سارية في البلاط الملكي للكاتب...

By EmyAboElghait

76.9K 2.8K 136

كل الحقوق محفوظه للكاتبه هدير مجدي إلى الّذين يجيدون السّباحة فوق السّطور والغرق بين الكلمات والإبصار في الأع... More

إهداء
المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الخاتمة

الفصل السابع

1.9K 98 6
By EmyAboElghait

كنا صغارًا حين أخبرنا أجدادنا ألا نفتح الأبواب المغلقة!

ألا ندخل الأماكن المهجورة!

وألا نسير بمفردنا في طريق مظلم خالٍ!

لا أحد يعلم ماذا يُخبَئ لنا؟

وهل هذا المجهول سيسرنا أم يفزعنا؟

لكن الإنسان خُلق فضوليًا تجاه المجهول!

عناده يقوده كي يكشف الممنوع!

لكن بعض الأبواب المنغلقة والدفاتر القديمة لابد أن تبقى كما هي..

ولا يجب التحدث فيها حتى!

كالساحر الذي يزيح عقله ويزداد جشعه بأن يغوص في العالم السفلي رغمًا عن أصحابه..

فينقلب السحر عليه وينال ما صنعته يده.

مرت عدة دقائق بعدما ألقت باعترافها الصريح بأنها كانت تكن مشاعر الحب له، بل مازالت تحملها بقلبها إلى الآن!

وقعت كلماتها على مسامعه كضربة مطرقة ترددت صداها في عقله..

كان يعطيها ظهره ويشد بقبضته على طرف عمامته المنسدل على كتفه، وعاد بذاكرته إلى ما مضى..

****

كان في اجتماع مع تقي الدين للاتفاق على ما سيتم في الحرب المقدمين عليها، وبعدما انتهى خرج ينادي أحد الحراس كي يلقي عليه أوامره، ويعد ما يلزم لها.

كاد أن يذهب لكن استوقفه صوت أنثوي رقيق يأتي من خلفه، فوجدها قادمة بثوب أخضر جميل، وخصلاتها الشقراء منسدلة على ظهرها في تموجات.

راقب اقترابها فوقف يضع يده خلف ظهره، ينظر لها بحاجبين معقودين حتى وقفت أمامه فسألها :

- "ما الأمر رقية؟"

لاحظ غضبها الطفيف على تعبيرات وجهها وبالأخص في عينيها الزرقاء قبل أن ينتقل إلى نبراتها :

- "لماذا لا تريد رؤيتي بدر الدين؟

كلما أطلب رؤيتك إما مشغولًا أو ترفض مقابلتي لأمر ما"

تأملها قليلًا قبل أن يتنهد يريد إنهاء الحوار سريعًا :

- "رقية أعلم ما تنوين قوله..

ولكن هذا لن يحدث، فحافظي على ما بقيّ وانسي الأمر برمته"

استدار ليذهب لكنها منعته بوضع يدها على مرفقه تديره إليها من جديد تناظره بقوة تهتف بشراسة :

- "أنسى ماذا؟

أنسى أنني أحبك"

اقتربت تضع كفها على وجنته وهمست واضعة اليد الأخرى على قلبها تربت عليه :

- "أخبرني كيف آمر هذا القلب أن يتوقف عن النبض لك؟

أنا أحبك يا بدر الدين لمَ لا تفهم ذلك؟"

أمسكها من رسغها يبعد كفها عن وجهه، ليقربها منه حتى اصطدمت به، ونظر في عينيها بغموض هامسًا يضغط على كل كلمة تخرج منه :

- "وأنا أخبرتك مرارًا يا رقية.. أنني لا أكن لكِ أي نوع من المشاعر، حافظي على ما بقيّ من كرامتك فأنا أعلم ماذا تريدين"

ضيقت بين عينيها هامسة بحدة :

- "وما الذي أريده؟"

ابتسم بجانب فمه يسير بنظراته عليها من أسفل لأعلى حتى وصل لزرقتيها :

- "أنا أعرفك جيدًا رقية فأنا من جئت بكِ إلى هنا..

منذ أن نظرت في عينيكِ رأيت الجشع، السلطة، الغرور"

اقترب منها خطوة ينحني برأسه نحوها ونظراته تحتد بشدة يحيلها بين مقلتيها :

- "حينها تأكدت أنكِ أفعى متجسدة في قالب أنثى، لكنني لن أعيد الخطأ مرتين، لن أُدخل أفعى لحياتي..

لولا الملك تقي الدين لكنت تخلصت منكِ للأبد"

لهثت من فرط غضبها ولون وجنتيها يستحيل للون الأحمر، أهانها ودعس كرامتها بحذائه!

رفضها زوجة وألقى بحبها عرض الحائط ناعتًا إياها بالطامعة للملك!!

أعماها غضبها وجذبتها فوهة الانتقام، فتحولت وتيرة صوتها للتهديد والحقد :

- "أنت ترفضني!

تُهين كرامتي وتنعتني أنا بتلك الصفات؟"

ابتعدت خطوة للخلف تشهر سبابتها نحو نفسها بوعد ولسانها يشدد على كل كلمة تخرج منها :

- "أقسم لكَ يا بدر الدين قسمًا أحاسب عليه..

أن تلك الجارية ستكون سيدة هذا القصر والمملكة بأكملها"

ثم وجّهت سبابتها نحوه مكملة بحقد :

- "وأنت بالأخص أيها الوزير سأجعلك تنحني لي احترامًا وإجلالًا"

أنهت كلماتها ثم استدارت تدب الأرض بغضب وحقد كبيرين، وتركته يتأمل ذهابها بلامبالاة وكأن شيء لم يكن.

وبعد عدة أشهر قليلة ذاع في القصر نبأ حمل رقية من الملك، وعلى حسب القوانين فإن الجارية التي يقرر الملك أن تحمل في أحشائها طفلًا منه بمثابة إشارة أو إعلان عن زواجه منها.

ومضت الأيام وبالفعل تم زواج تقي الدين من رقية، وبهذا تحولت الجارية إلى ملكة القصر.. وتم تنفيذ الوعد الذي قطعته إلى بدر الدين الذي كانت ترمقه بغرور وحقد تقف بجوار زوجها بعدما ألبسها التاج الملكي وكأنها تقول له بلغة العيون :

- "لقد نفذت وعدي لك يا بدر الدين!

حان الوقت الذي تنحني لي فيه وليس أنا!

الآن تبدلت الأدوار كي تصبح الجارية هي السيدة، والسيد تابع لها"

وكأن بدر الدين تلقى رسالتها فرفع رأسه لها بشموخ وابتسامة جانبية على شفتيه ملقيًا رسالته :

- "أفعلي ما شئتِ، لن تتمكني من الوصول لهدفك..

فمهما مر الزمن وتوالت السنين تظل الجارية جارية ولو ارتدت تيجان العالم أجمع"

*****

عاد من تلك الذكرى ومازال يوليها ظهره لبضعة دقائق، لكنه استدار لها يراها تنظر إليه بخبث ومكر كمن ظنت أنها أوقعت به باعترافها الذي مر عليه أكثر من خمسة وعشرين عامًا، لكن سرعان ما تلاشت هذه الابتسامة وهي تراه يقترب منها ببطء حتى وصل على بعد خطوتين فقط منها، واقترب برأسه من أذنها يهمس :

- "بما أنكِ ذكرتِ الماضي رقية، دعيني أذكرك بما أخبرتك إياه نظراتي يوم تتويجك..

ستظل الجارية جارية حتى لو ارتدت جميع تيجان العالم أجمع!

فهناك مقولة منذ قديم الأذل تقول

( الطبع يغلب التطبع )

تذكريها جيدًا وقارني بينها وبين الأفعال التي تحدث في المملكة ومن السبب خلفها"

رفع رأسه يشملها بنظراته فرأت نفس نظرات الاشمئزاز التي لم تتغير نحوها مكملًا بسخرية :

- "ولماذا المملكة؟

انظري إلى ولديكِ والعلاقة بينهما!

انظري إلى إلياس وشعوره نحوك!

ستجدين إجابتك أيتها.. الملكة"

استدار ليذهب بهدوء وتركها متسعة العينين، فاغرة الفم، لم تتوقع أن تتلقى هذا الرد منه، أهانها بشكل مستتر مرة وصريح مرة، وهو يعلم أنها تفهمه وتفهم مقصده من كلماته لها.

ما يزيدها حنقًا أنها لم تستطع الرد على إهانته!

بالماضي رفضها ورفض حبها..

وبعد مرور كل هذا الوقت يرفضها مرة أخرى!

ضغطت على طرف ثوبها بقوة تحاول التنفيس عن غضبها وصدرها يعلو ويهبط من شدة التنفس بقوة، تحاول التفكير فيما حدث!

حدثت نفسها ونظراتها تدور في المكان :

- "ما هذا اليوم المشؤوم!

بالصباح تلك الفتاة والتي لا أعرف لإخضاعها سبيلًا.. ثم ليان لأول مرة تتمرد بهذا الشكل الذي جعلني لم أستطع الرد عليها، لكن لا شيء يصعب عليّ"

صمتت وقد غامت عينيها بغموض ثم همست :

- "والآخر بدر الدين!

السبب خلف كل ذلك، من أوصل كل شيء إلى ما هي فيه الآن"

زاغت عيناها في الفراغ الواسع أمامها بتفكير لبعض الوقت قبل أن يعود إليها شموخها، ولسان حالها يردد :

- "كلٌ سيدفع ثمن ما حدث.. إن غداً لناظره قريب"

******

تنافر الأرواح

شحنات سالبة مسيطرة

نزاع القلب مع نبضاته

نزاع العقل مع أفكاره

الأشرعة تتمزق ذاتيًا

المدافع تعبأ بالبارود من تلقاء نفسها

لا هدف محدد للإطلاق سوى الأفق المسالم

ترصد القلب المليء بالخير

مجبرًا إياه على التحول لشر أسود

ينتشر في الروح ويطغي على ما حولها

توجه إلى جناحه بعدما طلب من الحارس أن يخبره بعودته فأمره بالدخول فورًا.

وجده واقفًا يمشط خصلاته المبتلة بأنامله، انحنى احترامًا له فتوجه إليه الآخر يشد على عضديه مُرحبًا بعودته بحبور :

- "مرحبًا بعودتك يا صديقي"

ابتسم جاد يحتضنه بسعادة وصدق :

- "افتقدتك يا صديق، فالمملكة والقصر كالمكان الموحش بدونك"

ضحك إلياس بمرح عندما وجده يهز رأسه بنفور مصطنع لكنه سأل بجدية :

- "أخبرني ماذا فعلت؟!"

تنهد وصمت ينظر إليه فضيق إلياس نظره يحاول أن يستشف ما حدث بفراسته ليقول بعد نفس عميق :

- "الفتاة اختفت بمعنى الكلمة، لا يوجد لها أثر في المملكة بأكملها، حتى أننا بحثنا في القبيلة لم تعد منذ ذلك الوقت"

وضع إلياس يده خلف ظهره والأخرى يحك بها ذقنه مفكرًا يسير في الغرفة حتى وقف أمام الشرفة الواسعة التي تطل مساحة واسعة من الخضرة بعد القصر، يحاول تحليل ما يحدث!!

فالأمر تعدى فتاة تقدمت بشكوى اختفاء صديقتها، بل أصبح يمسه لأنها من مملكته وهو متهم بخطفها.

نظر إلى جاد يفكر معه بصوت عالٍ :

- "هناك حلقة مفقودة في هذا الأمر..

أنا متأكد أنها ليست هنا بل إنها لم تخطُ مملكة الشمال مطلقًا"

عقد حاجبيه يقلب الحديث في رأسه، يريد أن يصل إلى حل لهذه المشكلة فقال بتفكير :

- "هل تريد القول أنها ليست في مملكة الشمال ولا الجنوب!!

أنت تعني...."

صمت جاد ينظر له بأعين ضيقة ليومئ له إلياس مؤكدًا ما توصلت له أفكاره :

- "نعم.. يوجد طرف ثالث في الأمر على عداوة مع سارية هو السبب"

خيم الصمت على الاثنين بعد تلك الخاطرة.. فمن يضمر الشر لسارية؟!

وإن كان هذا صحيحًا هل له علاقة بقرار الملكة؟!

فكانت نظراتهم توحي بأن تفكيرهما واحد..

وأنها دائرة مفرغة، وإن حاولوا التوقف عن البحث عنها فاختفائها سيضر بسارية وبإلياس قبلها!

قطع صمتهما طرقات على باب الجناح ودخول الخادم منحنيًا :

- "مولاي.. الملكة الأم تستأذن بالدخول"

أزاح إلياس تفكيره وتنهد بصوت عالٍ يشحذ قوته ليركز انتباهه على ما هو قادم، فيبدو أن الأمر جلل أو كعادة الملكة في الآونة الأخيرة تحاول كسب ودّه.

نظر للحارس يومئ له :

- "أجعلها تدخل"

نظر له جاد بصمت لتلك النبرة التي هتف بها وكأنها ليست الملكة!

بل امرأة قليلة الشأن لا تستحق الاحترام!

لكنه انحنى عند دخولها في أبهى حلة كعادتها تعطيها عمرًا أصغر مما عليه بردائها الأخضر الممزوج باللون الذهبي وتاجها الكبير الذهبي المرصع بأحجار من الياقوت الأخضر.

فقال يهم بالخروج :

- "أستأذنكما بالرحيل"

حاول الخروج من تلك الشحنات التي تغيرت عند دخولها، فهو شعر بتصلب إلياس وتحفزه، فقرر تركها على علم بأنه سيغضب بالتأكيد.

هو لا يريد للدفاتر القديمة أن تظهر وهي كلما أختلت به لا تنفك عن فتح جراحه مجددًا.

لا يعلم هل هذا بتدبير منها أم لا؟

لكنه سيكون غباء منها إن حاولت تذكيره بمكانته التي لن تقبل لها أقل من أميرة ابنة ملوك، وفي نفس الوقت يفهمها لن تختار له إلا من تضمنهم تحت طوعها وعلى شاكلتها مثل خديجة.

جذبته من أفكاره صوتها توجه حديثها إليه :

- "جاد أريدك أيضًا ..

مرحبًا بعودتك من جديد، يبدو أنها كانت رحلة شاقة"

وضع كفيه فوق بعضهما أمامه يقول يهز برأسه :

- "أجل مولاتي.. فرحلة البحث لم تكن سهلة على الاطلاق"

حاولت أن تكتم سعادتها تعلم أنهم لم يعثروا عليها، ولكنه رأى بريق من السعادة والتحدي في عينيها، حاول أن يربط الخيوط مع بعضها ولم ستكون سعيدة؟!

يعلم بالمشاحنات بينها وبين سارية لكن بالتأكيد بسبب والدها.. فهي لم تلتقِ بها من قبل، إذن ما يذهب إليه تفكيره ليس صحيحًا.

وجهت حديثها لابنها، فهو صامت لم يرد حتى على تحيتها حين دخولها فاقتربت منه قائلة :

- "إلياس.. كيف هي أمورك؟

هل أنت على ما يرام؟"

نظر لها يتفرس بها، لن تتغير مهما حدث فقال يضع كفيه خلف ظهره رافعًا رأسه لأعلى :

- "وكيف سأكون على ما يرام وإحدى رعاياي مختفية"

أشاحت بيدها بلامبالاة وعدم اهتمام تقترب منه :

- "إنها مجرد فتاة إلياس.. تعلّم أن تُيسّر أمورك، لن تقف الحياة على أحد وإن اختفى نصف رعاياك حتى"

قالت كلماتها الأخيرة بحنق من تفكيره، فهما كالأقطاب المتنافرة لن يلتقوا أبدًا.

ابتسم ابتسامة جانبية ساخرة يميل برأسه جانبًا يشمل والدته بنظرة ثاقبة من أسفل لأعلى وقال :

- "مثلما تعاملين رعاياكِ أليس كذلك؟!

لا.. فأنا أهتم بكل فرد على أنه يمثلني، بل جزء مني وعائلة لي سأحاسب عنه أمام الله.

فهو روح وليس تمثال في قصري"

اقترب منها أكثر وأردف بهمس :

- "أليس هذا ما ترينه في أفراد مملكتك؟!

مجرد أشياء تملكينها؟"

صاح بغضب في نهاية حديثه، فانسحب جاد في هذا الوقت، لأنه رأى أن عليه المواجهة وحده.

لم يلحظ أحد انسحابه، بل تلك الشرارات المتحدية بينهم تكاد الحرب تندلع بين العيون فصاحت بقوة يائسة :

- "إلى أين ستؤدي تلك المناقشة إلياس؟"

- "إلى الطريق الذي نتحاشاه أيتها الملكة"

رفعت رأسها بكبرياء وشموخ صامتة لعدة دقائق قبل أن تقول بنبرة هادئة تميل برأسها للجانب :

- "إلى متى إلياس؟

إلى متى ستظل هكذا؟

لقد مرت خمس سنوات على ما حدث فلماذا لا تغفر وتنسى وتعود إليّ"

ضحك!

ضحك حتى دمعت عيناه!

ضحكة متألمة تخرج من قلب مكلوم محملة بعبق الألم ويشع منها بريق القسوة!

ضحكة تخرج من جوف بئر ماء مسموم يقتل ببطء!

هز رأسه بيأس وعدم فائدة ينظر لأعلى هاتفًا :

- "إني لأتعجب من قوتك!

خمس سنوات ولم تملي!"

تحولت نظراته فجأة للقسوة ونظرات تطلق شررًا ينحني برأسه نحوها حتى جابهها :

- "هناك أناس خُلِقوا كي يعيشوا بذنوبهم.. لا يستحقون الغفران!"

صمت قليلًا يهز رأسه مرتين ثم همس بقسوة :

- "الغفران لهم رحمة، ورحمتي لنفسي هي رؤيتهم يتعذبون بآثامهم"

رفعت كفها تنوي صفعه لكنه توقف في الهواء بفعل قبضته التي أمسكت برسغها بقوة حتى كادت الدماء تنفجر من عروقها، وهتف من بين أسنانه بشراسة:

- "لم تفعليها وأنا طفل صغير، فلا تتأملي أن تناليها وأنا بهذا العمر"

جذبت يدها من قبضته بقوة وقد اتسعت فتحتي أنفها من الغضب، وبياض عينيها استحال للون الأحمر يهتز جسدها من الانفعال، ثم استدارت وكادت أن تذهب فصدح صوته محذرًا :

- "أبقي خارج ما يحدث أيتها الملكة ولا تتدخلي فيه"

رأى بوضوح شرارات الحقد والكره تندلع من عينيها تلتفت برأسها إليه معطية ظهرها له ثم قالت بفحيح أفعى :

- "ابنة بدر الدين لن تنجو مما أقحمت نفسها فيه ، ستدفع ثمن كل دقيقة وقفت تتحداني بها"

وقبل أن تذهب قال بقوة وغموض بنبرة أقرب للتهديد الصريح :

- "الأمر بأكمله أصبح يخصني ويخص رعيتي، وإن فعلتِ ما يضر بمملكتي أقسم أنني سأنسى من تكونين وحسابي سيكون عسيرًا..

وأنتِ تعلمين جيدًا أنني أعني قسمي"

ضغطت على أسنانها بقوة تكاد تكون سمعت صوت اصطكاكها، وخرجت دون أن تنبس بكلمة أخرى تتوعد لسارية بأشد الوعيد، فرمقها إلياس بغموض والأفكار تعصف برأسه.

لا ترى الناس ملائكة فتنهار أحلامك

ولا تجعل ثقتك عمياء حتى لا تبكي على سذاجتك.

فالحرص والتفكير بداية الطريق لحماية النفس من الخيانة.

أحيانًا علينا أن نتعلم كيف نتجاهل كل ما يسبب لنا ألم!!

كيف نعتمد على أنفسنا دون انتظار مساعدة أحد!

ألا نقضي سنوات عمرنا في انتظار ما لن يأتي..

نتعلم ألا نقف على الهامش في حياة أحد!

وفي أحد الأجنحة كانت تجلس وحولها العديد من الجواري وتجار الأقمشة يعرضون عليها ما في جعبتهم من ثياب وملابس من خامات الحرير والكتان والقطن والمخمل وبكافة الألوان حتى تختار منها ما تريده للزفاف.

وجدت الخادم يدخل منحنيًا يخبرها أن سارية بالخارج كما أمرت، سمحت له بإدخالها على الفور.

دلفت وعلى وجهها علامات التعجب والدهشة من استدعائها، فنظرت ليان لها لتجدها تنظر حولها بتساؤل، هبطت بنظراتها لثوبها الفيروزي بخطوطه البيضاء، يهبط باتساع إلى الكاحل، بأكمام ضيقة حتى المرفقين تنتهي باتساع، تاركة خصلاتها هابطة بتموجات على ظهرها.

أعجبت كثيرًا بهندامها مع خصلاتها النارية، تمردها هذا بالفعل يليق بها وبشدة.

استقامت للترحيب بها فتأملتها سارية تتقدم نحوها بردائها المخملي الأخضر المرصع بأحجار الماس والياقوت ويهبط باتساع طفيف إلى الكاحل، وتاجها الجميل الأبيض المرصع بأحجار الياقوت الخضراء يزين خصلاتها الشقراء، أعطاها هيئة ساحرة مع عيونها الخضراء.

ابتسمت لها فهي بالفعل خُلقت لتكون ملكة على عرش الجمال.

وقفت ليان أمامها مرحبة بها قائلة :

- "أهلًا بكِ سارية"

احنت رأسها قليلًا احترامًا لها، تشعر براحة تجاهها وأنها ليست كخديجة ولا الملكة الأم، بل تشعر بالشفقة عليها أنها ستتزوج من شخص كنيار، فبادلتها التحية ببسمة :

- "تشرفت بدعوتك.. ها أنا ذا!"

أجلستها ليان بجانبها وأمرت الجميع بالخروج حتى التجار، وأخبرتهم أنها ستشاهد كل شيء بتمعن لتختار الأفضل منهم حتى أصبحتا بمفردهما.

ابتسمت لها تخبرها، ممسكة بفستان أبيض تتفحصه:

- "أحضرتك لتشاركيني الاختيار، هيا أخبريني أفضل الأذواق لأنني في حيرة كبيرة"

ناظرتها سارية بدهشة كبيرة وتساؤل أكبر للغرض من إحضارها إلى هنا.. انتبهت الأخرى لأمرها عندما لم تتلقَ أي إجابة، فلاحظت تعابير التساؤل في عينيها فقالت :

- "لمَ تنظرين إليّ هكذا؟!

ما الغريب فيما قلته عندما طلبت منك مساعدتي؟!"

تنهدت وحالت بنظرها بينها وبين كومة الفساتين أمامها ثم قالت :

- "الغريب ليس في طلب المساعدة.. بل في استدعائي بالأخص لهذا الأمر!

لمَ لم تستدعي الأميرة خديجة لتساعدك؟

فهي بعد كل شيء ستكون زوجة صهرك"

ضحكت ليان مليء شدقيها تهز رأسها ييأس :

- "خديجة لو استطاعت إخراجي من هذا القصر لفعلتها"

استقامت سارية من مجلسها تحك جبهتها بتفكير بيدها، واليد الأخرى تضعها في خصرها، وليان تراقبها بصبر تاركة إياها تفكر مثلما تريد، فالتفتت لها :

- "هل لي بسؤال وأريد إجابته بمنتهى الصدق؟"

نهضت تقف أمامها :

- "بالطبع سارية سلِ ما شئتِ"

- "لماذا ملكة عظيمة مثلك تعامل فتاة عادية هكذا؟

كنت أظن أنكِ ستكرهينني عندما اتهمت زوجك منذ عدة أسابيع هنا أمام الجميع"

لم تتخلَ ليان عن ابتسامتها كمن كانت تتوقع السؤال منها، وقالت مجيبة إياها :

- "أولًا عليكِ أن تعلمي أنني لا أفرق بين ملوك وأناس عاديين، الكل بالنسبة لي سواسية.

ثانيًا لم أثر عليكِ لأنكِ على حق"

انحنت تمسك أحد الثياب الأخرى تتفحصه وأكملت :

- "صحيح أن طريقة عرضك لمشكلتك خاطئة كما أخبرتك من قبل، لكن هذا لم يمنع أنكِ محقة"

كادت سارية أن ترد لكن طرقات على باب الجناح قطعت حديثهما، ودلوف رقية فجأة من الخارج ترافقها جاريتان كل واحدة منهم حاملة بيدها صينية كبيرة.

واحدة تحتوي على ثوب الزفاف الخاص بليان، والأخرى تحتوي على الزينة الخاصة به.

وقفت بعدما تقدمت خطوتين فقط داخل الغرفة متفاجئة من وجود سارية هنا، لكنها سرعان ما أخفت اندهاشها وتقدمت نحوهن تخفي داخلها كم من الغيظ والحقد لهاتين الفتاتين على الأخص، لتقول موجهة حديثها لسارية :

- "ماذا تفعلين هنا؟!"

كادت ليان أن تتحدث فرفعت كفها تمنعها عن الحديث دون الالتفات إليها، لتندهش من فعلتها ناظرة لكفيها، ثم نظرت لوجهها بصمت ثم استدارت تجلس مكانها مثلما كانت.

أعادت سؤالها لسارية الواقفة أمامها بلامبالاة تحاول إظهارها وإخفاء اليأس القابع بداخلها فنظرت لها :

- "لمَ لا تسألين جلالة الملكة عن سبب استدعائي إلى هنا؟!

أظن أنني لست طفلة لأتجول في قصرك العظيم بلا هدف"

سمعت صوت ليان من خلفها هاتفة بابتسامة باردة :

- "أنا أمرت بحضورها لتقتني معي عدة أشياء، لقد أُعجبت بذوقها كثيرًا"

ابتسمت رقية بسخرية وقالت بمكر ناظرة لليان :

- "يبدو أنك تشعرين أنها ستقيم معنا في القصر طيلة حياتها"

تلاقت أعينها مع سارية، لكن هذا المرة اندهشت ليان حين وجدتها تشيح وجهها دون أن تتكلف عناء الرد على ما قالته، فتولت زمام الأمور قائلة :

- "وما الذي جعلك متأكدة هكذا مولاتي؟"

احتفظت رقية بابتسامتها الساخرة تلقي نظرة عليها:

- "أنا سأحرص على ذلك"

ثم التفتت إليها قائلة تشير إلى إحدى الصينيتين :

- "هذا هو ثوب عرسك بكل لوازمه، زوجة الملك نيار لابد أن تكون أجمل ما يكون"

قبل أن تكمل حديثها وجدت سارية تتخطاها تقف أمام ليان وأمسكت بعدة ثياب من الحرير والمخمل بألوان بيضاء وحمراء وفيروزية، تضعهم بين يدها بابتسامة غامزة :

- "هذه الألوان تليق بجمال ملكة الشرق والشمال، أنتِ بالفعل خُلقتِ لهذا المقام"

التقطت ما خلف كلماتها لتخفي ضحكاتها ثم التفتت سارية إلى رقية بابتسامة جانبية قائلة :

- "معذرة منكِ.. وجودي الآن بلا فائدة، فهذا الحديث خاص بين الملكة وزوجة ابنها لا مكان لي فيه"

وخرجت بعدها بغنج مصطنع دون الانتظار لاستماع أي كلمة أخرى، فأغلق الحارس الباب خلفها لتستند عليه تتنفس بقوة وتزفر الهواء ببطء محاولة أن تبث الهدوء بداخلها.

اتجهت إلى الحديقة تحاول التفكير!

لم يتبق سوى خمسة أيام فقط على انتهاء المدة المحددة قبل الاحتفال، عليها إيجاد مارية في هذه الأيام وإلا ستصبح فريسة لهذا القصر.

توجهت بنظرها إلى واجهة القصر وكأنها توجه حديثها إليه :

- "جميع من بداخلك ينتظرون الفرصة لإثبات قوتهم..

الملكة تود الانتقام بسبب مواجهتي لها وعدم الانصياع خلف سيطرتها، لكن على ما يبدو أن انتقامها ليس لي بالأخص، فيبدو أن لوالدي علاقة بهذا!

أما عن أبنائها..

شخص على ما يبدو بعد حديث جاد عنه إنني ظلمته باتهامي له، حتى إن لم أثق به فأنا أثق كثيرًا بجاد، فهو صديقي وأخي منذ الصغر"

زمت شفتيها بغيظ وتحولت نظراتها إلى شراسة تكمل همسها للقصر، ولا تعلم لما تخيلته يبتسم لها بسخرية كأنه يقول لها :

"أنت من وضعت نفسك في هذا المأزق بعصبيتك"

- "وشخص مغرور هو السبب فيما يحدث، سأظل حانقة عليه طوال حياتي، ينتظر الفرصة إن لم أجدها لن يتهاون لحظة عن إلقاء عقوبته عليّ والتي أعرفها منذ هذه اللحظة"

همهمات صدرت من خلفها، وصوت أنفاس وصلتها فشعرت بذبذبات تحفز تصدر منها قبل أن تلتفت لترى من هذا!

وجدته يقف بشموخ بردائه الأسود الذي يصل حتى ركبتيه يثبته حزام عريض عند الخصر، وأسفله سروال ضيق وعمامة من اللون الأسود مثبتة على رأسه، يبدو أنه كان في رحلة بجواده بالخارج لأن خلفه عدد قليل من الجنود.

وضعت كفيها فوق بعضهما وأرختهما أمامها دون أن تنبس بكلمة، ناظرة إليه تنتظر حديثه وكأن الأمر كان ينتظره، تقدم منها خطوتين ويده خلف ظهره قائلًا :

- "يبدو أن المحاربة الشرسة ليست بخير"

تأملها بعدما ارتسمت ابتسامة جانبية على شفتيه وأردف :

- "أستطيع أن أرى مدى الاختلاف بين ملامحك الآن التي يشوبها الإحباط واليأس، وبين ملامحك الهادرة عندما دخلتِ من هذه البوابة"

ختم جملته يشير بسبابته إلى بوابة القصر الذهبية، لتنظر إليها طويلًا ثم أعادت نظرتها إليه بدون معنى تقول له :

- "هذا طبيعي أيها الملك، فنحن بشر ولسنا حجارة، يأتي وقت نشعر فيه أننا في أوج عزمنا وقوتنا، لكن يأتي أمر يضعف من هامتك لفترة قصيرة حتى تستعيد قوتك من جديد"

ظل ينظر إليها وبداخله شعور يطفو بالإعجاب لكلماتها ليقول لها :

- "معك حق، لكن دعيني أخبرك بحنكة فارس له من الخبرة ما يفوقك بكثير، هناك أمور تحدث تجعلك تفقدين أغلى ما تملكين في هذه الحياة مهما شحذت من قوتك وشراستك لن تستطيعي أن تستعيديها مهما حدث"

عقدت حاجبيها تحاول فهم المعنى المبطن من كلماته لكنها فشلت، فأكمل حديثه يوليها ظهره :

- "كان سيشفع لك لو عرضتِ شكواكِ بهدوء دون تهديد، دون غضب، أو اتهام للجميع"

ضحكة سخرية صدرت منها تلتفت تواجهه قائلة بشراسة :

- "دون غضب أو اتهام للجميع!

أحقًا ما تقول؟

إذن كيف تسميها شكوى إن لم أتهم فيها أحد؟"

اقتربت منه وتحولت نبرتها إلى الهمس الحاد تلقي بحديثها مع كل خطوة تخطوها نحوه :

- "شكواي كانت ضدكم أنتم..

ضدك لأنك ملك البلاد الذي يسن قوانينها، تدعي العدل والحنكة والحكمة مع شعبك وأنت تقتنص منهم فتياتهم.

حتى بعدما رأيت كم الخدمات التي تقدمونها لهن من تعليم ومن زواج، حتى لو لم تمسهن أنت، ستظل في أعين الجميع ظالم"

رفع رأسه بشموخ، وارتفع حاجبه الأيسر بلامبالاة لكلماتها وجعلها تكمل ما في جعبتها :

- "ووالدتك التي لا تهدر دقيقة تعلن فيها أن كل شيء تحت سلطتها، وكأن الجميع عبيد عندها.

أخوك المخضرم والذي لا يستطيع حماية رعيته، فتاة اختطفت من مملكته بعدما أرسلت أنت جنودك للبحث عني، هذا لا يعني إلا شيئين فقط"

وقفت على بعد خطوة منه تنظر في عينيه بقوة ، ترفع إصبعيها بجانب وجهها وهمست :

- "إما أن يكون أخذها ليعطيها إليك كي يعيد حبل الوصال بينكما.. أو تكون هذه خدعة منك أنت كي تأتي بي إلى قصرك"

كادت أن تذهب وتتركه لكنه أمسكها من مرفقها دافعًا إياها إلى الشجرة خلفها مثبتًا إياها بجذعه، ثبت ذراعها خلف ظهرها ويدها الأخرى احتجزت بين صدرها وصدره، وبيده الثانية أمسكها من جانب عنقها مثبتًا رأسها ينظر لعينيها بشراسة :

- "أنصتي إليّ جيدًا وأدخلي هذا الحديث برأسك..

ليس أنا من يخطط للخداع كي آتي بك إلى هنا، كنت أبحث عن الفتاة التي قتلت الفهد بشجاعة لأشكرها لفضلها في إنقاذي، وفي نفس الوقت كنت أبحث عن التي تهجمت على أحد جنودي وسط مملكتي في وضح النهار

ولم يدر في خلدي يكن نفس الفتاة، فكيف سأخطط لأوقع بك؟"

صمت قليلًا يراقب أنفاسها الثائرة تغمض جفنيها وتفتحهما على اتساعهما تستمع له بثورة، فأكمل ضاغطًا على فكيه :

- "الأمر الثاني.. ليس لديك الحق في اتهام أخي بأي شيء، من قاطع عائلته سنوات بسبب هذا القانون لن يأتي اليوم ويطبقه، فاخرجي إلياس بعيدًا عن هذا الأمر"

زاغت نظراتها وأنفاسها تهدأ وكأنها تقلب كلماته برأسها وتحللها، بضحك بسخرية يقترب برأسه حتى لامس جبهتها وقال بخبث :

- "لماذا لا تضعين احتمال أن تكون صديقتك هربت مع شخص ما؟"

انتابتها الشراسة مرة أخرى وضغطت على فكها بقوة تدفعه عنها لتتحرر منه، فتركها بإرادته لتهتف:

- "إياك أن تظن السوء بصديقتي، مارية لن تفعل هذا ولن تجلب العار لعائلتها، أنا أقرب لها من أنفاسها وأشعر أنها في خطر"

ثم رفعت سبابتها له محذرة :

- "وأنت لن تجعلني أشك بها مهما حدث"

والتفتت في ثورة وخصلاتها تتطاير معها وتركته واقفًا يشيع خطواتها بغموض.

الاثنان يتحدثان بقلب مثقل بالهموم وإن اختلفت الأسباب والمواجهات.

لكن مهما واجهت.. لا تخذل، لا تجرح، لا تقسو، ولا تلوِ ذراع قلب أحد.

كن استثناءً عظيمًا، ملاذًا آمنًا، وطمأنينةً على هيئة إنسان.

****

يتولد من قلب التنافس كراهية

وينبعث من قلب الحاقد غرور

ليس كل التنافس شريف

فهناك من يتظاهر به حتى يتخلص ممن يهددون طريق سلطته

ما أسهل أن يتمكن الحقد من القلب!

وما أصعب أن يملأه الرضا!

وقف بغطرسة وهيمنة أمام شرفة غرفته، ينظر في الأفق والفراغ البعيد وصوت أمواج البحر تصله في ليلة رعدية شديدة في مملكته.

ينظر إلى السماء وسيول المياه المنهمرة منها تهبط بشكل مخيف..

البرق يضوي في السماء يصاحبه صوت الرعد جعلها ليلة مرعبة، لكنها رسمت ابتسامة جانبية على شفتيه يضع يده خلف ظهره، مغلقًا عينيه يستمتع بهذا الجو.

دلف حارس غرفته يخبره أن من أمر بحضوره ينتظره في قاعة الحضور.

فالتفت إليه ولم تظهر إلا حدقتيه السوداويتين اللتين ظهرتا في ظلام الغرفة الحالكة، والبرق أعطاها مشهد مخيف جعل الحارس يبتلع ريقه باضطراب تحول لرجفة وصوت ملكه الرخيم يصل إليه :

- "أنا قادم"

ذهب الرجل مسرعًا من أمام ملكه الذي التفت بدوره ليذهب ويرى ضيفه.

دلف إلى غرفة الحضور الواسعة التي يطغي اللون الأحمر على حوائطها التي تداخلت بها عدة نقوش باللون الأبيض والأسود.

الأرض التي اكتست بالعديد من المفارش الحمراء المتينة، يهبط من سقف الغرفة العديد من الثريا الذهبية الضخمة.

وجد ضيفه يقف منحنيًا فتجاوزه ليجلس إلى كرسيه المرصع بالذهب يزينه من أعلى رأس كوبرا كبيرة تفتح فمها كمن تبخ سمها على من أمامها.

جلس وأسند يده أسفل ذقنه يتأمل الواقف أمامه، يرى حركة يده المرتعشة ووقفته التي تشع توتر وخوف جعلته يبتسم بزهو، ثم قال :

- "أخبرني ما لديك"

تنحنح الرجل ينظر إليه وحاول صوته أن يخرج فظهر خافتًا :

- "لم يصل أحد إلى شيء مولاي، جاد انطلق إلى مملكة الشمال مرة أخرى بعدما يأس من إيجاد تلك الفتاة، وجنود الشمال منتشرين بالخفاء في المملكة يبحثون أيضًا"

ازدرد لعابه ببطء قبل أن يكمل :

- "والملكة رقية لم تنفك أن تشن أفاعيها على سارية والملكة ليان"

ضحك كهرمان يرفع رأسه لأعلى قبل أن يعيد نظره إلى الرجل مرة أخرى :

- "منذ اقتحمت سارية القصر في أيام الشكوى ملقية بأمر اختفاء صديقتها دون خوف قد اثارت إعجابي"

استقام من موضعه يسير ببطء تجاه الرجل ثم وقف أمامه يعطيه جانبه ويديه خلف ظهره وأكمل :

- "لكن ما أثار اهتمامي وقوفها أمام إلياس تتهمه"

ضحك مرة أخرى لكن هذه المرة أثارت رجفة في قلب الرجل وسمع همسه :

- "لا يوجد أحد بتلك الشجاعة هذه الأيام"

نظر إلى الرجل ثم أمره بالذهاب بعدما أخبره أن يستمر بتقصي الأخبار إذا ظهر جديد.

أمسك بسيفه المعلق على الحائط، واستله من جعبته ثم جلس على كرسيه من جديد يحركه أمامه بحركات رتيبة يمينًا ويسارًا أمام عينيه لكنه لا ينظر إليه بل ينظر في نقطة ما في الفراغ وهمس لنفسه :

- "افعل ما بوسعك إلياس، فمهما حدث لن تصل لما تبحث عنه، ما تريده أصبح تحت يدي"

ثم نظر إلى نصل سيفه يثبته أمام عينيه فأخفى نصف وجهه وهمس :

- "لا يوجد ما هو أحب على قلبي سوى رؤية شعبك المفتخِر به يثور عليك، يتهمك بالنفاق وهتك الأعراض"

ظهرت نصف ابتسامة على وجهه من خلف السيف وعينيه السوداء تزداد قتامة.

Continue Reading

You'll Also Like

116K 3.5K 31
رواية بقلم المبدعة blue me الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me
224K 6.3K 58
رواية بقلم المبدعة blue me الجزء السادس من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me
4K 538 22
‏أخاف من نفسي حين أظل صامدًا أمام الأشياء القاسية، أخاف حين لا أبكي أمام الأشياء التي تستدعيني للبكاء، وأخاف حين أصمت رغمًا عن ضجيج رأسي وكل الكلمات...
72.5K 1.8K 7
هل تصدق أن لقاءنا الأول كان حلما ؟؟! قبلتنا الأولى كانت حلما ! مشاعرنا ولدت بداخل حلم !! وتحول الحلم يوما لحقيقة .. ربما لا تصدقني ولكن ربما يوما ما...