مريم . Pov

نعم..لقد جاء هذا اليوم ، جود راحل .. و لا أعلم إن كان يجب علي توديعه أو لا فمن كثر تفاهتنا لا أعتقده سيأخذ وداعي له على محمل الجد ..

و لم تسنح لي فرصة الحديث معه لوحدنا للأسف فموعد ذهابه بالصباح الباكر ،حيث أن الكل كان يعانقه و يدعو له بالتوفيق ، بينما كنت واقفة أشاهد عن بعد ..

بعد إنتهائه وقف أمامي مبتسما

"ديري بالك عحالك مريم و ما تسمحي لأي مخلوق كان يزعلك،و إنتبهي عدراستك و ما تضيعيها بدي لما أرجع لاقيكي بنت مجتهدة مو متل ما إنتي هلأ .." قال يمازحني

" و جاييك الضحك كمان جود .." قلت بحزن

"عيونك عم يلالو مريم ،ما تبكي مشان الله والله رح تخليني أبكي معك هلأ " قال ضاحكا على وجهي الكئيب

"هذا اللي كان ناقص ، إبكي عليك إنتا ، يالله روح ما بدي شوف خلقتك هون ،ما صدقت رح إرتاح منك و من بياختك عام كامل" قلت متظاهرة بعدم الإهتمام

"رايح رايح .. إشتاقيلي مريم و حاولي تبكي علي شوي ،خليني حس إني مهم بالنسبة إلك ولو مرة "
قال مربتا على شعري و قد هم بالذهاب ملوحا لجميع الواقفين
و قد بدأ أصدقاؤه بهتاف أغنيته الفلسطينية المفضلة و صاح مكملا مقطع الأغنية بدون أن يلتفت ناحيتنا

وصل إلى الشاحنة التي سوف تقله إلى ثكنته ووقف وقفة تردد أمامها و إلتفت إلينا مرة أخرى مبتسما بفخر

"العام الجاي إنشالله ما تنسوني يا ناس" قال ملوحا بحماس

و بادلناه بالمثل..

في تلك اللحظة و منذ صعوده لتلك الشاحنة بدأت أحس بالوحدة ، رجعت إلى المنزل و قد وضعت مخططا "كيف أكون أفضل بعام" و بدأت إتباعه بغية التحسين من ذاتي ...

- حدث الكثير في هذا العام .. حصلت على مرتبة من المراتب الأولى في ثانويتي ،و كونت الكثير من الصداقات مع تلاميذ قسمي و حتى أساتذتي ، و شعرت في ذلك الوقت أنني صرت أفضل مما كنت عليه ، و أصبحت أجهد نفسي في تعلم الرسم الرقمي و أصبحت جيدة بالنسبة لمبتدئة مثلي .. و وطدت علاقتي مع أم جود و صرت أزورها مرتين كل الأسبوع و قد حكت لي في إحدى المرات عن حادثة وقعت لعائلتها بفلسطين و تفاجأت لأن جود لم يذكرها أبدا أمامي ..
ربما لأنها تركت في نفسيته شيئا من الحزن ..

أخبرتني أنه كان لها إبنة "جوري" تكبر جود بسنة واحدة و كانت الأقرب لجود من أبيه و أمه حيث كان يمضي كل أوقاته معها باللعب و الشجار و المشاحنات ..

و توفت عند بلوغها الرابعة عشر عاما و لم تخبرني بالسبب ، و لم أسألها أنا الأخرى لأنني لاحظت أنها لا تريد التحدث عنها أكثر .. و أخبرتني أن ذلك سبب قدومهم إلى الجزائر ، للتخفيف من حدة الوضع عليها و زوجها و على جود ،و قد سمت إبنتها الصغيرة عليها لإحياء ذكراها من جديد..و أخبرتني أيضا أن إبنها يجد شبها كبيرا بيني و بين أخته في الملامح و التصرفات و الأفكار لهذا يجالسني دائما ، و أنها تشعر بالمثل و أن عيناي تشبه عينا المرحومة لكن تختلفان في النظرة حيث أن لها نظرة عدائية و أنا العكس ، و هنا أيقنت سبب مودة تلك العائلة
لي ..

لأنني أشبه إبنتهم المتوفية ...

و كنت قبل نومي أتذكر جلساتي النفسية مع جود التي تنتهي في جميع الأحيان بشجار ..
و تجدني أضحك لوحدي كالمجنونة و أتساءل عن حاله الآن .. و أغط بنوم عميق بعد هذا التفكير المتعب ..

          - إقترب موعد رجوعه و بدأت عائلته بالقيام بحملة تنظيف للمنزل و تحضيره لإستقبال جنديهم الجديد و كنت أذهب لتقديم المساعدة لأم جود ..

و مضى ذلك الأسبوع و لم يصلنا أي خبر عنه أو عن موعد قدومه المضبوط فكل ما كنا نعرفه أنه آت هذا الأسبوع .. لكنه لم يأتي .. قلقت أمه كثيرا و بدأت أمي بتهدئتها و طمأنتها بأعذار واهية ..و كنت الوحيدة من معارف جود التي لم تقلق عليه، فمن المعروف أنهم يزيدون من فترة الخدمة في بعض الأحيان ، و أعرف أن الخدمة ليست مكانا للحروب أو المجازر بل إنها مكان تدريب لا غير ، و كنت أحاول إقناع أمه بذلك..لكنها لم تتخلى عن قلقها أبدا ، إنه قلق الأمومة  ..

آلَــشّـآمِيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن