The Stalker | المُطارِد

By Mervadoz

678K 36.2K 34.1K

الرّواية من سلسلة VANTABLACK نَافِيير رُوسّو... الابنَة و المرأة المِثَاليّة التِي يتناقَلُ اسمُها كلمسَة قِ... More

INTRO
I. مَا وَراء جُدرَانِها
II . أدرِيك
III . الضّحِيّة الجَمِيلة
IV. الزّئبق
V . سُقوطُ الأقنِعة
VII. العَقرَب
VIII. مُحامِي الشّيطان
VIIII. غمّازةٌ يتِيمة
X. مُمثّلةٌ مُدَلّلة
XI . عَشاءٌ كارِثِيّ
XII. اعتِراض
XIII. لا تَرَانِي
XIIII . أ و لَيس القمَر جمِيلاً ؟
XV . رِسالة لطيفة
XVI . عِطرُه
XVII. قَهقَهة بمنتصَف الجنَازة
XVIII. أعينٌ من زُجاج.
XIX. جُوهان موندِيغُو
XX. اسمٌ و عنوان
XXI . القُبلة الوحِيدة
XXII. امرأَة الحدِيد
XXIII. ولَدٌ ضائع
XXIIII. اعيُن الأوپال
XXV. صاحِب الشارب
XXVI .ملِكة حفلِ التّخرّج
XXVII. حُبوبٌ و جُرعاَت
XXVIII. الّلقاءُ الاوّل
XXIX . من لا يحبّ المطر؟
XXX. مكعّب ثلج
XXXI. مأدُبةُ العواقِب
XXXII. ذهبٌ و اوپال
XXXIII. مُبارَكٌ بك
XXXIIII. ابرَة
XXXV. فُضولٌ وسيم
XXXVI. اخ
XXXVII . سجائر

VI. مُغازَلةُ المٓوت

24.7K 1K 701
By Mervadoz


تسَابقَت عقَارِب السّاعة ببطءٍ مع الزّمن و مع قطرَات الدّماء التي تنزِل بهدوء من العُنق المشقوق ... خفّت ضربات القلب و تنازَلت الانفاس عن الخُروج و هِي لا تزال في العتمَة .

عتمَة عينيهِ او عتمَة المكان ؟ ... لم تكُن تُدرِك أيّهما أحلَك .

لم يكُن هناك سبِيل للعودة بعد الان ، هِي صارت رَهِينته ، و هو أصبَح ملاك موتِها ... لِذا لم يبقَ أمامها الّا فعل ما تُجيده .

مُغازَلة الموت .

لم تكُن نافِيير حزِينة بسبب الخِنجر الذي وضعَه بطَلها تحت ذقنها ، كانت حزينة فقط لأنه لا يرى حبها ، لا يرى توقها ،لا يرى كمية الجنون الذي اقترفته فقط كي تحظى بنظرة منه .

تقدم خطوة منها لكنها لم تتراجع ، لم يكُن يعلم انّ قربه منها هو مُبتغاها .

" أ تظنين نفسك شيئا مهما كي أرسل شخصا للبحث عن اسرارك ؟"

قالِ مستَخدِمًا لغة الاشارة و ثد اكتَسح وجهه غضبٌ صامت .

" انا آخذ ما اريد ... متى و اين ما اريد "
أضافَ و هُو يدخِل رأس السّكّين بجلدها قليلا ، لكنّها لم تُظهِر ذرّةَ خوف .

استولت حالتُها الصامِدة على تفكِيره ، لِما هذه الثّقة العمياء بأنه لن يؤذِيها تشعّ على عينيها الحازِمتين ؟

أراد أدرِيك سحبَ الحقِيقة منها سرِيعا ، ليس لأنّه لم يكن صبُورًا ... بل لأنها اصبحت تقلقه ، حزمها و صمودها أقلَقه كالجحِيم .

أ هِي مبعوثَة من الحُكومة ؟ باستيَان أم غيره ؟ ما السّر وراء هذه المرأة الّتي قادت والدها للإفلاس و عبِثت بعقلِ والِده منذ أشهر بصمتٍ فقط كي تصبِح زوجته ؟

كَان يَعلَم بمخطّطاتها التي أدت لافلاس والدها، بل حتّى انه ساعدها على تأديتها ... و ثمّ أصبح يلاحظ لِقاءاتِها الكثِيرة مع لِيزي التي ظنّها محضَ قرِيبة و حسب ... قُربها الجيد من عائلته ... كلّ شيء أصبح له مفهوم حين أمسَك بها .

لِما كلّ هذا الاصرار نافِيير ؟ من هذا السيّد القويّ الذي يدفعك ؟

تساءَل و أعيُنه ترفُض اطلاق عينيها الثّابتتين ...

لا يعلَم أن السيّد الذي يدفعها دومًا اليه ، هو قلبُها .

" و لما لستُ شيئا مهما بما انك تركتني حية ؟"
نبَست فجأة بصوتٍ منخفِض فكسَرت الصّمت ، أضافت بنفس النّبرة و هي تقرّب وجهها من وجهه .

" لما كل هذا العناء أدرِيك دال ديني ؟ لما ان كنت لا شيء مهم بالنسبة لك ؟"

شدّ أدرِيك حاجبيه بعدم رِضا ، و قبلَ أن يتحرّك مجددا ، قالت .

" تظنّ أن ورائي أحدًا ؟ماذا لو اخبرتك ان لا وغد ورائي "
جاءت كلِماتها بهمسٍ سلس ، ابتَسمت بخفوتٍ و هي على مقرٌبة من وجهه الأحبّ لقلبها ، لم تستَطع هناك ان تكبَح سعادتها بأنّه لا ينظُر الى أحدٍ سواها .

" ماذا لو اطلعتك على سري هنا ؟"

جاءَت كلِماتها بنبرِة حازمة و ملامِح رَقِيقة ، تمعّن النّظر جيّدًا بِعينيها ، فِي نهاية الامرِ لم يَكُن أدرِيك يخطّط لقتْلِها اللّيلة، و لا حتّى غدًا ... بل كِان ينوِي ابقاءها تحتَ عينيه و محاصَرتها بأسالِيبه ، حتّى تعترِف بالحقِيقة فيتخلّص منها .

رَفعت نافِيير يدها و وضعتها بجانِب الخنجر قائلة .

" لو سمحت "

كَانت رقِيقة في فرضِ ارادتها عليه ، واثِقة و متطلّعة لردّ فعله ... و لم يكُن امام أدرِيك الا ازاحةُ سكّينه و مُشاهدتها .

انحنَت نافِيير للأسفل و التَقطت حقِيبتها التي سقطت أرضًا ... فتحتها و أخرجت دفترَها ، ثم وضعته بهدوءٍ اعلى الطّاولة الزجاجيّة .

" السّر هنا "

نبَست بهدوء ، استقطَب ذلك الشيء نظره ، و مع ذلك كان يحاول ان لا يشيح ببصره عنها و هي تسير لتجلس امامه على الاريكة الزرقاء النّيلية ، تمسك مِرآتها بيد و مندِيلها باليَد الاخرى ... تمسَح الدّماء بكلّ هدوء أمامه كما لو انها بُقع مياه ليس الا .

بَدا أدرِيك متردّدًا في التِقاط الدّفتر ، بالأحرى غير قانع .

كَان شكلُها هادئًا و هِي تستمِر بمسح الدماء عن وجهها ، هادئةً بشكل مُريب ، حوّل بصره مجددًا نحو الدّفتر ، و اخيرًا التَقطه ... العنوان كان : قمرِي المُظلم .

توقّف أدرِيك عند الصّفحة الأولى ، و بعد ان أعادَت اشياءها الى حقِيبتها ، تآكلت بداخِلها و هي تترقّب منه ردّة فعلٍ منه غيرَ الصمت و الهُدوء اللاّذِع .

نَظَر صوبَها بتلك الأعيُن الدّاكنة .

" أنتِ تعلَمين آذًا ؟"

هزّت رأسها بنعم ، ثمّ تحدّثت .
" ليسَت لديّ أدلّة ، لكنّني استنتَجت ذلك ... "

" اعتِمادًا على ماذا ؟"

" حدسِي "
أجابت بحزم فابتَسم و كأنّه يسخَر منها ، فتَحت فمَها كي تُدافع عن نفسِها ، لكنّه رفع يده موقِفًا ايّاها ، و بدأ بتصفّح دفتَرها و شُعور الحرج و التوتّر يتصاعدَان الى حُنجرتها .

كَان يقرأ بصمتٍ و على وجهه ملامِح فارِغة ، يستَنزِف طاقَتها ؛ لكنّ نافِيير استغلّت لحظاتِها التي قد تبدُو كلحظات تسبِق الاعدام في تأمّل وجهه ... و فورًا تسرّبت حمرَة الى وجنتَيها الجمِيلتين ... لا تستَطيع تجاوز مقدَار جمال محبُوبها المختَل .

" انا ... فقط اريد الكتابة عنك "
همَست بصوتٍ منخفض فنظَر صوبَها و كأنّه تذكّر تواجدها امامه للتّو .

" لا تقلق ، هذا الكتاب لم و لن يراه احد غيري ... و غيرك ايضا "
سارَعت موضّحة ، و نالَ الخجل منها مجدّدًا حين اتّصل نظرها بنظرِه مجدّدا .

" منذُ ان رأيتك في حفل مولد فابيو الماضي ... لم استطع كبح فضولي عنك ... لم استطع تجاهلك بتاتا ...  لا اهتم ان صدقتني ام لا ... لا يهمني بتاتا ، و لابد انك تعلم هذا بما انني فعلت المستحيل فقط كي تلاحظني "

كَان أدرِيك مُحاطًا بمختَلّين امثالها ... أعضَاء عِصابته كانُوا أوضَح مِثال ... احدُهم مولعٌ برسمِ جرائمه ، الآخر مولِعٌ بالقرف و الثانِي مغرَم بالجرِيمة فقط لأنه يريد الاحساس بشيء ...

لم يكُن تصديقه لها مستحيِلا ... لكن مع تدخّل باستيان في الامر ، لم يُرِد أدرِيك تصدِيقها بتِاتًا .

فجأةً سحَب قلمه الخاصّ من جيبِ صدرِه و كتَب على أورَاقِها ، ثمّ دفع الدّفتر صوبها .

"ماَذا تُرِيدينَ بالضبط مِنّي نَافِيير رُوسُّو؟"

قرأَت ما كَتَبَه في طيَّات اوراقها ، ثُمّ نظَرت نحوَه بصمتٍ قليلا... تحدّثت.

" أَنَا أُرِيد تَفَاصِيلك... لَيلَكَ و نَهـارك... أمسَكَ و غَدَك... لَونَكَ و نَغمَتَك "

" مَاذَا لو أغرَقتكِ التّفاصِيل؟"
كَتَب مُجدّدًا، فتحمّست .

" أنا سَبّاحَة مَاهِرَة "

" مَاذاَ لو كَان لَيلِي مُظلِما... و نَهَارِي حارِقًا؟... أمسِيَ أقذَر من أن يُروَى، و غَدِيَ أبشَع من أن يُرَى؟ ... لونِيَ بِلا اسمٍ...و نَغمَتِي من دوزَنَة الشيطَان؟"

ناوَلها دفتَرَها الذِي عجّ بخطّه الأنِيق... و بالدّماء القانّيّة على يديه.

توقّفت قَلِيلاً تنظُر الى عتمَة أعيُنه الفَارغة، ثمّ صوبَ ملاَبِسه الدّاميَة...

لَم يَعد الأمرُ محضَ رِوايَة تتخيّلها في دِماغِها، تعِيش فيها مع أبطالها، تتجنّب فيها الموتَ و المآَسِي كما يَحلُو لها...

إنّه حَقِيقي... الدّم حقِيقيّ... رائحَته القَويّة تلسَع أنفَها المُستَقِيم... يدَاه الغدّارتان حقِيقِيّتان... و توَاجُدُها مع انسَانٍ مطلُوبٍ من قِبلِ الحكومة - حيّا كان َ أم مَيِّتًا ( كمَا يُفَضّلون) - كان أيضًا حَقِيقة.

فتَحت شَفتَيها الرّفِيعَتين قَلِيلًا، لم تَقُل شيئًا و هِي ترَاه يبتَسم قليلا... و كأنّه يَشعُر بالنّصر.

يظُنّها فتَاةً ستَهرُب ... فتاةً ستَبكِي... ستتوَسّل لأجلِ حيَاتها العَزيزة...

لكنّها ابتَسمت برِقّة، التَقطَت القَلمَ من يدِه و كتَبت و تلكَ البَسمَة لا تُغادِر ثغرَها .

" هَل بِامكَانيِ اقتِباس كَلامِك هذَا لأجلِ كِتَابي؟ "

قرأَ أدرِيك كلِماتها ، و فجأةً استَيقظت ابتِسامة باهتة على شفتيه ؛ أغرِمت نافِيير بفكرة انها كانت سبب تلك الابتِسامة ، و ودّت لو انها استطاعت الاحتِفاظ بذلك المشهَد بين يديها ، كي تعِيده كلّ مرة احتاجت فيها لشيءٍ يُدفِئ قلبها .

أغلَق أدرِيك الدّفتر و وضعه أعلى الطّاولة أمامها ثمّ نهض و هو يناظِرها ببرود .

" يمكنك فعل ما تشائين ... في نهاية الامر سأعرف حقيقتك ... و سأتخلص منك و من كتابك هذا قبل ان تدركي شيئا "

رَغم تهدِيديه اللّطيف الذي أفسَد جوّ الرومنسِية ، ابتَسمت برقّة و هي تنهضُ بهدوء .

" ماذا لو عقدنا اتفاقا الى ذلك الحين ؟"
نَبست فجأَةً لتستَولِي على اهتِمامه .

" أن أبقى تحت عينيك الى حين تظهر الحقيقة "
أضافت فابتَسم ساخرا منْها مجدّدًا .

" تبدين واثقة "

" نحنُ عل  نفسِ القارب .. اذا أصبَحت الأمور مزعِجة انت تملِك مسدسك او خنجرك ، هل عقدنا صفقَة الان ؟"

فجأةً انخفَضت اعينه و تغيّر مزاجه .
" أ تظنّين نفسكِ جائزة أو هِبة ؟"

" لا "
اجابت ببساطة .

" أ تظنّيني انني سأختارك كشرِيكة في سرّي من بين الآلاف ؟"
كَان يبدُو منزعجًا من كمية الثقة التِي امتلكتها .

" لا ، لكنّني سأختارك "

فجأةً شعر أدرِيك بعدم قدرَته على زحزَحة ابتِسامة هذه المرأة التي تقِف امامه ... كانت محض إمرأة، معلّمة أدب انجلِيزي ، و ابنة عائلةٍ راقِية لا تعرِف شيئا غير التسوّق في المحلات الغالِية و قضاء عطلاتِها بأجمل الاماكن ... أو هذا ما ظنّه عنها .

" سأختارُك دائما "
أضافت بنبرَةٍ خافتة .

" لماذا ؟"
حرّك يده و على وجهِه ملامِح فارغة .

كَان لديها ملايِين الاسبَاب ، و لا أحد منها بدا منطِقِيًّا أمامه ... خاصّةً ولعها به ... لم تكُن مُستَعِدّةً للاعتِراف بذلك الحبّ أمامه في مكانٍ كهذا ، و بينهما جثّة .

أشاَحت بناظِرها عنه قلِيلاً تفكّر ، صوّبت نظرها نحوه مجددًا و حدّقت فيه جيدًا و هي تبتسِم  ، ثمّ تمتمَت ببحّة لطيفة .

" و لِما لا ؟"

أشار حِينها أدرِيك الى الجثّة التِي فرَغت من الدّماء ، يمنحها اجابته ... سَاد جوّ من الصّمت الذي كسرته نافيِير ما ان تنهّدت بارهاقٍ ثمّ سارت نحوه بخطواتٍ ثقيلة .

" هل اتّفقنا ؟"
قالَت متجاهِلةً ايّاه ، ثمّ مدّت يدها له لأجل مصافحة .

نظَر صوبَ يدِها المَمدُودة ثمّ اليها مجدّدًا ... الى ابتِسامتها ثم عينيها البرّاقتين ، المشعّتين ببرِيقٍ لا يَراه الّا حين يكون بِالجِوار .

تحتَ ضوء القمرِ الباهِت الّذي قرّبهما من بعض دومًا ، لكن لم يمنَحها بعدُ الضّوء الاخضر للمسه .

فجأةً و هي تَغرق بعتمَة عينيه ، أنقَذها الاحساس بيدِه الدّافئة و هِي تحتَلّ بشرَتها الحسّاسة ، و تبعَث بها مشَاعر لم تظنّ يومًا انها قادِرةٌ على الانفِجار من لمسَة عاديّة كهذه .

اتّسعت ابتِسامتها و هي تنظُر الى يدَيهما المتعانِقتين معًا ، ثمّ الى ملامِحه المركّزة عليها .

فِي تلك اللّيلة بدأ فصلٌ جديد من كِتابها ، و و بأوّل اعتِرافٍ منها .

" أ وَ لَيس القَمر جمِيلا ؟"
قالَت و هي تنظُر لانعِكاس القَمَر على عينيه ، بنبرَة شغوفة .

لم يَكُن أدرِيك على علمٍ بأن هذه الجملة التِي انسابت من شفتيها الباَسمتين هي إحدى المعانِي المخفِية في الأدب لكلمة " أحبّك "

و ربّما كان من الافضل ان لا يَعلَم آنذاك .

و عادَت نافِيير تلك الليلة بخاتَم وَعد يعانِق بنصَرها ، و حبٍّ اكبَرَ يلبَس قلبَها .

" لمَا قتَلت المِسكين ؟ آنّه يبدُو كرجلٍ لطِيف "
تمتَم آدم بصوتٍ غير مسمُوع و هو يجلِس امام التّلفاز الكبِير المعلّق وسط حائط غُرفة أدرِيك ... جالِس بجانبه على الارِيكة الزّرقاء المخملية ، و معهما ابن اخيه الصّغير فابيُو .

استَولت الأخبار المُعلنة على التّلفاز على اهتِمام الاثنين ، ايجادُ جثّة محشُوّة بعناكِب الارمَلة السوداء على شطّ البٌحيرة كَان خبرًا كفِيلاً بِقلب المدينة رأسًا عل  عقب ... مجدّدًا .

تمّ قطع نشرَة الاخبار لبثّ الاعلانات ، و لِحسن حظّ الشّباب كان اعلاَن عطرٍ جديدِ بِقيادَةِ أونوُرا كَارا  ، محبُوبةِ الجماهِير السّمراء .

اُونُورَا كَارا ، المرأة الجَمِيلة التِي استَحوَذت على قلُوب مشاهِديها بجمَالها الخانِق للأنفاس ... بدأت مشوَارها الفنّي بالعَمل في الاعلانات ، ثمّ كعارِضة  أزياء ، و من ثمّ ممثّلة ...

لَا يستَطِيع أحدٌ الهَرب من أعيُنها التِي تتغيّر من الاصفر الى الأخضر ثمّ العسلِيّ ، و لا من نظَراِتِها الآسرة ... لا أحدَ سلِم من جمَالها السّاحر ، لا آدَم الّذِي استمتَع بذلك الاعلانِ اكثَر ممّا ينبَغي ، و لا حتّى فابيو الّذي شرَد في التلفاز ...

حمَل أدرِيك جِهاز التّحكّم و أطفئ التّلفَاز و كأنّه منزَعج ، فنَظر اليه الاثنانِ بسُخط .

" هل أنتَ جاد ؟"
تمتَم آدم بِانزِعاج ، تجاهَله أدرِيك مُشِيرًا الى فابيُو بيده .

" " حرِّك القَلعة "

نظَر فابيُو مجدّدًا نحو لوحة الشّطرَنج و كأنّه نسيَ للتّو ما كان بِصددِ فعله ، ثم حوّل نظرَه الى عمّه .

" لكنّي ان فَعلت فأنتَ ستحاصِر المَلك "

" إمّا سأحاصِر المَلِك أو سأسقِطُك ... "
تحدّث أدرِيك مستخدِمًا يده ، ثمّ راح يحرّك قطع الشّطرنج و يشرَح لابنِ أخيه في نفس الوقت .

" غالِبًا خصمُك سيختارُ اسقاط القَلعة لأنّه سيظنّك غبيًّا ، فتحاول اسقاطَ بيدقه ، و منه تخلِي مكانك لقطعة من قطعه ، و يحاول محاصرة ملكك مجددا ."

توقّف قلِيلاً و نظَر صوبَ وجه ابنِ اخيه ثم تابَع حين أومأ له بفهم .

" لكنّك ستحرّك الملِك الى هنا ، عِندها لن يَستَطيع أحدٌ محاصرتك "

أومأ فابيُو مجددًا و كأنّه غير مقتنِع قليلا ، فأضاف الآخر .

" لا يهمّ كم ستخسَر من بيدَق او حصان او حتى وزير ... ما نفعُهم ان تمّ محاصرة الملك و تجمِيدك ؟"

رفَع الصّغِير حاجِبيه الباهِتين و كأنّ الفِكرة وصَلته للتّوّ ، ثم ابتَسم قائلاً بتحمّس .

" سأرِي هذِه الحَركة للخالة نافِيير ، و سأخبرُها انك علّمتنِي "

تغيّرت نظرَات أدرِيك فجأةً و ازدَادت حِدّة ، تلاَشت ابتِسامة فابيُو حين شعَر انه أزعَج عمّه بما قاله دون ان يَقصِد ، و ما ان لاحَظ أدرِيك تلك الملامِح الخائفة على وجه ابن أخيه ، حاولَ تلطِيف موقِفه كي لا يُشعِره بذنبٍ ليس له .

" أ تحبّ الخالةَ نافِيير ؟"
سألَ فابتَهجت ملامِح الوَلد بسرعة .

" نعم ، إنّها تعرِف الكثِير و جمِيلة جدا "
أجَاب على عجَل و وجهه قد أشرَق ، ثمّ طرَح سؤالاً عفويا .

" أ لا تحبّها ايضًا عمِّي ؟ "

اتّسعت أعيُن أدرِيك لا ارادِيّا و هو يحدّق في فابيو حين أدهشه السؤال العفوِيّ ... حبّ ؟ تلك المَشاعِر التي حرَم أدرِيك نفسَه منها منذ زمنٍ بعيدٍ لدرجة أنّه نسِي كيفِيّة الاحسَاس بها ... ؟

و تلك المرأة ؟ لِما هي من بينِ جميِع النّساء ؟

ذَلِك السّؤال اثارَ غضبًا شديدا من أدرِيك نحوَ نافِيير التِي يرَاها خطرًا على عائلته ... خاصّة و هو يرَى كمّيّة تأثِيرها على فابيُو .

" بالطّبع يحبّها ايها الرجل الصّغير ... أ وَليس كذلك أدريك ؟"
تدخّل آدم كقِطعة سكّر ثانية و هو يحيط عنق أدِريك بذراعه ممازِحًا اياه ... و سُرعان مَا راح يردّد اسمه و اسم نافِيير معًا كي يُضايِقه اكثر ، أدرِيك لم يستَطِع إيقافه خاصّة حين شارَكه فابيُو و راح الآخر يحمِله فوق كتفيه و يدُور به بأنحاء الغُرفة يُثِيران الصّخب .

فجأةً سمِعا صوتَ لِيزي و هِي تناديه ، و ثد تذكّر للتّو انّ وقت استِراحته قد انتهى ، فهَرع راكِضا اليها قبل أن تؤنّبه .

حِين استَفرِد الاثنَان ببعضَيهما التَقط آدم الملفّ الذي جلَبه معه و قدّمه الى ادرِيك الّذي استغرَب من وُجوده .

" بِخُصوص خطِيبتِك الجمِيلة ، وجدت البارِحة شيئا مهمّا "
شَرع آدم في اخباره ، متلفّظًا باسمٍ واحد و أدرِيك يقلّب الاوراق .

" ماكس دايموندز ...  يكون ابنَ عمّة خطيبتك "

تمعّن أدرِيك النّظر في صُورته المعلّقة أعلى الملفّ ... شعرُه الاشقر الاملَس و ووجهِه ذِي الملامِح الرّاقية ، أعيُنه الزّرقاء المحشُوّة بالحزمِ و الجدّيّة ... و شيءٍ من البرود الفظِيع .

شعَر أدرِيك من أوّل نظرَة الى عينيه أنّ يدي هذا الرّجل ملطّخة بالدّماء ... و كَان على حقّ بذلك .

" ثمّ ؟"
أشَرا بيدِه فقَلب آدم الصفحة قائلاً .

" انه نقِيب ... هذا ما هو مكتُوبٌ هنا و ما يعلمه الجمِيع ...  لكن حين سألتُ عنه ،قِيل ليِ انّه نادِرًا ما يكون بمقرّ عمله او مع صُفوف الجيش ...أضف لذلك أنّه في الخامسةِ و العشرِين و حسب ... كيفَ له ان يحقّق انجازات كهذه في عمرٍ صغير كهذا ؟ "

تحدّث آدم بنبرةٍ منخفِضة تارِكًا أدرِيك يطّلِع بتأنّي على سجلّ انجازاته و ترقِياته ... كَان من المُستحِيل ان يتحصّل شابّ بهذا العمر عل  هذَا القدرِ من التبجِيل بمدّة ضئيلة كهذه ... فتواجَد احتمَال واحد قد يفسّر الامر .

" أ يُمكِن أن يكون منهم ؟"
تساءل أدرِيك بتعابِير بَارِدة ، و كأنّه لا يتحدّث عن احتِمال أن يَكون هذا الرّجل من العُملاء السّرّيين التابِعين للجيش .

بمعنَى أخر ، ربّما يكون قرِيب نافِيير هذه أحد العملاء الّذين يُعذّبون كلّ شخصٍ عمل لديه الى الموت ....

الاسمِيراي منظّمةٌ وجَب على قِسم مكافَحة الجرِيمةو المخدّرات تولّي امرها،  لكن مع اخفاقِهم المُخزي المُتتالِي ، تمّ إدخال الوجه الاخر للجيش بالأمر ... بعدَ كلّ شيء ، القانُون لا يسمَح للشّرطة بتعذِيب المتهمِين ، لكن لا يوجد شيء كهذا يتعلّق بالجيش .

" من يعلَم ؟ في نهاية الامر يمكن انه وصل لهذه المرتَبة بفعل واسطة عائلته ، فوَالِده كان ذا منصِبٍ مرمُوق بالجيش... لكن ينبغي وضعُه بعين الاعتِبار "

أجابَ آدم بعد تنهِيدة مرهَقة ... و قد تضخّم غضب أدرِيك اتّجاه نافِيير ، غاضِبٌ لأنّه يواجِه المجهُول ، لأنّ امرأةً مِثلها لا يستَطِيع امساكَ شيء عنها يقُوده الى سيّدها ... فقط شُكوكٌ لا نِهائيّة تأخُذه عمِيقًا الى ألعابِها التي هيَ مالكتها ... و هو لا يُحبّ الدخول بألعابٍ يجهَل قوانِينها و لاعِبيِها .

فجأةً لم يَعُد اللعِب مع هذه المرأة ممتِعًا ... بل مٌستَفزّا مُرهِقًا ... و لم يَعُد بامكَانه التخلّص منها ابدًا .

جَمِيعنا لدينَا ما نُخفِيه عن عائلاتنا ، أحبائنا و أصدِقائنا ... بل حتّى انفسِنا ...

و بِذكر ذلك ، لنتطرّق الى رجلٍ آخر ، يُحارِب لمَا يجِده حقًّا في الظّلال ... المَوتُ الأبيض  .

دَخل المبنَى المحفُوف بالسّيّارات و الاشجار ، ذي الطّابع المعمارِي الامريكي الرّمادي و هُو يرتَدِي قبّعته العسكرِيّة بعدَ أن هذّب شعرَه الأشقر الأملس ... حذاؤه المطّاطي الثّقيل يقرع بقوة على الارضيّة المماثلة للوحة الشّطرنج ، يداه متماسكتان وراء ظهرِه الصّلب ، و على كتِفيه ثلاثُ نجومٍ تصِمُ رُتبته .

" حَضرة النّقيب "
نادَى أحدّ الجنود ماكس فالتَفت اليه ، أدّى التحيّة احترامًا لمنصِبه ثم تحدّث بعملية .

" القَائد ينتَظِرك بمكتبِه "

أومأ ماكس بتفهم ، ثم تابع سيرَه نحو وجهَة محدّدة ، مكتَب قائده .

طرَق الباب مرّتين فتلَقّى الاذن بالدّخول ، وقَف ماكس امام مكتَب قائده و ضرَب قدميه ببعضهما ، ثم رفع يده باستقامة فوق قبّعته مؤدّيًا التحيّة .

" في خدمتك سيّدي القائد "
أردَف بنبرة جافة و هو يخضَع لعيني قائده الثّاقبتين ، جذَب شنبه للورَاء و هو ينهضُ من كرسيّه الجلدي ، أشار الى ماكس باتّباعه ففعل دون تفكير بعد ان قال جملةً واحدة ليس الا .

" تمّ ايجاد جثّة بالبحيرة "

لَيس من صلاحيّات الجيش التّدخل في امور الجنايات ، لكن كانت تتواجد هناك استثناءات محددَة ، استِثناءات لا تستطِيع الشّرطة تولّيها لوحدها كالحالةِ الآتية .

"و الضّحيّة شُوهِدت حيّة آخر مرة في حفلةٍ خيريّة "
أضاف بعد تنهِيدة و هو يَسِير نحو مخرج الطوارئ ، لكن بدلَ ان ينزل السّلم المخصص لذلك ، فتَح القائد بابًا سرٍيّا وراءها مصعَد دخله الاثنان معًا .

" هل المَعدة مملوءة بالمَاء ؟"
سأل ماكس بنبرَة جافّة غير متعاطفة ، و هدفه معرِفة ان كانت الضّحيّة قد ماتت غرقًا او كانت ميّتةً بالفعل ، لكنّ ابتِسامةً جانبِيّة تألّقت على الفور أعلى شفتَي القائد .

"لا ... بل بالعناكِب"

أخذَ ماكس نفسًا عميِقا خافِتًا ، ثم همَس بنبرةٍ مسموعة .

" الاسمِيراي اذاً ... "

فهِم تمامٍا سبب تدخّل الجيش الآن بقضيّة كهذه ، منظّمة القمر الاسود ، أو الاسميِراي كما تُطلِق على نفسها .

ال ' اسمِيراي ' مُنظّمةٌ اجرَامِيّة ذاع صيِتها في السّنِين الأخِيرة... أخضَعَت عِصابات الشّوارِع إليها و تعمّقت فيماَ هُو أصعَب من تِجارَة المُخدّرات و النّهب... البَقايَا البَشَرِيّة التِي قَام فرعُ الجرائم الجِنائية بإيجَادِها كانت أقَلّ ما استَطاعت تقَفِّيه عنهم.

فِي حين أنّ القتلة المتسَلسِلين يتميزون كلّ و أسلوبه الخاصّ بالقتل ، ضحيّته و أدواته ... أعضَاء الاسمِيراي يتميّز كلّ منهم بحشَرِة معيّنة .

توجد الأرملَة السّوداء ...

النّمل النارِي ...

امّ أربعٍ و أربعين ...

فراشات الايرِيبيا المتغذِيَة على الدّماء ...

العقَارِب ...

هَذِه كانت أشهَر الحشَرات التي وُجدت داخِل أجساد الضّحايا ، و الأسوء هو أنّ الضحيّة تموت ببطء إثر تكدّس هذه الحشَرات بالجسد .

وَشمُ حشَراتٍ مُختَلفة كان رَمزَ انتِماء الاعضاء الأساسِيين ، و لَم تَستَطِع الشُّرطَة إلّا سحبَ معلوماتٍ عن عُضوٍ يمتَلِك وَشمَ حشَرة أمّ أربَعٍ و أربعِين، المَعروُف بِ ' Terror ' ( الخَوف) كونَ لا أحَد نجَا من تعذِيبِه الاَّ شرطِيّ لَفظَ انفاسه الأخيرة بعد انقاذه بساعة.

" احرِص على ان لا يقع الخَبر بأيدي الصّحافة ، هذه المنظّمة أصبحت ممجّدة من طرف هؤلاء المراهِقين الاغبياء "
نَبَس القَائد باشمِئزازٍ هو يترَجّل من المصعد و يتّجه صوبَ بابٍ حديدية بجانبها رقم سبعة .

" و َهذا الشّابّ مُشتَبهٌ به ... حاوَلنا معه بكلّ الطّرق ، لكنّه يرفُض الاستِسلام "

أشار الى داخل الغرفة ، فهزّ ماكس رأسه بطاعة و فتح له الباب .

" حسنًا سيّدي ... "

دخَل ماكس الحجرة التي لا يُنِيرها سوى مصباحٌ ضئيل يقبَع تحتَه جسدٌ شِبه ميّت ، و قد خطّ وجهه زرقَة الكدَمات و الدّموع المالحة الممزوجة بالدّماء المتخثّرة .

أفزعه صوتُ ضربِ الحذاء الغليظ على الارض ، كان الرّجل حقّا يعيش حالة صدمَة من التعذِيب الشّديد الذِي طبّقوه عليه ... و مَع ذلِك لم يَنبِس بكلِمة عن المنظّمة .

شَهَق ثمّ سعل و هُو يُحاول النّهوض ، كان جسدُه شبه هالك ، يكاد يكون نصفَ عارٍ بسبب تمزّق ملابِسه من شدّة الضّرب .

نَظَر نحوِ ماكس الذي حمَل قفّازيه السوداوين و همّ بارتِدائهما بكل هدوء ريثما هو ملقى على الارض بلا حولٍ او قوة .

" لِما لم تُغطّوا عيني ؟"
سأل بصوْتٍ متهدّج و كأنّه مرعُوب من الاجابة .

افترت شفتا ماكس عن ابتِسامة هادئة و هو يقرفِص الى مُستوى الرّجل الجالِس أرضًا .

" هل سأمُوت ؟"
همَس بنبرةٍ باكية متألّمة و فمه لايزَال ينزِف ، اعينه تلمَع ببضع دموعٍ متجمّدة .

" نعم "
أجاب مَاكس بصوتٍ دون نبرة و هو لايَزال محتَفظًا بابتِسامته تلك ... انسابَ نفسٌ مرتَعش من فم الرّجل و هو يغلِق عينيه ، براحة لأن عذابه سينتهِي ؟ بجزعِ لأنه سيموت ؟ ... لا أحد يدري ...

نظَر مجددًا صوبَ أعيُن ماكس الزرقاء اللّئيمة ، ثم سأل و الدموع تتدَحرج من عينيه .

" هَل أنت المَوتُ الأبيض ؟"

اتّسعت ابتِسامته اثرَ سماعِه لقبه على لسانه ... لا أحد يخرُج حيًّا او بِوعيه بعد أن يسقُط بيدي الموت الابيض ، لِذا لا أحد بالخارج بامكانِه معرِفة هذا الاسم ... غير جاسوسٍ يسرّب اخبارهم ... و هذا ما استخرَجه ماكس آنذاك .

" بشَحمِه و لحمِه "
تمتَم ماكس و هو يقتَرب منه قليلا ليلتَقِط فكّه بعنفٍ بين أصابعه القاسِية فيصرخ ألمًا من كسرِ فكِّه .

" الموتٌ على يديّ سيكُون أفضَل من الموتِ محشُوًّا بالحشَرات ، أ لا تُوافِقُني الرّأي ؟"

قالَ بنبرةٍ جافّة و هو يستمر بالضّغط .

" لما لا تتعاوَن معنا اذا ؟"

همَس له كما لو أنّه يفضِي له بِسرّ.
" فقط اعطِني اسمًا ... او مكانًا ... اي شيءٍ قد يَقُودني اليهم ... و أعِدك انني سأساعدك "

" أثِق بكم ؟ انتم ؟"
قال بنبرةٍ بحّة ... ثم ضحك بخفوتٍ هازّا رأسه بلا فائدة .
" بسببكم أمثَالنا اتّجهوا الى صفوف الاسميراي يا سيدي المحترم ... نحنُ الرّعيّةُ التِي ظلّلتموها بغيمَةٍ كثِيفة من الغباء و الجهل ... وجدتُمونا غنمًا فأصبَحتُم ذِئابًا !"
انهَى كلامه بصيحةٍ غاضِبة و هو يبعد يد ماكس عنه بعنف ، ثم يتابِع بذات النبرة .

" أنتُم تُنادُون الاسمِيراي بالمنظّمة الفاسدة ... و انتم الفساد بعينه ....أنتم من أنشأتم الاسمِيراي ... أنتُم من ينبَغِي التّخلّص منه "

" شَرُّنا ضَرُورِة لابدّ منه لأجلِ تطهِير هذه البِلاد "
تراجعت كلماته الى همسَة حقُودة ، و لاذَ المكان بصمتٍ مُريع ريثما أبقى ماكس عينيه البارِدتين على الرجل .

" شركم الذي لابد منه ما هو الا عذر لتسويغ جرائمكم "
علّق و هُو ينهَض ، فضَحك الاخر و قال لاهِثًا .
" ان كَان الأمرُ هكذا ... فأنتُم لا تختَلِفُون عنّا بتاتا ... أنتُم فقط تقرفُون من الحشرات ... لأنها تشبهكم تماما ... مقرِفة و خبِيثة مثلكم ... تمنح نفسها قيمة لا يَتناسب ابداً مع حجمِها الحقيقي ... و نحن نستخدِمها ... لأننا عشنا معها منذ الأزل "

توقّف حين لم تُسعِفه انفاسه ، بصَق دماءه و دموعه على حِذاء ماكس و شتمَه بصوتٍ عالٍ .

" تبّا لكم !!!" .

استَقرّ نظر ماكس على حِذائه التي تلوّن بالدّماء و قد توقّف الرجل عن اللهاث ... خلّف ذلك صمتاً مخِيفًا تمطّط خاصة حين أمال رأسه و كأنّه لا يفهمه .

أخذ ماكس تنهيدة مرهقة و هو ينظُر للأعلى و يضع كفّيه على وركيه ، ينظُر حوله و كأنّه يبحث عن شيء ، سُرعان ما وَجد كرسيّا حدِيديّا فأخذه ، استَدار و عاد للوراء .

و بدَل وضعه أرضًا ، و فجأةً دون سابِق انذار رفع الكرسيّ بذراعيه ، و حطّمه بلا رحمة على جسد الرجل فطار كفَزّاعة خفيفة و تدحرَج على الارض .... انطلَق انينٌ مخلوط بالدّهشة من فمه ، ثم رفع رأسه و فتح عينيه مندهِشًا و هو ينظُر الى ماكس الذِي اثتَرب منه ببطء .

كانَ وجهُ ماكس هادئًا و منضَبطًا لدرَجة مُريبةٍ لا تتناَسب مع المشهد الدّموي .

" تبا لك ..."

خرجت صرخة متألّمة من ثغره الدامِي عازِما على ان لا يُظهِر بؤسه ، ركَل ماكس بطنه ، تدفّق الدم و القَيء من فمه و كذَلك الانين العالِي .

ضغَط بقدمِه على رقَبته ، اهتَزّ جسده و ارتَجف مثل دميَةٍ معطوبة ، و ماكس بقِي محافِظًا على ملامِحه الباردة تلك ، ينظُر اليه و كأنه محض دودةٍ .

" تبا لكم ... قرِيبتِي العزِيزة ستتزوج قرِيبًا ... و بدلَ مُساعدتها في التحضِير و التخطِيط لزفافها كما وعدتها ... ها انا هنا مع أوغادٍ مثلكم أضيّع وقتي ... اوه كم أنتُم تُثِيرون حنقي ... "
انتهت كلِماته فرَفع قدمه و ركله مجددا ، و مجددا و مجددا ... و تِلك كانت البداية المؤلمة لنهايةِ الرّجل .

" لم يَنبِس بحرف سيّدِي القَائد "
تنهّد ماكس و هو يُعيد ارتِداء قبّعته ، ثمّ ابتَسم بهدوء و هو يعدّل من ازراره .

" أيًّا كان هذا زعِيم هذه المنظّمة ... فهُو يملِك لِسانًا ماهِرًا جدا كي يخدَع به جمِيع خدمِه بذات الهُراء "

" لا أدرِي ما ان كان هٌو الماهِر أو الشعب هو الغبي "
علّق القائد برفعَةِ حاجب و هو يدخن بافراط ، عرَض على ماكس لكنّه لم يقبَل بأدب ، هو يحبذ التدخين .

" ربّما الاثنان معًا سيّدي "
أجاب متبَسِّمًا و هو ينظُر الى ساعة يده.

" هل لِي بالخُروج الآن حضرَة القائد ؟"

" إلى اين ايها النّقيب دايمُوندز ؟"

تبلورَت ابتِسامة عفويّة و هو يجيب .
" انّي مدعوّ الى مناسبة عائلية هامّة اللّيلة ، قرِيبتيِ العزيزة ستتزوج قريبا، غدًا ستكُون خطُوبتها و عليّ اصطحاب امّي هذا المساء "

ابتَسم الآخر من رُؤية تلك البسمة اللطيفة على وجه الشّاب ، حبّه و اخلاصه لعائلته كان مٌثيرًا للاعجاب بحق .
" حسنًا ، مبارك لها "

" شكرا "
تمتَم مُغادِرًا و على وجهه الوَسيم ملامح عفوية لا يرتَديها الا حين يتعلّق الامر بعائلته الجميلة .

في تلك الاثناء ، كَان منزِل آل روسو محفُوفًا بالحركة تجهِيزًا للغد الّذي سيكون أحد أهمّ الايام بحياتهم .

وَقفت نافِيير امام المرآة الكبِيرة بجانب الشّرفة المفتوحة اين تسللَ النّسيم المنعش و هي مع المصممة التي أخذت على عاتِقها تصمِيم فستان الخطبة ... تضَع آخر اللمسات على الفُستان .

" أ و لَيس واسِعا قَلِيلاً هنا ؟"
تساءلت نافِيير بِقلق و هي تُشِير الى الكتِف ، فضَحكت المصممَة بعفوِيّة قائلة .

" التّصميم هكذا يا آنستي ، أ و لم يُعجبك للتو ؟"

هزت رأسها بارهاقٍ و هي تحاوِل ايجاد عيبٍ آخر بالفستان ،فضحكت الاخرى مجدّدًا .

" لأوّل مرّة أراك متوتّرة لهذه الدّرجة ، يبدُو انّك قلقة جدًّا من ردّ فعل خطيبك "

أردَفت بنبرةٍ ضاحكة و هي تلمّح للاحمرار الذي تألقت وجنتاها به ، سارَعت بضبطِ نفسها و ارتِداء قناعِها البارد مجددا .

" لا ... فقط ... ارِيد ان يكون كلّ شيءٍ مثالِيّا غدا "
همسَت بتوتّر و هي تحاوِل تغيِيير رأي المصمّمة التِي تعرِف نافِيير مذْ كانت طِفلة صغيرة ... و هذه كانت اول مرّة رأتها بهذا الشّكل .

اقتَربت منها هامِسة بمكر .

" تُكابِرين في مشاعِرك ، لكنّ العيون تتحدّث "

أشاحت نَافيير بناظِرها عنها بسرعة و كأنّها تحاوِل اخفاء مشاعِرها التِي تضخَمت بشدّة بعد ما حدث بينها و بين أدرِيك ... كان من الصّعب عليها جدّا التصرّف كامرأةٍ بعد ان تنفّس قلبها بوضوحٍ امامه .

" أصبَحت هكذا منذ أن ألبَسها هذا الخاتم "
ردّدت صوفيا بعجرفة و هي ترفع يد نافِيير لترِي الخاتم للمصممة التِي فتحت عينيها دهشَة .

" أ هو خاتم الخطوبة ؟! يا الهيِ كم هو جميل "

" لا إنه خاتم الوعد و حسب "
أجابت صوفيا بعجرفة و هي تتحرك بصعوبة بفستانها المكون من طبقات كثِيرة من التول الذِي أصرّت والدتها عليها كي ترتديه .

" الرّب أعلم ما الّذي فعلاه و هما وحدهما آنذاك "
همست غامِزة بخبث فسحبت نافيير يدها بحرج .

" هيا اخبرِينا ، هل قبّلك ؟"
غامرت قائلة فتضرج وجهها بحمرة ...

ودّت نافِيير لو استَطاعت اخبار الجميع عن كم كان أدرِيك رومانسِيّا حين صوّب خنجره نحو عنقها ، و عطّرها بدماء غيره ... لكنّها امتلكت شكّا كبِيرا في انهم سيتفهمون ذلك .

" ما الذي تقولِينه صوفيا ؟ لا تكونِي فظة "

أعادت صوفيا ترديد نفس كلمات أختِها بِسخرية ، تاركة اياها تتخيّل اشياء لم يكُن ينبغي عليها التطرّق اليها .

كَان خيَالها يزداد انحرافًا بسبب اختِها التي تنوِي افقادها عقلها من كلامِها .

فجأةً وقَفت صوفيا مبهورة امام الشّرفة ،و قد انسابت من شفتيها كلمة واحدة صاخبة .

" ماكس !"

ثم ركضَت نازعة فستانها لتغيره بسرعة البرق و تنزِل راكضةً الى المدخل ، فَتحت البَاب قبلَ ان يضغط ماكس على زرّ الجرس ، و فورًا عانقته بكلّ قوتها فضحك عاليًا و هو يدور بها .

كَان منظرُهما اخويّا مدفِئا للقلب .

" كبِرت جدّا و صار من المستحِيل حملُك كالماضي "
أردَف بنبرة ضاحكة و هو يضعها أرضًا ، فصاحت بوجهه بدلال .

" أ تقول عني أنني سمينة ؟!"

فجأةً أتتها ضربَة ودّيّة اعلى رأسها لتتأوّه ألما و تظهَر نافِيير وراءها بابتِسامة مبتهجة و هِي تنظُر الى وجه ماكس الذي أشرق برؤيتها ... رؤيةِ ابنةِ خالِه التِي اعتبرها دومًا كأختِه الصغرى و شاركها اجمل ايامه .

" أ هكذا نستَقبِل ضيوفنا صوفيا ؟"
أردَفت مؤدّبة صوفيا التِي انهمكَت بالدّلك على رأسها ، فاقترب منها ماكس مميلًا رأسه قليلا .

" عرُوسنا "

" حضرة النّقيب "
أجابَت بابتِسامة متسعة ، شاهدته يفتَح ذراعيه لها ففعلت نفس الشيء و همّت لحضنه بشوقٍ شديد .

بعدَ ان كبر الاثنان و التِحاق ماكس بصفُوف الجيش تبعًا لخطى والده ، أصبح من المُستحيل على الاثنين الالتقاء كما اعتادَا في الماضي ... و رغمَ ذلك ، استحفَظ الاثنان على العلاقَة الاخويّة التيِ جمعتهما بقوة .

" اشتقتك كثِيرًا "
همَس لنافِيير التي طبطَبت على ظهره بودّ ، لكن سُرعان ما اختفت ابتِسامتها حين نظَرت الى الشخص الذي تواجد وراء ظهرِ ماكس ... عمّتها رُوز ، ببذلة نسائيّة سوداء اللّون تشدّها ، كما لو انّها تمنَعُها عن السّقوط أرضًا ، مع قبّعةٍ بنفس اللون ، غير مزيّنة بالازهار على غرار العادة .

احتَلّت المشهد في مزِيجٍ من الهيمنة اامخِيفة و القاتمة ... كانت هكَذا منذ الماضي ، امرأة صارمة صعبة ... لكن الآن الامر مختلف ... لأنّ هذا الاسود ، لا ترتَديه الا في الجنائز .

نظَرت الاثنتان الى ماكس الّذي بدت قلّة الحيلة على وجهه ، كان من الواضح جدًّا أن أمّه ليست راضيَة ابدا عن ما يحدث ...

و حين لا ترضَى العمّة روز عن ما يحدث ، لا تحدث اشياء جيدة ابدا .

الفُصُول القَادِمة لن تَكُون داكِنة للغاية ، بَل مُبهِجة قليلا مع الدرَاما العائلِيّة الخاصّة بآل روسو 🤭 برِعاية العمّة تسسسسسس رُوز .

بالحَلقَة القَادمة ، نتعَرّف اكثَر على ماضِي بطَلِنا 🥰stay tuned

بالنّسبة للشّخصيّات الجديدة ، تعرّفنا على ماكس ، و تبقّت لنا شخصية واحدة سنتعرّف عليها جيّدًا قريبا ( اسمها مذكور بالفصل ، هل عرِفتُموها ؟ 🤫)

و الآن ، باَي بَاي لايدِيز 🖤

نلتَقي في فصلٍ جديد ان شاء الله 🤍

Continue Reading

You'll Also Like

233K 15.1K 20
الرواية نظيفة ✨ كعقوبة لتسللها إلى منزل شرطي تحاكم ليانا بقضاء شهرين في خدمة المجتمع في مركز الشرطة. الآن، تواجه ليانا تحديين كبيرين، الأول هو غرامة...
104K 6.1K 20
«لا تناظرني بعينيك الجميلة فهي لن تجعلني اغفر لك» «كدت تشتمينني سابقا وها انت الان تمدحينني، يا فتاة انت حقا تركيبة غريبة يا صغيرة» «العائلة للفرد...
643 1 1
تصبغت اوراقي بحبر كلماتك حتي اصبحت تشبه اللون الذي يُضخ بداخلك حمراء كذلك الدماء.... احيانًا اخري كانت سوداء تمامًا كالواقع الذي اعيش به.... تتخلل ت...
678K 36.2K 38
الرّواية من سلسلة VANTABLACK نَافِيير رُوسّو... الابنَة و المرأة المِثَاليّة التِي يتناقَلُ اسمُها كلمسَة قِدّيسٍ بين أحادِيث نُبلاء المُجتَمع. تتغَ...