٨

15 5 1
                                    


نَظَرَ الصَّدِيقان إلى بعضهما البعض وحدَّقا بالممرض في دهشة إلى أن استَوْعَبا الأمرَ فقال (مروان):
- معلش يا أستاذ (حمزة)، ولا يا حضرة الجني الكبير، مش عارف الألقاب عندكم عاملة إزاي، بس أنا كنت متوقع حاجة مخيفة شويتين، مش الفنان (حسن الرداد) في فيلم زنقة الستات.
- مين قال لك إن الجن مخيفين أوي كده، احنا بس مختلفين، في منِّنَا الحسَن وفي مننا القبيح، وبردو في مننا المخيف علشان ماتزعلش، بس انت فاهم طبعًا إن ده مش شكلي الحقيقي.
قال (زياد): آه طبعًا عارفين، وعارفين بردو إن شكلك الحقيقي مقارب للشكل البشري اللي انت بتتشكل بيه.
اتسعت ابتسامته أكثر وهو يقول: واضح إنك قريت المذكرات كلها.
أجابه (زياد): أكيد طبعًا، وإلا مكنتش هضطر إني أبقى قاعد بتكلم معاك دلوقتي.
- يا خبر، ده انت زعلان مني خالص!
- مش موضوع زعلان، موضوع إن أنا راقد هنا زي ما انت شايف بسببك انت وجدي (جمال) الله يرحمه، إيه اللي يدخلنا إحنا في صراع عندكم بقاله أكتر من ألف سنة؟
- الحقيقة يا (زياد) إن الصراع أطول من كده بكتير، وكمان ده ميخُصِّناش لوحدنا، الصراع ده لو الطرف التاني كسب فيه هيضُر البشر زي ما هيضُر الجن تمام.
- إزاي يعني؟
- القوَّة ليها تبعات والسيطرة بتستدعي تضحيات، والتضحية بالبشر موجودة من آلاف السنين وبتزَوِّد مردة الجن والشياطين بقوة رهيبة بتخليهم غير قابلين للهزيمة تقريبًا، يعني علشان (شيمزاكيل) يقدر يسيطر، هيحصل تضحيات كتيرة في عالم البشر هيقوم بيها أتباعه من البشر.
ثم تابع: طبعًا أنا هشرح لك كل حاجة بالتفصيل، بس اللي لازم تعرفه دلوقتي إن أنا مش عدُوَّك، وإن أنا عاوز مصلحتك وعاوز أخرَّجك من الحرب اللي انت شايف إنك مالكش دخل بيها.
- أو عاوز تستعملني علشان تعرف مكان القطعة اللي أنا معرفش هِيَّ فين، وبعد كده مش هيفرق معاك إيه اللي يحصل.
سكت (حمزة) قليلًا ثم قال وهو يحاول إخفاء غضبه:
- هل تعلم أنك مثل والدك تمامًا؟
قال (زياد) بغضب: أظن والدي عمل أكتر حاجة صح في حياته لما رفض إنه يتعامل معاكم، فمظُنِّش إنك تعرفه علشان تقول أنا زَيُّه ولا لأ!
- مين اللي قال إن والدك ماتعاملش معانا؟
- عمتي أكِّدت الكلام ده، وأعتقد إني هصدقها أكتر منك.
- ده حقيقي، والدك رفض يتعامل معانا تمامًا، ودي أكتر حاجة ندم عليها في آخر سنة من عمره، لما فهم إنه لازم يتعامل معانا علشان يقدر يحميك، بس بردو للأسف حتى لما اتعاملنا كان بيتعامل بشروطه الخاصة اللي مقِدرِتش توفر له الحماية الكافية.
- قصدك إيه؟
- قصدي إن لو والدك اتعامل معانا من بدري كان هيبقى عنده اللي كان محتاجه في إنه ينهي اللي جدك بدأه، وكان هيوقف باب شر ملحقش جدك الله يرحمه يقفله، وماكانش اتقتل هو ولا والدتك.
بدأت نظرات القلق على وجه (مروان) تزداد وهو يراقب احتقان وجه (زياد) الذي قال في انفعال:
- بس أنا والدي ووالدتي ماتقتلوش، همَّ ماتوا في حادثة عربية، يعني قضاء وقدر.
- كل اللي بيحصل في الدنيا قضاء وقدر، بس محَدِّش قالك قبل كده إن والدك كان ماشي وسط العربيات بسرعة عادية ومخبطش في أي عربية تانية ومع ذلك العربية اتقلبت بيه.
- انت بتستغل عدم معرفتي حاجة عن الحادثة علشان توصل لحاجة معينة أنا مش فاهمها.
- أنا لا أكذب يا (زياد)، الكذب صفة قبيحة، والاتهام بها بدون بينة أقبح، لو قريت مذكرات جدك (جمال) كنت هتعرف ده، أنا ممكن أخبِّي جزء من الحقيقة لو اضطريت لكده، ولكن إذا نطقت فلا أكذب.
سكت (زياد) قليلًا ثم قال بصوت متهدِّج: لو كان كلامك صحيح، مين اللي قتلهم؟
- انت أذكى من إنك تسأل سؤال زي ده، أنا كنت متوقع إنك هتسأل ليه؟
- الشيطان اللي بيجمع القطع الستة، صح؟
- صحيح، ثم اقترب منه ووضَعَ يده على كتفه وقال بلهجة صادقة:
- أنا مش عاوز منك غير إنك تتعامل معايا على إني صديق، وأنا أقسم لك أني مش هعمل أي عمل يكون فيه ضَرَر ليك.
نظر (زياد) إلى صديقه الذي أومأ برأسه قائلًا: أظن إننا مش هنخسر حاجة، نسمع القصة ونعرف هو عاوز إيه، ونقرَّر بعد كده؟
قال (زياد): ماشي بس علشان نكون واضحين، جو المختار وانت الوحيد اللي تقدر تخلَّص الحرب اللي بقالها أكتر من كام ألف سنة، الحوار بتاع فيلم ماتريكس ودراجون بول ده، متزعلش مني أنا مش هصدقه.
- أنا صحيح مُطَّلع على ثقافتكم وحضارتكم بشكل وثيق بس بصراحة معرفش مين اللي انت بتقول عليهم دول، وكمان فعلًا انت الوحيد اللي تقدر تخلص الحرب، بس مش لإنك المختار ولا حاجة، ده لإن معاك المفتاح.
- المفتاح الوحيد اللي سابهولي والدي كان مفتاح شقة عمتي.
ضحك (حمزة) وقال:
- كده أنا مضطر أحكيلك من الأول، ولكن ائذنا لي أن أتكلم بعربيتي فتكلُّف لهجتكم العامية أمر مُتعب.
قال (مروان):
- اتفضل اتفضل، احنا متعودين عليها من سبيس تون.
لم يُعِرْهُ (حمزة) أي انتباه والتفت إلى (زياد) وقال:
- بسم الله، أنت تعلم يا (زياد) بأن الأمرَ بدأ بالنسبةِ لعائلتِكَ عند تعارفي على جدك في الأراضي الزراعية، ولم يكن هو الوحيد من الإنس الذين تعارفت عليهم ونشأت بيني وبينهم صداقة وثيقة، فأنا عمري أكثر من مائة وثلاثون عامًا، فلقد عاصرت عهود الملوك في بلادكم وحروبًا شرسة وصراعات دموية في بلاد أخرى، كنت ألعب دور المشاهد والمحلل، وكان قومي يرَوْن أن ما أقوم به سذاجة، فبدلًا من أنتبه لدوري كابن زعيم العشيرة وولي عهْدِهِ، قُمتُ بإضَاعةِ وقتي في عالمٍ ليس بعالمي، وبالطبع كان هناك أحد المستفيدين من هذا الوضع وهو عمي (آزريل) الذي ظل يشجِّعني على تعلم فنون الطلاسم بجميع أشكالها، كنت في مثل سنِّكُم اليوم قليل الخبرة كثير الحركة فلم أفطِن لبواطن الأمور، كان يريد أن يشغلني بأي شكل عن الانتباه لأمور العشيرة وكان يشيع في كل مكان أنني شابٌ مُترَف لا أتحمَّل المسؤولية، فقد كان هو ولي العهد قبل أن ينجبني والدي العقيم في عمر المائتين وعشرين بعد تجربة جميع أنواع العلاجات المعروفة وغير المعروفة، ولم يكن يُتوقع بأي شكلٍ من الأشكال أن ينجح في إنجاب وليًا للعهد، المهم أنه علمني علم الطلاسم فقد كان كثير الخبرة بها، وشجَّعني على التعارف على البشر حتى قابلتُ جدَّكَ الأكبر.
كان (جمال) حالة فريدة، تعلَّقَ بي بسبب إنقاذي له واكتسب ثقتي واحترامي عند إنقاذِهِ لي، كوننَّا رابطًا من الصداقة فريدًا من نوعه، ازداد قوة حينما توفت زوجته عليها رحمة الله، كان يحبها حبًا جمًّا لم أعتد أن يُكنه البشرُ لبعضهم البعض، فلقد رأيت في جنسكم خداعًا وخسَّةً أكثر بكثير مما رأيت من الحب والشهامة.
تنحنح (مروان) وقال:
- إيه يا حضرة العفريت، انت جاي تهزأنا بقى.
تجاهل (حمزة) التعليق وتابع:
- كان هذا حتى تعاملت مع جدك (جمال) كان بالنسبة لي كما قلت شخصية تستحق الدراسة، وفاؤه لزوجتِهِ حتى بعد موتها جعل احترامي له يزيد يومًا بعد يوم، وكنت أشعر أن من واجبي كصديق أن أقدم له يد العون في محنته، أما عندما طلب مني تعلم الخدع كما كان يلقِّبُها وبدأت في تعليمه فن الطلاسم بالتدريج فقد أثبت بالفعل أنه حالة فريدة، لقد كان يتعامل مع الأمر بفراسةٍ وذكاءٍ لم أعهده على أفضل علمائنا، وكأنه كان يتعامل معه منذ نعومة أظفاره، حتى (آزريل) نفسه كان مندهشًا من الطلاسم الجديدة التي يبتكرها، وهذا ما أهَّلَنا لابتكار البوابة، والتي كانت بداية الأمر الفعلي، البوابة يا (زياد) هي أصل البلاء، كنا نحاول استكشاف الأمر والغوص فيه ولم نُعِر اهتمامًا لما ستجلبه لنا هذه البوابة من متاعب، حاولت مع أبي جعل الأمر سرًا، إلا أن إشاعة أنه يمكن نقل الأشياء المادية إلى عالم الإنس انتشرت كالنار في الهشيم، وحاول العديد من كبارِ الجنِّ تجربة الأمر شخصيًا، حتى (آزريل) نفسه قام باختبار البوابة والتقى جدك الأكبر وأثنى عليه ثناءً شديدًا وعرض عليه الانتقال إلى عالمنا والعيش فيه كأحد الملوك إذا قَبِل بمساعدتنا في طلاسم الأسلحة.
نظر (مروان) إلى (زياد) وقال:
- قشطة يا عم، كنت هتتولد بقرون.
ضحك (زياد) وقال موجِّهًا كلامه إلى (حمزة):
- وطبعًا جدي (جمال) رفض.
- بالطبع، كان عرضً ساذَجًا، ولكن كعادة (آزريل) لم يستطع أن يُفلت مهارة فذَّة كمهارة جَدِّك دون أن تبقى تحت ناظره، كان يعتبره سلاحًا وأراد أن يُبعِد هذا السلاح عنِّي بأي شكل من الأشكال، لذا كان يتحتم علينا إما إغلاق البوابة أو تدميرها، كان (آزريل) يريد وضعها تحت حمايته وأراد استصدار أمرًا من مجلس الرأي بهذا، ولكنني استَبَقْتُهُ مع جَدِّك وقُمنا بإغلاقِ البوابة تمامًا وتدميرِ كلَّ الأوراقِ التي كانت تحتوِي على معلوماتٍ حول كيفية إنشائها وجعلنا لها مفتاحًا لا تفتح إلا بدونه.
- والمفتاح ده المفروض إنه معايا؟
- ليس معك يا (زياد) بل بداخلك، البوابة لا تُفتَح إلا بقطرة من دمي أو نسلي من الذكور من جانبنا وقطرة من دم (جمال) أو نسلِهِ من الذُّكُورِ من جانبكم، البوابة لن تفتح بدونك يا (زياد).
بدت علامات الانزعاج على وجه (مروان): وقال إيه الهبل ده؟
بينما قابل (زياد) الخبر بهدوء وقال:
- علشان كده بتقول إن أنا الوحيد اللي ممكن أنهي الصراع ده؟
- هذا جزءٌ، إنما هناك جزءٌ أكبر وأهم، فبعد إغلاق البوابة ومع تحركات (شيمزاكيل)، اقترح (آزريل) نقل قطع الصولجان الست إلى عالم الإنس، ولاقت الفكرة استحسان الجميع لأنه لن يتوقع أحد نقل القطع خارج عالمنا، وبالفعل تم نقل القطع ولأني أصبحت لا أثق في عمِّي قط فقد طلبت من (جمال) إخفاؤها عني شخصيًا وألا يُعلِم أحدًا بمكانها سواهُ ونسلَهُ الذي سيقوم بمهة إخفائها من بعده.
- طبعًا اللي هو أنا.
- للأسف انقطعت السلسة عند والدك، حيث إنك كنت صغيرًا جدًا عند وفاة جدك (سعد) ليأتمنك على هذا السر، وبالطبع والدك لم يقبل بحمل القطعة أو بمعرفة مكانها، وهو ما يعني أن القطعة الآن في مكان مجهول حتى أنت لا تعلمه.
- طيب طالما انت عارف كده، يبقى إيه أهميتي بالنسبة ليكم؟!
- الأهمية الكبرى لك، وهي ما تجعل أغلب أفراد الجان مستعدُّون لحمايتك، هي أنه حينما تعرَّض بيتكم للهجوم على يد أتباع (شيمزاكيل) قبل أن تولد أنت، قمنا بتدبير العديد من التحصينات للبيت ولأفراد الأسرة فيما عدا والدك بالطبع فلقد رفض تمامًا الخوض في هذه الأمور، وقرَّر الرحيل، ولكننا كنا على علم أن هذا الأمر لن ينتهي ببعض التحصينات فعكفتُ وجَدُّك على محاولة اكتشاف طريقة لتدمير قطع الصولجان بشكل نهائي، موقنين أن هذا هو السبيل الوحيد لإنهاء هذا الصراع، فإن لم يكن هناك صولجان فلن تكون هناك حربًا من أجل استعادة قطعِهِ، وهذا سيؤدي بالتأكيد لإخراج عائلته من هذا الصراع، وبالفعل اقترب جَدُّك كثيرًا قبل سجني من ذلك، ولكننا نعتقد أنه توَصَّل بالفعل في فترة سجني إلى تكوين سلاح مضاد يستطيع تدمير القطع.
سأل (مروان): سجنك، هو انت سوابق لا مؤاخذة؟!
وسأل (زياد): قصدك إيه بإنك تعتقد إنه توصل لتكوين سلاح مضاد، انت مش متأكد إن كان توصل ليه ولا لأ.
تجاهل (حمزة) سؤال (مروان) وأجاب سؤال (زياد) قائلًا:
- للأسف تلك الفترة انقطع الاتصال بيني وبين جَدِّك لأنه في الهجوم الذي حدث لمنزل عائلتك حدث أكثر من هجوم آخر.
- تقصد الهجوم اللي حصل في الأماكن اللي مخبيين فيها قطع الصولجان الباقية؟
نظر إليه (حمزة) بإعجاب وقال:
- لا أعلم بالضبط كيف حصلت على هذه المعلومة ولكنَّك محق، والكارثة أن (شيمزاكيل) حصل على القطعِ الخمسِ الأخرى، وثارَت عشائر الجن الأخرى واتهمونا بأنها لعبة لنسيطر على باقي قطع الصولجان فأصبح لابد من وجود شخص ما يتحمل المسؤولية أمام جميع العشائر التي فقَدَت قطعها، ولأن عمي هو صاحب فكرة إبعاد القطع إلى عالم الإنس كان من الطبيعي أن يتحمل هو اللوم، ولكن لأهميته لدى المجلس وسَطوَته عليهم فقد أشاع أن البوابة هي السبب فيما حدث منذ البداية وأن من قام بإنشائها هو المسؤول الأوحد عما حدث، والذي هو أنا بالطبع، فتم الاتفاق على تقييد حركتي في بيتٍ معزولٍ عن القصر -ما تسمونه بالإقامة الجبرية- حتى تمر الأزمة، والإعلان أمام باقي العشائر عن حبس ولي العهد لتسبُّبِه في فقدان قطع الصولجان، وهكذا نجح عمي في إبعادي تمامًا عن الصورة وحاول الوصول إلى (سعدٍ) والتفاوُضِ معه بشأن البوابة، والتي كان يراها بمثابة سلاح لابد له أن يُحكِم سيطرته عليه.
قال (مروان):
- وعمَّال تقولِّي جنسنا مليان خسة وخداع وانت عمك سجنك مكانه ولعب معاك الدنيئة.
تجاهله (حمزة) كعادتة وتابع:
- وبالطبع وافقت على هذا الوضع لتجنب أزمة كبرى كانت ستؤدي إلى حروب طاحنة بين عشائر الجن المسلمة، ولوجود ضمانات أن هذا الأمر لن يطول وسأعود خلال فترة قصييرة لقصري وموقعي في المجلس.
- ودي الفترة اللي توَفَّى فيها جدي.
- للأسف، ولأن جدك لم يثق في أحد قط من الجن سواي، فقد قام بتحصينك بهذا الشكل المبالغ فيه، ولم يجعل لأحد من الجن إمكانية الوصول إليك إلا رجلًا واحدًا كنت قد عيَّنتُه له قبل سجني، ولم يكن من المتاح بالطبع تمكيني من الوصول إليك نظرًا لأنه يحتاج في ذلك إلى قطرة من دمي، لذلك يجب أن تفهم أن عدم تمكيني من الوصول إليك سببه عدم مقدرة جدك (سعد) على القيام بذلك وليس بسبب عدم ثقته بي، لقد قام جدُّكَ بإخفاء ما توصل إليه بشأن تدمير قطع الصولجان واشترط عليهم أنه لن يتعامل إلا معي، ولكنه توفى قبل أن يتمكنوا من إطلاق سراحي بدون أن تثور عليهم باقي العشائر.
- بردو مش فاهم إيه علاقة ده بيَّ؟
- الحقيقة يا (زياد) أن جدك (سعد) لم يكن فقط متفوقًا في علم الطلاسم، بل إنه كان متفوقًا أيضًا وبشِدَّة في وضع الألغاز، وكتابة مايريد إيصاله وسط السطور، فلقد ترك لي سلسلة من الرموز المتفرقة في أكثر من مكان والتي استطعت منها التوصل إلى مكان صندوق توجد به نتائج هذه الأبحاث.
- واضح إن الموضوع وراثة، بس معنى كده إنك لقيت اللي انت عاوزه.
- المشكلة تكمن الآن في فتح الصندوق يا (زياد)، فالخلاف بين والدك وجدِّك لم يسمح لجدِّك بتمكين والدك من فتح الصندوق. وإلا كان الأمر عبثًا لا فائدة منه، فلم يكن بيدِهِ حيلَةً إلا أن يمكِّنك أنت من فتح الصندوق ويجعل الأمر بيدك، إن أردت خوض غِمَار الأمر فلك اختيارك وإن لم ترِد فلن يستطيع أي فرد من الجن إجبارك على هذا.
- وطبعًا الموضوع مش محتاج ذكاء كبير علشان أعرف إنك محتاج نقطة دم تانية مني علشان تفتح الصندوق.
ضحك (حمزة) وقال:
- هذا صحيح، كنت أعلم أن الذكاء صفة متوارثة في عائلتكم.
قال (مروان) في قلق:
- ذكاء إيه؟! هو أنا لوحدي اللي شايف إن موضوع الدَّم الكتير ده مش منطقي وخطر، ولا في حد تاني شايف كده معايا؟
أجابه (حمزة): الدم في عالمنا هو وسيلة إثبات الشخصية المعتادة، كالبصمات لديكم.
قال ساخرًا: طبعًا أنا فرحان إنك ردِّيت عَلَيَّا علشان أنا بدأت أحس إن أنا مش قاعد معانا هنا، بس كان عندي سؤال، بالنسبة للبطايق، موصلتش عندكم؟
تجاهله (حمزة) مرة أخرى فتابع (مروان) متسائلًا:
- طيب إيه علاقة (إبراهيم الوكيل) بالموضوع ده كله؟
تساءل (حمزة): من؟
- الراجل اللي كان عاوز يشتري البيت.
- تقصد التابع؟
قال (مروان) و(زياد) في وقت واحد باندهاش:
- التابع؟!
وتابع (مروان):
- انت ممكن تبقى مش فاهم وضع (الوكيل) ده عندنا إيه، كلمة تابع دي أبعد حاجة ممكن يتوصف بيها، ده ملياردير، وهو اللي عنده تابعين كتير.
- ومن أين له برأيك بتلك المليارات؟
- عادي، ناس كتير أغنيا، وعندهم شركات ومصانع، مش شرط يعني يكونوا بيتعاملوا مع الجن.
- ولكن من الواضح أن هذا يتعامل معهم، فعلى الأرجح أنه كوَّن ثروتَهُ من خلال التعاوُنِ مع (شيمزاكيل) وإلا ما الذي سيجبره على تنفيذ أوامرِهِ، يجب أن تعلَمَا كِلاكُما ما يمُرُّ بكما بوضوح، هذا (الوكيل) ما هو إلا مجرد تابع لـ(شيمزاكيل)، هو من أمرَهُ بشراء المنزل، وهو من أمَرَهُ بعد ذلك بعدم شرائه، فهو ينفذ الأعمال القذرة التي لا يستطيع أفراد الجن القيام بها، كالاقتراب منك ومحاولة شراء منزلك مثلًا، فجميع أفراد الجن سيعلمون بمجرد رؤيتك أنهم لن يستطيعوا الاقتراب منك، أما الإنس فهم قادرون على ذلك، لذا فالتصرف المنطقي لـ(شيمزاكيل) هو أن يحاول الوصول إليك عن طريق أتباعه من الإنس، وبالطبع هؤلاء الأتباع ليسوا بعض المشعوِذِين والدَّجَالين كما تتخيَّل ولكنهم في الغالب أثرياء ورجال أعمال حصَلُوا على ثروتهم في الأساس بتعاونهم الآثم مع شياطين الجن.
- يعني (إبراهيم الوكيل) هو اللي اقتحم البيت؟
- لا، من اقتحم المنزل هم أتباع (شيمزاكيل) من الجن وقام حرَّاس الميثاق بالتصدي لهم.
تساءل (زياد):
- حراس الميثاق؟
- الميثاق هو العهد الذي قطعته أنا وجدك (جمال) بالدماء بأن نكون نحن مفتاح البوابة ولا نسمح لأحد بالعبور إلا إذا تيقنَّا أنه لن يضر كلا العالمين، وأن أتكَفَّل بحمايتِهِ من أفراد الجن هو وعائلته ونسله، طالما تمكَّنْتُ من ذلك.
- طيب لو هو بيدور على القطعة الناقصة من سنين، إيه اللي أخَّره في اقتحام البيت لغاية دلوقتي؟
- لأنهُ أُشِيعَ يوم مَقْتَل والدَك أنَّهُ كان ينقل قطعة الصولجان، لذلك حدث الهجوم عليه لاعتقادِهِم أن القطعةَ معه، وهي معلومة خاطئة لأن والدك لم يكن يعلم بمكان القطعَةِ من الأساس، وخلال تلك السنين كان الجميع يبحث عن القطعة في مكان الحادث، منطقة تُدعَى المقطَّم، وهي مساحةٌ واسعةٌ للبحثِ، كما أنها مزدحمةٌ للغايةِ، ولم يستطع أحد العثور عليها بالطبع، لذلك بعد هذه السنين عادوا إلى المربع رقم صفر وبدأوا يبحثون مرة أخرى في منزل البوابة، وعندما هاجمهم حراس الميثاق انتبه (شيمزاكيل) إلى وجودك.
كرَّر (زياد) العبارة في تساؤل:
- انتبه إلى وجودي!
- نعم، لقد طلبتُ من الرجل الذي سمح له جدك بالاقتراب منك أن يقوم بإخفائك من مكان الحادث فور علمي بما حدث، وأن ينتظر قدوم خالتك إلى المشفى الذي أُحضِرَ إليه والداك بعد الحادث ويخبرها أنه أخرجك من مكان الحادث، وأشعنا خبر مقتلك لئلا يبحث عنك أحد، بالطبع لم يكن بمقدوري أنا القيام بذلك لعدم تمَكُّني من الاقتراب منك لهذه الدرجة، وكان يمكن أن أرسلك إلى عمَّتِك لتختَفِيَا معًا إلا أنني عاهدتُ جَدَّكَ على إخفاء أمرها عن الجميع بما فيهم الجني الذي كان يحملك.
- طيب وإيه اللي خلاهم ينتبهوا لوجودي، مش كده كده حراس الميثاق دول هيحموا المكان.
- صحيحٌ، طالما أن صاحِبَي الدم أحياء، ولكن إذا مات أحدَهما فمن البَدِيهِيِّ انقضاءِ العهد، ولكن هجوم الحرَّاس لفت الانتباه إلى وجود فردٍ متبقٍ على قيد الحياة من نسل (جمال) هو السبب في عدم انقضاء العهد، وهذا ما دفعني إلى الظهور مرة أخرى وطلبت من زوج خالتك إرسالك إلى (الإسماعيلية) لتطَّلع على محتويات الصندوق ولتكتشف وجود عمتك لأستطيع التواصل معك من خلال شخص يثِق بي وتثِق أنت أيضًا به، وأيضًا لأُعْلِم مجلس الرأي بطريقة غير مباشرة بوجودك على قيد الحياة وإلا كانوا سيمضُون قُدمًا في تدمير المنزل والبوابة.
- تدمير المنزل، ليه يا عم هو بيت أبوهم؟
- هو بالنسبة إليهم مصدر خطر، خاصَّةً بعد هجوم أتباع (شيمزاكيل) على البيت للمرة الثانية.
سأل (مروان): طاب هو ليه كان عاوز يشترى البيت وبعد كده غيَّر رأيه؟
أجابه حمزة: بعد أن اكتشف (شيمزاكيل) وجودك، قام بتحديد مكانك على الأرجح من خلال تابِعِهِ، وطلب منه شراء المنزل لأنه بقيامك ببيعه فأنت تتنازل عن حق ملكِيَّتِك للمكان بدون موافقة الطرفِ الآخر وبالتالي أنت تعتبر خائنٌ للعهْدِ، وعلى الأرجح سيقوم حرَّاس الميثاق بالفَتْكِ بك، وبالتالي سينقضي العهد وتزول حمايتهم للمكان، فيستطيع البحث عن القطعة في المنزل دون خَطَر.
نظر (مروان) إلى صديقه وقال مفزوعًا:
- يعني لو (زياد) كان باع البيت، كان حراس الميثاق دول هيقتلوه؟
- بالفعل يا سيد (مروان)، ولهذا توجَّب عَلَيَّ التدخل بسرعة وإرسال طلبي مع السيدة (فكرية) إلى (زياد) برغبتي في مقابلته.
سأل زياد:
- طاب هو ليه مخلَّاش (إبراهيم الوكيل) يقتلني مباشرة بدل اللف والدوران ده.
- لا يستطيع، فحراس الميثاق سينبتهون أيضًا إلى علاقةِ التابع بسيدِهِ وسيقُومُونَ بالفتك بـ(شيمزاكيل) جرَّاء اعتدائِه على أحد طَرَفَي الميثاق.
- طاب لما حراس الميثاق دول جامدين أوي كده، ليه مبتخلوهمش يقضوا على (شيمزاكيل)؟
- الأمر ليس بهذه السهولة فحراس العهود وخدام الطلاسم مخلوقات من الجن أقوياء جدًا لدرجة أن الجميع يخشاهم، ولكنهم ليسوا طرفًا في أي صراعٍ، هم فقط يحرصُون على خِدمة الطلسم المكَلَّفين بخدمته، وهم على الأرجح من قاموا بتحطيم الجهاز الذي كان بحوزة صديقتكم العالمة لإخافتها ولإبعادها عن غرفة البوابة، وطالما لم نكتشف طلسمًا ما يستطيع قتل (شيمزاكيل) الذي لا نعرف هيْئَته ولا موقعه لأنه حتى الآن يدير الصراع متخفِّيًا فلن نستطيع توجيه قوة حراس الطلاسم إلى قتله، وهو يعتمد على هذا كُلِّيًا لكونِهِ ليس مُحصَّنًا بنفسِ القوةِ التي كان سلفه (طيطائيل) مُحَصَّنًا بها، فهو ليس في نفس قوته.
- طاب وهو رجع في كلامه ليه في موضوع إنه يشتري البيت؟
- لم أتبين بعد هذا النقطة، ولكن أخشى أنه يريد استخدامه في فتح البوابة بدلًا من تدميرها، لهذا قمنا بإجراءات لحماية المكان في كلا العالمين.
- أفهم من كده إنك كل اللي عاوزه شوية دم مني تفتح بيهم الصندوق.
أجابه (حمزة):
- للأسف الأمر ليس بهذه السهولة.
سأل (مروان) متهكمًا:
- ليه مش سهل يا حضرة العفريت، انت مش قلت إنك محتاج دم من (زياد) علشان تقدر تفتح الصندوق؟
أجابه (حمزة): الصندوق الآن بحوزة والدي الملك (عدنان)، وبفضل الأحداث الأخيرة التي أخبرتُكُم بها وبفضل عمي (آزريل) أيضًا أصبح والدي لا يثق بي، حتى أنه استبعدني من المجلس ليتخذَّ قرارًا بتدمير البوابة ولكن (آزريل) استطاع أن يؤجِّل هذا القرار.
- هو مش عمَّك (آزريل) ده الراجل الشرير في القصة؟
- بالطبع لا، صحيحٌ أنَّهُ يتصَرَّفُ وفقًا لمصالحه الشخصية وأيضًا وفقًا لما يراه لصالح العشيرة طالما أنه لن يتضَرَّر، وصحيح أن تصرفاته وقراراته ينقصها الأخلاق، ولكنه بالتأكيد حريصٌ على مصلحةِ العشيرة.
قال (مروان):
- شرير أي كلام يعني.
تابع (حمزة):
- الإشكالية الآن تكمُن في أن أبي لن يعطي هذا الصندوق لأي أحد أيًا كان سواء أنا أو عمي أو أي شخص آخر، ولابد لنا إن كُنَّا نريد فتحه أن نفتحه تحت ناظره.
قال (زياد):
- طيب هسْحَبْلَك شوية دم في سرنجة وتفتحلهم الصندوق براحتك.
- سيفسد الدم بمجرد عبوري به البوابة، والتي يجب أن نُفَعِّلها سويًا.
انتفض (مروان) من مكانه قائلًا:
- إوعي يكون اللي بفَكَّر فيه صحيح، انت عاوز (زياد) ييجي معاك عند أبوك في العالم بتاعك.
أجابه (حمزة) ساخرًا: ما شاء الله عليك، نابغة.
وتابع ملتفتًا إلى (زياد):
- طبعًا هذا إن وافق السيد (زياد)، مع كل الضمانات التي يريدها لضمان سلامتِهِ.
قال (مروان) منفعلًا:
- انت بتهَرَّج صح؟
والتفت إلى صديقه وقال:
- طبعًا (زياد) مش هيوافق على التهريج ده.
امتنع (زياد) عن الرد وعيون الرجلين معلَّقة به وقال بعد فترة من الصمت:
- انت متأكد إن الصندوق ده هيخلَّص الموضوع نهائي، يعني مش هيطلع في مصيبة تانيه انت مخبيها.
- بالطبع لن أستطيع أن أجزم تمامًا بهذا الأمر، ولكني أعتقد هذا بشكل قوي.
قال (مروان):
- يعني احتمال، وحتى لو أكيد، أنا لا يمكن أسيبك تاخد الخطوة دي، (زياد) انت أعقل من،
قاطعه (حمزة) بصرامة:
- اتركه يُفكِّر ويقرر بنفسه، أنت لن تفهم ما يمر به ولن تعرف أين توجد مصلحته.
صاح (مروان) بانفعال:
- وانت بقى اللي فاهم اللي بِيْمُر بِيِه، وبتدَّور على مصلحته، ياترى مصلحته هو ولا مصلحتك انت؟
ارتسمت علامات الغضب على وجه (حمزة) وهو يقول:
- أنت تتهمني اتهامات باطلة و،.
"أنا جاي معاك"
قاطع (زياد) شجارهم بهذه العبارة، فالتفت إليه (مروان) قائلًا بغضبٍ:
- أنا مش هسيبك تروح معاه، أنا هكلم الحاج (سليمان) وهكلم خالتك وهخليها تمنعك ولو بالقوة، طالما صاحب عمرك مش كفاية.
- لا مش هتكلم حد، وأنا عارف إني أقدر أعتمد عليك في الموضوع ده، أنا لازم أخلَص من الكابوس ده بأي شكل، وبعدين ماتنساش إن جدو (سعد) كده كده محصنني من هجوم الجن.
تنحنح (حمزة) وقال:
- للأسف يا سيد (زياد) لابد أن تعلم أن هذا التحصين لن يَصْلُح في عالم الجن، فهذه القوانين تسري في عالمكم فقط.
صاح (مروان) في حدة:
- كمان، هاه يا عم (زياد) لسه مصَمِّم بردو؟
- لن تحتاج إلى هذا التحصين من الأساس فأنت ستكون تحت حمايتي وحماية الملك (عدنان).
نظر (زياد) إلى صديقه قائلًا:
- بيتهيألي حماية ملك العشيرة وابنه كافيين إنهم يطمنوك، أنا هروح معاه يا (مروان) مش لأني عاوز أروح، لا، لأني مش شايف حل غير كده.
ارتفع صوت آذان الفجر مُدَوِّيًا:
- الله أكبر الله أكبر،
كان (مروان) ينظر إلى (زياد) نظرة غضب صامتة استمرَّت طوال فترة الآذان، وما إن انتهى حتى أشاح بوجْهِهِ عنه وقال:
- انت حر.
قال (زياد) لـ(حمزة):
- إن شاء الله أول ما أتحسن شويه وأرَتِّب أموري، هنتكلم، أنا خلاص عرفت أناديك إزاي.
قال (حمزة): بالنسبة للتحَسُّنِ فلقد حقنتُك بدواءٍ سوْفَ يُشْعِرُكَ بالتحسنِ إلى حدٍّ كبيرٍ، وهو نفس الدواء الذي طلبت من أحد الممرضين أن يحقنك به فتحسَّنَت حالتُك بشكل كبير واستعدت الوعي سريعًا على عكس ما أخبَرَ به الأطباءُ أهلَكَ، لِذا حاول أن ترتب أموركَ الأخرى وتستدعيني عندما تكون مُستعدًا، ولكن يوجد أمرٌ آخر يجب أن تعلمه.
علَّق (مروان):
- أكيد مصيبة تانيه.
تجاهله حمزة كعادته وقال:
- البوابة لا يُعَاد فتحُها إلا بعدَ مرُورِ سبعة أيام، كانت هذه إحدى الاحتياطات التي وضعها (جمال) عند إغلاقنا لها.
لم يستطع (مروان) مُوَارَاة سخَطِهِ وهو يقول:
- يعني سعادتك هتروح تقعد هناك أسبوع منعرفش عنك حاجة، وهنقول لخالتك إنك بتصيِّف في عالم تاني، ده كلام ناس عاقلين؟
قال (زياد):
- ماشي يا (حمزة)، في حاجة غير كده؟
- لا، لا يوجد، ثم نظر إلى (مروان) وقال:
- السلام عليكم.
قالها مُغادرًا الحجرة و(مروان) يتمتم في سره:
- وعليكم السلام يا دكتور.
ونظر إلى (زياد) قائلًا:
- تعرف انت إيه اللي حقنك بيه ده، هوَّ دكتور علشان يديلك دوا؟
- أكيد مش حاجة هتضرني، هو محتاجني سليم لو أخدت بالك، وبعدين في الغالب هو ده الدوا اللي حسِّن حالتي وفَوَّقني.
- أنا مش عارف انت بتفكر إزَّاي، بس اعمل حسابك إن أنا مش هسيبك تروح لوحدك، رجلي على رجلك لغاية لما نشوف آخرتها إيه معاك انت وصاحبك العفريت ده.
- مش هينفع يا (مروان)، لازم تفضل هنا وتاخد بالك من أهلي وأنا مش موجود، مش هبقى متطَّمن عليهم وأنا وانت مش موجودين.
هز رأسه غير مقتنعًا وقال:
- قوم نصلي الفجر طيب وصلِّ استخارة يمكن ربنا يهديك.
وساعده على النهوض ليتوضأ ووقفا ليصليا الفجر معًا، وعندما انتهيا من أداء الصلاة تركه (مروان) ليصلي صلاة الاستخارة، داعيًا الله أن يصرفه عن هذا القرار الخطير.

***********

ميثاقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن