34

4 3 0
                                    

ارتسمت علامات الفزع على وجه (حمزة) بعد أن رأى الصولجان مكتملًا بيدِ عمِّهِ، كان يعلم أن عمَّه يبحث فقط عن القوة دون وضع اعتبار لأي شيء آخر، ولكنه لم يكن يتخيل بأي شكل من الأشكال أن يكون هو (شيمزاكيل).
حاول (حمزة) في محاولة بائسة الهجوم على عمِّه إلا أن الأخير ضغط مرة أخرى على الصولجان فتسمَّرت قدما (حمزة) في مكانه ولم يستطع التحرك وقال (آزريل) متباهيًا بانتصارِهِ:
- لقد كان (شيمزاكيل) هذا مجرد شيطان أخرق يسعى إلى نيل الطاعة من حفنة من سحرة البشر الأغبياء بما يمتلكه من قوة ومخطوطات قوِيَّة، ولم ينتبه يومًا إلى أنه يمتلك سر (صولجان الموت) في هذه المخطوطات، فلقد دوَّن (طيطائيل) طريقة إعادة الصولجان مرة أخرى عندما أطلقت الشياطين سراحه في عهد الملك (سليمان) لأنه لم يكن يمتلك الموارد الكافية لصنع غيره فلقد كان محاصَرًا تمامًا من قِبله، ولقد توارَثَت عائلته هذه المخطوطة مع غيرها من المخطوطاتِ جيلًا بعد جيلٍ فأُهمِلت ونُسِيَ قدرها، ولكن عيني لا تخطئ أبدًا مثل هذه القوة، فبمجرد أن شاهدتُها عرفتُ حقيقتَها على الفورِ وقَتلْتُ هذا الشيطان الأحمق واستوليت على مخطوطاته، ومن يومها وأنا أشيع تلك الشائعة عن (شيمزاكيل) حفيد (طيطائيل) الذي يسعى لامتلاك الصولجان مرة أخرى، وقمت بتجنيد الكثير من الأتباع من جميع طوائف وعشائر الجن وحتى الشياطين أنفسهم وكلهم يعرفونني باسم (شيمزاكيل) الشيطان الأحمق الذي قتلته، ولكن هذا جاء بنتيجة لم تكن في الحسبان وهي أن جميع العشائر قاموا بإخفاء قطع الصولجان الخاصَّة بهم بعد أن كانت مكشوفة وسهلة السرقة، وفي الوقت الذي بدأتُ فيه أن باليأس من معرفة أماكنها، قام هذا الأخرق بابتكار هذه البوابة، وقدَّم لي هدية على طبق من ذهب، فبعد أن أقنعتُ زعماء العشائر بإخفائها في عالم البشر وضعت من يتعقب كل عشيرة لمعرفة أين يخفون قطعهم، وبالفعل استطعت الحصول عليها جميعًا ولكن بالطبع لم أستطع إعادتها إلى هنا مرة أخرى، حتى ظهر حفيد (سعد) وكانت هذه هي فرصتي الكبرى، وبدلًا من أضيع وقتي في اكتشاف مكان القطعة السادسة، أخذت أبحث عن طريقة لتجاوز دفاعات (حمزة) و(جمال)، وبالفعل نجحت في هذا وأحضرت القطع، ومن خلال مذكرات (جمال) أدركت مكان القطعة قبل أن يتمكن البشر من ذلك، وأصبحت أمتلك قطع الصولجان كاملة بالإضافة إلى طريقة إعادة بناءه.
ثم نظر إلى (حمزة) وتابع:
- ولم يخطُر ببال ابن أخي العبقري الذي يُحَضِّر لهذه المعركة منذ سنين طويله أنني أمتلك بالفعل قوة إعادة بناء الصولجان، ولقد قُمتُ بهذا بالطبع بعد أن عثرت على القطعة الأخيرة دون انتظار.
ونظر إلى أخيه الملك وقال: لم يكن من المفترض أن يكون الأمر بهذا الشكل، كان من المفترض أن تكتشف اليوم خيانة ابنك وتقوم بتنصيبي وليًّا للعهد بدلًا منه بعد مطالبة أغلب الحاضرين بهذا، ثم تموت بطريقة سريعة كنت سأحرص على ألا تشعر معها بأي ألم، ثم آتي أنا لتوحيد عالم الجن بالقوة بعد أن تفرَّقوا على أتفه الأسباب.
ثم التفت إلى (مروان) وقال:
- إلا أن خيانة هذا البشري الحقير جعلتني أكشف أوراقي مبكرًا، دون انتظار أن ينقضي حكمك الضعيف.
وأشار إلى (مروان) بالصولجان فارتفع عن الأرض قليلًا وشعر بألمٍ رهيب يعتصر صدره فأطلق صرخة ألم قوية، فحاول (زياد) أن يركض إلى صديقه ليدفع عنه، إلا أن (أمل) أمسكت ذراعه لتمنعه وقالت:
- مش هتعرف تعمل له حاجة.
حاول إفلات ذراعه من يدها إلا أنها قالت:
- هتروح تموت معاه يعني؟!
أدرك أنها على حق ولكنَّه يرى أن الموت مع صديقِهِ أفضل من أن يتركه للموت دون أن يحرِّك ساكنًا، ثم قال فجأة:
- تعالي معايا.
كانا لا يزالان في الشرفة بعيدًا عن نظر (آزريل) فتسلَّق سياج الشرفة القصير وساعد (أمل) على تجاوزه وقفزا معًا، وتسلَّلا إلى بوابة القصر الرئيسية وأخذَا يعدُوَان إلى غرفة (زياد) والأخير يقول في حنق:
- ماشي يا (مروان)، بتتفق مع (حمزة) من ورايا، ده أنا هقتلك، هنقذك الأول بعدين أقتلك.
قابلا في طريقهما أحد الحراس الخائفين يعدو هاربًا من القصر فقال له (زياد):
- أحتاج إلى سلاحك.
تخلَّى الحارس عن سلاحه دون كلمة وفرَّ هاربًا بعد أن علم بما يحدث في القاعة الرئيسية فسألته (أمل):
- هتعمل إيه؟
دلفا إلى الغرفة وهو يقول:
- زمان البرنامج خلَّص بحث هناخد الرموز ونحاول نعمل سلاح مضاد.
قالت في حماس:
- فكرة عبقرية.
جلس (زياد) إلى الحاسوب وقال:
- تمام، البرنامج خلَّص فعلًا ولقى الرموز.
وأخرج ورقة وقلمًا وكتب فيها الرموز بنفس ترتيب الترددات الموجود في ورقة جده بحيث يكون كل رمز في الورقة التي تشرح طريقة عمل الصولجان يقابلها الرمز الذي يصدر التردد الذي يقوم بالتشويش عليه وأحرق الورقة ووضع عليها القليل من الماء وكتب بها الطلسم الذي قام الحاسوب بابتكاره على جميع أجزاء سلاح الحارس الهارب وقال:
- خليكي هنا وأنا هروح أدي ده لـ(حمزة)، معرفش طريقة استعماله.
- لا طبعًا هاجي معاك.
قال في صرامة:
- لا مش هتيجي طبعًا، انتي هتخليكي هنا مش عارفين الأمور هتتطور لإيه.
قالت في عناد:
- هاجي معاك.
كاد أن يصرخ بها فتابعت بسرعة:
- هاجي معاك أو هستناك لما تمشي وأحصَّلك، تختار إيه؟
قال في حنق:
- طيب بس خليكي بعيد.
أخذا يعدُوَان مرة أخرى تجاه باب القصر ووصلا إلى الشرفة وقال لها:
- استني هنا.
كادت أن تعترض فتابع:
- مش وقت عناد.
وافقت على مضض فتسلَّقَ الشرفة وما إن دلف إليها حتى التفت إلى (أمل) وقال:
- ماردتيش عَلَيَّا؟
قالت في حيرة: أرد على إيه؟
قال بابتسامة لا تتناسب إطلاقًا مع الموقف:
- هتدِّيني رقم أبوكي علشان أخطبك منه ولا أسيب (آزريل) يموتنا كلنا؟
قالت في دهشة:
- نعم، انت مجنون، احنا في إيه ولا في إيه؟
وقف مكانه ولم يتحرك وقال بإصرار:
- هتديني الرقم ولا لأ.
قالت بنفاذ صبر مصطنع:
- هديهولك، هديهولك يا مجنون، خرَّجنا بس من الموقف ده وهديلك اللي انت عاوزه.
قال في فرح:
- دلوقتي بقى الواحد يروح يواجه (آزريل) وهوَّ متطَّمن.
صرخت في جزع:
- تواجه مين، انت تِدِّي السلاح لـ(حمزة) وتهرب.
لم يسمعها وهو يتسلَّل في خفة من خلف كرسي الملك، ولمح صديقَهُ وهو ملقىً على الأرض بلا حراك، وما إن اقترب من (حمزة) حتى نادى عليه وألقى إليه السلاح بقوة وقال:
- البرنامج خلَّص.
فهم (حمزة) على الفور ما يعنيه فالتقط السلاح وأخذ يتمتم بكلمات غير مسموعة فتوهج الحجر الزجاجي في أعلاه وتحرر من سلطة (آزريل) واستعاد تحكمه في نفسه واتجه نحو عمه الذي قال في سخرية:
- هل تظن أن هذا السلاح يكفي لإيقافي؟
لم يجبه (حمزة) وإنما أخذ يتقدم تجاه عمه الذي بدأ يرتبك ويضغط على الصولجان ليوقف ابن أخيه ولكن لم يحدث شيء.
ظلَّ (حمزة) يتقدم والقطعة الزجاجية أعلى السلاح تتوهج بقوة حتى انطفأ الحجر الأحمر أعلى الصولجان تمامًا وفقد (آزريل) قدرته على التحكم في أي شيء.
نظر الجميع إلى (حمزة) في ذهول وقال (آزريل) في فزع:
- كيف استطعت القيام بهذا؟
- إنهم البشر الذين طالما احتقرتهم يا عمي، هم من قاموا بكشف مصدر قوة الصولجان وقامو بصناعة سلاح مضاد له، وقاموا بهدم أحلامك التي تحلم بها منذ أكثر من قرن من الزمان.
قالها ولكمه بعنف لكمة أوقعته أرضًا وأفلتت الصولجان من يده وهو يقول:
- لقد كنت أعلم أنك خائن منذ زمن، ولكن اتضح الآن أنك أسوأ أنواع الجن، أسوأ من الشياطين أنفسهم، أي جني هذا الذي يقهر عشيرته وجنسه ويجعلهم يعيشون في هذا الرعب خائفين من خطر يهدد حياتهم وحياة أطفالهم.
ثم جلس فوق صدرِه وأخذ يلكمه لكمات متتالية ولم يتَدَّخل أحد نهائيًا لإنقاذه منه.
حتى أخيه الملك كان يشعر بالأسى تجاهه ولكنَّهُ لم يتدخل حتى بعد أن وقف (حمزة) ووجه سلاحة إلى عمه وقال:
- أظن أننا لن نحتاج بعد الآن إلى محاكمة يا جلالة الملك، لقد اعترف بجرائِمِه كلِّها والتي عقوبة أقل واحدة منها هي الموت.
لم يعترض الملك (عدنان) ولم يعترض أحد من الحاضرين فَهَمَّ (حمزة) بضربه بسلاحه إلا أن صاعقة ضوئية أتت من خلف الصفوف لتصيب سلاح (حمزة) وتحطِّم القطعة الزجاجية أعلاه، وعلى الفور استعاد حجر الصولجان الأحمر توهجه مرة ثانية فالتقطه (آزريل) وضغط جانبيه بسرعة فاندفع (حمزة) من مكانه كأن قوة خفيه ألقته في الهواء لتدفعه أربعة أمتار إلى الوراء، والتفت الجميع إلى مصدر الصاعقة فإذا بـ(زكرياء) يمسك بسلاحٍ صغير ويقول للملك: هل كنت ستترك ابنك الأحمق هذا ليقتل أخاك، أي ملك أنت يا (عدنان)؟
قال الملك في فزع:
- وأي أحمق أنت لتساعد هذا الخائن ليعثو في الأرض فسادًا بهذا السلاح.
قام (آزريل) مرة أخرى وقال لـ(حمزة):
- أخشى أن البشر خاصتك لن يساعدوك بعد الآن يا ابن أخي.
قالها وأطلق صاعقة قاتلة تجاه (زياد) الذي وقف متحجرًا في مكانه ولم يستطع حتى الهروب وأغمض عينيه في انتظار الموت المقترب.

ميثاقWhere stories live. Discover now