مريض نفسى بالفطرة

Door Hader3112

726K 30.6K 9.8K

مريض حُكِمَ عليه بعيش الازدواجية فى كل شىء ، إلى أن قابلها، منحته قلبها رغم معاناتها السابقة ولكنه رفض البوح... Meer

اقتباس1( لست ليث،أنا غيث)
_٢_ (جدى يريد عودتى)
_٣_(صدمةٌ مُبرمجةٌ )
_٤_ (أنا القاتل)
_٥_ (الإنفصالُ فرصة ثانية )
_٦_ (لا أريدك يا أمى )
_٧_ ( حب ناضج لمراهقة صغيرة )
_٨_(بيت جدى مجددًا)
_٩_( ما ذنبى إن كنت تحب فتاة تحبنى؟)
_١٠_( قامت بخيانتى)
التعريف بمرض غيث
_١١_ (نوبة غضب)
_١٢_(بقاءٌ قسرى)
_١٣_( أب برتبة عدو)
_١٥_ عشر(عائد لكِ يا حبيبتى)
التعريف بمرض الطبيبة منال
_١٤_( دماءُ زوجتى الراحلةُ )
_١٦_ (ذلك الوغد مجددًا)
_١٧_(لست ليث، أنا غيث)
التعريف بمرض ديما
_١٨_(حب من طرف واحد)
_١٩_(غارق فى دمائه)
_٢٠_( وحشتنى عنيكى )
_٢١_ (الكل عاشق )
_٢٢_(حقائق بالجملة)
_٢٣_(الانتقام الحلو)
_٢٤_(رصاصة خائنة)
_٢٥_( المواجهةالحاسمة)
التعريف بمرض مالك
_٢٦_(كان ضحية بالأمس)
_٢٧_ (وداعًا بيت جدى)
_٢٨_ ( تطاول بما فيه الكفاية)
_٢٩_ (الحقيقة المؤلمة)
_٣٠_(قابلها مجددًا)
_١_( الانطباع خاطىء)
_٢_(مشاغبة من الطرفين )
_٣_( غيث واحد لا يكفى)
_٤_ ( من المصاب ؟)
_٥_(الغيرة اللذيذة)
_٦_(باغتها بعقد القران)
_٧_(أشباح الماضى تطاردها)
_٨_(فارق الحياة )
_٩_( رفضها يصيبنى بالجنون)
_١٠_(فرصة ثانية للفؤاد)
_١١_( اكتئاب حاد )
_١٢_ (أحبك رغم أنف قبيلتى)
_١٣_(هل تقبلين الزواج بى؟)
_١٤_ (خطوبة و جثة )
التعريف بمرض مالك ٢
_١٥_( فليحترق العمل أمام حُسنكِ)
_١٦_ (حُلو مرى)
_١٧_ (أخوض لأجلكِ ألف حرب )
_١٨_(أقبلينى كما أنا )
_١٩_ (تطاول على صغيرتى أمام عينى )
التعريف بمرض محمد العدلى
_٢٠_ (أريدك رغم استحالة ذلك)
_٢١_ (زوجى السابق )
_٢٢_ (قُبلة و مجموعة جُثَثٌ)
_٢٣_ (الإختطاف السعيد)
_٢٤_ (باتت حلالى و كل حالى)
_٢٥_(معركة دموية)
_٢٦_(ليلة زفاف كارثية)
_٢٧_(ليلة عيد)
_٢٨_ (كان القبول طوق نجاة)
_٢٩_ (كلانا لدية تجربة سابقة)
_٣٠_ (العديدُ من المعاركِ)
_٣١_ (كُتِبَ علينا الفراق)
_٣٢_(أحدهم يبكى و الآخر يرفرف عاليًا )
اقتباس٥ ( فتاتى الصغيرة)
(التعريف بمرض مايا)
_٣٣_ (نتعايش أم نتداعش ؟!)
_٣٤_ (راقصة بمبادئ)
_٣٥_ ( قصيدةٌ جميلةٌ )
_٣٦_(الغضب الساطع آت)
_٣٧_(رفض من جميع الجهات)
_٣٨_(نَقَشَ فوق جسدها)
_٣٩_( لاجئ أم خائن ؟!)
_٤٠_(مَلاَك مُحْتَجَز)
_٤١_(نُقُوشٌ مُتبادلةٌ)
_٤٢_(ثلاثة قُبْل فوق ضريح الصقيع)
اقتباس_٦_ (لحن النهاية)
_٤٣_(الفَرِيسَةُ و الصَّيَّادُ)
_٤٤_(ليلةٌ مُلطخةٌ بالماضى)
_٤٥_(اختطاف أرعن)
_٤٦_(جسدٌ مُدنسٌ وروحٌ مُفارقةٌ )

_١_ (صفعةُ تعارف)

26.5K 865 70
Door Hader3112

قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للبراء بن عازب رضي الله عنه:
(( إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن  ))
[متفق عليه] .
_____________________________________

البداية ٦/١٢/٢٠٢٢
(صفعةُ تعارف)

حان الوقت ليكون طريقنا واحد فى البداية رغم كل  الغُربةِ ثم نفترق و نعود مجددًا لنفس النقطة فى النهاية مع كل الأُلفةِ.
تلاقى و غُربة، و الفعل أعنف برد أهوج، و بين طيات التناقض نقع فى شىء لا نرغبه، العشق ربما، لا أحد يدرى .

"فَاتِنَةٌ هِىَ وَ الْفِتْنَةُ كَلِمَةٌ لَا تَكْفَى وَصْفَهَا
أُقْسَمُ أَنَّ الْفُؤَادَ تَعَلَّقَ بِهَا دُونَ أَنْ يَعَى اسْمُهَا
فَكَيْفَ الْحَالُ مَعَ الْمُحَالِ؟!
فَهِىَ صَغِيرَةٌ أَطَاحَتْ بِكَهْلٍ فِى الْحَالِ."
_غيث الحديدى

_____________________________________

بمدينة القاهرة، مدينة الإزدحام و العمل، التكدس السكانى و التقاطعات المرورية العديدة و حوادث الطرق التى لا مفر منها، نفقد عزيز و نقابل أعز و بين كل ذلك يظل سؤال واحد هو المطروح متى الراحة ؟ و هل هناك ما يدعى بالراحة ؟!

فى يوم مشرق، الشمس ساطعة و أشعتها تتلاعب بحرارة الجو، و الكل يسارع لعمله لا وقت للكسل و التراخى، فالوقت كالسيف بتلك المدينة إن لم تقطعه نهشك بضراوة كوحش كاسر لا يعرف الرحمة،و لن يتهاون أة عابر على النهش برفقته، ككل البشر ما أن تتاح لهم الفرصة لإظهار حقيقتهم البشعة .
و رغم كل هذا مازالت تلك الفتاة نائمة، غير عابئة بيومها الدراسي الأول و جدول المحاضرات المزدحم حتى قبل أن تقدم أوراقها الرسمية.
لكنها فى عالم آخر، حُلم جميل يراودها و لا شئ يهم سوى أن تكمل ذلك الحلم، تريد أن تراه، ترى ملامح ذلك الفارس من لا يفارق أحلامها و يعطيها أملًا فى الغد رغم سوداوية الأمس و بشاعة ما قبل الأمس ، فقط مجرد صور مشفرة، غير واضحة، خيالات لا يمكن تجميع معلومة واحدة مفيدة منها سوى أنه يحب المطر، دائمًا يصاحب وجوده مطر شديد و رغم التشتت مصرة على أن تراه، أن تلمح طيفه و لو من رقعة بعيدة
كان كالغيث ................
و لكن مع كل تلك الضوضاء و الصراخ المستمر من والدتها لن تتمكن من اكمال ما عزمت عليه و سيضيع الأمل المتجدد منذ ما يقرب من العامين

حيث صاحت والدتها بحدة قائلةً بينما كانت تحاول بشكل مستميت لإيقاظ تلك الكسولة :
يا بنتى قومى أنتِ مش قيلالى أصحيكى سابعة الصبح ، الساعه بقت تمانية بقالى ساعة بناحى فى ايه قومى بقي الله يكرمك ،عايزه تتأخرى من أول يوم و لا ايه؟
اللى فى داء مش بيبطله أبدًا

هتفت "رنا" بعبوس و هى ما تزال متسطحة على الفراش واضعةً الوسادة فوق رأسها رافضة أن تصل الأصوات الخارجية لأذنها :
ياماما أنا بنتك بقالى كام سنه؟ كتير صح .
معرفتيش كل دا انى دايمًا بحط احتمال اتأخر و بقولك قبلها بساعة يعنى أصلًا أنا مفروض أصحى تمانية و الساعة دلوقتى تمانية يعنى أنا متأخرتش ،أفهمونى بقى يا عالم ،أنا عارفه أنا بعمل ايه كويس
تنهدت والدتها بتعب ثم قالت  وهى تحاول سحبها :
طب قومى ،الفطار جاهز و الشاى على النار
قومى اتوضى و صلى على ما أصب الشاى ،خلينا نبدأ يومنا بدرى عايزه أروح الشغل مره فى ميعاده مش كل مره اتأخر بسببك كدا
ابتسمت "رنا" بسخرية و قالت بينما كانت تتثائب لا إراديًا بعد أن نهضت و جلست متربعة على فراشها  :
بطلوا حجج فاضية بقي ياعالم ،أنتِ مش بتتأخرى بسببى ،أنتِ بتتأخرى عشان بتعدى كل يوم على عم جمال تصبحى عليه ،فاكره انى مش عارفة يعنى، جرى ايه ياعم الرومانسي أنت؟ أنا عارفه كل حاجه بس بحب أستعبط
انفجرت والدتها من الضحك على حديثها ، لكن قلبها بدأ يؤلمها مجددًا فحاولت ضبط وتيرة أنفاسها لكى لا تنتبه لها ابنتها و يراودها القلق بشأنها ثم قالت :
يابنتى مش كدا، حد يسمعك يفهم غلط ، عمك جمال دا أخر حاجه حلوة من ريحة المرحوم أبوكى ،كفايه انه الوحيد اللى بيودنا رغم انه مش مطالب يعنى كان جدك و لا عمك اللى أنتِ من لحمهم و دمهم أولى يعملوها ،بس هنقول ايه بقى، سايبنا ،يلا الحمدالله على كل حال ربنا كريم

لوت"رنا" شفتيها بتبرم ثم قالت :
خلاص و الله عرفت و حفظت هقوم اتوضى و أصلى على ما تصبى الشاى ياست الكل يا قمر يا عسل أنت
بصى هما تلت ثوانى بالظبط و أكون قدامك بنفطر يلا بسرعه
استعداد انطلاق

هرولت تلك الشقية للمرحاض بطريقة درامية تاركة والدتها خلفها تجاهد نفسها بألا تضحك على طفلتها الصغيرة
من يصدق أنها كبرت و سترتاد الجامعة التى حلم بها والدها فى الماضى و ها هى تحقق ذلك الحلم ممسكة به بيدها و أسنانها
كم تلك الحياة غريبة، منذ عامين كان المنزل يحتوى على ثلاثة أفراد ملئ بالضحك و الصوت الصاخب و المقالب الطريفة ،لا أحد يمكنه أن يعرف أن رحيل شخص واحد قد يجعل الحزن يرسم للأبد فوق جدران ذلك المنزل حتى لو تظاهر أهله بأن لاشئ حدث و أن الحياه ستمضي رغمًا عنهم.

و قبل خمسة أعوام كان يحتوى على أربعة،و عُدى أول من رحل من بينهم ليلحق به والده بعد سنوات ضئيلة.
حقًا لا شىء متوقع فى هذه الحياة

حول مائده الطعام جلست "رنا" و هى تتناول أى شئ تطاله يدها سريعًا فلقد أمضت فى المرحاض ما يقرب من النصف ساعه تاركةً والدتها تصرخ باستمرار عليها و ها هى الأن لا تملك الوقت الكافى للإفطار حتى.

نظرت لها والدتها بسخرية ثم قالت بينما كانت ترتشف بعض القطرات من كوب الشاى الخاص بها :
عجبك منظرك دا ؟ و مش بتأخر و عامله حسابى و بصحى بدرى و بتاع ،و اديكى بتاكلى زى القرود عشان تلحقى ، أنتِ مش بتتعلمى أبدًا
هزت "رنا" كتفيها بلا مبالاة ثم قالت ببساطة :
و مالهم القرود ياست ماما ، على الأقل مسليين و ليهم فايده ، أصلًا أنتِ من غيرى متعرفيش تقضى اليوم عملالك حس و ونس كدا ،والله أنا بنت باره بأهلها ، خمسه عليا بجد
على رأى فوفا خمسه أمواه و اسكوزمى اسكوزمى يعنى
همست والدتها بخفوت قائلةً :
مش هتبطلى تناكشى فيا كدا أبدًا صح؟
أجابتها الآخرى بينما كانت تتناول شطيرة المربى الصغيرة :
لا ياست ماما أنا هفضل كدا على قلبك انكشك و أعصبك و أحبك ، احنا ملناش غير بعض يا أختى
ربتت والدتها على كتفها بحنان ثم قالت :
على قلبى زى العسل و الله بس انجزى هتتأخرى كدا
نهضت"رنا" مسرعة و هى تحزم حقيبتها لكن ما أن رأت الساعة خلفها شهقت قائلةً :
أنا أتاخرت فعلًا ، سلام
أسرعت فى خطاها إلى وجهة من المفترض أن تكون بداية لتحقيق حلم والدها الراحل .

جامعه القاهرة، حلم لرجل بسيط لم يرد فى حياته سوى أن تكون ابنته" المهندسه رنا حسام راشد"
أراد أن يحقق حلمه الذى مُنِعٓ من الوصول اليه بسب
والد متسلط لا يهتم سوى بالمال و لا شئ غيره، لا يرى أحلام أطفاله مهمة؛ فالابن يُولد ليعمل منذ الصغر لجنى المال و لا يهم تعليمه و الفتاة فقط كر تعمل فى المطبخ تساعد أمها إلى أن تتزوج لتملك مطبخها الخاص و لا شىء أكثر من ذلك .
تفكير عقيم لبعض الطبقات التى ربما ليست فقيرة كمستوى اجتماعى و لكنها فقيرة كعلم و معرفة بالأمور الحياتية و الحقوق البشرية و الأهم العلاقات الإنسانية.

_____________________________________

فى مكان آخر ،بإحدى العمارات السكنية ،تقف "ياسمين" فى المطبخ ،فتاة بمُقتبل العمر تعد الإفطار لها و لشقيقها الوحيد ،فقد رحل والديهما مبكرًا و لم يبق لهما سوى بعضها البعض .

استيقظ شقيقها بعد فترة و بدأ فى تصرفاته الصبيانية كالمعتاد ،رغم أنه أكبر منها بعدة أعوام لكنها تشعر فى بعض الأحيان بأنها والدته و ليست شقيقته ،فقد اعتادت على الاهتمام به كما اعتاد هو الآخر على حمايتها .

بدأ "أحمد" فى تناول الإفطار معها و مناقشة خط سيره و بعض الأعمال المتعلقة بشركتهم فهى أحد المدراء الثلاثة بالإضافة له و لصديقه "غيث"

نهض بعد أن أنهى طعامه و اتجه لغرفته ليكمل ارتداء ملابسه ،ثم أخذ مفاتيح سيارته و اتجه للباب
ترك شقته التى تقع فى الدور الثالث و هبط على السلم مُتجهًا لسيارته لكن اعترض طريقه إحدى السيدات و التى تسكن فى تلك العمارة برفقة زوجها ،وقفت أمامه مانعةً هبوطه و قالت بدلال مصطنع :
اذيك يا استاذ أحمد
استنكر حديثها بحاجب أيسر مرفوع و قال مصححًا بغرور و هو يتظاهر بضبط ياقة قميصه :
مهندس أحمد
أطلقت تلك المرأة ضحكة خليعة ،رنانة تلائم مثيلاتها و قالت بينما كانت تتعمد الإقتراب منه :
طب ما نشيل الألقاب خالص و نخليعها أحمد و بس
رمقها "أحمد"بإشمئزاز و هو يهتف متسائلًا بحدة بعدما هبط عدة درجات كى يكون بعيدًا عنها :
هو استاذ عصام جوزك فين ؟
تخصرت"لبنى" أمامه بدلال و هى تقول بينما كانت تغمز بعينها:
ليه السيرة دى ؟ما كنا حلوين
كزّ على أسنانه بغيظ شديد من تلك المرأة التى لا تحترم زوجها و قال بحدة بينما كان يكمل هبوطه :
لا مكناش ،أحترمى جوزك شوية يا استاذه لبنى

صمت للحظات ثم ألقى بجملة مقتضبة و علامات الاشمئزاز تظهر بوضوح فوق صفحة وجهه:
أخرتك هتبقي وحشه يا مدام لبنى

تركها و هو غاضب بشدة ،يكره هذا النوع من النساء و يخشى أن يقع فى واحدة مثلهم خاصة بأفعاله ،يعلم أنه ليس مثال للنزاهة و الشرف لكنه ضائع و مشتت ،فهناك من تتلاعب بفؤاده و لا تهتم به من الأساس ،و هذا ما جعله يلجأ للهروب بأخريات ،طريقة خاطئة و عواقبها كارثية.

أوقفه البواب قبل أن يصعد لسيارته و قال و هو يناوله ظرف به العديد من الأموال :
اتفضل يا أحمد بيه ،دا إجار الشهر من سكان العمارة
تعجب"أحمد" من تصرفه و قال :
ما توصله لجدى يا حسنى ،زى كل شهر
حمحم البواب قائلًا:
هو قالى إنك اللى هتوصلهم يا بيه

تفهم "أحمد" ذلك و أخذ المال ثم انطلق، انعطف أولًا إلى البناية الآخرى التي يسكن بها جده.
دخل للمنزل مُستعملًا مفتاحه الخاص و قال ما أن لمح جده فى الشرفة يتحدث مع جارته المُسنة:
الحجوج بتاعنا نظامه ايه ؟! فى حاجه شغلاك عننا و لا ايه ؟!
تعمد أن يغمز لتلك الجارة المُسنة و خجلت هى من جرأته تلك، تركتهم و أغلقت شرفتها، و طالعه جده بضيق و هو يتمتم بسؤال مقتضب بعد أن دخل و تركه بالخارج :
جاى ليه يا ولد ؟!
أجابه بسماجة شديدة بعد أن دلف خلفه :
جاى أدحرج التماسى عَلِى فاكرنا و عامل ناسى
و كعادة نقاشاتهم  الهزلية، يتقدم "البلعوطى الكبير "  و يمسك بأذن حفيده و هو يقول مُعنفًا إياه على طريقته تلك :
بطل قلة ادبك دى، أنا جدك مش واحده صاحبتك
و لكن ذلك الوقح لا يتراجع، بل يتفاخر بوقاحته و يقول :
"أحمد" و قلة الأدب ميتفارقوش
لازقين بغيره فى بعض و صعب نعيش من غير بعض

زفر "البلعوطى " أنفاسه بحنق و قال و هو يتجه للمطبخ كى يحضر الطعام :
هات الفلوس و امشى، مش عايز صداع على الصبح
و لحق به حفيده و كلماته  تصل قبل جسده :
مفيش فلوس
فى حب، تاخد و لا نبوس ؟!
صفعة قوية فوق مؤخرة رأسه كانت الرد الوحيد على حديثه و لم يعترض بل ظل لدقائق برفقة جده، يتناول الإفطار معه  رغم عدم خواء معدته، لكنه يهوى مشاركة الطعام مع من يحب
رحل بعد فترة قصيرة و ظل جده يراقبه من الشرفة و يتمتم بهدوء :
"حلنجى زى جدك يا حبيب جدك"

عائلة مشاغبة، مُسلية من الطراز الأول و تخفى العديد خلفها، فلا تنخدعوا بالظاهر؛ فالباطن عاصف كرياح عاتيه تقتلع الأغصان كلها دفعة واحدة.

_____________________________________

كما أعتاد فى كل عام منذ أن بات شابًا له حرية التنقل لأى مكان يريده دون الرجوع لوالدته و تسلطها الدائم.

يقف أمام قبر شقيقه الراحل ،ذلك الصغير الذى تم اغتياله قبل أن يكمل العشر سنوات حتى ،ربما كانت رصاصة واحدة و لكنها قتلت ثلاثة أشخاص
و كان هو أحدهم و الأصعب من بينهم جميعهم ،فما نفع الحياة و الألم يحيط به من كل إتجاه ؟!

تنهد "غيث" تنهيدة عميقة ثم قال بألم و هو يطالع اسم شقيقه المحفور على هذا القبر:
وحشتنى أوى يا ليث
ياريتك كنت هنا ،يارتنا كملنا لعب سوا
أنا آسف ،عمرى ما هسامح نفسى على اللى حصل

توقف عن الحديث للحظات ،فقد شعر بالإختناق ،لكنه حاول دفع نفسه و الإكمال :
أوقات بحس أنك مشيت عشان تسبنى أعانى لوحدى ،كلهم بيمشوا و للآسف كنت أنت أولهم

لا يدرى لمَ فى ذلك التوقيت تذكر إحدى المقالات التى اعتاد على قرائتها بين الحين و الآخر؟!
كأنها تصف جزء من حياتها و صنف من أعنف ما جاء في الأدب الإسباني
"لم أسامح أخي التوأم الذي هجرني ل ستِ دقائق في بطنِ أمي، و تركني هناك، وحيداً، مذعوراً في الظلام، عائماً كرائد فضاءٍ في بطنٍ أمي، مستمعاً الى القبلات تنهمر عليه من الجانب الآخر .
كانت تلك أطول ست دقائق في حياتي، و هي التي حددت في النهاية أن اخي سيكون البَكر و المُفضل لأمي.
منذ ذلك الحين صرتُ أسبق أخي من كل الأماكن
من الغرفة، من البيت، من المدرسة، من السينما، مع أن ذلك كان يكلفني مشاهدة نهاية الفيلم.
و في يومٍ من الأيام إلتهيتُ فخرج أخي قبلي إلى الشارع، و بينما كان ينظر إلي بابتسامته الوديعة، دهستهُ سيارة، أتذكر أن والدتي، لدى سماعها صوتُ الضربة، رَكضت من المنزل ومرت من أمامي، ذراعاها كانتا ممدودتان نحو جثة أخي لكنها تصرخُ باسمي، حتى هذهِ اللحظة لم أصحح لها خطأها أبداً
"مت أنا وعاش أخي"

كان ذلك رجاءه الوحيد طيلة تلك السنوات، أن يكون العكس ما حدث، أن يموت "غيث" و يظل "ليث" على قيد الحياة، لكن تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن.

دمعة خائنة هبطت على وجنته اليمنى ،كفكفها سريعًا و ارتدى قناع الجدية الذى اعتاد اللجوء له فى كل مرة أوشكت حقيقة ضعفه على الظهور للسطح .
سحب نفسًا عميقًا يملىء رئتيه بالهواء ثم رحل مُتجهًا لعمله ككل يوم ،غافلًا عن لقاء أسطورى سيغير مجرى حياته فيما بعد .
"حان للغيث أن يروى صحراء قلب أحدهم "

"يحصل الموتى على الزهور أكثر من الأحياء ،هل تعرفون لماذا !؟
لأن الندم أقوى من الامتنان "
_آن فرانك

_____________________________________

فى منزل كبير ،مكون من طابقين يشبة السرايا فى تكوينه و بجانبه ملحق صغير .
منزل عائلة" راشد" أكبر عائلات تلك المنطقة و التى تعمل بتجارة الأقمشة منذ عقود طويلة ،فتلك حرفتهم الوحيدة ،حتى ذاع صيتهم و باتوا أشهر تجار الأقمشة ليس بمحافظة القاهرة فقط بل امتدت شهرتهم للعديد من المحافظات المجاورة

وقفت امرأه فى عقدها الخامس ،لا تعرف معنى الرحمه أو حتى مشاعر الأمومة ،هى فقط تتغذى على الشر و جرح أقرب الأشخاص لها ،فهدفها من البداية ليس انشاء عائلة ،بل السطو على كل قطعة نقدية تمتلكها تلك العائلة ،متناسية و متغافلة عن أطفالها و دورها الأساسى كأم لهم
أنها "سهير"زوجة الابن الثانى لتلك العائلة ،لكنها سيدة المنزل بعد رحيل الابن الأول و تركه لثروة والده ،فقط اختار الحب و ضحى بالمال ،و كان اختياره أكثر من صائب .

وقفت"سهير" بشموخ غريب و هى تلقن الخادمة ما ستعده اليوم من طعام ،اعتادت الأمر و النهي ،اعتادت أن تكون سيدة القرار فى هذه المنزل ،تتعامل مع الكل و كأنهم تحت سُلطتها ،حتى أطفالها ،كانوا مجرد أداة لتتوغل فى هذا المنزل ،افسدتهم بعدم تربيتهم ،أحدهم مضطرب لا يمكن تنبأ أفعاله و الآخرى تتفن فى الاضطراب و كأنه هوس مصاحب لها ،فطرة طبيعية حين تكون والدته أفعى .
و بينما كانت تلك المرأة تهم بالصعود لغرفتها مجددًا وجدت زوجها يهبط و يتجه للباب الخارجى دون حتى أن يلقى عليها تحية الصباح ،فصاحت هى متسائلةً بضيق :
رايح فين يا ابراهيم ؟
لم يلتفت لها ،لا يريد رؤية وجهها ،اكتفى بقول كلماته بنبرة ساخرة:
رايح شغلى يا سهير ،زى كل يوم ،مزهقتيش من السؤال ؟
أنهى حديثه و رحل صافقًا الباب خلفه بقوة ،بينما عقدت هى ذراعيها أمام جسدها و قالت بفحيح أفعى :
زهقت، زهقت منك و من عيشتى معاك يا "ابراهيم"

علاقتها بأطفالها غير طبيعية و بزوجها كارثية، فما هذا العبث المحيط بها و بأى صف هى؟!

_____________________________________

(جامعة القاهرة )

وقفت "رنا" أمام بوابة الجامعة بنظرة أمل و أحلام وردية ، لا تفكر سوى بلافتة كبيرة مدون عليها شركة راشد للهندسة لمالكتها المهندسة رنا حسام راشد ،و لكن هل كل حلم ينال ؟

أخرجها من أفكارها و أحلامها تلك صوت عالى و لم تكد تلتفت لتجد نفسها أمام سيارة سوداء أوشكت على دعسها ،فسقطت من هول الصدمة و التوى كاحلها نتيجة ذلك لتأن بألم شديد و هى تحيط بقدمها
بينما هبط "غيث" سريعًا من سيارته و وقف أمامها و قال :
أنتِ كويسه ؟ فى أى حاجه بتوجعك ؟

