و كم أحسنت الاختيار، التوقيت المناسب و الشخص المناسب، من المفترض أن تكرهها و تحقد عليها، لكنها لا تعلم كيف يحدث هذا !

لا يسع "فاطمة" بوجود "ليلة" المتخم بكافة مظاهر مد العون و كل هذا اللين و اللطف.. إلا أن تنسى الضغينة و الخصومة المبطنة بينهما.. كما يحدث الآن، و هي تضمها بحنوٍ هكذا و تهون عليها

إنها مثل قوة جذب خفية.. علاقة ودّية لا تخضع لأيّ قانون أو ليس لها أيّ صفة ...

_______________

لم تستغرق رحلته بالعودة إلى الوعي وقتًا طويلًا ...

بل كما قال الطبيب، إن هي إلا ساعة أو أقل و سيفيق.. و رغم أنه قضى الليلة السابقة ساهرًا... إلا أنه كان أكثر حرصًا على اليقظة باكرًا

لكنه لم يكن يتوقع أن يشعر بكل هذا الحجم الهائل من الألم.. بمجرد تحريك حدقتيه أسفل جفنيه المغمضين ...

-آاااااااااااااااه !

خرجت الآهة من أعماقه خافتة محمّلة بآلامه و معاناته التي إنبثقت من نقطةٍ ما بذاكرته الآن ...

فما لبث أن شعر بذراعيّ أمه تحيطان به، ثم سمع صوتها يهمس باكيًا بالقرب منه :

-مصطفى !
حمدلله على السلامة يابني يا حبيبي.. ماتخافش يا حبيبي. أنا أمك.. أنا أمك جمبك.. ماتخافش يا حبيبني إنت كويس يا مصطفى ...

كافح "مصطفى" بكل قواه الخائرة ليزيح أجفانه و يحرك أطرافه في آنٍ و هو يغمغم بصوتٍ متحشرج ألمًا :

-فـ.. فا طمة... فاطمة ....

و بعد عدة محاولات نجح في أن يبصر كليًا رغم قطرات العرق المنداحة فوق جبهته مبللة أهدابه.. كان يقاوم ذراعيّ أمه بجهدٍ ضئيل بغية النهوض، بينما تواصل الأخيرة تهدئته :

-على مهلك يا حبيبي. ماينفعش تقوم من السرير كده.. طيب إنت عايز إيه أجبهلك ؟!

لكنه لم ينصت لها ...

فاضطرت "هانم" إلى الإذعان له، فساندته حتى جلس معتدلًا فوق السرير الطبي، و هنا بدأ يعي الأمر تدريجيًا

بدءً من النظر إلى الشاش العريض الذي يلف جزعه العلوي بالكامل، وصولًا إلى فحصٍ سريع لمحتويات الغرفة الطبيّة.. ثم أخيرًا حطت نظراته فوق محيا أمه الشاحب المخبر عن ساعاتٍ طوال قضتها في البكاء عليه

بينما كان مستمرًا بالنظر إليها هكذا، أخذت الذكريات تنهال فوق رأسه كالمطر، ذكريات ليلة أمس كلها، و وصمة الخزي التي صنعها له و لزوجته.. و ذكريات ساعة الظهيرة... حيث أبيه يحط من شأنه و يجلده أمام قومه.. يعذبه و يهينه و يذله.. يفعل كل هذا دون أن يرف له جفن

لا إراديًا... لا شعوريًا.. تجمعت الدموع بعينيّ "مصطفى" و هو ينظر إلى أمه مكسورًا مهزومًا... ثم يغمغم بين شهقتين باكيتين :

وقبل أن تبصر عيناكِМесто, где живут истории. Откройте их для себя