المشهد الحادي عشر

158 24 17
                                    

وقفتُ عند مدخل غرفتي بعد أن تم اصطحابي عن طريق الحراس. يدي اليسرى مشدودة كقبضة عتيدة، ويدي اليمنى تحمل جهاز الاتصال الذي أُعطيتُ من قبل الرئيس جاشين. كل مرة أحضى بحلم، سيتوجب عليَّ كتابة كل تفصيل عنه وأي تفاسير قد أمتلكها. الجهاز مباشرة سيسجله ويرسله للرئيس للمراجعة والتحليل.

حدقتُ بفراغ نحو الجدار مقابلي، مترع بالغضب ومشبع بالصدمة لأمتلك أي أفكار. سحبتُ نفسًا عميقًا ضحلًا، بقلبٍ يخفق بقسوة، وعضلات مشدودة، مع طبقة رقيقة من العرق تغطي بشرتي. مرت بعقلي دقائق في محاولة لمعالجة أيًّا كان ما يستطيعه، وفجأة أدركتُ أمرًا.

"اللعنة.."

همستُ لنفسي. الضغط والغضب تفاقما في جسدي، ورددتُ تلك الكلمة مرةً بعد، بالعلوِّ والوضوح الكافي لبدء إطلاق سراح ما أشعر به.

"اللعنة!"

اقتربتُ بهدوء من الطاولة ثم صفعتُ سطح الطاولة بالجهاز بقسوة. التقطتُ كرسيًّا ورميته عبر الغرفة بغضب وصرخت. غطيتُ رأسي بذراعيَّ حين الشهقات تمكنت من عقد عقدة في حلقي. أطلق صيحة أخرى من الإجباط الجم، ورميت بجسدي على السرير. لا يمكنني كبح أيِّ شيء مني، أركل وألكم الوسادة والمرتبة، صارخًا وأشهق بقوة، لاعنًا الهواء الميت المسمم. الفراغ والبردُ اختلطا بالغضب داخلي، وعندما لم يبقَ لي شيء في جوفي لإطلاقه عدا ذلك الشعور الأبدي الذي لا كمية محددة من الصراخ والضرب قد تزيله، استلقيتُ بعجزٍ في سريري وبكيت. بكيتُ ليس بالغضبِ الذي امتلكته منذ ثوانٍ، في الواقع بكيت بخسارة وجزعٍ وهزيمة. بكيتُ لأجل هيونغ. بكيتُ لأجل تشانيول. بكيتُ لأجل نفسي. بكيتُ لأجل كل هؤلاء الذين يقفون بجهلٍ في وجه النظام الأناني والفاسد الذي جُبلوا على الثقة به. بكيتُ حتى ما عاد بوسعي البكاء أطول.

وقفتُ بخيبة وتركتُ سريري متجهًا للحمام. توجهتُ للحوضِ واقتلعتُ قناعي قبل أن أغسل وجهي بالمياه الباردة. رفعتُ بصري لأقابل انعكاسي في المرآة. ألاحظ بوضوحٍ مظهري: شعرٌ فوضوي، عينانِ منتفختان، وجه أحمر ومجهد. تنهدتُ لما أراه. بيون بيكهيون يالك من لعينٍ مثير للشفقة.

أغلقت الحنفية ولم أتكبد عناء وضع القناع مجددًا، أخرج من الحمام لتستضيفني الفوضى التي صنعتها. أعطيتُ نفسي وقتًا لأتعافى، أرتب الغرفة وأعيد كل شيء كنتُ قد دمرته بإهمال منذ دقائق مكانه. وبعد أن فرغتُ جلستُ على الطاولة ألتقط الجهاز وأتفقده بيديّ. مع مشاعر أكثر تحررًا وذهنٍ أصفى، كنتُ قد حاولتُ إعادة التفكير بكل شيء.

ما الذي كان ليفعلة تشانيول؟ كان ليساعد، صحيح؟ كان ليساعد كما كان يفعل طوال الوقتِ منذ بذاية هذه الكارثة، صحيح؟ لكن مجددًا، هو لن يعلم ما الذي كان يكيده الرئيس طوال هذا الوقت. تبًا. هو دائمًا كان يعي ما عليه فعله. كان يتوجب أن يكون الشخص في محلي. أنا من كان عليه أن يكون الشخص اللعين الذي يموت الآن، ليس هو.

