الفصل الثالث عشر

46 6 4
                                    

ما تلك الرائحة !
تمتم آدم بانزعاج أثناء دخوله للقصر بعدما قضى الليل عند ماركوس مستغلاً مهاتفة ماركوس له ليطمئن عليه بأنه وصل للقصر فصاح آدم بقلق مصطنع :
ماذا تقول حسناً لا تقلق سأكون عندك خلال نصف ساعة .
وأغلق الهاتف ونهض يرتدي ثيابه بسرعة وأخبر آفاق بأن ماركوس مريض ويريده أن يأتي ويحضر له طبيب .
أنتِ انتظري .
ناده فتاة أثناء خروجها من المطبخ فالتفتت ترمقه بتعجب حينما شهق بصدمة :
ما هذا ملاك لما ترتدي تلك الملابس !
رفع رأسه يشم تلك الرائحة المنتشرة في الهواء ثم أردف باستغراب :
وما تلك الرائحة لا أستطع التنفس من قوتها ؟
ضحكت على تعابير وجهه وردتّ بتوضيح :
رائحة التوابل والبصل وارتدي هكذا لأن الجميع يساعد في الانتهاء من طعام الغد .
أشارت على العباءة التي ترتديها وملطخة بالصلصة ، تركته وذهبت لتطعم صغيرها فصعد لغرفته وبدل ملابسه وترجل مرة أخرى ليذهب للمشفى ويرى ابن أخيه فقابل آفاق ترتدي نفس العباءة التي ترتديها ملاك .
اقتربت آفاق منه بحماس وسعادة شديدة :
آدم انظر أعد الطعام مع البقية ذلك أول رمضان سأقضيه وسط جو عائلي .
ابتسم بفرحة على سعادتها والتماع عيناها واتساع بسمتها :
وأنا أيضاً .
سألته باهتمام :
كيف ماركوس مازال مريض ؟
هز رأسه بلا شيء وردّ باقتضاب :
لا شيء مصاب بالبرد ودرجة حرارته مرتفعة .
كاد أن يتحرك فوقفت في وجهه تسأله بقلق :
أشعر وكأنك متضايق من شيء تعاملني بخشونة أضايقتك بشيء ؟
هز رأسه بلا شيء متمتماً بجمود :
سأذهب لرؤية آدم وأعود في المساء .
همست بتعجب :
مالوا ده !
عادت تجلس مع نساء العائلة فأشارت لها سمر ( أم يامن ) لتجلس معها وتنهي محشي الكرنب ، جلست أمامها على الأرض وسألتها باستغراب :
ماسال مش هتيجي ؟
سمعت زفرة نادية عند ذكرها لماسال فهزت سمر رأسها بيأس :
لا مخاصمة ماضي وقاعدة في المستشفى مع آدم .
أردفت آفاق بهدوء :
بس الولد هيخرج بليل من المستشفى زميلتي قالت إن حالته أتحسنت والدكتور سمع بخروجه الأحسن يجي ويقضي اليوم مع العيال ويعيش فرحة رمضان .
ردتّ سمر بضيق من تصرفات نادية التي تسببت في شجار ماسال وماضي لأول مرة وتكبر المشكلة فدائماً كانوا ينهوا مشاكلهم في شقتهم ولا يعلم أحد :
والله قولت نفس الكلام وزعلانة من الصبح الواد وحشني بس نقول إيه من حقها تزعل على زعل أختها .
اللهم طولك يا روح أنا خارجة بدل ما أتكلم وتقولوا نادية قالت وعادت .
صاحت نادية بكلماتها بنفاذ صبر وضيق وخرجت .

مساء أمس خاصةً في شقة توبا :
أتأخرتي ليه ؟
سألها ثائر بنبرة هادئة فهتفت بتعجب :
ازاي دخلت أصلا !
ردّ ببديهية :
من الباب ..
نهض من على المقعد واقترب منها فعادت للخلف بتوتر :
فاكرة لما تختفي مش هعرف أوصلك نسيتي أنا مين يا توبا ؟
رفعت عيناها الحزينة متمتمة بتردد :
لازم نبعد عن بعض يا ثائر مستحيل أكون السبب في تدمير علاقتك بأمك .
تاني يا توبا تاني بُعد بمزاجك تاني !
أردف بضيق شديد ثم زفر محاولاً التماسك وعدم الصراخ عليها وأكمل :
توبا مفيش بُعد تاني فاهمه مش هسمح بكده كفاية خمس سنين كفاية يا توبا .
سالت دموعها والألم ينخر قلبها :
عايزة نفضل سوى والله نفسي بس مامتك رافضة ارتبطنا وأنا السبب وعذراها وأنا ..
ارتفعت شهقاتها وأكملت بتشتت مُقلق لا تستطع التخلص منه :
نفسي نعيش سوى بس كل ما بتقرب ومفروض ناخد خطوة جد بخاف من المسؤولية إن يكون ليا أطفال ومعرفش أمارس دوري كأم .. بخاف أوصلهم حبي .. أنا متعودتش على الحب يا ثائر ومعرفش يعني إيه حب يعني إيه اهتمام وحد بحبه يفضل معايا طول الوقت ده حتى ماسال أوقات ببعد عنها عشان خايفة اتعلق بيها واخسرها وأرجع وحيدة تاني !
صمتت تحاول التنفس فعندما تصاب بنوبة الخوف تتثاقل أنفاسها وتبكي بشدة وتصاب بالدوار ، أقترب ثائر منها فابتعدت عنه مكملة بصعوبة من بين دموعها :
كلامي مش معناه إني عايزة أبين إني الضحية لا أنا ظلمتك معايا بُحبي أذيتك كان مفروض محبكش ولا أنت تحبني لأن لما بخاف ببعد يا ثائر وأنا خايفة دلوقتي وعايزة أجري بعيد عنك بس عايزة أفضل معاك وعايزة مامتك توافق نبقى سوى بس خايفة إني أهرب تاني ..
جذبها من معصمها فاصطدمت به وحاولت الابتعاد عنه ولكنه كان الأسرع وعانقها بقوة تكاد تهشم ضلوعها أسفل يده وعلى عكس المتوقع لم تبادله العناق وظلت جامده وكأنها تحولت لتمثال شعر بهدوء أنفاسها وصوتها الحزين :
أنت مش هتزعل أمك وأنا مستحيل أوافق تعمل كده لأني مش هكون البنت اللي خطفتك من أمك علاقتنا منتهية يا ثائر ومعافرتنا ملهاش معنى وأنت عارف كده كويس .
أمسك وجهها بين كفيه وعيناه تلتهم ملامحها وكأنه يحفظها فبعد ذلك ستكون محرمة عليه وهمس بحزن مما وصله له :
ممكن نحاول مرة كمان ..
رفعت كفها تحركه على وجنته مع انزلاق دموعها بحرقة وعيناها تلتحم مع بحر عيناه الثائر وبداخلها رغبة في البقاء هكذا للأبد :
كل الفرص خلصت يا ثائر وأنت مش لوحدك عندك زين لو خيرته بيني وبينها هيختارها لأنها مناسبة أكثر مني تكون أم .
أخرج زفير مطول شعرت بسخونته تلفح بشرتها هامساً بحب ولأخر مرة :
عارفة إني بحبك وهحبك دايماً يا توبا ؟
ابتسمت بهيام وعيناها الذابلة التمعت لوهلة وعادت منطفئه مرة أخرى مستوعبة أنها آخر مرة تسمعها :
عارفة وبحبك بس حان الوقت اللي يكون حبنا فيه من طرف واحد .. مني أنا بس يا ثائر .
اهتزت بسمتها وأكملت مع انزلاق دموعها بكثرة مشوشة رؤيتها :
حان الوقت إن حُبك يكون لرقية لأنها تستاهله يا ثائر .. تستاهله أكتر مني .
عناق طويل وقُبلة على جبينها وانتهى ..
خرج من الشقة تاركاً خلفه امرأة تتصنع التماسك حتى أغلق الباب وسمعت خطواته على السلم وانهارت تبكي وتصرخ بحرقة وندم حتى خارت قواها ونامت مكانها على الأرضية الصلبة الباردة وقلبها يرددّ " حان وقت تذوق ما تذوقه سابقاً " .

كل الآفاق تؤدي إليكWhere stories live. Discover now