41 الحقيقة

Start from the beginning
                                    

"شمسي الصغيرة...؟"

تحرّكت زرقة عينيهِ نحوي بحيرة لا نهاية لها، يُشرق، باختلاج الصدمة والتساؤلات فيهِ، كان يُشرق على والدتهِ كما الأيام الخوالي. خطوت أتعمق في شروقهِ وأهيم. جثوت بجانبهِ لتستريح أصابعي على وجنتهِ المحمرة، ساخنة، فأبكي، "ماتيو..."، أقترب منه ويدي تضمه وترفعه بالتدريج، "صغيري..."، استقر بين ذراعي كما هي أول مرة حملته فيها، الدفء ذاته، الزغب عينه، النفس والألفة وكل ما هو عليهِ الشمس الصغيرة ماتيو.

"عُدت لأمك..."، أزلتُ شعراتهِ الهاربة من على وجههِ، وهو كما هو صامتٌ يتأملني فقط، ثقلتُ أهدابه وكأنه بالأمس فقط كان يغفو بنفس الطقوس في حضني، بمهل، برقة، أغلق عينيهِ قبل قراءة القصة. اجتاحني التشاؤم كتنين ملتهب، لربما هو لن يفتح عينيهِ لكِ بعد الآن. ارتعدت.

"صغيري؟"

"لا بأس ليليا... إنه يُريح رأسهُ قليلاً"، تنساب يد كريس على نعومة شعرهِ بحنين، يبتسم، ونزلت حينها دموع خاصة مني لتلك السعادة التي عادت مُشكلة ابتسامة خالصة على مُحياه. ربما ما زلت أحلم. تساءلت فاحتضنني وشمسنا يتنفس كزهرة بيننا.

دوى صوتٌ غريب ارتعشت أهداب شمسي على وقعهِ، "انهض ماتيو!"، يُناضل ويناديهِ بهلع واضطراب، وهو، على عكس جميع من في محيطنا، يعرف من هو شمسي بعد ستة عشرة سنة، نبرته أخبرتني بذلك، ولسبب أجهله، ازدادت قوة حُضني لصغيري. أمر كريس بإبعاده ومن معه مؤقتاً، وصراخه بهِ لم يتوقف عن التردد، يهتم لأمرهِ، هذا ما أخبرني إصرارهُ. سيكون لقائي بهِ من جديد مؤكداً.

انهالت الأخبار على كريس مُدمرة لحظة انبعاثنا كوالديْن من جديد، ألقى بأوامر فورية فعلا صخب الجمْع وهو يتشتّت ويُستبدل بآخر، دبّت الحركة في القصر كخلية نحل، كما تلك الأيام، أو ربما هو كان دائماً هكذا وسجني قد منعني من إدراك ذلك.

"سأعود لكما قريباً"، قبّل جبهتي بمهل، مال مُقرباً وجهه من الوجه النائم، وبمهل الأولى قبّل جبهة ابنهِ كما كان يفعل دائماً. سيعود لنا، أنا وصغيرنا، وليس لي وحدي. تذكرتُ للتو بأن السعادة لا تمتلك حدوداً. يبدو بأنني سأتذكر الكثير مما نسيتهُ، وسيظل اسمه يتربع قائمة الأفضل.

رفرف قلبي عندما حملهُ الفرسان الملكيون بمهل، نمشي بتروي ويدي تغترف رأسه كطير صغير، دموع وصيفاتي تزيد من انهمار خاصتي. كنتُ أعرف وجهتي بعدما عادت ذاكرة المكان لي. الآنسة إلما وجيشها الخاص من الخدم كانوا قد انتهوا من تجهيز كل ما يجب أن يجهز، غرفتهِ التي لم يدخلها قط.

وضعوه فوق السرير بحذر كما أمرتهم، غزتني ابتسامتي ببقاء نومهِ ثقيلاً كما كان. يتمركز الفرسان عند كل زاوية ونافذة خارج وداخل الغرفة، وأوامر قائدهم تنهى وتشدد وتزيد من الأعداد وتقللها.

جلستُ على السرير عند مستوى صدرهِ، "كم تشبه أباك..."، الأمر متوقع، معروف، واضح، ومرور أصابعي على وجههِ يؤكد لي مدى التطابق القريب من أن يكون استنساخاً. تقوّس حاجبيهِ فجأة وبدأ صدرهُ بالارتفاع والنزول بجهد، ملابسه الجلدية الضيقة لا تساعدهُ على الاسترخاء.

المفقودWhere stories live. Discover now