- أتذكر تلك الفترة جيدا ..
كنت في العاشرة من عمري أرتدي فستانا قصيرا ، أجلس على عتبة باب منزلنا في حينا الشعبي ..و كان بين يداي كراسة و قلم بإنتظار أن يجذبني منظر ما لأقوم برسمه في هذه الورقة الفارغة أمامي ، و لكنني لم أجد.. فبقيت أشاهد المارة بملل ..
و قد ذهبت كل صديقاتي بالحي إلى الإجازة الصيفية بينما لم يمض على رجوعي من بيت جدتي في الريف أنا و عائلتي إلا أيام معدودة ..
بينما كنت على تلك الحال.. وقفت سيارة أمام المنزل المهجور المقابل لنا ،نزل منها رجل مسرعا و فتح الباب الخلفي لإمرأة في منتصف العمر تحمل رضيعا ..أعتقد أنها زوجته .. نزلت هي الأخرى بإعياء و قد بدى على وجهها التعب الشديد ..
قام الرجل بحمل الرضيع عنها و أخرج حقيبتان من خلفية السيارة و بدأ ينادي
" جود ! تعا ساعد بابا الله يرضى عليك "و كل ما بدر إلى ذهني في تلك الحين أن لهجته تشبه لهجة المسلسلات السورية التي تشاهدها أمي بالتلفاز ..
في ذلك الحين نزل شاب أظن أنه يكبرني بعشر سنوات مبتسما و بادر بحمل حقيبة و قام باللحاق بأبيه و أمه إلى داخل المنزل المقابل ..
دخلت إلى المنزل و وجدت والداي يتحدثان في المطبخ ،أخبرتهما بما حدث..
"يبدو أنهما أبو جود و أمه اللذان قال لنا جارنا أنهما سينتقلان إلى المنزل المقابل" قالت أمي موجهة الحديث إلى والدي
"نعم،أظن ذلك و أعتقد أنه يجب عليك زيارة هذه المرأة و مواساتها قليلا و إخبارها أننا هنا إن كانا يحتاجان لأي شيء فأنت تعلمين أنهما في حالة نفسية رهيبة"
"أعلم ذلك و هذا ما كنت أريد قوله لك للتو .." أجابته أمي
و شعرت في تلك اللحظة أنني كالأطرش في الزفة فبالرغم من صغر سني إلا أنني أعتقد أنه يجب عليهما إخباري ما الذي حدث لتلك العائلة المسكينة و قد قمت بسؤال أمي لإرضاء فضولي
"صغيرتي ، هؤلاء عائلة فلسطينية و ليست سورية ،و أظن أنك تعلمين ماالذي يحدث في وطنهم " قالت أمي بشيء من العتابو قد تسللت إلى عقلي مشاهد تلفزيونية من ذاكرتي حيث كان الأعداء يقصفون غزة و يهدمون منازلهم بشراسة و يشردون الصغار في الطرقات بلا رحمة..
"آه" أطلقت تنهيدة خفيفة من فمي
" أعتقد أنني فهمت الآن " أجبت بعد تذكري لتلك اللقطات المريعة
أنت تقرأ
آلَــشّـآمِي
Non-Fictionجالسا على عتبة الباب شارد الذهن محدقا في اللاشيء... "شو شاغل بال هالشامي الحلو" قلت بنبرة إستفزازية "كم مرة صاير قلك إنو أنا مو شامي..أنا فلسطيني..في فرق يا بنت إفهمي" قال و هو يحشر إصبعه في رأسي "آآه.. خلص فهمت.. ما جاوبتني شو شاغل با...