الفصل الحادي عشر

48 7 6
                                    

أريد آشلي .. آشلي لا تتركيني
صرخ آدم ذات الست أعوام بانهيار ودموعه تتسابق على وجنتيه وهو يُمسك بشقيقته الأكبر منه بثلاث أعوام ويمنع والدها من أخذها بعدما استطاع الفوز بالحضانة ، بكتّ الأخرى وهي تدفع يدّ والدها وتتشبث بكفّ آدم الصغير فدفع والدها آدم أرضاً ثم حملها ورحل بها للأبد من المصحة تاركاً خلفه صغير يمسك برأسه المصابة أثر دفع الآخر له وينزوي في ركن صغير بغرفة أمه الهائمة في عالم آخر بروحها ووعيها وموجودة بجسدها فقط .
أنت ملعون قاتل أمك أكرهك يا حقير ..
آشلي لا تتركيني ..
أمي انهضي آشلي رحلت للأبد يا أمي ..
أضحيت وحيد يا أمي .. وحيد للغاية !
الأصوات تتداخل وتصدع في رأسه كالنواقيس وصوت آشلي يعيده للواقع وهي تدفعه في صدره وتلكمه وهو يقف مُمسكاً برأسه لا يستوعب ما يحدث وقد انسلخ عن الواقع وأصبح عالق بين الذكريات والواقع .
دفعت آشلي ماضي للخلف بعنف بعدما جذبها بعيداً عن آدم وركلت يامن عندما جذبها يعيق اقترابها من آدم وركضت صوب آدم وفي منتصف طريقها توقفت بصدمة من صراخه بجنون وضّرب رأسه بكفيه بعنف :
توقفوا توقفوا لم اقتلها أقسم هو من ..
قطع بقية حديثه وعيناه مسلطة على الفراغ يرى أمامه الأحداث تتكرر مرة أخرى ، مغادرة آشلي مع والدها ، إصابته في رأسه وجلوسه وقت طويل ينزف قبل أن تلاحظ أحد الممرضات وتداوي جرحه ، وحدته أمام غرفة أمه في انتظار أن يسمحوا له بالدخول ورؤيتها .
لم يستوعب ذلك الكم الهائل من ومضات الماضي ووقع بين ذراعي آفاق التي وقفت أمامه لتمنع آشلي من الاقتراب منه ، فضمته بقوة ولم تستطع تحمل ثُقل جسده فسقطت على الأرض وهو بين ذراعيها مردداً بعدم وعي وبأنفاس عالية :
أريد آشلي .. آشلي لا تتركيني !
دخل في نوبة هلع وصعوبة في التنفس حتى فقد وعيه بين ذراعي آفاق الباكية بخوف وأمامه آشلي المصدومة مما حدث وجُملته الأخيرة ؛ آخر عبارة قالها أثناء انفصالهم عن بعض .
غاب عن الواقع تاركاً علامات استفهام كثيرة على وجوههم من الصدمة وأهم سؤال لم يُجيب عليه " كيف نسى شقيقته آشلي ! "
ونفس السؤال يراوده ماذا حدث لينسى آشلي !

غِبت عن الوعي كمّ يوم ؟
تحدث عُمر بتعب وهو يعتدل ليجلس فسانده عمرو ونوح فحاول النهوض مردداً بقلق شديد على صغيره :
أين تميم غِبت عن الوعي وصغيري مخطوف !
أردف نوح وهو يحاول تهدئته :
أهدأ البقية يقفون على قدم وساق منذ اختطافه وسيجدونه قريباً .
نهض مقاوماً تعبه وتحرك للخارج بعدما جذب هاتفه ومفاتيح سيارته :
لن أجلس بلا حول ولا قوة وانتظر رجوع صغيري سأبحث عنه بنفسي .
اتجه صوب غرفة رنا فوجدها فارغة فالتف ليغادر مستمعاً لنوح :
رنا في القصر أطمئن الجميع جوارها .
هز رأسه بنعم وترجل على السلالم ثم صعد لسيارته ليبدأ بحثه عن سيلفيا متوعداً أنه حين يجدها سيقتلها بلا رحمة وسيأخذ بثائره حتى لو كلفه الأمر السجن أو ترك عمله أو الموت !

أثناء الفوضى التي أحدثتها آشلي ترك الحراس البوابة واتجهوا للقصر بعدما سمعوا صوت صراخ فاستغل أحد تلك الفوضى ودخل للملحق متخفي بملابس سوداء ثم أغلق الباب خلفه ووقف أمام توبا ورددّ بسخرية :
اشتقت لك جميلتي .
أقترب منها أكثر ووضع كفه أمام أنفها فوجد أنفاسها منتظمة مما يدل على نومها بعُمق فأخرج إبرة طبية تحتوي على شيء ودسها في المحلول الموصل لها واكمل بصوت يشبه فحيح الثعبان :
القائد يناديك بذلك الاسم والفاتنة الشرقية أيضاً ، للحق لم يُخطئ فملامحك منحوتة كتمثال إغريقي يُفتن .
لا تنخدع بكل ما هو جميل ..
ارتعشت يدّ الرجل الممسكة بالإبرة الطبية بفزع وفي لحظة كانت توبا تخلع المحلول من يدها وتركله في وجهه ، ترنح للخلف ومد يده يخرج مسدسه فجذبت يده الممسكة بالسلاح وباليد الأخرى تشبثت في رقبته تخنقه بعنف فضغط الآخر على الزناد وانطلقت الرصاصات بعشوائية بسبب فقدانه للسيطرة على السلاح فتوبا تجذب يده وهو يجذبها فاستقرت طلقة في الحائط وبعدها طلقتين في الفراش والمقعد وهو يتحرك يميناً ويساراً ليتحرر منها فسيموت مُختنقاً !
سقط السلاح من يده فجذبها من فوقه ورطمها على الفراش بعنف مما أدى لكسره فتألمت الأخرى ونهضت بسرعة وبراعة وركلته في وجهه ثم معدته فترنح للخلف صارخاً بتألم فقد كسرت أنفه ، اصطدم في مزهرية فمسكها ورماها جهتها فانخفضت توبا مع انفراج الباب ودخول ثائر الذي سمع صوت طلقات النار وركض قبل البقية فانخفض بسرعة لتصطدم المزهرية في الحائط .
وقفت توبا جانباً وهي ترى اندفاع ثائر واشتباكه مع الرجل ولكمه بعنف في وجهه عدة مرات مع دخول يامن وراضي الذين رمقوا توبا بصدمة تلاشاها يامن بسرعة وتحرك يضرب الرجل مع ثائر حتى خارت قواه وقيدوه على المقعد .
التف ثائر لتوبا ورددّ بابتسامة عريضة :
كُنت عارف إنك فايقة .
بادلته الابتسامة وعيناه تلتمع بشوق لرؤية ضحكته موجهة لها واندفعت تحتضنه على غفلة :
كُنت عارفة إنك عارف .
بادلها العناق بشوق شديد ويداه تحاوطها بقوة يخشى فقدانها مرة أخرى فقاطعهم صوت الرجل بغضب :
اللعنة على اليوم الذي أُعجب القائد بجمالك ..
ابتعدت توبا عن ثائر واقتربت من الرجل ثم لكمته بعنف في أنفه فصدع صراخه بتألم وأردفت بقوة :
يقبع خلف ذلك الجمال امرأة مُختلة قاسية مستعدة أن تقضي وقت طويل تُعذبك حتى تقّر عن مكان قائدك المُختل !
جذبت سكين يضعه في حذاءه وثبتته على رقبته وسألته وهي تضغط السكين ببطء حتى أحدثت جرح صغير :
أين أجد قائدك ومنّ هو ؟
ابتسم الرجل باستهزاء فظهرت أسنانه الملوثة بالدماء :
أرتجف خوفاً من تهديدك الأحمق ..
جذب ثائر توبا بعيداً عنه برفق وانخفض لمستوى للرجل راسماً بسمة مريبة دبتّ الرعب في قلب الآخر :
يبدو أنني سأعود لعملي السابق .. سنستمتع سوياً يا رجل !
أنهى حديثه دافعاً رأس الرجل في الحائط ففقد وعيه ثم التفت على صوت يامن الحانق :
بعد إذن خططكم المخالفة للقانون الواد ده هيتسلم للقائد ونبدأ التحقيق معاه قانوني .
كادت توبا وثائر أن يعترضوا فقاطعهم راضي بصرامة :
مفيش لا لازم كل حاجة تمشي قانوني عشان نوصل للي باعته بسرعة .
خرج يامن بعدما كبل الرجل وأخبر قائده بما حدث وأمره بأن يحضره له وخلفه ذهب راضي ليطمئن على آدم ، فاستدار ثائر لتوبا التي رددتّ بسرعة وابتسامة بريئة تتسع على ثغرها
:
أسفة إني خبيت عنك .. عنكم إني كويسة بس صدقني بعد ما فوقت كان أصعب يوم مرّ عليا بعد دفني وبعد ما رجعت لوعيي قررت أكمل في الدور لأن كنت متأكدة أنه بيراقبني وفعلاً سمعت ممرضة بتكلم حد في التليفون وبتقوله إني مش حاسة باللي حواليا .
ضمها في صمت فبادلته العناق والسعادة تظهر على وجهها الباهت لأول مرة منذ مدة طويلة هامسة بعشق :
نفسي الزمن يقف وأقضي عمري كله في حضنك .
رفعت رأسها عن كتفه وهمست بنعومة أمام بحر عيناه الثائر من خطورة قُربها :
أنا بحبك .
أنهت آخر ذرة ثبات لديه فعاود ضمها بشوق شديد هامساً بحُب :
حُبي ليكي فاز على غضبي يا توبا .
انتشلهم صوت نادية بغضب شديد :
وهو مش بيحبك ولا طايقك يا توبا خلي عندك كرامة وأبعدي .
التفتت توبا تنظر لها بضيق فتحرك ثائر يخرج أمه من الملحق فدفعت يده وأكملت حديثها :
ثائر في حُكم خاطب وفري على نفسك المجهود لأنه مش بيفكر فيكي ولا تفرقي معاه .
أنهت جملتها مع دخول ماسال التي ردتّ عليها بدلاً من توبا بغضب :
أنتِ بتتكلمي معاها بالطريقة دي بصفتك إيه أصلاً !
خلاص يا ماسال .
تمتمت توبا بحرج فأكملت ماسال موبخه ثائر بشراسة :
وأنت طالما أمك هتجوزك يبقى تبعد عن أختي .
ردّ بضيق من تصرف أمه :
مش هتجوز حد مين قرر أصلاً !
صاحت نادية بغضب :
أنا قررت يا حبيبي هتتجوز رقية لأننا مش هناسب الأشكال دي تاني .
زمجرت ماسال بغضب شديد :
أتكلمي بأسلوب حلو عننا ، ثائر أنا ماسكة نفسي بالعافية وبحاول أبقى إنسانة راقية ومحترمة فأبعد أمك عني بدل ما اطلع أسوء ما عندي .
يلا يا ماما نرجع القصر .
دفعته بغضب وتقدمت من توبا تجذبها من ذراعها بقوة للخارج وخلفها ثائر وماسال :
أخرجي برة بيتي .
أغمضت توبا عيناها تحاول التماسك فجذبتها ماسال من يدّ نادية متجاهلة قدوم الفتيات وماضي الذي ترك آدم رفقة آفاق وآشلي التي رفضت الرحيل قبل أن يفيق آدم وتتحدث معه :
أختي مش هتروح في حتة ولو قربتي منها تاني ردي مش هيعجب حد .
هتف ماضي بحدة بعدما لاحظ أسلوب حديثها مع عمته :
ماسال ازاي تتكلمي معاها بالأسلوب ده ؟
صاحت ماسال بحدة :
شوف هي بتتعامل ازاي مع توبا بتطردها قدام عيني .
صرخت نادية بغضب :
مش عاجبك أمشي معاها يا حبيبتي .
أحمرت عين ماسال من شدة الغضب والتفتت لماضي الذي تحرك بسرعة يعيق حركتها فقد رأى شرارة الشر تتطاير من عيناها :
سبني بقولك سبني شايف بتطردني طب والله لأمشي يا ماضي وما هتشوف وشي تاني لو حقي وحق أختي مرجعش فاهم ..
انفلتت من يداه متجاهلة حديث توبا بأن تبقى وهي سترحل فجذبتها لسيارتها ودفعتها للمقعد بقوة تحت اعتراضها ثم عادت للملحق وحملت حقيبة ملابس توبا وعادت للسيارة ووضعتها في الخلف والتفتت لماضي الذي أقترب منها مردداً بنفاذ صبر :
أدخلي القصر يا ماسال وبلاش مشاكل وأوعدك هوصل لحل مع عمتي بس دلوقتي لازم أكون جنب آدم .
ردتّ بجمود وإصرار وهي تصعد لسيارتها وتنطلق بها سريعاً صوب المشفى فهي قد عادت لتأخذ ملابس لصغيرها وتعود له مرة أخرى بعدما تطمئن على توبا :
اللي يجيّ على أختي أدوسه يا ماضي ..
زفر ماضي بضيق وعاد للقصر متجاهلاً شجار ثائر وراضي مع نادية فلا وقت لديه ليحل مشاكل الجميع وبالداخل أخيه فاقداً للوعي بعدما عاش في صراع نفسي وجواره امرأة مختلة تُجزم أنها شقيقته وأنه من قتل أمه .

كل الآفاق تؤدي إليكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن