" وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى "

31 4 0
                                    

لقد وَرَدَ في هذه المسألة حديثان عن النبي ﷺ:

أمَّا الحديث الأول: «إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»
[ البخاري (٢٧٣٦)، مسلم (٢٦٧٧) ]

وأمَّا الحديث الثاني: «‌مَا ‌أَصَابَ ‌أَحَدًا ‌قَطُّ ‌هَمٌّ ‌وَلَا ‌حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَو اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي؛ إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا»، فقيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «‌بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا»
[ السلسلة الصحيحة (١٩٩) ]

أولًا: معنى ‹الإحصاء› المذكور في الحديث الأول:

قال العلماء: إن قول النبي ﷺ «مَن أحْصَاهَا» له عدة معانٍ؛ هي:

١ - حِفْظها.

٢ - معرفة معناها.

٣ - العمل بها:

أي أن المسلم إذا علم أن الله هو ‹الأَحَد› فلا يُشرِك معه شيئًا في العبادة.
وإذا علم أن الله هو ‹الرزَّاق› فلا يَطلُب الرزق من غيره.
وإذا علم أن الله هو ‹الصَّمَد› فلا يلجأ لغيره في الشدائد والحوائج.
وإذا علم أن الله هو ‹الرحيم› فإنه يعمل الصالحات التي تكون جالبةً لرحمة الله.
وإذا علم أن الله هو ‹المحيط› الذي لا يخفى عنه مثقال ذَرَّة فإنه يَصُون أقواله وأفعاله وإراداته عن كل ما يغضب الله؛ إذ إن كل شيء مكشوف له سبحانه سواء كان خَفِيًّا أو ظاهرًا.

٤ - الدعاء بها: كما قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
[ الأعراف: ١٨٠ ]

فيقول المسلم مثلًا: «يا غفور، اغفر لي»، أو «يا توَّاب، تُب عليَّ»، أو «يا رزَّاق، ارزقني».

ثانيًا: هل هناك تعارُض بين الحديثَين؟

الجواب أنه لا تعارُض بينهما؛ لأن الحديث الأول ليس معناه أن عددَ أسماء الله الحسنى تسعةٌ وتسعون فقط، وإنما معناه أن أسماء الله الحسنى كثيرة بدليل قول النبي ﷺ في الحديث الثاني: «أَو اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ» ما يعني أن هناك أسماءً لله لا يعلمها إلا هو وَحدَه سبحانه، لم تُذكَر في القرآن ولم يُخبِر بها أحدًا من أنبيائه -عليهم الصلاة والسلام-، ومِن ضمن هذه الأسماء الكثيرة تسعةٌ وتسعون اسمًا موجودة في القرآن والسُّنَّة النبوية، مَن أحصاها دخل الجنة.

ولذلك فإن من العلماء مَن اجتهدوا في استنباط أسماء الله الحسنى عمومًا، يعني توسَّعوا في الاستنباط ولم يلتزموا بالتسعة والتسعين، وإنما تأمَّلوا في القرآن والسُّنة النبوية واستنبطوا منهما كل ما يُمكن أن يُعدُّ اسمًا لله، فتجاوزوا المائة اسمٍ. ومنهم مَن التزموا بالتسعة والتسعين.

وتَجدُر الإشارة هنا إلى أن كل استنباطات العلماء هي مجرد اجتهادات منهم؛ لأن جميع استنباطاتهم مبنية على عدة عوامل كصحة النصوص الواردة في هذا الباب وغيرها من العوامل المُتحكِّمة في النتيجة النهائية للاستنباط، إضافةً إلى أنه لا يوجد نص صحيح صريح يحصر أسماء الله الحسنى.

- انتهى.

تراحلWhere stories live. Discover now