23

2 3 0
                                    

أزَالَ (زياد) غطاءَ الفِرَاش الذِي علَّقَهُ على القضبان الحدِيدِيَّة ليستتِر به وهو يغتسل ويرتدى الرداء النظيف الذي أحضَرَهُ له الجني ذو الوجه الغاضب، وأدَّى ما اعتقد أنه فاتَهُ من صَلوَاتٍ أثناء فقدانه لوعيِهِ، وبعد أن أنهى صلاتَهُ أخذ يدعو الله أن يُنَجِّيه وأصدقائِه من هذا العالم وأن يعيدهم لعالمهم سالمين.
جلَسَ أرضًا بجوار الجِدَارِ الحديدي ولفتت انتباهه النقوش المرسُومَة على القضبان، كانت هناك رموزٌ وطلاسِمٌ منقوشَةٌ بشكلٍ حلزونِيٍّ بطول كل قضيب.
وهنا انتبه (زياد) إلى أمر لم يلحظه من قبل، وهو أن المسافة بين القضبان الحديدية واسعة بدرجة ملحوظة، حتى أنه يمكنه محاولة المرور منها، ليست واسعة للغاية ولكنه يستطيع أن يحاول دفع نفسه دفعًا حتى يَمُر، وانتبه إلى أمر ما، وهو أن الجن قادرين على التشكل وتغيير أحجامهم وهذه القضبان ليست مُعَدَّة لاحتجاز بشري لأنه ليس من المعتاد أن يأتي البشر لعالمهم لإلقاء السلام والعودة مرة أخرى، فهذا أمر خاص بعائلته فقط، لذلك فهم لم يهتموا بالمسافة بين القضبان بقدر اهتمامهم بالرموز والطلاسم القادرة على احتجاز الجن خلف القضبان، وبالتأكيد هذه الطلاسم لن تمنعه هو كبشري.
ولكن ذلك الحارس لن يتركه يحاول بالتأكيد، وعلى افتراض أنَّهُ نجح في المرور هل سيستطيع الهروب من هذا المكان، لقد قال الجني الغاضب أنهم في جبل ما، فكيف سيَهرُب من منطقة جبلية بدون أن يلحق به خاطِفُوه؟
قال محدِّثًا نفسه:
- كده كده بايظة، عدِّي انت بس من الزنزانة دي الأول وبعد كده ربنا يفرجها، ومش هتخسر حاجة لأنهم محتاجينك سليم علشان يبدلوك بالراجل اللي عاوزينه، سمِّ الله بس ووزَّع الحارس ده.
وصاح مناديًا على الحارس:
- كابتن، انت يا حاج، انت يا حضرة العفريت.
نظر له الحارس بعدم اهتمام وقال:
- ماذا تريد.
- الميه خلصت وأنا بستحمى وعاوز اتوضى.
- ألم تتوضأ وتصلي الآن.
- نقضت وضوئي وعاوز أصلي تاني، في قوانين هنا بتحدِّد عدد الركعات.
اتجَّهَ الجني صوب الزنزانة وفتح بابها وأخرج البرميل الفارغ وتأكد من إغلاق الباب بإحكام وذهب ليملأ البرميل بالماء، فانتظر (زياد) لدقيقتين بعد خروج الجني ووَضَعَ جانبه بين قضيبين من قضبان الجدار وقام بدفع جسده بأقصى قوته، وأخذ يحاول الانزلاق بين القضيبين، فاحتَكَّ موضع جرحه بالقضيب الحديدي فأطلق صرخة ألم مكتومة ولكنه لم يتوقف حتى استطاع المرور بصعوبة بالغة.
اتجه نحو البابِ مباشرةً وأخَذَ يَتَفَقَّد المكان، كان الظلام يُخَيِّم على المكان، والذي هو عبارة عن جبلين متقابلين تملأهما العديد من الشقوق كالَّذِي خَرَجَ منهُ تَوًّا. وهي شقوق اصطناعية على الأرجح لكونها متساوية بدرجة كبيرة، ويعلو كل شق منهم مشعل أو مشعلين ويبدو أنه وراء كل شق توجد حجرة كالتي بها زنزانته الصغيرة.
حدَّدَ بعينيه سبيل النزول لأسفل الجبل، وبدأ في التسلل تحت جنح الظلام.
كان يتسلل بهدوء ويعبر أمام الشقوق في خفَّةٍ حتى لا يوقظ أحدًا. وبالفعل اقترب من أسفل الجبل وكاد يصِلُ لنهايتِهِ حين سمع صوت أحدهم يصرخ:
- أوقفوا البشَرِي، إنه يحاول الهروب.
نظر إلى مصدر الصوت فوجد الحارس الذي ذهب ليملأ برميل الماء فتمتم في سخط:
- لحق يملا البرميل وييجي بسرعة كده، شغل عفاريت صحيح.
ظهر أمامه فجأة ثلاثة من الحراس حاول أن يعبر من بينهم في سرعة مستغِلًّا حجمه الصغير بالنسبة إليهم إلا أن الرجل الغاضب ظهر فجأة من خلفهم وأمسَكَهُ من رِدَائِهِ ورفعه عن الأرض كما يمسك الرجل بالطفلِ الصغيرِ.
حاول (زياد) أن يتمَلَّص منه ولكِنَّهُ أحكَمَ قبْضَتَهُ على ردائه فأمسك بقرنيه وجذبهما بقوة جعلت الرجل يُفلِتهُ ويصرُخ في ألم.
نهض سريعًا وأخذ يركُض نحوَ أسفَلِ الجبل إلا أن الرجل الغاضب اندفع نحوه بقوَّةٍ أسقطتهما أرضًا سوِيًّا وهو يقول
-إلى أين تظن نفسك ذاهبًا، ستؤذي نفسك أيها الغبي، أنا أحاول ألا أعاملك بقسوة فلا تضطَّرَّنِي إلى هذا.
تأكد (زياد) من فرضيتِهِ حوْلَ أنه يريدُهُ سالمًا ليستطيع مبادَلتَهُ بوالده، فبَثَّت هذه الفكرة في نفسه الأمل، ولكَمَ الرجل في أنفه بكل ما أوتي من قوة وحاول أن ينهض، إلا أن الرُّجل لطَمَه على موضع الجرح مما جعله يستلقي أرضًا ثانية ويصرخ في ألم فجَلَسَ الرجل الغاضب فوقه وقد زادَت ملامح الغضب على وجهه وبدا أنه سينفجر في وجه (زياد) وقال:
- من الواضح أنك لن تستسلم بسهولة.
وضم قبضَتَهُ وأرجع مرفقه إلى الخلف وهمَّ بلكمِهِ في قوة، إلا أن يد أحدُهُم أمْسَكَتْ مِرفَقَهُ بقوَّةٍ وقال صاحبها:
- تبًّا لك يا (يورقان)، أهذا ما أوْصَيْتُكَ به، أن تحفظْهُ سالمًا وتُكرِمَهُ، لقد كِدتَّ تقتله أيها الأحمق.
كان (زياد) قد أغلَقَ عينيه خوفًا عندما رأى قبضة (يورقان) وهي تكادُ تصطدِمُ بوجْهِهِ وهو يجثُم فوقَهُ مَانِعًا إيَّاهُ من الحركة، ولكنَّهُ عندما سَمِعَ ذلك الصوت أصابتهُ الدَّهشة وفتح عينيه ليتحقَّق من صاحِبِهِ وصَاحَ في دهشَةٍ:
- (حمزة)!!


ميثاقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن