إمراة عجيبة

1 0 0
                                    


فتحت المحققة الخاصة عيناها على الضوء الساطع الذي ينساب من النافذة الزجاجية الضخمة ، كان الضوء قويا مثل المصباح المسلط على المشتبه بهم في غرفة المتهمين مما سبب لها الازعاج و جعلها تفرك عينيها مثل الصبي الذي توقضه امه للمدرسة و هوشبه نائم. لم تنم طويلا لهذا احست بالتعب اخذت بعض الثواني من الوقت كي تستعيد ادراكها من النوم فقد نسيت اين هي . هبت واقفة كالسلك الحديدي المجعد بعد ان لمحت الساعة التي كانت تشير الى التاسعة صباحا سمعت صوت قوي مزعج ذو ضوضاء تصم الاذان ، لتلمح من النافذة عجوزا في ابواب الثمانين من عمره ذو شعر ابيض يعتمر قبعة من القش و يقوم بجز العشب الضار من الحديقة مثلما يفعل الحلاق بشعر زبائنه لكن سرعان ما ينمو مجددا اسرع و اقوى. وقفت على أطراف أصابعها و هي تبتلع بأنفها نسيم الصباح البارد ، كان صباح خريفي بارد لكن ما عسانا نقول عن الخريف سوى انه طقس ذو تقاليد استثنائية ، تصوغ فيه الألحان و القصائد . الشمس كانت مفتوقة بفعل السحب كقالب الحلوى . أما الرياح الخريفية الصاقعة أبت إلا و ان تحرك الاشجار يمينا و شمالا كالأرجوحة بينما كانت الحديقة مثل سجاد اخضر لملعب الجولف ، منسقة على نحو جميل بأصناف الورود المختلفة. كان هناك طريق حجري طويل في وسط الحديقة يُمَكِن الناس و الخدم من المشي فيه حتى لا يدوسوا بأرجلهم فوق العشب. لمحت مدبرة المنزل و هي تخط برجليها الطريق تسير بخطى بريئة محملة بكيس من الورود المقطوفة حديثا من الحديقة بمجرد ان لمحتها عاودتها ذكريات البارحة تصعد كالدرجات في غرفة تفكيرها.

البارحة في منتصف الليل الا ربع ...

خرجت المحققة من غرفة الاستقبال متجهة الى غرفة نومها و ما إن ادارت راسها الى الجهة اليمنى حتى تصادفت مع الابنة الصغرى للكونت سكيل و هي آتية من ناحية الدهاليز المؤدية للباب الخارجي و الحديقة ، كانت تمشي بحذر مثل القطة كما لو انها لم ترد جذب الآذان نحو وقع قدميها ، نظرت حولها بارتباك مثل طفل مشاغب قام بعمل سيئ و خاف من ردة فعل امه ، صعقت الفتاة لما رأت المحققة قبالتها و راح وجهها يتلون باشكال قوس قزح بينما اتسعت حدقتا عيناها رعبا. ظهورها المفاجئ جعلها ترتعب ، قالت بعد ان اطلقت شهقة خفية واضعة كف يدها على قلبها جامدة في مكانها كالتمثال :

- اممم مساء النور أيتها المحققة .. لقد نزلت كي اروي عطشي .. هتفت بلسان متلعثم كي لا تعرض نفسها للضنون . هزت مريم بودي راسها في شك كبير و اضيقت زوايا عيناها و هي تفكر.. غريب .. ملابسها توحي بانها لم تنم بعد شعرها البني كان مغدونا و فمها مصبوغ باحمر شفاه شفاف. تفرست في شكلها بالكامل مما ادى بالاخيرة الى القفز فوق السلالم مسرعة نحو غرفتها لم تترك لها المجال لتتكلم .كانت السلالم الرخامية من النوع الضيق الذي يشق فيها السير و خصوصا الجري اما مريم بودي فقد عمدت على الارتقاء فيها كأنها فرس و هذا يدل على شيئ انها لم تكن تظن انها ستلتقي بأحد عند الادراج ، و الاعتقاد الجازم الذي لا يقبل التشكيك هو الذي تتبعه التجربة ، و ما يمكن ان نستنتجه انها ليست المرة الاولى و هي غالبا عادة اما المباغتة فجعلتها تتصرف بخطى غير مدروسة و بارتجال مما جعل عضلاتها تشتد. يكتسب الجسم الكثير من الطاقة عندما يباغث هذه حقيقة علمية قراتها في احدى المجالات الشهرية التي يطالعها مارشملو. لم تعرف مريم بماذا تفكر خصوصا انها لم ترد بعد ان توزع الشبهات منذ اليوم الاول لها في القصر ، لكن هذه المسالة لا تنافي استفسارها المطروح حول إمكانية كون هذه الفتاة هي الشخص الذي كان يتنصت للمحادثة بينها و بين مايز. لم يدم اسهابها طويلا كما لن يدوم رقاص الساعة على اتمام الدقيقة حتى اصغت الى وقع خطوات خلفها ، ادارت راسها بسرعة للوراء من فوق الدرج مثل الريح عندما يغير اتجاه الشراع لتشاهد مدبرة المنزل التي كانت على وشك ان تغير طريقها و تعود ادراجها عندما لمحتها تسمرت في مكانها كالقوس الذي يطلق لهدف معين حتى يستقر فيه نظرت بعينين مدهوشتين ووجهها فقد لونه عجزت عن المشي و انساب الخوف الى روحها كانها شلت لكنها استعادت رباطة جاشها و بادرتها بالقول كما لو انها غير واثقة في خطوتها التالية :

سرقات متحف باردو - سادة التلاعبWhere stories live. Discover now