46 شمس وأزهار

ابدأ من البداية
                                    

لم أعترض على اقتراحها في التجوال بين الأروقة لتستمتع هانا برؤية لوحات أشباهي من الملوك القدماء، الجناح الخاص كما تقول وأرى يعجّ بهم وبكل ما قد يُرسم في هذهِ الحياة، بشر، مدن، طبيعة، حرب، خيال، فناء، طفل عاري في حضن أم تولول عند جثمان من أعتقد بأنه الأب.

"من المريض الذي رسم هذهِ اللوحة؟"

توقفنا، "لوحة أب، لستُ مُلمة بتاريخها كثيراً ولكنني قرأتُ بأن الرسام كان أباهُ سفاح يقتل الآباء الجدد فقط"

"أرسمها للضحايا إذاً؟"

"أو ربما رسم أباه يموت ما إن وُلد هو، لا توجد إجابة واحدة وهذا ما يجعل الرسم ساحراً بغموضهِ وألوانهِ، يمكنك الإتيان بملايين التفسيرات فقط من أخذ أكثر من نظرة على أبعاد متفاوتة. لستُ ملمة بفلسفة هذا النوع من الفنون، علاقتي مع اللوحات مستعصية بعض الشيء"

توقفت هانا التي كانت تسبقنا بما يعادل خمس لوحات عملاقة عند واحدة تنضح بالألوان الزهرية والزرقاء، أزهار، والفارس السافل يلتقط أنفاسه من الجري وراءها لما يقارب النصف ساعة، كيف مضى الوقت سريعاً؟ صمتي وصمت الملكة جعل الزمان يختصر دقائقه.

"لماذا علاقتكِ مع اللوحات مستعصية؟"

بل يجب أن أطرح سؤالاً آخر أكثر أهمية على نفسي، لماذا تفتح أبواب الحديث المحرمة معها؟

"ربما لأنني لا أستطيع استشفاف الحقيقة منها كما يفعل معظم الناس، هي تعبير عن نفس من رسمها اتجاه ما لا نعلمه كما نعتقد، لا عن حقيقة مطلقة أستطيع الوثوق بها"، لاحظتْ اختلاج الحيرة فيني من عدم فهم حرف واحد مما تقوله، "أعتذر، لا يحق لي الحديث عما لا أعلم عنه كثيراً، ماذا عنك أنت؟ كيف هي علاقتك مع اللوحات؟"

أهكذا تتحدث عما لا تعلم عنه كثيراً؟ يجب أن يتعلم كولِن من تواضعها قليلاً.

"لم أدخل متحفاً قط، هذهِ هي المرة الأولى التي أقف فيها أمام اللوحات بهذا القرب، ولا أعتقد بأنني سأمتلك علاقة معها على أية حال"

"لماذا؟ كل علاقة تُبنى بالبحث، الأمر ليس صعباً كما تتوقعه"

هززتُ أكتافي مُتخطياً لوحة جثمان الأب، "لستُ مهتماً برأي العالم عن نفسهِ لهذهِ الدرجة، وهؤلاء من يمتلكون متسعاً من الوقت للتعبير عن أنفسهم بطرق صعبة كهذهِ ينتمون لدنيا لا أنتمي لها"، زجاج عينيها يبرق، بسبب الحديث؟

"ألا تقرأ الكتب؟"، هززتُ رأسي محاولاً تفادي حزنها، ليس على بلاهتي بخصوص هذهِ الأمور، بل على نفسها من انحرام الأمر عني، إنها محترفة في الشعور بتأنيب الضمير، هو أيضاً.

اندفعت هانا جرياً مجدداً فازدادت سعادتي برؤية معاناة السافل تزيد، يجب أن أُكافئها بفطيرة جوز الهند. الخدم والحرس وكل من ينكس رأسه ويوترني عند مروري يختلس النظر إليها بتعجب، أعتقد بأنها أول شرقية تهرول في هذا القصر، زينتها تجعل منها أميرة خرجت للتو من إحدى قصصها المفضلة مع جانيت.

المفقودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن