"أنا مجنون متل ما بدك  ..بس كان بدي فاجئك شوي ، والله حسدتك عالهدوء اللي كنتي فيه  " قال مبتسما و قد قام بالجلوس بجانبي

"إذن جئت لتخرب ذلك الهدوء.."

"شو ذكية ..أديش عمرك !" سألني

"عشر سنوات" أجبته

"العمر كلو..لسا صغيرونة" قال ساخرا متجاهلا نظراتي له

"و أنت !" سألته بالرغم من أنني أعرف الجواب

"أربعطاااشر سنة يا بزر " قال بفخر

أنا التي كنت أعتقد من طولك أنك في العشرين من عمرك" قلت قاصدة إستفزازه
لكن خطتي لم تنجح

"في ناس قالو هالكلام قبلك و قالو كمان أنو طولي زايد من جمالي" قال متفاخرا مرة أخرى

و قد تنهدت في هذه اللحظة...

"ألا تعتقد أنهم لا يريدون جرح مشاعرك بإخبارهم أنك شبيه بعمود الكهرباء هذا" قلت مشيرة بسبابتي لعمود الكهرباء في نهاية الشارع

"بعرف إنك غيرانة من طولي لأنو أنتي طولك بس نص شبر " قال و قد نظر إلي نظرة فاحصة
"يا إلهي لقد إكتشفت هذا !" قلت له بسخرية

"بعرف إني ذكي كمان..شكرا شكرا" قال و هو ينحني متشكرا

و قد أضحكتني ثقته الزائدة بنفسه،

و حلت بيننا لحظة صمت في تلك الآونة..

بدأ جود يلتقط الحصى من الأرض و يرميه على بركة الماء التي أمامنا مسببا موجات متتالية على سطح تلك البركة

"بتحداكي!" قال جود فجأة

"في ماذا!"

"مين فينا اللي بيعمل موجات أكثر" قال و هو يناولني ثلاثة حصوات

"سهلة .." قلت بثقة ممسكة الحصى الذي أعطاني إياه

و بدأنا برمي الحصى على تلك البركة ..

"قال سهلة قال" قال ضاحكا بعد إنتصاره علي

"تعمدت الخسارة لكي لا تدخل في مرحلة إكتئاب بسبب ربحي عليك" قلت بإبتسامة مستفزة لكنني أعتقد أنها لم تستفزه أبدا فقد بادلني الإبتسامة و قد أومئ لي برأسه و كأنه يقصد إستفزازي أكثر..

تحدثنا قليلا بعد ذلك و قام بقص العديد من القصص الطريفة التي حدثت في إعداديته السابقة ..
"ما سبب قدومكم إلى الجزائر !" سألت

"الإستعمار..متل ما بتعرفي" قال مترددا

و قد شعرت في تلك اللحظة أن هناك سببا آخر لقدومهم بعد تردده في الإجابة.. و قد لاحظ أنني لم أقتنع بتلك الإجابة فأردف قائلا
"بتعرفي كمان أنو لازم كمل دراستي مشان ساعد عيلتي.. بس في غزة ما قدرت كمل لأنو ولاد الكلب قصفو المدرسة اللي كنت بدرس فيها لهيك جينا لهون " قال محاولا إقناعي و لكنه لم يفعل، أظن أن هنالك في بلده مدارس أخرى عدا تلك التي قد تم قصفها ... لكنني لم أرد سؤاله كثيرا فلو كان يريد الحديث لفعل..و أومأت له بإقتناع مزيف و قد وقف الحديث عند هذا الحد..

و قررت قطع هذا الصمت بعد تذكري أن لهجة أبيه مختلفة عن لهجته .. بينما كان يشترك و أمه في نفس اللهجة..

"لاحظت أن لهجتك أقرب إلى السورية من الفلسطينية!" قلت متسائلة

"آآه،يمكن لأنو أمي من الشام و بابا فلسطيني "

"إذن لماذا لا تتحدث بالفلسطينية!"

"لما كنت صغير كنت معظم الوقت مع ماما لأنو الوالد المصون كان بيشتغل أكثر من قعدتو بالبيت لهيك بتكلم سوري أكثر"

"إذن أنت شامي !"قلت مصطنعة عدم الفهم

"لا فلسطيني"

"لكنني فهمت من كلامك أنك شامي"

"بس أنا فلسطيني قح" قال مجددا بإصرار

"لم أفهم لماذا أنت مصر على أنك فلسطيني بينما كل الكلام يدل على أنك شامي" قلت محاولة إغاضته و قد إلتفت محدقا بي

"يعني لما ما صار بدي هاجمك بالحكي صرتي إنتي تعملي هيك.. فلسطيني يا بنت فلسطيني" قال و قد شدد على الكلمات الأخيرة

"شامي" قلت بعد صمت قصير و قد أزحت بنظري إلى جانبي الآخر

"قصيرة" قال ،و قد إلتفت إليه بغضب

"عمود كهرباء" قلت بغيظ لكنه ضحك و قرر في تلك اللحظة عدم مجادلتي و وقف ناويا الذهاب
"ماما قالت روح أشتري رغيفات لنتغدى،بس نسيت حالي و إحنا قاعدين ندردش هون،و هلا عارف إنو ماما رح تتغدى فيني لو تأخرت أكثر" قال و هو يعدل قميصه

"حسنا فلتذهب الآن قبل أن تتغدى بك أمك" قلت بإبتسامة و بادلني بالمثل و هم بالذهاب لكنه إلتفت مجددا بعد أن خطى الخطوة الأولى

"صحاب!" قال مبتسما و قد مد لي خنصره

"صحاب" أجبته و قد مددت خنصري له و قام بإمساكه بلطف بينما كان يكتم ضحكته و هو ينظر لحجم خنصري بالنسبة لخاصته

و إلتفت راحلا ..

آلَــشّـآمِيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن