36

4 3 0
                                    


أفاق (حمزة) من غيبوبته وفتحَ عَيْنَيه بصعوبةٍ وأخَذَ ينظر حَولَهُ فوجد وَالدَهُ جالسًا بجوارِهِ وتبدو على وجهِهِ آثارَ البُكَاء، و(مروان) يرقُدُ على فِرَاشٍ آخر يحدِّق في السقف وكأنَّه يتأمله فقال في وَهَن:
- ماذا حدث، وأين (زياد) و(أمل).
ابتسم والدُهُ فَرِحًا عند سَمَاعَ صوته وقال:
- حمدًا لله على سلامتك يابُني.
كرَّر ثانية:
- أين (زياد) و(أمل)؟
أجابه والدُه:
- لقد هَرَبَا، استطاعا الهروب قبل أن يلحق بهما رجال (آزريل).
- وماذا حدث لي، وأين نحن الآن؟
- لقد قام (آزريل) بعلاجك ووَضَعَنَا تحت الإقامة الجبرية.
- لماذا قام بعلاجي، ما الذي يدفعه للقيام بذلك بعد أن أوشك على التخلُّصِ مني؟
قال والده بترَدُّدٍ:
- لقد عقَدتُّ صفقةً معه، أن أقوم بالتنازل له عن زعامة العشيرة بشكلٍ رسمِيٍّ في مقابل أن يقوم بإنقاذك.
انتفض (حمزة) وجلس بصعوبة وقال:
- كيف تفعل هذا يا والدي، لقد قمت بإعطائه السيف الذي سيُسَلِّطُه على رِقاَبِ الجميع.
- لقد امتلك بالفعل هذا السيف يا ولدي منذ قيامه بتجميع قطع الصولجان في غفلة مني.
- ليس الأمرُ بهذِهِ البساطَةِ يا والدي، أنت بتنازلك له أعْطَيْتَهُ صفة رسمية يتفاوض بها مع باقي زعماء العشائر الخمس المحتجزون هنا أيضًا بطبيعة الحال، ولو استطاع الحصول على ولائِهِم فسوف ينجح في تكوين الجيش الذي يريده ليحقِّق حلمه المزعوم بتوحيد عالم الجان، وسيبدأ حربًا طاحِنَة سيُقتل فيها الكثير من بني جنسنا.
بدا الانزعاج على وجه والده وهو يقول:
- لم أفكر بهذه الطريقة يا ولدي، فمنذ أن رأيتك وأنت مُضرَّجًا بدمَائِك وأنا لم أفكر سوى في إنقاذك.
لاذ (حمزة) بالصمت وهو يستوعب مستجَدَّات الأمور ثم انتبه إلى (مروان) الذي لازال يحدِّق بالسقف ولم ينبس ببنت شفه فقال:
- هل أنت بخير يا (مروان)؟
لم يُجِبهُ (مروان) فنظر (حمزة) إلى والده الذي همس:
- يبدو أنه لازال مصدومًا يا بني، فهو لم يتكلم بكلمة واحدة منذ أن أفاق بالأمس.
كان (مروان) يستمع إليهما في صمت ولم يجد ما يدفعه إلى مشاركتهما الحديث، كان يسيطر على ذهنه فكرة واحدة ألا وهيَ (سمية)، مخطوبته التي لم يمهله الزمن سوى أسبوعين فقط بجوارها، هل سيتمكن يومًا ما من العودة إليها، وهل سيتمَكَّن يومًا ما من العودة إلى والدَيه، لم يفكر ماذا فعل (تابان) معهما ليقنعهما بغيابه عن المنزل، لقد كان يثق أنه سيستطيع إقناعهما بلا ريب، فهو يمتلك صورته وصوته، ولكن الأمور تغيَّرَت الآن فهناك تحالفات جديدة وأحداث جديدة ولن يلتفت أحد إلى البشريِّ التافِهِ الذي ترك حياته بأكملها وجاء لينقذ صديق عمره.
قاطع أفكاره صوت الباب وهو يُفتَح ودخل أحد الحرَّاس ليضع الطعام وهَمَسَ كي لا يتمكن أحد بالخارج من سماعه قائلًا:
- لقد أتي السيد (زياد) وقام بتسليم نفسه إلى السيد (آزريل).
قالها وانصرَفَ بسرعةٍ فاعتدل (مروان) في فراشه وقال في جزع:
- بيعمل إيه المجنون ده؟

ميثاقDonde viven las historias. Descúbrelo ahora