عقلية المجرمين

1 0 0
                                    

ذهبت مريم بودي الى اقرب مخبر في جيريفيل على الساعة السادسة و نصف مساءا من ذلك اليوم وقضت نصف ساعة هناك. و في طريقها الى مركز الشرطة لاحظت بان استحالة الطقس في الخريف من الاشياء التي تطبعه. و من جل الامور التي استطاعت ان تميزها خلال اقامتها القصيرة في هذه المدينة ان خريطة مناخ جيريفل لها خصوصية لا تجدها في ولاية اخرى ، خريفها متقلب جدا و مزاجي كقاطنيه يتميز بثلاث طقوس ، طقس صباحي ذو نسيم بارد ، و طقس الظهيرة الذي تتمركز فيه الشمس على طول السماء ، و طقس مسائي شاتٍ ، مكفهر شديد البرودة ماجعل اوصالها تتجمد مثل اللحم في الثلاجة. طوحت برأسها ناحية السماء لترى جماعة من السحب تهرول ناحية بعضها البعض كي تتكاثف مشكلة غيوم كبيرة ، بكت السحب بلا عيون ، و سيطرت عليها مشاعر الندم ، تحسرت لعدم اقتنائها معطف فرو يزودها بالدفئ في مثل هذه الاحوال. عند وصولها لمركز الشرطة لم تضيع ثانية واحدة لجمع سائر رجال البوليس المكلفين بالقضية في قاعة الاجتماعات التي كانت مطلية بالدهان الرصاصي ، الذي عادة ما يغزو غرف المرضى. قالت و هي تحدث نفسها (( لا عجب ان من يدخل مستشفى الامراض النفسية لا يطيب بل يزداد خبولا )) ، رؤية الرمادي لعدة دقائق كفيل بان يأخذك في رحلة عنواها الاكتئاب ، فما بالك لو كنت تراه على مدار اليوم لمدة تزيد عن اشهر. عدا اللون الذي جلب لها الاغتمام كانت القاعة عصرية و منظمة عكس باقي الغرف الأخرى التي مرت بها.

تعرف افراد الشرطة عليها مسبقا هذا ما اربحها وقت اضافي للدخول في صلب الموضوع ، قدمت شرح موجز عن مستجدات القضية و انطلقت تتحدث بصوت مرتفع :

- المجرم انسان عادي لكنه يتمتع بمهارة استثنائية و عبقرية في التلاعب ما يجعله يتمتع بعقل ماكر... رفعت احدى حاجبيها لتكمل ... يريد ان يراوغنا يضعنا في متاهة و هذا يفسر استخدامه للالغاز و الاقوال ... اشارت بكفها ناحية اللوح الاسود الطويل الموجود في جانبها الايسر و الذي كانت تتوسطه صورة للرسالة التي تركها المجرم في مسرح الجريمة ... يترك خلفه ملاحظة غامضة و غير واضحة ، يتلاعب بالالفاظ و يقلب سياقها. يحدثك عن الفضيلة لتكتشف انها صورة مموهة عن الرذيلة ، يحدثك عن الحياة الفاضلة لتكتشف انها الجحيم ... كانت تتحدث كقائد عسكري بارع يحاول كشف مخطط اعدائه و يوجه جنوده في استراتيجية ممتازة... يجب ان نقلب الادوار ان نجعله كالاعمى نراه ولا يرانا.

تكلم احد الضباط ذو شعر بني معتدل الخلقة ، توحي ملامحه بتفتح الذهن ، و كان اسمه و رتبته منقوشان على الجهة اليمنى من قميصه :

- هل ترتابين في احد ?

نظرت له مبتسمة ابتسامة غامضة و عيناها لا تفارقان لافتة اسمه :

- لو كانت لدي أي فكرة عمن يكون أيها الضابط دان لم نكن لنجتمع هنا اليوم ، عوضا عن ذلك كنت سأرسلك للقبض عليه... راحت تفكر قبل ان تتكلم من جديد.

سرقات متحف باردو - سادة التلاعبWhere stories live. Discover now