موديل السنة، أنا عامل حسابي أخدها لما تموت"
تفوه «أحمد» بذلك مُسرعًا بخوفٍ زائفٍ جعلهم يضحكون عليه حتى «حسن» نفسه، فتدخل «طارق» يسأله باهتمامٍ:
"هو الكلام دا إيه اللي فتحه ؟! حصل حاجة يا حسن ؟!"

حرك رأسه نفيًا ثم قال بنبرةٍ مترددة الوتيرة في حروفها:
"لأ بس افتكرت من كام يوم كدا موت أبويا و انه كان مأمني أنا و حنان كويس و كذلك أمي برضه، علشان كدا عاوز أأمن مراتي"

ضيق «وليد» جفنيه بشدة يحاول التوصل لطرف الخيط في الحديث على الرغم من اقتناعه بنسبة قد تكون منعدمة لكنه الحديث على أي حالٍ اقنعه، لكن هناك بالطبع ما يخفيه عنهم و هذا ما ظهر عليه حينما هرب بعينيه من نظرات الأخر.
_________________________

وصل «ياسين» مقر عمله بعدما قام بتوصيل «ياسر» في طريقه إلى عمله هو الآخر، جلس في مكتبه و شرع في تنفيذ عمله و قلبه و عقله يفكر بتلك التي استمرت في البكاء منذ الأمس حتى نزوله من البيت.

و على عكس عادتها لم تشاركه في وجبة الإفطار بل أعدته له و تحركت نحو الداخل تاركةً إياه بمفرده يتناول طعامه و ملامح وجهها أصبحت باهتةً، فحتى عينيها هربت من عينيه و كأنها تخشى التقاء نظراتهما سويًا.

جلس يفكر بها و هو يعلم تمام العلم بحالتها و وضعها، و وضع في عين الاعتبار أن ظروفها السابقة لازالت كما هي تؤثر عليها، ففي المنطق و الطبيعي أن تسعد الزوجة لزوجها بهذا العمل، و ما سيجنيه من ثمارٍ تتمثل في الاموال،
لكن «خديجة» !! تلك الفتاة البريئة التي لم تفهم الدنيا بعد، هي فقط تتمتع بقلبٍ بريءٍ مثل قلوب الأطفال، لم تدرك الأوضاع حولها و لا تفهم الهدف من كل ما يصير، فتاةٌ مثلها تبحث فقط عن الأمان و فقط لم تجده إلا بجواره هو ، بالطبع لها كامل الحق أن تخشى فقدان مصدر أمانها الوحيد الذي تمثل به.

أخرج زفيرًا قويًا ثم قام بفتح الحاسوب الخاص بعمله و شرع في العمل بعدما قام باخراج بعض الملفات و الأوراق الخاصة به، لعله يهرب من تفكيره بها في ذلك، و بالفعل قد انغمس في عمله و قبل أن يندمج أكثر طُرق باب مكتبه بواسطة ذلك العامل، رفع رأسه يطالع الواقف فوجده ذلك الشاب الذي سبق و أخبره بالذهاب لغرفة رئيسه.

ابتسم بسخريةٍ وهو يقول:
"خير يا كرم ؟؟ خير يا وش الخير؟!"

رد عليه بطريقةٍ مُهذبة:
"حاتم باشا عاوز حضرتك في مكتبه يا أستاذ ياسين"

أغلق «ياسين» حاسوبه بضيقٍ و هو يزفر بقوةٍ ثم تحدث بضجرٍ:
"الاسم دا جابلي تروما !! تخيل ؟! حروفه تعبتني نفسيًا"

ابتسم له «كرم» بقلة حيلة فتحدث «ياسين» هو الأخر بنفس اليأس:
"اتفضل يا كرم و أنا هاجي وراك، شكرًا"

انسحب الشاب من أمامه فتحرك «ياسين» خلفه و توجه نحو غرفة ذلك المزعوم «حاتم» و هو يود الصراخ في وجهه بعد مشاهدته لها في الأمس بذلك الحال، كما أنه تذكر تشبثها به و هي تنام بجواره و كأنها تجبر عقلها على تصديق مغادرته.

وصل لوجهته المنشودة و دلف بهدوء كعادته الهادئة في العمل، حتى رفع «حاتم» رأسه من الملف الموضوع أمامه و هو يقول بهدوء:
"اتفضل يا ياسين، اقعد"

جلس «ياسين» حيث موضع إشارة الأخر و هو يبتسم باقتضابٍ و كأنه يرغم ثغره على ذلك بينما الأخر تحدث بحزمٍ:
"ممكن أعرف حضرتك مرديتش ليه على الايميل اللي وصلك ؟!"

تنحنح «ياسين» يُجلي حنجرته ثم تحدث بثباتٍ واهٍ:
"لسه يا فندم أنا بظبط أموري، متنساش حضرتك إن فيه شغل أنا مسئول عنه هنا و لازم أخلصه، و بعدين أنا عندي أمل إن حد غيري يروح الشغل دا"

رد عليه بنفس الحزم و الجمود:
"بشمهندس ياسين إحنا مش بنلعب، دا شغل و مسئولية على الكل، اختيارك كان بناءًا على قرار بالاجماع و من رئاسة مجلس الإدارة، لازم خلال يومين حضرتك تكون هناك، و من دلوقتي اعتبر نفسك في أجازة لحد ما تقرر"

نظر له «ياسين» بدهشةً يخالطها التشوش و التيه حتى رد عليه الأخر مُقررًا بحديثٍ لا يقبل المناقشة:
"اتفضل يا أستاذ ياسين، حضرتك من دلوقتي في أجازة و معاك فرصة لحد بكرة ترد علينا بقرارك النهائي"

وقف «ياسين» على مضضٍ ثم تحدث بلباقةٍ و إن كانت زائفةً لكنها جمعت الاحترام و التقدير لذلك الماثل أمامه بقوله:
"تمام يا فندم، عن إذن حضرتك، و هرد على حضرتك إن شاء الله"

حرك رأسه موافقًا بثباتٍ و بإيماءةٍ بالكاد تُرى بالعين، و بمجرد انصراف الآخر من مرآى بصره حتى زفر بقوةٍ و تحدث بغلبٍ:
"ربنا يسترها عليك يا بني"
_________________________

جلس «عامر» في مقر عمله على مكتبه الخاص و هو يبتسم بسمةٍ هادئة كلما تذكر ما حدث و كلما تذكر الهبة التي أكرمه الله بها و من عليه بفضله أن يصبح أبًا و أن تكون هي والدة طفله.

استمع لصوت طرقاتٍ رتيبةٍ على باب مكتبه، فأذن للطارق بالدخول، دلف المساعد الخاص به و هو يقول بوجهٍ بشوشٍ:
"صباح الخير يا أستاذ عامر، الموظفين بيشكروا حضرتك على الفطار و المشروبات و بيتمنوا ربنا يفرح حضرتك"

ابتسم بدوره هو الأخر و رافق تلك البسمة قوله الهاديء الرزين:
"طب الحمد لله، المهم كل اللي كان نفسه في حاجة أخدها؟؟ قولتلك متبخلش عليهم"

حرك رأسه موافقًا ثم أضاف مؤكدًا عمله الذي قام به:
"متقلقش يا فندم، كلهم خدوا اللي طلبوه الحمد لله، و زيادة كمان، حضرتك تؤمرني بحاجة تانية ؟!"

حرك رأسه نفيًا وهو يبتسم له ثم تحدث بنبرةٍ هادئة:
"شكرًا يا معتصم، اتفضل أنتَ و أنا لو احتاجت حاجة هقولك"

حرك رأسه موافقًا و قبل أن يتحرك و يترك موضعه سأله بحذرٍ:
"معلش يا أستاذ عامر، هو إيه اللي حصل علشان حضرتك تعمل كدا للموظفين؟! أنا فاهم إن حضرتك فرحان و ربنا يفرحك دايمًا، بس خير إن شاء الله ؟!"

زفر بهدوء ثم تحدث بنبرةٍ رخيمة و هادئة على عكس عادته:
"خير يا معتصم، كل الحكاية إن كلها كام شهر و ربنا يكرمني بذرية صالحة إن شاء الله، و قولت افرحكم معايا زي ما أنا فرحان"

بارك له بحرارةٍ و دعا الله أن يبارك له فيما بعد في مولوده و أن يجعله خير الذرية الصالحة، ثم تحرك من مكانه و «عامر» ينظر في أثره براحةٍ كبرى ثم أخرج هاتفه يطلب رقمها و على ثغره رُسمت ابتسامةٍ عابثة حتى وصله صوتها و هي تقول بنبرةٍ مرحة:
"نعم يا سيدي ؟؟ دي المرة العاشرة تكلمني من ساعة ما نزلت على شغلك"

رد عليها هو بسخريةٍ:
"تصدقي إنك وش فقر، خسرانة إيه أنتِ لما تسمعي صوتي يا جرثومة ؟! أنا غلطان أني بتطمن عليكي؟!"

ردت عليه هي بصوتٍ ظهر به أثر بسمتها:
"لأ يا سيدي، مش غلطان بس كدا أنتِ موترني و محسسني أني في خطر، دا لسه الشهر الأول يا عامر"

رد عليها هو مُسرعًا:
"يا روح عامر مش مشكلتي، اعملي حسابك أنا حجزت عند دكتورة نتابع معاها زميلة ياسر، و النهاردة هنروح علشان نتطمن"

ردت عليه هي ببساطةٍ:
"طب خليك أنتَ في شغلك و أروح أنا و خلاص، هتيجي معايا ليه؟!"

تحدث هو بحنقٍ منها:
"ما تبطلي جو عافية ذوق بتاعك دا يا بنت عصام ؟! مش أنا جوزك برضه ؟؟ و بعدين بطلي أنانية و خليني أجي اتفرج على ابني"

ضحكت هي بيأسٍ منه فتابع هو الحديث بقوله الهادئ:
"هاجي بعد الشغل أخدك من الاتيليه، هجيب أوبر معايا، أي خدمة عامر بيضحي"

تنفست هي بعمقٍ ثم تحدثت بهدوء:
"ربنا يخليك ليا و تفضل طول العمر في ضهري، من ساعة ما عرفتك و أنا مسنودة عليك و كنت و نعم السند، عامر ؟!!"

ذكرت اسمه بنبرةٍ مستفسرةً و حينما وصلتها همهماتٍ منه طالبًا منها الاسترسال، حتى تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت:

"أنا بحبك....و يا بختي بيك"

قبل أن يرد عليها اغلقت الهاتف في وجهه بسرعةٍ، بالطبع لم يكن خجلًا، إنما مشاكسةً له حتى تستعلم ردة فعله مساءًا، أما هو فابتسم رغمًا عنه باتساعٍ و هو يحدج بنظره في الهاتف ببلاهةٍ ثم أعاده موضعه و هو يتنهد بعمقٍ،
شرد في الطريقة التي تعرف بها على خبر حملها منه، فقطب جبينه بتعجبٍ ثم اعاد الاتصال بها من جديد، ردت عليه هي متشدقةً بنذقٍ:
"نعم !! خير يا سيدي ؟"

سألها هو بثباتٍ و جهه بشوشٍ:
"مش متصل ارخم عليكي، بس عاوز اعرف فكرة مين بتاعة امبارح اللي عرفتوني بيها ؟! و فكرة الآية و الحديث اللي لحد دلوقتي جسمي مقشعر بسببهم؟"

ردت عليه هي ببسمةٍ وصلته و كأنه يراها أمامه:
"دي كانت فكرة البنات كلهم، فكرة الصندوق في العموم من خلود، و الآية و الحديث فكرة خديجة، و خلود جهزت الحاجة و لما روحنا تممنا عليهم سوا"

رد عليها هو بمرحٍ:
"خلود !! طب والله معزتها بتزيد كل يوم، أنا بفكر نعملها عزومة و نعرفها على الحج و الحجة"

ردت عليه هي بيأسٍ منه:
"نفسي تبطل فضايح بقى !! اسكت دا كانت وقعة مهبية يوم ما عمار عرفك حاجة زي دي، بس بقى"

رد عليها هو بهدوء:
"ربنا يفرحه عمار هو كمان، و يكرمني باليوم اللي احضر فيه فرحه، تفتكري هنجح أني اربي ابني زي عمار كدا ؟!"

ردت عليه بتأكيد:
"و هتشوفه زي ما أنتَ عاوز إن شاء الله، كفاية إنك أبوه يا عامر، هيبقى وحش منين دا ؟! دا يا بخته هيجي يزامحني في حبك"

تحدث هو بتأثرٍ:
"ربنا يقدرني و اربيه صح، الدنيا مش ناقصة ناس قليلة الأدب، كفاية لحد كدا، و بعدين يزاحمك ازاي بس؟؟ هو فيه حد برضه ياخد مكانك ؟؟"

تنهدت هي بفرحةٍ فأغلق هو الهاتف بعدما أخبرها بذلك، ثم عاد لعمله و قلبه يرقص فرحًا منذ الأمس و كأنه يتذوق الفرحة للمرة الأولى بحياته.
_________________________

جمع «ياسين» حاجته الخاصة ثم خرج من مقر العمل و قبل أن يتوجه لبيته غير وجهته نحو وجهةٍ أخرى تعاونه في معضلته، فمن الواضح أن تلك المشكلة حلها سيلحق به وجعًا يصعب عليه تخطيه.

وصل «ياسين» شقة «ميمي» و اقترب من الأريكة حيث موضع جلوسها، فسألته هي بتعجبٍ:
"ياسين ؟! أنتَ مش في شغلك ليه ؟! دا الساعة لسه ١٠ الصبح، خير يا حبيبي؟!"

اقترب يجلس بجوارها و هو يقول بهدوء يتخلله بعض القلق:
"قالولي رَوح لحد ما تقرر، و اعتبر نفسك في أجازة مفتوحة، و طبعًا من هنا لحد ما أقرر أكيد مليش لازمة"

ربتت على كفه بكفها و هي تقول بنبرةٍ هادئة تبثه بعض الطمأنينة:
"يبقى خلاص قرر و رد عليهم يا حبيبي، و بعدين أنتَ مش صغير، أنتَ كبير و فاهم و واعي كويس، ربنا يكرمك بكل الخير"

ابتلع غصة مريرة في حلقه و هو يقول بنبرةٍ صوتٍ مُختنقة:
"أنا عارف أني كبير و عارف إن دا رزق ليا و مينفعش ارفضه، بس أنا عندي حاجة أهم من كل دا، عندي "خديجة" و دي مسئولية مقدرش أهرب منها، مقدرش أغيب عنها كدا في يوم و ليلة و ابقى زي الخيال"

ردت عليه هي بثباتٍ:
"خديجة مش صغيرة هي كمان، دي ست متجوزة يا ياسين، و أي واحدة هتفهم و تقدر حاجة زي دي، خديجة زيها زي كل البنات"

رد عليها هو بنفاذ صبرٍ:
"خديجة مش زي كل البنات، خديجة ماتتسواش بحد، أنتم ليه مش قادرين تفهموني؟! أنا عايش معاها و شايف كل حاجة، خديجة لحد دلوقتي مش بتفهم معنى الكلام اللي بيتقال، و لحد دلوقتي بتتشعلق فيا زي العيلة الصغيرة، خديجة مش هتستوعب يعني إيه أغيب عنها، دا أنا لو اتأخرت ساعة في شغلي بتترعب و تخاف، يبقى ازاي اسيبها شهرين قلبي يوجعني عليها و مكالمة واحدة في اليوم الصبح؟؟"

سألته هي بحيرةٍ و قلة حيلة:
"طب و بعدين يا حبيبي؟؟ مش المفروض انها بقت كويسة و انها بقت أحسن من الأول على حسب كلامك و على حسب ما شوفنا؟"

رد هو يجاوبها بقلة حيلته:
"هي بقت كويسة علشان أنا كنت معاها، بقت كويسة علشان فيه حد كان عاوزها تبقى كويسة، خديجة كلها عفوية و هزار و ضحك معايا و مبشوفهاش كدا مع حد غيري، و دا معناه إنها مش هتعرف تتعامل من غيري"

سألته هي بهدوء:
"و لما أنتَ عارف إنها مسئولية عليك كدا محاولتش ليه تغيرها؟؟ محاولتش ليه إنك تخليها تتغير؟!"

رد عليها هو بنبرةٍ جامدة:
"أنا مش عاوزها تتغير !! أنا عاوزها زي ما هي بكل حاجة فيها، مفيش حد بيحب حد و ببغيره، بياخده بكل عيوبه قبل مميزاته و خديجة معندهاش عيوب أصلًا، فين عيوبها اللي المفروض أغيرها ؟!"

أمعنت هي النظر في وجهه فنظر هو أمامه يتحدث بتيهٍ يخالطه الآلم:
"خديجة دي طفلة صغيرة اتعلقت في إيدي و مسكت فيها علشان تتعلم ازاي تمشي، حاجة كدا مفيش منها اتنين في الدنيا، بتيجي مرة واحدة بس و المحظوظ هو اللي تبقى من نصيبه، و أنا كنت محظوظ بيها، جمعت طيبة و حنية الدنيا كلها فيها، حاجة كدا زي هدية مقفولة و محدش عارف جواها إيه، و عاملة زي الطابع اللي فيه غلطة و اتميز بيها عن الكل، و علطول بشوفها زي الأحجار الكريمة اللي محدش عارف قيمتها، هي كدا، حجر محدش فاهم حاجه عنه و محدش عارف قيمته، هو حاجة غريبة عنهم و خلاص، بس أنا فاهمها و فاهم إنها مميزة، خفيفة على الروح زي الفراشة، و حرام عليا و على الدنيا نكسر جناحاتها احنا الاتنين"

ربتت على كتفه و هي تقول بتأثرٍ بعدما تهدج صوته في نهاية حديثه:
"ربنا يكرمك و يفرح قلبك على قد الحب اللي بتحبه ليها، حبك ليها حلو أوي يا ياسين، متخيلتش إنك في يوم تحب حد كدا"

ابتسم بسخريةٍ وهو يقول:
"إلا ديه !! من أول مرة مسكت إيدي فيها و ضحكتلي و أنا حسيت إنها مسئوليتي، كل إحساس ونس كان نفسي احسه لقيته معاها، غصب عني شوفت نفسي أبوها، شوفت معاها دنيا تانية حلاوتها كانت في عنيها هي، بقت صاحبتي و حبيبتي و بنتي و أختي و كل حاجة راجل ممكن يحتاجها في شريكته، اتميزت هي بيها يا ميمي، عاوزاني أغيب عنها و اوجعها بعد ما صدقت إنها تأمن ليا و للدنيا؟!"

احتضنته أسفل ذراعها و هي تربت على ظهره بينما هو رفع كفه يمسح دموعه التي فرت رغمًا عنه، فحركت كفها تمسد على ظهره و هي تقول بنبرةٍ هادئة:
"طول عمرنا منعرفش الخير فين يا ياسين، بنعيش من غير ما نعرف حاجة ولا بكرة جايب لنا إيه، بس كلنا تحت رحمته و ستره علينا، و ربنا مش هيكتبلك شر أبدًا، بالعكس دا هيرزقك بكل الخير اللي أنتَ مش عارف قيمته و لا حتى عندك فكرة عنه، بس افتكر علطول كنت بقولكم إيه؟"

عقد ما بين حاجبيها بعدما رفع نفسه حتى يطالعها و هو يرمقها بتيهٍ فأضافت هي بثباتٍ:

"‏"من الأقوال اللي أعتبرها حرفيًا مُسكِّنة لأي ألم نفسي أو بدني، ومُصبِّرة على أي ابتلاء أو مصيبة؛ قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم "واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك، واعلم أنَّ النصر مع الصبر، وأنَّ الفرج مع الكرب، وأنَّ مع العسر يسرًا، واعلم أن الأُمَّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام وجفَّت الصُّحف."

تخللت الراحة ثنايا روحه و رممتها بعدما شعر أنه على وشك فقد ثباته و ذاته، بينما هي أضافت بنفس الأسلوب الهادئ:
"تفتكر ربنا هيبخل عليك بالراحة و هو الكريم الجبار ؟! تفتكر ممكن يشيل عنك خير و هو عارف إنك مسلمه أمرك؟! تفتكر ربنا سبحانه و تعالى اللي خلق الكون و نظمه و كلنا في حمايته، هيغفل عنك و أنتَ عبد من عباده؟! افتكر يا ياسين إن الأمر كله لربنا و افتكر قوله تعالى:

"‏﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾
_"صدق الله العظيم"

تابعت قولها من جديد:
"توكل على الله الذي لا يغفل و لا ينام و افتكر إن مفيش حد سلم نفسه لرحمة ربنا و حكمته و غرق و لا احتار في أمر"

حرك رأسه موافقًا ثم تحدث بنبرةٍ مترددة و هو ينبس بتلك الكلمات:
"طب و خديجة ؟! اسيبها لمين؟"

تنهدت هي بعمقٍ ثم تحدثت بهدوء تضيف على حديثها:
"لكل شيء تُحِبه قُل
"استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه."
سيبها في حفظ الله و رعايته قبل ما تمشي يا ياسين، ربنا أحن و أكرم عليها منك، متخافش عليها و هي في حماية ربنا"

حرك رأسه موافقًا فربتت على يده و هي تبتسم بهدوء، بينما هو ألقى بنفسه بين ذراعيه و هو يبكي رغمًا عنه.
_________________________

في شقة «حسن» جلست «هدير» على الأريكة بانهاكٍ بعدما قامت بتنظيف البيت بأكمله و استغلت غياب «حنان» في ذلك الأمر بعدما نزلت صباحًا دون أن تخبرها إلى أي وجهةٍ تتجه !!

حركت كتفيها بعدم اكتراثٍ لما يحدث و هي تشعر ببعض الراحة في غيابها، تنهدت بعمقٍ ثم قامت بتشغيل التلفاز و هي تبتسم حينما رآت فيلمًا كرتونيًا من أفلامهما المفضلة هي و زوجها، ابتسمت بخفةٍ و هي تتذكر إن كان جالسًا معها بالطبع كان سيشاهدا الفيلم سويًا.

أخرجت الهاتف الخاص بها تطلب رقمه و هي تبتسم باتساعٍ حتى وصله الرد و هو يقول بقلقٍ زائفٍ:
"استر يا رب !! خير يا هدير، ضربتوا بعض أنتِ و حنان ؟!"

ردت عليه بلامبالاةٍ:
"هربت من الصبح و أنا قولت اروق الشقة و انضف البيت و جوزي حبيبي أبو علي يجيب الأكل و هو جاي علشان أنا مش هقدر اقف تاني"

رد عليها هو مرحبًا بما تفوهت به:
"من عيني الاتنين حاضر، هجيب أكل حاضر، عاوزة حاجة تانية؟!"

ردت عليه هي بحماسٍ:
"كنت عاوزة أقولك السمك إيه يا حسن ؟!"

ابعد الهاتف عن أذنه و اليأس يرتسم على وجهه ممتزجٍ بالسخرية و هو يرد عليها بقولها:

"السمك صحاب مش طواجن"

ردت عليه هي بفرحةٍ كبرى من اجابته:
"شاطر يا أبو علي، طب قول جملتين من نفس الفيلم يلا"

تنهد هو بعمقٍ ثم تحدث بهدوء:
"ودع الأحزان يا ذوق"

ردت عليه هي بنفس الحماس:
"عاش يا أبو علي ، فاضلك واحدة"

أضاف هو بمرحٍ أكثر:
"لما الدنيا تكشرلك عارف تعمل إيه؟! عوم و امتختر...عوم و اتمختر"

ردت عليه هي بفخرٍ:
"أنا فخورة بيك والله، على العموم أنا بتفرج على الفيلم دلوقتي و قولت اشاركك تفاهتي بما إنك مش هنا"

ابتسم هو دون أن يرد عليها فسألته هي بتوجسٍ من صمته:
"حسن...أنتَ ساكت ليه؟!"

تنهد هو بعمقٍ ثم تحدث بصوتٍ مهتز:
"ساكت علشان عاوزك تتكلمي يا هدير، بحب أسمعك أكتر"

ابتسمت بهدوء و هي تقول:
"و أنا بحبك أنتَ عادي جدًا، تعالى بس من شغلك و أنا هسمعك للصبح، هزهقك"

رد عليها هو بقلة حيلة:
"و أنا معنديش غيرك اسمعه، و بصراحة دي أحسن حاجة، إني ليكي و بس"

قبل أن ترد عليه فُتح الباب بواسطة شقيقته فابتسمت بسخريةٍ و هي تقول:
"طب سلام يا أبو علي، ضرتي جت"

أغلقت في وجهه و هو على الجهة الأخرى يضحك بيأسٍ عليها لكنه سرعان ما انخرط في التفكير بها و في شقيقته التي بالطبع ستتسبب في مشكلةً بينهما إن استمرت على هذا الوضع، لكن كيف يخبرها أن ترحل ؟! هي شقيقته الكبرى و لازالت تتمتع بمكانةٍ كبرى في قلبه، فكيف يخبرها أنه لا يريد بقائها و أنها بتلك الطريقة تفتعل مشاكل مع زوجته و من الممكن أن ينهدم البيت فوق رأسه؟!
_________________________

لم لا يكتب للمرء أن يحيا بسلامٍ طوال حياته؟! و لما هي دومًا يكتب لها أن تتذوق مرارة الفقد ؟! فهل من الطبيعي بعد كل شيءٍ وجدته به تجسد على هيئة شخصٍ أن تُختبر في غيابه ؟! لما لا تشعر أن الأمر طبيعيًا ؟! و لما تشعر بأن الفقد دومًا هو أخطر المهالك التي قد تصيب الإنسان ؟!

جلست «خديجة» طوال اليوم مثل الجسد بدون روح و كلما تذكرت حديثهما بالأمس بكت بشدة و كأن دموعها تتسابق لتعلن عن نفسها، و في تلك اللحظة فرت دمعة متمردة أعلنت عليها العصيان لتخبرها أن ثباتها ذلك واهٍ و لن يفيد بشيءٍ، حتى فُتح الباب و طل عليها بهدوء حينما كانت جالسةً على الأرض أسفل الأريكة تنظر في الفراغ أمامها اقترب منها بخطواتٍ متمهلة و حينما رآها ركض إليها يأخذ الخطوة في اثنين حتى جلس بجوارها و هو يقول بلهفةٍ:
"مالك بس ؟! عاملة في نفسك كدا ليه و مصعبة الدنيا علينا؟"

حركت رأسها تنظر له و حينما التقت نظراتهما أجهشت في البكاء بمرارةٍ، فوجدته يحتضنها و كأنه مثل الأم التي تحمي صغارها، فـ زاد نحيبها أكثر بين ذراعيه فتحدث هو بثباتٍ زائفٍ و لو كان الأمر بيده لكان بكى هو الأخر مثلها:
"أنتِ من امبارح ساكتة و مش عاوزة تقوليلي حاجة، طب قوليلي مالك طيب؟!"

تحدثت هي بصراخٍ:
"علشان هتمشي....مش عارف زعلانة ليه؟! علشان بعد ما اطمنت للدنيا لقيتك بتسيب ايدي و عاوز تمشي....أنتَ بالذات مينفعش تمشي و تغيب عني، مينفعش ييجي يوم ملاقيش وجودك فيه"

رد عليها هو بوجعٍ:
"لو عليا و الله العظيم هفضل هنا طول عمري و مش همشي، إنما كل حاجة أنا مجبور عليها، أنا النهاردة روحوني و قالولي اعتبر نفسك في أجازة لحد ما أرد عليهم، و بعدها همشي خالص من شغلي، أنا مش عاوز امشي بمزاجي"

تحدثت هي ببكاءٍ:
"أنا لما بسمع صوتك بحس أني مطمنة، و لما بتكون هنا مش بخاف من حاجة في الدنيا، أنا بطلت أخاف لما لقيتك معايا علطول، و اطمنت علشان أنتَ هنا، أنا كل حاجة كانت بتضيع مني غصب عني، مش عاوزة الأمان اللي بحسه معاك يضيع مني تاني، علشان كدا هقولك متمشيش.....خليك أنتَ معايا"

ربت على ظهرها ثم اقترب منها يقبل قمة رأسها و عينيه تهرب من النظر إليها و قبل أن يتحرك قيد أنملة وجدها تتشبث به مرةً أخرى و تزداد بكاءًا عن قبل حتى تشبث بها هو الأخر و رغمًا نزلت دموعه.
_________________________

جلس «أحمد» في غرفة «حسن» يباشر عمله و بعد الانتهاء من كمٍ هائلٍ زفر بقوةٍ ثم حرك رأسه يسأله بسخريةٍ:
"قولي صحيح هو إيه حوار الكرتون اللي كنت بتتكلم بيه دا؟! سمعتك و أنا داخل المكتب"

رد عليه بثباتٍ محاولًا الهروب من الإجابة:
"كرتون ؟! كرتون إيه دا إن شاء الله؟! مشغلينك تلمع أوكر عندنا؟"

حرك كتفيه ببساطةٍ و هو يقول:
"أنا كنت بعمل القهوة لينا و أنا معدي سمعتك، كنت بتكلم هدير صح؟!"

تنهد «حسن» بيأسٍ ثم تحدث:
"أومال بكلم أمي؟! أعرف مين غيركم و غيرها ؟؟"

ترك موضعه ثم اقترب من مكتب الآخر يجلس على المقعد المقابل له و هو يقول بلهفةٍ:
"بقولك إيه ؟! هي البنات بتحب أفلام الكرتون؟! بتجيب يعني؟"

نظر له بتشككٍ و هو يقول بخبثٍ:
"عاوز تتعرف على واحدة ولا إيه؟! عاوز تصبيرة لحد ما الثانوية العامة تَخَلّص ؟!"

رد عليه بضجرٍ:
"يا عم اهدا عليا، بس أنا واخد بالي إن الكرتون بيجيب أوي معاهم، و بعدين الثانوية العامة مُكتئبة و عاوزين حاجة بسيطة كدا علشان تدينا أمل"

ابتسم له «حسن» بخبثٍ و هو يقول:
"فهمتك يا صايع، معاك حسن المهدي، بقيت موسوعة في افلام الكرتون، من ساعة ما اتجوزت و أنا شوفت كل الكرتون اللي فاتني من ساعة ما اتولدت"

رد عليه الأخر مُسرعًا بلهفةٍ:
"حلو دا !! عاوز حاجة بقى علشان الثانوية العامة و علشان اللي نفسها تبقى دكتورة دي، الله يسترك يا شيخ"

أشار إلى عينيه الأثنتين و هو يقول بنبرةٍ ودودة:
"عيني الاتنين، هبعتلك حاجة حلوة و تلمح بيها، بس لو طارق عرف هجيب أجلك"

حرك رأسه موافقًا بحماسٍ و هو يقول مُطمئنًا له:
"عيب عليك، ابعت بس ربنا ما يوقعك في ضيقة، روح ربنا يكرمك يا شيخ و يخليلك هدير"

رد عليها بتوسلٍ:
"يا رب، صدقني مش عاوز اكتر من كدا يا أحمد"
_________________________

جلست «سلمى» فوق سطح البيت تذاكر دروسها، و «خلود» على الجانب الأخر بين الحين والآخر تزفر بقوةٍ و تدفع الكتاب بحنقٍ ثم تعود و تمسكه مرةً أخرى بيأسٍ، بينما «سلمى» وصلتها رسالةً عبر تطبيق "الواتساب"، قطبت جبينها بتعجبٍ ثم أمسكت الهاتف فوجدت صورةً من فيلمًا كرتونيًا عبارة عن ضُفدعين بجوار بعدهما فصيلتي المُذكر و المؤنث و المذكر ينظر للأنثى و أسفلها عبارة شهيرة من ذلك الفيلم و هي:

"تيانا أنا بحب شكلك و أنتِ منورة لما تتكلمي عن حلمك و حلمك دا جميل جدًا و أوعدك هعمل المستحيل عشان حلمك دا يتحقق".

شهقت هي بقوةٍ من فرحتها فأضاف هو بعدها كتابةً:
"يمكن أكون مش بساعدك بما فيه الكفاية و يمكن أكون مقصر، بس وعد مني مملش من المحاولة، و وعد مني أصبر لحد ما تحققي حلمك، علشان اقدر أنا كمان احقق حلمي"

أغلق الهاتف بعدها فيما بقت هي تحدج في الهاتف بصدمةٍ مع بسمةٍ بلهاءٍ زينب ثغرها و تسارعت ضربات قلبها، فوضعت كفها نحو موضع قلبها و هي تتنفس الصعداء.
نظرت «خلود» لها ببسمةٍ هادئة ثم أخفضت رأسها نحو الكتاب و هي تتمنى من الله يجمعهما سويًا
_________________________

حل المساء بعتمته و ليله على الجميع و حينها خرج «عامر» برفقة زوجته من عيادة الطبيبة النسائية بعدما اطمئن بالفحص الطبي عليها و على الجنين و كالعادة أوصتهما الطبيبة بالراحة و الإلتزام حفاظًا على الجنين، و عدم الإجهاد في العمل خاصةً في غضون تلك الشهور الأولى.

كانت تتمسك في ذراعه و هي تسير بجانبه و تسأله بضجرٍ زائفٍ:
"اطمنت يا أستاذ عامر ؟! بطل توترني يا توتر أنتَ، الحمد لله اتطمنا عليه و عليا"

رد عليها هو براحةٍ:
"الحمد لله يا ستي، بس هي قالت إن لسه مفيش حاجة باينة، بس مش مشكلة، أنا هاجي معاكي كل مرة علشان نتطمن سوا، لحد ما ربنا يأذن و ينور الدنيا و أنتِ تقومي بالسلامة"

ابتسمت له و هي تقول بهدوء:
"أنا بحب حنانك أوي يا عامر، حنين بطريقة غريبة و مش عليا بس، دا على كل اللي في حياتنا، و طبعك حلو أوي.....، بس العيون بقت عليك كتير و كدا غلط"

تحولت نبرتها للتحذير و التوعد في حديثها الأخير، فابتسم هو بخفةٍ ثم قال بهدوء:
"مش مهم هما عينهم على مين، المهم أنا مش شايف غير مين؟!"

ابتسمت و هي تسأله بتشككٍ زائفٍ:
"يا سلام ؟! و أنتَ بقى مش شايف غير مين ؟!"

غمز لها و هو يقول بمراوغةٍ:
"العين مش شايفة غيرك يا عسلية، يا حلوة أنتِ و سمسمية"

ضحكت هي عليه و تحدثت من بين ضحكاتها بقولها:
"مش ممكن و الله، متجوز علبة حلويات مولد النبي ؟!"

تحدث هو بهدوء:
"عليه أفضل الصلاة والسلام، بس أنا بحبك بجد، غصب عني لما ألاقي اللي تقبلني و تحبني كدا و تحسسني كأني كل حاجة ليها، طبيعي أحبها"

سألته هي بتوجسٍ و ريبةٍ:
"هو أنتَ ليه يا عامر علطول حاطط في دماغك إنك متتحبش؟! مين فهمك كدا؟"

رد عليها مفسرًا بنبرةٍ هادئة:
"فيه مواقف مبتتنسيش و كلام بيتحفر في القلب يا سارة، أول مرة أحس فيها أني محبوب لما خالد و ياسين و ياسر خلوني صاحبهم، كنت كل سنة براهن انها الأخيرة و أنا معاهم، بس كل مرة كانت المحبة بتكتر، و لما خالتي كانت بتفضل تتريق عليا و قالتلي في مرة مين هتقبل جوزها يبقى أهطل زيك كدا؟؟ ساعتها أنا كنت حاسس إن مفيش واحدة ممكن توافق عليا، بس أنا طبعي مش أهبل، أنا بحب الفرحة و بحب الناس تكون بتضحك، أنا مش أهبل"

توقفت عن السير حتى ألتفت هو يطالعها باستنكارٍ من وقوفها فتحدثت هي بتأثرٍ:
"أنتَ مش أهبل و مش هايف، أنتَ جميل أوي و ياريت كل الناس زيك يا عامر، أنتَ أخ حلو أوي لعمار و صاحب مفيش اتنين و ابن طيب بيحب أهله، و زوج مسئول بطريقة غريبة و شريك داعم، و ربنا كرمنا علشان أشوفك و أنتَ أب هتكون عامل ازاي، رغم إن البداية ياينة، بس أنا متشوقة أوي لحاجة زي دي، أنتَ اغلى حاجة في حياتي"

اقترب منها يقبل رأسها ثم تحدث بمراوغةٍ و خبثٍ:
"دي حاجة بسيطة لحد ما نروح بس، أصل زي ما أنتِ شايفة إحنا في الشارع"

ابتسمت له فأمسك كفها و هو يقول بحماسٍ:
"يلا علشان نعرف الحج فهمي، و الواد عمار، أنا نبهت عليهم محدش يقوله، عاوز أشوف رد فعله"
حركت رأسها بنفس الحماس، فأوقف هو سيارة أجرة ثم ركبا سويًا و بعدها تحركت السيارة نحو بيت والده.

توقفت سيارة الأجرة أسفل بيت والده، فترجل من السيارة كليهما و توقف هو قبل أن يدلف البيت و هو يقول لها:
"خليكي واقفة هنا هجيب حاجة و أجيلك، لو عاوزة تسبقيني، اطلعي أنتِ عادي"

حركت رأسها نفيًا و هي تقول:
"لأ هات الحاجة و نطلع سوا و خلاص، خلينا نعرفهم سوا، زي ما كلمنا ماما سوا"

حرك رأسه موافقًا ثم تحرك من أمامها، بينما هي وقفت بجانب البوابة الحديدية الكبيرة تنتظر عودته، و بعد مرور دقائق عاد لها و في يده عدة حقائب بلاستيكية، سألته هي بتعجبٍ:
"إيه كل دا ؟؟ أنتَ جيبت إيه ؟"

رد عليها مفسرًا بفرحةٍ:
"دي حاجات حلوة علشانهم فوق و علشان نعرفهم الخبر بمزاج حلو، تعالي بس يالا"

بعد مرور ثوانٍ دلفا معًا الشقة و هو يقول بصوتٍ عالٍ و صخبٍ:
"يــا حــج فـــهـمي....يــا عـــمــار"
خرجوا إليه جميعًا من الداخل و معهم والدته التي ركضت نحوهما ترحب بهما بحرارةٍ، بينما والده تحدث بضجرٍ منه:
"جرى إيه يا زفت ؟! طول عمرك عامل دوشة كدا ؟! و بعدين خليتني قفلت المحل و قولتلي فيه مصيبة ليه؟؟ فيه إيه؟!"

رد عليه هو بهدوء يتنافى مع هيئته السابقة:
"نقعد بس علشان نعرف نتكلم، مش يمكن افرحكم؟! يلا بس"

جلسوا جميعًا حول بعضهم، فتحدث «عمار» بقلقٍ:
"ها يا عامر ؟! انطق فيه إيه؟! أنا مرعوب من ساعة ما قولتلي عاوزك بليل، حصل إيه؟!"

رد عليه بهدوء:
"يا عم وحد الله، عاوز بس اسألكم عن حاجة مهمة، طبعًا أبويا كبرنا و علمنا و صرف علينا، و جوزني و جميله فوق العمر، أنا بقى أرد جميله دا ازاي؟!"

ردت عليه والدته بضجرٍ:
"من إمتى و فيه عيال بترد جمايل لأهلها ؟! دي عالم ناقصة اللي تطلب مقابل من عيالها"

تدخل «فهمي» يقول بحنقٍ لها:
"ياختي متتكيش في الكلام أوي كدا، لسه فيه عمار و علامه و جوازه، مش يمكن اطلب مقابل؟"

ضحكوا عليه جميعًا فتحدث هو بقيلة حيلة:
"ها يا عامر خير ؟!"

تحدث «عامر» بحماسٍ:
"طبعًا عارفين إن إحنا بشر و هيجي يوم و نموت، و سيرتنا تتقطع من الدنيا، بس اللي بيفضل بعدنا هو العمل الصالح و الصدقة الجارية و ذرية صالحة تدعي لنا بعد موتنا، ها فهمتوا إيه ؟!"

تحدث والده يقول بفرحٍ و حماسٍ:
"لأ متقولش !! عملتي كولدير مياه صدقة جارية على روحي بعد ما اموت ؟!"

تلاشت بسمة «عامر» و حل محلها الوجوم و البقية يضحكون عليهما و وخصوصًا «سارة»، فحرك والده رأسه مُستنكرًا، حينها تحدث «عامر» بضجرٍ:
"يا بابا ركز معايا !! بقولك ولد صالح يدعو له، مش فاهم حاجة؟!"

وقف «عمار» ثم اقترب منه يقف مقابلًا له و هو يقول بتوترٍ:
"ثانية علشان أنا فهمت، عامر ؟؟ هي سارة حامل ؟!"

شهقت والدته بقوةٍ و ابتسمت «سارة» براحةٍ و هي تقول:
"الحمد لله يا رب على نعمة ذكائك يا عمار، دا أخوك طلع عين أمي امبارح"

تحدث «عمار» يسأله بلهفةٍ:
"يعني بجد !! طب اتأكدتوا من حاجة زي دي ؟! و لا إيه؟!"

حركت رأسها موافقةً فصرخ هو مهللًا ثم احتضن أخيه بفرحٍ و حماسٍ شديدين و هو يقول بصوتٍ مختنقٍ:
"الله أكبر !! ألف مبروك يا حبيبي و ربنا يكرمك و يقومها بالسلامة يا رب، أنا فرحان أوي يا عامر"

احتضنه «عامر» بقوةٍ و هو يقول بتأثرٍ و بكاءٍ من فرحة أخيه:
"و أنا فرحان أوي يا عمار، كان نفسي أقول أني جيبتلك أبن اخ، بس أنا جيبتلك أخ، علشان أنتَ ابني البِكري، و غلاوتك زي غلاوته عندي"

رد عليه هو بنبرةٍ مختنقة من شدة فرحته و بالفعل قد نزلت دموعه:
"أنتَ اللي مفيش في غلاوتك و لا فيه في معزتك حد، مفيش زيك عرف يضلل عليا و يلحقني من الدنيا"

إبان ذلك أقتربت «سيدة» تحتضن «سارة» بفرحةٍ حتى أوشكت على خنقها، من شدة فرحتها، بينما «فهمي» تحرك نحو ابنيه يحاوطهما بذراعيه و هو يقول ممتنًا للخالق:

"ألف حمد و شكر ليك أنتَ يا رب، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه"
_________________________

عاد «وليد» و «طارق» و «وئام» إلى بيتهما، فنزل «طارق» من سيارته و «وليد» و «وئام» من سيارة الأول، فتحدث «طارق» بفرحٍ و حماسٍ:
"متحمس أوي اشوف أول يوم رجوع للبيت من الشغل عامل إزاي و أنا متجوز، يا رب يبقى اللي في بالي"

ابتسم «وليد» بسخريةٍ بينما «وئام» فتح البوابة بمفتاحه الخاص و هو يسخر منه بملامح وجهه، و قبل أن يتوجه كلًا منهم إلى الطابق الخاص به، تحدث «وليد» مُسرعًا:
"تاكلوا و تريحوا و تطلعوا ورايا السطح علشان نظبطه، أنا اتخنقت و عاوز اظبطه، أنا مجهز الحاجة"

تحدث «وئام» بضجرٍ منه:
"هو أنتَ روحك مربوطة بالسطح؟! دا إيه المرار دا ؟! الجو سقعة يا وليد خلي عندك دم"

رد عليه بلامبالاةٍ:
"خلصت !! ورايا على السطح برضه يا وئام"
تركهما و توجه نحو شقته تاركهما خلفه ينظرا لبعضهما بدهشةٍ حتى تحرك كلًا منهما نحو شقته.

دلف «وليد» أولًا شقته و هو يبتسم باتساعٍ، حتى وجدها تخرج له من الداخل و هي تقول بسخريةٍ:
"إيه الداخلة الهادية دي ؟! فين العفرتة و الصوت العالي ؟!"

رد عليها هو بسخريةٍ:
"هو أنا متجوز مصباح؟؟ و بعدين علشان متتخضيش، المهم عاملة إيه؟!"

سألها بهدوء و وجهٍ مبتسمٍ فأجابته هي بهدوء:
"الحمد لله يا سيدي، زي الفل، بصراحة لولا إن جميلة و هدى معايا كان زماني اتخنقت، بس الحمد لله، مونسيني"

اقترب منها هو بخبثٍ و بمراوغةٍ ضمها إليه و يده على خصرها و هو يقول بنبرةٍ هامسة:
"طب و أنا مين يونسني؟! يرضيكي افضل كدا لوحدي تايه؟! مش عيبة في حقك ؟!"

ردت عليه بقلة حيلة:
"عيبة يا سيدي، بس قبل ما تقل أدبك، أنا عاوزة أقولك حاجتين مهمين"

رد عليها بمللٍ:
"قولي !! خير يا ست ؟!"

ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
"أدخل غير بس و أنا هجهز الأكل و أقولك كل حاجة، يلا"

رد عليها هو بضجرٍ:
"طب ما كنتي سيبتيني أقل في أدبي و خلاص، يا ستار منك، بس هقول إيه؟! أبوكي مين يعني يا عبلة ؟!"
تحرك من أمامها بعدما حدجها بغيظٍ بينما هي حاولت كتم ضحكتها عليه.

دلف «طارق» شقته فوجد زوجته بها تجلس على سجادة الصلاة و في يدها المصحف الشريف تقرأ بها و بجوارها ورقة و قلم، رغمًا عنه ابتسم و اجتاحته السكينة، حتى اقترب منها يجلس بجوارها.

انتبهت هي له في التو فرفعت رأسها تطالعه ثم أغلقت الكتاب الشريف و قالت بهدوء:
"معلش محستش بيك يا طارق، كنت براجع على القُرآن، أنتَ لسه جاي صح؟!"

حرك رأسه موافقًا و هو يبتسم لها فسألته هي بتشككٍ:
"طب أنتَ بتبصلي كدا ليه؟!"

اتسعت بسمته و هو يقول بمرحٍ طفيفٍ:
"بصراحة كنت جاي و راسمك في خيالي حاجة تانية خالص و كنت هفرح أوي لو دا حصل، بس شكلك كدا فرحني أكتر"

رمقته بحدة و هي تسأله:
"كنت متخيل إيه علشان أنا بقيت بقلق منك، خير يا طارق"

رد عليها ببساطةٍ:
"كنت متخيلك لابسة حاجة من الحاجات العسل اللي عمته جايباهم جوة دول، و سرحت بخيالي لحتة بعيدة"

سألته هي بثباتٍ:
"و هي عيلة الرشيد بقى عندها علم بمدى انحطاط أخلاقك؟! عندهم فكرة إن طارق اللي متربي مرتين يطلع مدكن شخص باد بوي كدا؟!"

رد عليها هو بتبجحٍ:
"هو أنا احترمت نفسي و لميتها علشان لما اتجوز معاكسش مراتي؟! و بعدين بقولك استنيت و حافظت على حبي و استنيتك، اشتغلي معايا يا جميلة كدا"

ابتسمت بيأسٍ منه فألقى بنفسه على فخذها و هو يقول بهدوء:
"نيميني و أكليني لحد ما وليد يتصل يقرفنا، بسرعة يا بنتي"

اخفضت رأسها سريعًا تقبل وجنته ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
"قوم غير و أنا هقوم أسخن و نشوفه عاوز إيه، مع أني مقلقة"

رد عليها هو مُسرعًا يشاكسها:
"لأ ازاي ؟! المفروض تخافي، يخربيت الرعب دا وليد.
_________________________

جلست «هدير» منذ الصباح كما هي على الأريكة و خاصةً أن الأخرى دلفت الغرفة و لم تخرج منها حتى الآن، و في تلك اللحظة دلف «حسن» و هو يبتسم لها و في يده الطعام، فسألته هي مسرعةً:
"اتأخرت ليه يا حسن ؟! أول مرة تتأخروا كدا، قلقت عليك"

جلس بجوارها يقول مفسرًا بنبرةٍ منهكة:
"مش قادر....بعدين أنتِ ناسية إن وليد و طارق وقفوا شغل كتير علشان فرحهم؟! كله رجع بقى النهاردة، يدوبك لحقنا نخلص و روحت جيبت العشا و جيت"

حركت رأسها موافقةً بتفهم و قبل أن تأخذ الطعام منه حرك رأسه يبحث عنها بالمكان ثم سألها بتعجبٍ:
"حنان فين؟! هي لسه مجتش من برة ولا نزلت تاني؟!"

ردت عليه بضجرٍ:
"جت و بصتلي من فوق لتحت و دخلت الأوضة مخرجتش منها، عملت بأصلي و خبطت عليها اسألها تاكل أو تشرب حاجة، قالتلي مش عاوزة، رجعت أقعد مكاني تاني لحد ما تيجي"

حرك رأسه موافقًا على مضضٍ ثم تحدث بهدوء:
"روحي جهزي العشا علشان ناكل كلنا، و أنا هدخل ليها، معلش استحملي"

ردت عليه هي بثباتٍ:
"علشانك هستحمل كل حاجة يا حسن، بس موعدكش لساني يقدر يستحمل"

تحرك من أمامها بيأسٍ فتحدثت هي بسخريةٍ:
"استحمل إيه بس ؟! دا كتر خير الأوضة انها مستحملة وجودها فيها و متهدتش على دماغها"

دلف «حسن» غرفة شقيقته بعدما طرق الباب بهدوء و أذنت له هي من الداخل، اقترب منها يجلس بجوارها و هو يقول بهدوء:
"ازيك يا حنان ؟! قاعدة لوحدك هنا ليه و سايبة هدير برة لوحدها؟! ما تقعدي معاها و اتعرفوا على بعض و اتكلموا سوا"

ردت عليه بضجرٍ:
"مش عاوزة اقعد معاها، ملهاش قبول عندي، و بصراحة كل العيلة دي أنا مش بطيقهم، و من بدري كان نفسي تقاطعهم"

زفر هو بقوةٍ ثم تحدث بجمودٍ:
"أستغفر الله العظيم يا رب، حنان !! أنا الناس دي ليهم عندي كتير و أنا مردتهوش ليهم، و كفاية أني كنت متجوز قبل كدا و هما ادوني بنتهم، عيلة الرشيد اللي مش عاحبينك دول، أنا من غيرهم كنت ضيعت بدل المرة؛ ١٠٠ بس ربك يشاء كل مرة انهم يكونوا السبب"

ردت عليه هي بانفعالٍ:
"هما اللي مفهمينك كدا يا حسن، هما اللي محسسينك إنهم صحاب فضل عليك، هما مكانوش يحلموا إنك تاخد واحدة من بناتهم أصلًا و لا حتى تبصلها، مش إنك تتجوزها و تحبها، هما عرفوا ازاي يحسسوك انهم صحاب فضل عليك، جوازتك اللي أنتَ فرحان بيها دي، بكرة تبقى سبب حزنك و زعلك مدى الحياة، و هتقول حنان قالتها.

وقف هو ثم تحدث بلامبالاةٍ:
"الأكل برة هدير جهزته، يلا علشان تاكلي يا حنان، و علشان أنا جعان و هدير مستنيانا و عاملة لينا حساب"
خرج من الغرفة فخرجت هي الأخرى خلفه حتى لا تجعله يجلس معها بمفرده، ظنًا منها أنه تزوج حيةً تتلون له حتى تستغله أبشع استغلالٍ

قامت «هدير» بترتيب الطاولةِ و قامت بتجهيز كل شيءٍ و الأخرى ترمقها بنظراتٍ ثاقبة، حتى اقتربت تجلس أمامها و هي تقول بنبرةٍ هامسة بعدما استغلت غيابه في الداخل يقوم بتبديل ثيابه:
"بقولك إيه يا طنط ؟! ما تتكلمي معايا دوغري كدا بدل ما أنتِ هتاكليني بعينك كدا !! أنا مزعلاكي في حاجة؟!"

ردت عليها بثباتٍ:
"أنتِ متقدريش تزعليني أصلًا، كل الحكاية أني بحفظك و بفهمك علشان أعرف اتعامل معاكي، علشان ماخدش وقت كبير يعني"

ابتسمت لها «هدير» و هي تقول بثباتٍ هي الأخرى:
"و ماله، بس خلي بالك بقى علشان المنهج اللي قدامك صعب، و أمي الله يرحمها كانت علطول تقولي الطالب اللي واثق في نفسه زيادة عن اللزوم، زيه زي الكلب في العوم"

ردت عليها بثقةٍ:
"دا أنا فهمته و حفظته و في أول امتحان هقفله كمان، الحقي شمي نفسك يومين"
طالعتها «هدير» بتحدٍ و ثباتٍ فبادلتها الأخرى النظرة بمثيلتها.
_________________________

جلس «ياسين» على الفراش و هي بين ذراعيه و كليهما صامتًا، حتى تحدث هو بهدوء:
"طب و هتفضلي ساكتة كدا يا خديجة؟! قوليلي أي حاجة"

ردت عليه هي بنبرةٍ متحشرجة:
"ما أنا قولتلك متمشيش، أقول إيه تاني؟! بطل تفكرني بقى"

تنفس هو بعمقٍ ثم قبل رأسها و تحدث مُردفًا بنبرةٍ هادئة:
"مش بايدي أني مامشيش، أنا مجبر والله، أنا معاكي هنا من الساعة الكام ؟؟ هما اللي روحوني، يرضيكي ابقى على أخر الزمن مرفود ؟؟"

حركت رأسها نفيًا و هي تطالعه بعينيها فتحدث هو بنفس الهدوء:
"و بعدين أنتِ بقيتي حاجة تانية خلاص، بقيتي أشطر و أكبر و بقيتي واعية اكتر، يعني أقدر أسيبك و أنا متطمن بعد كل المجهود اللي عملتيه"

احتضنته من جديد و هي تحرك رأسها موافقةً فرفع رأسها بكفه و هو يقول مُعاتبًا لها:
"و بعدين أنتِ فكراني همشي علشان تعبت منك؟؟ مفيش حد بيتعب من راحته في الدنيا يا خديجة، و أنتِ راحتي"

بكت و هي تستمع له فتحدث هو بيأسٍ بسبب دموعها:
"مالك يا خديجة !! بتعيطي تاني ليه ؟! مش أنا سكتك طيب؟!"

ردت عليه هي بصوتٍ مختنقٍ:
"بعيط علشان أنا كنت فاكرة إنك هتفضل موجود علطول، كنت فاكرة أني هفضل مطمنة بوجودك، أنا شخص غريب و محدش عمره فهمني غير وليد و أنتَ، وليد دلوقتي اتجوز، و أنتَ هتمشي، أنا....أنا خايفة"

تهدج صوتها و هي تحدثه حتى ازداد نحيبها، فربت على ظهرها و هو يقول بهدوء:
"قولي اللي أنتِ حاسة بيه يا خديجة، كل حاجة عرفيهالي"

سحبت جرعةً من الهواء داخل رئتيها مرةً واحدة ثم تحدثت بصوتٍ باكٍ و هي تقول:
"أنا طول عمري بخاف....و طول عمري حاسة إن مفيش مكان ليا في الدنيا دي، أنا محدش بيفهمني....محدش فيهم عارف يتعامل مع الكركبة اللي جوايا....أنا....أنا هخاف من غيرك...مش عاوزة أخاف تاني....أنتَ الوحيد اللي شوفت نفسي حلوة في عينيه.... بلاش تخسرني العيون الوحيدة اللي حبيت نفسي فيهم يا ياسين !!"

نزلت دموعه فتحدثت هي تتابع بنفس الطريقة:
"أنا مش سهل عليا أني أعيش من غيرك، مش سهل عليا إنك في يوم و ليلة متكونش معايا....أنا مش بخاف علشان أنتَ معايا والله، من غيرك مفيش حاجة واحدة ممكن تطمني"

تنفس هو بعمقٍ ثم تحدث بنبرةٍ متحشرجة:
"أنا لو مشيت مش هسيبك لوحدك، هسيبك للي أحن منك على نفسك، هسيبك في رعاية ربنا، و أنا متطمن إنك بخير و مفيش حاجة هتضرك، هسيبك و أنا واثق إن فيه بدلي ١٠٠ حد هيكونوا معاكي، منهم أبويا و أمي، مش بمزاجي أغيب عنك، و مقدرش أغيب عنك و اسيبك"

ردت هي بنفس البكاء:
"ربنا رحمني لما أنتَ ظهرت....لما بقيت موجود و مستحمل كل حاجة أهلي نفسهم مستحملوهاش، ليه أنتَ اللي تروح، خليك أنتَ جنبي، محدش فيهم هيستحمل كلامي اللي مش مفهوم، أنا قصادك مش بتكسف اتكلم، حتى لو كلامي عبيط، أنا بطلت أفكر في كلامي معاك، ليه أرجع تاني احسب كل كلمة ؟!"

نظر لها و هي تحدثه بتلك الطريقة و تتوسله بكلماتها، و حينها صدح صوت هاتفه برقمٍ من عمله، سحب الهاتف يرد على المكالمة فوصله الحديث من الجهة الأخرى:

"ياسين !! لو جاهز للسفر ياريت النهاردة الفجر تكون عند الأتوبيس، المشروع و الشغل مش هيستنى أكتر من كدا و العمال عاوزة تنزل، ممكن أسمع قرارك ؟!"
_________________________

في بيت الشباب و تحديدًا فوق سطح البيت جلسوا جميعًا عدا «وليد» الذي أخذ يتحرك في سطح البيت يقوم بوضع الزروع البلاستيكية في جهاتٍ متفرقة و قام بفرد سجادة كبيرة الحجم و وضع بعض المقاعد الخشبية و طاولة صغيرة الحجم، كانت «عبلة» تعاونه في ذلك و «طارق» أثناء جلوسه كان يقوم بتوصيل أسلاك الكهرباء ببعضها حتى تتم إضاءة السطح كما هي في بيت العائلة.

تحدثت «هدى» بسخريةٍ منه:
"هو أنتَ لو معملتش كدا في السطح يجرالك حاجة ؟! ما كان حلو و خلاص، و بعدين مشبيعتش من سطح الرشيد ؟!"

سألته بخبثٍ و هي تضيق جفنيها، فتحدث هو باستفزازٍ:
"لأ مشبيعتش، أنا بحب أحضنها في الهواء، يبقى مني للسما علطول، و بعدين اللي زعلان ميطلعش يترزع هنا، بسيطة أهيه"

تحدث «وئام» بضجرٍ:
"ولا !! أنا كبير البيت هنا، لم نفسك يا حلو، أنتَ هنا تسمع و أنتَ ساكت"

رفع حاجبيه له باستنكارٍ، فتحدثت «عبلة» بحماسٍ:
"وليد !! ينفع تكملي هنا تدريب الجيم ؟! إيه رأيك؟!"

