الفصل الثالث و الستون_الجزء الثاني (وجهةٌ مصوبة)

Start from the beginning
                                    

حرك رأسه موافقًا دون أن يتحدث، و يكاد يجزم هو أن قلبه يصرخ من الوجع على رفيقه.

ربت على كتفه بحنوٍ ثم تحرك يركب سيارته و الأخر يتحرك بآلية شديدة مثل الجسد الآلي الخالي من الروح، ركب كليهما السيارة و حركها «وليد» بسرعةٍ كبرى يضرب الأرض أسفله بواسطة احتكاك الاطارات بها، حرك رأسه للجهةٍ الأخرى و قد حانت منه التفاتة نحو الجالس بجواره يضع رأسه على نافذة السيارة و عينيه كما هي تشخص في الفراغ، و الدموع متحجرة في عينيه، يود البكاء و الصراخ و لأول مرّةٍ بحياته يشعر بذلك الاحساس الذي حاش طوال حياته يهرب منه و هو احساس "اليُتم"، زفر «وليد» بقوةٍ ثم حرك رأسه ينظر أمامه و هو يفكر في حال رفيقه و الذي من المؤكد أنه يعاني من الويلات على الرغم أنه لم يشعر به، إلا أنه يتفهم وضعه و معاناته جيدًا.

استمرت القيادة في صمتٍ من كليهما، حتى وصل «وليد» إلى وجهته المنشودة و هي بناية سكنه، نزلا من السيارة في تزامنٍ مع بعضهما، صعد «وليد» أولًا و «حسن» خلفه يقف على بعدٍ من باب الشقة، دلف «وليد» يقف على أعتاب الشقة و هو يذكر اسم زوجته التي خرجت له بتعجبٍ و ترقبٍ فأشار لها بالتوقف حينما وجدها دون غطاء لرأسها، توقفت هي ثم سحبت الغطاء تضعه عليها حينما أشار لها نحو الخارج، ففهمت أن «حسن» معه، سألها هو قبل أن تتفوه هي:
"هدير فين يا عبلة ؟! لو نايمة ادخلي صحيها"

ردت عليه هي بهدوء:
"بس هدير مش هنا يا وليد"

استمع «حسن» لتلك الجملة فتحدث بنبرةٍ ظهر بها قلقه بعدما تقدم خطوةً واحدة:
"اومال هي فين؟؟ اوعي تقولي نزلت تاني ؟!"

ردت عليه هي تطمئنه:
"هدير طلعت فوق السطح علشان كانت مخنوقة، فضلت تعيط و طلبت مني مرة واحدة انها تطلع فوق"

تذكر «حسن» أول لقاء فعلي يجمعهما سويًا حينما وقفت فوق غرفة المصعد تحاول القفز من فوقه، فتحرك مسرعًا نحو الأعلى بخوفٍ و قلقٍ أن تكون استسلمت لشيطانها و قررت انهاء حياتها، ركض «وليد» خلفه حتى وصلا معًا ليجدا منظرًا لم يتخيله أيًا منهما، وقفا يزفرا بقوةٍ تنهيدة ممتدة بعمقٍ تتخللها الراحة.

عاد «وليد» خطوةً للخلف، بينما «حسن» أنصاع لرغبة قدميه في التقرب منها، حيث كانت تجلس على السجادة اللتي سبق و وضعها «وليد» يوم قام بتجهيز و ترتيب السطح، جلست هي ترتدي اسدال من ملابس «عبلة» و معها المُصحف الشريف في يدها، و قد جلست تقرأ منه و هي تبكي، اقترب منها يجلس على ركبتيه مقابلًا لها، و على الرغم من وصول عطره لأنفها، إلا أنها لم ترفع رأسها بل أكملت قراءة و هي تبكي بصمتٍ، رفع هو كفه يمسح دموعها، حتى رفعت عينيها الباكيتين تُبصره ببكاءٍ و الدموع تعرف طريقها جيدًا نحو وجنتيها، أمسك هو المصحف ثم أغلقه و وضعه على المقعد المجاور فتحدثت هي بنبرةٍ خافتة و هي تصدق القول بعد قراءة الآيات، بينما هو ألقى بنفسه على فخذيها كعادته و فقط تحدث بجملةٍ واحدة قالها بوجعٍ مزق نياط قلبها حينما استشفت كلماته المُنكسرة:
"طبطبي عليا يا هدير...أنا مليش غيرك أنتِ"

تَعَافَيْتُ بِكَWhere stories live. Discover now