رفعت"رنا" رأسها ترمقه بغضب شديد و لكن مع ذلك ضغطت على نفسها متحاملةً بشدة و هى تنهض مُستندةً على السيارة من خلفها و قالت :
لا محصلشى حاجة
رغم ألمها و لكنها لم تشأ أن تزيد من الأمر و حاولت الإعتماد على نفسها و أن تكمل السير لكن دون أى فائدة فمع أو خطوة تخطوها صرخت بألم بسبب كاحلها و سقطت على الأرض مجددًا ،فاسرع هو لها و قال بعد أن هبط بجذعه ليكون بمحاذاتها :
تقريبًا لويتى كاحلك

أنهى"غيث" جملته و طالع أعلى جبتها فقد كان هناك جُرح صغيرا آخر ،ظنت أنه يطالعها لغرض غير نظيف لذلك قاطعته و هى تهتف بصرامة :
هو حضرتك دكتور و هتشخصنى يعنى ؟!
حرك رأسه نفيًا و قال بتوضيح رغم ضيقه من تلك المعاملة الخشنة و التى لا داعى لها بالنسبة له:
لا مش دكتور، بس ممكن أوصلك للمستشفى لو تحبى؟ بما إنى السبب
رمقته بنظرة حادة ثم نهضت مجددًا و هى تقول بإقتضاب لاذع :
شكرا مستغنيه عن خدماتك

لكنها ما أن التفتت لترحل تعثرت بشىء ما و كان لثوبها النصيب الأكبر حيث التف حول قدمها و كادت تسقط بقوة، فأسرع هو دون أى تفكير يمسك بها و هو يصرخ عاليًا دون وعى منهبسبب سرعة الأحداث:
حاسبى يا آنسه
و يا ليته لم يفعل، حيث لامست أصابعه و هو يحاول سندها نقطة معينه بظهرها، عقدة حياتها ليكون رد فعلها غاية فى الصرامة و العنف
فبلمح البصر كان صوت الصفعة و اثار أصابعها على خده أسرع بكثير من رد فعله.

فتاة تخشى الإقتراب و التعامل و رجل غضبه حين يتملك منه يصبح كإعصار يقتلع كل ما يوجد حوله، فيكف سيكون اللقاء القادم ؟

"تأخذنا الحياة لمنحنيات قد تكون سبب تعاستنا لبعض الوقت و لكن قد نرى الضوء فى نهاية النفق و نكمل على أمل الوصول يومًا ما، فهل سنصل حقًا؟"

_يتبع_
_الجزء الأول، الفصل الأول_
_مريض نفسى بالفطرة_

_____________________________________

Don't forget the vote, please
أتمنى الفصل الأول يعجب حضراتكم و مستنيه أرائكم، تصبحوا على خير

Ga verder met lezen

Dit interesseert je vast

11.6K 974 32
" مشاعرهم النقيه والتى وُلِدت فى ظلام الخوف والفقدان ، مشاعراً كُتِب لها أن تَكبُر ، كُتِب لها أن تنتصر على قسوة الأيام " -تَزول آلامُ جِراحنا وتبقى...
191K 10.1K 65
سَنلتقي .. رُبما يكون لقاءً بارداً تكتمُ فيه غيرتك وأمسكُ فيه لِساني عن اُحبّك ستنظر اليّ ، وسأنظر للجميع عداك .
1.5K 136 11
للعشق قيود، فــختلف عشقي كان ك بحراً عميقٍ ملئ بالامواج التي تُسقِط من لا يعرف العوم في بحر الحب ... من لا يحب اخاه ؟ كُلنا نحب اخواتنا حتا وان فع...
12.7K 1.3K 25
زينب سلامة _ روضة مجدي العمل مأخوذ من احداث حقيقة .. لم أتحدث عنها كثيرًا٬ ولكن بإمكاني قول انك ستدخل الي عالم جديد لم تأتي إليه من قبل بقلم /زينب...