الفصل السادس
دخل زاد لغرفة جده بعد وقت طويل من ترك الأخير له، كان صقر يجلس على مقعده في شرفة غرفته يطلع على الجريدة و قدح من الشاي يتصاعد منه البخار على الطاولة أمامه، قال بهدوء مشيرا للمقعد المقابل له فور رؤيته " أجلس زاد، كيف تشعر الأن "
" أنا بخير جدي "
راقب صقر ملامحه الجامدة التي استعادت بعض اللون و ذهب شحوبه رغم أنه ما زال واهن القوى و فاتر الهمة و هذا يظهره حديثه البارد " هذا جيد، أجلس لنتحدث إذن "
جلس زاد بصمت و تطلع للحديقة الكبيرة المحيطة بالمنزل بأشجارها الكثيفة و أحواض الزهور التي تحرص جدته على العناية بها منذ اشترى هذا المنزل منذ سنوات و رغم ابتعاده عن العائلة إلا أنه يعلم كيف يتصرف كل واحد منهم و كيف يعيش حياته و كم تمنى أن يكون بينهم و جزء منهم في الأونة الأخيرة و كم كان يحتاج إليهم بجانبه و لكنه لم يستطيع العودة و بعد ما حدث يشعر بالندم أنه قد عاد لتعود جروحه لتفتح من جديد و يعود الألم مجددا و بأبشع صوره و هو يعلم أنه سبب خيبة أمل لعائلته و حزن لهم. قال صقر بهدوء " غدا زفاف سديم كما تعلم "
قال بصوت مرير " لا تخشى شيء جدي لن أفسد عليها زفافها فإن لم تصدق أنا يهمني سعادتها "
" لم أقل هذا بل قصدت أنها غدا ستكون في منزل جديد و بين عائلة جديدة و لكن هذا لا يمنع أنها تريد من عائلتها البقاء بجانبها و طمأنتها و إعلامها أنهم سيظلون دوما بجانبها "
" و هل أشعرناها بغير ذلك "
" زاد متى ستفهم أنك الأخ الأكبر لهم و أنهم جميعا يريدون منك أن تكون في هذه المكانة أريدك أن تكون لهم المعين و الناصح "
قال بسخرية و هو يقف بجانب سور الشرفة الحديد و يحيط خصره بذراعيه " أنا أبعد ما يكون عن هذا الشخص جدي بالكاد أدير حياتي فلا تنتظر أن أدير حياة الأخرين أو أكون لهم ناصح وقت الحاجة "
" لماذا بني، ماذا ينقصك "
" ينقصني؟ "
نظر لجده و أردف بمرارة " ينقصني أن أكون إنسان سوي يا جدي، حتي أكون ما تقوله "
" و أنت كذلك زاد، لماذا تقول هذا عن نفسك بني "
" لأني هكذا، أنا شخص مريض قام بإيذاء أعز أصدقائه و تسبب في عجزه من يمتلك ذرة من الإنسانية لا يفعل هذا "
نهض صقر و أمسك بكتفيه بقوة و حدق بعيناه بتصميم قائلا " لقد كنت مجرد طفل بني، كانت مزحة و شاء الله أن تنقلب لكارثة، لم تكن تقصد ما حدث و كنت من ضمن من تأذى، زاد بني أنسى ما حدث و حاول أن تحصل على المساعدة لذلك، ما رأيك هل نذهب معا للطبيب سأكون بجانبك "
هز رأسه بعنف " لن أذهب لمكان جدي إذا ضغطت علي رحلت من هنا و لن أعود مرة أخرى صدقني "
أنه عنيد و لكني أفوقه عنادا، قال بفتور " لتريح نفسك زاد لا ذهاب لمكان و الأن هل نتحدث فيما أريدك لأجله "
" و هل هناك شيء أخر غير ما قلت "
" نعم هناك، أجلس زاد و أخبرني برأيك فيما سأطلبه منك"
عاد للجلوس و أنتظر أن يتحدث جده الذي قال بحرارة
" ما رأيك في بيسان العامري "
عقد حاجبيه بضيق " رائي من أي ناحية "
ابتسامة لطيفة زينت فم جده و قال مازحا " ليس من الناحية الفسيولوجية بالتأكيد "
" وضح جدي "
كان مزاجه متعكر و على المحك ليتحول لغضب هادر فالحديث عنها يضايقه و رؤيتها تغضبه فهو لم يكره أحد بحياته كما هذه الفتاة ، قال جده بجدية " هل تستطيع تحملها "
" لماذا "
" كل ما هنالك أن والدها قد هاتفني ووصاني عليها غدا في العرس طالبا مني أن لا نتركها وحدها حتى ينتهي الزفاف فهو لن يأتي و عمها بجاد سينشغل بأولاده "
" وما شأني أنا بذلك"
" لأنك من أخترته لهذه المهمة بني، زاد أنت من سترافقها لحين يمر الزفاف "
قال بجمود متساءل " أنت تمزح جدي؟ " بالكاد أطيق النظر إليها
رد صقر بلطف " لا بني، فقط كن بالجوار ليس مطلوب منك ملازمتها فقط ضع عينك عليها "
" لماذا جدي، ألن تكون مع سديم و دعاء "
" بني بيسان انشغلت معهم في الفترة الماضية بما فيه الكفاية و لكن لهنا و لن تفعل شيء زائد، بيسان لا تحب أن تكون موضع اهتمام و هذا سيكون الحال إذا لازمت سديم و دعاء لذا لن تفعل ستكون بالجوار فقط و الجميع سيكون منشغل عنها بالزفاف و والدها لن يأتي لذا حتى لا تشعر أنها وحيدة و ربما تتعرض للمضايقة من أحد فقط كن بالجوار تعرف حفلات الزفاف دائما ما تكون بها تجمعات للشباب و كل منهم يبحث عن عروس محتملة أو فتاة يتسلى معها "
" لتخبر معتصم فهو قريب منها"
" معتصم سيكون منشغل بفتاته التي ستأتي معه غدا للزفاف لن يهتم ببيسان في وجودها "
صمت و نظر لجده بشك فطلبه ليس طبيعي في ظل الظروف التي حدثت و علمه بكراهيته لبيسان و مع هذا يطلب منه هو دون عن الجميع أن يهتم بها اثناء الزفاف هناك سر خلف طلب جده و هو سيعرفه " حسنا يا جدي كما تريد، سأهتم بها "
قال صقر بحرارة " شكراً لك بني لم تخيب أملي بك "
" أخبرني فقط ما علي فعله "
" لا شيء فقط راقبها من بعيد حتى تطمئن أن لا أحد يضايقها من المدعوين فهي كما ترى جميلة و على خلق و أنيقة الملبس و أيضاً "
قاطعه زاد بضيق " جدي أنا لن أتزوجها "
ضحك صقر بحرارة و ربت على كتف زاد " بالتأكيد بني لن أخبرك بذلك ما لم تأتي بنفسك لتطلبها "
" جدي رجاء"
" كنت أمزح معك بني "
" حسنا شيء أخر "
" هذا كل شيء زاد "
" سأذهب لغرفتي إذن عن إذنك "
و خرج من الغرفة و عاد لغرفته يشعر بالضيق و كأن وضع على كتفيه حملا ثقيلاً ، دخلت بثينة قائلة " فعلت ما برأسك صقر "
ضحكت بخفوت " تعالي ثوثي "
" ستحدث مشكلة بالعائلة عزيزي إذا لاحظ عميها وجود زاد بالقرب منها "
" لن يلاحظ أحد شيء في صخب الزفاف عزيزتي "
" بل سيلاحظ أولاد ابن عمك فهم يلاحظون كل شيء يخص أولادهم "
" حسنا و إذا لاحظوا سأقول الحقيقة "
" إذن لن نرى بيسان هنا مرة أخرى "
" لا تستبقي الأحداث ثوثي لننتظر و نرى "
" كما تريد عزيزي سنرى ما سيحدث أولا سارة الصغيرة و الأن بيسان "
" لن يحدث إلا ما أريده أنا و سأذكرك بذلك "
" أتمنى أن لا يخيب أملك "
أشار لرأسه بغرور مصطنع و قال: " لن يحدث فهنا عقل لا طبق أرز بالحليب "
ضحكت بثينة قائلة " هيا لتتناول غدائك إذن قبل أن تأكل عقلك "
ابتسم و هو يحيط كتفيها بذراعه و يخرج معها من الغرفة
YOU ARE READING
لك في قلبي سكن
Romanceما بين الماضي و الحاضر خيط رفيع يسمى الحيرة هل يستطيع قطعه؟ ليمضي للمستقبل، عليه أن يتقبل ماضيه، ليعيش حاضره، و لكن عندما يتدخل الماضي في المستقبل تصير حياته فوضى، أحياناً يشعر بأنه قوي حد القسوة، و أحياناً هو ضعيف حد الوهن، معها يشعر كطفل رضيع ي...