الفصل الثامن

43 8 1
                                    

" متى نتغير ؟
بعد أن يصفعنا أحد الذين أعطيناهم مكانة خاصة ومساحة آمنة ، لا نتغير وحسب بل نكبر مئة عام ."
_دوستويفسكي

الاسم : آدم سُفيان .
الحالة : فاقد للأمان بعدما تعرض لأطروحة الخذلان .
ومُعلق في منتصف بئر خطاياه ..

أتظن موتك بتلك السهولة !
صدع صوت كهسيس ثعبان أضاء رقعة صغيرة في عقل الساقط على وجهه بعدما كان يفارق الحياة قبل قليل ، اعتدل الرجل في وقفته ورمق للساقطين على الأرض ببسمة هازئة بعدما قتل جميعهم في لحظة .
لو كان تأخر ثانية واحدة لكانت روح آدم يحلق في السماء !
رفع قدمه ودفع آدم ليعتدل على ظهره فرمق وجهه الشاحب وأكمل بسخرية مخرجاً هاتفه يلتقط عدة صور معه :
تلك لحظة يجب أن توثق فخليفة سُفيان يرقد بضعف مستسلماً للموت !
اختفت بسمته وحل محلها الجمود :
الموت راحة لك وأنا أريد رؤيتك تُعاني وتطلب مني الرحمة وأخبرك أن وقت السماح قد انتهى ..
انخفض لمستواه وأكمل وهو يعلم جيداً أن الآخر يسمعه فبسبب انقطاع الأكسجين عن رئتيه دخل في حالة من الإغماء :
أنقذتك اليوم من يدّ أبيك وسأنقذك في كل مرة يحاول إيذائك حتى استمتع بتعذيبك ثم ..
ترك جملته فارغة بتهديد وهو يرى آدم يتململ في مكانه وقد بدأ في استعادة وعيه ، زحفت لشفتيه ابتسامة وحشية :
ذكرى صغيرة مني عزيزي آدم حتى ألقاك قريباً .
أخرج سكين صغير فور انتهائه وجذب كفه حافراً عليه رمز البرق مستمتعاً بتألمه ورؤية الدماء تتدفق من جرحه ثم نهض مشيراً لرجاله بالتحرك .
بعد مدة صغيرة :
فتح آدم عيناه بصعوبة فقابل الظلام وضوء بسيط يتخلل نافذة المخزن حيث الوقت قد تخطى الرابعة فجراً ، نظر حوله بريبة فأخر ما يتذكره خنق الرجل له وضحكات حامد المنتصرة وصوت طلقات نارية والكثير من الأصوات المتداخلة منهم صوت يشعر بأنه يعرفه جيداً .
ارتفعت وتيرة أنفاسه تدل على اقتراب انهياره فتمتم وهو يهز سبابته وكأن أحد آخر يجلس أمامه:
لن تبكي سمعت كل هذا بسبب حماقتك ..
أطلق صرخة عالية وبداخله نيران تأكله وظل يصفع نفسه عدة مرات بجنون :
غبي ما الذي كنت تنتظره.. تباً لك آدم .. تباً لك !
انفلتت صرخة عالية منه بحرقة ودفن رأسه بين قدميه ويهتز للأمام وللخلف بهيستيرية :
لن تظهر ضعفك فهمت .. ستأخذ حقك منه بضراوة .
رفع رأسه فظهرت عيناه الحادة الممتلئة بغضب وكُره مع لمعة انكسار لم يستطع محوها بعد ، ثم نهض يتحرك بين جثث الرجال ويرمق جرح كفه مردداً بجمود :
ستكون السيء في رواية الكثير فلا يناسبك غير ذلك الدور عزيزي آدم !
صعد لسيارته منطلقاً بعيداً عن المكان الذي ترك فيه نقطة ضعفه الوحيدة والذي لطالما كرهها طوال حياته .

لن يحبك في يوم أفق من أحلامك الوردية يا فتى .
تحدث سُفيان بصوت الأجش قبل أن يبتسم بانتصار بعدما ارتفعت أسهمه في البورصة بشكل ملحوظ ، أردف آدم بتبرير :
بالتأكيد سيُحبني عندما يعلم عن وجودي فهو ترك أمي قبل ولادتي وعندما أجده ويراني سوف يتقبل وجودي ويسعد كثيراً ..
صمت لوهلة ثم أكمل بنبرة خافتة حزينة :
هو فقط لا يعلم عن وجودي !
نهض سُفيان وجذبه على غفلة من مقدمة قميصه ورددّ بصرامة :
غير مسموح بإظهار ضعفك أحد ولو حتى أنا ..
رأى الحزن يتشكل في عين آدم فأكمل بصرامة ونبرة عالية :
تُدهس يا فتى .. الضعيف يُدهس كالحشرة ولا يلتفت أحد له .
تمتم آدم بتوتر فقائده يتحلى بالهدوء وعندما يغضب يتحول لأسد ضاري يلتهم الجميع :
اعتذر لم أقص..
قاطعه سُفيان بجمود :
لا أريد اعتذار أريد رؤية النتائج.
رمقه الآخر بعدم فهم فأكمل وهو يحرره من قبضته :
غداً أول مهمة لك على أرض الواقع وستحتاج فيها بالتنازل عن مبدأ صغير .
سأله بجدية :
ستقتل أسرة فرانك كلها خنقاً .
هتف آدم بنفور :
ماذا لا يمكن أن أقتل أطفال ونساء أبرياء !
أردف سُفيان بصرامة وهو يتجه لخارج مكتبه :
ذلك عملك وليس لك الحق في الاعتراض .
تمتم آدم أثناء خروجه لينفذ أوامره فإن اعترض سيخسر عمله ويعود للسرقة من الحانات والمطاعم حيث نقطة الصفر .
*****************
بتقولي مراتي اختفت وعايز أبقى هادي !
صرخ يامن بغضب على ثائر بعدما هاتفه ليطمئن إن كانت ملاك معه وأتى صارخاً عليهم أنه تركها في أمانتهم .
زفرت ماسال محاولة التماسك حتى لا تجذب رأسه وتحطمها في الحائط لعله يتوقف عن الصراخ وأسلوبه الهمجي ، رددتّ توبا محاولة تهدئته وهي تقف جواره :
أكيد هترجع يعني هتروح فين بالعيال أهدى بس وأنا هتصرف .
دفع فازة موضوعة على منضدة موجودة جواره فتهشمت مع ارتفاع صوته بغضب :
مش عايز اسمع كلمة أهدى أنا هرجع مراتي على بيتها ..
صدع صوت صرخة غاضبة من ماسال التي تقدمت باندفاع منه لولا توبا التي أحالت بينها وبين يامن :
أنت فاكر نفسك مين ياض يعني غلطان من رأسك لرجلك وكمان بجح ده غير أنك السبب في اللي وصلت ليه وبتكسر الفازة كمان أنت عارف الفازة دي جاية منين ولا بكام !
صاحت بحنق :
أهدي يا ماسال مش كده !
كاد يامن أن يتحدث فقاطعه صوت ماضي المنفعل فهو مضغوط منذ أيام وهُم يزيدوا عليه بشجارهم :
مش عايز أسمع نفس حد هنا مفهوم ده إيه القرف ده !
ارتفع صوت رنين هاتفه فأجاب بسرعة مستمعاً لصوت المتصل الذي كان جارتهم في الحي القديم في القاهرة :
عامل إيه يا ابني فرحت أوي لما لقيت النور منور في شقتكم كنت عايزة أروح أسلم عليكم بس رجلي تعباني فقولت أطمن عليكم لغاية بكره .
ابتسم بفرح فأخيراً وجد مكان شقيقته :
ده أنا اللي هاجي لغاية عندك يا أمي وأسلم عليكي .
أغلق معها مردداً بسعادة وهو يتحرك للخارج بسرعة :
ملاك في شقتنا القديمة في القاهرة .
حملت ماسال صغيرها آدم وركضت خلفه ويامن وتوبا وثائر ركضوا للأسفل خلفهم ، تحرك جميعهم للصعود للسيارات فانطلق يامن بسيارته قبلهم بسرعة جنونية وقبل أن يصعد ماضي لسيارته توقف على صوت ماركوس الذي صف سيارته بعشوائية راكضاً نحو ماضي :
انتظر يا رجل أين آدم ؟
ردّ ماضي بقلق :
لا أعلم تركني في المشفى ورحل .
أردف ماركوس بقلق :
كان يشاهد النجوم برفقتي وأتى له مكالمة وركض بعدها كالمجنون ولا يجيب على اتصالاتي !
وقف ماضي كالتائه لا يعلم ماذا يفعل ، يذهب لملاك ويطمئن عليها أم يبحث عن آدم ، هتفت توبا وهي تحثه ليتحرك بسرعة :
روح أطمن على ملاك وأنا هدور عليه متقلقش .
أردف بتردد :
هتتحركي ازاي من غير عربيتك .
ردتّ وهي تدفع ماسال لتتحرك مع ماضي :
هاخد عربية ماسال أتحركوا بسرعة .
صعد ماضي وماسال وصغيرها للسيارة منطلق بسرعة ليرى شقيقته ثم يبحث عن شقيقه ويعتذر منه والأهم أن يجد آفاق قبل عودة أخيه ، اتصل على عمر أثناء سيره :
وجدتها ؟
ردّ عمر بإرهاق فمنذ ساعات يبحث عنها بلا جدوى :
ليس بعد ولكن أطمئن سأجدها .

كل الآفاق تؤدي إليكWhere stories live. Discover now