الفصل الثالث و الستون_الجزء الثاني (وجهةٌ مصوبة)

Start from the beginning
                                    

بكت هي بعد جملته تلك و نزلت دموعها، تزامنًا مع رفعها لذراعيها تُربت عليه بحركاتٍ رتيبة هادئة، فاغمض عينيه و هو يشعر بوخز الدموع بها، و الغصة في حلقه كما هي تحاوطه كما الأسلاك الشائكة، فحتى ازدراد لُعابه يؤلمه.

مررت كفها فوق خصلات شعره الكثيفة و هي تبكي على حالته، ظنًا منها أن مواجهته مع شقيقته تسببت له بألمًا و لم يأتِ بمخيلتها أن الأمور وصلت لذلك الحد، تنهد «وليد» بعمقٍ ثم التفت ينزل لشقته و لكن قبل ذلك دلف يأخذ البطانية الموضوعة بالسطح، ثم اقترب منهما بجثو على ركبتيه و وضع الغطاء على «حسن» ثم ربت على كتفه بألم و الدموع تلمع في مقلتيه، و قبل أن تهم «هدير» بالتحدث، اوقفها هو بإشارةٍ منه ثم تحرك من أمامها، فقررت هي التغاضى عن الحديث لوقتٍ أخر و كل ما يهمها فقط أنه معها و بجوارها حتى و إن كان ممزق الروح، إلا أنها سترممه حتى يعود كما كان.
_________________________

وقف وسط العُمال يُملي عليهم تعليماته و أوامر ضبط العمل، و ما جعله يشعر بالراحة هو انصياع العمال له و لحديثه، فقرر هو أن يتعامل معهم باللين و الهدوء و إن تطلب الأمر سوف يلجأ للحزم و الشدة.

وقف معهم في موقع العمل وسط صخب الأدوات المستخدمة في البناء و صوت العمال إبان حركتهم، و حتى يهرب من ذلك الضجيج قرر مشاركتهم و العمل معهم بأيديه مما جعل العمال يشعروا ببعض الراحة لمعاونته لهم، بعدما ظنوا أنه سيتعامل معهم بتكبرٍ و تعالٍ كمن سبقوه بهذا العمل.

اقترب منه «يوسف» يضع يده على كتفه و هو يقول بهدوء مستفسرًا:
"الله ينور يا هندسة، شكل إيدك حلوة، قولتلي أنتَ خريج إيه؟"

أبتسم له بسخريةٍ تزامنًا مع قوله:
"دا على أساس إني بديك حُقنة؟! اطمن يا سيدي، خريج كلية تمريض"

أبتسم له «يوسف» ثم تحدث بجديةٍ:
"لأ بجد من غير هزار، تسلم ايديك، باين عليك بتاع شغل، مش بتاع قعدة و دلع"

رد عليه مفسرًا:
"الشغل مفيهوش دلع يا يوسف، دي أمانة هتحاسب عليها قدام ربنا، و بعدين عاوز أخلص بقى علشان أمشي، لحد ما أشوف أخرتها"

حرك رأسه موافقًا ثم سأله بثباتٍ:
"تحب تكلم حبايبك ؟! و لا خلاص غيرت رأيك؟!"

سأله متلهفًا بسرعةٍ كبرى بعد حديثه ذاك:
"طبعًا أحب، بس إزاي مش مفيش شبكة هنا؟! و لا فيه صرفة؟!"

أبتسم له بمراوغةٍ ثم قال:
"تعالى معايا يا هندسة، بس عرف العمال إنك هتتأخر"

عقد ما بين حاجبيه و غلف الاستنكار ملامح وجهه و قبل أن يتفوه مُستفسرًا تحدث الأخر بنبرةٍ جامدة:
"هاخدك افسحك قبل ما تتكلم، ها هتيجي معايا و لا إيه؟!"

حرك رأسه موافقًا على مضضٍ فرفع «يوسف» صوته يقول موجهًا حديثه لرئيس العمال:
"عم عبدالعزيز !! تعالى لو سمحت، معلش عاوزك"

تَعَافَيْتُ بِكَWhere stories live. Discover now