14

10 3 0
                                    

جلس (مروان) على أرِيكَةٍ خشبية فاخرة تعلوها نمارِقٌ حريرية ناعمة، وأسقط رأسه على ظهرها مُغمضًا عينيه مسترجعًا ما مرَّ به من أحداث.

كان قد أُصيب بالذُّعر من فكرة انتقاله إلى الجانب الآخر من البوابة، إلى عالم الجن، إلا أن نظرة منه إلى (أمل) التي فقدت وعيها أنسَتْه ذعره وأوقدت داخله شعورًا بالذنب، فهو من أحضرها إلى هنا وهو يعلم أن المكان خطِرٌ للغاية، لم يكن يخطر بباله بالطبع انتقالهما عن طريق الخطأ مع (زياد) و(حمزة)، ولكنه كان يعلم أن (زياد) على وشك العبور، كيف لم يفكر حين رأى الأضواء الساطعة أن هذا جزء من عملية العبور؟!

حاول هو و(زياد) إفاقتها إلا أن ذلك الملعون أخبرهما أن ذلك بفعل المهدئ وأنها ستستيقظ خلال ساعات قليلة.

بل إنه بلغ من الوقاحة أن يعرض عليهما تناول هذا المهدئ حتى لا يفزعا عند الانتقال في شوارع المدينة وهم في طريقهم إلى القصر، ومما زاد حنقه أن (زياد) عرض عليه هو أيضًا تناوله معلِّلًا ذلك بأنه متعب الأعصاب؛ هكذا يراه صديقُهُ الصَّدُوق الذي ترَكَ عملَهُ وبيتَهُ محاولًا إنقاذه من هذا الشخص المريب، يراه شخصًا غير قادر على السيطرة على أعصابه.

رفض بالطبع في كبرياء، فأحضر (حمزة) ما يشبه المحفة لنقل (أمل)، فوضعا (أمل) عليها وحملاها إلى الخارج، كان المنزل نفسه مختلفًا بشدة عن الغرفة، كان منزلًا حجريًا ذو بوابة خشبيةٍ كبيرةٍ تضيئُه مصابيح نارية معلقة على الجدران، وكأنه أحد البيوت في مدينة ما في العصور الوسطى، كان ينتظرهم خارج المنزل أربعة من الجن يحملون عصًا حديدية طويلة أشبه بالحراب القديمة ولكنها تحمل أعلاها قطعة زجاجية دائرية.

حملا (أمل) إلى عربة معدنية فخمة إلى أبعد الحدود، ذات تصميم أنيقٍ راقٍ لا تشاهده حتى في الأفلام الخيالية، وتُجَرُّ بواسطة حيوان ما أشبه بالحصان ولكنه أضخم وذو لونٍ فضِيٍّ متلألئٍ وتعلوه بعض الشعيرات الرمادية، وذيله كثيف الشعر.

استوعبت العربة المحفة بسلاسة، وركب (مروان) و(زياد) و(حمزة) بجوارها، كان المكان من الداخل أشبه بغرفة في فندق ذي خمس نجوم، ستائر حريرية ناعمة، وأرائك وثيرة ومريحة للغاية، ومكان مخصص للمشروبات.

الشوارع ممهدة بطريقة ما لم يستطع تبينها، إلا أنه لم يشعر بأي ارتجاج أثناء سيرهم بالعربة.

لم يُجب أسئلة صديقه طوال فترة سيرهم بخصوص إن كان بخير أم لا، فقد كان يشعر بالحنق الشديد عليه هو وصديقه الجني الذي يسير وراءه كالمغَيَّب حتى أوردهم هذا المكان الغريب.

وصلوا إلى ما يدعونه بالقصر والذي هو أشبه بقلعة حجرية ضخمة بمجرد أن اجتازوا بوابتها الخارجية رأى مسجدًا كبيرًا ذا طرازٍ معماريٍّ عتيقٍ وقبابٍ كثيرةٍ ومأذنتانِ طويلتانِ يتعَدَّى ارتفاعهما ضعفي ارتفاع القصر تقريبًا.

لا شك أن رؤية هذا المسجد أعاد إلى نفسه بعض الطمأنينة، وأزال الكثير من التوتر الذي يشعر به، فهو في النهاية ليس في عالمٍ من الشياطين كما كان يتخيل.

دخلوا من بوابة القصر إلى ردهةٍ حجريةٍ واسعةٍ مُزَيَّنة بالعديد من الزخارف والأعمدةِ الحجريةِ المليئةِ بالنقوش، وصعدوا درجًا حجريًا مصقولًا مغطى بسجادٍ فاخرِ ذي ألوان زاهية، انتقلوا من خلاله إلى ممرٍ له نفس الطابع وفتح لهم (حمزة) أحد الأبواب الخشبية دخلوا من خلاله إلى غرفة واسعة تملأ جدرانها الزخارف وعلى أحد جدرانها نُقِش بشكلٍ احترافي بعض الآيات القرآنية، وفي نهاية الغرفة يوجد فراشٌ وثيرٌ ذو وساداتٍ ناعمة وضعا عليه (أمل) وقاما بتغطيتها، وطلب (زياد) من (حمزة) أن يتركهم لحين استيقاظ (أمل)، ومضت دقائق وقف فيها (زياد) متحيرًا بين صديقه الصامت و(أمل) الفاقدة لوعيها ثم سأله:

- هتفضل مبتتكلمش كده كتير؟

- وهيفرق كلامي معاك في حاجة، كده كده بتعمل اللي انت عاوزه ومبتسمعش كلام حد غير صاحبك العفريت، المهم دلوقتي هنعمل إيه مع (أمل)؟

- هنستنى أما تفوق ونشوف رد فعلها إيه؟

قاطعهما صوت (أمل) التي أفاقت لتوِّها وجلست على طرَفِ الفراشِ وهي تقول متأملة جدران الحجرة:

- هو احنا فعلًا زي ما قال العفريت ده في عالم الجن؟

التفت (زياد) و(مروان) إليها في سرعة وقال الأول:

- للأسف انتي جيتي انتي و(مروان) في توقيت غلط واتنقلتم معانا عن طريق الخطأ.

- والكائن اللي كان واقف معاك ده عفريت فعلًا؟

- كلمة عفريت دي مش دقيقة أوي، هو جني، والجن فيهم أنواع كتير، هشرح لِك طبعًا كل حاجة.

نهضت من مكانها في نشاطٍ لا يتوافق مع كونها استفاقت من غيبوبة لِتوِّها وقالت في حماسٍ:

- تمام، أنا عاوزاك تشرح لي كل حاجة، إزاي قدرتوا تفتحوا البوابة دي، وإزاي اتواصلت معاه أصلًا، ياريت كان معايا أجهزتي كنت قدرت أقيس ترددات البعد ده، أكيد البوابة دي هِيَّ السبب في الترددات اللي قيستها هناك، أنا لازم أتكلم مع أكبر عدد منهم وأفهم كل حاجة عن العالم ده، ياريت التليفون بتاعي كان معايا علشان أسجل حوارات معاهم.

نظر (مروان) و(زياد) إلى بعضهما البعض مندهشين من رد فعلها وهمس (مروان):

- دي طلعت هبلة.

قال (زياد): بس يا حيوان.

ثم نظر إلى (أمل) وتابع:

- إهدِي بس كده وطمنينا، انتي كويسة.

- آه طبعًا كويسة، أنا ممكن أكون أول واحدة تيجي المكان ده، أكيد طبعًا هكون كويسه، المشكلة بس إن بابا هيقلق عَلَيَّا جدًا ومش عارفه ممكن أطمنه إزاي؟

- لو على دي متقلقيش، هنشوف (حمزة) يخلِّي أي حد يتواصل مع والدك، وتحاولي تخترعي أي حجة ممكن تقنعه.

قالت في حماس:

- جميل، هنقابل (حمزة) إمتى بقى؟

نظر (مروان) و(زياد) ثانية إلى بعضهما البعض، ثم انفجر كلاهما في الضحك، مما جعلها تشعر بالإحراج وهي تتطلع إليهما وتقول:

- هو أنا قلت حاجة غلط؟

ميثاقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن