- بعد ظهر ذلك اليوم بينما كنت أشاهد مسلسلي الكرتوني المفضل على التلفاز،تخللت أنفي رائحة زكية أيقنت من خلالها أن أمي صنعت بسكويتها الشهي الذي كانت تشتهر به في الحي ، و قد جاءتني بعد ذلك مرتدية شالها تطلب مني الذهاب معها إلى الجيران الجدد و قد أعطتني البسكويت الموضوع في الصحن بعد أن غطته بمنديل و طلبت مني إعطائه للأم بعد دخولنا.
ذهبنا و قد رحبت بنا تلك الأم بسعادة

"هلا والله..شرفتونا أتفضلو أتفضلو البيت بيتكن"

و كنت أبتسم ببلاهة بعد كل كلمة تقولها لي تلك المرأة، أعجبتني لهجتها كثيرا و لم أستطع كبح نفسي عن إخبارها بذلك

"لهجتك حلوة كثيرا "قلت لها بإبتسامة بريئة

"إنتي الأحلى" و قد قابلتني هي الأخرى بإبتسامة رقيقة بعثت في نفسي الطمأنينة
و بعد سؤالها لي عن عمري أخبرتني أن لها إبنا يكبرني بأربع سنوات و قد ظلت تتحدث عنه قليلا و قد ختمت حديثها عنه ب
"بلكي رح تصيرو صحاب و تتفاهمو تلعبو مع بعض"

فكرت بهدوء ، لا أعتقد ذلك يا سيدتي لأنني لا أتفق مع أولاد الحي أبدا ..

      و بدأت أمي تسألها عن سبب قدومها مع عائلتها إلى هنا و قد روت أم جود قصتها لأمي و عيناها تتلألأ بالدموع ، و لم تعرف أمي ماالذي يجب عليها فعله في تلك اللحظة فقامت بضمها إليها و تهدئتها و هي تربت على كتفها بحزن شديد ..

      إرتأيت في ذلك الحين أنه يجب علي الرجوع إلى المنزل فقد بدأت للتو أحس أنني لست في مكاني المناسب، و قد إنسحبت ببطئ مشيرة لأمي بأنني راجعة إلى البيت...
و في اللحظة التي فتحت بها الباب لأخطو للخارج ، فوجئت بوجود فتى يحمل الكثير من الأكياس له عيون خضراء زمردية يظهر من خلالها الحزن المكبوت، شعر أسود فحمي مموج و سمار خفيف،أعتقد أنه جود لأنه يشبه أمه قليلا،و ما لفت نظري أن طوله لم يكن طول فتى ذا أربعة عشر عاما بل كان أطول من سنه المفروض،حتى أن ملامحه لم تكن توحي أنه في ذلك العمر ...

و عندما لاحظ أنني أحدق به بطريقة غريبة أمال رأسه و قد ظهرت غمازتين على خديه بعد إبتسامه لي .

" تسمحيلي فوت لبيتي بعد إذنك "

تنحيت عن الطريق بعد إنتباهي لطريقة نظري إليه كالبلهاء و قد أحسست بالخجل في تلك اللحظة و قطعت طريقي إلى المنزل و أنا أريد دفن رأسي في الأرض ..

    "أنا جود ، جاركن الجديد" قال ذلك الفتى بصوت أشبه بالعالي، و هذا ما أدى إلى تسمري بمكاني ، فأنا بالعادة لا أتواصل مع الفتيان إلا بالضرب المبرح لأن معظم فتيان مدرستي الإبتدائية أشبه بالحيوانات في تصرفاتهم ، لنرجع إلى الموضوع الآن..

إلتفت إليه ببطىء و بقيت أحدق به مرة أخرى و كل ما كان يدور بذهني
"هل يجب علي ركله الآن أو الحديث معه كباقي الناس ! ..لا إن طوله لا يسمح لي بضربه فقد يمسكني بيد واحدة و يرميني إلى المجهول ..ماالذي يجب علي فعله الآن!!"

"يا بنت خبريني شو إسمك، ب شو صافنة !!"  قال و قد إتسعت عيناه منتظرا إجابتي
و قد إستعدت رباطة جأشي في ذلك الحين

"مريم ..." قلت و قد إستدرت مجددا لوجهتي و بدأت بالمشي بسرعة

"عاشت الأسامي مريم ، تشرفنا " قال بنبرة عالية مجددا لكي أستطيع سماعه من بعيد لكنني تجاهلته مكملة طريقي إلى البيت
دخلت إلى المنزل و قررت الإلتفات له من جديد و أنا أغلق الباب ..

و قد وجدته مازال هناك يعانق كيسا بدا لي ثقيلا عليه...و قد إلتفت مجددا و إبتسم فور رؤيته لي و بدأ بالتلويح و هذا ما سبب سقوط الكيس الذي كان بين يديه
"الله ياخذني" قال و قد مسح على مؤخرة رأسه براحة يده.

أضحكتني هذه اللقطة كثيرا ، فقد بدا في تلك اللحظة كمعتوه لا يستطيع التحكم بيديه..
و نزل للأرض ليحمل الطماطم التي سقطت منه و هو يتمتم كالمجنون ، و كنت أشاهده مرتكزة على باب المنزل لكي لا أسقط من شدة الضحك..

إلتفت إلي للمرة الثالثة بملامح باردة لكنها تغيرت في الحين إلى قهقهة بعد رؤيته لي..
حقا معتوه يضحك على نفسه...

آلَــشّـآمِيजहाँ कहानियाँ रहती हैं। अभी खोजें