الفصل الثالث والثلاثين ( لم نعُد نلوم الغرباء، فالمقربون فعلوا الأسوء )

3.9K 281 961
                                    

شعر بلال بإرتخاء جسده، لدرجة جعلته غير قادراً على الوقوف، وكأن قدميه أعلنت إنهزامهما كما قلبه، قلبه الذي شعر بوجعه، وشعر ببكاءه كطفلٍ صغير، لم تعلن قدميه فقط الهزيمة، بل خانته عيناه عندما لمعت بالدموع إستعداداً للهبوط ومشاركة باقي أعضاءه ذلك الوضع، الذي جعله عاجزاً تماماً عن التفكير، والتحدث، وكأن تلك الكلمة التي تلفظ بها ما هي إلا بكلمة هاربة من وسط الكثير من الكلمات المربوطة:

-" إزاي ".

بكت شادية وهي تضع يدها على صدرها عندما شعرت بألمه على مظهر صغيرها وهي تراه بذلك الضعف لأول مرة، كذلك عابد الذي تحدث قائلاً برضا رغماً عن الكثير من الإضطرابات من داخله:

-" إنا لله وإنا إليه راجعون، ربنا يخلف عليك بالخلف الصالح يابني".

ليقترب منه هاشم الذي جثى على رُكبتيه من جانبه، يربت على ظهره وهو يتحدث بنبرة لينة حاول بها التخفيف عنه ولو قليلاً:

-" قول الحمدلله يا بلال، مراتك بخير الحمدلله، إن شاء الله ربنا هيعوض عليكم، لو كان خيراً لبقى".

كان بلال مازال ينظر للفراغ من أمامه بأعينه الواهِنة وهو يستمع لحديثهم بالكاد، حتى إستمع إلى صوت بُكاءِها، ليرفع رأسه ينظر حوله بتيه، حتى لاحظ غياب كلاً من والدتها وولاء، سُرعان ما نهض ليتجه نحو الغرفة، حتى وجد والدتها تأخذها بين أحضانها وهي تبكي بقوة، لتُلاحظ وئام ولوج بلال، حتى خرجت من أحضان والدتها وهي تنظر له بأعيُنها المُستنجدة به، وكأنها تنتظر إقترابه منها لتسأله عن حقيقة ذلك الأمر لكي يكذبه لها، ولكي ترتمي بأحضانه المُطمئنة لها من بعد ذلك.

من وسط نظرات أعينها الباكية والمُستنجدة المُنتظرة له، لم تُلاحظ نظراته هو النارية لها، حتى أقترب منها بخطواته الهادئة، كادت وئام أن تتحدث من بين شهقاتها المُرتفعة وهي تنظر له برجاء مُنتظرة منه الحديث، ولكنه أقترب منها أكثر ليمسك بفكيها بين يده بقوة وهو يتساءل بنبرة غاضبة:

-" إيه إللي حصل، أنطقي قولي عملتي إيه".

حاولت والدتها إبعاده عنها، ليدفع بلال يدها بقوة وهو ينظر لها قائلاً بنبرة غاضبة:

-" محدش ليه دعوة، أطلعي برة".

سُرعان ما عاد بنظره إلى وئام، التي كانت تنظر له بخوف، وصدمة سيطرت على معالم وجهها ووسع عينيها اللامعة، ليقترب منها بلال وهو يتساءل بنبرة أكثر غضباً من وسط معالم وجهه الغاضبة:

-" حصل إيه يا وئام، أنطقي".

بكت وئام أكثر وهي تُحاول الإبتعاد عنه بعدما لاحظت غضبه منها لتلك الدرجة، حتى كادت أن تعود بظهرها للخلف مُبتعدة عنه، ولكنه باغتها بفعلته عندما قام بسحبها من شعرها، يقبض بأصابعه جذور شعرها بقوة جعلتها تصرخ بألم وهو يتساءل بنبرة تملكت منه:

عُمارة آل نجم.Where stories live. Discover now