الفصل التاسع والعشرون (ماضٍ لا يُنسى)

ابدأ من البداية
                                    

وقبل أن يخطو خطوة واحدة أوقفه «طارق» وهو يقول بصوتٍ قوي:

"استنى هنا يا أحمد، من إمتى وأنتَ بتتصرف من غير أخواتك؟ أنا موجود هنا يبقى خلاص"

نظر له «أحمد» بضيق ثم قال:
"أنا تعبت يا طارق من هدير و من مُشيرة، وخديجة تعبت، مش هعيش حياتي كلها أنا وخديجة بنتعاقب على اللي حصل"

وقف «طارق» قبالته ثم قال:
"وأنا عارف كل دا، وعارف كمان إن كلنا كنا ظالمين خديجة لما كانت صغيرة، بس صدقني أنتَ لو نزلت دلوقتي الدنيا هتكبر وأعمامك وأبوك وعمتك هيشدوا مع بعض، المواقف دي عاوزة حكمة مش تهور، أنا هكلمها متخافش"

أيده «وليد» في الحديث ثم أضاف قائلًا:
"بالظبط كدا يا طارق، وعلشان كدا أنا عرفتك، هدير مبتتكسفش، واللي يخليها تقول كدا قدام ياسين يبقى أكيد مش هتكون أخر مرة"

ربت «طارق» على كتف «أحمد» ثم قال:
"إهدا يا أحمد ومتقلقش، لِك عليا إنها تكون أخر مرة"

زفر «أحمد» بقوة ثم قال:
"ماشي يا طارق علشان خاطرك أنتَ بس"
________________

في شقة «خديجة» كانت تتناول الطعام مع أسرتها، كان «أحمد» ينظر لها بتمعن وهو يدقق في ملامح وجهها ليرى علامات الحزن بادية عليه، بعد إنتهاء الطعام ساعدت والدتها في تنظيف الطاولة، ثم قامت بإعداد الشاي للجميع وجلست وهي تفكر في أحداث الأمس بأكمله، عند تذكرها لحديث «هدير» شعرت بالإختناق، وقبل أن تستسلم لتلك الدوامة، أتى هو بمخيلتها ليمحي أثار حزنها، فتذكرت فعلته بالأمس وحديثه وإتسعت بسمتها رويدًا رويدًا، نظرت للهاتف في يدها بعدما أصدر هزة بسيطة، فلمحت رسالةً منه أعلى شاشة الهاتف محتواها:

"ياترى قبولي الوحيد فاضي يكلمني ولا السوبر ماركت اللي عندك شاغلك عني؟"

وكالعادة أسفل رسالته ذلك الرمز التعبيري الذي يعبر عن غمز بطرف عينه، إبتسمت ثم قامت بإرسال:

"والحاجات دي مين اللي جابها مش أنتَ؟ يعني لو إنشغلت عنك برضه أنتَ السبب"

إبتسم هو على رسالتها تلك ثم كتب:
"لأ لو الحاجات دي هتشغلك عني يبقى أرجع آخدها تاني"

أرسلت له رمزًا تعبيريًا يدل على اللامبالاة ثم ارسلت بعده:
"تعالى عادي يعني"

إرتسمت على وجهه تعابير الخبث ثم قام بإرسال:
"حلو كدا، أنا بقى هعتبرها رسالة منك أني وحشتك، وأنتِ عاوزة تشوفيني"

إتسعت حدقتيها، وتوترت مما قام بإرساله، هي بالطبع لا تقصد ما وصل لـذهنه، حينما طال صمتها دون ردًا عليه، أرسل لها يُشاكسها:
"طب السكوت علامة الرضا نص ساعة وأكون عندك"

أرسلت له بسرعة كبيرة:
"لأ لأ خليك والله مش قصدي كدا"

نظر حوله فوجد والديه يتحدثان معًا، فقام ودخل الشرفة، وقام بمهاتفتها نظرت هي حولها فوجدت الجميع منشغلين عنها فكان اخواتها ينظرا في هواتفهما، ووالدتها ووالدها يشاهدا التلفاز، إنسحبت بهدوء لكي تدخل غرفتها، فقال والدها لها بنبرة طبيعية:

تَعَافَيْتُ بِكَحيث تعيش القصص. اكتشف الآن