16 في آلبينوس

18K 1.1K 1.4K
                                    

هذهِ هي التفاحة الخضراء الرابعة والستين التي آكلها منذ خروج العربة من العاصمة، وأين أنا الآن؟ حسنا يبدو بأنني في مدينة تبعد عنها شهراً وأربعة أيام، ضخمة إن صح التعبير ومزدحمة بتنوع بشري أشد من العاصمة نفسها، مبانيها شاهقة وحدائقها كثيرة والحياة تن...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

هذهِ هي التفاحة الخضراء الرابعة والستين التي آكلها منذ خروج العربة من العاصمة، وأين أنا الآن؟ حسنا يبدو بأنني في مدينة تبعد عنها شهراً وأربعة أيام، ضخمة إن صح التعبير ومزدحمة بتنوع بشري أشد من العاصمة نفسها، مبانيها شاهقة وحدائقها كثيرة والحياة تنتعش فيها مع كل نفس وحديث وعمل. انتصبت واقفاً وسط الحشد الهائل من الأجساد المستعجلة وقلت لنفسي بأكثر نبرة استهزائيه أمتلكها: "داي، أنت أشد مخلوقات الأرض جذباً للحظ العاثر"

كنت أحسب الأيام غير مستعجل على متن العربة، أنا والفلاح المسن كنا صامتين كتمثالين، يرمي لي تفاحتين خضراوين في الصباح والليل وبعض الماء كي لا أموت جوعاً كما أتوقع، ولم أكن أمانع أبداً الاستلقاء عليها حتى انتهاء النصف سنة هذهِ بالرغم من الأمطار المتقطعة الغزيرة والرائحة الكريهة للبغل الذي يسحبنا والرياح التي تزعجنا مرحبة بقدوم الشتاء، إلّا أن الجو كان وبشكل تدريجي يدفأ كلما اقتربنا من وجهتنا، وفي هذهِ المدينة التي أعتقد بأنها تسمى آلبيونس الجو يكاد يكون ربيعياً والشمس لا تحجبها الغيوم أيضاً، خريفهم يكاد يكون أدفأ من صيف العاصمة.

أنزلني الفلاح المسن أمام متجر صغير في أحد أكثر الأزقّة ضيقاً وصُغراً، ثم رحل بلا كلمة واحدة، متجر أسفل بناية تكاد البنايات المجاورة لها سحقها، لا يمتلك لافتة تعريف والستائر مسدوله بشكل كئيب، بعد دقائق أعطيتهُ ظهري واتجهت نحو الشارع الرئيسي لأدخل أحد الحدائق وأجلس تحت ظل شجرة مختبئة وبعيدة عن مرأى الناس.

أعدت لنفسي داخلياً حقيقة كوني أشد مخلوقات الأرض جذباً للحظ العاثر، بالرغم من أنني لا أؤمن بالحظ أبداً. فأنا أكره الأماكن المزعجة والضيقة والمزدحمة بالناس، كان من الممكن لأبراهامز أن يرسلني لمكان منعزل وبعيد عن ضوضاء الحياة، ومن خبرتي مع عائلتي أعتقد بأنهم جميعاً سيُرسلون لمناطق يكرهونها أيضاً، تأثير حظي العاثر سيصلهم بالتأكيد.

العيش معهم هو أشبه بحلم تريد الاستيقاظ منه بسبب تهديد ما يجري وراءك، ولا تريد الاستيقاظ منه أيضاً لعدم واقعيتهِ الجاذبة والساحرة بهذا الخليط المتجانس من الاخوة. لسان ذهبي وتفكير منطقي راجح، قوة وسرعة فائقة يُعتمد عليها، سكينة مُسيطرة ومطببة لجراحنا، وبالطبع النقاء الذي لا أعلم إن كان قد جمع هذا الخليط وهو مدرك لمدى تناسقهِ وتآلفهِ.

المفقودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن