الفصل الستون و الأخير

98.8K 5.2K 938
                                    

#الفصل_الستون_والأخير
#إمبراطورية_الرجال

**بالحي الشعبي**
أصوات حد السكين الذي يتطاير منه الشرر تحت آلة كهربائية للسن تبدو مزعجة لمارة الطريق وتعبأ الهواء بالأدخنة السامة....وأصوات مرح ولهو الأطفال بالطريق قريب للقلب وبه شيء غامض من الحنين ..
وقفت السيارة السوداء بالقرب من منزل عائلة حميدة والذي يقابله المنزل القديم الذي قطنوا به الفتيات الأربعة قبل زواجهن...
خرجت جميلة من السيارة بأقدام ثقيلة كأنها أصبحت عجوز بطرفة عين!
وقفت مستندة بيدها على باب السيارة وهي تنظر حولها بدموع نازفة....
هنا كانت تبتسم ، وتضحك ، وتغفو ، وتستيقظ بهناء البال....
وأحيانـًا ما يأتي مع الحب سوى الدموع والآلام..
قالت للسائق بصوت بالكاد خرج من ضيق الدموع المكبوته :-
_ ارجع أنت للقصر يا عم احمد ...ما تستنانيش
رمقها السائق بنظرة شفقة لعلمه بما حدثه بالمشفى وأطاع الأمر بهدوء وسرعة وغادر من الحارة الشعبية مع زحام الأطفال حول السيارة فرحين بها ....

تمنت بهذه اللحظة أن لا يراها أحد لأنها أبغض شيء تراه الآن هو الحديث....دلفت ببطء إلى المنزل القديم لعائلة حميدة وصعدت خطوة خطوة حتى سطوح المنزل....

بآخر الخطوات كانت تركت لدموعها العنان والحرية...لم تستطع لجم ثورة دموعها أكثر من ذلك..
فتحت باب الغرفة التي تركتها منذ أشهر قليلة لتجدها مثلما تركتها...اغلقت الباب جيدًا ثم اقتربت من الغرفة الداخلية الصغيرة وارتمت على الفراش باكية بجسد متعب ومتهالك....
                             **************
**بالمشفى**
انتهى جاسر من عقد القران بداخل غرفة "تقى" بعدما أتى بالمأذون الشرعي وشاهدين من الرجال ليُنهي هذا الأمر ويُستخرج عقد زواجهم ليتم الطلاق بعد ولادة الطفلة...
خرج المأذون والشاهدين من الغرفة لتسعل تقى بشدة وحكمت رباط رأسها الذي اعتادت عليه بعدما ارتدت الحجاب....غابت عين جاسر للبعيد بألم وحزن شديد فرمقته تقى بحسرة وقالت ببطء :-
_ أنا عارفة أنك بتحبها ومش هاين عليك زعلها...وعارفة أنك وافقت تكتب كتابك عليا عشان هي قالت كده ، مكنتش اتخيل يا جاسر أن في واحدة في الدنيا ممكن تعمل فيك كده...بس أنت محظوظ أكتر مني...
أنا مالقتش حد يحبني ولا يمدلي ايده وينقذني من اللي أنا فيه...أنت ممكن مراتك تسامحك في أي وقت ، لكن أنا مهما عملت وتوبت محدش هيقبل توبتي غير ربنا سبحانه وتعالى....لكن الناس ....محدش هينسى أنا كنت إيه !!
نظرت له ببكاء والم وتابعت :-
_ ربنا قال الزاني والزانية...هيحاسبهم زي بعض وهيحكم بالعدل ، لكن الناس مش بتبص غير للي زيي وبس ، بس يكفيني رضا ربنا وانه يتقبل توبتي برحمته...يمكن اللي أنا فيه رحمة مش واخدة بالي منها...

ابتلع جاسر ريقه بمرارة والتمعت عينيه بقوة ثم أجاب بصوت مخنوق :-
_ الناس مابتنساش أي حاجة يا تقى ، واللي بيتوب مش بيهمه الناس...كل همه رب الناس ، أنتِ شيفاني محظوظ !! غريبة !!
أنا في أسوأ لحظات حياتي ، وأوجعها ...عارفة ليه ؟
زمان كنت بعمل اللي بعمله ولما بتحصل مشكلة كنت بحس أني استحقها ، دلوقتي أنا توبت بجد....نفسي االي فات يسيبني في حالي ،حاولت ابعد كل حاجة ممكن تهدم حياتي لكن  كل ذنوبي اللي عملتها كأنها شيطان بيجري ورايا وحالف ما يسبنيش ، لو الزمن يرجع بيا كنت بعدت من زمان ، مكنتش هسمح لنفسي ادخل المتاهة دي...
قالت تقى ببكاء :-
_ ده جحيم مش متاهة بس....صدقني محدش بيدخله ويخرج منه سليم ، ارجع لمراتك وصالحها ، شكلها بنت حلال وبتحبك ،هي بس موجوعة وانا مقدرة اللي هي فيه...
سخر جاسر بألم وقال :-
_ بتحبني ! من كتر حبها طالبة الطلاق !! لأول مرة ما ابقاش عايزة اتكلم معاها....رغم أني برضو عاذرها
اخذت تقى نفسا عميقا قبل ان تتحدث ببطء :-
_ هي مش زينا ياجاسر ، احنا استصغرنا الذنوب كتير ، لكن هي باين عليها انسانة محترمة وبنت ناس ومتربية ، مش سهل انك تفرض عليها وضع بالنسبالها كارثة ومصيبة كبيرة هي مالهاش ذنب فيها....روحلها وصالحها..

امبراطورية الرجال ... للكاتبة رحاب ابراهيمWhere stories live. Discover now