سارية في البلاط الملكي للكاتب...

By EmyAboElghait

77.8K 2.8K 136

كل الحقوق محفوظه للكاتبه هدير مجدي إلى الّذين يجيدون السّباحة فوق السّطور والغرق بين الكلمات والإبصار في الأع... More

إهداء
المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الخاتمة

الفصل العاشر

1.9K 106 1
By EmyAboElghait

هل جربتم الشعور بشيء والتظاهر بعكسه؟

تشعر أن كل ما يحدث يصيبك بالضعف واليأس

يكسر هامتك ويحني ظهرك ولا تقوى على إظهار ذلك

بل أنت مجبر على القوة والسير برأس مرفوع وأنف شامخة كي لا يستغل كل من ينتظر ضعفك فرصة الانقضاض عليك

عليك أن توهمهم أنك مهما حدث لن تضعف ولن تنحني!!

تقف أمام المرآة بأفكار عاصفة، تنظر لنفسها وخصلاتها تقطر ماءً بعد خروجها من المرحاض.. كانت بحاجة لإنعاش نفسها بعد كل ما مر وسمعته من أبيها، كانت تحتاج أن تسترخي كي تفكر بشكل صحيح.

همست لنفسها وشعرها يغطي نصف وجهها وشفتين مزمومتين بتفكير :

- "ماذا ستفعلين يا سارية؟!

اختفاء مارية..

تعثرك بهذا القصر لحين العثور عليها..

تحمل استفزاز تلك الملكة، ليكتمل الأمر بزواجك من ابنها؟!"

أحنت رأسها بتفكير عميق تتذكر كلمات والدها :

- "أنا من قمت بتربية إلياس وأخيه حتى صارا على مشارف الشباب.. فهل تشككين في تربية أبيكِ يا سارية؟"

رفعت نظرها للمرآة مرة أخرى وحاجبها يرتفع باستنكار:

- "لن يستطيع أحد أن يشكك في تربيتك لكنك نسيت أنهما أبناء رقية، دماؤها العفنة تسري في عروقهما والصفات تتوارث"

تنهدت بقلة حيلة تهز رأسها لتفيق قبل أن يصيبها الجنون وهي تتحدث لنفسها.

التفتت تنزع المنشفة التي كانت تلف جسدها بها ثم ارتدت ثيابها، وأمسكت بأخرى صغيرة تجفف خصلاتها ، قبل أن تخرج من غرفة الملابس إلى الغرفة الرئيسية.

انتبهت لصوت الأكواب من خلف منشفتها وصوت أنفاس أحدهم، لترفع حاجبها بدهشة قبل أن تكشف عن وجهها، فاتسعت عيناها بذهول تراه أمامها واقفًا أمام الشرفة ممسكًا بكأس من الشراب، متخليًا عن عمامته لتظهر خصلاته البنية تلمع من انعكاس ضوء القمر عليها.

فغرت فمها على اتساعه وتعجبت من جرأته على الحضور ليخرج صوتها من خلفه بدهشة لم تفق منها :

- "ماذا تفعل هنا؟!"

ابتسم ابتسامة جانبية ورفع كأسه يتجرع منه القليل ولم يكلف نفسه عناء النظر لها، يجيبها بنوع من السخرية وظهره يشتد في وقفته :

- "هل هناك ما يمنع يأتي الرجل لزوجته؟!"

نجح في إثارة غضبها ليسمع أنفاسها الزافرة من خلفه فاتسعت ابتسامته أكثر، ليس بالغبي كي يمني نفسه بليلة زفاف هادئة!

فهو تزوج بفتاة لا تمت للهدوء بشيء، لكنه قبل أن يكون ملك هو رجل حرب، عندما يريد استهداف عدوه عليه باتباع سياسة التروي.. فالحرب خدعة.

فما بالك أنها زوجته!

جاء صوتها الغاضب من خلفه وأنفاسها النارية هاتفة :

- "كفاك استفزازًا وأخرج من هنا، أنت تعلم أن هذا الزواج تم بغير موافقتي، أنا غير معترفة به"

رفع كأسه يشرب كل المتبقي فيه ومازال موليًا ظهره لها مما أثار حنقها أكثر، ورفع كتفيه بعدم اهتمام مجيبًا :

- "لا يهم والدك وكيلك، فلا داعِ لموافقتك..

لذلك أمام الناس والشرع أنتِ زوجتي"

هذا الشخص بارع في إثارة غيظها، لم يهملها أحد بتلك الطريقة من قبل، تكاد تقسم أن والدته نفسها تنام وتحلم بكيفية التعامل معها.

وهو.. يوليها ظهره وكأنها هواء بلامبالاة منه، كزّت على أسنانها بقوة تتنفس بعمق تحاول إحضار برودها قبل أن تترك العنان لغضبها.. فستكون رأسها عند قدميها بتهمة قتل الملك أو تحرق حية.

ابتسمت لنفسها لمجرد الفكرة وارتفع حاجباها بمكر تضغط على جانب شفتها السفلى، ولم تنتبه للذي استدار لها عندما انتبه لصمتها، ليتصلب جسده وتشنجت عضلاته من هيئتها التي تقف أمامه بها!

ثوب نومها الكاشف عن جزء من ساقيها، ذراعاها العاريان وخصلاتها المموجة المبللة تسكن على كتفها، تمسك بالمنشفة بين كفيها وعلى شفتيها ابتسامة وعيونها تلمع كأنها تخطط لشيء ما.

هيئتها تجعل أعتى الرجال يخر صريع جمالها، على الرغم من تأثير إغرائها لكنه تحكم في نفسه سريعًا.

خرج صوته الساخر وانحنى يضع كأسه بجوار الدورق الكبير ينتشلها من أفكارها :

- "ويل لمن تفكرين في قتله في هذه اللحظة"

رفعت أنظارها بأعين ضيقة لتتحول ابتسامتها من الغيظ إلى السخرية :

- "مسكين.. يستحق الدعوة بالفعل"

لم يجبها بل ارتسمت ملامح المكر على وجهه وابتسامته كسرت قشرة البرود التي حاولت وضعها لتقذف المنشفة على الفراش تصيح بغيظ :

- "ما الذي تفعله هنا؟

لقد فعلت ما خططت له وتزوجتني، فماذا تريد أكثر من ذلك؟"

اقترب منها يحك ذقنه بأنامله حتى وقف أمامها يسير بنظراته عليها من رأسها لقدمها وقال برغبة التلاعب معها :

- "نعم لقد تزوجنا وحقيقةً أنا أريد إتمام هذا الزواج ، أريد وريثًا يحمل اسمي"

فغرت فمها بصدمة وذهول لاح في عينيها من وقاحته، فرفعت قبضتها تريد أن توجهها في منتصف وجهه لكنه أمسكها بين كفه يديرها يحيط عنقها بذراعه الممسك بها وألصق ظهرها بصدره ويده الأخرى ممسكة بذراعها الآخر بين ظهرها وجسده يهمس لها :

- "أخبرتك أن تتعلمي البرود ولا تخرجي غضبك بسهولة.. فالأفعى تعلم متى تلقي سمها.

إن أخرجته في كل مرة يتم مهاجمتها سينفذ وستصبح فريسة سهلة لمن هم أضعف منها"

تنفست بشدة محاصرة بهذا الشكل، يتصاعد صدرها من أنفاسها ليتحرك ذراعه معه، ودقات قلبها يشعر بها بقوة ليبتسم ويترك يدها المحتجزة بينهما يصعد بأنامله يعيد خصلاتها خلف أذنها هامسًا :

- "نبضاتك سريعة وجسدك يشع حرارةً..

نارية في كل شيء، في خصلاتك، غضبك، حسنك وفي عينيك"

تنفس عبقها بصوت مسموع وهمس من بين أنفاسه:

- "نارية"

لم تشعر بنفسها إلا وهي ترفع قدمها لتحط بقوة على قدمه، وضربت صدره برأسها فاضطر إلى تركها والعودة خطوة للخلف يهز قدمه من الألم.. لا يعلم كيف لهذا الجسد الصغير أن يخرج مثل هذه القوة؟!

التفتت له لتدور خصلاتها معها تلتف حول رقبتها وقد توهج خضارها وثارت أمواجها، فرفعت سبابتها أمام وجهه هاتفة :

- "لا تنعتني بهذا اللقب مرة أخرى ولا تتحدث معي بتلك الطريقة!

أنا أحاول أن أكبح غضبي وأنسى أمر هذا الزواج، و..."

قبل أن تكمل جملتها جذبها من ساعدها يلقيها على الفراش بقوة وقد لاحت تعابير الغضب على وجهه، لتشهق بصدمة ونهضت تستند على مرفقها تنظر له.. كادت أن تقف لكنه ثبت ذراعيها جاثيًا فوقها لتتنفس بقوة.

وجهان متقابلان يشعان بالغضب!

ونظرات تلوح بها الشراسة!

يقبض عليها كما يقبض النسر على فريسته، يكبح حركاتها التي تشبه السمكة الخارجة من الماء!

اقترب بوجهه منها هامسًا بحدة وتقرير :

- "هذا الزواج أمر واقع وحقيقة لا تقبل النسيان..

أفضل لكِ التكيف معه سريعًا"

حاولت أن تفلت نفسها من قبضتيه فلم يعطها الفرصة وقبض على رسغها بشدة فتغضنت ملامحها بألم تحركهما بين قبضتيه، فهمست بصوت متهدج من بين أسنانها وشفتيها تستقيم لسانها يقذف بكلمات لاذعة :

- "لمَ لا تفهم أنا لا أتقبلك، بل لا أطيق أحدًا منكم، فكيف تقبل على نفسك العيش مع فتاة تكرهك؟!"

ابتسم بغموض واقترب أكثر حتى لامس أرنبة أنفها بأنفه فاقشعر جسدها وأغمضت عينيها بقوة :

- "ببساطة لأنني أريد هذا.. تقبلت أم لا هذا أمر يعود لي، أما تقبلك أنتِ لهذا الزواج أنا متكفل به"

وفي اللحظة الثانية لم تشعر به فوقها، فتحت عينيها لتجد نفسها بمفردها، استقامت جالسة تدور برأسها ويدها فوق صدرها تشعر بقلبها يكاد يخرج من مكانه.

لم تجده فتنفست بأعجوبة ومرت عدة دقائق تتذكر اقترابه منها بهذه الطريقة وهمسه لها، أمسكت بالمنشفة بجانبها وقذفتها على الأرض بصراخ تخرج بها غيظها :

- "أنا أكرهك، وأكره كل شيء هنا"

رفعت أناملها تدلك جانبي رأسها بتعب قبل تعود بخطوات مغتاظة إلى فراشها تقفز بحدة فوقه تضرب الوسادة بغيظ تستجدي النوم بعد كل تلك المشاحنات والمشاعر.

****

يجمعهما الكثير من العشق المفعم بالغزل

كالقمر والنجم يتشاركان الحب دون كلل

ففي قاموسه الهوى لا سطور له

والحب لا تصفه كلمات

وفي سواد الليل استطاعت أن تمسك قلبه بيدها ، واستطاع أن يستحوذ على مفاتيح روحها!

نهضت ليان من نومها تدور بنظراتها تستكشف أين هي دون إفاقة حتى تذكرت أنها بجناح نيار، حاولت أن تستقيم لكن وجدت ما يمنعها، ذراعه يحيط خصرها يدفن رأسه في الوسادة، وجسده مسترخيًا تمامًا..

جالت في رأسها أحداث أمس، فتدفقت الدماء إلى وجنتيها بخجل، لم تعهده رقيقًا إلى هذا الحد، رأت جانبًا آخر منه، لم تعهده غير القاسي الغاضب، لكنها أمس وجدته يعاملها برقة وحنان.

ابتسمت في خجل وحاولت النهوض مرة أخرى فوصلها صوته الناعس ومازال على وضعه :

- "لا تفكري أن تتحركي من مكانك"

نظرت بدهشة له وتصلب جسدها عن الحركة تعيد النظر إليه، ليرفع رأسه لها وخصلاته مشعثة تهبط على جبهته ليجذبها تحته واضعًا كفه فوق خصلاتها كمن يمسدها، فوضعت أناملها تتغلغل شعيرات ذقنه ليغمض عينه بتأثر يتنهد بقوة لتهمس :

- "أنت بخير نيار!"

ابتسم بمكر ورفع لها حاجبه يجيبها بتلاعب :

- "أنا من يجب عليه أن يسألك!"

ضربته على صدره العاري من جرأته ووجهها يتحول للون الأحمر، فضحك يرفع كفها له يقبل ظهره :

- "مبارك يا مليكتي"

ابتسمت وهي تتذكر كلماته الأخيرة قبل أن ينحدرا معًا في هوج العشق والليل، لترفع يدها تضعها فوق صدره العاري على قلبه كأنها تربت عليه وهمست بنوع من الشجن :

- "قد يتأخر الفرح وقد تنقبض الصدور وتنحبس السعادة، لكن الفرج حتمًا سيأتي بألف طريقة ولون ، طالما أننا نؤمن بأن الله قدر لنا كل شيء لسبب"

رفعت نظرتها لعينه التي فاضت بالمشاعر يتأملها بحب وأكملت تضع أناملها بين شعيرات ذقنه تدلكها:

- "لا تشغل البال بماضي الزمان

ولا بآتي العيش قبل الأوان

أغنم من الحاضر لذاته

فليس في طبع الليالي الأمان"

لم يجد أي كلمات تضاهيها حقها غير لغة العشق التي تكفلت بحروف الأبجدية جميعها، فهبط إلى شفتيها يقبلها برقة شديدة..

ليست قبلة رغبة أو نشوة بل شكر وعشق على الراحة التي أدخلتها كلماتها إلى صدره فأثلجته.

ابتسمت ترفع رأسها تقبل ذقنه قبل أن تنهض من الفراش تلف المفرش حول جسدها لتجد نفسها تُرفع في الهواء على ذراعيه فحدقته بنظرات متسائلة ليسند جبهته إلى خلصتها هامسًا بخبث وتلاعب :

- "لنكمل الطقس الأخير الخاص بصباح ليلة الزفاف حلوتي"

لكمته بخجل في صدره تخفي وجهها في كتفه لتتصاعد ضحكاته ثم اختفيا وراء الستار المؤدي إلى الحمام الملكي.

وبعد مرور بعض الوقت خرج قبلها يرتدي مئزره، ليسمع طرقات على بابه فأمر بالطارق بالدلوف ليجده الحارس الخاص به يخبره ينحني باحترام :

- "الملك إلياس ينتظر قدومك بالساحة"

عقد حاجبيه بتعجب من إرسال أخيه له، لكنه سيطر على دهشته يومئ للحارس أن يخبره بقدومه، فانحنى مستأذنًا وخرج.

التفت إلى ليان التي ظهرت من خلف الستار حاملة بيدها رداءً ملكيًا خاص به، فابتسم يقترب منها فأعطته له بثغر باسم وساعدته بارتدائه، ثم ارتدى عمامته والتفت لها عندما وجدها تبتعد ليسألها :

- "إلى أين تذهبين؟!"

أجابته بدهشة طفيفة وابتسامة متعجبة :

- "سأرتدي تاجي"

ابتسم لها باستمتاع وجذبها تقف أمامه بمواجهة المرآة ثم أمسك بتاج عبارة عن قلب كبير في المنتصف من الماس وعلى جانبيه صفوف من الماس عبارة عن تموجات.. رقيق يليق بها، وضعه على رأسها ينظر لانعكاس عينها في المرآة وهمس لها :

- "من اليوم هذا تاجك"

لمعت عينها بإعجاب من روعته ورفعت أناملها تلتمسه ولسانها يهمس :

- "إنه رائع"

- "لم يرتقِ لروعتك"

همس بعبث محبب فتدفقت الدماء إلى وجنتيها وابتسمت بخجل فقبّل رأسها مكملًا :

- "إلياس طلب رؤيتي.. يبدو أن الأمر هام"

أومأت له برأسها تشيعه بنظراتها وهمست لنفسها :

- "لعله خير إن شاء الله"

وفي مكان يشرف على الساحة تحفه الستائر من الجهتين، كان إلياس يقف أمام جاد ويده خلف ظهره متخليًا عن عمامته، ينظر له بقوة وعيون تقدح غموض وغضب :

- "ما الذي تقوله جاد؟!"

أغمض عينه يتنفس بقوة، وفي هذه اللحظة دلف نيار إلى القاعة بكل شموخ، لينحني الجميع باحترام له وتساءل يحوم بنظره بينهم:

- "ما الأمر؟"

تولى مأمون الحديث :

- "حقيقة لا نعلم ماذا حدث مولاي، لكننا وجدنا الجندي يخبرنا بفتاة مقتولة في كوخ وسط الغابة، وعندما وصلنا إلى هناك وجدناه قد احترق وملامح الفتاة وجسدها تشوها بالكامل"

عقد حاجبيه بعدم فهم ينظر لإلياس الناظر للأسفل بتفكير، لينتبه لصوت جاد هذه المرة يخرج السلسال من جيبه :

- "لكننا وجدنا هذا السلسال معلق في رقبتها"

التقطه نيار منه يرفعه أمام عينه يتأمله، وإلياس ينظر إليه بتعابير مبهمة وتفكير..

فتاة قُتلت في يوم الاحتفال!

واحترق المكان بها فتشوهت معالم وجهها!

شيء يحدث وشخص خلف كل هذا لكنهم لا يستطيعون الوصول إليه!!

كاد نيار أن يتحدث لكن شهقة عالية جذبت أنظارهم، لتلتف الرؤوس الأربعة باتجاه الصوت فوجدوها سارية تقف واضعة كفيها فوق فمها، تنظر للسلسال المهتز بحركات رتيبة في يد نيار بأعين متسعة، تقترب بخطوات مترقبة وعينها مازالت عليه لتمسكه منه تديره في كفها، فرفعت نظرها إليهم بأمل ولهفة:

- "أين وجدتم هذا؟"

نظرت إلى إلياس تتقدم منه ممسكة بساعده تسأله :

- "أخبرني إلياس من أين حصلتم على هذا السلسال؟!"

نظر الجميع لبعضهم بريبة ودهشة، لينظر لها نيار سائلًا بتأني :

- "هل تعرفين صاحبته يا سارية؟"

أومأت برأسها تضم كفيها إلى صدرها ودموع فرحة وأمل تتلألأ في عيونها، ثم نظرت للسلسال مرة أخرى قائلة بحنين :

- "بالطبع أعرفها.. هذا لمارية أنا من صممته لها منذ عشرة أعوام وأهديتها إياه"

نظر إلياس لها بقوة وأعين حادة، ونيار نظراته تشوبها الذهول.. ثم نظر لجاد الذي وضع كفه فوق فمه يكتم دهشته ماسحًا على ذقنه، ومأمون أغمض عينه بقوة يضرب الهواء بقدمه.

رفعت عينها إليهم تتأمل وجوههم بحاجبين معقودين من ذهولهم، دارت بنظراتها بينهم حتى وصلت لإلياس فهمست بنوع من القلق يتسلل لقلبها :

- "إلياس ما الأمر؟!"

سعل قليلًا يجلي حنجرته يهز رأسه ليفيق وسألها بريبة:

- "أنتِ متأكدة أنه لمارية؟!"

أومأت برأسها تنظر للجميع قبل أن تعيد عينها إلى أعينه متسائلة:

- "بالطبع متأكدة"

أدارت السلسال في يدها تقربه من وجهه وتكمل :

- "انظر أنا نقشت اسمها بالخلف كي يميزه"

قرأ الاسم بصدمة وأغمض عينيه بقوة يمسك كفها ضاغطًا عليه لتنظر له بدهشة، والتفتت لجاد الذي لا يستطيع النظر إليها والقلق بادي على وجهه لتسأله:

- "جاد ما الأمر؟

هناك شيء يحدث أريد معرفته.. أين وجدتم هذا السلسال؟

مارية لا تنزعه من عنقها فمعنى أنك وجدته يعني وجودها"

وضع جاد كفيه فوق بعضهما أمامه وتنهد بقوة يرفع عينه لها وقال بصوت مهتز :

- "هذا السلسال.. وجدناه في عنق فتاة في كوخ وسط الغابة"

شهقت بفرح تقبض على كف إلياس دون وعي وصرخت بسعادة :

- " لقد وجدتها!

أحسنت جاد كنت أعلم أننا سنجدها كنت أعلم"

أمسكت ثوبها ترفعه وتقدمت من وسطهم شبه راكضة تنظر لهم وخطواتها تسرع :

- "خذني إليها جاد كي آتي بها"

اصطدمت بجسد إلياس الذي لم تعلم كيف وصل أمامها ليمسكها من عضديها بقوة يسيطر على حماسها وأخذ عدة أنفاس قبل أن يتحدث :

- "سارية هناك أمر عليكِ معرفته"

نظرت له بتساؤل تهز رأسها لتحثه على الحديث والقلق يتسلل إلى قلبها، فتطلع لها والأفكار تتصارع في رأسه بين الحيرة والتردد!

السعادة في صوتها والأمل في عينيها يستوقفاه من إخبارها، لكن قوتها تحثه على إخبارها كي لا تعيش على أمل مفقود، فخرج صوته ثابتًا :

- "صاحبة هذا السلسال وجدت مقتولة في هذا الكوخ.. وإن كان مثلما تقولين أنه لصديقتك فهذا يعني أن الفتاة تكون ....."

لم يكمل حديثه مبتلعًا لعابه بقلق عندما رأى ملامحها تتحول من الانتظار إلى التيه وعدم الفهم!

لولا تصلب جسدها وتشنجه بين يديه لظن أنها لم تستمع إليه من الأساس، أنفاسها تباطأت ونظراتها احتدت تحاول أن تقتحم داخله لتجد أن حديثه كذب.. ابتلعت لعابها بصعوبة تهز رأسها ونظراتها تحوم في كل مكان وابتسامة مهتزة على شفتيها وسألته :

- "ماذا تحاول أن تقول؟

مارية مستحيل أن يحدث لها شيئًا، لابد أنها فتاة أخرى واختلط الأمر عليكم"

هزها بقوة يقربها منه ضاغطًا على عضدها بأنامله يزرع عينيه في عينها مجبرًا إياها على النظر له وقال بقوة :

- "جاد ومأمون هما من وجداها، وهذا السلسال كان معلقًا في رقبتها"

هزت رأسها بالنفي وهي تتحرك محاولة للتملص منه وتعود بظهرها للخلف ترفع يدها تعيد خصلاتها للخلف تحاول السيطرة على قلبها النافر بقوة يكاد يخرج من صدرها من التوتر والقلق :

- "لا لا عليّ التأكد بنفسي"

أتاها صوت نيار القوي من خلفها يقف واضعًا ذراعيه خلف ظهره وملامحه قاسية من تلك الأخبار ووقعها عليها وعلى الجميع، خاصةً وهو يراها بهذا العذاب والضياع!

شتان بين المرة الأولى التي رآها فيها والأمل والقوة يشعان منها، والآن يرى الكسرة تلوح فوقها تنتظر السقوط عليها عند علمها :

- "الكوخ كان محترقًا بالكامل، والفتاة شبه متفحمة، معالم وجهها لم تعد موجودة كي تتأكدي سارية"

استدارت له بحدة وصدمة بأعين ضيقة وأنفاس لاهثة ، لتتأمله وكأن قرونًا نُبتت له، دارت بنظرها إلى جاد الذي أخفض نظره بأسف ومأمون الذي زم شفتيه بأسى ، لتخرج منها شهقة عالية كالغريق وأسرعت بخطوات راكضة من المكان ودموعها تنهمر فوق وجنتيها ، تقنع نفسها أن كل هذا كذب، مارية حية لم تمت بتلك الطريقة.

وجدت خيلًا أمامها كان الحارس يجهزه، فقفزت فوقه بسرعة تضربه بقدمها فصهل بصوت عال وركض لخارج القصر.

أسرع إلياس خلفها بعد أن أمرهم بعدم اللحاق بهما، يأخذ الخيل الآخر وهرول خلفها، لينطلق خلفهم مجموعة من الجنود أمرهم نيار باللحاق بهم لحمايتهم.

ما أقسى الأيام عندما تسرق منك أغلى ما تملك

ويكون الغالي هو الأمل

تسرق منك الابتسامة والفرحة

تأخذ أعز أصدقائك

عندها تفقد لذة الحياة تشعر بالسخط على كل شيء وأولهم نفسك

يمتلئ القلب بالحزن كالكأس الممتلئة لا يمكن تحمله

تركض كالريح، فحظها أنها أخذت خيلًا جامحًا كان لجاد، قوي وسريع.. وخلفها إلياس يصيح بأعلى صوته يركض بمحاذاتها :

- "سارية توقفي"

لم تستمع له ولم تعره انتباهها، دموعها تشوش الرؤية أمامها من كثرتها، شهقاتها تتعالى لتصله فيحث خيله على الإسراع للحاق بها.

رفعت كفها تمسح دموعها ففقدت السيطرة على الخيل لتفقد توازنها وكادت أن تسقط، لكن يده كانت الأسرع يلتقطها ويدفع نفسه من فوق خيله.. ليتدحرج جسداهما فوق العشب الأخضر حتى استطاع التحكم بنفسه وبها.

أجلسها وجثى على ركبتيه أمامها، فرفعت وجهها إليه ليجد رأسها قد جُرح وخيط من الدماء يسيل على جانب وجهها.. تمسكت بمقدمة ملابسه وصوت محشرج كالقادم من بئر عميق :

- "أخبرني أنك تكذب وأنها بخير..

أخبرني أنها لم تكن الفتاة في الغابة وسأصدقك..

قسمًا بالله سأصدقك وسأفعل ما تطلبه مني، أي شيء"

أغمض عينه بقوة وكز على أسنانه يحاول التماسك من ردة فعلها، هي بحاجة إليه حتى لا تنهار فرفع كفيه يحيط وجهها يمسح دموعها :

- "سارية أنتِ مؤمنة وابنة شيخ.. تعرفين أن الموت حق"

أبعدت يده عن وجهها بقوة تصرخ مستنكرة كلماته :

- "هي لم تمت إلياس.. مارية حية"

لتحيط وجهه هذه المرة وقالت برجاء خرج منها لأول مرة في حياتها :

- "بالله عليك أخبرني أنها خدعة وأن جاد قد أخطأ..

دائمًا يلعب معي هذه الألاعيب منذ أن كنا صغارًا، يأخذ أشيائي يخفيها حتى يجبرني على فعل شيء له"

اقتربت منه أكثر تهز رأسها أمامها كمن أصابها مس:

- "ما أقوله صحيح أليس كذلك؟"

أمسك رأسها من الخلف يثبتها ويده تتغلغل في خصلاتها يضع عينيه في عينيها بحدة يحاول السيطرة عليها هاتفًا حتى تفيق :

- "سارية.. أستكفرين بقضاء الله!

مارية ماتت عليكِ تصديق هذا"

صدحت شهقتها بقهر شقّ جنبات صدرها، ورفعت رأسها للسماء صارخة بقوة جعلت الطيور تفر هربًا وزعرًا من أعشاشها :

- "لماذا بعد كل هذا العذاب، اليوم الذي أجدها فيه ميتة؟

تحملت القهر والذل من الجميع من أجلها، لتأتي وتتركني بهذه الطريقة!"

شهقت كمن خرجت من قاع البحر إلى السطح بقوة لتصل شهقتها عنان السماء وكأن روحها تُنتزَع منها، مازالت ممسكة بملابسه، جسدها يهتز كمن لدغه أفعى أو مسه شيء، مغمضة العينين ورأسها يهتز لليمين واليسار :

- "هي لم تفعل أي شيء لتموت بهذا الشكل؟

لم تفعل أي شيء سيء لتموت بتلك الطريقة البشعة؟"

حرقة قلبها وكسرة روحها ضربت قلبه في مقتل!

تنفس بعمق يستجدي الهدوء وقلبه يناجي الله أن يمنحه القوة كي يحاول السيطرة على جسدها الذي ينتفض بين ذراعيه.

جذبها لأحضانه يهمس في أذنها وشفتيه تلامسها :

- "سارية أهدأي بالله عليكِ، سيحدث لكِ شيء..

هي لا تريد النواح، الدعاء لها أفضل"

كانت في عالم أخر تهز رأسها برتابة ولم تسمع شيئًا مما قاله، وشهقاتها تدخل أذنه فتشقق ذلك الذي ينبض بين جنباته قهرًا وحزنًا عليها.. هذه أقصى لحظات ضعفها ولا أحد يحق له رؤيتها بهذا الشكل غيره.. لتهمس وكأنها مغيبة :

- "هي أختي قبل أن تكون صديقتي..

بسببها فعلت ما أقسمت ألا أفعله في حياتي، وطئت الأرض التي أكرهها ، دلفت القصر الذي أقسمت بأغلظ الأيمان ألا أدخله، تقبلت الإهانة والذل من الجميع ببرود حتى تتاح لي الفرصة للعثور عليها"

شهقت بقوة ودموعها تهبط كالشلال على وجهها وقبضتها تشتد على ملابسه لتضع رأسها على كتفه بألم وقهر :

- "قبلت بزواج بعد إقناع مميت على أمل أنه طريقة لإيجادها"

ثم رفعت نظرها إليه بأعين تماثل الدم في لونه تهزه هامسة بصوت متحشرج تزوي حاجبيها بتساؤل :

- "أخبرني الآن كيف ستفي بوعدك إلياس؟

وعدت أبي بإيجادها ما أن يوافق على تزويجي منك.. الآن كيف ستحقق وعدك؟"

قالت جملتها الأخيرة بصراخ تضربه بقسوة في صدره.

عض على شفتيه بقوة وحقيقة كلماتها كالسهام المارقة في منتصف قلبه.

هذيانها وزيغ نظراتها أعلماه أنها تنجذب لظلال الغضب والثورة فحاول السيطرة عليها وإيقاف لكماتها ووضع كفه خلف عنقها يجذبها إلى أحضانه يتنفس عبقها بعمق.

هي على حق في كل ما تقوله!

يشعر بجرح قلبها وقهرتها الشديدة، ليهبط إلى أذنها هامسًا يضغط على جانب عنقها :

- "سامحيني ليس هناك إلا هذه الطريقة"

شعر بجسدها يتخدر وعيونها تنغلق لتفقد الوعي بعد ثانيتين من ضغطه.

استكانت رأسها على كتفه..

وجسدها ارتخى بين ذراعيه لكنه مازال ينتفض ببطء من أثر بكائها.

وضع يده على جانب وجهها مثبتًا إياها داخل أحضانه يمسح على خصلاتها بحنان متنهدًا بقوة.

عيناه تشع قسوةً وغموضًا ينظر للفراغ عكس الحنان المنبعث منه نحوها قبل أن يستقيم حاملًا إياها برفق متجهًا إلى خيله ليعود بها إلى القصر.

Continue Reading

You'll Also Like

44.5K 1.2K 15
رواية بقلم المبدعة Rontii حقوق الملكية محفوظة للمتألقة Rontii
934K 17.3K 57
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" الذي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
204K 5.3K 32
رواية بقلم المتألقة آية أحمد حقوق الملكية محفوظة للكاتبة آية آحمد
3.8M 56.5K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...