غمز لها بمراوغةٍ و هو يقول:
"بس كدا ؟! دا أنا أجيبلك الجيم لحد عندك هنا، هو فيه أعز منك؟"

ابتسمت له باتساعٍ فدندن هو بخبثٍ كعادته:
"طب ليه بيداري كدا و لا هو داري كدا....و لا أنا داري كدا و لا دا....ليه حيرني و ليه يهجرني و أنا ماجيش على باله كدا"

ابتسمت بخجلٍ و هي تتوسله بعينيها أن يصمت خصيصًا مع النظرات التي توجهت نحوهما فتحدث «طارق» بنبرةٍ جامدة:
"ما تلم نفسك يا عم الحلو !! معانا عيل صغير"

رد عليه ببساطةٍ:
"خده و انزل يا حبيبي، متصدعوناش بقى"

سألته «جميلة» بحنقٍ:
"أنتَ مجنون يا بني !! مجمعنا ليه أنتَ طيب؟؟"

تنفس هو بعمقٍ ثم اقترب منهم يجلس أمامهم و زوجته تلحقة فتحدث هو بنبرةٍ هادئة:
" أولًا علشان أجدد السطح، و ثانيًا بقى حسن !! حد فيكم عنده فكرة عمل كدا ليه النهاردة ؟؟ أكيد مش من الباب للطق"

ردت عليه «هدى» بقلقٍ و خاصةً على شقيقتها:
"عمل إيه يا وليد !! أوعى يكون زعل هدير ؟!"

حرك رأسه نفيًا ثم قص عليها ما حدث اليوم من «حسن» فردت عليه «عبلة» مُسرعةً:
"علشان كدا كنت بقولك عاوزة أقولك حاجة، حنان أخت حسن هناك عندهم، و هدير بتقولي إنها مش لطيفة خالص و زي اللي داخلة معاها حرب".

قطب «وليد» جبينه بتعجبٍ فتحدث «طارق» بضيقٍ منها:
"طول عمري بكرهها يا جدعان، بومة، يمين بالله بومة متحركة"

تحدثت «جميلة» بحيرةٍ:
"هي مالها برضه و مال هدير ؟! ما تخرجها من راسها، المفروض انها تحب مرات اخوها"

تدخلت «هدى» تقول بقلقٍ:
"أنا خايفة على هدير، المشكلة إنها مبتعرفش تسكت و علطول بترد، ربنا يستر و حنان دي متتعبهاش"

تحدث «وليد» بعدما ربط الخطوط ببعضها:
"علشان كدا حسن طلب يكتب نصيبه معانا لهدير، أكيد اخته هي السبب علشان تخليه يخاف كدا"

تحدث «وئام» محذرًا له:
"أنا مش عاوز منك تهور و مش عاوزك تدخل، لو اختنا حد زعلها احنا نقفلها، غير كدا هي مع جوزها احرار، و لا كلامي غلط يا طارق؟!"

رد عليه «طارق» مؤيدًا:
"كلامك صح يا وئام، لو لقينا الأمور فيها حاجة غلط يبقى ساعتها نتدخل"
زفر «وليد» بقلة حيلة و هو ينظر في أوجه الجميع غير مستبشرًا بالخير في وجود «حنان»
_________________________

شعر «حسن» بالتعب يبلغ أشده على جسده فلم يعد يقوى على الصمود أكثر من ذلك، حتى طلب من شقيقته أن يذهب لغرفته حتى ينام لعله يرتاح قليلًا، فوافقت هي بترحيبٍ، بينما «هدير» جلست في الشرفة بجوارها تتصفح هاتفها حتى لا تتركها بمفردها في الشقة و رأت أن هذا أنسب حل كما أن زوجها يبدو عليه التعب، و هي من الأساس لا تريد أن تضغط عليه

شعرت هي بالأخرى ترمقها بغيظ و الحقد ينبثق من مقلتيها، فتحدثت «هدير» تسألها بهدوء بعدما رفعت عينيها من على هاتفها:
"خير يا طنط بتبصيلي كدا ليه؟! لو فيه حاجة قوليها أحسن"

ابتسمت لها بتهكمٍ و هي تقول بغيظٍ و غلٍ دفينٍ ينبعث من حروفها:
"مستغربة، بجاحتك بصراحة، بتتمتعي في ملك مش من حقك، و بجوازة كلها استغلال، و فاكرة نفسك صاحبة حق هنا"

ردت عليها «هدير» بثباتٍ يتنافى مع النيران المُضرمة بداخلها:
"مش علشان أنا صاحبة حق فعلًا؟! دا بيتي و بيت جوزي، لو مش واخدة بالك يعني"

ردت عليها بثباتٍ:
"آه حسن، حسن اللي ضحكتوا عليه أنتِ و عيلتك علشان يتجوزك ؟! مش دا حسن الطيب اللي ولاد عمك ضحكوا عليه علشان يشاركهم؟! مش دا حسن اللي عمالين تهبشوا في فلوسه؟"

انتفضت «هدير» من جلستها كمن لدغتها حية و هي تقول بانفعالٍ:
"أنتِ بتقولي إيه يا ست أنتِ ؟! أنتِ مجنونة و لا شكلك كدا؟"

وقفت أمامها و هي تقول منفعلة هي الأخرى بصراخٍ:
"أنتِ اللي قليلة الأدب و مش محترمة، أنتِ و عيلتك، علشان استغليتوا طيبة حسن و خلتوه يتجوزك بعدما فشلوا انهم ياخدوا فلوسه، و لا أنتِ فاكرة إن أخويا مش هيقولي سبب جوازه منك ؟! قالي إن ابن عمك كلمه علشان يتجوزك و يتدبس هو فيكي، بعد عملتك السودا مع قريبك، بس هو أنتو هتلاقوا فين في شهامة حسن ؟! علشان ياخد واحدة زيك؟!"

نزلت دموع «هدير» رغمًا عنها و هي تستمع لذلك الحديث الذي كان بمثابة خنجرًا يطعن فيها دون شفقةٍ أو رحمةٍ، فاضافت الأخرى بثباتٍ:
"حسن قالي إنه اضطر يوافق على الجواز علشان ميتحرجش قصاد عيلتك، و الله أعلم أنتِ عملتي إيه مع قريبك دا علشان يلزقوكي في أخويا بالطريقة دي"

رفعت «هدير» كفها حتى تهوى على وجهها بصفعةٍ تثأر بها لكرامتها المجروحة، لكن الأخرى استغلت تشوشها نتيجة عبراتها المُنسابة فأمسكت ذراعها و هي تقول بجمودٍ:
"إيدك يا بت بدل ما اقطعهالك، غوري من هنا، لو عندك كرامة و دم، ابعدي عن حسن بدل ما افضحك أنا و أعرف الكل إنك ضحكتي على أخويا، أنتِ و عيلتك، فاكرين نفسكم محدش هيقف ليكم، و هتستغلوا إنه لوحده"

ازدادت دموع «هدير» في النزول، و لأول مرة تشعر بالضعف بتلك الطريقة، حتى وجدت نفسها تنسحب من أمامها و لحسن حظها كانت ترتدي "ترنج" رياضي يناسب الخروج، فخطفت حجابها تلفه على رأسها ثم نزلت من الشقة دون أن تعلم بخطورة ما في مُقدمة عليه، و لكن جرح كرامتها ينزف بشدة و هي تجزم أن ذلك الجرح لن يداويه ألف طبيب، فهل من جرحٍ شُفىٰ كان سببه فراق الحبيب؟!

يُتَبَع
#الفصل_التاسع_و_الخمسون_الجزء_الثاني
#رواية_تَعَافَيْتُ_بِكَ

Continue Reading

You'll Also Like

457K 15.5K 35
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
10.5M 945K 58
معشر أمسكت حلومهم الأر ض وكادت لولاهم أن تميدا فإذا الجدب جاء كانوا غيوثا وإذا النقع ثار ثاروا أسوداً تتبع الهوى روحي في مسالكه حتى جرى الحب مجرى ال...
106K 4.4K 24
مالك اكبر مصنع سيارات وصاحب اكبر شركه استيراد قطع غيار يقع فى حب السكرتيرة
161K 4.1K 29
لو إلتقينا في عالم آخر لوقعت.. لغرقت وتهت في حبك ولكن ولدنا هنا في عالم انتِ القاتلة وانا السجان واه من حرقة الإنتقام ولهيبها تهنا معًا في هذا الظلام...