14 أب

12.3K 1.1K 802
                                    

لم أُحدّثك منذ فترة يا أخي، أنا آسف على ذلك ولكنني أعدك بألّا أقطع الوصال معك هكذا مرّة أخرى، أقف الآن أمام الباب مطوّلاً، أتمعّن بالتفاصيل الغير المهمة للنحت الخشبي، المربعات، الدوائر، الأقواس، أيّ شيء

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

لم أُحدّثك منذ فترة يا أخي، أنا آسف على ذلك ولكنني أعدك بألّا أقطع الوصال معك هكذا مرّة أخرى، أقف الآن أمام الباب مطوّلاً، أتمعّن بالتفاصيل الغير المهمة للنحت الخشبي، المربعات، الدوائر، الأقواس، أيّ شيء... يقف ورائي عدد لا بأس بهِ من الخدم والمرافقين ومستشاري الملكي الذي أتى بعدك أيضاً، عددهم يزيد كلّما مرّت السنوات، وكأنّهم يخافون عليّ من الهرب، لا أمانع ذلك، ولكنّني لا أحتاجهم، فقد أصبحت أعتمد على نفسي فيما يتعلّق بالتفاصيل الصغيرة فلا أريد خدماً لتغيير ملابسي، ولا أريد طعاماً بذخاً، ولا أريد أمسيات الموسيقى وليالي العمر، مادّيات خاوية لا تستطيع تحريك شيء فيني الآن.

أعتقد بأنّ عشرين دقيقة مرّت على وقوفي هذا، ولا أحد يعترض أو يقول شيئاً ما، عليّ أن أتوقف عن عادتي هذهِ، فالليل لن ينتظرني ليرحل، كم أمقت الليل، والفجر، والصباح، والمساء، أمقتهم جميعاً! ولكنّ الليل يحتلّ المرتبة الأولى. أرفع يدي نحو المقبض الدائري لتحطّ عليهِ ببطء، أصبحت بطيئاً في كلّ شيء، أشعر برِقاب الحشد من ورائي تتحرك نحوي على أملٍ أن أدخل الغرفة وأخيراً، ولكنني لا أتحرك، أقف في مكاني متمعّناً بالمقبض الذهبي، فلو أدرته وانفتح الباب سأرى السرير الصغير وقد تبعثرت أغطيته في الأنحاء، الستائر تهزّها الريح بقوّة، الشرفة المفتوحة على مصراعيها، وليليا... ملكتي، تحاول النهوض باكية، صارخة، وقد أصيبت قدميها، وأنا المتأخّر أقف عند الباب بجانبك أحاول استيعاب ما يحدث، وعندما أجمع تلك المناظر مع بعضها البعض أدرك ضالتي، ولا أدركها بنفس الوقت. أبدأ بالصراخ، بإلقاء الأوامر، برفع ليليا من على الأرض، بالركض كالمجنون وأنت ورائي، بركوب خيلي والليل يزداد سواداً، وعندما أحاول الصراخ باسمهِ للعالم، يثقُل لساني ويتردد، عقلي تشوبه غمامة سوداء، قلبي يضطرب ولا يهدأ، وأدرك بأنّني لا أستطيع تذكّر اسمه، لا أستطيع تذكّر اسم ابني الذي خُطف من حضن أمّهِ للتو...!

بدأت يدي بالارتجاف، لا أريد فتح الباب، ولكنّني أفعل ودائماً ما أخسر حرب الدخول هذهِ عند فتحهِ. أُغلق عيني ولا أفتحهما حتّى أُغلق الباب من ورائي محاولاً تجاهل الأصوات التي تتمنّى لي نوماً هنيئاً، فأنا لا أستحقّه كما لا أستحق أن يتمنّاه لي أحدهم، حتّى أنت يا أخي العزيز. أفتح عيني، وتتزاحم الذكريات في رأسي كما لو أنّها ستضيع إن لم تُعد نفسها مرّة أخرى لي، وبعد دقيقة من سماع دقّات ضرب قلبي المزعجة المتزامنة مع الذكريات القاسية، أراها...

المفقودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن