الفصل السابع

439 63 28
                                    

أستيقظت و عيناى تؤلماننى بشدة, تذكرت أحداث البارحة و نظرت حولى بحثاً عن جيمين, لكن لم يكن هناك أثر له. ظننت أننى كنت أحلم, لكن الكتاب الذى أعاده لى كان بجانبى على السرير. 

تذكرت شعور ذراعيه حولى و كيف كان عناقه دافئاً و يبث بالراحة, أحمررت خجلاً من الفكرة فقط و حاولت التفكير فى أى شئ أخر.

نظرت للكتاب الذى أعاده, و مع أن عيناى تؤلماننى, أمسكت الكتاب و أخذت أُقلب به ببطء, كدافع من الفضول و لا أعلم ما سبب هذا الفضول حتى و لكنى وجدت شيئاً أدهشنى. فى أخر صفحة, كانت هناك بعض الكلمات المكتوبة بخط منظم و مرتب.

"أتمنى رؤية أبتسامتكِ"

تلك الكلمات هزت قلبى بشدة و شعرت بآلم, لكنه لم يكن الآلم المعتاد الذى أشعر به, كان مختلفاً و شعرت بفراشات بمعدتى بينما سقطت الدموع من عيناي مجدداً بغزارة.

ما الذى تفعله بى يا جيمين؟!

--------------------------------------------

"ما تفعلينه هذا سيعيدك لما كنتِ عليه" قال لى الطبيب مما جعلنى أعض شفتى السفلية, لقد مر أسبوع و بدأت أفقد وزنى مجدداً و أُفَضِل العزلة, "لماذا ترفضين أخذ أدويتك؟"سألنى الطبيب وأنا نظرت بعيداً لأتفادى إتصال أعيننا, لأن ذلك سيجعلنى متوترة. "إنها ترهقنى جسدياً و لا أستطيع فعل أى شئ بسببها" قلت له و هو فقط تنهد و خلع نظارته الطبية و مسد عينيه المغلقتان بيده, "لكنك يجب أن تأخذيها, عدم أخذها هو ما يجعلك ترغبين بالوحدة دائماً و الاكتئاب, و بالطبع فقدان الشهية" قال لى و أنا ظللت صامتة, و كلماته التالية هزت قلبى, "فكرى بخالتكِ, إنها تأتى لى بعد كل زيارة و تسأل عنكِ, و بالطبع لا أستطيع أن أكذب عليها. فكرى بكلامى جيداً و تمنى التحسن يا آه روم, يمكنكِ الذهاب الأن" قال لى.

غادرت مكتبه بهدوء, بدون أن أقول شيئاً. كنت أريد أن أعود لغرفتى, لكنى وقفت هنيهة و فكرت فى ما قاله الطبيب, و قررت الذهاب للساحة الخلفية للمصحة.

عندما خرجت من الباب و قابلتنى الشمس, عيناى أحرقتانى لثانية بسبب عدم رؤيتى لها لأسبوع. رأيت بارك ها جالسة مع السيدة جونج و عندما رأتنى, أبتسمت أبتسامة واسعة و عذرت نفسها من السيدة جونج و ركضت لى.

"أين كنتِ طوال الأسبوع؟ أفتقدت مجالسة شخص بسنى" قالت لى و هى تضمنى ثم أفلتتنى بسرعة, "أنشغلت ببعض الأشياء فقط" قلت لها و نظرات عدم التصديق أعتلت وجهها, "حقاً؟ إننى لا أصدقك لكننى لن أجبركِ على إخبارى" قالت لى و كنتُ ممتنة جداً, إننى لا أريد التحدث عن الأسبوع الماضى على الإطلاق, "تعالى أجلسى معى و السيدة جونج, كانت تحكى لى منذ قليل بعض القصص المشوقة" بارك ها قالت ثم سحبتنى نحو السيدة جونج و أنا لم أعترض.

سلمت على السيدة جونج و هى رحبت بى, جلسنا و تحدثنا و أتضح بالفعل أنها طيبة جداً, ذكرتنى بحنان جدتى المتوفية و كانت تعاملنى و كأنى أبنتها, مثل خالتى تماماً, و ذلك هز قلبى لأننى أفتقد هذا الشعور منذ فترة طويلة, للأسف لا شئ يمكن أن يستبدل حنان أمى و جدتى.

تحدثنا عن أشياء منوعة, لا شئ تحديداً, كنا نتحدث عن مواقف حدثت لنا قديماً و أنخرطنا فى الحديث جداً حتى مرت ساعة على جلوسنا. فجأة, أحسست بيد توضع على كتفى برفق مما جعلنى أتفاجئ و بارك ها نظرت خلفى بدهشة. نظرت لأرى من خلفى ليجعل بارك ها هكذا و تفاجأت أيضاً, إنه جيمين.

جيمين حدق بى لوهلة ثم انحنى و أمسك بيدى, سحبنى منها لأقف و بدأ بالسير بعيداً و هو مازال يمسك بيدى, تاركاً بارك ها و السيدة جونج فى دهشة, "جيمين, ماذا هناك؟ إلى أين تأخذنى؟" سألته و لكنه أستمر بالسير بدون أن ينطق بكلمة أو حتى ينظر إلىّ, و بالطبع كنت أضعف من أن أسحب يدى من يده.

أخذنى لداخل المصحة و أتجه بى للكافتيريا, أجلسنى على طاولة و لم أعترض بسبب النظرة التى أعطاها لى قبل أن يذهب, و كأنه يقول لى بنظراته ألا أعترض على ما يفعله.

جيمين عاد مرة أخرى و كان ممسكاً بطبق طعام فى يده, وضعه أمامى و جلس بالمقعد الذى بجانبى. "تريدنى أن آكل؟" سألته و هو فقط أومأ برأسه ثم وضع يده تحت ذقنه, و كأنه ينتظرنى لكى أبدأ بالأكل. "لستُ جائعة" قلت له و هو فقط عض شفته السفلية بينما مرر أصابعه بين شعره الأسود الناعم, ثم أمسك بالملعقة و حاول إطعامى, أحمرت وجنتاى لأن هناك بعض المرضى بالكافتيريا و أخذت منه الملعقة بسرعة, فإنه ليس من الطبيعى أن يطعم فتى فتاةً فى مصحة للمضطربين نفسياً. "حسناً, حسناً, سآكل" قلت له قبل أن يحاول أن يطعمنى مجدداً, بدأت بتناول الطعام و هو فقط وضع يده تحت ذقنه مجدداً و راقبنى فى صمت.

لم أشعر بنفس الشعور الذى أشعر به عادة عندما آكل, لم أشعر بالغثيان, أو على الأرجح لم تتسنى لى الفرصة للشعور هكذا, لأن معظم تركيزى كان على جيمين الذى يراقبنى بصمت و أحسست بالتوتر, و أسرعت بتناول طعامى إلى أن أنتهيت من أغلبية ما كان بالطبق, لكنى لم أستطع أن أنهيه, جيمين كان يبدو عليه الرضا و أمسك بيدى و جعلنى أقف مجدداً و بدأ بالسير خارج الكافتيريا, هل سيسحبنى خلفه طوال اليوم؟

ذهب للساحة الخلفية مجدداً و لاحظت أن بارك ها لم تعد هناك, يبدو أنها ذهبت لغرفتها أو للبحث عنى. جيمين جلس على مقعد بجانب السور الحجرى و أجلسنى بجانبه, لكنه لم يترك يدى و عقد أصابعنا معاً. ظللنا بهذا الوضع لفترة و حاولت سحب يدي من يده, لكنه جعل قبضته على يدى أقوى و رفض تركها, و نظر لى نظرة جعلت الفراشات بمعدتى يجن جنونها, كانت نظرة ترجى و أستعطاف, و كأنه يقول لى 'أبقى معى'. أستسلمت له و ظللنا لساعات جالسين معاً فى صمت و هو يمسد إبهامه على يدى برفق.

 مضطرب عقلي صامتWhere stories live. Discover now