في شحة من الأفكار ونقصٍ في الحوافز للمواصلة، شابكت ذراعيَّ على الطاولة أمامي وألقيت رأسي عليهما بأكثر وضعٍ مريح قد أجده. أغلقتُ عينيَّ، لا أقوام أي إجهادٍ يخطفني من وعيي.

~~~~

"اذهب! اذهب! اذهب!" صوت تشانيول تصدى من مسافة بعيدة. مرآي كان حالكًا واللوحة الوحيدة لأدركها كانت سمعي الذي يلتقط تلك الكلمة المكررة "اذهب! اذهب!"

ضوء صغيرُ لاح أخيرًا، تدريجيًّا يصير أشد استضاءة حتى تمكن مشهدٌ محدد من التباين. في نفق مظلم كان جروٌ صغيرٌ يجري بقوائمه الصغيرة، مستنزفٌ لكنه عازمٌ على بلوغ وجهته. الضوء أشع أكثر، ونهاية النفق تُرَى عن قرب، تُري العالم الخارجي. صدى تشانيول استمر، ثم ببطء تلاشى حين انفرج النفق بالجرو وحرره.

فجأة المشهد انقلب إلى منظر علويٍّ للعالم الخارجي. المشهد مرر لي عدة صورٍ مختلفة. الملجأ تحت الأرضي، الطرق المتسخة، الأرض الميتة، حتى وصلت للمقرات الرئيسية، حيثُ المشهد أخيرًا ثبت، يتركني لأحدق أسفلًا نحوها في انتظاري لما قد يحصل لاحقًا. السكون بدأ يملأ أذنيّ، وبعد ثانية أخرى تلك الأغنية الوطنة الغريبة صدحت من حيث لأ أحد يعلم، بتسجيلٍ ردي يجعلها أكثر تخويفًا مما هي عليه أصلًا.

المشهد بقي كما هو في مقدمة الأغنية. نهاية الأغنية أخيرًا انتهت، والسكون في أذنيّ تبدد. فجأة المشهد بدأ يتقلب مجددًا، لكن أسرع هذه المرة، يقودني لمكانٍ بعيدٍ من هذا العالم الشاسع الميت.

هنا، كل شيء لا يبدو ميتًا كما كان عليه قبلًا. بقعاتٌ صغيرة من العشبِ الأخضرِ انبثقت من الأرض الجدباء. حشراتٌ قليلة كانت تطيرُ خلال السماء ثم تقف على الخراب. عصفورٌ زقزقَ بصوتٍ باهت من مكان بعيد. شعلة صغيرة اتقدت نارًا ثم استلقت جوار جلمود. رؤيتي بدأت تفقد التركيز، وكل الأشياء أصبحت فقط ضبابًا من الألوان العشوائية أمامي. أذنيَّ بدأتا تُملأ بأصواتِ هتافٍ وتصفيقٍ كانا ببطء يعلوان في رأسي. نصٌ صغيرٌ تدريجيًا ظهر بخط قوي:

방랑자

~~~~

عيناي انفتحتا بسرعة للإحساس الذي أفزع عقلي. حركتُ يديّ لأفرك جبيني حين وعيي وجد طريقه نحوي. أفكاري عندها قيدت نحو الحلم الذي أتاني لتوه، ووحيٌ باغتني. وبسرعة استقمتُ من سريري وهرعتُ للطاولة.

عازمٌ ومتحمس، التقطت قلمًا وورقة من درج الطاولة وبدأت بالكتابة. لا يثنيني عن المواصلة أي تردد، خربشتُ كل شيء يمليه علي عقلي. عندما الكلمة الأخيرة صارت مكتوبة وتمكنتُ من رؤيتها، طرحتُ القلم على السطح الخشبي ووقفت من الكرسي. الورقة في يدي، راجعتها وضحكتُ براحة ورضى، محدقًا بالكلمتين في رأس الورقة. بثقة أقرأهما بصوتُ عال.

خطة الهروب.

تطلع [مترجمة] K_BROmanceحيث تعيش القصص. اكتشف الآن