الفصل السادس

440 59 21
                                    

أحسست برأسى و هى تؤلمنى بشدة, آلم لم أشعر به قد فى حياتى. أغلقت عيناى و بدأت بالصراخ من كثرة الآلم, و فجأة الآلم أختفى و عندما فتحت عيناى مجدداً, كل ما رأيته كان ظلاماً دامساً. لم أعلم أين أنا و خوف شديد تملكنى, لم أعلم سبب هذا الخوف حتى و لكننى أحسست أيضاً و كأننى فى خطر.

و فجأة, الأرض أختفت من تحت قدماى و بدأت بالوقوع, خوفى أشتد و بدأت بالصراخ مرة أخرى حتى وقعت فى شئ سائل, و لكنه لم يكن مثل الماء على بشرتى, كان لزجاً و دافئاً.

وجدت نفسى فى غرفة, حوائطها مثل حوائط الحمام, كلها سيراميك لونها أزرق فاتح جداً, لكن ذلك اللون الأزرق كان ملطخاً بلون أحمر قرمزى, على جميع الحوائط.

عيناى أتسعتا على مداهما عندما نظرت للأرض, الأرضية كان بها أطراف و أجزاء بشر مقطعيين, من كثرة فظاعة المنظر, لا يمكن وصفه. نظرت حولى و أتضح أننى فى حوض أستحمام و ملئ بسائل لونه أحمر قرمزى كاللون الذى على الحوائط و الأرضية.

دماء.......

بدأت بالصراخ و البيئة المحيطة بى بدأت بالتغير, أصبحت بغرفتى بالمصحة على سريرى, لكنى مازلت أستطيع الإحساس بذلك السائل اللزج الذى كنت به. و ما أفزعنى أكثر هو أنى وجدت أمى و أختى أمامى, واقفين معاً و هم يبتسمون لى.

باب حجرتى فتح و دخل الطبيب و معه ممرضة, "يبدو أنها حلمت بكابوس أخر, حاولى أن تثبتيها" قال الطبيب للممرضة مما جعلها تحاول إمساكِ و تثبيتى, لكننى قاومت, لم أرد أن يلمسنى أى أحد, كل ما أحس به هو لزُجة الدماء التى كنت به. و أخيراً نجحت الممرضة فى تثبيت أذرعى و الطبيب حقننى بمهدئ, رؤيتى أصبحت مشوشة بالتدريج و أخر ما رأيته هو أن والدتى كانت لاتزال تنظر لى و تقول, "كل شئ سيكون على ما يرام, يا حبيبتى".

عندما أستيقظت فى الصباح, جاءت ممرضة و أخذتنى على الفور إلى طبيبى. إننى لازلت أشعر بذلك الشعور اللزج المقرف و الخوف الشديد و لا أريد أن يلمسنى أى أحد. عندما دخلت مكتب الطبيب, نظر إلىّ بهدوء و طلب منى الجلوس. "ليلة أمس, هل حلمتِ بنفس الشئ؟" سألنى و أنا أجبت بتحريك رأسى يميناً و يساراً, فى كل مرة أحلم بكابوس, يكون نفس الكابوس, الكابوس الذى أرجع به إلى المنزل و أجد ما وجدته منذ حوالى نصف عام, "إذن قولى لى, ما الذى حلمتى به؟" سألنى الطبيب بهدوء و أعطانى كل إهتمامه.

بدأت بالقول له عن كابوسى, و خوفى أزداد بينما كنت أتحدث و بدأت بالبكاء, الطبيب حاول التهدئة من روعى و علمنى بعض تمارين التنفس الذى تساعد على الإسترخاء, "سأصف لكِ بعض الأدوية الأخرى, بدلاً من الأدوية التى تأخذينها حالياً. الممرضة ستأخذكِ الأن لتتناولى فطورك, و أنصحك بأن تتذكرى أجمل لحظة فى حياتك إذا شعرتى بالحزن فى أى وقت, هذا قد يساعد" قال الطبيب لى و هو يبتسم, لكننى نظرت له بتعب و إرهاق و أومأت برأسى فقط.

الممرضة جاءت و أخذتنى للكافيتريا, "سأبقى معكِ حتى تنتهى من طعامك فقط, هذه أوامر الطبيب" قالتها وكأنها تعلم بالفعل أننى كنت سأقول لها بأن بقائها معى غير ضرورى, أومأت فقط برأسى و أخذت قضمة من طعامى, مع أن ليس لدى شهية على الإطلاق. بمجرد أن أبتلعت تلك القضمة, أحسست بالغثيان على الفور و دفعت طبق طعامى جانباً. "ما بكِ؟ هل أنتِ بخير؟" سألتنى الممرضة بقلق, "لا, أريد الذهاب لغرفتى, أرجوكِ" قلت لها, إن لدى رغبة فظيعة فى أن أكون وحيدة الأن, "لكن يجب أن تكملى طعامك" الممرضة قالت و لكننى نظرت لها نظرة حزن, "أرجوكِ" قلت لها بإصرار و هى أستسلمت, "حسناً, لكن يجب علىّ إخبار الطبيب" قالت لى ثم غادرنا, و لاحظت شيئاً اليوم, جيمين لم يكن موجوداً بالكافتيريا....

لبقية اليوم, ظللت بغرفتى. لم أرد أن أخرج منها و أشعر بالخوف من كل شئ حولى و أحس بالإرهاق أيضاً, إرهاق شديد. تذكرت شقيقتى و والداى و كيف أننى أفتقدهم كثيراً و بدأت بالبكاء مجدداً, ما الذى فعلته فى هذه الدنيا لكى تصبح حياتى هكذا؟

فى اليوم التالى, لم أخرج من غرفتى أيضاً, إلا للذهاب للطبيب, و بالطبع لقد لاحظ كيف أن حالتى أزدادت سوءاً عن البارحة. رفضت تناول الطعام مجدداً و ظللت بغرفتى, أحتضن دبى المحشو الصغير و إنا مستلقية على سريري و لا أفعل شيئاً أخر.

فجأة, فتح باب الغرفة و توقعت أن تكون الممرضة, لكنى كنت مخطئة, "ما الذى تفعله هنا؟" قلت و أنا متفاجئة و جلست بسرعة, جيمين فقط نظر لى بدون أن يقول شيئاً كالعادة, سار ناحيتى و جلس بجانبى بزاوية لكى يكون مواجهاً لى بينما أنا كنت جالسة على السرير و ساقاى متربعتان. لم يفعل شيئاً إلا الجلوس و التحديق بى, "لا يجب عليك أن تكون هنا" قلت له, فتواجد المرضى بغرف بعضهم البعض ممنوع. أستمر بالتحديق بى فقط لفترة و بعد ذلك, أعطانى الكتاب الذى كان يمسكه, كتابى الذى أعطيته له منذ يومين, لم ألحظ حتى أنه كان يمسكه, "أنتهيت من قرأته؟" قلت بينما أخذت منه الكتاب, حدقت به لبرهة ثم وضعته جانباً, تفاديت النظر إليه بالنظر لأسفل و إحتضان دبى المحشو مجدداً, بقينا فى صمت, لكنه كان صمتاً مريحاً.

فجأة, شعرت بيده تحت ذقنى و جعلنى أنظر إليه, أنظر فى عينيه البنيتان, مع أنه لون بسيط, إلا أن عيناه جميلتان, إن بهما لمعاناً غير طبيعى. جيمين قام بلف ذراعيه حول جسدى الصغير و ضمنى إليه, ضمنى إليه بشدة و أنا لم أكن أتوقع منه فعل شئ مثل هذا, لم أبعده عنى و شعرت بدقات قلبى و هى تتسارع. طريقة احتضانه لى تذكرنى بأحضان أبى, كيف كان عندما يعود إلى المنزل, يضمنى أنا و شقيقتى بشدة هكذا و هو مبتسم أبتسامة كبيرة, و يعطى قبلة رقيقة لأمى. تذكرت كيف كنا نجلس معاً و نتحدث و نمزح, كيف كنا نجتمع على مائدة الطعام, كيف كنا نعيش, كيف كنا من قبل.....

دموعى الدافئة بدأت بالنزول على خداى و أنا أستمر بتذكر كل تلك الذكريات الحلوة, التى لن تتسنى لى الفرصة لأعيشها مرة أخرى. بكيت بحرقة و أدركت كم كنت أحتاج إلى أن يضمنى أحد, أن يحتوينى أحداً ما, أن يخفينى من هذا العالم القاسى و يحمينى حتى و لو حمانى لدقيقة واحدة. جيمين حرك يده فى حركة دائرية على ظهرى ليهدئنى, لكن شهقاتى أرتفعت و دموعى كثرت. لففت أذرعى حول خصر جيمين و دفنت رأسى بصدره و تركت مشاعرى المكبوتة تخرج فى هيئة دموع وشهقات متقطعة, بكيت حتى شعرت بالتعب و و نمت فى أذرع جيمين.

 مضطرب عقلي صامتWhere stories live. Discover now