المشهد السابع

188 33 11
                                    

تردد صدًى في ذهني وأُغشيتْ عيناي.

"فقط لو كانوا يعرفون.. فقط لو كانوا يعرفون.." صوتٌ غيرُ مألوفٍ بقي يرتل كالترانيم. أقراص دواءٍ وحُقنٌ طبية باشرتْ الظهور على مرآي. أطباء يجرون عملياتٍ على أحد من أسميناهم الآخرين، وعلى الطاولة المجاورة استلقت امرأة مصابةٌ بتسمم إشعاعي. دماء سوداء بدأتْ تتدفق من المخلوق، والمرأة كانت مقيدة إلى آلةٍ غريبة. الصوتُ شرع بالضحك، وهناك هيئة ضبابية تلجُ الغرفة، حصدتْ انتباه الأطباء الذين توقفوا عن عملهم وتقدموا بتحيةٍ عسكرية.

"نحنُ هنا للمساعدة.. نحنُ هنا للمساعدة.." كرر الصوتُ قبل أن يتلاشى. ينبثق من تلاشيه مشهد جديد.

تشانيول وأنا كنا نمشي كفًا بكفٍ في دربٍ بدا كالأبد. ضحكنا وتحدثنا كأي رفقيقين سعيدين، حتى توقف مكانه صريعًا فجأة. وقفتُ مشدوهًا حالما رأيته يهوي أرضًا محيطًا عنقه بكفيه، يلهث للهواء ويسعل دمًا. حدقتُ بهلعٍ وصرختُ للنجدة، لكن لم تشأ أي كلمة أن تبرح ثغري. وبعد ثانية صادمة طويلة بعض الشيء كان يستلقي بخمود. الصوتُ ضحك مجددًا وتكرر صداه قرب أذني اليمنى مخترقًا دماغي. في أذني اليسرى كان صوت بكاء ضعيف لتشانيول "نحنُ سنبقى معًا، أعدك ألا أتركك"

كل شيء صار قاتمًا وساكنًا، وتدريجيًّا صيحاتٌ واهنة فظيعة من البشر والآخرين باتتْ مسموعة. غطيتُ أذني لأتبين أن الصوتَ حينها يتضخم في رأسي. شعرتُ بمعدل نبضي يتسارع وأنفاسي تغدو أثقل.

المشهد سريعًا أصبح ما كان عليه في البداية، الهيئة المجهولة للرجل المقبل أشارت بيدها، وجميعُ الأطباء تزاحموا عودةً لأشغالهم. تمشى يتفحص الأجساد، وكان يطرق رأسه استحسانًا. وهناك رجل يمشي قربه ويسجل المعلومات في لوح الكتروني.

"ابق بعيدًا عن هذا. بيك، إنه عملي. ابق بعيدًا عن هذا" همسٌ عالٍ اخترق طبلة أذني. صياحُ الآخر يصبح أعلى وأكثر رعبًا. الأطباء بدأوا يصرخون بخوف. المخلوقُ من وسط العملية نهض يزأرُ ويرمي بقبضتيه ناحية الطبيب أمامه يخسفُ بجسده الأرض. ثم اندفع ناحيتي، قبض على كتفيَّ وبدأ يهز جسدي. حاولتُ الصراخ أو القتال لكن لسبب ما لم أكن قادرًا. قلبي يخفق والأفكار تزاحمت ورأسي نبض بألم.

"بيك!" صوتٌ مألوفٌ تباين "بيك أرجوك أفق!"

كان ذلك الواقع، أفقتُ وجلستُ على السرير إثر تشانيول الذي يهز جسدي. صداع حاد فلق رأسي لذا مسدته بكفي. نظري ببطء صار واضحًا وكشف لي صديقي الذي يجلس جواري شاحبًا وهِنًا متعرقًا.

"بيك لا أشعر أني بخـ.." بتر جملته سعالٌ حاد "استدعِ الفريق الطبي الإن" قال ينتزع قناع الهواء خاصته ويركض نحو الحمام. وحالما بلغ المرحاض كان يتقيأ ويختنق.

"يول!" هرعتُ بعجلٍ نحو جهاز الاستدعاء وكبسته بهلع "اللعنة!" كررتها هامسًا بقلق.  جريتُ نحو الحمام أبلل خرقة بماء بارد، وموضعتها على عنق تشانيول الذي يتكئ بضعفٍ علي المرحاض. على الرغم من أنه توقف عن التقيؤ، شهقاتٌ وسعال يخترق رئتيه كل هنينهة "اللعنة يول!" قلتُ أخبئ الهلع في صوتي جاهدًا "الفريق الطبي فيي طريقه، حسنًا؟' ربتُّ على كتفه مطمئنًا. وبعد دقائق من استقراره دق الباب. وأنا تركت جانبه وجريت لفتحه.

"تشانيول متوعك! إنه في الحمام" أخبرتُ الفريق.

"حسنٌ بني، ابق هادئًا. سنتولى الأمر" قال أحدهم بينما الباقون اتجوا لتشانيول. في غضون ثوان كان محمولًا خارجًا ومن ثم تم وضعه على محفة. حدقتُ في جسده الكبير القوي الذي لا يبدو كبيرًا قويًا الآن. خالجتني مشاعر لم أذقها قبلًا.

"يولي" قلتُ متجهًا نحوه أصل لكفه.

"المعذرة لكن لا يمكنك المجيء معنا" أعلن أحدهم بينما يقفون حائلًا بيني وبينه.

"لكنه رفيقي!" جادلت "لا أملك سواه بقربي!"

"أفهم هذا، لكن صحتك ستكون في خطر. سوف نسمح لك برؤيته حالما نتأكد أنه آمن ومستقر. لا تقلق، إن خفتَ من البقاء وحيدًا يسعني الطلب من السيدة تشوي البقاء معك نزولًا عند رغبتك طبعًا"

"كلا!" قلتُ أرفع فكي.

"في هذه الحالة قم بالاغتسال وعد لتكمل نومك، سنعتني به" ببساطة كنتُ لأجادل الآن. لكن ما أشعر به من خدرٍ في جسدي وذهني دفعني لأومئ برضوخ. حالما غادروا مرآى النظر اعتراني تشتتٌ وهزيمة. تنهدت، مشيت للحمام، استحممت ثم استلقيتُ على سريري النصف فارغ.

لم أكن قادرًا على النوم. عوضًا عن ذلك استلقيتُ على ظهري أحدق بسواد القارِ أمامي. وجعٌ طفيفٌ برق في رأسي لأتذكر حلمي. اقشعر جلدي حيثُما استرددتُ المشهد الشنيع والصوت المرعب في المختبر الطبي. الهيئة الضبابية للشخص المجهور قفزت لذهني، وكان الجهل كالكفاح. الأسئلة تدفقت لرأسي وتساءلتُ عن هوية المرأة وسط العملية، وماهية ما كان يفعله لها الأطباء، ولمَ الآخر كان فقط يجرى عليه عملية بجانبها. كان علي التساؤل حول الصوت كذلك، لمن يعود ولمَ يكرر تلك الكلمات.

فجأة عاد مشهد تشانيول ضعيفًا يتبادر لذهني، وقلبي غاص في صدري. المشهد في حلمي وما حصل للتو بدا متقاربًا جدًا. سعاله، ضعفه، كل شيء. رعشة سرت طوال عمودي الفقري.

"ما الذي يحصل واللعنة؟ لا شيء من هذه الأشياء اللعينة يجب أن يحصل!" صرختُ عاليًا ضد الظلام الحالك.

آلاف الأفكار دارت في رأسي تكبح النوم من زيارتي حتى باغتني الصباح.

تطلع [مترجمة] K_BROmanceWhere stories live. Discover now