الفصل الخامس عشر

132 8 23
                                    

خاطر، سعيد، بهيج

ارتشف كلا من ثلاثتهم نفساً عميقا من أرجيلته بصوت بدا كعزف جماعي بديع لفرقة مكونة من ثلاث أفراد جالسين على خط واحد

خاطر, سعيد, بهيج

كما كان يحلو لأستاذ اللغة العربية في صغرهم أن يدعوهم دائما بنفس الترتيب قائلا

"طرأ لي خاطر سعيد بهيج في سؤال كلاً منكم سؤالاً مفاجئاً قم أنت أولا يا خاطر!"

وكان يتنبأ لثلاثتهم بنصيب من أسمائهم

نفت الثلاث نفساً أعمق محملا بالدخان الأبيض رافعين رؤوسهم بكل فخر و إباء بإنجاز تلك الغيمة فوقهم

مرت السنوات و ها هم الثلاثة يجلسون في المقهى بمفهومها الحقيقي و ليست المقاهي المستحدثة الدخيلة من الغرب

بل هو مقهى بكراس خشبية معظمها مور و الأرض ذات مربعات ذابت من أقدام الأجيال العاطلة المتتابعة فوقها

مقهى ذو عبق، عبق الأدخنة و الأحلام المدموغة فوق تذكرة ذهاب بلا عودة

تكلم سعيد قائلا بعد أن سحب نفساً آخر ملأ صدره فسعل كاتماً نفسه قائلا وهو يلوح بعصا الأرجيلة

"أنت محظوظ والله يا خاطر، لكنك تأبى الاعتراف، ها أنا وقد تزوجت ما الذي حصلت عليه سوى المسؤولية و النكد و التفكير في مصاريف مدارس الأولاد اللذين لم يلتحقوا بالروضة بعد! احمد ربك كي لا تزول النعمة"

سحب خاطر نفسا عميقا دون أن يرد و دون حتى أن يلتفت إليه

هكذا هو سعيد دائما يهوى إنكار أي نعمة يحصل عليها و يظل يشكو الحظ التعيس

لن يبالغ و يقول أن سعيد قد حظى بمستقبل رائع لكنه على الأقل أفضل منه ومن بهيج

فقد ساعده والده في الزواج و البقاء معه في بيته بعد أن تزوجت شقيقته الوحيدة وخروجها لبيت زوجها

و فتح له مشروعاً عظيماً يهدف لخدمة البشرية متجر لبطاقات شحن الهواتف المحمولة, يجلس داخله طوال اليوم متكناً و كأنه يملك إقطاعية ابن من على رأسه ريشة دون إغفال وضع ذات الشهادة الجامعية في نفس الإطار المتفق عليه بالجملة

لكن ومع وضع ألف خط تحت كلمة لكن

أنه يأخذ كرامته معه كل يوم صباحاً وهو خارج من باب البيت لا يتركها تحت الوسادة

و هذا في حد ذاته يتوجب الشكر امتنانا عليه كل ساعة و كل لحظة

طفليه نعمة تزين الواقع القاتم على الرغم من سماجتهما و بكائهما المستمر فحين يقرر سعيد احضارهما معه, تتحول الجلسة الى بؤس و كآبة وبكاء و قسرا يتم التناوب بينه و بين بهيج على أرجحتهما في الأراجيح القريبة حتى يرتشف الإثنين المتبقيين الأرجيلة

رواية (ما حاك في القلب خاطر)  للكاتبة: تميمة نبيل~Where stories live. Discover now