الفصل الثامن

431 58 11
                                    

جيمين أصبح يجلس معى كثيراً و خاصة بالكافتيريا, لكى يجعلنى آكل. ما يفعله لا يزعجنى على الإطلاق, و لكننى سأجن من الفضول, لماذا يجلس معى؟ لماذا يجعلنى آكل؟ لماذا يهتم؟ أريد أن أسأله, لكننى أعرف أنه لن يتحدث على الإطلاق.

فى يوم من الأيام, كنت أجلس مع بارك ها بالساحة الخلفية و سألتنى عن جيمين. "آه روم, أريد أن أسألكِ عن شئ, لكن أجيبى بصدق" هى قالت و كنت أتوقع بالفعل ما الذى كانت ستقوله, "حسناً, أسألى" قلت لها, "لماذا يجلس معكِ جيمين؟ أعلم أنه شئ خاص بكِ, لكننى سأموت من الفضول حقاً" قالت لى و أنا لم أستطع أن أمنع نظرة السخرية التى أعتلت وجهى, "صدقى أو لا تصدقى, أنا أيضاً لا أعلم لماذا يجلس معى" قلت لها و هى أعطتنى نظرة عدم التصديق. بما أننى أثق بها و هى أصبحت صديقة لى, سردت لها كل شئ حدث بينى أنا و جيمين منذ أن جئت للمصحة, و بالطبع هى كانت فى قمة الإندهاش. "إننى لا أفهمه جدياً, إنه بالمصحة منذ نصف عام و لم يتحدث أو يتفاعل مع أحد على الإطلاق, حتى أننى سمعت شائعات عن أنه لا يتحدث مع طبيبه و معظم الوقت يكتب له أو يرسم فقط" قالت بارك ها, "صدقينى أنا أيضاً مندهشة منه, لماذا يفعل هذا معى و لا يُعير أهتماماً لأى أحد أخر" قلت لها, ثم غيرنا موضوع حديثنا و لم نتحدث عن جيمين مجدداً.

فى اليوم التالى, و أنا جالسة بغرفتى أقرأ, جاءت لى بعض الهلاوس مجدداً, لكنها كانت من أغرب هلاوسى, إننى دائماً أهلوس أن أمى, أبى أو حتى شقيقتى يكونون معى بالغرفة و ينظرون إلىّ فى صمت أو يقولون لى بعض الكلمات الرقيقة, ذلك ما أعتدت عليه.

بينما كنت أقرأ, ظننت أننى سمعت صوتاً, نظرت فى أنحاء الغرفة, لكن لم يكن هناك شئ, ذهبت للباب و تفقدته و لكن لم يطرق عليه أحد و لم يكن هناك أحد بخارج الغرفة. عندما أستدرت لأعود للقراءة على السرير مجدداً, أنتابنى الخوف وأتسعت عيناي فى دهشة. كان هنالك رجل يجلس على السرير و ينظر للكتاب الذى كنت أقرأه, كل ملابسه كانت سوداء, و ما أثار الرعب فى قلبى حقاً و أن وجهه كله كان أسود اللون أيضاً و لم تكن به ملامح على الإطلاق, لم يكن له عينين ولا فم أو أنف, فقط وجه أسود.

رأسه أتجهت من النظر لكتابى للنظر لى, أحسست بخوف شديد عندما نهض و كان بيده سكين. أمسك بذراعى بقوة لا أعلم لماذا لكنى تجمدت بمكانى, "هذا ليس حقيقياً, هذا ليس حقيقياً, هذا ليس...." أستمررت بالهمس لنفسى, لأننى أعلم أن هذه هلاوس فقط, لكن شعور قبضة يده و هى تشتد على ذراعى مؤلم, و كأنه حقيقي. حاولت سحب ذراعى من يده و بدأت بالصراخ, لكنه لم يتركنى و وضع الجزء الحاد من السكين على رسغى, على عروقي تماماً. حاولت دفعه و بدأت بالبكاء و صرخاتى أرتفعت, الآلم أحرق يدي عندما قطع عروقى بالسكين و بدء الدم بالتدفق بسرعة و لطخ ملابسي, وقعت على الأرض و أنا مازلت أبكى و بعد ذلك أغمى علىّ و لم أتذكر أى شئ حدث بعد ذلك.

أستيقظت و أنا نصف واعية بما يحدث حولى, جسدى كله كان فى حالة سكينة و هدوء, و كأننى مخدرة. نظرت حولى و وجدت ممرضة تجلس بجانبى و هى تنظر لهاتفها, "ما الذى حدث؟" قلت بصوت ضعيف جداً و الممرضة نظرت لى, "أستيقظتِ؟ سأذهب لأجلب الطبيب" قالت ثم غادرت و هى مسرعة, نهضت و جلست على السرير و أحسست بصداع خفيف, لا أعلم لماذا, لكنى نظرت لرسغى لأتحقق منه, لم يكن هناك جرح أو حتى خدش, لا شئ على الإطلاق.

الطبيب دخل للغرفة بعد عدة دقائق و سأل عن ما أشعر به, "أشعر بأننى متعبة جداً, ما الذى حدث؟" قلت له, "ذلك بسبب المهدئات, لقد كنتِ نائمة لثلاث ساعات. سَمِعَت أحد الممرضات صوت صراخ من غرفتك, فأسرعت إليكِ و وجدتكِ فاقدة للوعى و كان تنَفَّسكِ ثقيلاً و متضطرباً" قال لى الطبيب و أسترجعت ما حدث لى, الرجل الأسود الذى حاول إيذائى. قلت للطبيب ما حدث لى و هو سألنى بعض الأسئلة, كان على وشك أن يغادر لكننى أوقفته, "أيها الطبيب, إننى لا أفهم, لماذا جاءت لى مثل هذه الهلوسة؟ و لماذا أحسست و كأنها حقيقية جداً؟" سألته و هو نظر لى لوهلة, و كأنه يُحَكِم عقله فى أن يخبرنى بما يدور بذهنه أو ألا يخبرنى, "آه روم, لا تقلقي, إنه ليس شيئاً مهماً أو خطيراً. و لكن يجب أن تكونى تحت المراقبة طوال الوقت لأن من الممكن أن تؤذى نفسك بتلك الهلاوس" قال لى, ثم كان سيغادر مجدداً لكنه توقف ليقول لى شيئاً, "عندما تشعرين بالتحسن, تعالى لمكتبى".

بعد بضعة ساعات, أحسست بمفعول المهدئ يختفى بالتدريج, فذهبت لمكتب الطبيب. طلب منى الجلوس على الكرسى الذى أمامه و بدء بالحديث, "تتذكرين عندما سألتينى عن جيمين؟" قال لى و أنا أومأت برأسى و أنا متفاجئة قليلاً, "لاحظت أنكِ تجلسين معه فى الفترة الماضية كثيراً و يبدو أنه مُتمسك بكِ, أعلم أنه ليس الوقت المناسب لطلب هذا منكِ بعد ما حدث لكِ اليوم, لكنكِ يمكنك مساعدتى فى جعل حالة جيمين تتحسن. إن لديه عقدة نفسية حادة أكثر من أى مريض رأيته من قبل, و يُفضل الوحدة و العزلة دائما, و إنه لشئ مدهش أنه يجلس معكِ, لذلك إننى أطلب مساعدتكِ" قال الطبيب لى و فكرت لوهلة قبل أن أجيب, "ماذا تريدنى أن أفعل؟" سألته, "فقط حاولى التحدث معه, أجعليه يتحدث, هذا هو كل ما أطلبه منكِ" قال لى و أنا حركت رأسى يميناً و يساراً, "أسفة, لكننى لا أستطيع مساعدتك, لقد حاولت التحدث معه كثيراً لكن بلا فائدة و أنا لا أفهم سبب تعلقه بى و جلوسه معى" قلت له, إننى أريد حقاً المساعدة, لكنه يطلب شيئاً شبه مستحيل, "إننى متفهم لذلك, لكن أبقى بصحبته, لا أريده أن يعود للوحدة و العزلة مجدداً" قال الطبيب لى.

 مضطرب عقلي صامتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن