المشهد الثاني عشر

281 30 56
                                    

انقضت ستة أشهرٍ منذ أن تمكنتُ أخيرًا من الفرار من ذلك المكان اللئيم. منذ تلك الليلة التي صرح فيها الرئيس جايشين أن كل ما يحصل هو مسعى لعين خلف القوة، معتبرًا إيايَ أني لستُ سوى فأر تجارب. استنتاج لعين لنضريةٍ لن تُبررَ بتاتًا وسط هذه الكارثة. أدركتُ حينها أني لن أود أن أكون جزءًا من هذا. لن أسمح لنفسي أن أكون عونًا للنظام الذي سلبني والناس البريئة مثلي كل شيء.

أتبع خطة بسيطة، تمويه ملائم، ومعالجة للجدول الذي أعهده تمامًا. ورغبتي في فعل هذا خففت مشقته. بالفعل تمكنتُ من من خطفِ زي طبيٍّ أثناء مساعدتي لهم كل يوم، عن طريق استراتيجيتي في التسلل هنا وهناك طوال الفترة الي مضت، اهتديتُ لأن أستغل فترة تبديل الورديات للتنفيذ. مع جهاز الاتصال الخاص بالرئيس في يدي، ومشية سريعة، وخطواتٍ واسعة، جريتُ وجريت حتى لم يعد يفصلني عن المنفذ سوى ثوانٍ قليلة. توجهتُ على عجلة نحو باب غرفة الإغاثة أرمي بنظرة واحدة أخيرة للشخص الذي أحببته قدر ما استطاع جسدي الضئيل حمله. عيناي امتلأتا وذقتي تجعد حين عقدت عقدة نفسها في منتصف حلقي. تركتُ تلك النهاية تغرق في وعيي، لأبني بها ما ينقصني من القوة والعزم للمواصلة، ثم همستُ تلك الكلمة "أحبك" وأخذتُ آحر خطواتي نحو العالم الذي ما عاد مألوفًا لي الآن. عندما صدحت الإنذارات وباغتتني الأضواء الحمراء من الداخل، جمعتُ الهواء لرئتيَّ وسرعتُ جريي بعيدًا حتى ما عاد هناك أملٌ في إيجادي. ها أنا أعلن رسالتي الأخيرة للعالم الذي تركته توًّا خلفي، اكبس زر الجهاز وأقولها قبل أن أرميه نحو الأرض وأدوسه حتى اختلط مع قذارة الأرض.

"هذا لأجلهم جميعًا. اذهب الآن ومارس عهرك كما تشاء"

تشانيول حقيقةً كان الوحيد الذي يشد ازري. لا يهم كم أن كل جزء مني يريد وبشدة العودة لإخفاء اللحظة التي أدركت فيها أن حياتي مع تشانيول كانت ممكنة، مصيره المجهول كان أكثر من كافٍ لتثبيطي. وكنت كذلك حتى أدركتُ أن تشانيول لو كان قادرًا على إخباري شيئًا لكان أخبرني أن أذهب بينمت أتسطيع، لكان أرادني أن أنجو، لأنه كان يعمل على أن أكون دائمًا بخير، لذا عرفتُ أن هذا ما يتوجب علي فعله. مع تلك الأفكار في رأسي، وكل ذلك الغضب في جسدي، أنا أخيرًا فعلت.

في رحلتي تلك، كنت قد صاحبتُ جماعة من الناس الذي فعلوا كما فعلتُ أنا. من الظاهر أن بعضهم هربوا تمامًا مثلي. الكثيرُ منهم كانوا من المعارضين، والبعضُ من الموظفين الحكوميين الذين وعوا أنهم ما عادوا قادرين على تحمل شر ومآرب الرئيس. لا تهم أسبابهم، في النهاية تم طردهم جميعًا من قبل الشر عينه. كانوا يطلقون على أنفسهم اسم المهمشين، وقد قبلوني بينهم برحابة. استمعوا لقصتي وشاركوني قصصهم. أطعموني وساعدوني على النجاة، والأن أنا أحاول أن أرد لهم الجميل. تعاضدنا، نتسلل في جنح الليلِ ونخفي أنفسنا عن أعين الآخرين. ببساطة نعيشُ لنتمكن من النجاة في هذا العالم المظلم الضخم.

بالعودة للمقر الرئيسي، لم يكن لدي علم عما حصل لأي شخصٍ هناك. لم أعلم ما الذي حل بالناس الذين استمروا في فعل ما كنت أفعل لزمن أطول، الآخرون، الرئيس أو حتى تشانيول. لا أعلم من منهم حيٌّ أو حتى لو بقي فيهم حيّ. لا أعلم إن كانت خطة الرئيس تنجح الآن أم أنها فشلت بالكامل. ما بوسعي فقط هو أن أبذل قصارى جهدي لأنسى الأمر برمته.

لا زلتُ أحصل على أحلام، لكنها لم تعد كما كانت مسبقًا. كلما مضى الوقت، كانت تصبح أكثر ضبابية. لم أعد أستطيع تذكرهم، وبصراحة توقفت حتى عن المحاولة. أحيانًا أخبر نفسي أنني حين كنت وسط التجربة وجدتُ فيها المنطق البعيد والمصلحة، وكذلك أني كلما شردتُ عن الشر كلما قل انحيازي له.

حياتي صُيرت سلسلة من اللاشيء، والنجاة، وعدد لا ينتهي من الأسئلة. وغالبًا سأسأل نفسي لما ما زلتُ حيًّا. ذلك السؤا. تحديدًا أرقني ليلًا وأضناني حد البكاء في الأشهر الماضية. لكن الآن، والحياة تمضي، بدأتُ أرى السكينة وسط العاصفة، ربما كل شيء سيعود كما كان. لأنني حي. أنا هنا. لا أعلم ما علي فعله منذ الآن فصاعدًا، ولا أعلم إن كان وجودي يعني شيئًا أكثر من كوني هنا فقط. لكنني حي، واجتزتُ ما لم يجنزه الكثيرون ولم يستطيعوه، وحتى لو كنتُ قد فقدتُ ما عددته عالمي في وقتٍ سابق، أنا كافحتُ ضد ما لم أحسب حسابه، رفضتُ الموت لأصنع حياة جديدة. لقد حققت ما أراده تشانيول لي، وبعد قتال طويل ضد الإثم الذي يحرضني ضدي، أدركتُ أنه كان ليكون فخورًا. وجزء مني كان كذلك فخورًا.

صنعتُ هدفًا لي لأتطلع دائمًا؛ لأبقى دائمًا ثابتًا ومستعدًا لقتال أي شيء ترميه الحياة في طريقي. لقد وصلت إلى ما أنا عليه الآن، والحاضر هو فرصتي لأعيش حياتي لمن عاشوا حيواتهم لأجلي.

لأجلك، هيونغ. لأجلك تشانيول، أيها الحب في حياتي.

تطلع [مترجمة] K_BROmanceWhere stories live. Discover now