المشهد الثامن

167 27 38
                                    

ثلاثةُ أيام مرتْ، وما يزالُ غيرَ مسموحٍ لي بزيارة تشانيول في المركز الطبي. عَللوا أنه لابد له من راحة ليسترد عافيته. وعلمت أن ذلك محضُ هراء في حينِ حالته تسوء. عندما تتبادل الورديات، كنتُ أتسللُ هنا أحيانًا. وكلما أتيتُه أراه يذهب لمنحنًى أسوأ صحيًّا.

هأنذا أحدق به للمرة الثانية اليوم، وجهةٌ شاحب، عينانِ مطبقتان، جلدٌ مُتقرح. لا أفقه شيئًا في الطب ولا أي شيء من هذه اللعنة الدائرة، لكن طالما هذا مُستمر، قد ينتهي به الأمرُ كما انتهى بهؤلاء الذين انتهى بهم المطاف في هذهِ الغرفة. بل يبدو أنه محظوظٌ لصموده حتى اللحظة. تمكنتُ من سرقة سمعِ معلومة من الأطباء مفادها أنه طور مناعةً جزئيّةً ضد الإشعاع من العمل في هذا الحقل حول الآخرين لمدة تذكر. لذا معدل تأثره كان أبطأ.

أتمعن النظر في صديقي، للمرة الثالثة اليوم، شعرتُ بالمرض. للمرة الأولى منذ وقتٍ طويلٍ شعرتُ بالقنوط والخذلان يصبان الدمع في عينيّ. حدقتُ بهيئته المغيبة عن الوعي، أثقلني الشعور نحوه. لكن لم يُسمح لي بالشعور أطول حين ظرهتّ أصواتُ الوردية الجديدة. تسللتُ بهدوء للخارج، وعدتُ لحجرتي.

سحبتُ نفسي لسريري وسقطُ عليه متنهدًا. حدقتُ بالسقفِ حين دموعي كانت تزحف للأسفل. سأتوقف عن كفاح ما أشعر به، الخوف، الاضطراب، التشوش والغضب جميعها تزاحمت مرة واحدة. أدمعي تمردت مجددًا. الآن صرتُ أواجه من الأفكار والمشاعر ما قمتُ بدحضه جانبًا لزمنٍ يذكر.

تلك الثلاثةُ أيام بدون تشانيول كانن ثقيلة وموحشة. كنتُ دائمًا ألعب دور الفتى الجلف، ادعيتُ أنني قادرٌ على مواجهة كل ما يعترض طريقي، عندها غيابُ تشانيول جعلني أدركُ كم أنني عظيمُ الضعفِ عديمُ الحيلة. لستُ قادرًا حتى على تصورِ حياة بدونه. كنتُ أعود إليه في أبسط الأمور. هل سينتهي هو وأنا سأحضى بهذا الروتين الملعون لما تبقى من حياتي؟ لن أكون قادرًا على الوحدة. إذا انتهى به الأمرُ كآخر؟ ما الذي قد تفعله الحكومة به؟ ماذا عن الجميع؟ أكثر من نصف البشر ماتوا هنا، ونحن الناجون قد ننتهي إما مرضى أو نموت. العائلاتُ تعيشُ الغم والألم، والغضب لأجل حقيقةِ أن لا شيء يمكنه إنقاذ أحبتهم، وأنا كنتُ جيدًا في كبح نفسي والبقاء هادئًا، لكن حين كان الضحية هو حبيبي أنا، لم أملك سوى الشعور كالباقين.

أخذتُ نفسًا عميقًا أملأ فراغًا كنتُ قد بكيتُه بالكامل، وحررتُ تنهيدة إضافية. عيناي معلقتانِ دون هدًى على ذلك السقف الذي لم يتغير. أطبقتُ عينيَّ أمحو البلل عن وحهي ثم غيرتُ وضعيتي. انقلبتُ على يميني، ساقاي محنيتانِ قليلًا. مستلقٍ على الوضعية التي عادةً أكون بها محميًّا بعناقٍ بين ذراعي صديقي. أغلقُ عينيَّ أتخيل وجوده، أنفاسه وانتفاخ رئتيه بالهواء قربي، وذراعاه التان تعانقانني كأنه يخاف أن أفرَّ بعيدًا. ادعيتُ أني أشعر بأنفاسه بين خصلاتي أعلى رأسي. مثلتُ البهجة في سماع خليطٍ من أنفاسهِ خلف القناعِ وصوتٍ لخفقان قلبه حيثُ تمكنتُ من سماعها في نقطة ما.

جسدي انتفض لصوتِ جرس المنبه التي يدقُ عند الدقيقة الأولى لكل ساعة. يعيدني للحقيقة. تذمرتُ وانقلبتُ على ظهري مجددًا. ومجددًا حدقتُ بالسقفِ الفارغ الذي يفضحُ ما يخالجني ممثلًا إياه. حدقتُ لدقائق، أفكر وأشعر باللاشيء المطلق. صداعُ ضرب مقدمة رأسي يحول ذلك اللاشيء إلى عدد من الأفكار والمشاهد الواضحة. تنعكس على كل شيء من جديد.

الكثيرُ من الأحلام المشابهة باتتْ تزورني مؤخرًا، كانت أحلامًا حيَّة لمكاتب حكوميةٍ وغرف عمليات، أناسٌ موتى والآخرون. فجأة كل شيء سيغدو ضبابيًّا ثم سيختفي. أستيقظُ بصداعٍ رهيبٍ كلما حصل ذلك. كحلمي مع تشانيول، الكثير مما أحلمُ به يبدو وكأنه يتحقق. أو شيئًا شبيهًا يجعلني أرتاب على الأقل. قبل يومين، حلمتُ بمعارضينَ غضبى يقتحمون مدخل المقر التحت أرضي. والحكومة كانت تدع البشر يغادرون لخوفهم من أن يحشروا مع الآخرين.

تسللتُ نحو أحد حواسيب الحكومية وبحثتُ حول ما يحصل لي. العلماء يسمونها أحلامًا مستقبلية الرؤية. حيث تتمكنُ من رؤية أو التنبوء بالمستقبل عن طريق حلم. حالةٌ نادرةٌ يتيمة التفسير. لا أعلم لما هذا يحصل، ياللعبء أن أكون أنا من بين الجميع. لكن، لا زلتُ أشعر أن هناك شيئَا خلف كل ذلك. في وسط كل هذا الهلع، الفوضى والموت، أنا وحدي من كنتُ تمامًا بخير، لم يتمكن العالم المسموم المحيط بي من مسي بسوء. ياللجحيم، أنا هنا وحدي الشخص الملعون من لا يتأذى ولا يتحول لمخلوقٍ لعينٍ غريب. جميعُ الأحلام اتصلت مباشرة بالواقع. هل يعني هذا شيئًا؟ إشارة ما؟

أفكاري انقضت على مينسوكي هيونغ وتشانيول. كيف أنه بقي يكرر رغبته في رد معروف مينسوكي هيونغ لنا. كيف أنه يطمئنني، أنه طالما هو جواري فلا شيء سيمسني. أن كل شيء بخير وأنه صانعٌ كل ما يقدر عليه ليصلح الوضع. كان الشخص القويَّ دومًا. الشجاعُ الذي لا يقرر إلا فعل الصحيح ولا ينقضُ عهدًا. والآن انظر إليه. ثم هناك أنِّي أنا لسببٍ ما بخير؟ الأنا الضئيل والضعيف الذي ارتكن لصديقه والهيونغ الخاص به أكثر مما يريد الاعتراف، هو واحدٌ من القلة الذين كانوا على خير ما يرام. يجبُ أن يعني هذا شيئًا ما صحيح؟

لن أتمكن من شرحِ فوج الطاقة الذي قفز لجسدي فجأة، الأدرينالين الذي يبني نفسه في أوردتي، أو ذلك الشعور من الأهبة الذي فاض خارجي، أو الأفكار ذاتِ الأحرف القديمة التي رُسمت في دماغي:

أنا واللعنة ذاهبٌ لإصلاح كل ذلك.

تطلع [مترجمة] K_BROmanceحيث تعيش القصص. اكتشف الآن