رحلة عبر الزمن

By NoraSaad436

70.3K 5.5K 231

كانت تعيش بمفردها في منزلها، لا يوجد لها أحد غير رفيقة دربها وخطيبها، ولكن في لمح البصر تغيّر كل شيء! بين ليل... More

الفصل الأول
الفصل التاني
الفصل التالت
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الحادي والعشرين
الثاني والعشرين
أعتذار
الثالث وعشرين
الرابع والعشرين
مهم
الخاتمة.
خبر مهم.
أقتباس من رواية المعرض.
مفاجأة مهمة❤
خبر جايز يكون مهم للبعض.

الفصل العشرين.

1.6K 171 7
By NoraSaad436

ـ يعني هنسيب شوية العيال دول يعلموا علينا ونسكت يا عمر؟ هي دي أخرتها؟
هكذا هتف مصطفى والشرار يتطاير من عيناه، بينما الأخر فكان يستمع له بمشاعر متضربه، نظر له وأجاب:
ـ عايز تعمل إيه يا مصطفى؟ مش كفاية أن أنت اللي بدأت أصلًا، وأنت السبب في الحوار كله!
حقًا تذكر أن هو السبب الرئيسي في كل ما حدث من الأساس، بينما مصطفى فهتف بتذمر قائلًا:
ـ يعني كان عجبك القرون اللي لبستهالي دي؟ يعني خلاص يا عمر مش عايز تاخد حقك؟ بقى حتت بت تعملك ملطشة كده عادي؟ يا عم لو أنت موافق بالأهانة اللي حصلتلك أنا مش موافق وهعرف أخد حقي من شوية العيال دول.
من الواضح أن حديثه حماسه بشده! لذلك نظر له بشر هو الأخر وهتف:
ـ هتعمل إيه؟
مسك كوب الشاي من جديد، أحتسى منه الجديد ثم هتف:
ـ نخطفهم ونديهم العلقة التمام، وناخد حقنا، وتسبلي أسيل أخد حقي منها.
كان يتحدث والشر يقفز من مقلتيه! وقبل أن يرد عمر بدأ أن يفكر في الأمر بشكل عملي أكثر؛ فهو ليس له عدأ مع أسيل من الأساس! وما حدث كان لأنها تظن إن هو السبب في معرفة الشرطة بخطتها، ولكن عندما عُلِمت الحقيقة تركته وكانت مواجهتها بشكل مباشر مع مصطفى، إذن ما دخله هو بكل ذلك العبث؟ ولماذا يريد أن يُدخِل حاله في متاهات لأجل الولا شيء!؟
فاق من شروده على صوت مصطفى وهو يقول له:
ـ بس عرفت هنعمل إيه، أحنا هن..
ـ بقولك إيه يا مصطفى أنا مليش دعوة بالحوارات دي، الحوار كله برا عني أصلًا!
هكذا هتف عمر بحنق وهو ينهض من مكانه، بينما مصطفى نظر له بصدمة من رد فعله المفاجئ ثم قال:
ـ في إيه يا جدع؟
ـ سلام يا مصطفى.
وتركه وغادر المقهى! بينما مصطفى فكان الغيظ يتطاير من عينه أكثر، ولكنه كان عاجر عن التفكير!
وخُتم ذلك اليوم وهو يحاسب على مشروباته ثم عاد لمنزله وهو مازال يفكر كيف سأخذ حقه من أسيل، ولكن تفكيره لم يأتي بفائدة!
                        *******************
ـ بيتي، رجعت بيتي مش مصدقة!
هكذا هتفت أسيل وهي ترمي بجسدها على الأريكة، بينما نوح ففعل مثلها وهو يعقب على حديثها ساخرًا:
ـ ليش حال كنتِ في البيت من كام يوم! أومال أنا أقول أيه؟
ابتسمت له نصف ابتسامة وقالت:
ـ الصراحة أنت أتمرمط معانا أنا عارفة.
ولكنها واصلت بتهكم:
ـ وبعدين ما كله من الحاجات اللي عايزها الله!
كانت ليلى وسفيان يجلسون على الكراسي بجوارهم، نظرت لهم ليلى وهي تنهض من على ذلك الكرسي اللذي جلست عليه فور دخولها لمنزل أسيل وقالت:
ـ بس صداع بقى أنت وهي، أنا عايزة أنام، ورجلي... رجلي هتموتني ياللي منكم لله، يلا سلام.
ـ أستني، أستني أجي أوصلك.
هكذا هتف سفيان موجهًا حديثه لليلى، نظرت له ليلى وقالت:
ـ لا مفيش داعي.
ـ لا لا أزاي يلا.
قالها بعدما نهض من مكانه، بينما ليلى فنظرت له وقالت:
ـ يا بني اسم...
ـ ما بس صداع بقى، وأنتِ يا ختي ما تسيبي يوصلك، هي أول مرة!
هكذا قطعت أسيل ليلى بتهكم، ابتلعت ليلى كلماتها وترجلت مع سفيان في صمت، ودعهم سفيان وليلى، وقبل أن يغلقوا الباب خلفهم كانت كريمة تمسك الباب من يد سفيان وتهتف بسعادة بالغة:
ـ نوح، نوح أنت رجعت يا حبيبي.
ضحكت ليلى وقبلتها ثم لوحت لهم وترجلت مع سفيان للأسفل.
دخلت كريمة لمنزلهم ورحبت بهم كثيرًا، بعد الترحيب والتحية جلست بينهم وبدأت تسأل نوح ماذا حدث له، وماذا جرى له.
سرد لها كل شيء وقع فيه ومع كل حدث يسرده كان يدعي على أسيل! وأسيل لا تعقب، فقط تشيح بيدها في الهواء بتذمر وتبعد وجهها عنه، هكذا أستمروا حتى أنتهى من قص كل شيء حدث معه، كانت كريمة تضحك على الأشياء العجيبة التي وقع فيها، ومع انتهاءه ربتت على ساقيّه قائلة:
ـ المهم أنك رجعت لينا تاني يا بني، وأديك وسطنا أهو.
ـ عندك حق يا كريمة، وإن جيتي للحق برضه رجعت بفضل الهانم.
قال جملته زهو ينظر لأسيل، وابتسامة لطيفة رُسمت على ثغره، نظرت له أسيل وهي تضيق عينيها ثم هتفت بتذمر:
ـ يكش يطمر فيك.
ضحك الأخر عليها ثم نهض وهو يتثأب ثم قال:
ـ طب هطلع أنا بقى أنام شوية، بقالي اسبوعين مش عارف أنام.
ـ هبقى أشوف حاجة ناكلها كده وأجي أخبط عليك تاكل.
ـ ماشي.
أنتهى من حديثه ثم صعد لغرفته، بينما كريمة فنظرت لها بفخر وهتفت قائلة:
ـ براڤو عليكِ، كنت عارفة إنك هتعرفي ترجعيه.
ـ والله يا كريمة ربنا سترها معانا، يمكن عشان هو عبيط وأهبل!
ضحكت كريمة على كلماتها، لكنها توقفت عن الضحك فاجأة، نظرت لها وبتردد قالت لها:
ـ على فكرة أنا في حاجة مقولتلكيش عليها.
ـ خير يا كريمة؟
ـ حبيب سأل عليكِ كتير، أيام ما كنتِ مع نوح، كان بيجي يسأل عليكِ، وفي كل مرة مكنش بيلاقيكِ كان بيعدي عليا وبيسألني عليكِ وكنت بقول أي كدبة، وأخر مرة جيه أمبارح، وبرضه مكنتيش موجودة راح زعق معايا وقعد يتخانق، وأتضريت أقوله على اللي فيها.
ضربت أسيل على خديّها، نظرت لها وهي على وشك البكاء ثم هتفت قائلة:
ـ يلهوي يا كريمة كل ده حصل! مقولتليش ليه؟ وبعدين.. وبعدين هو الكلام ده يتصدق طيب؟ هيفتكرنا بنشتغله طبعًا.
رسمت على شفتيها ابتسامة مصطنعة وقالت:
ـ ما هو فعلًا مصدقش، ودماغه سوحته بقى إنك ماشيه مع نوح، وقال لتكون هربت معاه، أنا لحد هنا ومستحملتش، وقولت لازم أعرفه اللي حصل بدل ما دماغه تروح لبعيد، وعشان يصدق قولتله أن الأسطوانة اللي كنتوا بتدورا عليها دي معاكِ وكده.
ـ أحيه يا كريمة أحيه.
هكذا هتفت أسيل وهي تضع يدها على رأسها، تشعر أن رأسها تدور بها.
ربتت كريمة على كتفيها ثم نهضت وهي تقول لها:
ـ أهدي يا بت في إيه، حبيب بيحبك وأصلًا هو واثق فيكِ، كلامه ده من خوفه عليكِ مش أكتر، روحي نامي يلا وأنا هروح أجهزلكم حاجة تاكلوها أنتِ والواد اللي فوق ده وأجيلك تاني.
ابتسمت لها أسيل ثم عانقتها بإمتنان، نهضت من مكانها وودعتها، بعد غلق أسيل للباب إتجهت نحو غرفتها دون تردد، بدلت ملابسها سريعًا ثم رمت بجسدها على الفراش وفي ثوانٍ كانت تسابق الأحلام.
                        *******************
رجعت ليلى لمنزلها، لم تقابل أحد، لا تعلم أين هُم والدتها وشقيقتها، ولكن لا يهمها من الأساس.
ترجلت نحو غرفتها وبدلت ملابسها لملابس نوم مريحة، جلست على فراشها ودموعها بدأت في الهبوط في صمت، لا تعلم هل تتجاهل أن سفيان دون أن يقصد دهس كرامتها وكبرياء أنوثتها؟
هل تأخذ خطوة للخلف في علاقتها معه؟ أم تتجاهل كل شيء وتستمر في علاقتها معه كما كانت، وتنسى ما قاله لها من أجل مرضها؟
فهي حقًا لم تنسى إنه هو السبب الرئيسي في تعافيها تدريجيًا من مرض الوسواس القهري، ومن هنُا أخذتها رأسها لذكرى ليست بعيدة، تلك الذكرى التي قابلتها عندما عُلِمت بطبيعة مرضها، وعندما تقبلتها، وأيضًا عندما أقتربت أكثر وأكثر من سفيان!

ـ يعني حل المرض ده إيه يا دكتور؟ لحد دلوقت وأنا زيّي ما أنا!
كانت تجلس على فراش طبيبتها النفسيّة، وقتها عُلِمت وتيقنت أن لديها مرض الوسواس القهري، وأيضًا كانت بدأت في العلاج، ولكنها ترى أن العلاج بطيء بشكل مبالغ فيه!
وقتها عدلت فريدة نظارتها وقالت:
ـ الموضوع كله هيكون تدريجي يا ليلى، أنتِ قولتِ أن اليومين دول بقت في حاجات روتينية كنتِ متعوده عليها ومبقتيش بتعمليها، وده يرجع للنقطة اللي قولتلك عليها قبل كده، وهي أن من خلال الشخص ده روتينك هيتغيّر، وأنتِ اللي هتساعدي في ده، هتلاقي نفسك بتجربي معاه حاجات جديدة، بتنسي اشياءك الروتينية، بتنسي تطهري أيدك، حتى وسواس الترتيب بقربه منك هتنسى إنك بتتعصبي من عدم الأنتظام.
ـ يعني أنا بخف عشان شخص يا دكتور؟ يعني لو أختفى أنا.. أنا هرجع لنقطة الصفر!
هكذا هتفت ليلى بخوف ينهش في قلبها، ابتسمت فريدة وقالت لها ببساطة:
ـ طبعًا لا يا ليلى، نسيتي خطوات العلاج؟  نسيتي أننا بقينا بنمشي على الأدوية بشكل مستمر؟
واللي بينجّح العلاج ده هو أنتِ، لما عرفتي مرضك وأقتنعتي بيه كانت دي أول خطوة، كونك وقعتي في شخص تقبّلك رغم وسواسك هو ده اللي ساعدك كتير في المشوار، حتى لو التحسن ده بطيء، بس المهم إنه موجود، هو متقبلك زي ما أنتِ عشان كده أنتِ بتحاولي تظهر أحسن ما عندك ودي أهم خطوة في العلاج 
ـ بس أنا خايفة يا دكتور لما يختفي أتنكز!
هكذا صرحت لطبيبتها عن مخاوفها! مسكت فريدة قلمها وعبثت بهِ قائلًة:
ـ ده أحتمال يا ليلى فعلًا، لكن مننساش إن أصلًا كل ده بدأ يحصلك لأن مشاعرك أتحركت نحو الشخص ده، من الأخر كده زي ما قولتلك لما بيدخل شخص لحياتتنا وبيكون قريب مننا بنحاول بكل جهدنا نظهرله أحسن شيء فينا، وبنخفي كل عيوبنا، وأنتِ بالنسبالك عيوبك هي مرضك، فكنتِ بتحاولي تخفيها عنه، ودي خطوة صح، ولكنها ممكن تكون غلط في حين لو الشخص ده أختفى من حياتك.

عادت من ذكريتها وصوت طبيبتها يتردد في أذنها، هذا ما حذرتها مِنه وهذا ما وقعت هي فيه! كرامتها وكبرياءها يعنّفوها وقلبها يقول لها حاولي معه مرة أخرى!
فهي لم تنسي ما قاله لها، ولكنها كانت تحاول أن تتناسى،
حقًا سحقًا لذلك القلب اللعين! يكون أمامه كل شيء واضح لقول إن ذلك الوضع ليس بمكانه وهو مازال يحاول بكل سذاجة!
وفي وسط ضجيج رأسها جاءها مكالمة تليفونية، ولم تكن غير من سفيان! وكأنه قفز من رأسها وجاء ليحادثها في الهاتف!
تنهدت بحيرة، لا تعلم تُجيب عليه أم لا؟ ولكن مهلًا هو زميل لها ليس أكثر أو أقل؛ لذلك أجابت عليه قائلة:
ـ ألو يا سفيان، في حاجة؟
ـ أحم لا مفيش، بس كنت عايز أقولك حاجة وكده.
هكذا هتف في الهاتف بتردد شديد، بينما هي فعقدت حاجبيها متعجبة وسألت:
ـ حاجة إيه؟
ـ عايز أقولك حمدالله على سلامتك وكده، وكمان يعني... هو أنتِ أتكلمتي مع أسيل في الحوار اللي كلمتك فيه قبل كده؟
ـ لا، ليه؟
تنهد ثم واصل حديثه براحة كبيرة قائلًا:
ـ طب هو ينفع متتكلميش مع أسيل في أي حاجة قولتهالك قبل كده؟
أذدردت لعابها بتوتر، حكّت في شعرها وهي تحاول فهم مغزى كلماته، تجاهلت خفقان قلبها وسألته:
ـ ليه يعني؟ مش دي مشاعرك من ناحيتها؟
ـ آه... لا، بصي هو بصراحة أنا حاسس أني ولا بحبها ولا حاجة، شكلي كده كنت معجب بيها، أو بتصرفاتها، لكن مش حب حب، يمكن المشوار اللي روحنا فيه معاها ده وضحّلي ده أكثر، المهم أني مش عايزك تقوللها وخلاص، أشطا؟
حقًا تهللت ملامحها، قلبها كان يتراقص بين ضلوعها، وبفرحة حاولت أن تداريها قالت له:
ـ طبعًا يا بني، متقلقش أنت، والله يسلمك يا سيدي.
ضحك الأخر عليها ثم ودّعها وغلق المكالمة، بينما هي فنظرت لرقمه وهي تبتسم باتساع، وكإنها تقول لحالها هيا جاءت لكِ فرصة أخرى!
                        *******************
بينما عند سفيان؛ فغلق المكالمة وهو يبتسم بتساع هو الأخر، قلبه أرتاح كثيرًا بعدما أطمئن أن ليلى لم تخبر أسيل بشيء من ما قاله لها.
لا ينسى ما قالته أسيل عندما كان نوح مختفي عنها، لا ينسى تصريحها لهم بحبها له، شعر في ذلك الوقت إنه يفيق من دوامة وضع حاله بها، هو لم يحبها، ولا قلبه دق لها من الأساس، فقط كان معجب بها، بحكم إنها أمامه دائمًا في العمل، فتاة جميلة مهذبة بها كل شيء مثالي لِمَ لا؟ ولكن هل هو حقًا يحبها؟ هل تأثر بغيابها عنه؟ هل شعر بالغربة في عدم وجودها معه؟ ويؤسفه القول إن كانت كل أجاباته لا! فأي حب ذلك الذي يتحدث عنه؟
كان يشعر بالراحة بعدما أنتهى من مكالمة ليلى، غلق الهاتف وأخذ وضع النوم وفي ثوانٍ كان يسبح في بحر أحلامه؛ فالأيام الماضية لم تكن بسيطة.
                        *******************
مر اليوم على أبطالنا بسلام، فبعد وقت من راحة أسيل جاءت لها كريمة وأعطتها طعام لكي تأكل وفعلت المثل مع نوح ثم تركتها تستريح، لم تأكل أسيل، فقط وضعت الطعام في الثلاجة وواصلت نوم، بينما نوح فأكل ثم عاد لفراشه ونام من جديد. حَلّ الليل عليهم وأشرقت الشمس بنورها المعتاد.
أستيقظت أسيل على صوت رنين جرس المنزل، قامت على أمتعاض، ولم يكن غير حبيب، فور رؤيته لها رفع لها أحدى حاجبيه وهتف قائلًا:
ـ لا حمدالله على السلامة.
ـ حبيب!
هكذا هتفت متهلله وهي تتعلق بعنقه، بدلها العناق وهو يربت على ظهرها بحنان، أنتهوا من مشهد السلامات هذا وترجلوا لردهة المنزل، جلس على الأريكة وسأل فور جلوسه:
ـ ممكن بقى أفهم؟
تنحنحت وهي تنظر في أركان المكان، عادت بنظرها له وقالت:
ـ ما كريمة قالتلك!
ـ عايز أسمع منك يا أسيل.
تنهدت ثم قالت:
ـ أسمع يا حبيب.
وهكذا بدأت في سرد كل شيء من بداية ظهور نوح لها حتى رجوعه للمنزل بسلام، كان حبيب يستمع لها وهو غير مستوعب ما تقوله، هل ما تحكيه له يعقل حقًا؟ نظر لها بشك وسأل:
ـ الكلام ده بجد يا أسيل؟
تنهدت من جديد وقالت:
ـ أومال بشتغلك يا حبيب!
ـ واللي بعد كده إيه؟ إيه المطلوب منك؟
نظرت له بقلة حيلة، وضعت يدها على خديّها وقالت:
ـ فاضل خطوة وحدة يا حبيب، خطوة وحدة وكل شيء ينتهي.
ـ و زعلانة ليه؟ ما المفروض تفرحي إنك خلاص هتفوقي؟
ترقرقت عينيها بالدموع، لا تعلم ماذا تقول له، حديثه محق، ولكن لا يوجد سلطة لنا على قلوبنا! خرجت من شرودها على صوت حبيب وهو يدير رأسها التي أشاحتها بعيدًا عنه نحوه من جديد وسأل:
ـ في إيه يا أسيل؟
هبطت دموعها بهدوء، وضعت يدها على فمها ولم تجيب، بينما حبيب فقلق على أبنته، فتح لها ذراعيه وهي أرتمت في أحضانه فورًا، ربت على شعرها بحنان وهو يقول لها:
ـ عايزك تفهمي إنك بنتي يا أسيل مش بنت صاحبي، أبوكِ سابك وأنتِ عيلة بضفاير، كنت أنا اللي باجي ليكِ أول يوم مدرسة في كل سنة عشان أديكِ الحاجة الحلوة بتاعت السنة الجديدة، أنتِ بنتي اللي ربنا عوضني بيها، لأني معيش بنات! ولولا إنك مينفعش تتجوزي الواد فادي كان زماني مجوزك من زمان!
بس يلا بقى مينفعش، المهم دلوقت عايز أفهم اللي حصل، وبتعيطي ليه؟
ضحكت من بين دموعها على كلماته، فهي بالفعل تعتبره والدها بحق، من يتخيل أو يصدق أن ذلك الأخ هو من دينًا مختلفًا عن دينها! ومع ذلك هو لحد الأن يحافظ على تلك الأمآنة التي حملها له صديقه.
أنتهت من ضحكاتها وخرجت من أحضانه، مسحت دموعها وقالت له:
ـ بعيط عشان شكلي حبيته يا حبيب! حبيته وأنا معرفهوش! حبيت وجوده ولُطفه ومشاكسته ليا، هو خلاص هيرجع للعالم بتاعه! طب وأنا؟ أنا هعمل إيه؟ كنت خلاص أتعودت على وجوده، أتعودت عليه وحبيت وجوده، بقيت بحس بشتياق له! بيوحشني! كنت قلقانه عليه بشكل عبيط وهو بعيد عني، كنت دايمًا بفكر فيه، دايمًا شايله همه، ده غير أحساسي بالذنب اللي مكنش بينتهي! أعمل أيه يا حبيب؟
هكذا ختمت كلماتها بتنهيدة طويلة، نظر لها الأخر ولم يعقب، حكّ ذقنه ثم هتف قائلًا:
ـ مش عارف أقولك إيه! بس مش هقولك غير اتأكدي من مشاعرك الأول يا أسيل، وغير كده، أصبري لما نشوف أصلًا اللي أنتوا بتخترعوه ده هينفع ولا هيبوظ! عشان أنا بصراحة مش داخل دماغي حوار أنكم هتخترعوا آلة زمن ده! يا بنتي ده لو عرفتوا تخترعوا فانوس رمضان يبقى خير وبركة، تقولولي آلة زمن وحوارات!
ـ يا حبيب، حد يقول كده يا حبيب!
هكذا هتفت أسيل متذمرة، بينا الأخر فأشاح بيده في الهواء ثم واصل قائلًا:
ـ بصي لما البتاعة اللي بتعملوها دي تفشل وتبوظ وأنا متأكد من كده يعني  هجوزهولك أشطا؟
هكذا قال لها ببساطة وهكذا أنفجرت هي ضاحكة، وواصلوا جلستهم وهم يتحدثون في كل شيء حدث معها.
                        *******************
ولكن في زمانٍ أخر، وبالتحديد في منزل يامن وليان.
كانا الأثنين يجلسون يشاهدون التلفاز بستمتاع، ولكن قطع تلك الأجواء صوت رنين جرس المنزل، نهضت ليان من مكانها وترجلت نحو الباب لكي تفتحه، ولكنها تسمّرت في مكانها عندما رأت من الطارق!
ولم يكن غير والدها! ما الذي ذكره بها؟ هل للتو تذكر أن لديه أبنه؟ أم آتِ لكي يسألها عن شيء؟ أو لكي يحبطها بكلماته السامة؟
خرجت من تلك الدوامة على صوته وهو يقول لها:
ـ وحشتيني!
ـ بجد؟
هكذا سألت والدموع تلمع في عينيها، فتح لها أحضانه وأرتمت هي فيه دون كلمة.
تعجب يامن من تأخير ليان وعدم ردها عليه، نهض لكي يرى ماذا يحدث، تعجب من المشهد، ولكنه فاضّه بطريقة لطيفة وجعلهم يترجلون لداخل المنزل.
بعد السلامات والترحيب من الجميع، تنحنح والد ليان قائلًا:
ـ كنتِ وحشاني أوي يا ليان، ونوح.. ونوح كمان وحشني، هو فين؟
ابتسمت ليان بسخرية، نظرت له وقالت:
ـ قولتلك قبل كده ومصدقتش!
ـ يعني اللي قولتي ده بجد؟ لو.. لو كنتِ بتقولي كده عشان موضوع الجوازة فهو خلاص باظ، متخفيش وقوليلي هو فين.
هكذا هتف بلهفة وجديّة شديدة، بينما الأخرى فتنهدت وسندت ظهرها على الأريكة وهي تكتف ساعديّها أمامها وتقول له:
ـ يا بابا اللي حكيته هو اللي حصل، وفعلًا نوح مش عارف يرجع للعالم بتاعنا تاني!
ـ طب فهميني براحة.
وهكذا بدأت ليان في شرح كل شيء حدث مع نوح، ومع انتهاءها من قص كل شيء قال والدها:
ـ كل ده بجد! طب عايز أكلمه يا ليان، عايز أتطمن عليه.
ابتسم يامن، خلع تلك الساعة من يده وقال:
ـ أحنا ممكن نكلمه دلوقت، ممكن يرد.
ـ جرب كده يا يامن.
هكذا هتفت ليان سريعًا، وبالفعل أجروا مكالمة لنوح.

كان نوح أستيقظ منذ قليل، ولكن مع نهوضه من الفراش ترجل نحو تلك المزهرية التي يشحن فيها بطرية الساعة، عبث فيها بعشوائية حتى تأكد إنها شحنت بالفعل.
أخذها وترجل لفراشه بكسل، وقبل أن يفكر ماذا سيفعل كان جاءه مكالمة من اصدقاءه، فتح المكالمة سريعًا وهتف بلهفة وشوق:
ـ وحشتوني يا عيال، عرفت أرجع يا يا.. أي ده؟ بابا؟
هكذا هتف دون تصديق عندما رأه في الشاشة!
أخذ الأخر الساعة من يد يامن وظل ينظر لنوح غير مصدق إنه حقًا أمامه، حقًا أشتاق له كثيرًا، وبدموع ظهرت في مقلتيه هتف قائلًا:
وحشتني يا نوح، سامحني أنا مكنتش مصدق!
ـ وأنت كمان يا بابا وحشتني أوي، كده يا بابا، كده كنت عايز تضيع عمر ليان؟
تنهد الأخر بأسى وقال:
ـ يمكن كنت بفكر غلط يا بني، بس المهم أن الموضوع خلص خلاص، قولي وصلت لإيه؟ وأنت فين؟؟ يامن قالي أنك مش عارف توصل للبنت اللي بتساعدك، أنت فين دلوقت؟
ابتسم نوح بتساع بسبب اهتمام والده لأحواله ولأول مرة!
بدأ يقص كل شيء وصل له، وقص لهم ما فعلته أسيل لكي يخرج من تلك المشفى، وأيضًا شرح لهم ما هي الخطوة القادمة ولكنه لم يوضح شيء، فقط قال ما يجب أن يفعلوه بشكل مفتوح لأنه هو نفسه لا يعلم ما هي الخطوة القادمة بالتحديد، وهل سيستطيعوا أن يفعلوها من الأساس! وبعد المناقشات التي دارت بينهم غلق معهم المكالمة وضحكاتهم تتراقص على ثغرهم.
ترجل للأسفل لأسيل لكي يتحدث معها عن الخطوة القادمة.
كان الباب مفتوح على مذراعية، تعجب نوح ودخل لأسيل وهو يسألها عن سبب فتحها للباب هكذا، وقبل أن تجيب كانت كريمة جاءت حاملة صينية بها طعام.
فحبيب ودعها منذ وقت قليل.
ضحكت أسيل وخبطت بيدها الأثنين في بعضهم بحماس وهي تهتف وتقول:
ـ يا كراميلا يا جامدة، تسلم أيدك والله، مع أن أكل امبارح لسه في التلاجة.
نهت كلماتها وهي تأخذ من يدها الصينية، جلس  نوح على الأريكة وابتسم وهو يقول:
ـ شكلنا هناكل أكل نضيف زي بتاع امبارح صح؟
ـ طبعًا يا بني، أكل امبارح عجبك؟
ـ كان زي السكر يا سكر، تسلم أيدك.
ابتسمت له وجلست بجواره وجلست أمامهم أسيل، تناولوا الغدأ سويًا، بعدما أنتهوا من تناول الطعام حملت أسيل الأطباق الفارغة ووضعتها في المطبخ، وعادت لهم من جديد وبعد المناقشات التي ليس لها فائدة قال نوح:
ـ هو أحنا هنعمل إيه بعد كده يا أسيل؟
ابتسمت أسيل وقالت:
ـ بص يا سيدي، لما حضرتك كنت في العباسية جهزّت أنا كل حاجة كانوا صحابك قالوها وشيلاهم كمان، فاضل بس حضرتك تركبهم وتعمل أي حاجة لدنيتك عشان أنا تعبت الصراحة.
تهلل نوح بسعادة، لا يصدق أن هكذا أنتهى كل شيء، ويتبقى خطوة واحدة فقط! أو هكذا كان يظن!
حطمت أسيل أماله عندما واصلت حديثها وقالت:
ـ ولكن يعني كان في حاجة كده ملقتهاش.
ـ واللي هي؟
هكذا سأل وهو يرفع لها حاجبيه.
نظرت له وتنحنحت ثم قالت:
ـ حجر الطاقة، معرفتش أجيبه منين، وبصراحة كده معرفش هجيبه لأهلك أزاي، أنا زهقت منك وتعبت!
ختمت جملتها وهي تصرخ في وجهه! بينما هو فخبط على وجهه بيأس ثم هتف:
ـ يادي النيلة، أنا زهقت بجد!
ضحكت كريمة عليهم ثم قالت وهي تمسك كوب الشاي في يدها والابتسامة مرسومة على وجهها:
ـ أنا عارفة هتلاقوا فين الحجر ده.
ـ فين؟
هكذا سألوا في نفس واحد، بينما كريمة فأرتشفت من الكوب بتستماع وقالت:
ـ الست جمالات، ست مبروكة وليها في الأحجار الكريمة والحاجات الحلوة دي، هتعرف تدلكم عليه.
ـ دجاله يا كريمة؟ هتودينا لدجالة يا يشيخة!

يتبع...
#رحلة_عبر_الزمن
#الفصل_العشرين
#NORA_SAAD.

Continue Reading

You'll Also Like

338K 34.4K 115
حتى بعدما أغرق الطوفان أرضهم، لم يستسلم البشر و عزموا على إقامة حضارة جديدة ، و حتى بعدما مُسخت الحيوانات، و زَحَفَت جُثَتُ ضحايا الطوفان من أعماق ال...
11.7M 217K 71
" مُكتملة " اول رواية لي كاتبة مبتدئة جدًا اتمنى تعجبكم ونكبر سوا ❤️ ~ كُتبت بواسِطة : الجُّود بِنت آل مطّلق 🌟 ~
13.6K 1.2K 33
نيتروس. قد تشعر انه اسم لكوكب جميل، و لكنه اسم لعشيرة من الكائنات الغريبة كانت أحد اقوى المخلوقات قديماً لكن ألقى الحاكم القديم لعنة عليهم لتُحبس تلك...
4.5M 121K 41
روايتي الثانية مُكتملة ✍🏻 ~ كُتبت بواسطة : الجُّود بِنت آل مطّلق 🌟 ~